سورة الرّحمن
498 ـ قوله : (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) «7 ، 8 ، 9». أعاده ثلاث (1) مرات ، فصرح ولم يضمر ، ليكون كل واحد قائما بنفسه ، غير محتاج إلى الأول ، وقيل : لأن كل واحد غير الآخر. الأول : ميزان الدنيا ، والثانى : ميزان الآخرة ، والثالث : ميزان العقل ، وقيل : نزلت متفرقة فاقتضى الإظهار.
499 ـ قوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ). كرر الآية إحدى وثلاثين مرة ، ثمانية منها ذكرت عقيب آيات فيها تعداد عجائب خلق الله ، وبدائع صنعه (2) ، ومبدأ الخلق ومعادهم. ثم سبعة منها عقيب آيات فيها ذكر النار وشدائدها على عدد أبواب جهنم (3). وحسن ذكر الآلاء عقيبها ، لأن فى صرفها (4) ودفعها نعما توازى النعم المذكورة ، أو لأنها حلت بالأعداء وذلك يعد أكبر النعماء.
وبعد هذه السبعة ثمانية (5) فى وصف الجنان وأهلها على عدد أبواب الجنة. ثمانية أخرى بعدها للجنتين اللتين دونهما ، فمن اعتقد الثمانية الأولى وعمل بموجبها استحق كلتا الثمانيتين من الله ، ووقاه السبعة السابقة ، والله تعالى أعلم.
سورة الواقعة
500 ـ قوله : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) (
. أعاد ذكرها ، وكذلك : (الْمَشْئَمَةِ) (9) ، ثم قال : (وَالسَّابِقُونَ) (10) ، لأن التقدير عند بعضهم والسابقون ما السابقون. فحذف
__________________
(1) أعاد (الميزان) فقط.
(2) وهى الآيات من 16 إلى 34.
(3) والسبعة الثانية من 34 إلى 45.
(4) على هامش أ : حذفها. من نسخة ثانية.
(5) والثمانية التى فى نعيم الجنان من 47 إلى 61 ، والتى للجنتين دون الأولين من 63 إلى 75.
(ما) لدلالة ما قبله عليه ، وقيل : تقديره : أزواجا ثلاثة. فأصحاب الميمنة ، وأصحاب المشئمة ، والسابقون ، ثم ذكر عقيب كل واحد منهم تعظيما وتهويلا فقال : (ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) (
و (ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) (9) و (السَّابِقُونَ) (10) أى : هم السابقون والكلام فيه.
501 ـ قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ) (58) و (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ) (63) و (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ) (68) و (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ) (71) بدأ بذكر خلق الإنسان ، ثم (ذكر) (1) ، ما لا غنى له عنه وهو الحبّ الذى منه قوامه وقوته ، ثم الماء الذى منه سوغه وعجنه ، ثم النار التى منه نضجه وصلاحه ، وذكر عقيب كل ما يأتى عليه ويفسده.
فقال فى الأولى : (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) (60) ، وفى الثانية : (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً) (65) ، و (فى) (2) الثالثة
لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) (70) ولم يقل فى الرابعة ما يفسدها ، بل قال : (نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً) (73) يتعظون بها (وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ) (73) أى : المسافرين ينتفعون بها.
سورة الحديد
502 ـ قوله تعالى : (سَبَّحَ لِلَّهِ) (1) ، وكذلك الحشر والصف ، ثم (يُسَبِّحُ) فى الجمعة (1) والتغابن (1) هذه الكلمة استأثر الله بها ، فبدأ بالمصدر فى بنى إسرائيل (الإسراء) ، لأنه الأصل ، ثم بالماضى لأنه أسبق الزمانين ، ثم بالمستقبل ، ثم بالأمر فى سورة الأعلى استيعابا لهذه الكلمة من جميع جهاتها (3) ، وهى أربع : المصدر ، والماضى ، والمستقبل ، والأمر للمخاطب.
503 ـ قوله : (ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (1) ، وفى السور
__________________
(1) سقطت من أ.
(2) سقطت من ب.
(3) فى ب : أزمنتها.
الخمس : (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (1) إعادة (ما) هو الأصل ، وخصت هذه السورة بالحذف موافقة لما بعدها ، وهو
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) (4) وبعدها : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) «2 ، 5» ، لأن التقدير فى هذه السورة : سبح لله خلق السموات والأرض ، وكذلك قال فى آخر الحشر بعده قوله : (الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى خلقهما (1).
504 ـ قوله : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (2) ، وبعده
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (5) ليس بتكرار ، لأن الأولى (فى الدنيا (2)) يحيى ويميت ، والثانى فى العقبى ، لقوله : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (5).
505 ـ قوله (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (12) بزيادة (هُوَ) لأن (بُشْراكُمُ) مبتدأ ، وجنات خبره (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) صفة لها (خالِدِينَ فِيها) حال (ذلِكَ) إشارة إلى ما قبله و (هُوَ) تنبيه على عظم شأن المذكور (الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) خبره.
506 ـ قوله : (لَقَدْ (3) أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ) (25) ابتداء كلام (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً) (26) عطف عليه.
507 ـ قوله : (ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) (20) سبق.
508 ـ قوله : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) (22) ، وفى التغابن : (مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (11) ، فصل فى هذه السورة وأجمل هناك موافقة لما قبلها فى هذه السورة ، فإنه فصّل أحوال الدنيا والآخرة فيها بقوله : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ
__________________
(1) فى الأصول : خالقها. والسياق يقتضى ما أثبتناه.
(2) ما بين الحاصرين أكلته الأرضة فى ب.
(3) فى الأصول : (وَلَقَدْ) وليس فيها واو.
وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) (20) (1).
سورة المجادلة
509 ـ قوله تعالى : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ) (2) ، وبعده : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) (3) ، لأن الأول خطاب للعرب ، وكان طلاقهم فى الجاهلية الظّهار ، فقيّده بقوله : (مِنْكُمْ) ، وبقوله : (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) (2) ، ثم بين أحكام الظهار للناس عامة ، فعطف عليه فقال : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) فجاء فى كل آية ما اقتضاه معناه.
510 ـ قوله : (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ) (4) ، وبعده
وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) (5) ، لأن الأول : متصل بعده وهو الإيمان ، فتوعد على الكفر بالعذاب الأليم الذى هو جزاء الكافرين ، والثانى : متصل بقوله : (كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (5) وهو الإذلال والإهانة ، فوصف العذاب بمثل ذلك فقال : (مُهِينٌ).
511 ـ قوله : (جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (
بالفاء لما فيها من معنى التعقيب ، أى فبئس المصير ما صاروا إليه وهو جهنم (2).
__________________
(1) ويجوز ألا يكون تكرارا ، لاتصال الأولى بالدنيا وخلقها ، فالمصيبة مصيبة الدنيا ، والثانية فى الآخرة بدليل قوله قبلها : (يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ) [9] و (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) [10] ، فقوله : (بِإِذْنِ اللهِ) يجيز أن يعفو الله عمن يشاء ويعذب من باب الجواز العقلى.
وجه الاختصار فى الآية الثانية على الوجه الأول : أن ما قبلها مختصرة.
(2) وفى الحديد : (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [15] ، لأن ما فى الحديد تعداد لما حل بهم من آلام ولاية النار لهم ، ومصيرهم السيئ البئيس ولم يلاحظ تعقيبا ، بل هو إخبار عن أن النار لا تفديهم ، لأنها ولى لا يعتق من تحت ولايته وبئست الولاية.
512 ـ قوله : (مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ) (17) بغير فاء ، موافقة للجمل التى قبلها ، وموافقة لقوله : (أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ) (22) (1).
سورة الحشر
513 ـ قوله : (وَما أَفاءَ اللهُ) (6) ، وبعدها : (ما أَفاءَ) (7) بغير واو ، لأن الأول معطوف على قوله : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) (5) ، والثانى استئناف كلام ، وليس له به تعلق ، وقول من قال : إنه بدل من الأول مزيف عند أكثر المفسرين (2).
514 ـ قوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (13) ، وبعده
قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) (14) ، لأن الأول متصل بقوله : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ) (13) ، لأنهم يرون الظاهر ، ولا يفقهون علم ما استتر عليهم ، والفقه : معرفة ظاهر الشيء وغامضه بسرعة وفطنة ، فنفى عنهم ذلك ، والثانى متصل بقوله : (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) (14) أى : لو عقلوا لاجتمعوا على الحق ولم يتفرقوا.
سورة الممتحنة
515 ـ قوله تعالى : (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) (1) ، وبعده
تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) (1). الأول : حال من المخاطبين ، وقيل : أتلقون إليهم؟ والاستفهام مقدر ، وقيل : خبر مبتدأ. أى : تلقون ، والثانى : بدل من الأول على الوجوه المذكورة ، والباء زيادة عند الأخفش ، وقيل : بسبب أو تودوا ، وقال الزجاج : تلقون إليهم أخبار النبى صلىاللهعليهوسلم وسره بالمودة (3).
__________________
(1) وما قبلها : (عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ) [15] ، وبعدها كذلك : (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ) [19].
(2) نقل أبو حيان أن (ما أَفاءَ) الثانية بيان الأولى يبين لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ما يصنع بهذا الفيء ، وعن ابن عطية : أهل القرى المذكورين فى الثانية هم أهل الصفراء وينبع ووادى القرى ، وما هنالك قرى عربية ، وحكمها مخالف لبنى النضير ، ولم يحبس النبى صلىاللهعليهوسلم منها شيئا. (البحر المحيط 8 / 245). وهذا دليل على تزييف من قال : إنه بدل أو بيان.
(3) وكرر ، لأن الأول : فى مودة عدو الله جهرا ، والثانى : فى مودتهم سرا ونفاقا للمؤمنين.
516 ـ قوله : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (4) ، وبعده
لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (6). أنث الفعل الأول مع الحائل ، وذكّر الثانى لكثرة الحائل ، وإنما كرر لأن الأول فى القول ، والثانى فى الفعل ، وقيل : الأول : فى إبراهيم عليهالسلام ، والثانى : فى محمد صلىاللهعليهوسلم.
سورة الصّفّ
517 ـ قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) (7) بالألف واللام. فى غيرها : (افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) (1) بالنكرة ، لأنها أكثر استعمالا فى المصدر فى المعرفة ، وخصت هذه السورة بالمعرفة لأنه إشارة إلى ما تقدم من قول اليهود والنصارى.
518 ـ قوله : (لِيُطْفِؤُا) (
باللام ، لأن المفعول محذوف ، وقيل : اللام زيادة ، وقيل : محمول على المصدر (2).
519 ـ قوله : (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (12) جزم على جواب الأمر ، فإن قوله : (تُؤْمِنُونَ) (11). محمول على الأمر ، أى : آمنوا ، وليس بعده : (مِنْ) ولا (خالِدِينَ).
سورة الجمعة
520 ـ قوله : (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ) (7) ، وفى البقرة : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ) «2 : 95» سبق.
سورة المنافقون
521 ـ قوله : (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) (7) ، وبعده
لا يَعْلَمُونَ) (
، لأن الأول متصل بقوله : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (7) ، وفى معرفتها غموض يحتاج إلى فطنة ،
__________________
(1) الآية رقم 68 من سورة العنكبوت (المراجع : أحمد عبد التواب).
(2) وهو قوله تعالى فى الآية قبلها : (قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) [6].
والمنافق لا فطنة له (1) ، والثانى متصل بقوله : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (
معز لأوليائه ومذل لأعدائه.
سورة التغابن
522 ـ قوله : (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (1) ، وبعده : (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) (4) إنما كرر (ما) فى أول السورة لاختلاف تسبيح أهل الأرض (وتسبيح (2)) أهل السماء فى الكثرة والقلة ، والبعد والقرب من المعصية والطاعة ، وكذلك : (ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) (4) فإنهما ضدان ، ولم يكرر معها (يَعْلَمُ) (3) لأن الكل بالإضافة إلى علم الله سبحانه جنس واحد ، لا يخفى عليه شىء.
523 ـ قوله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) (9) ، ومثله فى الطلاق سواء ، لكنه زاد هنا : (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ) ، لأن ما فى هذه السورة جاء بعد قوله : (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) (6) الآيات. فأخبر عن الكفار سيئات تحتاج إلى تكفير (4) إذا آمنوا بالله ، ولم يتقدم الخبر عن الكفار بسيئات فى الطلاق فلم يحتج إلى ذكرها.
سورة الطّلاق
524 ـ قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) (2). أمر بالتقوى فى أحكام الطلاق ثلاث مرات ، ووعد فى كل مرة نوعا من الجزاء فقال أولا : (يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) ، يخرجه مما دخل فيه وهو
__________________
(1) فى ب : لا فقه له ، من نسخة ثانية.
(2) سقطت من ب.
(3) فى الأصول : ولم يكرر مع يعلم. وما أثبتناه أوضح.
(4) والذنوب هى : إنكار الهداية من البشر (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) [6] ، وإنكار البعث : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) [7].
يكرهه ، ويبيح له محبوبه من حيث لا يأمل. وقال فى الثانى : يسهل عليه الصعب من أمره (1) ويبيح له خيرا ممن طلقها. والثالث : وعد عليه أفضل الجزاء ، وهو ما يكون فى الآخرة من النعماء (2).
سورة التّحريم
525 ـ قوله : (خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ) (5) ، ذكر الجميع بغير واو ثم ختم بالواو فقال : (وَأَبْكاراً) (5) ، لأنه استحال العطف على ثيبات ، فعطفها على أول الكلام (3) ، ويحسن الوقف على ثيبات لما استحال عطف أبكارا عليها. وقول من قال : إنها واو الثمانية بعيد ، وقد سبق.
526 ـ قوله : (فَنَفَخْنا فِيهِ) (12) سبق.
سورة الملك
527 ـ قوله : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) (3) ، وبعده : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) (4) أى : مع الكرة الأولى ، وقيل : هى ثلاث مرات. أى : ارجع البصر وهذه مرة ، ثم ارجع البصر كرتين ، فمجموعها ثلاث مرات.
قلت : يحتمل أن يكون أربع مرات ، لأن قوله : (ارْجِعِ) يدل على سابقه مرة (4).
__________________
(1) وهو قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً).
(2) وهو قوله تعالى : (وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً).
(3) الواو التى قبل وأبكارا لا بدّ منها ، لأن المعنى : بعضهن ثيبات وبعضهن أبكارا.
ويستحيل العطف لأنه لا يمكن أن يكن ثيبات وأبكارا معا.
(إملاء ما من به الرحمن «2 / 141»).
(4) عنى المؤلف بعدد الكرات ولم يذكر سبب التكرار. وأقول : إن رجع البصر فى الكرة الأولى تحد من الله للعالم أن يكتشف الإنسان خللا فى إحكام خلق السموات ، فقد قال
528 ـ قوله : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ) (16) ، وبعده : (أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) (17). خوّفهم بالخسف أولا لكونهم على الأرض ، وبعده : (أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) (1) من السماء فلذلك جاء ثانية.
سورة القلم
529 ـ قوله تعالى : (حَلَّافٍ مَهِينٍ) إلى قوله : (زَنِيمٍ) «10 ، 13» (2) أوصاف تسعة ، ولم يدخل بينها واو العطف ، ولا بعد السابع ، فدل على ضعف القول بواو الثمانية.
530 ـ قوله : (فَأَقْبَلَ) (30) بالفاء. سبق.
531 ـ قوله : (فَاصْبِرْ) (48) بالفاء. سبق.
سورة الحاقّة
532 ـ قوله : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) (19) بالفاء ، وبعده : (وَأَمَّا) (25) بالواو ، لأن الأول متصل بأحوال القيامة
__________________
= بعدها : (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) «3» أى : شقوق. أما رجع البصر الثانى فهو كالأمر بالنظر فى ملكوت السموات ، وهو متجه إلى تحدى الإنسان أن يحصى ما فيها من عجائب الخلق ، أو يحيط بما فيها من كواكب وسيارات. فقد ذكر بعدها : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) [5] كما أعجز الخلق أن يعلموا شيئا عن السموات الأخرى غير الدنيا مهما استعانوا بوسائل الكشف جيلا بعد جيل ، وكرة بعد كرة ، فمهما حاولوا فإن البصر سينقلب خاسئا وهو حسير. والعجز متحقق من الإنسان فى الكرتين ، فى الأولى عجز عن إحصاء الكواكب والسيارات. وفى الثانية عجز عن معرفة حقيقة السماء الدنيا ، والسموات الأخرى.
(1) الحاصب : القذف بالشهب وغيرها.
(2) الزنيم : الدعى من الزنمة وهى الهنة من جلد الماعز تقطع فتخلى معلقة فى حلقة. سمى بذلك لأنه زيادة معلقة بغير أهله. وكان الوليد دعيا فى قريش ، ادعاه أبوه بعد ثمانى عشرة من مولده (البحر المحيط 8 / 310).
ولم يدخل الواو لأن الصفات المذكورة كلها كانت مجتمعة فى الوليد الذى نزلت فيه الآية ، ولو ذكر الواو لاقتضى أن تكون موجودة فيه فى بعض الأحيان دون بعض.
وأهوالها ، فاقتضى الفاء للتعقيب ، والثانى متصل بالأول فأدخل الواو لأنه للجمع.
533 ـ قوله : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ. وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) «41 ، 42». خص ذكر الشعر بقوله
ما تُؤْمِنُونَ) لأن من قال : القرآن شعر ، ومحمد شاعر ، بعد ما علم اختلاف آيات القرآن فى الطول والقصر ، واختلاف حروف مقاطعه ، فلكفره وقلة إيمانه. فإن الشعر : كلام موزون مقفى.
وخص ذكر الكهانة بقوله : (ما تَذَكَّرُونَ) لأن من ذهب إلى أن القرآن كهانة ، وأن محمدا كاهن ، فهو ذاهل عن كلام الكهان ، فإنه أسجاع لا معانى تحتها ، وأوضاع تنبو الطباع عنها ، ولا يكون فى كلامهم ذكر الله تعالى.
سورة المعارج
534 ـ قوله : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) (22). وعقيبه ذكر الخصال المذكورة أول سورة المؤمنون (1). وزاد فيها : (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ) (33) ، لأنه وقع عقيب قوله : (لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) (32) ، وإقامة الشهادة أمانة يؤديها إذا احتاج إليها صاحبها لإحياء حق ، فهى إذن من جملة الأمانة.
وقد ذكرت الأمانة فى سورة المؤمنون (2) ، وخصت هذه السورة بزيادة بيانها ، كما خصت بإعادة ذكر الصلاة حيث قال : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) (34) ، بعد قوله : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ *
__________________
(1) أى بداية من قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ ...) إلى قوله تعالى : (... أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ).
(2) فى قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ).
الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) (23) (1).
سورة نوح
535 ـ قوله : (قالَ نُوحٌ) (21) بغير واو ، ثم قال : (وَقالَ نُوحٌ) (26) بزيادة الواو ، لأن الأول ابتداء دعاء ، والثانى عطف عليه.
536 ـ قوله : (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً) (24) ، وبعده
إِلَّا تَباراً) (28) (2) ، لأن الأول وقع بعد قوله : (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً) (24) ، والثانى بعد قوله : (لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (26) فذكر فى كل مكان ما اقتضاه معناه.
سورة الجنّ
537 ـ قوله : (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا) (3). كرر (أن) مرات ، واختلف القراء فى اثنتى عشرة منها ، وهى من قوله : (وَأَنَّهُ تَعالى ...) (3) إلى قوله : (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ) (14) ، ففتحها
__________________
(1) لم يذكر المؤلف علة التكرار فى الصلاة ، ولا الفرق بين (دائِمُونَ) و (يُحافِظُونَ) وذلك أن ما فى سورة المؤمنون بدأ بذكر الخشوع فى الصلاة إذ لا جدوى بدون الخشوع. ثم ذكر صفات تعين على الخشوع وإقام الصلاة هى :
1 ـ الإعراض عن اللغو. 2 ـ وأداء الزكاة.
3 ـ والعفة. 4 ـ وحفظ الأمانة والعهد.
5 ـ ومن حفظ تلك الخلال حافظ على الصلاة فى وقتها. فقال تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ).
وفى سورة المعارج ذكر العلة التى تزلزل الإيمان وهى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً. وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) [19 ـ 21]. وذكر أنه لا ينجو من تلك العلة إلا من تمكنت الصلاة والخشوع من قلبه ، ودوام عليها حتى دام له معنى الصلاة فيها وفى غيرها من الأوقات ، ذكرا لربه وصلة دائمة به. ثم ذكر سائر الصفات السابقة فى المؤمنون ، وختمها بقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) بالإفراد لتعم وقت الصلاة وغيره. أى : يحافظون على معنى الصلاة فى قلوبهم ، فيها وفى غيرها من الأوقات وهو : (المراقبة لله فى كل وقت) والله أعلم.
(2) تبارا : هلاكا ودمارا.
بعضهم عطفا على (أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ) (1) ، وكسرها بعضهم على قوله : (إِنَّا سَمِعْنا) (1) ، وبعضهم فتح أنه عطفا على (أَنَّهُ) وكسر إنا عطفا على (إِنَّا) وهو شاذ (1).
سورة المزّمّل
538 ـ قوله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) (20) ، وبعده
فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) (20) ، لأن الأول فى الفرض ، وقيل : فى النافلة ، وقيل : خارج الصلاة ، ثم ذكر سبب التخفيف فقال : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) (20) ، ثم أعاد فقال : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) (20) ، والأكثرون على أنه فى صلاة المغرب والعشاء.
سورة المدّثر
539 ـ قوله : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) «18 ـ 20» ، أعاد (كَيْفَ قَدَّرَ) مرتين ، وأعاد (قَدَّرَ) ثلاث مرات ، لأن التقدير : إنه أى الوليد فكر فى بيان محمد صلىاللهعليهوسلم وما أتى به ، وقدر ما يمكنه أن يقول فيهما ، فقال الله سبحانه : (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ). أى : القول فى محمد و (ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) ، أى : القول فى القرآن.
540 ـ قوله : (كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ) (54). أى : تذكير ، وعدل إليها للفاصلة ، وقوله : (إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ. فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) «54 ، 55» ، وفى عبس : (إِنَّها تَذْكِرَةٌ) (11) ، لأن تقدير الآية فى هذه السورة : إن القرآن تذكرة ، وفى عبس : إن آيات القرآن تذكرة (2) ، وقيل : حمل التذكرة على التذكير ، لأنها بمعناه.
__________________
(1) انظر : (البحر المحيط 8 / 347) ولم يذكر هذه القراءة ، وإنما ذكر قراءة الفتح والكسر فحسب.
(2) ويحتمل أن تكون التذكرة الثانية متوجهة إلى قصة الأعمى ، والآيات التى نزلت فيها ، توجيها للمؤمنين وإلى وسائل تربية المسلمين. أما الأولى فللقرآن كله ، لأن المقام مقام الكلام عن الإيمان والكفر ، لا طرائق تربية المسلمين.
سورة القيمة
541 ـ قوله : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (1) ، ثم أعاد فقال
وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (2). فيه ثلاث أقوال (1) : أحدها :أنه سبحانه أقسم بهما ، والثانى : لم يقسم بهما ، والثالث : أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة ، وقد سبق بيانه فى التفسير (2).
542 ـ قوله : (وَخَسَفَ الْقَمَرُ) (
. وكرر فى الآية الثانية
وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) (9) ، لأن الأول عبارة عن بياض العين (3) ، بدليل قوله : (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) (4) (7) ، وفيه قول ثان ، وهو قول الجمهور : إنهما بمعنى واحد ، وجاز تكراره لأنه أخبر عنه بغير الخبر الأول.
وقيل : الثانى واقع موقع الكناية كقوله : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) «58 : 1» فصرح تعظيما وتفخيما وتيمنا.
قلت : ويحتمل أن يقال : أراد بالأول الشمس قياسا على القمرين ، ولهذا ذكر فقال : (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ). أى : جمع القمران ، فإن التثنية أخت العطف ، وهى دقيقة.
543 ـ قوله : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) «34 ، 35» كررها مرتين ، بل كررها أربع مرات ، فإن قوله : (أَوْلى) تام فى الذم ، بدليل قوله
فَأَوْلى لَهُمْ) «47 : 20». فإن جمهور المفسرين : ذهبوا إلى أنه للتهديد ، وإنما كررها ، لأن المعنى : أولى لك الموت ، فأولى لك العذاب
__________________
(1) فى الأصول : ثلاث أقوال.
(2) درج المؤلف على الإحالة على تفسيره ، ولا يوجد كاملا فيما نعلمه من مخطوطات إلى الآن.
(3) لم نجد هذا المعنى فيما لدينا من كتب التفسير.
(4) برق البصر : فزع ودهش.
فى القبر ، ثم أولى لك أهوال القيامة ، وأولى لك عذاب النار. نعوذ بالله منها.
سورة الإنسان
544 ـ قوله : (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ) (15) ، وبعده : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ) (19) ، إنما ذكر الأول بلفظ المجهول ، لأن المقصود ما يطاف به لا الطائفون ، ولهذا قال : (بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ) (15) ، ثم ذكر الطائفين فقال : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) (19).
545 ـ قوله : (مِزاجُها كافُوراً) (5) ، وبعدها : (زَنْجَبِيلاً) (17) و (سَلْسَبِيلاً) (18) ، لأن الثانية غير الأولى ، وقيل : كافورا اسم علم لذلك الماء ، واسم الثانى : زنجبيل ، وقيل : سلسبيلا (1) ، قال ابن المبارك : سل من الله إليه سلسبيلا (2).
ويجوز أن يكون اسمها زنجبيلا ، ثم ابتدأ فقال : سل سبيلا. ويجوز أن يكون اسمها هذه الجملة كقولهم : «تأبط شرّا» و «برق نحره» ، ويجوز أن يكون معنى (تسمى) : تذكر ، ثم قال الله : سل سبيلا ، واتصاله فى المصحف لا يمنع هذا التأويل لكثرة أمثاله فيه.
سورة المرسلات
546 ـ قوله : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) مكرر عشرات مرات (3) ، لأن كل واحد منها ذكرت عقيب آية غير الأولى ، فلا يكون تكرارا مستهجنا ، ولو لم يكرر كان متوعدا على بعض دون بعض.
__________________
(1) قال ابن الأعرابى والزجاج : «لم أسمع السلسبيل إلا فى القرآن ، وهو ما كان من الشراب غاية فى السلاسة». (البحر المحيط 8 / 392).
(2) لم يورد السيوطى فى الدر ، ولا أبو حيان فى البحر ، ولا الزمخشرى فى الكشاف هذا المعنى.
(3) هى فى الآيات : [15 ، 19 ، 24 ، 28 ، 34 ، 37 ، 40 ، 45 ، 47 ، 49].
وقيل : إن من عادة العرب التكرار والإطناب ، كما فى عادتهم الاقتصار والإيجاز ، ولأن بسط الكلام فى الترغيب والترهيب أدعى إلّا إدراك البغية من الإيجاز.
سورة النّبإ
547 ـ قوله : (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) «4 ، 5». قيل : التكرار للتأكد ، وقيل : الأول للكفار ، والثانى للمؤمنين ، وقيل : الأول عند النزع ، والثانى فى القيامة ، وقيل : الأول ردع عن الاختلاف ، والثانى عن الكفر (1).
548 ـ قوله : (جَزاءً وِفاقاً) (26) ، وبعده : (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً) (36) ، لأن الأول للكفار ، وقد قال الله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها). فيكون جزاؤهم على وفق أعمالهم ، والثانى للمؤمنين وجزائهم جزاء وافيا كافيا ، فلهذا قال : (حِساباً) (36) أى : كافيا ، ومن قولك : حسبى وكفانى.
سورة النّازعات
549 ـ قوله : (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) (34) ، وفى غيرها : (الصَّاخَّةُ) «80 : 33» ، لأن الطامة مشتقة من : طممت البئر ، إذا كسبتها ، وسميت القيامة طامة ، لأنها تكبس كل شىء وتكسره ، وسميت الصاخة ، والصاخة من الصخ : الصوت الشديد ، لأنه بشدة صوتها يجثو لها الناس ، كما يتنبه النائم بالصوت الشديد.
__________________
(1) ويجوز أن تكون الأولى لما ينالهم من هزيمة على أيدى المؤمنين ، والثانية لما ينالهم من عذاب الآخرة. ويؤيد هذا أن السورة مكية ، وقرب ما ينالونه من هزيمة ملحوظ ، وكذلك استعمال ثم الدالة على التراخى وتوالى الهزائم. ولم تستعمل سوف للدلالة على أنه قريب بالنسبة له تعالى.
وخصت النازعات بالطامة ، لأن الطم قبل الصخ ، والفزع قبل الصوت فكانت هى السابقة ، وخصت عبس بالصاخة لأنها بعدها وهى اللاحقة (1).
سورة التّكوير
550 ـ قوله : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) (6) ، وفى الانفطار
وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ) (3) ، لأن معنى سجرت عند أكثر المفسرين : أوقدت فصارت نارا ، من قولهم : سجرت التنور ، وقيل : هى بحار جهنم تملأ حميما فيعاقب بها أهل النار ، فخصت هذه السورة بسجرت موافقة لقوله : (سُعِّرَتْ) (12) ليقع الوعيد بتسعير النار وتسجير البحار.
وفى الانفطار وافق قوله : (وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ) (2) ، أى : تساقطت (وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ) (3) ، أى : سالت مياهها (2) ففاضت على وجه الأرض و (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) (4) ، قلبت وأثيرت ، وهذه الأشياء كلها زايلت أماكنها ، فلاقت كل واحدة قرائنها (3).
551 ـ قوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) (14) ، وفى الانفطار : (ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) (5) ، لأن ما فى السورة متصل بقوله : (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) (10) فقرأها أربابها ، فعلموا (4) ما أحضرت ، وفى الانفطار متصل بقوله : (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) (4) ، والقبور كانت فى الدنيا ، فيذكرون ما قدموا فى الدنيا وما أخروا فى العقبى (5) ، فكل خاتمة لائقة بمكانها ، وهذه السورة من أولها شرط وجزاء ، وقسم وجواب.
__________________
(1) لم يذكر المؤلف سورة عبس ، ولعله اكتفى بما ذكره عنها فى آخر سورة النازعات.
(2) فى أ : مائها.
(3) فى ب : قراءتها. تحريف.
(4) فى ب : فعلمت.
(5) فى ب : فتتذكر ما قدمت فى الدنيا وما أخرت فى العقبى.
سورة الانفطار
552 ـ سبق ما فيها ، وقوله : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ. ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) «17 ، 18» تكرار أفاد التعظيم ليوم الدين ، وقيل : أحدهما : للمؤمن ، والثانى : للكافر.
سورة المطفّفين
553 ـ قوله : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ. وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ. كِتابٌ مَرْقُومٌ) «7 ـ 9» ، وبعده : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ. وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ. كِتابٌ مَرْقُومٌ) «18 ـ 20» التقدير فيهما : إن كتاب الفجار لكتاب مرقوم فى سجين ، وإن كتاب الأبرار لكتاب مرقوم فى عليين ، ثم ختم الأول بقوله : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (10) ، لأنه فى حق الفجار ، وختم الثانى بقوله
يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) (21) ، فختم كل واحد بما لا يصلح سواه مكانه.
سورة الانشقاق
554 ـ قوله : (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) «2 ، 5» ، لأن الأول : متصل بالسماء ، والثانى : متصل بالأرض ، ومعنى أذنت ، سمعت وانقادت وحق لها أن تسمع وتطيع ، وإذا اتصل واحد بغير ما اتصل به الآخر لا يكون تكرارا.
555 ـ قوله : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ) (22) ، وفى البروج : (فِي تَكْذِيبٍ) (19) راعى فواصل الآى مع صحة اللفظ وجودة المعنى (1).
__________________
(1) لم يوضح المؤلف ما ستر وراء مراعاة الفواصل من جودة المعنى وما بلغ الغاية من دقته. والذى لاحظته : أن الكلام فى سورة الانشقاق عن الأحياء من الكفار زمن النبى صلىاللهعليهوسلم ، فاستعمل القرآن الفعل المضارع دون اقترانه بما يحول معناه إلى الاستقبال دلالة على كفرهم
سورة البروج
556 ـ قوله : (ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) (11). ذلك مبتدأ والفوز خبره ، والكبير صفته ، وليس له فى القرآن نظير.
سورة الطّارق
557 ـ قوله : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) (17). هذا تكرار وتقديره : مهل ، مهل ، مهل ، لكنه عدل فى الثانى إلى (أَمْهِلْهُمْ) لأنه من أصله ، وبمعناه ، كراهة التكرار. وعدل فى الثالث إلى قوله : (رُوَيْداً) (17) ، لأنه بمعناه ، أى : إروادا ، ثم إروادا. ثم صغر إروادا تصغير الترخيم فصار رويدا وذهب بعضهم إلى أن رويدا صفة مصدر محذوف ، أى : إمهالا رويدا فيكون التكرار مرتين ، وهذه أعجوبة (1).
سورة الأعلى
558 ـ قوله : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى. الَّذِي خَلَقَ) «1 ـ 2» وفى العلق : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (1) ، زاد فى هذه السورة (الْأَعْلَى) مراعاة للفواصل (2) ، وفى هذه السورة : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) (2) ، وفى العلق : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) (2).
__________________
=فى الحال دون أن يغلق عليهم باب الإيمان. فلو قال فى هذه السورة : (فِي تَكْذِيبٍ) لاحتجوا بالقدر. أما فى سورة البروج فالكلام فى الذاهبين من الكفار (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ). وقد ثبت كفرهم وليس لهم مستقبل حياة ، فاستعمل المصدر الشامل لكل الأوقات. ألا ترى أنه قال فى هذه السورة : (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ)؟.
وذلك من دلائل إعجاز القرآن.
(1) وجه العجب : تصرف القرآن الكريم فى الأسلوب بحيث يصلح بمقتضى التقدير موجزا ومسهبا فى تركيب واحد.
(2) ليس الوجه هو مراعاة الفواصل فحسب ، بل إن ما فى سورة الأعلى اقترن اسم الرب بالتسبيح ، والتسبيح تنزيه ، والتنزيه علو ، فاقتضى (الْأَعْلَى) فهو توجه محض إلى الأعلى ، ولذلك أخر (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) [6].
سورة الغاشية
559 ـ قوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ) (2) ، وبعده : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ) (
ليس بتكرار ، لأن الأول : هم الكفار ، والثانى : المؤمنون ، وكان القياس أن يكون الثانى بالواو للعطف ، لكنه جاء على وفاق الجمل قبلها وبعدها ، وليس معهن واو العطف البتة.
560 ـ قوله : (وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ. وَنَمارِقُ) (1) «14 ، 15» كلها قد سبق ، وقوله : (وَإِلَى السَّماءِ) (18) ، (وَإِلَى الْجِبالِ) (19) ليس من الجمل ، بل هى أتباع لما قبلها.
سورة الفجر
561 ـ قوله تعالى : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) (15) ، وبعده : (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ) (16) ، لأن التقدير فى الثانى أيضا : وأما الإنسان فاكتفى بذكره فى الأول. والفاء لازم بعده ، لأن المعنى مهما يكن من شىء فالإنسان بهذه الصفة ، لكن الفاء أخرت ليكون على لفظ الشرط والجزاء (2).
سورة البلد
562 ـ قوله : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) (1) ، ثم قال : (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) (2) كرره وجعله فاصلا فى الآيتين ، وقد سبق القول فى مثل هذا. ومما ذكر فى هذه السورة على الخصوص أن التقدير :
__________________
=وفى العلق اقترن اسم الرب بالقراءة ، وهى رسالة كلف بها النبى صلىاللهعليهوسلم لأهل الأرض. فهو تسبيح مع تكليف ، فاقتضى حذف (الْأَعْلَى) لئلا يستغرقه شهود العلو ، فلا يقوى على أداء الرسالة فى الأرض : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ).
(1) النمارق : جمع نمرقة وهى : البساط.
(2) وسر الشرط والجزاء : بيان فهم الإنسان حكمة الله فيه ، وأنه خاطئ فى نسبة الإهانة إلى الله ، بل أهان الإنسان نفسه بعدم إكرام اليتيم وعدم الحض على طعام المسكين عند الفقد.
لا أقسم بهذا البلد وهو حرام ، وأنت حل بهذا البلد (1) ، وهو حلال ، لأنه أحلت له مكة حتى قتل فيها من شاء (2) وقاتل ، فلما اختلف معناه صار كأنه غير الأول ، ودخل فى القسم الذى يختلف معناه ويتفق لفظه.
سورة الشمس
563 ـ قوله : (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها) (12). قيل : هما رجلان : قدار بن سالف ، ومصدع بن يزدهر (3) فوحد لروى الآية.
سورة الليل
564 ـ قوله : (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) (7) ، وبعده : (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) (10) أى : نسهله للحالة اليسرى ، والحالة العسرى ، وقيل : الأولى : الجنة ، والثانية : النار. ولفظه سنيسره. وجاء فى الخبر : «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» (4).
سورة الضّحى
565 ـ قوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) (9) كرر (أَمَّا) ثلاث مرات ، لأنها وقعت فى مقابلة ثلاث آيات أيضا ، وهى : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى. وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى *
__________________
(1) أخرج الشيخان وأبو داود عن أبى هريرة عن النبى صلىاللهعليهوسلم : «إن الله تعالى حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليهم رسوله والمؤمنين ، وإنها لم تحل لأحد قبلى ، وإنها إنما حلت لى ساعة من نهار ، وإنها لن تحل لأحد بعدى». (تيسير الوصول 2 / 274 ، 275) حلبى.
(2) قتل يوم الفتح عبد الله بن خطل. فقد أخرج الستة عن أنس : أن رجلا جاء إلى النبى صلىاللهعليهوسلم يوم الفتح فقال : ابن خطل متعلق بأستار الكعبة. فقال : اقتلوه.
(تيسير الوصول 2 / 273).
(3) ذكر أبو حيان أن اسمه مصدع بن مهرج ، وقال : استغويا سبعة نفر فكانوا تسعة (البحر المحيط 4 / 330).
(4) أخرجه الإمام أحمد فى مسند (1 / 27 و 4 / 67 و 6 / 441) ، وأبو داود فى السنة وهو حديث وليس بخبر كما زعم المؤلف.