الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
البيت اهل
المواضيع الأخيرة
» كتاب من لايحضره الفقيه ج3
 إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان  Emptyأمس في 10:09 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  كتاب من لايحضره الفقيه ج4
 إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان  Emptyأمس في 5:15 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» كتاب من لايحضره الفقيه ج2
 إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان  Emptyأمس في 7:51 am من طرف الشيخ شوقي البديري

»  فضائل الشيعة فضائل الشيعة المؤلف :أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]
 إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان  Emptyالإثنين نوفمبر 11, 2024 4:39 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» النصّ الجليّ في إثبات ولاية علي عليه السلام
 إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان  Emptyالإثنين نوفمبر 11, 2024 4:22 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» اعراب القرأن ج2
 إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان  Emptyالأحد نوفمبر 10, 2024 4:58 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» اية التطهير
 إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان  Emptyالأحد نوفمبر 10, 2024 10:35 am من طرف الشيخ شوقي البديري

»  إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان
 إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان  Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 5:03 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» إعراب القرآن [ ج ١ ]
 إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان  Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:48 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني




 

  إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

 إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان  Empty
مُساهمةموضوع: إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان     إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان  Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:53 pm

بسم الله الرّحمن الرّحيم
أستهل حديثى هذا بالإجابة عن سؤال هام هو : لماذا هذا الكتاب؟ فأقول إننى ، وعلى امتداد أكثر من نصف قرن من الزمان ، قد حبانى الله بنعمة كبرى بصفتى طبيبا للنساء والحمل والولادة ، وذلك بأن أعايش فى كل يوم ـ بل كل لحظة ـ إبداعه سبحانه وتعالى فى معجزة الخلق البشرى ، فتعودنى المرأة وقد بدأ حملها ، وبالأجهزة الحديثة والعلم المتقدم ، أتابع مسيرتها حتى تضع وليدها ، وأراقب تطورات الحمل لديها وجنينها ينمو من نطفة فعلقة فمضغة فعظام ، حتى ينشأ نشأة بشرية خالصة. ومع كل مرحلة من مراحل هذا الحمل يظل لسانى يلهج بالحمد ، وفؤادى يشتعل بالخشوع ، أمام قدرة الخالق جل جلاله ، وإعجازه البالغ ، وهو يوالى تصوير وتقويم الجنين الصغير ، حتى يكتمل إنسانا له كل مقومات الحياة.
وفى لحظة معينة خطر على بالى خاطر لطيف .. وهو لماذا لا أشرك معى قارئى العزيز فى تذوق حلاوة هذا الإبداع ، ولمس ضخامة هذا الإعجاز. وإذا كان الله قد من على بنعمة هذا العلم ؛ فلما ذا لا أسعى إلى توسيع نطاقه ونشره على غيرى من البشر ، لعل ذلك يعينهم على تعميق إيمانهم وترسيخ عقيدتهم بعظمة الخالق سبحانه وتعالى.
ولهذا كان هذا الكتاب.
وكان القرآن الكريم هو سندى الأوحد ، والمرجع الأساسى لى. فالإعجاز والإقناع فى كتاب الله العظيم علميان وعقليان ، يقدمان الحقائق والمشاهد الطبيعية كآيات لله تثبت وجوده وتؤكد ألوهيته. ولهذا كانت الدعوة فى القرآن الكريم واضحة وصريحة لكل البشر بأن يتدبروا ويتفكروا وينظروا فى هذه الآيات لتستريح

أفئدتهم وتهدأ نفوسهم وتطمئن إلى قدرة الله وعظمته ، ورحمته أيضا. وفى يقينى أن تحقيق هذه الأهداف السامية يتأتى ـ بشكل خاص ـ حين التفكر والنظر فى كيفية الخلق البشرى. وإذا كنا نعايش عملية الخلق بكافة مراحلها وأطوارها ، فإن بيان القرآن الكريم عنها فى آياته يصبح بمثابة التوجيهات والتعليمات التى تقدمها الشركة الصانعة لجهاز أو آلة ، حتى يقرأها ويستنير بها مستعمل الجهاز.
وكمثال لدقة العنوان الذى اخترته لهذا الكتاب ، فإننى أتوقف بقارئى عند كلمة الخلق. فالخلق ـ فى اللغة ـ هو الإيجاد من العدم. وقد أشار سبحانه للخلق ببيانه فى القرآن الكريم أن الانسان أتى عليه فترة زمنية لم يكن فيها شيئا مذكورا : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) [الإنسان : 1]
هنا أرجو ـ أيها القارئ العزيز ـ أن تلاحظ جمال التعبير الإلهى ودقته ، فهو تعالى لم يقل" لم يكن شيئا" وإنما قال (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ،) أى أنه قد كان شيئا ولكن لا يكاد يذكر فى قلة الاهتمام والاحتفال به ، ولعمرى إنها لقمة البلاغة فى البيان.
ثم انظر معى إلى إبداع الخالق فى الخلق .. حيث يتنوع البشر ويختلفون ، ويصبح كل فرد منهم مميزا عن الآخرين. صحيح أن الأصل واحد ، والناس لآدم ، وآدم من تراب ، ولكن شتان بين معادن الخير ومعادن الشر ، وشتان بين نوح وابنه ، وبين لوط وامرأته. وسبحان الخالق البارئ المصور الذى أطلق عوامل الوراثة والاصطفاء لترسم الملامح والصفات ، وتحدد الطول والقصر. سبحانه عز من قائل (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) [الروم : 22]
وقد وجهت اهتماما خاصا إلى محاولة معاونة قارئ هذا الكتاب على متابعة الموضوع دون الحاجة إلى تحمل مشقة البحث عن الآيات القرآنية التى أتعرض لذكرها فى المصحف ؛ لعلمى بمدى صعوبة هذا الأمر وعدم تيسره لمن ليس له إلمام

بجميع آيات الذكر الحكيم. ولذا فقد حرصت فى كل مرة على ذكر الآيات القرآنية بنصها ورقمها وموقعها من السور ، فضلا عن تبويب موضوعى لبعض الآيات التى تحدثت عن الخلق ، لعل ذلك يكون إحكاما لهدف أساسى عندى وهو أن يكون هذا الكتاب فى النهاية مرجعا من المراجع ، إليه قد يعود الباحثون.
وفوق ذلك فقد ألزمت نفسى بأسس العلم الذى تعلمته من ممارستى الطويلة فى مجالى الحمل والولادة ، مع المطابقة بينها وبين آيات القرآن الكريم. وصدرت فى ذلك عن إيمان عميق لدى بأن ما نعلمه وما نمارسه يجب أن يتطابقا مع كل ما ذكره الحق فى كتابه الكريم ، وفى الحديث النبوى الشريف ، وإلا كان علما ناقصا وغير صحيح .. ذلك أنهما من وحى الله تعالى الذى خلق الإنسان وهو أعلم بخلقه سبحانه.
ولست أدعى تبحرا فى الدين أو تفسير آى الذكر الحكيم ، لكننى أفخر بكونى مسلما يسكن الإيمان أعماقه ، ويزداد اقترابا من الله فى كل لحظة يعايش فيها إبداع الخالق جل وعلا ويلمس إعجازه.
من هذا المنطلق ـ مسلحا بالعلم الحديث ـ فإننى أقرأ فى الآية (6) من سورة الزمر وصفا علميا مفصلا عن أطوار خلق الجنين فى قول الله تعالى (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ.) وأفهم من نص الآية ـ بحقائق العلم ـ أن الجنين يمر فى أطوار من بعد أطوار وخلق من بعد خلق. لقد جعل الله الجنين فى ظلمات ثلاث ، هى ظلمة الكيس الأمينوسى حول الجنين .. ثم ظلمة الرحم وجداره .. ثم ظلمة جدار البطن ؛ وقد تكون هذه هى الظلمات الثلاث. والجنين فى أول مراحله يكون من ثلاث طبقات ، وجدار الرحم أيضا ثلاث طبقات. كل هذه الظلمات ثلاث ، وكل منها يمكن أن تفسر الآية الكريمة.
وكان واضحا تمام الوضوح أمامى أننى أخوض حقلا ليس بالسهل. صحيح أن الله قد وهبنى نعمة العلم والخبرة ، لكننى كنت أريد أن أقدم كل ما مارسته طوال عمرى فى إطار إبداع الله سبحانه فى الخلق ، وكيفية بيان آيات القرآن لهذا

الإعجاز ؛ وتلك مهمة صعبة بالفعل. لكن ما شجعنى على التوكل على الله فى إتمام هذا الكتاب ، أننى وجدت البعض قد سبقنى إلى الكتابة فى هذا الموضوع ، كما أن هناك آخرين عاكفون على الكتابة فيه أيضا. كذلك فقد وجدت لدى البعض رؤى جديدة تحمل تفسيرات جديدة فى ضوء ما كشفه العلم الحديث. ولعل المفاجأة التى أسعدتنى حقا عند آخر زياراتى لبلد عربى شقيق أن وجدت واحدا من أبنائه النابغين قد ألف كتابا حول نفس الموضوع ، وأن عرفت أنه كان من بين الطلبة الذين درسوا الطب على يدى.
وتعميما لفائدة القارئ فقد حرصت على أن يكون لكل من سبقنى نصيب فى هذا الكتاب بالإشارة أو العرض أو التلخيص.
ويهمنى أيضا أن أعبر عن الشكر والتقدير البالغين للسيدLENART NILSSON مؤلف الكتاب الرائع A CHILD IS BORN ، والذى لم أتمالك نفسى إزاء روعة الصور الواردة فيه من الاستعانة ببعضها ، والتى بلغت دقتها الاقتراب تماما من حقيقة الأمر الذى يحدث داخل الرحم.
ويبقى أن أقدم الشكر لكل يد امتدت لى بالعون والمساعدة. وأول الشكر ومنتهاه لله سبحانه وتعالى. إننى أسجد لله عرفانا بفضله وشكرا على نعمه الواسعة التى أسبغها على شخصى الضعيف ، فكان هذا الكتاب واحدا من نعمائه ، أتقرب به إليه طمعا فى مغفرته ورضوانه.
وتبقى بعد ذلك كلمات شكر ثلاث ، أولاها للأستاذ الدكتور محمد رأفت عثمان ، أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر ، الذى منحنى من وقته الثمين ما كان ضروريا ؛ لأن يراجع بعلمه الغزير كل ما احتواه هذا الكتاب من اجتهادات فقهية ودينية ولغوية ، فكانت له إضافته القيمة ، فله منى أبلغ الشكر والتقدير على جهده ، وله الشكر على كلمته الرقيقة فى تقديم هذا الكتاب.

أما كلمة الشكر الثانية فهى للفنان شريف تونى ، الذى أثرى بعمله الفنى هذا الكتاب.
وأما كلمة الشكر الثالثة فهى للأخ والصديق عزيز أحمد عزمى. إن لقائى بهذا الرجل يمثل نقطة تحول بارزة فى حياتى.
وفقنا الله ، والله من وراء القصد.
د. محمد فياض
ذى الحجة 1417 ه‍ ـ مايو 1997



تقديم
القرآن الكريم هو كلام الله عزوجل ، المنزّل على سيدنا رسول الله محمد بن عبد الله لهداية البشر وتنظيم أمور حياتهم ، وتحقيق سعادتهم الدنيوية والأخروية ، المعجز بأقصر آية منه.
وقد كتب العلماء والمفكرون فى بيان إعجاز القرآن من ناحية أسلوبه فى البلاغة وسمو كلماته ، كما كتبوا فى بيان إعجازه فى إخباره بأمور بيّن أنها ستحدث ، وقد حدثت كما أخبر القرآن الكريم ، كإخباره عند ما انهزم الروم أمام الفرس بأن الدائرة ستدور على الفرس ويغلبهم الروم ، وقد كان كما أخبر القرآن الكريم.
كما كتب العلماء عن إعجاز القرآن الكريم عند ما يعرض لمجالات علمية أكدتها بحوث العلماء فى العصر الحديث ، وكان أحد هذه المجالات مجال خلق الإنسان ومراحل وأطوار هذا الخلق فى أرحام الأمهات.
وقد اختار عالمنا الكبير الأستاذ الدكتور محمد فياض مجالا تخصص فيه ، وكان أحد علمائه المبرزين ، فبذل جهده العلمى فى إخراج هذا الكتاب الثرى يلقى فيه الأضواء العلمية التى تكشف وتبين الإعجاز القرآنى فى بيان خلق الإنسان ، وعرض ذلك بأسلوب ينم عن إيمان كاتبه العميق بالخالق تبارك وتعالى ، وطلاقة قدرته ، وكمال إبداعه.
ندعو الله عزوجل أن يجزيه خير الجزاء على هذا الإسهام العلمى ، وأن يجعله فى ميزان حسناته ، إنه سميع مجيب الدعاء.
دكتور محمد رأفت عثمان
أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر



الفصل الأول
بداية خلق الكون وخلق آدم وحواء
تمهيد
يدور هذا الكتاب حول موضوع جوهرى رئيسى ، هو كيفية إبداع الله جل جلاله فى الخلق ، وكيفية بيان هذا الإبداع والإعجاز فى محكم آيات القرآن الكريم. وكأنما أراد الله أن يلجم ألسنة البشر الجاحدين ، فإذا به جل جلاله يوحى بهذا القرآن المحكم إلى رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) لينطق بهذا الإعجاز العلمى الفريد ، دون أن يكون قارئا ولا صاحب خبرة علمية سابقة ، لا فى هذا المجال ولا فى غيره.
وما دمنا نتحدث عن إبداع الخالق فى خلقه ، وعن إعجاز بيان القرآن الكريم لهذا الإبداع ، فخير ما نبدأ بالحديث عنه كيفية بداية خلق الكون ، ومن ثم خلق البشر بداية من آدم وحواء.

بداية خلق الكون
عن أبى هريرة قال ، أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيدى فقال : «خلق الله عزوجل التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النون يوم الأربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم ـ عليه‌السلام ـ بعد العصر من يوم الجمعة ، فى آخر الخلق ، فى آخر ساعة من ساعات الجمعة ، فيما بين العصر إلى الليل». (شرح صحيح مسلم)
نحن هنا أمام نص واضح يتحدث عن مراحل بداية الخلق بتفصيل تام ، عبر ستة أيام متساويات ، أو ستة أزمنة ، على اعتبار أن يوما عند ربك يختلف كلية عن الأيام المعلومة لنا فى هذه الحياة الدنيا.
ففى يوم السبت ، أى فى المدة الأولى ، فى الطور الأول ، خلق الله التربة ، أى الأرض الخام الأولى.
وفى يوم الأحد ، أى فى الطور الثانى ، خلق الله تعالى الجبال.
وفى يوم الاثنين ، أى فى الطور الثالث ، خلق الله تعالى الشجر أى كل ما ينبت على الأرض من شجر.
وفى يوم الثلاثاء ، أى فى الطور الرابع ، خلق الله تعالى «المكروه» وهو ما يقوم به المعاش ويصلح به التدبير كالحديد وغيره من جواهر الأرض.
وفى يوم الأربعاء ، أى فى الطور الخامس ، خلق الله تعالى «النون» أى الحيتان ، أى الأسماك والحيوانات البحرية.
وفى يوم الخميس ، أى فى الطور السادس ، خلق الله الدواب ، وهى كل ما يدب على الأرض من طير وحيوان.

وهنا اكتمل خلق الأرض ، بجبالها ، وشجرها ، ومعادنها ، وأسماكها ، وطيرها ، وحيوانها ، هكذا بدأ الخلق.
وفى يوم الجمعة ، أى فى الطور السابع ، فى آخر الخلق ، فى آخر ساعة من ساعات الجمعة ، خلق الله تعالى آدم عليه‌السلام.
عن هذا اليوم ، قال سيد الخلق ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن أبى هريرة : «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، ولا تقوم الساعة إلا فى يوم الجمعة». (مسلم)
الخليفة فى الأرض
يحسن فى البداية أن نبين أن الله استخلف الإنسان فى الأرض بمعنى أن يرسى قواعد العدل ويحكم بأحكام الله فيها.
وقد اختار الله آدم (1) ليكون خليفته فى الأرض (2). لكنه قبل ذلك أكمل ـ عز
__________________
(1) آدم اسم مشتق من أديم الأرض. وتتعدد الأحاديث الشريفة فى هذا الصدد ، ومنها قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «كلكم لآدم وآدم من تراب» ، وقوله «إن الله خلق آدم من قبضة من جميع الأرض».
(2) لعلماء الإسلام أربعة اتجاهات فيمن تكون عنه الخلافة :
* الاتجاه الأول : أن الخلافة تكون عن الله تعالى ، فيقال فى رئيس الدولة خليفة الله ، لأن رئيس الدولة يجب أن يقوم على رعاية حقوق الله فى خلقه ، واحتج صاحب هذا الرأى بقول الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) [الأنعام : 165].
* الاتجاه الثانى : وحكاه الإمام النووى فى كتابه «الأذكار» عن الإمام النبوى ، أنه لا يجوز أن يقال على أحد إنه خليفة الله ، إلا آدم وداود عليهما‌السلام. وذلك لقول الله سبحانه فى حق آدم :
(إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : 30] ، ولقوله سبحانه فى حق داود : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) [ص : 26].
* الاتجاه الثالث : وأجازه الزمخشرى فى تفسيره (الكشاف للزمخشرى ج 1 ص 44) أنه يجوز إطلاق اسم خليفة الله على سائر الأنبياء عليهم‌السلام.
* الاتجاه الرابع : وبه قال جمهور الفقهاء أى الغالبية من الفقهاء ، أنه لا يجوز أن يقال : خليفة الله ، ونسبوا قائل ذلك إلى الفجور ، وإنما يقال الخليفة بإطلاق ، أو خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (تحرير الأحكام لابن جماعة ـ مخطوط بمكتبة الأزهر برقم (1281) رافعى 27500 من الورقة رقم 10 والأحكام السلطانية للماوردى ص 15). أما أنه لا يجوز أن يقال خليفة الله ؛ فلأنه إنما يكون الاستخلاف فى حال الموت أو الغيبة ، والله سبحانه وتعالى باق إلى الأبد ـ

وجل ـ خلق الأرض ، وبارك فيها وقدر فيها أقواتها. جعل جبالها شامخة شاهقة ، وأمطارها نازلة ، وأنهارها جارية ، وأشجارها نامية ، وأطيارها تعلو إلى السماء وتهوى إلى الأرض ، وحيوانها يجرى فى نواحيها ، وباطنها عامرا بالجواهر والدرر.
المطلوب الآن هو مخلوق يسود سيادة مباشرة على هذا كله. مخلوق فيه من صفات هذه الأرض ليتمكن من التفاعل مع ما فيها. وفيه من الصفات ما يؤهله لتلقى تشريعات الله عزوجل وإرساء قواعد الحق والعدل فى الأرض.
لتحقيق ذلك اتجهت إرادة الله سبحانه إلى خلق هذا النائب وهذا الخليفة. وبشر سبحانه الملائكة أجمعين بالنبأ العظيم ، وقال لهم : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)
[البقرة : 30].
إقرار ذرية آدم بربوبية الله
قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ)
[الأعراف : 172 ، 173]
هذا مشهد عظيم أراد الله تعالى فيه أن يبين لبنى آدم وجميع ذريتهم الغاية التى
__________________
ـ لا يلحقه موت ولا يجوز عليه غيبة (مآثر الأنافة فى معالم الخلافة للقلقشندى ج 1 ص 15). وأما إنه يقال لرئيس الدولة خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلأنه خلفه فى أمته فى رياسته العامة فى أمور الدين والدنيا.
وهذا هو أرجح الآراء ، ويؤيد هذا ما روى أن رجلا قال لأبى بكر الصديق رضى الله عنه : يا خليفة الله ، فأنكر عليه أبو بكر ذلك ، وقال لست بخليفة الله ، ولكنى خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.
وقال رجل لعمر بن عبد العزيز رضى الله عنه ـ أحد خلفاء الدولة الأموية ـ : يا خليفة الله ، فقال له عمر ، ويلك ، لقد تناولت متناولا بعيدا ، إن أمى سمتنى عمر فلو دعوتنى بهذا الاسم قبلت ، ثم كبرت فكنيت أبا حفص ، فلو دعوتنى قبلت ، ثم وليتمونى أموركم فسميتمونى أمير المؤمنين ، فلو دعوتنى بذلك كفاك. (الأذكار للنووى ج 7 ص 38 ، ومآثر الأنافة فى معالم الخلافة للقلقشندى ج 1 ص 51 ، ورياسة الدولة فى الفقه الإسلامى للدكتور محمد رأفت عثمان ص 14 ، 24).

من أجلها خلقهم أجمعين. فأشهد الله أرواح بنى آدم على أنفسهم ، أشهدهم أنه ربهم لا شريك له ، وأنه خالقهم ، لئلا يتعللوا يوم القيامة بأنهم كانوا لا يعلمون هذه الحقيقة ، أو أنهم كانوا مقلدين لآبائهم فى الغفلة عنها ، فلا يحاسبون عليها.
وكان هذا هو الميثاق الأول الذى أخذه الله على جميع الناس فى عالم الأرواح ، وقبل هذه الحياة الدنيا.
آدم أولا ثم حواء
أمامنا نص واضح وصريح ، يقول فيه جل وعلا : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) [النساء : 1] ويدلنا هذا النص الواضح الصريح على ما يأتى :
(أولا) أن المقصود بالآية الكريمة هو أمر الله تعالى للناس بتقوى الله عزوجل ، وبيان أن الله خلق الناس من آدم وحواء ، فهى تشير إلى بثه تعالى لخلق كثير من الرجال والنساء ، من نفس واحدة وزوجها ، وهى أصل كل الناس فى الأرض ، ولا يكون ذلك إلا من آدم عليه‌السلام وحواء.
(ثانيا) أن آدم وحواء لم يخلقا فى آن واحد وإنما خلقا فى وقتين اثنين ، ف «النفس الواحدة» هى آدم ، و «زوجها» الذى خلقه الله منها هى حواء ، فهو معطوف على القول الأول. أى أن «النفس الواحدة» (آدم) خلقت أولا ، ثم خلق منها «زوجها» (حواء) بعد ذلك.
وهناك إشارات ودلائل تؤكد ذلك :
(أ) فلو كان سبحانه قد خلق آدم وحواء فى وقت واحد لجاء ذلك مذكورا بوضوح فى كتابه العزيز الذى (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) [الكهف : 49].
(ب) قد لا يفيد حرف العطف (الواو) ترتيبا بين المعطوف والمعطوف عليه فى قوله (وخلق) ، لأن حرف (الواو) كما يقول علماء اللغة لا تفيد إلا مطلق الجمع ، فلا تفيد الترتيب ، فإنك إذا قلت مثلا : جاء خالد وأيمن ، فإن الواو هنا لا

تفيد أن خالدا جاء أولا ثم جاء أيمن ، وإنما أفادت فقط مجيئهما ، لكنه من الثابت أن استعمال حرف الواو غالبا ما يسبق فيه الأول.
(ج) بنفس الطريقة يتكرر الحديث عن موضوع الخلق فى القرآن الكريم ، الأمر الذى يؤكد المعنى المشار إليه. فيقول جل جلاله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) [الأعراف : 189]
(د) يتكرر الحديث فى القرآن الكريم عن مشهد الخلق والأمر بالسجود ، فيقول عز جلاله ـ مثلا ـ (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) [البقرة : 34] ، وهو مشهد يخلو من ذكر وجود حواء.
(ه) ولماذا الحاجة لكل هذه الأدلة وأمامنا القول الفصل فى قوله سبحانه (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) [الزمر : 6]
هل نحتاج إلى بينة بعد ذلك وهو سبحانه يقول إنه خلق الإنسان من نفس واحدة ، (ثم) خلق منه الأنثى ، ومعروف أن (ثم) هى حرف عطف يفيد الترتيب مع التراخى أى التأخير.
الخلاصة الواضحة ، أننا أمام الحقائق التالية :
* آدم خلق أولا
* حواء قد خلقت بعد آدم
* حواء خلقت من آدم نفسه
كيف خلقت حواء من آدم
السؤال جوابه واضح .. فالحقائق تقول إن آدم خلق من تراب ، وإن حواء خلقت من آدم. بهذا نجد أن آدم قد خلق وحده أولا ، ومن التراب ، فإن خلق حواء بعده ، قد لا يستدعى منه تعالى أن يخلقها من تراب أيضا ، ما دام الصنو والمثل موجودين فى آدم. وقد أرادت حكمته أن يخلق حواء من أحد أجزاء آدم ، لكى يأنس إليها ويسكن إليها ، لا يفزع منها ولا ينفر.
ويعطينا الحديث النبوى الشريف دليلا آخر.

فقد جاء فى المروى من الحديث الشريف فى صحيح البخارى : «استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع ..» والضلع المقصود فى حديث النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو ضلع آدم. هكذا بيّن العلماء.
وجاء فى الجامع لأحكام القرآن للقرطبى أن آدم بقى وحيدا فى الجنة بعض الوقت ولم يكن معه من يستأنس به ، فألقى الله تعالى عليه النوم وأخذ ضلعا من أضلاعه اليسرى ووضع مكانه لحما ، وخلق منه حواء ، فلما استيقظ وجد امرأة عند رأسه ، فسألها : من أنت؟ قالت : امرأة ، قال : ولم خلقت؟ قالت : لتسكن إلىّ.
وإلى مثل ذلك ذهبت التوراة إذ جاء فى الإصحاح (2 ـ 21 ـ 22) ما ترجمته : «ألقى الله على آدم نوما عميقا ثم أخذ منه أحد أضلاعه. ومن الضلع الذى أخذه الله من الرجل خلق المرأة».
وحرصا منى على ذكر كافة الآراء التى دارت حول هذا الموضوع ، فيهمنى الإشارة إلى أن الدكتور محمد وصفى فى كتابه (الارتباط الزمنى والعقائدى بين الأنبياء والرسل) يرفض فكرة خلق حواء من أحد ضلوع آدم ، ويرى أنها خلقت من نفس العناصر والمكونات التى خلق منها آدم. وفى رأيه أن حديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدل على معنى مجازى وهو أن الرجل يفقد المرأة ويضيعها إذا ما حاول مقارنة ضعفها وأنوثتها بصفات الرجولة ، فهى كالضلع الذى وضعه الله فى القفص الصدرى معوجا فإذا حاول أحد تقويمه أضاعه وأفقده وظيفته.
مم خلق آدم؟
آدم ـ كما أسلفنا ـ اسم مشتق من أديم الأرض. فسمى آدم ـ كما يقول بعض العلماء ـ بما خلق منه. وشاء الله أن يخلق جسم آدم طورا بعد طور ، رغم أنه سبحانه قادر على خلقه فى التو واللحظة ، فهو القائل جل جلاله : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) [القمر : 50].
فكان خلق آدم على مراحل وأطوار .. فى البداية كان التراب والماء ، فكان الطين ، كما قال تعالى : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ

طِينٍ) [السجدة : 7]. وترك الطين أجلا معلوما حتى صار لازبا أى شديد التماسك فيقول تعالى : (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) [الصافات : 11]. ثم ترك جسد آدم زمنا حتى صار صلصالا من حمأ مسنون. والحمأ هو الطين الذى تغير لونه واسود ، والمسنون : المصبوب لييبس. وهو ما يقول عنه سبحانه (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) [الحجر : 26]. وبعد هذا الطور مضى أجل مسمى عند الله تعالى حتى صار الحمأ المسنون صلصالا كالفخار ، وهو ما يقول عنه جل جلاله (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) [الرحمن : 14]. والمعروف أن لفظ الصلصال يشير إلى أجزاء التربة الخصبة الغنية بالعناصر الستة عشر التى يتكرر وجودها فى التربة الزراعية ، وفى جميع النباتات والحيوانات. وفيما يلى جدول يبين هذه العناصر ، مرتبة بنسبة وجودها فى كل من التربة الزراعية ، وفى جسم الإنسان.


وبعد تمام تسوية جسد آدم ، نفخ الله فيه الروح فصار بشرا سويا. فيقول جل جلاله ، (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) [الحجر : 29]. ومفهوم هنا أن سجود الملائكة لآدم كان سجود تكريم لا سجود عبادة.
أين خلق آدم؟
يخبرنا الحديث النبوى الشريف أنه سبحانه وتعالى خلق آدم من تراب هذه الأرض وفيها. ولكن فى أى مكان فى هذا العالم ، هنا تتراوح أقوال المفكرين وظنونهم ، فمن قائل إنه خلق فى الهند ، ومن قائل إنه خلق فى بلاد النهرين. ولكن الحقيقة المؤكدة هى أن أحدا من الناس لم يشهد خلق آدم ، فكيف يتحدث البشر فيما لم يشاهدوه.
ولكن روى حديث نبوى يخبرنا أن الله تعالى خلق آدم على جبل عرفات. ففى الحديث الذى يرويه الإمام أحمد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان ، يعنى عرفة ، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قائلا : ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ، أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين».
جنة آدم
ينتهى بنا هذا الحديث النبوى الشريف ـ إذا صح ـ إلى حقيقة ساطعة هى أن الجنة التى أسكنها الله آدم وزوجه ، وأمر فيها الملائكة بالسجود لأبى البشر ، والتى وسوس فيها إبليس ، كانت حديقة فى الأرض لها أوصافها التى جاءت فى القصة. وهذا هو القول الذى ذهب إليه غالبية المفسرين ، واحتجوا فى ذلك بعدة أشياء منها أنه لو كانت جنة الخلد لما أكل آدم من الشجرة رجاء أن يكون من الخالدين ، وأن جنة الخلد لا كذب فيها وقد كذب فيها إبليس ، ثم إن من يدخل الجنة لا يخرج منها ، وآدم وامرأته قد خرجا منها. إضافة إلى ذلك ؛ فإن جنة الخلد لا يسمح الله

بالدخول فيها إلا بعد الحساب ، فهى دار جزاء لا دار امتحان. ولو كانت جنة آدم هى جنة الخلد لما خفى ذلك عن آدم ، وهو الذى علمه الله الأسماء كلها ، ولما خدع بقول إبليس له (يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) [طه : 120].
وحيث إن هدفى من إيراد هذه المعلومات هو استيفاء كل جوانب قصة خلق آدم وحواء ، فيبقى أن أشير إلى نقطة أخيرة وهى ما الذى أكله آدم وزوجه. لقد أسكن الله آدم وزوجه الجنة وأمرهما بأن يأكلا رغدا حيث شاءا ، لكنه سبحانه وتعالى حرم عليهما شجرة معينة ، حرم عليهما أن يأكلا منها ، بل وحرم عليهما القرب منها مبالغة فى التحذير. وقد ذهب الناس مذاهب شتى فى تحديد هذه الشجرة ـ لا يقوم على أى منها دليل ـ فقيل الحنظلة ، وقيل النخلة ، وقيل الكافور ، وقيل التين ، وقيل السنبلة أو الكرمة ، وقيل هى نوع من أنواع الموز يصلح للطبخ يسمى «موز الفردوس» ، وقيل هى التفاح ولذلك سميت جوزة الحلقوم باسم «تفاحة آدم».
ولكن يبقى فى النهاية أن نؤكد أن أبرز ما يجب ملاحظته فى ختام قصة خلق آدم وحواء هو مبادرتهما بالتوبة ، حيث لم يترددا فى الاعتراف بذنبهما ، فقبل الله توبتهما لعلمه بصدق نيتيهما (1).
__________________
(1) يتفق هذا مع قوله تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) [النساء : 17 ، 18]

الفصل الثانى
تاريخ علم الأجنة
تمهيد
ليس معقولا ، ولا مقبولا ، أن نتحدث عن الأجنة كما وردت فى محكم كتاب الله الكريم ، دون أن نلقى بنظرة ، ولو سريعة ، على تاريخ علم الأجنة. ونحن هنا سنحاول أن نسلط أضواء عابرة على الجهود التى بذلها السابقون ، وهم يحاولون سبر أغوار الطبيعة وكشف مكنوناتها ، فى مجال الأجنة وكيفية تكونها.
وكغيره من العلوم وتاريخها ، فإن تاريخ علم الأجنة يرتبط بشكل أساسى بتاريخ العلوم عامة. صحيح أن هذا العلم يتناول بالتأصيل كل أشكال الحياة الراقية ، لكنه بنفس القدر يتصل بالتطور التاريخى للتفكير الفلسفى ، حتى إن عبارة «فيلسوف الطبيعة» كانت هى الوصف الذى يستخدمه العالم فى الإشارة لنفسه منذ القدم ، وكان الآخرون أيضا يستخدمونها فى الإشارة إليه.

مراحل تاريخ علم الأجنة
اصطلح المتخصصون على تقسيم تاريخ علم الأجنة إلى ثلاث مراحل ، هى :
أولا : المرحلة الوصفية
تمتد هذه المرحلة قرابة خمسة وعشرين قرنا ، من القرن السادس قبل الميلاد وحتى القرن التاسع عشر ، وهى مرحلة اتفق العلماء على تسميتها بمرحلة «علم الأجنة الوصفى» ، حيث اقتصرت أدبيات هذه المرحلة الطويلة على وصف الملاحظات المتعلقة بظاهرة تطور الجنين ، مع محاولة تفسيرها بطرق متنوعة. وكان غياب المنطق أمرا طبيعيا مع انعدام وجود الأجهزة التى يمكن أن تساعد العلماء والدارسين على فهم حقيقة التطورات التى تمر بها حياة الجنين.
لكننا نقف بالإجلال والاحترام ـ فى هذا المجال ـ أمام حضارة مصر الفرعونية القديمة ، التى لم تترك واحدا من جوانب الحياة دون أن تقتحمه بالعلم والدراسة ، ومن بينها الحمل والولادة.
الحمل والولادة عند الفراعنة
كان حرص المصريين القدماء كبيرا على إنجاب الأطفال ، وكان حرص المصريات مضاعفا على الحمل ونجاحه. وكان المصريون القدماء يؤمنون بوجود الإله القادر. وفى نفس الوقت كانوا يقدسون بعض الحيوانات فى صورة معبودات نوعية يقدم كل منها خدمة معينة. كانت هناك المعبودة «تاويريت» على هيئة أنثى فرس النهر ، وترمز إلى الخصب البشرى كما تحمى الحوامل من الوضع المتعسر. وأيضا «أبيس» ،

العجل المقدس ، ويرمز إلى القوة الجسدية والتفوق فى النسل. وكذلك «حقت» ، المعبودة التى ترسم برأس ضفدعة ، وكانت تساعد الحوامل فى الولادة. وكان هناك أيضا «خنوم» ، ويظهر فى هيئة رجل له رأس كبش ، وأمامه عجلة الفخار يشكل عليها الطفل قبل مولده. وكانت هناك «نيت» ، ونسب إليها أنها إلهة التناسل ، وأنها عظيمة الاهتمام بالحوامل. وكانت هناك أيضا «مسخنت» على هيئة سيدة يعلو رأسها نبات مائى ، وكانت معبودة للولادة.
وفى باب السحر والتمائم ، نذكر أن المصريين القدماء ـ وخصوصا النساء ـ كانت لهم رقى يتلونها عند الحمل والولادة. وكانت هناك علامة «عنخ» التى ترمز للحياة ؛ فضلا عن الجعران (وكان يأخذ صورة الإله رع كرجل يحل فيه الجعران محل رأسه) ، وكان رمزا للتجدد والخلود. ولكى تضمن المرأة الحامل الحصول على ولادة سهلة وطبيعية ، فقد كانت تستعين بتميمة تصور امرأة راقدة على سريرها فى هدوء وراحة شديدتين ، وإلى جوارها طفلها الذى وضعته فى يسر وبلا معاناة.
ومن بين أحد مظاهر السمو والرقى فى حضارة مصر الفرعونية ، يبرز وجود النساء الطبيبات. فهناك لوحة تصور الطبيبة «بسيشيت» Peseshet ، وتحمل ألقابا كثيرة منها «المشرفة على الأطباء» و «رئيسة الطبيبات» ، مما يفهم منه أننا أمام سيدة عظيمة المقام ؛ ومعها مجموعة من النساء يمارسن الطب كطبيبات مؤهلات ولسن مجرد قوابل (دايات). ولا شك أن عدد هؤلاء الطبيبات كان كبيرا من أجل مواجهة حاجة المجتمع إلى التكاثر والتناسل ، وكن يتمتعن بقدر كبير من الاحترام والتكريم باعتبار أنهن اللائى يتلقين المولود الجديد على أيديهن ، سواء كان هذا المولود لفرعون أم لوحدا من عامة الشعب. والجدير بالذكر هنا أن الطبيب الرجل (ويطلق عليه اسم «سونو») لم يكن يشارك إطلاقا فى عملية الولادة.
كان المصريون القدماء على معرفة تامة بماهية الإسهام الذى يؤديه الذكر فى عملية الحمل ، بل إن الأدب المصرى يعطى للرجل «الدور الجميل» Beau Role فى تلك العملية. لكنهم لم يعرفوا ما الذى يحدث «للبذرة» فى الداخل ، لكن المصريين القدماء تأكدوا من وجود نوع من العلاقة بين عدة أشياء مثل الخصيتين والقضيب والمنى وبين الحمل. وكان الرأى العلمى لديهم أن المنى ينبع من الحبل الشوكى

(وهى نظرية استمرت تظهر وتختفى فى طب أوروبا فى القرن التاسع عشر). وربما يكون مرجع ذلك إلى الكهنة الذين كانوا يذبحون القرابين ، وكانوا يعتقدون بأن قضيب الثور يعتبر امتدادا لعموده الفقرى. ومن هنا كان اهتمامهم بالعظمة الموجودة فى آخر أربع أو خمس فقرات فى نهاية العمود الفقرى عند العجز باعتبار أنها المسئولة عن الحفاظ على منى الرجل ، ثم ارتبط هذا الاعتقاد بأسطورة تقطيع جسم «أوزوريس» ، ومن هنا جاء الاسم التقليدى لهذه العظمة وهوOs Sacrum أى «العظمة المقدسة».
ونتوقف عند محطات قد تكون عابرة لكنها ذات مغزى ومعنى فى بيان ما كان فى جعبة المصريين القدماء عن الحمل : (شكل 1)
مدة الحمل : عرف المصريون مدة الحمل ، بعكس ما يقول به البعض. ففى إحدى البرديات الطبية (وستكار) نجد «خوفو» يسأل الساحر «دجيدى» Djedi متى ستتم ولادة «ريدجدت» Reddjeddet فيجيبه قائلا : «سوف تولد فى الخامس عشر من أول شهر الشتاء ، وتلك فترة تتراوح بين 275 و 294 يوما». وهذه الفترة تحديدا هى التى تقول عنها بعض الروايات والأساطير إنها مدة حمل «إيزيس» فى «حورس» ونقرأ على أحد التوابيت ـ فى برلين ـ العبارة التالية : «أمك احتفظت بك حتى اليوم الأول من الشهر العاشر».
منع الحمل : قدم الطبيب المصرى القديم للبشرية أول وسيلة لمنع الحمل فى التاريخ ، بهدف مساعدة المرأة على ضبط الإنجاب ، فكان بذلك الإنجاز الرائع سابقا لأقرانه من أطباء عصرنا بأكثر من أربعة آلاف عام. ففى بردية (ايبرس) الطبية نجد الوصفة التالية لمنع الحمل :
وصفة 783 : بدء الأدوية التى تجهز للنساء : علاجا لمنع الحمل لمدة سنة واحدة أو سنتين أو ثلاث سنوات : جزء (قا) من السنط ـ حنظل (ظرت) ـ بلح ـ يصحن ناعما مع (هن) من العسل ـ شعر بذرseed Wool يبلل به ويوضع على فرجها».
ويلاحظ أن هذه الوصفة تتضمن ما يمكن فهمه على أنه لبوس ، تستمر صلاحيته مدة تتراوح بين السنة وثلاث سنوات ، وهى فى المفهوم الطبى فترة كافية لأن تسترد المرأة صحتها وتستعيض ما فقدته فى آخر حمل لها من كالسيوم ومعادن وغيرهما.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

 إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان  Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان     إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان  Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:54 pm

(شكل 1) صورة من إحدى البرديات الطبية الفرعونية لتصور قدماء المصريين عن تكوين الجنين داخل الرحم
فيما بعد الفراعنة
يذهب بعض الباحثين ، إلى أن اليونانيين القدماء هم أول من ربط العلم بالمنطق بفضل تعليلهم للملاحظات بالمنطق لا بالقوى السحرية الغامضة. ويرصد بعض الباحثين ظهور مفهوم أساسى خلال هذه المرحلة من تاريخ علم الأجنة يعرف ب «التغير المتعاقب» ، حيث هيمنت كتابات أرسطوطاليس وجالينوس.
ونتوقف قليلا عند أرسطو ، الذى أطلق عليه فلاسفة المسلمين لقب المعلم الأول ، والذى عاش فى القرن الرابع قبل الميلاد (384 إلى 322 ق. م.) وكان

أرسطو أول من خصص جانبا من بحوثه لعلم الأجنة بناء على ملاحظاته على أجنة الطيور والحيوانات. صحيح أنه انزلق إلى عالم الخرافات والأساطير ، إلا أن ذلك لا يعيبه فقد كانت تلك أحوال عصره وزمانه ، والعالم ليس إلا محصلة ونتيجة لمعلومات عصره.
وقد لخص أرسطو فى بحثه عن الأجنة معتقدات أهل عصره ورأيه فيها ، واعتبرها تندرج تحت نظريتين (1) :
الأولى : وهى أن الجنين يكون جاهزا فى ماء الرجل فإذا دخل ماء الرجل الرحم انعقد ، ثم نما كما تنمو البذرة فى الأرض يستمد غذاءه من الرحم.
الثانية : أن الجنين يتخلق من دم الحيض حيث يقوم المنى بعقده مثلما تفعل الأنفحة باللبن فتعقده وتحوله إلى جبنة. وليس للمنى دور فى إيجاد الولد قط ؛ وإنما هو دور مساعد مثل دور الأنفحة فى إيجاد الجبنة.
ومنذ عام 200 بعد الميلاد ، وحتى القرن السادس عشر ، لم تسجل أية معلومات تذكر عن الأجنة فى المؤلفات العلمية فى الغرب ، ولو لا الكتّاب المسلمون الذين عكفوا على الترجمة لفقد العلم كثيرا من كنوز مؤلفات اليونانيين.
وانطلاقا من القرن السادس عشر تدافعت نشاطات البحث العلمى حول موضوعات الخلق والتكوين ، وأصبحت محل نقاش دائم ، وهو ما نستعرضه فيما يلى :
تبين بعض الرسوم ، خلال القرن السادس عشر ، كيف يتكون الجنين من كتلة دموية وبذرة ، وهذا المفهوم الخاطئ قال به أرسطو طاليس وانتقل على مر القرون ، وكان الاعتقاد السائد فى هذه الحقبة أن الجنين يتولد من دم الحيض.
والجدير بالذكر هنا أنه فى الوقت الذى سادت فيه هذه الفكرة عند جميع الأطباء إلى ما بعد اكتشاف المجهر ، كان علماء المسلمين يرفضون فكرة أن يتولد الجنين من دم الحيض ، مستندين إلى آيات قرآنية عديدة مثل قوله تعالى : (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) [القيامة : 37] ، والأحاديث النبوية التى رويت فى هذا المجال. وكان هذا
__________________
(1) خلق الإنسان بين الطب والقرآن ، د. محمد على البار

واحدا من صور السبق للقرآن الكريم والسنة النبوية لما كان مستقرا عند أهل العلم من غير المسلمين.
وعند ما نستعرض صفحات التاريخ فإننا نجد أمامنا رسما ممتازا لتطور جنين دجاجة من أعمال «فابرسيويس» (1604) ، وربما لجنين الدجاجة المتخلق يظهر بوضوح تام (وهى الفلقات التى تعرف اليوم أنها تحتوى على خلايا تولد الجزء الأكبر من الهيكل العظمى للجسم وعضلاته ، وهو رسم ل «مارسيللو مالبيجى» (1672) ونشرت فى نفس الوقت تقريبا مجموعة أخرى من الرسوم ، منها بعض صور أجنة الدجاج وأخرى تظهر تخلق الجنين البشرى.
هنا تجدر الإشارة إلى أن فكرة الخلق التام للإنسان من أول مراحله كانت تسيطر فى تلك الفترة على أذهان العلماء ، حيث كانوا يعتقدون أن التخلق الإنسانى ليس إلا زيادة فى الحجم لصورة واحدة تتسع أبعادها بمرور وقت الحمل.

(شكل 2) شكل يبين الحيوان المنوى
أما نقطة التحول الجذرية فتمثلت فى اختراع المجهر ، وهو الأداة التى توجت تقدم علم الأجنة الوصفى ، وفتحت الطريق أمام ظهور الحقيقة بأكملها. فقد أدى التطور إلى إعلان كل من «هام» و «فان لوفينهوك» اكتشاف الحوين المنوى (1) (شكل 2) ، وتظهر صورة الحوين المنوى البشرى التى نشرت فى عام 1071.
ويبدو أن اكتشاف المجهر فى تلك الأثناء لم يكن كافيا لتوضيح تفاصيل تكوين الحوين المنوى ، وترتيبا على ذلك فقد قام العلماء بإكمال الصورة من خيالهم ، وعادوا إلى التعبير عن الفكرة
__________________
(1) الحوين تصغير كلمة الحيوان.

السائدة لديهم وهى أن (الإنسان يكون مخلوقا تاما فى الحوين المنوى فى صورة قزم)
(شكل 3). ونجد تجسيدا لهذه الحقيقة فى الرسم الذى قدمه «هارتسوكر» للحوين المنوى (1694) بعد اكتشاف الميكروسكوب بفترة. الخلاصة أن العلماء فى تلك الفترة لم يعرفوا بعد أن خلق الإنسان فى رحم أمه يمر بأطوار مختلفة الخلق والصورة.
ومن عجب أن نجد أن هذه الحقيقة تقررت فى القرآن الكريم والسنة المطهرة قبل ذلك بقرون عشرة. فالقرآن الكريم يقرر أطوارا لخلق الإنسان. فى مثل قوله تعالى : (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) [الزمر : 6].

(شكل 3) صورة من رسم العالم هارتسوكر حيوان منوى بهيئة مخلوق تام التكوين (سنة 1694)

وكان «مالبيجى» ـ الذى يعتبر أبا لعلم الأجنة الحديث ـ قد ظن أن بيضة الدجاجة غير المخصبة تتضمن شكلا مصغر الدجاجة ، وذلك إثر دراسته لبيضة دجاجة غير ملقحة عام 1675. وبينما كان فريق من العلماء يرى أن الإنسان يخلق خلقا تاما فى بييضة المرأة ، كان فريق آخر يقرر أن الإنسان يخلق خلقا تاما فى الحوين المنوى. ولم ينته الجدل بين الفريقين إلا حوالى عام 1775 ، عند ما أثبت «سبالانزانى» أهمية كل من الحوين المنوى والبييضة فى عملية التخليق البشرى.
هذا فى الوقت الذى نجد فيه أن هذه القضايا قد حسمت بشكل قاطع فى القرآن الكريم والسنة النبوية قبل ذلك بمئات السنين ، مؤكدين أن التخلق هو عملية مشتركة بين الذكر والأنثى. ومثال ذلك قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) [الحجرات : 13].
ثانيا : علم الأجنة التجريبى :
لم تكتشف بييضة الثدييات إلا فى أواخر القرن التاسع عشر. واعتبارا من نهاية القرن التاسع عشر وحتى الأربعينيات من القرن العشرين ، بدأت المرحلة التاريخية الثانية ، وهى علم الأجنة التجريبى ، وذلك بكتابات «فون باير» و «داروين» و «هيجل». وكان «فون باير» عملاقا فى عصره فى هذا المجال ، فقد قفز بعلم الأجنة من التجارب والمشاهدات إلى صياغة المفاهيم الجنينية لا العكس.
كذلك تميزت المرحلة التاريخية الثانية بالبحث عن (الآليات). وبرز اسم «ويليهيلم روكس» فى هذا المجال ، وانتقلت الدراسة الجنينية من وصف الملاحظات إلى التدخل ومعالجة الكائنات الحية المتطورة.
وقد شغلت مسألة معرفة الآلية التى يحدث فيها التمايز بين الخلايا اهتمام الباحثين أمثال «ويلسون» و «تيودور» و «بوفيرى» و «هاريسون» ، وبدأ «أوتو واربورج» دراسات عن الآليات الكيميائية للتخلق ، ودرس «فرانك راترى ليلى» طريقة إخصاب الحوين المنوى للبييضة ، كما درس «هانس سبيما» آليات التفاعل النسيجى كالذى يحدث خلال التطور الجنينى ، ودرس «يوهانس هو لتفرتر»

العمليات الحيوية التى تظهر بعض الترابط بين خلايا الأنسجة فيما بينها وبين خلايا الأنسجة الأخرى.
ثالثا : مرحلة التكنولوجيا الحديثة :
وتمتد هذه المرحلة من الأربعينيات حتى يومنا هذا. وقد أدى تطور الأجهزة والتقنيات الحديثة إلى إحداث تأثير كبير على مجرى البحوث والدراسات ، حتى وصل الأمر إلى أن ما كنا نعرفه قبل أعوام قليلة أصبح يتغير كلية مع التقدم التكنولوجى المتسارع.
وعلى سبيل المثال فإن المجهر الإلكترونى ، وآلات التصوير المتطورة الأخرى ، وقياس الشدة النسبية لأجزاء الطيف ، والكمبيوتر ، ومجموعة وسائل الكشف عن البروتينات والأحماض النووية ، والكربوهيدرات المعقدة وعزلها وتحليلها ، يمكن أن تعتبر كلها عوامل تجعل علماء «الأحياء البيولوجى النمائى» اليوم فى وضع يسمح لهم بإجراء تجارب كانت تبدو قبل عقد من الزمن مجرد حلم خيالى. ويمكننا اليوم أن نجرى تحليلا دقيقا مفصلا لسطح الخلايا خلال تمايزها. ويمكننا أيضا أن ندرس دور النواة ، وجبلة الخلية (السيتوبلازم) ، والمنابت خارج الخلية باستخدام تهجين الخلايا وغرس النواة وغرس الجينات فى الرحم ، وغير ذلك من التقنيات. ويمكننا أن ننظر الآن إلى الأجنة بوضوح لم يكن يمكن تصوره فى زمن العالم «مالبيجى». ويمكننا أن ننظر داخل هذه الأقسام لنفهم آليات التمايز الطبيعى والشاذ وأيهما أفضل.
الخلاصة :
يدلنا استعراض تاريخ الأجنة على أن البشرية اهتمت بكشف أسرار التخلق البشرى. فاقتصرت الدراسات الأولى على استخدام الوصف التخيلى كنتيجة حتمية لقلة الوسائل التقنية المتقدمة آنئذ ، وبعد اختراع المجهر اتسمت الدراسات بدقة أكبر وإن ظلت تستخدم الوصف إلى جانب الأساليب التجريبية. ولم يتم

التوصل إلى فهم أدق ووصف أشمل للتخلق الجنينى إلا فى هذا القرن وباستخدام الأجهزة الحديثة فقط.
اللافت للنظر هنا ، أنه قبل أربعة عشر قرنا من الزمان ، كانت آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية المطهرة تتضمن وصفا دقيقا ، شاملا ، صحيحا ، للتخلق البشرى ، مع بيان مفصل للتتابع المرحلى المضبوط لكل الفترات. مثل قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : 12 ـ 14]


الفصل الثالث
آيات من القرآن الكريم
وأحاديث نبوية تتحدث عن مراحل التخليق البشرى
تمهيد
عند ما كنت أقرأ القرآن ، كانت تطالعنى عبر صفحاته كثير من المصطلحات والتعابير الفنية والعلمية التى نتداولها فى عملنا فى مجال طب النساء والحمل والولادة. وحيث إننى قد تصديت لموضوع كيفية بيان آيات القرآن الكريم لإعجاز الخلق الإلهى ، فقد رأيت من المفيد أن أحاول تجميع كل الآيات التى تتعرض لموضوع الخلق فى الأرحام ، لعل فى ذلك فائدة للقارئ والباحث. ولم يفتنى بالطبع أن أدرج فى هذا التجميع المبوب بعضا من الأحاديث النبوية الشريفة التى تعرضت للموضوع نفسه.

بسم الله الرّحمن الرّحيم
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : 12 ـ 14]
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) [الطارق : 5 ـ 7]
(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ) [الإنسان : 2]
(قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) [عبس : 17 ـ 19]
(وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى) [النجم : 45 ، 46]
(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [البقرة : 223]
(يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) [الزمر : 6]
(وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ) [المؤمنون : 17]
(أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) [يس : 77]
(وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) [مريم : 9]
(هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران : 6]

(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) [الإنسان : 1 ـ 2]
(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) [الانفطار : 6 ـ 8]
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) [غافر : 67]
(ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) [نوح : 13 ، 14]
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين : 4]
(وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) [النساء : 1]
(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) [الفرقان : 2]
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) [الفرقان : 54]
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) [الروم : 21]
(أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك : 14]
(أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (37) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) [القيامة : 37 ـ 39]
(اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) [الرعد : 8]
(وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) [الليل : 3 ، 4]
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) [العلق : 1 ، 2]
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا) [الحجرات : 13]

(وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) [النبأ : 8]
(اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) [الروم : 54]
(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر : 49]
(أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ) [الواقعة : 58 ، 59]
(أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (21) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) [المرسلات : 20 ـ 23]
(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ) [القصص : 68]
(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (Cool ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) [السجدة : 7 ـ 9]
(هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الحشر : 24]
(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) [الحجر : 86]
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) [النحل : 4]
(أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) [الكهف : 37]
(الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) [الأعلى : 2 ، 3]
(وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) [فصلت : 47]
(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) [الشورى : 49 ، 50]
(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذاريات : 49]

(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت : 53]
(وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذاريات : 20 ، 21]
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) [الحج : 5]
(وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) [الأعراف : 11]
(بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) [يس : 81]
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) [فاطر : 11]
(اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [الروم : 11]
(وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً) [البقرة : 259]
(وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل : 78]
(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) [المؤمنون : 78]
(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) [الملك : 23]
أحاديث نبوية شريفة
قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :
«إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها ، وخلق سمعها ، وبصرها وجلدها ، ولحمها وعظامها ، ثم قال : يا رب أذكر أم أنثى فيقضى ربك ما شاء ويكتب الملك». أخرجه مسلم ، وأبو داود ، والطبرانى ، وجعفر الفريانى
«مر يهودى برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يحدث أصحابه فقالت

قريش : يا يهودى إن هذا يزعم أنه نبى ، فقال لأسألنه عن شىء لا يعلمه إلا نبى ، قال فجاء حتى جلس ثم قال : يا محمد مم يخلق الإنسان؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا يهودى من كل يخلق من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة». مسند أحمد
فيما رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال : حدثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو الصادق الصدوق قال : «إن أحدكم يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون فى ذلك علقة مثل ذلك ، ثم يكون فى ذلك مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقى أو سعيد». صحيح مسلم ج 4 ص 2036 ـ 2643.

الفصل الرابع
مراحل الخلق كما وردت
فى القرآن الكريم
تمهيد
سبحانك يا الله ... يا عظيم ..
قرآنك الكريم يحتوى بين صفحاته كل تفاصيل مراحل الخلق البشرى ، بينما كان الجهل يبسط ظلامه على عقول البشرية جمعاء. كلماتك الصادقة تعبر أفضل تعبير عن الحقيقة العلمية ، بينما كان الناس يتخبطون بين مفاهيم ونظريات لا علاقة لها بالحقيقة ولا نصيب لها من الصحة. أما الأمر المثير للخشوع فعلا فهو أن المراحل الصحيحة ، موجودة متكاملة ، بألفاظ وعبارات وصفية دقيقة ، منذ أربعة عشر قرنا من الزمان ، ولم يتمكن العلم الحديث من إيجاد بديل لها ، أو على الأقل معادل لها.
ولا مبرر للدهشة .. فنحن أمام كلمات الله القادر العليم ..
وسوف نستعرض ما لدينا من شواهد وحجج فى هذا السياق.

علم القرآن الكريم .. فى مواجهة جهل البشرية
منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام ، نص القرآن الكريم ـ بكلمات صريحة واضحة ـ على أن خلق البشر يتم على مراحل ، من خلال أطوار متتابعة متلاحقة. واستخدم القرآن فى عرضه لمراحل الخلق مصطلحات علمية دقيقة ، لم يقف العالم على عتبة المعرفة بها إلا منذ مائة عام أو أكثر قليلا.
وفيما عدا علماء المسلمين ، فإن كل هذه الحقائق لم تكن معروفة لدى علماء البشر حتى منتصف القرن الماضى. فمنهم من كان يعتنق النظرة الإغريقية بأن الجنين يتخلق من دماء الحيض. وعند ما اخترع الميكروسكوب فى القرن السابع عشر ، واكتشف الحيوان المنوى ، كان اعتقاد العلماء أن كل خلية منوية تحمل كائنا بشريا كامل الخلق دقيق الحجم ، وهكذا اتجهوا إلى تجاهل الإسهام الوراثى للأنثى فى تخليق الجنين. ثم اكتشفت البييضة فى القرن الثامن عشر ، فاتجه العلماء إلى الاعتقاد بوجود كائن بشرى متكامل التخلق دقيق الحجم فيها ، وهكذا قصرت أفكارهم عن دور الذكر فى التناسل. إجمالا نقول إن محصلة كل هذه المعتقدات والنظريات الخاطئة كان الاعتقاد بأن الحمل منذ بدايته يحتوى على كائن بشرى متكامل الخلق.
أما القرآن الكريم فقد عرض لعملية الخلق من خلال أطوار ومراحل متتالية ، منها السريع ومنها البطىء ، منذ البداية حتى النهاية ، (مثل : سلالة من ماء مهين ـ نطفة ـ علقة ـ مضغة) ، وبتسميات تنطوى على تحديد دقيق للخصائص والوظائف الأساسية (مثل وصف الرحم بأنه «قرار مكين»). بل إن المصطلحات القرآنية تتحدث عن أحجام بالغة الصغر للجنين لا يمكن رؤيتها ولا قياسها إلا تحت الميكروسكوب فقط ، فالنطفة يبلغ قطرها (1 ر 0 ملم) ، والعلقة يتراوح طولها بين (7 ر 0 ـ 0 ر 3 ملم) ، والمضغة طولها (2 ر 3 ـ 13 ملم). أما اختيار حروف العطف فقد جاء متميزا للتدليل على توقيت حدوث المراحل والأطوار الرئيسية الأربعة ، فجاء حرف (ثم) للإشارة إلى المراحل الأساسية ، وجاء حرف (الفاء) للإشارة إلى المراحل الفرعية التى تحدث بتتابع سريع نسبيا.
ومن يقرأ القرآن الكريم يجد أن هناك وحدة متماسكة. فى الحديث عن الخلق

ومراحله وأطواره ، لا تتغير فيها المفاهيم ولا الألفاظ ، مهما تكررت الإشارة إليها فى آيات الذكر الحكيم. فنحن إذن أمام حقيقة علمية صحيحة دقيقة ، لا تختلف مصطلحاتها ولا تتعارض ألفاظها .. وحاشا لله ، فكيف يحدث هذا التعارض والخلاف ، وهناك رب واحد عليم هو قائلها.
وتعالوا نقرأ سويا نماذج من هذه التعبيرات الإلهية البالغة الدقة :
أولا : عن المفهوم الأساسى فى الخلق : ومفاده أن الله هو الخالق :
(بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) [يس : 81]
(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) [الحجر : 86]
(أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك : 14]
(هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) [الحشر : 24]
(ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) [نوح : 13 ، 14]
(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) [الإنسان : 1]
(وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) [مريم : 9]
(وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) [فصلت : 47]
(اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) [الرعد : 8]
(يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) [الزمر : 6]
(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) [الشورى : 49 ، 50]

ثانيا : مرحلة البداية : فيها الإشارة إلى المنبع والمصدر اللذين بدأ منهما الخلق :
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) [المؤمنون : 12]
(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) [السجدة : 7 ، 8]
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) [الطارق : 5 ـ 7]
(أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) [المرسلات : 20]
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) [غافر : 67]
(أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ) [الكهف : 37]
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) [فاطر : 11]
(أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ) [الواقعة : 58 ، 59]
ثالثا : مرحلة التخليق : وهى مرحلة المتغيرات المتلاحقة ، من النطفة إلى العلقة ، إلى المضغة ، إلى العظام ، إلى كسوتها باللحم :
النطفة :
(فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ) [المرسلات : 21]
(ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ) [المؤمنون : 13]
(أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) [الكهف : 37]
(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ) [الإنسان : 2]

(مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) [عبس : 19]
(وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى) [النجم : 45 ، 46]
(أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ) [يس : 77]
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) [غافر : 67]
(أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) [القيامة : 37]
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) [النحل : 4]
العلقة :
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) [العلق : 2]
(ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) [المؤمنون : 14]
(ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى) [القيامة : 38]
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) [غافر : 67]
المضغة :
(فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) [المؤمنون : 14]
(فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ) [الحج : 5]
العظام :
(فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً) [المؤمنون : 14]
(ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً) [البقرة : 259]
رابعا : مرحلة النشأة : وفيها تتم التسوية والخلق :

(الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) [الانفطار : 7 ، 8]
(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) [المؤمنون : 78]
(ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) [المؤمنون : 14]
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) [غافر : 67]
(وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) [الحج : 5]
(أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) [الكهف : 37]
(ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) [فاطر : 11]
(الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) [الأعلى : 2]
(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) [الفرقان : 2 ، 3]
(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (49) [القمر : 49]
(إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) [المرسلات : 22 ، 23]
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين : 4]
(هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران : 6]
كل هذه النصوص الصريحة والواضحة ، والعلمية الدقيقة ، تشرح لنا الحكمة الإلهية فى خلق الإنسان ، والتى تنتهى بتحديد الهدف المطلوب ، وهو ما يقوله رب العزة فى سورة الحجرات (الآية 31) :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)
وبتفصيل أكثر اتساعا نمضى فى رحلتنا مع الآيات القرآنية الكريمة لكى نزداد استيضاحا حول مدى إعجازها فى بيان خلق الإنسان.

الفصل الخامس
الطور الأول
البداية
تمهيد
لا بد من أنه توجد نقطة معينة ، عندها يبدأ الخلق.
وذلك هو ما يقدمه لنا رب العزة فى قرآنه الكريم ، إذ يقول : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) [الطارق : 5 ـ 7]
أى إعجاز هذا؟! ففى بلاغة ساحرة (ولا غرو فنحن أمام كلام رب عظيم) نجد أن أسرار النشأة الأولى للإنسان مطروحة أمامنا فى هذه الآيات الثلاث.
جدير بنا أن نلاحظ أن رب العزة ، قبل أن يكشف لنا هذه الأسرار ، يؤكدها بذاته بقسم جليل من لدنه : بالسماء ، وهى كل الكون المحيط بنا ، وبالطارق وهو النجم الذى يشكل وحدة بناء الكون ، فيقول الله تبارك وتعالى : (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (1) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (4) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) [الطارق : 1 ـ 7]

التعدد والاختلاف فى خلق الإنسان
وحكمة الله فى ذلك
(وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ) [الروم : 22]
(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذاريات : 49]
(وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) [النجم : 45]
تلك هى حكمة الله فى التعدد والاختلاف. فلم يكن هذا التعدد والتنوع فى الخلق نسخا مكررة من أصل واحد ، أى استنساخا لفرد معين فى التكوين والأخلاق والطباع والسلوك. وهذا الاختلاف آية من آيات الله الكونية ، فلم يخلق الله عالما واحدا ولكنه خلق عوالم متعددة على أحوال متفاوتة فى التنوع والتعدد. ووجود الإنسان وبقاؤه فى الكون يتوقفان على هذا التعدد والاختلاف. وإن الأمر لا يتوقف عند هذا ، ولكنه يتجاوزه إلى تنوع تضاد. وهذا الاختلاف والتضاد هما الذان يقوم عليه الوجود كله. وليس من المتصور نظريا ولا علميا أن يقوم الوجود على أحد المتضادين دون اعتداد بالآخر (1).
إن الله حينما نوّع الأجناس لم يرد أن تتناكر وتتخالف ، ولكنه أراد أن تلتقى وتتآلف .. (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا) [الحجرات : 13].
وإن استمرار الحياة لا يتأتى إلا بوجود الذكر والأنثى. فالخلق من ذكر وأنثى يعنى أن الحياة تنتج من التقاء الأنواع المتضادة. فالذكورة ضد الأنوثة ، وكل من
__________________
(1) دكتور أحمد محمد على (أستاذ بكلية اللغة العربية ـ جامعة محمد بن سعود الإسلامية).

الزوجين مضاد للآخر. وليس هذا فى الأنواع الحية من إنسان وحيوان ونبات فحسب ، ولكنه شأن الوجود كله.
(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذاريات : 49]
وقضية خلق السموات والأرض لا تتوقف دلالتها عند عظمة الخلق التى يستدل بها على عظمة الخالق ، خاصة أن الله يبين لنا أن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس.
هكذا على الإطلاق ، فالزوجان سر الوجود كله. والتزاوج المنتج هو تزاوج ضدين لا تزاوج تماثل. فالأسرة المكونة من متماثلين ـ لو وجدت ـ رجلين أو امرأتين ، لا تنتج شيئا. ولو تصورنا جدلا أن نظام الأسرة فى الوجود كله قام على متماثلين لفنيت الحياة.
وهذا القانون الإلهى فى الوجود يفهمه الحيوان بالغريزة ، ويفهمه الإنسان العادى بالفطرة ، ويفهمه الأنبياء والمرسلون والمؤمنون بالوحى الإلهى. والإنسان مأمور بأن يحقق الإنسجام بين حركته الحرة المختارة ، وبين سنن الله الكونية.
وبداية خلق الإنسان تعتمد على اتحاد وتزاوج ضدين : الذكر والأنثى ، الحيوان الذكرى من الرجل والبييضة من المرأة ، وينتج منهما باتحادهما حياة جديدة ، وخلق مختلف عن أى منهما ، ذكرا أو أنثى ، وتستمر الحياة ويبقى النوع.
وقد خلق الله سبحانه وتعالى بنى آدم وكرمهم على كثير من المخلوقات ، وجعل نظام بقائهم مرتبطا بارتباطهم بالتزاوج والتناسل.
الخلية هى البداية :
إذا كانت الحياة تبدأ بطرق مختلفة للتكاثر ، فإن الكائنات ـ آدمية أو حيوانية ـ تبدأ بخلية واحدة.
وهذه الخلية (البييضة المخصبة ـ الأمشاج) تحتوى بداخلها على جينات من الذكر والأنثى ، وتؤشر إلى جميع الخصائص المكتسبة للجنين مستقبلا. وهذه الخصائص

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

 إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان  Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان     إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان  Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:56 pm

التى اكتسبت عبر بلايين السنين تستلزم ألا ينجب الإنسان الآدمى إلا إنسانا آدميا ، وتجعل ـ فى نفس الوقت ـ الاختلاف والتباين أمرين قائمين ، إلا فى حالة التوائم المتماثلة. وبذلك يختلف أى شخص عن الآخر اختلافا بينا ، ويستمر هذا الاختلاف على مدى السنوات والقرون إلى أن تفنى الحياة.
وكلما تقدم العلم وارتقت المعرفة ، وأمكن للعلماء دراسة بداية الحياة والخلق ، وبالتقنية الحديثة ، كلما أصبح ممكنا رؤية الوقائع التى تحدث منذ بداية الخلق ، وتصوير مراحلها وأطوارها المتتابعة بدقة متناهية ، منذ إخصاب البييضة حتى تكون الجنين.
وفى غضون ذلك كله ، فى قصة تكوين الجنين ونموه ، يظهر الإعجاز الإلهى لبيان آيات القرآن فى خلق الإنسان.
كانت تلك المقدمة ـ رغم طولها ـ ضرورية للدخول فى الحديث عن نقطة البداية فى الخلق.
ما هو الصلب وما هى الترائب؟
من المعلوم أن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضا ، ومن ثم فإننا نبدأ فى البحث فى كتاب الله نفسه ، ثم فى الحديث النبوى الشريف ، فنجد :
* ذكرت كلمة «الصلب» مفردة مرة واحدة فقط فى تلك الآية.
* وذكرت كلمة الصلب مرة أخرى واحدة ، وبصيغة الجمع ، فى قوله تعالى : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) [النساء : 23]
* أما فى الحديث النبوى الشريف ، فيقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى وصفه للمشركين ـ «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به».
* وروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن الله خلق للجنة أهلا خلقها لهم ، وهم فى أصلاب آبائهم».

* وأما كلمة «ترائب» فلم يرد ذكرها مرة أخرى فى الكتاب العزيز.
المعنى اللغوى للصلب والترائب
أجمعت قواميس اللغة ومعاجمها على أن الصلب هو عظم فى الظهر ذى الفقار ، من الكاهل (وهو ما بعد العنق) إلى العجب (أسفل الظهر). جمعه أصلب وأصلاب. والصلب هو الحسب. ويقال : عربى صليب أى خالص العروبة والنسب.
أما الترائب ، وواحدتها تريبة ، فهى عظام الصدر أو ما ولى الرقبة منه ، أو ما بين الثديين والترقوتين ، أو أربعة أضلاع من يمنة الصدر وأربعة من يسرته ، أو هى موضع القلادة من الصدر.
وقال بعض المفسرين إن الصلب هو صلب الرجل ، وإن الترائب هى ترائب المرأة (ما فوق الثديين وموضع القلادة). وقال البعض الآخر : يخرج من بين صلب كل واحد من الرجل والمرأة ، وترائب كل منهما.
فى التحليل النهائى لما أوردته كثير من المعاجم والتفاسير ، نجد أن كلمة «الصلب» ـ وإن كانت مرادفة لمعنى الظهر ـ فمقصود منها جزء مخصوص من الظهر وليس الظهر كله. كما نجد أن المقصود بالترائب ليس كل الأضلاع وإنما هى أضلاع مخصوصة.
الرأى فى المعنى اللغوى
معلوم أن العمود الفقرى يتكون من 7 فقرات عنقية و 12 صدرية و 5 قطنية و 5 عجزية ملتحمة و 5 حرقفية (عصعصية) ضامرة.
ويبدأ الصلب من الكاهل ، الذى هو مقدم أعلى الظهر مما يلى العنق ، أى أن الفقرات العنقية ليست جزءا من الصلب ـ وأما نهايته فهى العجب (العجز).
وعليه فيكون الصلب هو :

الفقرات الصدرية+ القطنية+ العجزية
أى ما يساوى 12+ 5+ 5 ـ 22 فقرة
وأما الترائب ، فليست هى أضلاع الصدر على إطلاقها ، وإنما هى ـ على التخصيص ـ أربعة أضلاع من يمنة الصدر ، وأربعة من يسرته ، مما يلى الترقوتين فى موضع القلادة.
يخرج من بين
جاء فى الآية الكريمة تعبير «يخرج من بين» ، وذلك قبل الصلب والترائب. وقد ذهب بعض الأقدمين فى تفسيرهم لهذه الآية إلى أن المنى يخرج من صلب الرجل ، وماء المرأة يخرج من ترائبها. وهذا خطأ علمى وخطأ منهجى ، حيث لم يعطوا الآية حقها فحذفوا كلمة «بين» ، ولذلك وقعوا فى الخطأ ؛ فالمفروض أن تؤخذ الآية كلها دون إسقاط لفظ منها.
وأمامنا ـ كنموذج ـ الآية رقم (66) من سورة النحل وفيها نقرأ قوله تعالى : (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً) [النحل : 66]. فالناتج هنا ، وهو اللبن ، مفرد لكن أصله عديد ، إذ هو الفرث والدم ، وكل منهما له مكونات عديدة مما قد لا يحصى. وكذلك هو الماء الدافق ، هو مفرد ، ولكن أصله عديد وهو الصلب والترائب. فقوله يخرج (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ) يفيد بأن اللبن مزيج استخلص استخلاصا من كل مكونات الفرث ومن مكونات الدم ، حتى صار شيئا جديدا. وكذلك هو الماء الدافق ، قد اشتقت مكوناته العديدة واستخلصت استخلاصا من مصادر عديدة ، وهى الصلب والترائب. وترتيبا على هذا الفهم لكل كلمات الآية والمراد منها ، يكون المقصود فى قوله تعالى (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) أن يخرج من منطقة تقع فى مكان وسط بين الأضلاع والظهر.
فلو كان ذلك صحيحا فإنه بالتالى يصبح صحيحا أيضا فى تفسير آية (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً ،) قولنا بأن اللبن يخرج من منطقة تقع فى مكان وسط بين الفرث والدم ، وهو قول ظاهر بطلانه.
وفى قوله تعالى (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) [ص : 8] وقوله (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ

مِنْ بَيْنِنا) [القمر : 25] ـ ليس المقصود بقوله استنكار الكفار أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد ظهر فى وسطهم ، بل هو استنكارهم أنه قد اختير من بينهم ، وهم كثير.
وهذا الرأى تؤيده الأحاديث النبوية الشريفة. فقد روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلمته الشهيرة فى كفار مكة «لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله عزوجل ..». وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا». وفى الحديث أيضا «إن الله خلق للجنة أهلا ، خلقها لهم وهم فى أصلاب آبائهم».
نخرج من ذلك كله بأمر واضح ومؤكد ، هو أن الأصلاب هى أصل خلق الإنسان ، لا أنه مخلوق من مكان وسط بين الصلب والترائب.
ما هو الشىء الذى يخرج من الصلب والترائب؟
اتفق الجميع ، قديما وحديثا ، على أن الذى يخرج هو الماء الدافق. لكن مفسرا واحدا انفرد بالذهاب الى أن المقصود هو الإنسان المولود لا الماء الدافق ، لاعتقاده بأننا (إذا أرجعنا ضمير يخرج إلى الماء الدافق كما فعل المسلمون حتى الآن فهذا جائز حسب قواعد اللغة لقربه من الماء الدافق ، ولكن هذا لم يمنع من إرجاع الضمائر الأبعد منه كالهاء فى «رجعه» والهاء فى «فما له» للإنسان الذى ورد ذكره قبل الماء). وقد خلص من ذلك إلى أن (الجنين يكون أثناء الحمل وفى تمامه وحين يخرج ـ أى أثناء الولادة ـ بالضبط بين الصلب والترائب. وأن الله تعالى يلفت نظرنا إلى عملية الولادة المعقدة التى تستحيل حساباتها وترتيباتها على غيره سبحانه).
وأضاف هذا المفسر قائلا بأن (الخط الواصل بين الصلب والترائب ينطبق على محور الجنين فى أكثر من 97 خ من الحالات فى المجيئات الطولانية الرأسية أو المقعدية ويكون أحد قطبيه قريبا من الصلب والآخر قريبا من الترائب. إذن لم يعد هناك شك فى أن ضمير يخرج عائد إلى الإنسان) (1).
__________________
(1) هذا المفسر هو الدكتور مأمون شقفة فى كتابه (القرآن المكين).

لكن الرأى العلمى والفقهى الصحيح ، هو ما ذهبت اليه جمهرة العلماء والمفسرين ، وهو أن الصلب والترائب هى مصدر خلق الإنسان.
وما هو الماء الدافق؟
يقول الحق تعالى (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) [القيامة : 37] ، ويقول (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى) [النجم : 45 ، 46] ؛ وهو ما يدلنا على أن المنى هو السائل أو الماء الذى يحمل النطف ، وأنه هو المقصود بالماء الدافق.
وهنا يثور تساؤل : هل هو ماء الرجل وحده؟ أم هو ماء الرجل وماء المرأة؟. والواضح أن الحق سبحانه لم يخص أحدهما بالذكر ، فلا بد من أن يكون المقصود هو ماء الرجل وماء المرأة معا.
وقد روى مسلم فى صحيحه جوابا للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم على يهودى سأله عن الولد ، قوله : (ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر ، فإذا اجتمعا فعلا منى الرجل منى المرأة أذكر بإذن الله ، وإذا علا منى المرأة منى الرجل أنث بإذن الله).
وجاء فى القاموس المحيط : المنى .. ماء الرجل والمرأة.
وهل يخرج الماء من صلب الرجل وترائب المرأة أم إنه يخرج من بين صلب الرجل وترائبه ، وصلب المرأة وترائبها؟. انقسم المفسرون إلى طائفتين ، إحداهما قالت بأن الماء يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة ، وقالت طائفة أخرى إن ماء الرجل يخرج من بين صلب الرجل وترائبه ، وماء المرأة من بين صلبها وترائبها. والرأى الأخير هو الصحيح.
هل الصلب والترائب كناية؟
هناك رؤية جديدة خرج بها الدكتور داود سلمان السعدى ، فى كتابه الرائع (أسرار خلق الإنسان. العجائب فى الصلب والترائب) ، مؤداها أن الصلب والترائب قد جاءت كناية مقصودة ، والكناية فى هذه النقطة غير جديدة فقد ذهب

الشيخ حسنين مخلوف فى كتابه (صفوة البيان فى تفسير القرآن) إلى أن الصلب والترائب «كناية عن البدن كله».
تذهب هذه الرؤية إلى أن التعبير بالكناية ـ أو الاصطلاح ـ قد جاء لأن الناس لم يكونوا عارفين أو متهيئين لمعرفة حقائق التناسل والوراثة ، مما قد انكشفت عنه الحجب بعد ذلك آيات من الله تعالى للناس. فإذا كان الأمر كناية فلا بد من أنه ينحصر فى أشياء مما نعرفه الآن على وجه اليقين.
فى ضوء ذلك نجد أن كل خلية من خلايا جسم الإنسان تنمو ثم تشيخ ثم تموت ، وهى ـ من أجل البقاء ـ تتكاثر بالانقسام إلى خليتين اثنتين ، تحمل كل منهما العدد الأصلى من الكروموسومات ، أى 23 زوجا منها ، وهذا يسمى بالانقسام الاعتيادى (الكروموسومات ـ أو الجسيمات الملونة أو الصبغيات) (شكل 4). على أن هناك انقساما من نوع آخر ، لا يحدث إلا للخلايا الجنسية ، فى الخصيتين والمبيض ، وهو ما يسمى بالانقسام الاختزالى (شكل 5) الذى ينتصف فيه عدد الكروموسومات الموجودة فى كل خلية ناتجة فيصبح 23 كروموسوما فقط ؛ والغرض من ذلك طبعا هو التكاثر.
فعند اتحاد خلية للذكر من هذا النوع (نطفة الذكر) بأخرى للأنثى (نطفة الأنثى) تنتج خلية جديدة هى النطفة الأمشاج ، والتى تعود مرة أخرى فتحتوى على العدد الأصلى نفسه الموجود عند الإنسان من الكروموسومات وهو 23 زوجا (1).
وعند الطفل الذكر تحتوى الخصية على خلايا نطفية ابتدائية (شكل 6) تحتوى كل منها على 46 كروموسوما مرتبة فى 23 زوجا ، وكل زوج يتكون من كروموسومين متشابهين تماما فى شكليهما الخارجيين ، إلا الزوج الثالث والعشرين ، فإنه يتشابه فى النطفة الأنثى ويرمز له بالحرفين (XX) ، ولا يتشابه فى النطفة الذكر ، ويرمز له بحرفى (XY) وقد اصطلح على كتابة التركيب الذكرى للكروموسومات كما يلى (64 XY) وللأنثى منه (64 XX).
__________________
(1) فى هذه النقطة يقول د. أحمد شوقى إبراهيم : يبتدئ خلق الإنسان فى الدنيا نطفة فى رحم أمه ، وتحمل هذه النطقة عوامل الوراثة من كل من الأب والأم ، ففى كل من البويضة من الأم ، والحيوان المنوى فى الأب ، ثلاثة وعشرون كروموسوما تحمل عوامل الوراثة ويتحدان معا ، ويكونان النطفة التى تحمل ستة وأربعين كروموسوما تحمل عوامل الوراثة من الأب والأم.


(شكل 4) الكروموسومات البشرية والجنسية (X ـ Y)
وعند اتحاد نطفة الرجل المذكرة (32 Y) بنطفة المرأة (32 X) ينتج (64 XY) أى ولد ذكر. أما عند اتحاد نطفة الرجل المؤنثة (32 X) بنطفة المرأة (32 X) فينتج (64 XX) أى وليدة أنثى.
وتخلص رؤية د. السعدى إلى احتمال جديد وهو أن يكون الصلب هو الكروموسومات الجسدية ، وتكون الترائب هى الكروموسومات الجنسية. فهل قصد الحق سبحانه إلى أن الماء الدافق قد استل من الكروموسومات الجسدية ، وهى متشابهة لدى الذكر والأنثى ، ومن الكروموسومات الجنسية ، وهى مختلفة لديهما؟
بعد هذا التساؤل تتجه الرؤية الجديدة إلى أن الصلب معناه ـ لغويا فى القواميس ـ ما كان على شكل خطين متقاطعين ، وأن المتصالب هو المتقاطع ، وهو ما يجىء بالشكل الذى يمثله حرف.X ولو أننا نظرنا إلى صورة للعمود الفقرى للإنسان


(شكل 5) الانقسام الاختزالى للكروموسومات

(شكل 6) شكل يبين انقسام خلايا الخصية والمبيض حتى تتكون النطفة الذكرية والأنثوية

لوجدنا أن كل 4 نتوءات مستعرضة تعطينا شكلا هو) (ومجموعها هو 22 شكلا لها الصورة نفسها. على ذلك يكون لدينا 22) (وهو عدد شكل الكروموسومات الجسدية فى نطفة الإنسان. ويمكن أن يكون هذا العدد هو 22X متصالبا.
وأما الترائب ـ أو الأضلاع ـ فهى موجودة بصورة زوجية ، إذ إن لكل ضلع ضلعا آخر يقابله ويماثله. والترائب ـ باعتبارها الأضلاع العليا الأربعة من كل جهة ، تتصل مع بعضها من خلال عظم القفص فى وسط الصدر ، لتكون ـ كما يقول التعريف اللغوى ـ موضع القلادة من الصدر. وضلعان عن اليمين ، مع ما يقابلهما عن اليسار ، يرسمان شكلا قريبا جدا إلى شكل الكروموسوم ، بل هو أقرب إليه جدا من الشكل الآخر ، الذى هو شكل حرف (X).
فإذا كانت الترائب زوجية وعديدة (والصلب واحد) فلا بد من أن تكون الترائب هى الكروموسومات الجنسية.
أى أن الصلب يدل على الكروموسومات الجسدية لنطفة الذكر أو الأنثى ، وعددها (22). والترائب تدل على الكروموسومات الجنسية ، وعددها (واحد) فى كل من نطفة الذكر والأنثى.
وفى حين تحتوى كل نطفة من المرأة دائما ، على الكروموسوم المؤنث (X) ولا تحتوى على النوع (Y) منه ، فإن نطفة الرجل قد تحوى الكروموسوم المذكر (Y) أو على الكروموسوم المؤنث X أى أن كروموسوم نطفة الرجل ، فى كونه إما من النوع (Y) أو (X) ، هو الذى يحدد جنس الجنين.
فالكروموسومات الجسدية نوع واحد ، وكذلك هو جسم الإنسان ، ذكرا كان أم أنثى. وأما الكروموسومات الجنسية فهى من نوعين اثنين ، وكذلك هو جنس الإنسان ، فى ذكورته وأنوثته.
وقل لى ـ رحمك الله ـ (كما يقول د. السعدى) ما الذى يميز الحيوان المنوى لأى رجل عن الحيوان المنوى لأى رجل آخر ، أو أى بييضة أنثى عن أية بييضة أخرى ، وتحت أقوى المجاهر؟ لا يوجد فيها أى فرق إلا فيما تحويه من الكروموسومات. إن الحيوان المنوى أو البييضة ما هى إلا وسيلة نقل ، أو عربة ،

مجرد عربة ، الغرض منها توصيل الكروموسومات ، التى تحتوى 50 ألف مورث (جين) ، من الآباء إلى الأبناء.
وللتدليل عن رؤيته ، يستشهد د. السعدى بقول الحق : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) [النساء : 23] ، أى من كروموسوماتكم الجسدية ، والله تعالى أعلم. إذ ليس هناك اليوم ، أقوى وأدق من فحص الشفرة الوراثية فى تثبيت بنوة الولد لأبيه. كما يستشهد بقوله تعالى : (أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) [النساء : 23] ، ولم يقل أبناءكم الذين من صلائبكم وترائبكم ، لأن الولد إذا كان صلب أبيه (أى من كروموسوماته الجسدية) فهو ولده كائنة ما كانت الأم ، التى لا يهم من تكون فى هذه الحالة.
وبعد ..
فهذه رؤية جديدة فى تفسير مصطلح «الصلب والترائب» ، حاول صاحبها أن يجتهد فيها بأسانيد علمية حديثة ، تحتمل الصحة والصواب. وقد حرصت على أن أوردها فى هذا الفصل لما تنطوى عليه من أهمية واضحة. وكل ما آمله ألا أكون قد أجحفت صاحبها حقه بهذا الاختصار والإيجاز الشديدين.
ويبقى لى فى هذا المجال أن أضيف بعضا من المعلومات الهامة التى أراها مكملة لهذه الرؤية التى عرضتها ؛ دونما حاجة إلى تكرار المعلومات العلمية الدقيقة التى وردت فى سياق العرض ، والتى أتفق معها تماما فيما يتعلق بالكروموسومات ، وبالخلايا ، وبالانقسام العادى لهذه الخلايا والانقسام الاختزالى لها.
وأقول ـ فى هذه الإضافة ـ إن الكروموسومات ، أو الصبغيات ، لم يصل العلم الحديث إلى اكتشافها هى وبعض أسرارها إلا فى القرن العشرين (1). إن هذه ال 23 زوجا من الكروموسومات تحمل كل أسرار التكوين والوراثة وتقود عمل الخلية ، ورغم ذلك فإن حجمها بالغ الدقة (واحد على المليون من المتر) لا تدركه إلا أكبر الميكروسكوبات الإلكترونية. (شكل 4).
__________________
(1) البروفسورMorgan مكتشف دور الكروموسومات والجينات عام 1912.

ولم يستطع العلم الحديث التوصل إلى التركيب الكيميائى DNA (د. ن. أ.) لهذه الجسيمات إلا فى منتصف هذا القرن (1). واتضح أن هذا التركيب مكون من أربع قواعد نيتروجين هى : أدنين ـ جوانين ـ سامتوزين ـ ثايمين. ويتصل كل واحد من هذه القواعد الأمينية بإحدى السكريات الناقصة الأوكسجين.
ويقوم الDNA بالتحكم فى نشاط أى خلية وتوجيهها لتنفيذ ما يجب عليها بأمر خالقها ، ملتزمة ومبرمجة ، بحيث لا يمكن أن تقوم بأى عمل آخر ، وذلك فى وقت وزمن محددين لا تحيد عنهما ، وذلك عن طريق رسول معين. ويتكفل الDNA بصنع ما يسمى بتنفيذ هذه الأوامر بصنع مختلف الأنزيمات والبروتينات حسب الأوامر والشفرات التى يحملها إليها الرسول. وتتحكم هذه الأوامر فى صناعة عشرين حمضا أمينيا ، وتصوغ منها آلاف المركبات الأمينية المعقدة.
ولا أظننى فى حاجة إلى تكرار الحديث عن قضية حسمها القرآن الكريم بإعجاز علمى ساطع ، ألا وهى من الذى يحدد نوع الجنين وجنسه ذكرا أم أنثى. فالحيوان المنوى للرجل هو الذى يحدد ـ بإرادة المولى ـ هذا القرار ؛ إذ إنه يحمل شارة الذكورة (Y) وشارة الأنوثة (X) ، فإذا لقح الحيوان المنوى المذكر البييضة (Y) كان الجنين ذكرا ، أما إذا لقح البييضة حيوان منوى يحمل شارة الأنوثة (X) ، فإن نتيجة الحمل هى أنثى ، بمشيئة الله.
(وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى) [النجم : 45 ، 46] (أى نطفة الرجل)
والآن ، وبعد أن عرفنا نقطة البداية فى الخلق ، ومن أين فى الجسم تنطلق إشارة البدء ، من بين الصلب والترائب ، نتابع رحلتنا مع الخلق فى أطواره المتتابعة.
__________________
(1) البروفسورCrick c.Watson عام 1953.

الفصل السادس
الطور الثانى
مرحلة النطفة
تمهيد
حديثنا فى هذا الفصل يدور حول «النطفة» بوصفها واحدة من مراحل الخلق الإلهى المعجز. وقد وردت النطفة فى القرآن الكريم فى سياق عديد من الآيات ؛ حيث تكرر ذكرها إحدى عشرة مرة ، فى إشارة واضحة للحيامن والبييضات ، وسميت الواحدة بالنطفة ، مذكرة كانت أم مؤنثة. وسميت البييضة الملقحة بالنطفة الأمشاج ، وذكرت على هذا النحو مرة واحدة فى الآية (2) من سورة الإنسان.
ولأن القرار المكين للنطفة يكون فى رحم المرأة ، فقد كان ضروريا أن نستهل الحديث عن النطفة بمقدمة ضرورية عن الرحم.

بدون المرأة لا يكون الإنجاب
فالمرأة هى محل الحرث.
(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [البقرة : 223]
وفى رحم المرأة يكون القرار المكين ؛ الذى يحتضن الحمل.
ومن عجائب الخلق ـ وهى كثيرة ـ أن الأعضاء الجنسية الداخلية والخارجية لدى المرأة تتكون وتكتمل فى الشهر الخامس تماما من عمرها. وتتكون البييضات فى المبيض عند الأنثى فى شهرها الخامس ، فيصبح المبيض محتويا على خمسة ملايين بييضة (!!). وتأخذ هذه البييضات فى التناقص ، من الولادة حتى سن البلوغ ، فيتبقى منها فى المبيض حوالى ثلاثين ألفا. وفى كل شهر تنمو بعض البييضات ، لكنه لا يكتمل منها إلا واحدة فقط ، تكون عادة على استعداد للإخصاب بعد خروجها من المبيض ، لاحتمال ملاقاة الحيوان المنوى فى الجزء الوحشى من قناة الرحم.
ويستمر الرحم فى دورته الشهرية فيحيض كل شهر نتيجة للتغيرات التى تحدث فى الغشاء المبطن وأوعيته الدموية .. فينمو كل يوم من أيام الشهر على أمل أن يأتى اليوم الموعود لاستقبال البييضة الأمشاج (البلاستوسيت). وعند ما لا يحدث ذلك ، تضيع كل هذه الاستعدادات سدى ، ويلفظ الغشاء المخاطى ويحدث الحيض. وتبدأ مرحلة ثانية من النمو بعد ذلك أملا فى أن يحدث حمل ويتقبل النطفة الأمشاج فى الشهر التالى.
وقد أمكن بالتقنية الحديثة (الفحص المجهرى والتصوير بالموجات الصوتية العادية والملونة والدوبلر الملون) دراسة هذه التغييرات ، وأمكن معرفة ما يحدث للرحم

وغشائه والأوعية الدموية التى تشكل قرارا مكينا يحافظ على حماية الجنين وتغذيته ونموه بقدرة الله.
(اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) [الرعد : 8]
وعند ما تحمل المرأة يحدث التغيير الأعظم فى الرحم.
فالغشاء المبطن للرحم يزداد حجمه من نصف مليمتر إلى ثمانية مليمترات. وتنمو الأوعية نموا كبيرا حتى تصير حلزونية الشكل من فرط طولها (شكل 7). ويزداد عدد الغدد الرحمية وتصبح على شكل أنابيب طويلة. وكل ذلك بفضل السيمفونية الرائعة التى تشارك كل أجهزة الجسم فى عزف نغماتها ، ومنها الهرمونات التى تتحكم فى الأطوار المختلفة أثناء شهور الحمل التسعة ، مثل الإستروجين والبروجسترون وكذا هرمونات الغدة النخامية.
وهكذا تتهيأ التربة الخصبة كى تتلقى الزرع والغرس الجديدين. (شكل Cool
نعم .. إنها تربة تستعد للحرث والغرس ؛ لكى تنفذ إرادة خالقها القائل (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ.) وتنغرس البذرة الجديدة ، فتعلق بجدار الرحم ، (شكل 9) لتجد أن غذاءها اللازم لنموها قد توافر فى جدران هذه التربة بالأوعية الدموية وأنابيب الغذاء.
ويستمر النمو الهائل للرحم ، فيزداد وزنه من خمسين جراما ، إلى ألف جرام ، ويبلغ حجم ما يحمله بداخله خمسة آلاف جرام (منها 3500 جرام وزن الجنين عند نهاية الحمل ، و 1000 جرام وزن السائل الأمينوسى المحيط بالجنين ، و 500 جرام وزن المشيمة). وينمو الغشاء المبطن للرحم مكونا طبقة ثخينة تسمى الساقط ، لأنها تسقط مع الأغشية عقب الولادة.
وما إن ينتهى الحمل ، بالولادة أو السقوط ، حتى يعود الرحم أدراجه خلال فترة النفاس إلى ما كان عليه ، صغير الحجم لا يتسع لأكثر من مليمترين ، خفيف الوزن لا يزيد عن خمسين جراما.


(شكل 7) نمو الغشاء المبطن للرحم وأوعيته وغدده قبل انغراس النطفة الأمشاج

(شكل Cool الغشاء المبطن للرحم بعد اكتمال نموه حتى يصبح تربة خصبة للغرس

(شكل 9) مرور البويضة الملقحة (الأمشاج) حتى تصل لموضع انغراسها بجدار الرحم

ويبقى أن نتحدث عن الغريزة ، التى يترتب عليها وجود النطفة.
فمنذ بداية الخليقة والحياة تجدد نفسها ، من جيل إلى جيل ، بالعلاقة بين الجنسين : الذكرى والأنثوى.
وقد بدأت هذه العلاقة الغريزية منذ بلايين السنين فى المخلوقات البحرية ، حيث يفرز الحيوان الذكرى خلاياه الذكرية فى المياه لتمتزج بالخلايا الأنثوية. وعلى مر السنين تطورت الحياة لتجد طرقا مختلفة للتكاثر ، بعلاقة أكثر عمقا بين الذكر والأنثى.
إن القوة الغريزية التى تجذب الرجل إلى المرأة ، كما يحدث لدى مختلف المخلوقات على الأرض ، تستجيب إلى شعور بيولوچى داخلى عميق فى الجسم البشرى لا يثور إلا فى ظروف معينة. وهذا الشعور البيولوچى تتحكم فيه مواد كيماوية منشطة ، تسمى «فيرومينا» ، هى التى تدعو إلى الجاذبية الجنسية بين الذكر والأنثى ، يتحكم فيها الاختيار والجاذبية.
بل إن الرحم ، عند الجماع ، يشتد شوقه إلى المنى حتى إن الإنسان يحس فى وقت الجماع كأن الرحم يجذب إحليله إلى داخله. وتلك حقيقة مؤكدة يشعر بها الجميع ، وقالها منذ مئات السنين العلامة الفخر الرازى فى «المباحث الشرقية».
كانت هذه مقدمة ضرورية للدخول فى الحديث عن النطفة.
لفظ النطفة فى القرآن الكريم
تكرر لفظ النطفة (1) فى كثير من سور القرآن الكريم (فى اثنى عشر موضعا). وسنلاحظ فى هذه السور بيانا واضحا بأن بداية خلق الإنسان كانت من تراب ثم من «نطفة» ، بكل وضوح. وفى بعض الأحيان يذكر القرآن الكريم أن خلق الإنسان كان من «نطفة». ويتنوع الخطاب حول النطفة ، فيتوجه الله العزيز الحكيم أحيانا
__________________
(1) راجع الفصل الرابع الخاص بمراحل الخلق لتجد نصوص الآيات التى ذكر فيها لفظ النطفة كاملة.

بالخطاب مباشرة إلى الإنسان (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) [الكهف : 37] ، وفى موضع من القرآن يتحدث المولى عز جلاله بصيغة الخبر (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ) [الإنسان : 2] وفى موضع آخر يأتى الحديث بصورة عامة (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) [النحل : 4].
تعريف «النطفة» لغويا
بمراجعة قواميس اللغة العربية ومراجعها (مثل لسان العرب ، وتاج العروس) نجد أن «النطفة» فى اللغة العربية تطلق على عدة معان منها :
ـ القليل من الماء والذى يعادل قطرة.
ـ صغار اللؤلؤ ، وواحدتها نطفة ، ونطفة شبهت بقطرة الماء.
ـ عند ما تنظف آذان الماشية أى تبتل بالماء فتقطر.
ـ وجاء فى حديث شريف «فلم نزل قياما ننتظره حتى خرج إلينا وقد اغتسل ينطف رأسه ماء».
ـ وفى حديث آخر «جاء رجل يهودى يمتحن نبوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : يا محمد مم يخلق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

 إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان  Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان     إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان  Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:59 pm

الإنسان؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا يهودى من كل يخلق من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة».
أنواع النطفة
النطفة أنواع ثلاث :
1 ـ النطفة المذكرة : وهى الحيوانات المنوية الموجودة فى المنى والتى تفرزها الخصية.
2 ـ النطفة المؤنثة : وهى البييضة التى يفرزها المبيض كل شهر.
3 ـ النطفة الأمشاج : وهى النطفة المختلطة من الحيوان المنوى الذى يلقح البييضة ، أى البييضة الملقحة.

ورد لفظ المنى فى القرآن الكريم فى ثلاثة مواضع. ويطلق لفظ المنى على الإفرازات التناسلية للرجل والتى تفرزها الخصية والبروستاتا والحويصلة المنوية. والمنى مكون من شيئين :
الأول : هو الحيوانات المنوية التى تتكون من القنوات المنوية فى الخصية .. وهى ذاتها المسماة بالنطفة.
والثانى : هو السائل المنوى الذى يحمل هذه الحيوانات ويغذيها والذى تسبح فيه حتى تصل إلى الرحم (1).
وتعالوا بنا نتجول مع النطفة فى رحلة تطوراتها ، التى تبدأ من الحوين المنوى والبييضة وتنتهى بالحرث والانغراس.
يقول سبحانه فى سورة الطارق (6) (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ.) وتلك حقيقة علمية مؤكدة وهى أن ماء الرجل يخرج متدفقا. سبحان الله الذى خلق وقال فى وصف الماء بأنه دافق ، أسند التدفق للماء نفسه ، وهو ما يعنى أن للماء قوة دفق ذاتية.
ومن الأمور المعروفة والثابتة أن الدفقة الواحدة من المنى تحمل مائتى مليون حيوان منوى ، (شكل 10) وأن الذى يلقح البييضة هو واحد فقط من كل هذه الملايين من الحيوانات المنوية.
وكما أن هناك اختيارا واصطفاء للحيوان المنوى ، فهناك أيضا اختيار واصطفاء للبييضة. فنجد أن مبيض الطفلة ، وهى جنين فى بطن أمها ، يحتوى على ستة ملايين بييضة ، يموت الكثير منها عند خروج الطفلة إلى الحياة. ويتواصل اندثار هذه البييضات إلى أن تبلغ الفتاة المحيض فلا يتبقى لديها سوى ثلاثين ألفا. ولا يزيد عدد ما ينمو منها ويخرج من المبيض عن أربعمائة بييضة فى حياة المرأة كلها.
وقد احتاج العلم الحديث إلى قرون طويلة لكى يثبت فى النهاية ما قاله القرآن ، وهو أن المنويات التى يحتويها ماء الرجل لا بد أن تكون حيوية متدفقة متحركة كشرط أساسى للإخصاب. وأثبت العلم أيضا أن ماء المرأة الذى يحمل البييضة
__________________
(1) خلق الإنسان بين الطب والقرآن. د. محمد على البار.


(شكل 10) جيش من الحيوانات المنوية فى دفعة واحدة تتجه للبييضة

(شكل 11) خروج البييضة متدفقة إلى قناة الرحم

يخرج متدفقا إلى قناة الرحم (فالوب) ، وأن اندفاعة البييضة لا بد أن تكون حيوية متدفقة حتى يتم الإخصاب. (شكل 11)
ولما كان لفظ «نطفة» يعنى الكمية القليلة من السائل ، فإن هذا المعنى ينسحب على تلك الكميات من السوائل المتدفقة التى تخرج من الرجل والمرأة :
* فمن المعروف أن ماء الرجل يحتوى ، بالإضافة إلى المنويات عناصر أخرى تشارك وتساعد فى عملية الإخصاب ، منها البرستاجلاندين ، التى تحدث تقلصات فى الرحم مما يساعد فى نقل المنويات إلى موقع الإخصاب.
* والتى تجعل الحوين المنوى قادرا على الإخصاب ، وذلك بإزالة البروتين السكرى من رأسه. وتعمل هذه الأنزيمات ، بالإضافة إلى ذلك ، على إطلاق الخلايا المحيطة بالبييضة وكشف غطائها الواقى أمام الحوين المنوى.
السلالة
يقول الخالق جل جلاله فى سورة السجدة (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) [السجدة : 8]. والمراد بالماء المهين هنا (أى فى طور السلالة) ماء الرجل.

(شكل 12) صورة مكبرة للحوين المنوى ويظهر على شكل السمكة الطويلة

ولفظ «السلالة» ـ من الناحية اللغوية ـ يأتى بمعان منها :
* انتزاع الشىء وإخراجه فى رفق.
* ويعنى أيضا السمكة الطويلة.
وبنظرة فاحصة إلى الحوين المنوى نجد أنه «سلالة» تستخلص من ماء الرجل ، وعلى شكل السمكة الطويلة (شكل 12) ، ويستخرج برفق من الماء المهين.
والتسلل هو التحرك فى خفاء ، والسلالة هى ما يحرك فى خفاء. والخفاء قد يتعلق بالشىء ذاته ، وقد يتعلق بالحركة ، وقد يكون كلاهما خفيا. والشىء يكون خفيا حين يكون مفرطا فى الصغر أو مفرطا فى الشفافية أو فى البعد أو حين يتخفى وراء غيره أو فى ثناياه. والحركة تكون مفرطة فى السرعة ، أو مفرطة فى البطء ، أو حين تحدث وراء ستار ، أو فى الظلام ، ولا تكون مصحوبة بما ينم عليها كالجلبة وشدة التأثير. وحين يكون التخفى بسبب بطء الحركة وانخفاض الصوت والتأثير فإنه قد يسمى (تلطفا).
تحركات عجيبة تشهدها عملية الإخصاب
تتحرك نطفة الرجل فى منيه صعودا وهبوطا من المهبل فعنق الرحم فالرحم نفسه ثم البوق (قناة المبيض) (شكل 13) ، وحتى الثلث الخارجى منه ، أما صيوان البوق ، وهو نهايته الخارجية المتسعة ، فإنه يقترب من المبيض ويتلقف الماء الدافق (منى المرأة) الذى يحوى نطفة المرأة ، وتسير هذه إلى الثلث الخارجى من البوق حيث تتم عملية المشج (الإلقاح) باتحاد نطفتى الذكر والأنثى وتكوين النطفة الأمشاج (البييضة المخصبة) ؛ التى تسير نحو الرحم فى رحلة عكسية أمدها ثلاثة أيام ، حيث تكون بطانته مهيأة تمام التهيؤ لا نغراس النطفة الأمشاج فيه ، حيث إنها تحفر لنفسها حفرة فيه ثم تنغلق عليها ؛ متمتعة بالتغذية المؤمنة والحماية الكاملة. والأمر اللافت للنظر أن فى البوق أهدابا تتحرك فيه نحو الجهة البرانية (الخارجية) حتى تسوق أنطاف الذكر نحو نطفة الأنثى (شكل 14) ، وأهدابا تتحرك فيه نحو الجهة الأنسية (الداخلية) منه لتسوق النطفة الأمشاج حيث قرارها المكين. وسبحان


(شكل 13) تحرك نطفة الرجل من المهبل فعنق الرحم فالرحم نفسه ثم إلى البوق

(شكل 14) الأهداب فى البوق التى تتحرك وتدفع الحوين المنوى إلى الجهة الخارجية نحو نطفة الأنثى

الذى خلق كل شىء فأحسن خلقه ، فجعل أهدابا تتحرك فى هذا الاتجاه وأخرى تتحرك عكسه.
خلال هذه الرحلة ، لا يصل من ماء الرجل إلا القليل ، حيث يخترق حوين منوى واحد البييضة ، ويعقب ذلك مباشرة حدوث تغير سريع فى غشائها يمنع دخول بقية الحيوانات المنوية. وصلاة وسلاما عليك يا سيدى يا رسول الله يا من عرفت ـ وأنت النبى الأمى ـ وأبلغت الناس بأن الإخصاب لا يحدث من كل ماء الذكر ، فقلت «ما من كل الماء يكون الولد» [صحيح مسلم]. صلاة وسلاما عليك يا من لا ينطق عن الهوى ، فعرفت أن الخلق من الماء من خلال اختيار خاص ، فحددت بكل دقة هذه المعانى التى لم يتوصل إليها العلم الحديث إلا من بضع عشرات من السنين.
هكذا تكون يد القدرة قد تدخلت واختارت واحدا من هذه الأعداد الهائلة من الحيوانات المنوية لتفتح له البييضة كوة فى جدارها (شكل 15) ، فى حين تفشل كل الحيوانات المنوية الأخرى فى الدخول. وتشير بعض الأبحاث أخيرا إلى أن الحيوان المنوى والبييضة يحتاجان لعدة ساعات حتى يكتسبا القدرة على التلاقح والتزاوج.
وهنا قد يثور تساؤل هو : لماذا البييضة كبيرة الحجم بينما الحيوان المنوى متناه فى الصغر؟ (شكل 16) ، وردا على ذلك تقول الحقائق العلمية إن البييضة هى أكبر خلية فى جسم الإنسان ، فهى تبلغ فى قطرها 200 ميكرون ، بينما لا يزيد الحيوان المنوى عن خمسة ميكرونات. ومع هذا فإن الحيوان المنوى يسهم بنصف مكونات الجنين تماما بنفس قدر إسهام البييضة. وتفسير هذه الظاهرة هيّن ، فالبييضة هى المسئولة عن تغذية هذه النطفة الأمشاج المكونة من كروموسومات الحيوان المنوى (الأب) وكروموسومات البييضة (الأم) ؛ وهى المسئولة عن تغذية النطفة الأمشاج حتى تبلغ مرحلة العلوق بجدار الرحم. وكلمة أمشاج ـ من الناحية العلمية ـ دقيقة تماما ، فهى صفة جمع تصف كلمة «نطفة» المفردة ، والتى هى عبارة عن كائن واحد يتكون من أخلاط متعددة تحمل صفات الأسلاف والأحفاد لكل جنين. ثم تواصل نموها ، وتحتفظ بشكل النطفة ، ولكنها تنقسم إلى خلايا أصغر فأصغر تدعى قسيمات جرثومية (Blastomeres). (شكل 17 ، 18 ، 19).


(شكل 15) انفتاح كوة فى جدار البييضة ينجح واحد فقط من الحيوانات المنوية فى اختراقها

(شكل 16) يبين صغر الحوين المنوى بالنسبة لحجم البييضة الكبير


(شكل 17) النطفة الأمشاج بعد نموها وانقسامها إلى خليتين (ثلاثون ساعة)

(شكل 18) النطفة الأمشاج وانقسامها إلى أربع قسيمات جرثومية (يومان)

(شكل 19) انقسام النطفة إلى أكثر من أربع قسيمات

وبعد أربعة أيام تتكون كتلة كروية من الخلايا تعرف ب «التوتية» (Morula) (شكل 20).
وبعد خمسة أيام من الإخصاب يطلق على النطفة اسم «كيس الجرثومة» (Blastocyst) (شكل 21) ، مع انشطار خلايا التوتية إلى جزأين.(شكل 22 و 22 أ)
وبالرغم من انقسام النطفة فى الداخل إلى خلايا ، فإن طبيعتها ومظهرها لا يتغيران عن النطفة ، لأنها تملك غشاء سميكا يحفظها ويحفظ مظهر النطفة فيها.
وخلال هذه الفترة ينطبق تعبير «نطفة أمشاج» بشكل مناسب تماما على النطفة فى كافة تطوراتها ، إذ تظل كيانا متعددا :
* فهى إلى هذا الوقت جزء من ماءى الرجل والمرأة ،
* وتأخذ شكل القطرة فهى نطفة ،
* وتحمل أخلاطا كثيرة فهى أمشاج.
الشىء اللافت للنظر حقا هو أن هذا الاسم للجنين فى هذه الفترة شامل من كل النواحى ، فهو يغطى الشكل الخارجى من ناحية ، وكذلك حقيقة التركيب الداخلى من ناحية أخرى. هذا فى الوقت الذى لا يسعفنا فيه بهذه المعانى مصطلح مثل «توتية» ، ولا تلك الأرقام المستعملة الآن لمحاولة التعبير عن هذه المعانى.
تطورات النطفة الأمشاج
بعد أن تتكون النطفة الأمشاج تنتج عنها التطورات التالية :
أ ـ الخلق : وهو البداية الحقيقية لوجود الكائن الإنسانى.
فيوجد فى الحوين المنوى (23) حاملا وراثيا ، ويوجد نفس العدد وهو (23) حاملا وراثيا أيضا فى البييضة.
ويندمج الحوين المنوى فى البييضة لتكوين الخلية الجديدة التى تحوى عددا من الصبغيات (الكروموسومات) مساويا لما يوجد فى الخلية الإنسانية (46).
وبوجود الخلية التى تحمل هذا العدد من الصبغيات يتحقق الوجود الإنسانى ،


(شكل 20) الثوتية وهى كتلة كروية من الخلايا بعد أربعة أيام

(شكل 21) كيس الجرثومة (خمسة أيام)


(شكل 22 ـ 22 أ) انشطار الخلايا الجرثومية إلى جزأين


ويتقرر به خلق إنسان جديد ، لأن جميع الخطوات التالية ترتكز على هذه الخطوة وتنبثق منها ، فهذه هى الخطوة الأولى لوجود المخلوق الجديد.
النطفة الأمشاج :
يذكر القرآن الكريم هذه المرحلة فى قوله تعالى (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ) [الإنسان : 2] ومعنى «نطفة أمشاج» : قطرة مختلطة من ماءين.
وتأخذ البييضة الملقحة شكل القطرة ، (شكل 23) وهو ما يتفق مع المعنى الأول للفظ «نطفة» أى قطرة.
وهذه «النطفة الأمشاج» تعرف علميا عند بدء تكونها ب «الزيجوت».
ولنتوقف لغويا أمام هذا التعبير ، لنجد أن كلمة «نطفة» هى اسم مفرد ، بينما كلمة «أمشاج» هى صفة فى صيغة الجمع ، فى حين أن المفروض أن تكون الصفة تابعة للموصوف فى الإفراد والتثنية والجمع. وكان هذا التعبير واضحا عند مفسرى القرآن الكريم الأوائل الذين قالوا إن النطفة مفردة لكنها فى معنى الجمع.

(شكل 23) البييضة الملقحة تأخذ شكل القطرة (نطفة)

هذا المعنى الذى بينه المفسرون الأوائل ، أصبح ممكنا للعلم الحديث اليوم أن يوضحه.
ب ـ التقدير (البرمجة الجينية):
يأتى التقدير ـ من الناحية اللغوية ـ بمعنى :
* التروية والتفكير فى تسوية أمر وتهيئته ،
* تقديره بعلامات يقطعه عليها ،
* أن تنوى أمرا بعقدك ، فتقول : قدرت أمر كذا وكذا أى نويت وعقدت عليه.
(لسان العرب).
والتقدير ، بعد الخلق ، ذكرهما القرآن الكريم بوصفهما عمليتين متعاقبتين فى أول تطورات النطفة الأمشاج ، فى قوله تعالى (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) [عبس : 17 ـ 19].
وهذا هو ما يحدث بالضبط .. فبعد ساعات من تخلق إنسان جديد فى خلية إنسانية كاملة ، تبدأ عملية أخرى ، تتحدد فيها الصفات التى ستظهر على الجنين فى المستقبل (الصفات السائدة).
كما تتحدد فيها الصفات المتنحية التى قد تظهر فى الأجيال القادمة. وهكذا يتم تقدير أوصاف الجنين وتحديدها.
ج ـ تحديد الجنس :
فى إطار عملية التقدير التى تحدث فى النطفة الأمشاج ، يتم تحديد الذكورة والأنوثة. وهذا ما يشير إليه قول الحق تعالى (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى) [النجم : 45 ، 46].
فإذا كان الحوين المنوى الذى نجح فى تلقيح البييضة يحمل الكروموسوم (Y) كانت النتيجة ذكرا ، وإن كان ذلك الحوين المنوى يحمل الكروموسوم (X) كانت النتيجة أنثى.

د ـ الحرث :
تبقى النطفة متحركة ، وتظل كذلك حين تصير أمشاجا ، وبعد ذلك ـ وبالتصاقها ـ تبدأ مرحلة الاستقرار التى أشار إليها الحديث النبوى «يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر فى الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين يوما ..».
وفى نهاية مرحلة النطفة الأمشاج ينغرس كيس الجرثومة فى بطانة الرحم بما يشبه انغراس البذرة فى التربة فى عملية حرث الأرض ؛ وإلى هذه العملية تشير الآية فى قوله تعالى (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [البقرة : 223]
وبهذا الانغراس يبدأ طور الحرث ، ويكون عمر النطفة حينئذ ستة أيام.
وتنغرس النطفة (كيس الجرثومة) فى بطانة الرحم بواسطة خلايا تنشأ منها ؛ تتعلق بها فى جدار الرحم ، والتى ستكون فى النهاية هى المشيمة ، كما تنغرس البذرة فى التربة. (شكلا 24 و 25)
اللافت للنظر أن علماء الأجنة يستخدمون مصطلح (انغراس) فى وصف هذا الحدث ، وهو يشبه كثيرا فى معناه كلمة (الحرث) فى اللغة العربية.
ومرحلة الحرث هى آخر مرحلة فى طور النطفة ، وبنهايتها ينتقل الحميل من شكل النطفة ، ويتعلق بجدار الرحم ، لتبدأ مرحلة جديدة ، وذلك فى اليوم الخامس عشر.
الرحم أو القرار المكين
ولم يبق فى هذه المرحلة من مراحل الخلق الإنسانى ، إلا الحديث عن المكان الذى تستقر فيه النطفة فى جسد المرأة.
سبحان من هذا كلامه ، فقد أعطى الله لهذا المكان وصفين جامعين فى قوله تعالى (ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ) [المؤمنون : 13].
فالرحم هو مكان لاستقرار الجنين ، ومعنى «القرار» فى قواميس اللغة (استقر واستراح) وهو أيضا (مكان يستقر فيه الماء ويتجمع). ولهذا اختار القرآن الكريم تعبير «القرار» وصفا للمكان الذى تستقر فيه النطفة وهو الرحم.


(شكل 24) انغراس النطفة (كيس الجرثومة) فى بطانة الرحم وتتعلق بواسطة خلايا كما تنغرس البذرة فى التربة

(شكل 25) انغراس كيس الجرثومة فى بطانة الرحم بواسطة خلايا تتكون منها المشيمة


(شكل 26) الرحم (القرار) الذى ينمو حتى يأوى الجنين ويغذيه ويتمدد ليتلاءم مع نمو الجنين وتتوافر الظروف للاستقرار
أى إعجاز هذا فى بلاغة الوصف!!. فالرحم للنطفة ، ولمراحل الجنين اللاحقة سكن لمدة تسعة أشهر. وبالرغم من أن طبيعة الجسم أن يطرد أى جسم خارجى ، فإن الرحم يأوى الجنين ويغذيه. وللرحم عضلات وأوعية رابطة تحمل الجنين داخله. وباعتبار أن الرحم «قرار» فإنه يستجيب لنمو الجنين ويتمدد بدرجة كبيرة ليتلاءم مع نموه (1). ويحاط الجنين داخل الرحم بعدة طبقات بعد السائل الأمينوسى ، وهى الغشاء الأمينوسى المندمج بالمشيمة ، وطبقة العضلات السميكة للرحم ، ثم جدار البطن ، وبذلك تتوافر أفضل الظروف للاستقرار والنمو الجيد. (شكل 26).
هذا عن «القرار» بوصفه تعبيرا جامعا.
أما التعبير الجامع الآخر ، وهو «مكين» ، فيعنى (مثبت بقوة) ، وهذا يشير إلى
__________________
(1) «إذ إن حجم رحم الأنثى البالغة لا يتسع لأكثر من مليلترين ونصف ، بينما يتسع حجم الرحم ذاته فى نهاية الحمل لسبعة آلاف مليلتر». (د. محمد على البار ـ خلق الإنسان بين الطب والقرآن).

علاقة الرحم بجسم الأم ، وموقعه المثالى لتخلق ونمو كائن جديد. ويقع الرحم فى وسط الجسم ، وفى مركز الحوض ، وهو محاط بالعظام والعضلات والأربطة التى تثبته بقوة فى الجسم (2). أى أنه مكين ، كما قرر القرآن الكريم.
وفوق النمو الهائل لحجم الرحم ، والذى يصل إلى ثلاثة آلاف ضعف حجمه الأصلى ، فإن وزن الرحم يزيد من خمسين جراما إلى ألف جرام. كذلك فإن ما يحمله فى طياته يبلغ خمسة آلاف جرام ، منها 3500 جرام وزن الجنين عند نهاية الحمل و 1000 جرام وزن السائل الأمينوسى المحيط بالجنين و 500 جرام وزن المشيمة.
وهكذا نجد أن كلمتى «قرار» و «مكين» تعبران تعبيرا تاما عن حقيقة الرحم ووظائفه الدقيقة ، وعن العلاقة الحميمة بين الجنين والرحم ، وبين الرحم وجسم الأم. وذلك إعجاز فى التعبير والوصف لا يدرك أهميته إلا المتخصص الذى له علم بحاجات نمو الجنين ، وحاجات الرحم ، لمواكبة هذا النمو حتى يخرج سليما.
الخلاصة :
اختار القرآن الكريم اسم «نطفة» عنوانا على هذا الطور من أطوار التخلق الإنسانى. وهو اسم عربى يعنى القليل من الماء أو قطرة منه.
يبدأ خلق الجنين من قليل من ماءى الأب والأم ، ثم يأخذ شكل القطرة فى مرحلة التلقيح (الزيجوت) ، وقبل التلقيح ينسل الحوين المنوى من الماء المهين فيكون ـ كما قرر القرآن الكريم ـ سلالة من ماء مهين.
وشكل الحوين المنوى يشبه السمكة الطويلة ، وهذا هو أحد معانى لفظ «سلالة» الذى استعمله القرآن الكريم لوصف هذه المرحلة.
وبالتلقيح بين الحوين المنوى والبييضة يكون الجنين فى شكل نطفة مكونة من
__________________
(2) «يحفظ الحوض العظمى الرحم بداخله بحيث لا يصله شىء من الكدمات والهزات التى تتعرض لها المرأة. بل لو أصيبت المرأة فى حادث أو سقطت من شاهق وتكسرت عظامها فإننا نجد الرحم ، فى أغلب الأحوال ، سليما لم يمسسه سوء». المصدر السابق

أخلاط ماءى الرجل والمرأة ، وما فيهما من أخلاط وراثية. وهذا ما وصفه القرآن الكريم بأنه «نطفة أمشاج» ، فجاء معبرا عن الشكل «قطرة» ، وعن التركيب المفرد «نطفة» وعن الأخلاط المجتمعة فى «نطفة أمشاج».
وأظهر القرآن الكريم أن المرأة هى محل الحرث ، حيث تنغرس النطفة فى العضو الخاص بالحمل عند المرأة ، وهو الرحم. بهذا الانغراس تبدأ النطفة فى التغير لتصبح بعد ذلك «علقة».
وبيّن القرآن أن تلك النطفة تستقر فى جسم المرأة فى مكان وصف بأهم وصفين يتعلقان بالجنين ونموه ، وهذان الوصفان «قرار» و «مكين» ، يعبران أتم التعبير عن أهم خصائص الرحم ومميزاته.
وهكذا ، ومع مراحل الخلق البشرى وأطواره ، نجد أن القرآن الكريم يقدم لهذه المرحلة ، منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان ، تعبيرات دقيقة تصف كل تطوراتها ، بمظهرها الخارجى وتحوراتها الداخلية ، بما يتفق تماما وما توصل إليه علمنا المعاصر بعد كل هذه المئات الكثيرة من السنين.
ومن مرحلة النطفة ، ننتقل إلى مرحلتى العلقة والمضغة ، فى رحلتنا مع إعجاز الخلق الإلهى.

الفصل السابع
التخليق
الطور الثالث
مرحلتا العلقة والمضغة
تمهيد
مرة أخرى نعود للتذكير بمراحل نمو التخلق البشرى ، كما أوردها القرآن الكريم فى محكم آياته :
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : 12 ـ 14]
ونحن الآن مع مرحلة جديدة هى مرحلة «التخليق». ويتكون هذا الطور من أربع مراحل هى : العلقة ، المضغة ، العظام ، اللحم. وتمتد هذه المرحلة من بداية الأسبوع الثالث حتى نهاية الأسبوع الثامن ؛ وأهم ما يميزها هو التكاثر السريع للخلايا ونشاطها الفائق فى تكوين الأجهزة. وهنا نجد أن وصف التخليق يأتى وصفا دقيقا معبرا عن طبيعة التغيرات للعمليات الخارجية ، وعن المظهر الخارجى للجنين ، حيث ينتقل من مظهر غير متميز إلى مظهر إنسانى متميز فى الأسبوع السابع نتيجة لانتشار الهيكل العظمى ثم بناء العضلات فى الأسبوع الثامن.
ونظرا لأن العمليات التخليقية للجنين تتم بسرعة كبيرة ، وتتلاحق فيها الأحداث خلال هذه الفترة ، فإننا نلاحظ أن القرآن الكريم قد استعمل حرف (الفاء) للربط والانتقال بين مراحل هذا التطور.
وسنتناول فى هذا الفصل مرحلتين منها ، هما «العلقة» و «المضغة».

مرحلة العلقة
«العلقة» ـ فى معناها اللغوى ـ وجمعها «علق» ، لفظة مشتقة من «علق» ، وهو الالتصاق والتعلق بشىء ما. و «العلق» ـ كما أشار المفسرون ـ هو الدم عامة ، والشديد الحمرة أو الغليظ الجامد. وتطلق «العلقة» على «الدم الرطب». والعلقة دودة فى الماء تمتص الدم ، تعيش فى البرك ، وتتغذى على دماء الحيوانات التى تلتصق بها ، والجمع علق.
وسبحان من هذا كلامه. فقد عقد القرآن الكريم تشابها بين دودة العلقة والجنين ، فى مرحلة العلقة ، من حيث إنهما :
* كلاهما متطفل ، بمعنى الاعتماد فى غذائه الجاهز على المصدر الذى يقتات منه.
* وإن غذاء كل منهما هو الدم.
* وإنهما يتعلقان ، تلك على جسد المخلوق ، وهذا على بطانة الرحم.
ومن هنا نجد أن لفظة «علقة» قد جاءت مطلقة فى القرآن الكريم لتشتمل على كل هذه المعانى. كذلك نجد أن كل هذه المعانى التى وردت فى القرآن الكريم قد تجلت فيما توصل إليه العلم الحديث ، على نحو ما سيأتى ذكره.
تلتصق «النطفة التامة التكوين» ، والتى تسمى فى هذه المرحلة «المتكيسة الجرثومية» (BLASTOCYST) بجدار الرحم فى اليوم السادس فى بداية مرحلة «الحرث» (الانغراس)(IMPLANTATION) ، حتى تنزرع تماما. (شكل 27).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

 إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان  Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان     إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان  Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 5:01 pm

(شكل 27) تنزرع النطفة التامة التكوين (Blastocyst) بجدار الرحم فى اليوم السادس (مرحلة الحرث)
وتستغرق هذه العملية أكثر من أسبوع حتى تلتصق النطفة بالمشيمة البدائية بواسطة ساق موصلة تصبح فيما بعد هى الحبل الصرى. (شكل 28 و 28 أ).
وفى أثناء عملية الحرث تفقد «النطفة» شكلها لتتهيأ لأخذ شكل جديد هو «العلقة» والذى يبدأ بتعلق الجنين بالمشيمة ، وهو ما أسماه القرآن الكريم «العلقة» ؛ وهو ما يتفق مع معنى «التعلق بالشىء».
أما إذا أخذنا المعنى الحرفى للفظ «العلقة» ، وهو «دودة عالقة» ، فإننا نجد أن الجنين يفقد شكله المستدير ، ويستطيل حتى يأخذ شكل الدودة. (شكل 29).
ثم يبدأ فى التغذى من دماء الأم ، مثلما تفعل الدودة العالقة إذ تتغذى من دماء الكائنات الأخرى ، ويحاط الجنين تماما بمانع مخاطى ، مثلما تحاط الدودة بالماء.


1 ـ الحبل الصرى 2 ـ جدار الرحم 3 ـ الحويصلة 4 ـ الامينوس 5 ـ الرأس 6 – القلب

(شكل 28 ـ 28 أ) بعد مرور أسبوع تلتصق النطفة بالمشيمة البدائية بواسطة ساق تصبح الحبل الصرى (العلقة)

وهكذا نجد أن اللفظ القرآنى «علقة» يبين هذا المعنى بوضوح طبقا لمظهر الجنين وملامحه فى هذه المرحلة.
وطبقا لمعنى (دم جامد أو غليظ) للفظ «العلقة» ، نجد أن المظهر الخارجى للجنين وأكياسه يتشابه مع الدم المتخثر الجامد الغليظ ، لأن القلب الأولى وكيس المشيمة ومجموعة الأوعية القلبية ، تظهر فى هذه المرحلة. (شكل 30).
وتكون الدماء محبوسة فى الأوعية الدموية ولو كان الدم سائلا ، ولا يبدأ الدم فى الدوران حتى نهاية الأسبوع الثالث ، وبهذا يأخذ الجنين مظهر الدم الجامد أو الغليظ مع كونه دما رطبا.
وجميع هذه الملامح تندرج تحت المعنيين اللذين سبق ذكرهما" للعلقة" وهما (دم جامد) أو (دم رطب).
وعند ما نتحدث عن الفترات الزمنية ، فإننا نجد أن الجنين خلال مرحلة الانغراس يتحول من مرحلة النطفة ببطء ، إذ يستغرق نحو أسبوع منذ بداية الحرث (اليوم السادس) إلى مرحلة العلقة ، حتى يبدأ فى التعلق فى اليوم الرابع عشر أو اليوم الخامس عشر. ويستغرق بدء نمو الحبل الصرى حوالى عشرة أيام (اليوم السادس عشر) حتى يتخذ الجنين مظهر «العلقة». (شكل 29).
ونلاحظ هنا أن حرف العطف (ثم) الوارد فى آيات القرآن الكريم يوفر دلالة واضحة على الفترة التى تتحول فيها «النطفة» إلى علقة ، حيث يدل هذا الحرف على انقضاء فترة زمنية حتى يتحقق التحول إلى المرحلة الجديدة. لأن حرف (ثم) يفيد الترتيب والتراخى.
ويتسع اسم «علقة» فيشمل وصف الهيئة العامة للجنين كدودة عالقة ، كما يشمل الأحداث الداخلية كتكون الدماء والأوعية المقفلة.
كما يدل لفظ «علقة» على تعلق الجنين بالمشيمة.
وهكذا نجد أن التعبير القرآنى «علقة» يعتبر وصفا متكاملا عن المرحلة الأولى من الطور الثانى لنمو الجنين ، ويغطى بكل دقة الملامح الأساسية الخارجية والداخلية.


(شكل 29) العلقة ـ يفقد الجنين شكله المستدير ويستطيل ويأخذ شكل الدودة.

(شكل 30) المظهر الخارجى للجنين وتكون القلب الأولى وكيس المشيمة ومجموعة الأوعية القلبية

وعن الغشاء المشيمى نقول إنه يتكون من خلايا خارجية ، بواسطتها يتعلق الجنين وينغرس فى جدار الرحم وبواسطتها يتغذى. وهذه الخلايا تتمايز إلى نوعين هما الخلايا المخلاوية الآكلة ، والخلايا الآكلة.
مرحلة المضغة
«المضغة» ـ فى اللغة ـ تأتى بمعان متعددة منها : شىء لاكته الأسنان ، وفى قولنا مضغ الأمور أى صغارها ، وحجم المضغة هو ما يمكن مضغه.
وقد استعمل القرآن الكريم لفظ «مضغة» ليصف بها الجنين فى هذه المرحلة ، حيث يبدو كقطعة لحم حجمها بمقدار ما يمضغ. وهذه اللفظة الواحدة تصف لنا بإيجاز معجز ساحر شكل الجنين بالنسبة إلى : 1 ـ حجمه ، 2 ـ شكله ، 3 ـ قوامه.
فإذا ألقينا نظرة على الجنين ؛ فإننا نجده يكون فى اليومين 23 ـ 24 فى نهاية مرحلة «العلقة».
ثم يتحول إلى مرحلة «المضغة» فى اليومين 25 و 26 ، ويكون هذا التحول سريعا جدا. ويبدأ خلال آخر يومين من مرحلة «العلقة» فى اتخاذ بعض خصائص المضغة ، فتأخذ الفلقات (SOMITES) فى الظهور لتصبح معلما بارزا لهذه المرحلة.
ويصف القرآن الكريم هذا التحول السريع للجنين من طور «العلقة» إلى طور «المضغة» باستخدام حرف (الفاء) الذى يفيد التتابع السريع للأحداث.


الجدول : الصفات الرئيسية للجنين فى نموه من مرحلة العلقة إلى مرحلة المضغة. وتتكون الفلقات بسرعة فى الأيام الأخيرة من مرحلة العلقة ويكون التحول إلى مرحلة المضغة سريعا.
(*) تظهر انتفاخات وأخاديد وفلقات تعطى علامة طبع الأسنان ؛ لتمثل أول ظهور بارز لشكل المضغة.)
(**) يصعب عند هذه المرحلة والمراحل التالية تحديد عدد الفلقات ، ويكون هنا العدد غير مفيد كمقياس.)

وقد أوضح علم الأجنة الحديث مدى دقة اختيار القرآن الكريم لتسمية «مضغة» ، من حيث ارتباطها بالشكل الخارجى للجنين ، وتركيباته الداخلية الأساسية. فقد وجد أنه بعد تخلق الجنين والمشيمة فى هذه المرحلة ، فإن الجنين يتلقى الغذاء والطاقة ، وبذلك تتزايد عملية النمو بسرعة ، ويبدأ ظهور الكتل البدنية المسماة فلقات ، والتى تتكون منها العظام والعضلات.
ونظرا لتعدد الفلقات التى تتكون ، فإن الجنين يبدو وكأنه مادة ممضوغة عليها طبعات أسنان واضحة ، فهو «مضغة». وهنا يتفق معى الزميل الدكتور محمد على البار فيقول : «وقد كان المفسرون القدامى يصفون المضغة بأنها مقدار ما يمضغ من اللحم ، ولكنى بعد إعادة النظر والمناقشة أرى الآن أن وصف المضغة ينطبق تمام الانطباق على مرحلة الكتل البدنية .. إذ يبدو الجنين فيها وكأن أسنانا انغرست فيه ولاكته ثم قذفته».
وهذه مجموعة من النقاط التى تبين لنا مدى تطابق تعبير «مضغة» لوصف العمليات الجارية فى هذه المرحلة :
* ظهور الفلقات التى تعطى مظهرا يشبه مظهر طبع الأسنان فى المادة الممضوغة ، وتبدو أنها تتغير باستمرار مثلما تتغير آثار طبع الأسنان فى شكل مادة تمضغ حين لوكها ، وذلك للتغير السريع فى شكل الجنين ، ولكن آثار الطبع أو المضغ تستمر ملازمة. فالجنين يتغير شكله الكلى ، ولكن التركيبات المتكونة من الفلقات تبقى. وكما أن المادة التى تلوكها الأسنان يحدث بها تغضن وانتفاخات وتثنيات ، فإن ذلك يحدث للجنين تماما.
* تتغير أوضاع الجنين نتيجة تحولات فى مركز ثقله مع تكون أنسجة جديدة ، ويشبه ذلك تغير وضع المادة وشكلها حين تلوكها الأسنان.
* وكما تستدير المادة الممضوغة قبل أن تبلع ، فإن ظهر الجنين ينحنى ويصبح مقوسا شبه مستدير مثل حرف (C) بالإنجليزية. (شكل 28)
* ويكون طول الجنين حوالى (1) سم فى نهاية هذه المرحلة ، وهو ما يتطابق مع المعنى الآخر لكلمة «مضغة» وهو (الشىء الصغير من المادة). وينطبق هذا المعنى

على الحجم الصغير للجنين ؛ لأن جميع أجهزة الإنسان تتخلق فى مرحلة المضغة ولكن فى صورة «برعم». كذلك فإن المعنى الآخر للمضغة ، وهو (حجم ما يمكن مضغه) ، ينطبق على حجم الجنين فى نهاية هذه المرحلة (1 سم) وهذا تقريبا هو أصغر حجم لمادة يمكن أن تلوكها الأسنان.
أما المرحلة السابقة للعلقة فقد كان الحجم صغيرا (5 ر 3 ملم) طولا ، وهو حجم لا يتيسر مضغه. وينتهى طور «المضغة» بنهاية الأسبوع السادس.
ولا تتمايز الفلقات فى البداية ، ولكنها سرعان ما تتمايز إلى خلايا تتطور إلى أعضاء مختلفة ، وبعض هذه الأعضاء والأجهزة تتكون فى مرحلة المضغة ، والبعض الآخر فى مراحل لاحقة ، وهو ما تشير إليه ـ فى رأى البعض ـ الآية القرآنية الكريمة (ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) [الحج : 5]
ونتوقف هنا عند «النطفة غير المخلقة». معروف أن بطانة الرحم تنمو وتكتسب الأوعية الدموية اللازمة لتكون ملائمة للتغذية السليمة والنمو المطلوب للعلقة حتى تصبح «مضغة مخلقة». والمضغة غير المخلقة هى التى لم يتم نموها فى حالة طبيعية نتيجة لخلل فى تكوين النطفة الأمشاج أو لقصور فى التغييرات المطلوبة ونمو الغشاء المبطن للرحم ؛ فيعجز عن تقديم التغذية الكاملة للعلقة. وتكون النتيجة أن تفقد العلقة النمو السليم ، ويطردها الرحم ، فإذا حدث ذلك فى بداية الانغراس مجتها الأرحام دما ، وإذا حدث فى مرحلة متأخرة نوعا يقع الإجهاض. (شكل 31)


(شكل 31) نتيجة الإجهاض
وهذا جدول يوضح ظهور الكتل البدنية مقارنة بعمر الجنين ، بالأيام :


وبعد مرحلة «المضغة» ـ كما يقرر القرآن الكريم ـ تبدأ مرحلة تكوّن العظام ، ثم تكسية العظام بالعضلات. وهو ما يقرره علم الأجنة الحديث.
الخلاصة :
فى هذا الطور من أطوار التخلق البشرى ، انتهينا من مرحلتين هما «العلقة» و «المضغة».
تبدأ مرحلة «العلقة» بتعلق الجنين بالمشيمة ، ويأخذ فى تعلقه واستطالته شكل العلقة.
وتنتهى هذه المرحلة بالنمو السريع لخلايا الجنين فى عدة اتجاهات ، وتبدأ «العلقة» فى أخذ شكل «المضغة» ، الذى ينتهى بدوره بانتشار الهيكل العظمى فى أوائل الأسبوع السابع.
أى إعجاز هذا الذى نجده أمامنا؟ : مراحل محددة بداياتها ونهاياتها ، وأسماء تعبر فى الوقت ذاته عن المظهر الخارجى وعن أهم الأحداث الداخلية ، وحروف عطف مناسبة تشير بكل الدقة إلى الفوارق الزمنية فى التحول.
وسبحان من هذا كلامه ..
ثم ننتقل من العلقة والمضغة ، إلى المرحلة التالية من الخلق.

الفصل الثامن
الطور الرابع
مرحلتا العظام واللحم
تمهيد
فى بيان رائع ودقيق يستعرض القرآن الكريم مراحل وأطوار الخلق البشرى ، خلال عملية الحمل كلها بأسلوب سهل واضح ، فيقول جل جلاله :
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : 12 ـ 14]
وقد تحدثنا ـ فى طور التخليق البشرى ـ عن مرحلتى العلقة والمضغة. ونواصل الآن الحديث عن بقية مراحل هذا الطور وهى مرحلتا تكون العظام ، وتكون العضلات فى الجنين.

تكون العظام
أثبت العلم الحديث أن العظام لا تتطور معا فى آن واحد فى الجسم ، وإنما هناك برنامج أو جدول زمنى لتكونها. فأول عظام يكتمل تكوّنها ـ على سبيل المثال ـ هى عظيمات الأذن الداخلية (خلال المرحلة الجنينية) ، بينما لا تكتمل مراكز النمو للعظام الطويلة للأرجل إلا بعد سن العشرين من الولادة أو أكثر.
ومع ذلك فمن الممكن تحديد مرحلة مميزة للعظام ، وذلك عند ما يدخل الجنين مرحلة انتشار الهيكل العظمى حين يتكون الهيكل الغضروفى (العظم الأولى) فى الأسبوع السابع.
وبهذا ينتقل شكل الجنين من مرحلة «المضغة» التى لا تحمل شكلا آدميا إلى مرحلة «العظام» التى يغلب عليها شكل الهيكل العظمى المميز للإنسان. (شكل 32 و 33).
وتتضمن عملية تكون العظام ، مجموعة طلائع خلايا الأنسجة الوسطى (النسيج الجنينى الضام) لكل من العظام الغشائية والعظام الغضروفية. فحين تتكون العظام بين الأغشية (كعظام الفك السفلى والفك العلوى) تتكاثف خلايا النسيج الأوسط مكونة أكداسا من الخلايا ، وتتميز على شكل خلية تعظم أو بدائية عظمية ، تفرز بدورها حول نفسها منبتا عضويا للعظام ، يكون غنيا بالغراء.
وعند ما يحيط منبت العظام بالخلايا ، تسمى خلايا عظمية ، ويتمعدن (بترسب الكالسيوم) منبت العظام العضوى مع تعظمه.
وتتكون العظام العضروفية على نحو مماثل ، باستثناء الخلايا المتكثفة فى الطبقة الوسطى فإنها تتميز أولا ، على شكل جذعة غضروفية تكون المنبت العضوى لعظام الغضروف. فيتكون الهيكل العظمى الأولى من الغضروف ، ثم يحل العظم محل


(شكل 32) مرحلة العظام ـ يأخذ الجنين الشكل العظمى المميز للإنسان

(شكل 33) عظام الرأس (العظام الغشائى)

الغضروف ، وتحيط طبقة من الأنسجة الضامة (تسمى غشاء الغضروف) بنموذج الغضروف (أو «السمحاق» الذى يغلف العظام) ، ويكون بمثابة خزان للخلايا الأصول (الجذعات الغضروفية أو الجذعات العظمية) عند نمو هذه الأنسجة.
وبالرغم من أن طلائع خلايا العضلات والعظام قد تتجاور (فى الفلقات مثلا) فإن تاريخها يبدأ بالاختلاف عند ما تبدأ الخلايا فى الانتقال إلى أماكن مختلفة فى الجنين ، إذ إنها لا تنتشر فى الجسم لتكسو العظام إلا بعد تكون الهيكل العظمى الغضروفى.
وتنبثق عظام الجسم الطويلة عن النسيج الأوسط الجنينى.
وتتكاثف خلايا هذا النسيج فى الأطراف ، فتتجمع فى المنطقة التى تتكون فيها العظام.
ومن تلك الكتلة الكثيفة من الخلايا تبدأ عملية تكون الأنسجة ؛ التى يتميز فيها النسيج الوسط على شكل جذعات غضروفية.
وتفرز هذه الجذعات بدورها حول نفسها المنبت العضوى للغضاريف.
وينجم عن عملية التغضرف ظهور نموذج غضروفى يعطى الجنين هيكله العظمى وشكله الإنسانى.
وتنفصل الخلايا عن النسيج الضام ، وتشكل قلادة عظمية حول ساق النموذج الغضروفى.
وينفصل النسيج الغضروفى اللاوعائى نتيجة لذلك عن المواد المغذية المنتشرة ، ويصبح نخريا ، وتموت الخلايا الغضروفية.
ويعقب ذلك انتشار خلايا الأنسجة الضامة ، والعناصر الوعائية من الأنسجة الضامة المجاورة.
وتجتمع بعض هذه الخلايا المنتشرة على شكل جذعة عظمية وتحيط نفسها بمنبت غضروفى عظمى عضوى حديث الإفراز ، وبذلك تتكون الخلايا العظمية للعظم الحديث النمو (الذى كان قبل ذلك نموذجا غضروفيا).

ومع أنه لا يبدأ تكون العظام على نحو موحد فى الجسم كله ، وتظهر الأنسجة العظمية بالتعاقب ، فإن الأسبوع السابع يشهد مرحلة انتشار الهيكل العظمى فى جسم الجنين ويبدأ نمو عظام الأطراف (شكل 34) فى براعم العظام الجنينية من خلايا النسيج الأوسط ، وتظهر مراكز التعظم الابتدائى فى الفخذ خلال الأسبوع السابع ، وفى القص والفك خلال الأسبوعين الثامن والتاسع.
وفى العقود الأخيرة تم تدوين عملية تكون العظام فى الجنين البشرى. كما تمت ـ فى علم الأنسجة ـ دراسة دور كل من النسيج الأوسط ، والجذعات العظمية ، وكاسرات العظام ، والخلايا العظمية.
ومما سهل معرفة مراحل ترسب الغضاريف والتمعدن فى الجنين ، تطبيق إجراءات الاصطباغ الخاصة بالغضاريف والعظام.
وبالرغم من وجود طلائع خلايا (جذوع العضلات) بالقرب من العظام النامية ، فإن التميز على شكل روابط عضلية هيكلية تكسو العظام يحدث بعد بدء عمليات التعظم فى نهايات العظام والساق.
مصطلح العظام
قال الله تعالى : (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً)
يبين لنا هذا النص القرآنى أن مرحلة «العظام» تأتى بعد مرحلة «المضغة» ، وأن المضغة قد تكونت لديها عناصر هيكلية. وهكذا فإن القرآن الكريم ، كعادته فى إيراد الكلمات المحددة ، يطلق اسم «العظام» على هذه المرحلة التى تلى المضغة ، حيث يأخذ الجنين شكل العظام بانتشار الهيكل العظمى فى هذه المرحلة.
ونلاحظ أن استعمال حرف (ف) فى الآية الكريمة يشير إلى أن مرحلة العظام تنمو بعد مرحلة المضغة بفترة قصيرة. لأن حرف «الفاء» يفيد الترتيب والتعقيب ، بخلاف حرف «ثم» الذى يفيد الترتيب والتراخى.

وحول هذه الأمور روى حذيفة بن أسيد الغفارى رضى الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة ، بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها».
يتخذ الجنين ـ فى بدء مرحلة العظام ـ المظهر الإنسانى الذى يميزه عن غيره من الأجنة ، وهو ما يصفه الحديث الشريف بكلمة (صورها).
ويصعب ـ قبل اليوم الثانى والأربعين ـ تمييز الجنين البشرى عن أجنة كثير من الحيوانات ، مع أنه يكون مميزا بوضوح فى مظهره ، وتبدأ بعض الخلايا غير المتخصصة للجنين فى التخصص ، وتتحول إلى أجزاء وظيفية متنوعة. وينجم عن هذه العملية تكون الأعضاء وتهيئتها اللازمة للحياة. ويصبح سطح الجسم أكثر استواء فى مرحلة العظام ، ويتخذ فى هذه المرحلة مظهرا أكثر استقامة.

(شكل 34) الأسبوع السابع ـ نمو عظام الأطراف

تكون العضلات
تنشأ معظم خلايا عضلات الهيكل العظمى من الفلقات. ولذلك ينمو الجهاز العضلى على شكل فقرى (مجزأ).
ويشير توزيع الأعصاب الجلدية فى جسم الإنسان البالغ إلى هذا التجزؤ العضلى. كما يشير التجزؤ العضلى بدوره إلى أصل التجزؤ الجنينى.
وعند نهاية الأسبوع السادس من النمو ، تنتقل الخلايا الأولية لهيكل الجسم ، وخلايا الجلد الأولية ، بعيدا عن منطقة الفلقات الأصلية ، ثم تنمو هذه الخلايا وتتصل بالخلايا المجاورة ؛ ويكون نموها فى اتجاه البطن لتتشكل القسيمات العضلية.
وتتجزأ هذه القسيمات العضلية بدورها إلى أجزاء خارجية (Epimeric) وأجزاء داخلية (Hypomeric) ، يزود كل منهما بفرع من العصب الشوكى. وبصفة عامة ؛ فإن الجهاز العضلى للظهر ينشأ من طبقة الأجزاء الخارجية (Epimeric) ، بينما تنشأ عضلات جدران البطن والضلوع من الأجزاء الداخلية. (Hypomeric)
وخلال العقود القليلة الماضية حظيت عملية تكون العضلات ـ على مستوى الخلايا ـ بدراسة جيدة ، اتضح منها أن الخلايا الابتدائية للخلايا العضلية تندمج معا ، وتكون مركبات متعددة النويات ، تتخذ شكل أنابيب عضلية (Myotubes)
ويستمر النمو باندماج كل من الخلايا العضلية والأنابيب العضلية ، ويحدث بعد الاندماج مباشرة أو خلاله تأليف وتنظيم ـ بشكل تدريجى ـ للخيوط العضلية (Myofilaments) الأكتين ، والميوسين ، وغيرهما من البروتينات العضلية) فى هذه الخلايا أو (الألياف) العضلية.
فى البداية يظهر ترتيب الألياف العضلية غير منتظم ، ولكنها تدريجيا تنتظم فى حزم من الألياف العضلية التى يتصف بها التنظيم النسيجى لعضلات الهيكل العظمى ، ثم تتصل هذه الخلايا العضلية بغشاء العظام التى تكونت فى هذا الموضع ، مكونة حول هذه

العظام النسيج العضلى الذى يكسو تلك العظام. ومع نهاية الأسبوع السابع ، وخلال الأسبوع الثامن يمكن ملاحظة تميز واضح لعضلات الجذع والأطراف والرأس ، وقد بدت بصور جلية فى هذه الفترة ، وبهذا يصبح الجنين قادرا على إحداث بعض الحركات.
أىّ إعجاز هذا يا رب؟ فقبل أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان ، نزل كتابك الحق وفيه ذكر واضح لكيفية تكوّن العظام فى جنين الإنسان ، وما يعقبه من كساء العظام باللحم والعضلات. فإنه لقولك الحق (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) [المؤمنون : 12 ـ 14]
ويتم اتصال الألياف العضلية بالعظام بواسطة أوتار عن طريق تشابك النهايات القصوى للخلايا العضلية بحزم النسيج الضام للوتر المتكون. وهذا النسيج الضام الكثيف يتصل بقوة بالقشرة الخارجية المحيطة بالخلايا العضلية ، كما يتصل كذلك بغشاء العظام الذى سبق تكوينه.
ومع نمو العظام ، فقد تنطمر حزم النسيج الضام داخل العظام على شكل ألياف. ويلاحظ أن تحلل الخلايا العضلية ، وحلول عناصر النسيج الضام مكانها يمكن أن يقدما لنا تصورا عن كيفية تكون الأوتار والصفاقات.
إن علم الحياة النمائية يهتم بدراسة تسلسل عمليات النمو التى تحدث فى تكوين العظام والعضلات. فعند ما تتكون عظام الهيكل فإن الطبقة المتوسطة التى تتشكل منها العضلات تبدأ فى التجمع على هيئة كتل ظهرية أو بطنية ، وتقوم بكساء أجزاء الهيكل العظمى المتكوّن.
تعبير الكساء باللحم
لا تأخذ العظام ولا اللحم (العضلات) شكلها الواضح المعروف فى الأربعين يوما الأولى. وتظهر فى هيئتها المعتادة فى الأسبوع السابع ، ويتشكل الجنين فتتميز لدينا مرحلة محددة مختلفة فى مظهرها وتركيبها عن المرحلة السابقة «المضغة». وتلى مرحلة العظام مرحلة أخرى تتميز عنها بكساء الهيكل العظمى باللحم من

جميع جوانبه ، فتتعدل الصورة الآدمية للجنين ، وتتناسق الأعضاء بصورة أدق ، وبذلك يبدأ الجنين بالحركة فى نهاية الأسبوع الثامن. (شكل 35).
وهذه مرحلة متميزة عن مرحلة العظام فى التركيب والتناسق والصورة ، وقدرة الجنين على الحركة. وتبدأ هذه المرحلة من أواخر الأسبوع السابع إلى تمام الأسبوع الثامن ، وتأتى عقب مرحلة العظام مباشرة.
وهنا نجد أن النص القرآنى يأتى دالا على التتابع السريع بين المرحلتين ، وذلك باستعمال حرف العطف (ف) الذى يفيد تعاقب الأحداث التى يربط بينها.
كذلك تشير الآية الكريمة الى أن مرحلة الكساء باللحم تمثل نهاية لمرحلة من مراحل نمو الجنين ، لتبدأ بعدها بفترة من الزمن ، مرحلة أخرى هى النشأة ، وهو ما يدل عليه استعمال حرف العطف (ثم) الذى يفيد الترتيب والتراخى فى الزمن بين الأفعال التى يربط بينها.
سبحانك يا خالق يا عظيم ، ذكرت ذلك كله فى محكم كتابك الكريم بقولك : (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : 12 ـ 14]
الخلاصة
تظهر أمامنا بكل وضوح السمات الرئيسية للأسبوعين السابع والثامن ، من خلال استخدام تعبيرى عظام (الهيكل العظمى) ولحم (العضلات). ونلاحظ أن هذين التعبيرين يصفان هاتين المرحلتين بلغة واضحة بعيدة عن أى غموض. وهكذا يأتى القرآن ـ وهو كلام الله ـ ليسبق بأكثر من ألف عام العلماء فى كل بقاع الأرض ، فيطرح أول وصف تفصيلى لمراحل التخلق وأحداث النمو ، بعبارات جامعة شاملة ومن مرحلة العظام واللحم ننتقل إلى مرحلة النشأة فى رحلتنا مع الخلق الإلهى المعجز ، وبيانه المحكم له فى آياته القرآنية.
ومن مرحلة العظام واللحم ، ننتقل إلى مرحلة النشأة ، فى رحلتنا مع الخلق الإلهى المعجز ، وبيانه المحكم له فى آياته القرآنية.


(شكل 35) تناسق الأعضاء (الأسبوع الثامن) بصورة أدق يبدأ الجنين فى الحركة

الفصل التاسع
الطور الخامس
النشأة
تمهيد
فى نهاية الأسبوع الثامن تظهر على الجنين خواص بشرية ، فتكسى العظام بالعضلات التى يغطيها الجلد ، وتتميز بعد ذلك بشكل واضح كل أعضاء الجسم.
وفى الأسبوع التاسع يبدأ طور «النشأة» ، ويكون معدل النمو بطيئا حتى بداية الأسبوع الثانى عشر ، وحينئذ تبدأ مرحلة جديدة من النمو السريع والتغير الكبير.
وهذا أمر يمكن متابعته من خلال ملاحظة وزن الجنين. والطور الذى نتحدث عنه هو الذى ذكره القرآن الكريم فى قوله تعالى (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) [المؤمنون: 12 ـ 14]

تعريف النشأة
كلمة «نشأة» مستقاة من فعل «نشأ» ، ومن معانيها :
* بدأ* نما* ارتفع
كما ورد عن علماء التفسير فى هذه الآية المعنيان التاليان :
* تطور الجنين إلى مخلوق ناطق سميع بصير.
* نفخ الروح فى الجنين.
ويلاحظ فى الآية ورود حرف العطف «ثم» ، ليفيد أن مرحلة «النشأة» تأتى بعد مرحلة «الكساء باللحم» على التراخى فى الزمن بصورة تدريجية.
هذا المعنى الذى يدل عليه حرف «ثم» نجده واضحا فى تاريخ طور النشأة ، حيث تبدأ «المرحلة الجنينية» فى الأسبوع التاسع ، ويظهر نمو بعض الأعضاء فى الأسبوع الحادى عشر ، وتستمر مرحلة النشأة حتى نهاية الحمل ، أى الأسبوع الثامن والثلاثين. (شكل 36).
خصائص مرحلة النشأة :
1 ـ تطور الأعضاء والأجهزة :
تتميز مرحلة الحميل ببداية تكون الأعضاء وظهورها فى حين تتسم مرحلة الجنين اللاحقة لها بتهيئة الأعضاء والأجهزة المختلفة للقيام بوظائفها.
وهذا هو المعنى الذى أشار إليه المفسرون (ويصبح الإنسان كائنا ناطقا سميعا بصيرا).
والحد الفاصل بين مرحلتى الحميل والجنين هو نهاية مرحلة كساء العظام باللحم.

2 ـ نفخ الروح :
لدينا فى هذه النقطة نصوص قرآنية وأحاديث نبوية تشير إلى أن الروح قد تنفخ فى مرحلة الجنين (1). ومعنى ذلك أن الحياة التى تكون قبل ذلك حياة من نوع آخر أطلق عليها علماء المسلمين «الحياة النباتية».
ففى سورة «المؤمنون» يقول الحق تعالى فى قرآنه الكريم (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) [المؤمنون : 14].
وفى صحيح مسلم يروى الإمام مسلم عن عبد الله بن مسعود ـ رضى الله عنه ـ قال : حدثنا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو الصادق الصدوق ، قال : «إن أحدكم يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقى أو سعيد».
ويكاد جمهور العلماء والفقهاء يجمعون على أن نفخ الروح يتم فى نهاية الأربعين الثالثة (حديث ابن مسعود ، وحديث حذيفة) أى 120 يوما. ويذهب البعض إلى أن هذه الفترة بالذات أو ما يقرب منها (أربعة أشهر وعشر) هى فترة (العدة) التى لا بد أن تنقضى قبل أن تتزوج المرأة المطلقة أو الأرملة ، حيث يعنى مرور هذه الفترة أنه ليس فى بطنها جنين قد دخلت فيه الروح.
وبعد ذلك لا بد لنا من وقفة عند الروح وهى فى البدن ، لنجد أن النصوص الشرعية تدل على أن الروح تغادر البدن وقت النوم وتعود إليه باليقظة.
ففى سورة الزمر يقول الحق تعالى فى قرآنه الكريم (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الزمر : 42].
__________________
(1) يعتبر وقت نفخ الروح علامة هامة للغاية ، حيث يحرم قتل هذا الجنين بعد نفخ الروح قولا واحدا.
وقد جعل ابن حزم جريمة قتل الجنين بعد نفخ الروح (إذا أمكن التيقن من حياة الجنين) مساوية لقتله بعد الولادة وفيها القصاص لا الدية.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

 إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان  Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان     إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان  Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 5:03 pm

وفى سورة الأنعام يقول جل جلاله (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الأنعام : 60].
وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول عند استيقاظه (الحمد لله الذى أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور).
3 ـ التغيرات فى مقاييس الجسم واكتساب الصورة الشخصية :
توجد أمامنا الآيتان (7 ـ Cool من سورة الإنفطار ، واللتان تحددان لنا كيفية حدوث هذه العمليات ، إذ يقول الحق جل جلاله" (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) [الانفطار : 7 ، 8].
وتعالوا نحلل مضمون هاتين الآيتين الكريمتين بشىء من التفصيل :
فكلمة «سواك» تعنى جعل الشىء مستويا ومستقيما ومهيأ لأداء وظائفه.
وقد انتهينا الى أن التسوية تبدأ خلال مرحلة «العظام».
وتعنى كلمة «فعدلك» تغير الشكل والهيئة لتكوين شىء محدد.
أما الحرف (ف) قبل كلمة «عدلك» فيشير إلى التسلسل المباشر. وبذلك يكون المعنى (وبعد ذلك عدل هيئتك) لأن «عدلك» بينتها الآية التى تليها وهى «فى أى صورة ما شاء ركبك».
وخلال طور النشأة تتغير مقاييس الجسم ، وتتخذ ملامح الوجه المقاييس البشرية المألوفة. (شكل 37).
فتنتقل الأذن ـ مثلا ـ من الرقبة الى الرأس ، وتتحرك العينان إلى مقدمة الوجه ، ويصبح الطرفان السفليان أكثر طولا بالمقارنة بالجسم.
وهذا ما يشار إليه بكلمة «تعديل» وتعنى : التقويم.
وتعنى كلمة «صورة» ـ فى الآية الثانية ـ «هيئة أو شكل» فالآية ـ إذن ـ تعنى أنه عقب بدء عملية التسوية مباشرة يطرأ تغيير على الجنين ، فيتخذ المقاييس الطبيعية

(التعديل) ، ويحدث اكتساب الصورة الشخصية (التصوير) ، وتستمر عمليات التعديل والتصوير حتى الولادة ، بل وبعدها.
4 ـ تحديد الجنس :
حسبما جاء فى القرآن الكريم والحديث النبوى ، فإن هناك ثلاث خطوات تحدد نمو الخصائص النوعية (التذكير والتأنيث) :
الخطوة الأولى :
وتحدث فى مرحلة النطفة (التقدير فى النطفة)
الخطوة الثانية :
وهى تمايز غدتى التناسل على شكل خصيتين أو مبيضين ، فتحدث خلال مرحلة الكساء باللحم ، فى الأسبوع التاسع.
الخطوة الثالثة :
وهى تميز الأعضاء التناسلية الخارجية ، وتحدث خلال طور النشأة.
وهذا ما يشير إليه الحديث الشريف الذى رواه مسلم فى صحيحه (عن حذيفة رضى الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله ملكا فصورها ، وخلق سمعها ، وبصرها ، وجلدها ، وعظامها ، ثم قال يا رب أذكر أم أنثى ، فيقضى ربك ما شاء ويكتب الملك).
ويتحقق هذا بخلق الأعضاء التناسلية الخارجية التى يتم بها التمييز النهائى للذكورة والأنوثة ، وتكتمل بها مراحل وأطوار تحديد النوع. ويتم ذلك فى الأسبوع الثانى عشر.
وجدير بالذكر أن نسجل هنا هذه الملاحظات :
أن الأعضاء التناسلية الخارجية تكون متماثلة إلى الأسبوع التاسع.
أنه يمكن التمييز بسهولة بين الأعضاء التناسلية الخارجية للجنسين فى الأسبوع الثانى عشر ، ويصعب قبل ذلك.

هذا مع العلم بأن التطور النوعى لمستقبل الجنين ، والمتمثل فى الغدد والأعضاء التناسلية الخارجية ، قد تحدد سلفا وفقا لجنس الكروموسوم. إلا أنه يحدث أحيانا أن تتطور الأعضاء التناسلية الخارجية فى وضع مغاير للوضع الجينى السابق بالنسبة لتحديد نوع الجنس.
مراحل طور النشأة :
يتكون طور النشأة من عدة مراحل وتطورات ، هى :
1 ـ النشأة خلق آخر :
يبدأ هذا الطور فى الأسبوع التاسع ، ويستمر حتى الأسبوع الثانى والعشرين. وتتضح فى الجنين الصفات التالية :
أ ـ النمو السريع :
فالجنين ينمو ببطء بعد طور اللحم (الأسبوع التاسع) مباشرة ، وحتى الأسبوع الثانى عشر ، ثم يتسارع النمو جدا.
ب ـ تغيير طبيعة الجنين وتطور أعضائه :
فالهيكل العظمى يتطور من عظام غضروفية لينة إلى عظام صلبة متكلسة ، وفى الأسبوع الثانى عشر من الحمل تظهر مراكز التعظم فى غالب العظام ، وتتمايز الأطراف. ويصبح ممكنا رؤية الأظافر على الأصابع ، وتتوازن أحجام الرأس والجسم والأطراف ، لا سيما بين الأسبوعين التاسع والثانى عشر. ويظهر الشعر الزغبى على الجلد ، الذى يتمايز فى هذه المرحلة إلى بشرة وأدمة. ويزداد حجم الجنين بسرعة بصورة عامة. ويتم التمييز بين الأعضاء التناسلية الخارجية بصورة واضحة فى الأسبوع الثانى عشر. وتتطور العضلات الإرادية وغير الإرادية ، ويظهر فى هذه المرحلة بعض الحركات العادية الذاتية ، وكذلك بعض التقلصات العضلية الانعكاسية إذا ما تعرض لمنبه خارجى.
وبصورة عامة فإن التطور الوظيفى للجهاز العصبى يتوازى مع تطور الدماغ والحبل الشوكى ، وتظهر الحركات البدائية والغريزية كالمص والقبض بعد ذلك بفترة طويلة.

ومع نهاية هذا الطور تكون أعضاء الجنين قد اكتملت وأصبحت مؤهلة للقيام بوظائفها ؛ وهو ما جاء وصفه ببالغ الإحكام فى القرآن الكريم (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ)
أقل مدة للحمل :
مدة الحمل العادية هى تسعة أشهر. لكن الجنين ـ بعد مرحلة النشأة ـ يصبح خلقا آخر قادرا على الحياة أو البقاء خارج الرحم ، عند تمام الشهر السادس من تخلقه.
ويتفق هذا مع معانى عدة آيات من القرآن الكريم هى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) [الأحقاف : 15] ، (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) [لقمان : 14] ، (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) [البقرة : 233]. وبالحساب الدقيق ـ وفقا لهذه الآيات ـ وبما توصل إليه العلم ، نجد أن أدنى مدة للحمل هى ستة أشهر. وهذا هو ما أفتى به أمير المؤمنين على بن أبى طالب ـ كرم الله وجهه ـ وأقره على ذلك الصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ وبه قال المفسرون. وقد أثبت العلم ما قرره المفسرون من حيث استحالة قدرة الجنين على التنفس قبل نهاية الأسبوع الرابع والعشرين نظرا لعدم اكتمال قدرته على ذلك.
2 ـ الحضانة الرحمية :
عرفنا من الآيات السابقة أن أدنى مدة للحمل هى ستة أشهر ، وأن هذه الأشهر كافية لبقاء الإنسان على قيد الحياة بعد خروجه من الرحم. وحيث إن الولادة تتم عادة بعد تسعة أشهر ، فيمكن اعتبار الأشهر الثلاثة بعد نهاية الشهر السادس وبين الولادة بمثابة فترة حضانة رحمية.
ولا بد لنا هنا من وقفة نتذوق فيها عظمة الخالق عزوجل ، وهو يحدد لنا فى آياته المحكمات ، بكل دقة ، أقل مدة للحمل.
3 ـ المخاض أو الولادة :
تنتهى الحضانة الرحمية بولادة الجنين. وهنا تبرز أمامنا آية رائعة يقول فيها الحق تعالى (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) [عبس : 20].

ومن معانى هذه الآية تيسير طريق الجنين لتيسير الولادة ، حيث تبدو قناة الولادة ـ وهى فى وضعها الطبيعى ـ ممرا يصعب مرور الجنين منه ؛ إلا أن هناك عوامل كثيرة تسهل عملية الولادة.
واستنادا إلى المعلومات العلمية المتوفرة ، فإننا نعرف الآن الدور الذى تؤديه العوامل التالية :
(أ) هورمون ريلاكسين : وهو هورمون يفرزه المبيضان والمشيمة ، ويؤدى إلى تراخى أربطة مفاصل الحوض ، وتليين عنق الرحم.
(ب) تقلصات الرحم : وهى تبدأ فى الجزء العلوى من الرحم ، الذى يتكون من نسيج العضلات المتقلصة المتحركة النشطة ، والذى يؤمّن القوة اللازمة لدفع الوليد خلال الجزء السفلى الساكن الرقيق من الرحم.
(ج) أغشية السلى : وهى عبارة عن كيس الماء الأمينوسى الذى يحيط بالجنين ويسهل انزلاقه.
وتبرز هذه الأغشية الممتلئة بالسائل الأمينوسى على شكل كيس مائى من خلال عنق الرحم مع كل تقلص من تقلصاته ، وتعمل على تسهيل تمدده. وتؤمّن هذه الأغشية ـ بعد أن تتمزق ـ سطحا لزجا ناعما ينزلق عليه الجنين.
ميكانيزم (آلية ـ هندسة) المخاض
يتغير وضع الجنين عند مروره عبر تجويف الحوض الذى له شكل غير منتظم. وهذه التغيرات ـ التى تطرأ على الوضع العكسى ـ هى على سبيل المثال النزول والانثناء والدوران الداخلى والتمدد ، واسترجاع الوضع الطبيعى ، والدوران الخارجى.
وصدق الله تعالى فى قوله (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ،) فقد هيأ للجنين كل هذه السبل لتسهيل مروره عبر قناة الولادة.

الخلاصة :
أى إعجاز هذا؟!
سبحانك يا الله .. تقول فى قرآنك الكريم لفظ «أنشأناه» ، فإذا به يشتمل على أوضح التطورات الخارجية والداخلية فى الملامح خلال هذا الطور من أطوار التخلق البشرى.
ولقد عرفنا أن لفظ «نشأ» يعنى (بدأ) و (نما) و (ارتفع وربا) ، فإذا بكل هذه المعانى تنطبق بشكل جلى مفهوم على كافة مراحل هذا الطور.
فما ورد بمعنى (بدأ) يصف لنا بداية عمل الأعضاء والأجهزة المختلفة ، حيث نجد أن الكلية قد بدأت فى تكوين البول ، وبدأ مخ العظام فى تكوين خلايا الدم ، وبدأت حويصلات الشعر فى الظهور فى الأسبوع العاشر ... الخ.
وأما معنى (نما) فإنه يبين النمو السريع والتطور الشامل فى أعضاء وأجهزة الجسم خلال هذا الطور.
وأما معنى (ارتفع وربا) فإنه يصف تلك الزيادة الواضحة والبالغة السرعة فى طول الجنين ووزنه ، والتى تبدأ فى الأسبوع الثانى عشر.
وسبحانك عز من قائل ، من اخترت لفظ «نشأ» لينطبق بصورة دقيقة ومناسبة للغاية على وصف مرحلة الجنين.

مسار عملية التخلق فى طور النشأة



الفصل العاشر
إعجاز الآيات القرآنية
فى الحديث عن مراحل التخليق البشرى
بعد أن أنتهت رحلتنا مع الخلق الإلهى ، لا أجد ما أقول سوى : سبحانك ربى سبحانك ، سبحانك ما أعظم شأنك.
أى إعجاز هذا يا رب يا قادر!!
منذ أربعة عشر قرنا من الزمان ، وقرآنك الكريم يضم بين جنباته تفردا وعظمة ، وسبقا لما اكتشفه العلم الحديث الذى لم نتوصل إلى أطرافه إلا من عشرات قليلة من السنين ، عند ما يتحدث القرآن بكل الاقتدار الإلهى عن كيفية ومراحل الخلق البشرى.
وقبل أن تعرف الإنسانية الأجهزة والآلات المعقدة الحديثة بقرون طويلة ، وقف القرآن شامخا ، يتحدث وحده ـ بكل الثقة والاقتدار ، عن مراحل الخلق البشرى ، بأوصاف معجزة ، ومنهجية علمية ، وترتيب دقيق ، لم يتوصل البشر إلى معرفته إلا منذ سنين قلائل.
حقا إنه كلام رب مقتدر ، وحديث خالق مبدع.
يقول جل جلاله : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت : 53] ، وذلك فى إشارة واضحة إلى أن الناس فى زمن التنزيل لم تكن لهم معرفة بحقائق العلوم التى كشفها تعالى لنا فى هذا العصر الراهن من معجزات فى خلق الكون والإنسان.

اللافت للنظر أن هذه العبارات التى يفهمها الناس ويتقبلونها ، هى فى نفس الوقت ، عبارات تحمل المعنى الأصلى المراد منها فى تعبير دقيق عن الحقيقة. فهى صيغ يسترعى انتباهنا منها أنها دقيقة جدا ومقصودة ، إذ إن كلا من منها اصطلاح لا يضارعه أى اصطلاح مما قد يخطر فى بال أى عالم من علماء اللغة فى دقته ودلالته. ثم هو إلى جوار ذلك ، اصطلاح جميل ورفيع ، ويوحى بالسمو المعنوى إضافة إلى السمو المادى ، تأنس إليه الأذن ويرتاح له الفؤاد ، ويعتقد به الشخص العالم ، الآن كما فى القديم.
ومعروف أن العلماء قد اتفقوا على أسس وضع المصطلحات العلمية لعلم الأجنة ، بحيث يتحتم أن تكون هذه المصطلحات :
1 ـ واصفة للمظهر.
2 ـ أن تعكس عمليات التطور التى تحدث فى كل طور وكل مرحلة.
3 ـ أن تتحاشى وقوع أى تداخل أو التباس فى بداية كل مرحلة ونهايتها.
ومن خلال دراسة كل المصطلحات المتعلقة بتكوين الجنين الإنسانى فى القرآن الكريم ، نجد أنها تستوفى كل الشروط الضرورية اللازمة للتسميات المثالية ، إذ يبرز فيها التطابق والوضوح بالنسبة لكل مرحلة من مراحل تطور الجنين.
ولهذا السبب فإنه لا يمكن أن يعزى تفسير وصف الجنين البشرى الوارد فى القرآن الكريم إلى المعرفة العلمية التى كانت سائدة وقت نزوله فى القرن السابع الميلادى. والاستنتاج المنطقى الوحيد ، والذى لا جدال فيه ـ فى هذا الصدد ـ هو أن الله سبحانه أوحى بذلك إلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم النبى الأمى الذى لم يمارس فى حياته نشاطا علميا قط فى هذا المجال أو غيره.
وبعد أن قطعنا سويا رحلتنا مع مراحل الخلق الإلهى ، واحدة تلو الأخرى ، فقد يكون مفيدا أن نتوقف لكى نمعن الفكر ونتدبر ، كما أمرنا الله ، لنرى كيف أبدعت آيات القرآن الكريم فى بيان إعجاز هذا الخلق الإلهى.

نصوص بعض الآيات
كثيرة هى الآيات (1) التى تتحدث فى القرآن الكريم عن المراحل الأساسية فى عمليات التطور والتخلق البشرى. لكننا نختار من بينها نصوص بعض هذه الآيات كما وردت فى سبع من سور القرآن العظيم :
يقول المولى عز جلاله :
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) [الطارق : 5 ـ 7]
ويقول جل جلاله :
(هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) [آل عمران : 6]
ويقول سبحانه :
(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) [الأنعام : 98]
ويقول جل جلاله :
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : 12 ـ 14]
ويقول تعالى :
(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ) [الإنسان : 2]
ويقول سبحانه :
(أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (37) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) [القيامة : 37 ـ 39]
__________________
(1) راجع الفصل الثالث من هذا الكتاب.

ويقول تعالى :
(الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) [الانفطار : 7 ، 8]
ما الذى نلحظه فى هذه الآيات؟
نلحظ أن هذه الآيات تتحدث عن مراحل التخلق البشرى ، فتجعله فى أقسام واضحة متمايزة هى :
1 ـ مرحلة البداية : وهى تتناول المنبع الأساسى للعملية من جذورها ، وهو مكان خروج الحيوانات المنوية والبييضات.
2 و 3 ـ مرحلة التخلق الأولى (الحميل) : وتشمل النطفة والعلقة والمضغة ، وتخلق العظام ، ثم كسوة العظام باللحم (العضلات).
4 ـ مرحلة النشأة : وهى مرحلة تالية ، فيها تنشط عمليات النمو والتشكل ، ثم يحدث التطور فى المظهر الخارجى ، فيتخذ الجنين شكلا بشريا مميزا ومعتدلا.
كذلك نلاحظ أن هذه الآيات تتحدث عن مراحل التخلق البشرى فى صورة مصطلحات وصفية ، وفقا للمظهر الخارجى. ثم إن هذه الآيات استخدمت أفعالا وصفية لبعض أهم مراحل الخلق وأطواره.
وفيما يلى جدول توضيحى يبين العلاقة المتقابلة بين نصوص الآيات التى ذكرناها ، ثم جدول يبين المعنى اللغوى لكل تعبير قرآنى وكذلك معناه الاصطلاحى :



كلمات القرآن فى وصف مراحل التخليق البشرى
معانيها اللغوية والاصطلاحية


وقفة للتحليل العلمى والتحليل الموضوعى :
نحن الآن أمام نصوص تتولى وصف مراحل التخلق البشرى ، سواء من خلال الاسم أو الفعل. وهى نصوص تتفق سويا عند الإشارة إلى أى مرحلة ، ولا تختلف حولها مطلقا وهى نصوص تحتوى على حروف عطف تتولى الإشارة إلى المدة الزمنية وتتابع الأحداث.
هذا ما تنطوى عليه هذه الآيات ، وهذا ما نعرض له بشىء من الاستفاضة ، فى هذه الوقفة التحليلية ، علميا وموضوعيا.
أولا : أهمية حروف وأدوات العطف :
هذه الحروف والأدوات تستخدم للدلالة على تتابع التغير فى الشكل أو فى تتابع الأحداث. وأداة العطف (ثم) فى العربية تدل على وجود فاصل زمنى بين حدثين ، بينما يدل حرف (الفاء) على أن الأحداث تتوالى فورا دون فاصل زمنى.
تطبيقا لذلك على سورتى «المؤمنون» و «القيامة» ، نجد أن أداة العطف (ثم) جاءت لتدل على التسلسل البطىء بين مصطلحى النطفة والعلقة ، بينما ورد حرف (الفاء) للدلالة على الترتيب المتتابع السريع فى مراحل الجنين المذكورة فى السورتين.
ثانيا : النطفة والعلقة :
تتوافقان فى التسلسل البطىء ، حيث ورد بينهما حرف العطف (ثم) فى نفس السورتين.
ثالثا : المضعة :
فى سورة (المؤمنون) وردت كلمة «مضغة» لوصف المرحلة التى تلى «العلقة» وبيان شكل الجنين فيها. وفى سورة (القيامة) ورد فعل «خلق» تاليا لمرحلة العلقة ،

ومن بين معانيه ـ وهو المقصود هنا ـ إنشاء شىء من شىء آخر. وعليه فإن هذا الفعل جاء هنا ليدل على التحول من مرحلة «العلقة» إلى مرحلة جديدة هى «المضغة». وإذا كان المفهوم من كلمة «خلق» هنا أنها تقترن بعمليات تخلق متميزة ، فإن علم الأجنة يقر بأن بدايات الأجهزة المختلفة تبدأ خلال مرحلة «المضغة» ، وأن عملية «الخلق» سمة خاصة لمرحلة «المضغة».
وحيث إن المظهر الخارجى للجنين يتغير بالتغيرات التى تقع فى داخله ، فإن فعل (سوّى) [الذى يعنى قوّم وجعل الشىء مستويا بدون ارتفاع وانخفاض] يدل على أن مرحلة «المضغة» قد انتهت. وهذا أمر منطقى لأن «المضغة» غير مسوّاة ولا تحوى عظاما أو عضلات ، وبالتالى فليس لها مظهر بشرى.
وعليه فإن مرحلة «التسوية» المذكورة فى سورتى (القيامة) و (الانفطار) ، والتى يكون فيها السطح الخارجى للجنين سويا دون تعرجات ، تأتى بعد مرحلة «المضغة» ، وتليها مباشرة.
وفى سورة (الحج) وصف للمضغة بأنها «مخلقة وغير مخلقة» ، وعليه فإن بدء عملية تخلق الأجهزة المختلفة للجنين صفة بارزة لما قبل التسوية.
وبمقارنة ما ورد فى سورتى (القيامة) و (الانفطار) نجد أن الخلق والتسوية يتعاقبان على نحو متسق فيهما.
رابعا : العظام :
يتضح من سورة (الانفطار) أن مرحلة التعديل تلى طور التسوية. ويقع التعديل باقتراب الجنين من المظهر البشرى الذى لا يمكن أن يحدث فى مرحلة العظام. وعليه نخلص إلى أن مرحلة التعديل تبدأ مع بدء مرحلة التكسية باللحم (تكوين العضلات) التى تلى مرحلة العظام (التسوية).
وقد استخدم القرآن الكريم كلمة «عظام» للدلالة على الشكل فى المقام الأول ، والفعل «سوى» لوصف وقوع حدث ؛ حيث يشتمل هذا الفعل على المعانى التالية :

جعل الجنين قائما مستقيما بعد انحناء كان يشبه فيه حرف (C) بالإنجليزية.
إعداد الأعضاء وجعلها ملائمة لأداء وظائفها.
تسوية سطح جسم الجنين وجعله ناعما بلا تعرجات.
خامسا : الكساء باللحم :
تتفق بداية مرحلة الكساء باللحم فى سورة (المؤمنون) مع بداية مرحلة التعديل فى سورة (الانفطار). كما تتفق مع الآية (39) من سورة (القيامة). (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) أى أن بداية التذكير والتأنيث فى سورة (القيامة) تتفق مع طور الكساء باللحم فى سورة (المؤمنون).
وهذا هو ما يقع فعلا ، حيث يحدث تمايز للحدبة التناسلية ، وتأخذ شكل المبيض أو الخصية فى هذه المرحلة.
سادسا : النشأة :
فى سورة (المؤمنون) استعمل حرف العطف (ثم) بين مرحلتى الكساء باللحم والنشأة. ولكن سورتى (القيامة) و (الانفطار) لا تذكران هذه المرحلة. ويدل ذلك على أن عملية التذكير والتأنيث تستمر حتى تكتمل ، وهو ما يحدث فعلا ، ويتم تمايز الأعضاء التناسلية الخارجية بين الأسبوعين الحادى عشر والثانى عشر ، وبالمثل تستمر عملية تعديل الأعضاء وتحديد ملامح الصورة البشرية حتى مرحلة متأخرة من الحمل.
ولأن هذه العمليات تستغرق فترة زمنية طويلة ، فقد ختمت بها الآيات فى سورتى (القيامة) و (الانفطار) ، لتعبر عن الزمن الطويل الذى تحتاجه هذه المرحلة. أما سورة (المؤمنون) فقد ذكرت فعلين متمايزين هما «الكساء باللحم» و «النشأة خلقا آخر» ، فى نفس الزمن الذى تستغرقه الأحداث فى سورتى (الانفطار) و (القيامة).

خلاصة الوقفة التحليلية :
بعد هذه المقارنات والتحليلات تبرز أمامنا النتائج التالية :
1 ـ اكتمال وصف كل مرحلة من المراحل ، مظهرا وحدثا ، من خلال الاسم الدال على مظهر خارجى ، سورة (المؤمنون) ، أو من خلال الفعل الدال على ما يحدث من عمليات داخلية ، سورتى (الانفطار) و (القيامة).
2 ـ تتوافق النصوص توافقا دقيقا عند الإشارة إلى المراحل المختلفة ، سواء ذكر الاسم أو الحدث فى تلك الإشارة.
3 ـ إشارة حروف العطف إلى المدة الزمنية التى يستغرقها الحدث ، من حيث طول الزمن أو قصره ، كما أكدت التوافق بين الآيات المختلفة ، بالإضافة إلى دلالتها على زمن تتابع الأحداث.

الخلاصة :
بكل الخشوع والإجلال ، نقف أمام المصطلحات الواردة فى القرآن الكريم ، والتى جاءت معبرة بكل دقة عن التطورات التى تقع فى المراحل المختلفة للتخلق. فهى تصف هذه الأحداث حسب تسلسلها الزمنى ، كما تصف المتغيرات التى تطرأ على هيئة الجنين مع التخلق فى كل مرحلة وصفا دقيقا.
وما كان فى وسع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يعرف هذه الحقائق عن التخلق البشرى فى القرن السابع الميلادى ، وقت نزول القرآن الكريم على قلبه الشريف ، لأن معظمها لم يكتشف إلا فى القرن العشرين (1).
وحتى تكتمل الوقفة التحليلية والموضوعية والعلمية ، فإننا ننتقل إلى بعض الأحاديث النبوية الشريفة ، نستزيد منها استيضاحا.
__________________
(1) من بين النماذج البارزة فى هذا المجال تعبير (النطفة الأمشاج) وهى النطقة الناتجة عن اتحاد نطفة الذكر (الحيمن) بنطفة الأنثى (البييضة). فلقد أسمى علماء الطب الحديث النطفة الناتجة عن هذا الاتحاد «البييضة المخصبة». جاء فى كتاب (تشريح جراى) ، وهو أشهر مرجع فى علم التشريح ، أنه يبدو من اصطلاح البييضة المخصبة هذا وكأن ببييضة الأنثى هى الأصل وأن الحيمن لا يلعب إلا دورا هامشيا أى دورا محفزا وحسب فى تكوينها ، ولهذا فإن المرجع قد اعتبر (البييضة المخصبة) اصطلاحا مضللا غير مرغوب فيه. فلننظر هنا ، مرة أخرى ، إلى عبارة (النطفة الأمشاج) ، تعبيرا قرآنيا ، لا يدانيه أى مصطلح وضعى ، فى دلالته على شركة متساوية للذكر والأنثى فى تكوين المخلوق الجديد.
إن (النطفة الأمشاج) سوف تبقى أعلى وأرقى وأبلغ فى الدلالة عما يتداوله العلماء والأطباء فى قولهم (البييضة المخصبة).


الفصل الحادى عشر
الأحاديث النبوية الشريفة
ومراحل الخلق فى الأيام الأربعين الأولى
تمهيد
عند ما يتحدث الرسول ، عليه صلوات الله وسلامه ، فإنه لا ينطق عن الهوى. وعند ما يكون حديثه الشريف عن الحمل ومراحله ، وهو النبى الأمى ، فلا بد من وقفة نتفحص فيها كلامه العلمى الدقيق ، لأنه لا ينطق عن الهوى ؛ ولأنه يصدر عن وحى يوحى إليه من رب السماء والأرض.
ولذلك لم يكن غريبا ولا عجيبا أن يتحدث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى وصف هيئة الجنين فى الأربعين يوما الأولى ، ثم عن حالته بعد ذلك ؛ محددا معالم كل فترة وتفاصيلها الدقيقة.
وقد كانت لبعض علماء المسلمين آراء فى تأويل هذه الأحاديث ، وهذا ما سنتعرض له كله.

الأربعون يوما الأولى
وصف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حالة الحميل فى الأربعين يوما الأولى ، فيما رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه ، قال : حدثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو الصادق الصدوق ، قال :
(إن أحدكم يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون فى ذلك علقة مثل ذلك ، ثم يكون فى ذلك مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقى أو سعيد) (1).
نخرج من هذا الحديث بحقيقتين أساسيتين :
الأولى : أن جمع خلق الإنسان يتم فى الأربعين يوما الأولى.
الثانية : أن مراحل الخلق الأولى وهى : النطفة والعلقة والمضغة إنما تتكون وتكتمل خلال هذه الفترة ، وهى الأربعون يوما الأولى.
جمع الخلق (المراحل الجنينية الأولى)
هذا الوصف المحكم لحالة الجنين خلال الأربعين يوما الأولى ؛ جاء علم الأجنة الحديث ليقرر كل ما جاء فيه. ففى الأسبوع الخامس يكون جسم الحميل مقوسا شبه دائرى ، ولا يزيد طوله عن سنتيمتر واحد تقريبا ، ويكون نصفه العلوى ثلتى طول جسمه الكلى ، ويكتسب فى هذا الوقت براعم أطرافه ، ويكون له ما يشيه الذيل ، وقلبه فى مرحلة بدائية جدا ويخفق بصورة منتظمة.
وتظهر الأطراف العلوية فى الأسبوع الرابع ، ويكون شكلها فى بداية الأسبوع الخامس متميزا كشكل المجداف. ولكن هذه الأطراف العلوية تتطور فى نهاية الأسبوع الخامس ، وتشاهد عليها صفائح مبتورة لليد ، وإشعاعات إصبعية.
__________________
(1) جاء هذا الحديث فى صحيح البخارى بدون لفظ (فى ذلك).

وعند نهاية الأسبوع السادس ، وقبل اليوم الثانى والأربعين ، لا تكون صورة الوجه واضحة أو شبيهة بصورة الإنسان.
وتكون العين والأذن والأعضاء التناسلية الخارجية فى صورة أولية من مراحل تطورها قبل اليوم الأربعين ، وهى لا تعمل ولا تشبه أعضاء الإنسان ، ومع ذلك فإن العين تبدأ تطورها خلال الأسبوع الرابع مع تولد الحويصلة العينية التى تتغلف لتولد الكأس البصرى ، ويحفز هذا تكون العدسة قبل نهاية الأسبوع الخامس. ويتم بعد ذلك تمايز الشبكية ، وظهور الألياف البصرية التى تصل الدماغ لتكوّن التقاطع البصرى.
وتبدأ الأذن الداخلية تطورها ، فى بداية الأسبوع الخامس ، كصفيحة ثخينة من الأديم الظاهر مكونة الصفيحة الأذنية التى سرعان ما تغطس تحت سطح الصماخ السمعى الظاهر لتكوّن الحويصلة الأذنية التى تفقد اتصالها مع السطح لتوّلد الأذن الداخلية ، ولا يكون للأذن فى هذه المراحل الأولية شكل أذن الإنسان.
يتفق هذا الوصف لتطور الحميل مع تعبير (يجمع خلقه) الواردة فى الحديث النبوى الشريف ليصف المظهر الخارجى المتقوس المتجمع ، وكذلك الناحية التشريحية الداخلية ، حيث تكون الأجهزة والأعضاء متجمعة فى حالتها الابتدائية وهى فى كتلة صغيرة ، فيكون الوصف (يجمع خلقه) معبرا عن الناحية التشريحية بدقة.
اختلاف فى فهم الحديث النبوى
فى محاولة فهم الحديث النبوى الشريف السالف ذكره ، وقع خلاف بين علماء المسلمين القدامى فى تحديد مدة النطفة والعلقة والمضغة ، هل هى أربعون يوما لكل منها ، أم أربعون يوما لها جميعا.
فسر بعض هؤلاء العلماء هذا الحديث على أنه يعنى أن النطفة والعلقة والمضغة تتم على التوالى فى فترات طول كل منها أربعون يوما. وفهموا أن عبارة (مثل ذلك) تشير إلى الفترة الزمنية (أربعون يوما) واستنتجوا من ذلك أن المضغة لا تتم إلا بعد (120) يوما.

وهذا القول غير صحيح ، لما يأتى :
1 ـ يختلف نص الحديث فى رواية مسلم عن البخارى ، من حيث إن رواية مسلم تزيد لفظ (فى ذلك) فى موضعين قبل لفظ (علقة) ولفظ (مضغة). وهى زيادة صحيحة تعد من أصل المتن جمعا بين الروايات.
2 ـ إذا كان القرآن الكريم قد ذكر أن العظام تتكون بعد مرحلة المضغة ، (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً) فإن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد حدد فى حديث حذيفة أن بدء تخلق العظام يكون بعد الليلة الثالثة والأربعين من بدء تكوّن النطفة (إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث إليها ملك ..).
وإذن فالقول بأن العظام يبدأ تخليقها بعد مائة وعشرين يوما يتعارض تعارضا بيّنا مع ظاهر الحديث الذى رواه حذيفة.
3 ـ أثبتت الدراسات الحديثة فى علم الأجنة أن تكوّن العظام يبدأ بعد الأسبوع السادس مباشرة ، وليس بعد الأسبوع السابع عشر.
وعلى هذا يتضح أن معنى تعبير (مثل ذلك) ـ فى حديث ابن مسعود ـ لا يمكن أن يكون مثله فى الأربعينات من الأيام.
وإنما يكون معنى الحديث (إن أحدكم يجمع فى بطن أمه أربعين يوما ثم يكون فى ذلك ـ أى فى ذلك العدد من الأيام ـ علقة (مجتمعة فى خلقها) مثل ذلك (أى مثلما اجتمع خلقكم فى الأربعين يوما) وقوله (ثم يكون علقة مثل ذلك) معناه أنه يكون فى الأربعين المذكورة علقة تامة الخلق ، متقنة محكمة ، الإحكام الممكن لها ، واللائق بنعمة الله سبحانه وتعالى.
بيان الإعجاز فى الأربعين يوما الأولى :
1 ـ جمع خلق الإنسان :
ظاهر من الحديث الشريف أن خلق الإنسان (يجمع) فى أربعين يوما.
ويقرر الأطباء ـ بعد رحلة طويلة من الدراسات والتشريح الدقيق لجسم الجنين فى الأيام الأربعين الأولى ، أن جميع الأعضاء الرئيسية للإنسان ، تتخلق واحدا بعد الآخر ، فلا تمر الأربعون يوما الأولى إلا وقد اجتمعت جميع الأجهزة ، ولكن فى صورة براعم.

وتكون مجموعة فى حيز لا يزيد عن سنتيمتر.
كما يكون الجنين مجموعا حول نفسه بالتفاف فى شكل قوس ، أو ما يشبه حرف (C) بالإنجليزية.
2 ـ ثم يكون فى ذلك مضغة مثل ذلك :
ويقرر العلم الحديث أن الجنين ـ فيما بين اليوم الخامس عشر إلى اليوم الرابع والعشرين ـ يأخذ صورة العلقة التى تسبح فى البرك ، وتتعلق بالمشيمة.
3 ـ ثم يكون فى ذلك مضغة مثل ذلك :
وهذا إعجاز آخر فى دقة الاسم الذى أطلقه القرآن الكريم والأحاديث النبوية على المرحلة التالية لمرحلة العلقة وهو المضغة ؛ حيث تتطور المضغة تدريجيا فتأخذ شكل المضغة المستديرة المميزة بعلامات تشبه طبع الأسنان عليها ، وبسطح غير منتظم.
وكما علمنا من قبل فإن الأعضاء الأساسية فى الداخل تبدأ فى التمايز وتنتج الفراغات بين الكتل شكلا أشبه بالمادة الممضوغة ، وبالتدريج يأخذ الجنين شكل المضغة.
4 ـ يدل الحديث على أن مراحل النطفة والعلقة والمضغة تتم خلال الأربعين يوما الأولى ، بالرغم من أن حجم الجنين فى هذه الفترة يكون صغيرا جدا ، وأن الفترة الزمنية بين هذه المراحل قصيرة.
وقد كان تقدير عمر الجنين أمرا بالغ الصعوبة قبل اكتشاف البييضة وارتباط دورة الحيض بها. كما أن التحديد حينئذ كان عرضة للخطأ بزيادة أو نقص فى تقدير عمر الجنين يصل إلى واحد وعشرين يوما ، لأن الذى يقدر العمر لا يعلم متى بدأ العمل من أول الشهر أم من آخره. ثم إن كل هذه الأطوار للنطفة والعلقة والمضغة ، التى ذكرها القرآن الكريم لم تكن معروفة أصلا فى تلك الأيام.
ولا مجال للعجب ، فهذا ـ كما قلنا ـ حديث رسول كريم ، لا ينطق عن الهوى ، وإنما هو وحى يوحى إليه من رب السماء والأرض.


خاتمة
الحمد لله رب العالمين ..
بحمد الله أختم كتابى ، بعد أن بدأته باسم الله ..
الحمد لله أن وفقنى إلى طريق الإيمان به ، بعد أن وفقنى ـ بنعمته ـ إلى طريق العلم الحديث .. فكان هذا الكتاب إحدى محاولات التعبير عن الشكر والامتنان للخالق الواحد المنان.
وبعد .. فيا قارئى العزيز ..
لقد انتهت رحلتنا سويا عبر إعجاز الخالق سبحانه فى إبداع الخلق البشرى ، مرحلة مرحلة ، وطورا بعد طور ، ومع بلاغة آيات القرآن فى بيان هذا الإبداع والإعجاز.
وليس لدى من كلمات أضيفها فوق ما قلت ؛ سوى أن أسألك يا رب الرضى .. فقد كان رضاك هو الهدف والمبتغى.
والحمد لله رب العالمين ..
د. محمد فياض


أهم المراجع
* القرآن الكريم.
* الجامع لأحكام القرآن ـ لأبى عبد الله محمد بن أحمد الأنصارى القرطبى ـ مطبعة دار الكتب ، 1354 ه‍.
* فتح البارى بشرح صحيح البخارى ـ لابن حجر العسقلانى ـ المطبعة البهية المصرية ، 1348 ه‍.
* علم الأجنة فى ضوء القرآن الكريم ـ هيئة الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم ـ رابطة العالم الإسلامى ـ مكة المكرمة.
* أسرار خلق الإنسان ـ العجائب فى الصلب والترائب ـ الدكتور داود سلمان السعدى ـ دار الحرف العربى ـ بيروت ـ لبنان ، 1994.
* خلق الإنسان ـ دراسة علمية وقرآنية ـ الجزء الأول ـ من سلالة من طين ـ الدكتور عبد الفتاح محمد طيره ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1988.
* أطوار الخلق فى تاريخ الإنسان ـ سلسلة القرآن والعلم ـ الكتاب الأول ـ الدكتور أحمد شوقى.
* خلق الإنسان بين الطب والقرآن ـ الدكتور محمد على البار ـ الدار السعودية للنشر والتوزيع ، 1955.
* حياة آدم ـ محمود شلبى ـ دار الجبل ـ بيروت ـ لبنان ، 1992.
* الارتباط الزمنى والعقائدى بين الأنبياء والرسل ـ الدكتور محمد وصفى ـ المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ـ القاهرة ـ 1965.
* رياسة الدولة فى الفقه الإسلامى ـ الدكتور محمد رأفت عيمان.
* فن الولادة فى مصر القديمة ـ الدكتور محمد فياض ـ دار الشروق ، 1995.


فهرس
تقديم : 11
الفصل الأول : بداية خلق الكون وخلق آدم وحواء 13
الفصل الثانى : تاريخ علم الأجنة 23
الفصل الثالث : آيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية تتحدث عن مراحل التخليق البشرى 35
الفصل الرابع : مراحل الخلق كما وردت فى القرآن الكريم 41
الفصل الخامس : الطور الأول ـ البداية 47
الفصل السادس : الطور الثانى ـ مرحلة النطفة 61
الفصل السابع : التخليق ـ الطور الثالث ـ مرحلتا العلقة والمضغة 85
الفصل الثامن : الطور الرابع ـ مرحلتا العظام واللحم 97
الفصل التاسع : الطور الخامس ـ النشأة 107
الفصل العاشر : إعجاز الآيات القرآنية فى الحديث عن مراحل التخليق البشرى 119
الفصل الحادى عشر : الأحاديث النبوية الشريفة ومراحل الخلق فى الأيام الأربعين الأولى 131
خاتمة : 137
أهم المراجع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
 
إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  فوائد الفواكه لجسم الإنسان
» فوائد الفواكه لجسم الإنسان
» حقوق الإنسان في حضارات العراق القديمة
» إعراب القرآن [ ج ١ ]
» أسرار التكرار في القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 37-منتدى كتب القرأن الكريم-
انتقل الى: