الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
البيت اهل
المواضيع الأخيرة
» المحكم في أصول الفقه [ ج2
---المنطق ج1 Emptyاليوم في 10:43 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» المحكم في اصول الفقه ج3
---المنطق ج1 Emptyاليوم في 8:41 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» المحكم في أصول الفقه [ ج4
---المنطق ج1 Emptyاليوم في 7:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» الصحيفه السجاديه كامله
---المنطق ج1 Emptyأمس في 9:49 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد [ ج ١ ]
---المنطق ج1 Emptyأمس في 3:11 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه
---المنطق ج1 Emptyأمس في 2:36 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» قاعدة لا ضرر ولا ضرار
---المنطق ج1 Emptyأمس في 8:51 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول المبين
---المنطق ج1 Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:46 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» ------التقيه
---المنطق ج1 Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:37 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     ---المنطق ج1

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3303
    نقاط : 4992
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ---المنطق ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: ---المنطق ج1   ---المنطق ج1 Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 5:52 am

    الإهداء :
    إلى
    أعزائنا الذين وهبنا لهم زهرة حياتنا
    ومن ينتظرهم الغد قدوة صالحة
    إلى الشباب الديني المتحفز
    إلى طلابنا :
    أهدي هذا السفر ، لأنه لكم ، وهو من وحي حاجتكم ... والأمل : أن تحققوا حسن الظن بكم ، على ما عاهدتم عليه مدرستكم من الجهاد ، لترفعوا راية العلم والدين بأقلامكم ومقاولكم ، في عصر انغمس بالمادة فنسي الروح ، وانجرف بالعاطفة فأضاع الأخلاق ...!
    إليكم يا أفلاذ القلوب! أهدي هذا المجهود المتواضع.
    المظفر


    المدخل

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحاجة إلى المنطق :
    خلق الله الإنسان مفطوراً على النطق ، وجعل اللسان آلة ينطق بها ولكن مع ذلك يحتاج إلى ما يقوم نطقه ويصلحه ليكون كلامه على طبق اللغة التي يتعلمها ، من ناحية هيئات الألفاظ وموادها : فيحتاج أولاً إلى المدرب الذي يعوِّده على ممارستها ، وثانياً إلى قانون يرجع إليه يعصم لسانه عن الخطأ. وذلك هو النحو والصرف.
    وكذلك خلق الله الإنسان مفطوراً على التفكير بما منحه من قوة عاقلة مفكرة ، لا كالعجماوات. ولكن مع ذلك نجده كثير الخطأ في أفكاره : فيحسب ما ليس بعلة علة ، وما ليس بنتيجة لأفكاره نتيجة ، وما ليس ببرهان برهانا ، وقد يعتقد بأمر فاسد أو صحيح من مقدمات فاسدة وهكذا. فهو إذن بحاجة إلى ما يصحح أفكاره ويرشده إلى طريق الاستنتاج الصحيح ، ويدرِّبه على تنظيم أفكاره وتعديلها. وقد ذكروا أن (علم المنطق) هو الأداة التي يستعين بها الإنسان على العصمة من الخطأ ، وترشده إلى تصحيح أفكاره ، فكما أن النحو والصرف لا يعلمان الإنسان النطق وإنما يعلمانه تصحيح النطق ، فكذلك علم المنطق لا يعلم الإنسان التفكير ، بل يرشده إلى تصحيح التفكير.
    إذن فحاجتنا إلى المنطق هي تصحيح أفكارنا. وما أعظمها من حاجة! ولو قلتم : أن الناس يدرسون المنطق ويخطئون في تفكيرهم فلا نفع فيه ، قلنا لكم : إن الناس يدرسون علمي النحو والصرف ، فيخطئون في نطقهم ، وليس ذلك إلا لأن الدارس للعلم لا يحصل على ملكة العلم ، أو لايراعي قواعده عند الحاجة ، أو يخطئ

    في تطبيقها ، فيشذ عن الصواب.
    تعريف علم المنطق
    ولذلك عرفوا علم المنطق بأنه (آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر). فانظر إلى كلمة (مراعاتها) ، واعرف السر فيها كما قدمناه ، فليس كل من تعلم المنطق عصم عن الخطأ في الفكر ، كما أنه ليس كل من تعلم النحو عصم عن الخطأ في اللسان ، بل لابد من مراعاة القواعد وملاحظتها عند الحاجة ، ليعصم ذهنه أو لسانه.
    المنطق آلة :
    وانظر إلى كلمة (آلة) في التعريف وتأمل معناها ، فتعرف أن المنطق إنما هو من قسم العلوم الآلية التي تستخدم لحصول غاية ، هي غير معرفة نفس مسائل العلم ، فهو يتكفل ببيان الطرق العامة الصحيحة التي يتوصل بها الفكر إلى الحقائق المجهولة ، كما يبحث (علم الجبر) عن طرق حل المعادلات التي بها يتوصل الرياضي إلى المجهولات الحسابية.
    وببيان أوضح : علم المنطق يعلمك القواعد العامة للتفكير الصحيح حتى ينتقل ذهنك إلى الأفكار الصحيحة في جميع العلوم ، فيعلمك على أية هيئة وترتيب فكري تنتقل من الصور الحاضرة في ذهنك إلى الأمور الغائبة عنك ولذا سموا هذا العلم (الميزان) و (المعيار) من الوزن والعيار ، وسموه بأنه (خادم العلوم) حتى علم الجبر الذي شبهنا هذا العلم به ، يرتكز حل مسائله وقضاياه عليه.
    فلا بد لطالب هذا العلم من استعمال التمرينات لهذه الأداة وإجراء عمليتها في أثناء الدراسة ، شأن العلوم الرياضية والطبيعية.

    العلم (*)
    تمهيد
    قلنا : إن الله تعالى خلق الإنسان مفطوراً على التفكير مستعداً لتحصيل المعارف بما أعطى من قوة عاقلة مفكرة يمتاز بها عن العجماوات. ولا بأس ببيان موطن هذا الامتياز من أقسام العلم الذي نبحث عنه ، مقدمة لتعريف العلم ولبيان علاقة المنطق به ، فنقول :
    1 ـ إذا ولد الإِنسان يولد وهو خالي النفس من كل فكرة وعلم فعلي ، سوى هذا الاستعداد الفطري. فإذا نشأ وأصبح ينظر ويسمع ويذوق ويشم ويلمس ، نراه يحس بما حوله من الأشياء ويتأثر بها التأثر المناسب ، فتنفعل نفسه بها ، فنعرف أن نفسه التي كانت خالية أصبحت مشغولة بحالة جديدة نسميها (العلم) ، وهي العلم الحسي الذي هو ليس إلا حسّ النفس بالأشياء التي تنالها الحواس الخمس : (الباصرة ، السامعة ، الشامة ، الذائقة ، اللامسة). وهذا أول درجات العلم ، وهو
    __________________
    (*) المبحوث عنه هنا هو العلم المعبر عنه في لسان الفلاسفة ب‍ «العلم الحصولي». أما «العلم الحضوري» ـ كعلم النفس بذاتها وبصفاتها القائمة بذاتها وبأفعالها وأحكامها وأحاديثها النفسية ، وكعلم الله تعالى بنفسه وبمخلوقاته ـ فلا تدخل فيه الأبحاث الآتية في الكتاب ، لأنه ليس حصوله للعالم بارتسام صورة المعلوم في نفسه ، بل بحضور نفس المعلوم بوجوده الخارجي العيني للعالم ، فان الواحد منا يجد من نفسه أنه يعلم بنفسه وشؤونها ويدركها حق الإدراك ، ولكن لا بانتقاش صورها ، وإنما الشئ الموجود هو حاضر لذاته دائما بنفس وجوده ، وكذا المخلوقات حاضرة لخالقها بنفس وجودها. فيكون الفرق بين الحصولي والحضوري :
    1 ـ إن الحصولي هو حضور صورة المعلوم لدى العالم
    والحضوري هو حضور نفس المعلوم لدى العالم.
    2 ـ إن المعلوم بالعلم الحصولي وجوده العلمي غير وجوده العيني
    وإن المعلوم بالعلم الحضوري وجوده العلمي عين وجوده العيني.
    3 ـ إن الحصولي هو الذي ينقسم إلى التصور والتصديق
    والحضوري لا ينقسم إلى التصور والتصديق.

    رأس المال لجميع العلوم التي يحصل عليها الإنسان ، ويشاركه فيه سائر الحيوانات التي لها جميع هذه الحواس أو بعضها.
    2 ـ ثم تترقى مدارك الطفل فيتصرف ذهنه في صور المحسوسات المحفوظة عنده ، فينسب بعضها إلى بعض : هذا أطول من ذاك ، وهذا الضوء أنور من الآخر أو مثله ويؤلف بعضها من بعض تأليفاً قد لا يكون له وجود في الخارج ، كتأليفه لصور الأشياء التي يسمع بها ولا يراها ، فيتخيل البلدة التي لم يرها ، مؤلفة من الصور الذهنية المعروفة عنده من مشاهداته للبلدان. وهذا هو (العلم الخيالي) يحصل عليه الإنسان بقوة (الخيال) ، وقد يشاركه فيه بعض الحيوانات.
    3 ـ ثم يتوسع في إدراكه إلى أكثر المحسوسات ، فيدرك المعاني الجزئية التي لا مادة لها ولا مقدار : مثل حب أبويه له وعداوة مبغضيه ، وخوف الخائف ، وحزن الثاكل ، وفرح المستبشر وهذا هو (العلم الوهمي) يحصل عليه الإنسان كغيره من الحيوانات بقوة (الوهم). وهي ـ هذه القوة ـ موضع افتراق الإنسان عن الحيوان ، فيترك الحيوان وحده يدبر ادراكاته بالوهم فقط ويصرفها بما يستطيعه من هذه القوة والحول المحدود.
    4 ـ ثم يذهب هو ـ الإنسان ـ في طريقه وحده متميزا عن الحيوان بقوة العقل والفكر التي لا حد لها ولا نهاية ، فيدير بها دفة مدركاته الحسية والخيالية والوهمية ، ويميز الصحيح منها عن الفاسد ، وينتزع المعاني الكلية من الجزئيات التي أدركها فيتعقلها ، ويقيس بعضها على بعض ، وينتقل من معلوم الى آخر ، ويستنتج ويحكم ، ويتصرف ما شاءت له قدرته العقلية والفكرية. وهذا (العلم) الذي يحصل للانسان بهذه القوة هو العلم الاكمل الذي كان به الانسان انساناً ، ولأجل نموه وتكامله وضعت العلوم وألفت الفنون ، وبه تفاوتت الطبقات واختلفت الناس. وعلم المنطق وضع من بين العلوم ، لاجل تنظيم تصرفات هذه القوة خوفاً من تأثير الوهم والخيال عليها. ومن ذهابها في غير الصراط المستقيم لها.
    تعريف العلم :
    وقد تسأل على أي نحو تحصل للانسان هذه الادراكات؟ ونحن قد قربنا لك فيما مضى نحو حصول هذه الادراكات بعض الشيء ، ولزيادة التوضيح نكلفك أن

    تنظر إلى شيء أمامك ثم تنطبق عينيك موجها نفسك نحوه ، فستجد في نفسك كأنك لا تزال مفتوح العينين تنظر إليه ، وكذلك إذا سمعت دقات الساعة مثلاً ـ ثم سددت أذنيك موجها نفسك نحوها ، فستحس من نفسك كأنك لا تزال تسمعها وهكذا في كل حواسك. إذا جربت مثل هذه الأمور ودققتها جيداً يسهل عليك أن تعرف أن الإدراك أو العلم إنما هو انطباع صور الأشياء في نفسك ولا فرق بين مدركاتك في جميع مراتبها ، كما تنطبع صور الأشياء في المرآة. ولذلك عرفوا العلم بأنه :
    «حضور صورة الشيء عند العقل».
    أو فقل انطباعها في العقل ، لا فرق بين التعبيرين في المقصود.

    التصور والتصديق
    إذا رسمت مثلّثاً تحدث في ذهنك صورة له ، هي علمك بهذا المثلث ، ويسمى هذا العلم (بالتصور). وهو تصور مجرد لا يستتبع جزما واعتقادا. وإذا تنبهت إلى زوايا المثلث تحدث لها أيضا صورة في ذهنك. وهي أيضاً من (التصور المجرد). وإذا رسمت خطأ أفقيا وفوقه خطأ عموديا مقاطعا له تحدث زاويتان قائمتان ، فتنتقش صورة الخطين والزاويتين في ذهنك. وهي من (التصور المجرد) أيضاً.
    وإذا أردت أن تقارن بين القائمتين ومجموع زوايا المثلث ، فتسأل في نفسك هل هما متساويان؟ وتشك في تساويهما ، تحدث عندك صورة لنسبة التساوي بينهما وهي من (التصور المجرد) أيضا.
    فإذا برهنت على تساويهما تحصل لك حالة جديدة مغايرة للحالات السابقة. وهي إدراكك لمطابقة النسبة للواقع المستلزم لحكم النفس وإذعانها وتصديقها بالمطابقة. وهذه الحالة أي (صورة المطابقة للواقع التي تعقلتها وأدركتها) هي التي تسمى (بالتصديق) ، لأنها إدراك يستلزم تصديق النفس وإذعانها ، تسمية للشيء باسم لازمة الذي لا ينفك عنه.
    إذن ، إدراك زوايا المثلث ، وإدراك الزاويتين القائمتين ، وإدراك نسبة التساوي بينهما كلها (تصورات مجردة) لا يتبعها حكم وتصديق. أما إدراك [أنّ] هذا التساوي صحيح واقع مطابق للحقيقة في نفس الأمر فهو (تصديق).
    وكذلك إذا أدركت أن النسبة في الخبر غير مطابقة للواقع ، فهذا الإدراك (تصديق).
    (تنبيه) إذا لاحظت ما مضى يظهر لك أن التصور والإدراك والعلم كلها

    ألفاظ لمعنى واحد ، وهو : حضور صور الأشياء عند العقل. فالتصديق أيضاً تصور ولكنه تصور يستتبع الحكم وقناعة النفس وتصديقها. وإنما لأجل التمييز بين التصور المجرد أي غير المستتبع للحكم ، وبين التصور المستتبع له ، سمي الأول (تصورا) لأنه تصور محض ساذج مجرد فيستحق إطلاق لفظ (التصور) عليه مجرداً من كل قيد ، وسمي الثاني (تصديقاً) لأنه يستتبع الحكم والتصديق ، كما قلنا تسمية للشيء باسم لازمه.
    أما اذا قيل : (التصور المطلق) فانما يراد به ما يساوق العلم والادراك فيعم ـ كلا التصورين : التصور المجرد ، والتصور المستتبع للحكم (التصديق) (1).
    بماذا يتعلق التصديق والتصور؟
    ليس للتصديق الا مورد واحد يتعلق به ، وهو النسبة في الجملة الخبرية عند الحكم والاذعان بمطابقتها للواقع او عدم مطابقتها. واما التصور فيتعلق بأحد اربعة أمور :
    1 ـ (المفرد) من اسم ، وفعل «كلمة» ، وحرف «اداة».
    2 ـ (النسبة في الخبر) عند الشك فيها أو توهمها ، حيث لا تصديق ، كتصورنا لنسبة السكنى الى المريخ ـ مثلا ـ عندما يقال : «المريخ مسكون».
    3 ـ (النسبة في الانشاء) من أمر ونهي وتمن واستفهام ... الى آخر الامور الانشائية التي لا واقع لها وراء الكلام ، فلا مطابقة فيها للواقع خارج الكلام ، فلا تصديق ولا اذعان.
    4 ـ (المركب الناقص). كالمضاف والمضاف اليه ، والشبيه بالمضاف ، والموصول وصلته ، والصفة والموصوف ، وكل واحد من طرفي الجملة الشرطية ... الى آخر
    __________________
    (1) هذا البيان عن معنى التصديق هو خلاصة آراء المحققين من الفلاسفة واليه يرمي تعريف الشيخ الرئيس في الاشارات بأنه تصور معه حكم ، وقد وضع المولى صدر المتألهين رسالة اضافية في تحقيقه ، سماها (رسالة التصور والتصديق) فلتذهب خيالات المشككين وأوهام المغالطين أدراج الرياح ... وقد جعلوا هذا الامر الواضح بسبب تشكيكاتهم من المسائل العويصة المستعصية على المبتدئين.

    المركبات الناقصة التي لا يستتبع تصورها تصديقاً وإذعاناً : ففي قوله تعالى : «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا». الشرط (تعدوا نعمة الله) معلوم تصوري والجزاء (لا تحصوها) معلوم تصوري أيضاً. وإنما كان معلومين تصوريين لأنهما وقعا كذلك جزاءاً وشرطاً في الجملة الشرطية وإلا ففي أنفسهما لولاها كل منهما معلوم تصديقي. وقوله (نعمة الله) معلوم تصوري مضاف. ومجموع الجملة معلوم تصديقي.
    أقسام التصديق
    ينقسم التصديق إلى قسمين : يقين وظن ، لأن التصديق هو ترجيح أحد طرفي الخبر وهما الوقوع واللاوقوع سواء كان الطرف الآخر محتملاً أو لا فإن كان هذا الترجيح مع نفي احتمال الطرف الآخر بتاً فهو (اليقين) ، وإن كان مع وجود الاحتمال ضعيفاً فهو (الظن).
    وتوضيح ذلك : إنك إذا عرضت على نفسك خبراً من الأخبار فأنت لا تخلو عن إحدى حالات أربع : إما أنك لا تجوز إلا طرفاً واحداً منه إما وقوع الخبر أو عدم وقوعه ، وإما أن تجوز الطرفين وتحتملهما معاً. والأول هو اليقين. والثاني وهو تجويز الطرفين له ثلاث صور ، لأنه لا يخلو إما أن يتساوى الطرفان في الاحتمال أو يترجح أحدهما على الآخر : فإن تساوى الطرفان فهو المسمى (بالشك) وإن ترجح أحدهما فإن كان الراجح مضمون الخبر ووقوعه فهو (الظن) الذي هو من أقسام التصديق. وإن كان الراجح الطرف الآخر فهو (الوهم) الذي هو من أقسام الجهل وهو عكس الظن. فتكون الحالات أربعاً ، ولا خامسة لها :
    1 ـ (اليقين) وهو أن تصدق بمضمون الخبر ولا تحتمل كذبه أو تصدق بعدمه ولا تحتمل صدقه ، أي أنك تصدق به على نحو الجزم وهو أعلى قسمي التصديق.
    2 ـ (الظن) وهو أن ترجح مضمون الخبر أو عدمه مع تجويز الطرف الآخر ، وهو أدنى قسمي التصديق.
    __________________
    (1) ولليقين معنى آخر في اصطلاحهم وهو خصوص التصديق الجازم المطابق للواقع لا عن التقليد وهو أخص من معناه المذكور في المتن لان المقصود به التصديق الجازم المطابق للواقع سواء كان عن تقليد او لا.

    3 ـ (الوهم) وهو أن تحتمل مضمون الخبر أو عدمه مع ترجيح الطرف الآخر.
    4 ـ (الشك) وهو أن يتساوى احتمال الوقوع واحتمال العدم.
    (تنبيه) ـ يعرف مما تقدم أمران : (الأول) أن الوهم والشك ليسا من أقسام التصديق بل هما من أقسام الجهل ، و(الثاني) أن الظن والوهم دائماً يتعاكسان : فإنك إذا توهمت مضمون الخبر فأنت تظن بعدمه ، وإذا كنت تتوهم عدمه فإنك تظن بمضمونه ، فيكون الظن لأحد الطرفين توهما للطرف الآخر.
    الجهل واقسامه
    ليس الجهل إلا عدم العلم ممن له الاستعداد للعلم والتمكن منه ، فالجمادات والعجماوات لا نسميها جاهلة ولا عالمة ، مثل العمى ، فإنه عدم البصر فيمن شأنه أن يبصر ، فلا يسمى الحجر أعمى. وسيأتي أن مثل هذا يسمى (عدم ملكة) ومقابله وهو العلم أو البصر يسمى (ملكة) ، فيقال أن العلم والجهل متقابلان تقابل الملكة وعدمها.
    والجهل على قسمين كما أن العلم على قسمين لأنه يقابل العلم فيبادله في موارده فتارةً يبادل التصور أي يكون في مورده وأخرى يبادل التصديق أي يكون في مورده ، فيصح بالمناسبة أن نسمي الأول (الجهل التصوري) والثاني (الجهل التصديقي).
    ثم أنهم يقولون أن الجهل ينقسم إلى قسمين : بسيط ومركب. وفي الحقيقة أن الجهل التصديقي خاصة هو الذي ينقسم إليهما ، ولهذا اقتضى أن نقسم الجهل إلى تصوري وتصديقي ونسميهما بهذه التسمية. أما الجهل التصوري فلا يكون إلا بسيطاً كما سيتضح. ولنبين القسمين فنقول :
    1 ـ (الجهل البسيط) أن يجهل الإنسان شيئاً وهو ملتفت إلى جهله فيعلم أنه لا يعلم ، كجهلنا بوجود السكان في المريخ ، فإنا نجهل ذلك ونعلم بجهلنا فليس لنا إلا جهل واحد.

    2 ـ (الجهل المركب) أن يجهل شيئا وهو غير ملتفت إلى أنه جاهل به بل يعتقد أنه من أهل العلم به ، فلا يعلم أنه لا يعلم ، كأهل الاعتقادات الفاسدة الذين يحسبون أنهم عالمون بالحقائق ، وهم جاهلون بها في الواقع.
    ويسمون هذا مركبا لأنه يتركب من جهلين : الجهل بالواقع والجهل بهذا الجهل. وهو أقبح وأهجن القسمين. ويختص هذا في مورد التصديق لأنه لا يكون إلا مع الاعتقاد.
    ليس الجهل المركب من العلم
    يزعم بعضهم دخول الجهل المركب في العلم فيجعله من أقسامه ، نظراً إلى أنه يتضمن الاعتقاد والجزم وإن خالف الواقع. ولكنا إذا دققنا تعريف العلم نعرف ابتعاد هذا الزعم على الصواب وأنه أي هذا الزعم من الجهل المركب ، لأن معنى (حضور صورة الشيء عند العقل) أن تحضر صورة نفس ذلك الشيء أما إذا حضرت صورة غيره بزعم أنها صورته فلم تحضر الشيء بل صورة شيء آخر زاعماً أنها هي. وهذا هو حال الجهل المركب ، فلا يدخل تحت تعريف العلم. فمن يعتقد أن الأرض مسطحة لم تحضر عنده صورة النسبة الواقعية وهي أن الأرض كروية ، وإنما حضرت صورة نسبة أخرى يتخيل أنها الواقع.
    وفي الحقيقة أن الجهل المركب يتخيل صاحبه أنه من العلم ، ولكنه ليس بعلم. وكيف يصح أن يكون الشيء من أقسام مقابله ، والاعتقاد لا يغير الحقائق ، فالشبح من بعيد الذي يعتقده الناظر إنساناً وهو ليس بإنسان لا يصيره الاعتقاد إنساناً على الحقيقة.

    العلم ضروري ونظري
    ينقسمه العلم بكلا قسميه التصور والتصديق إلى قسمين :
    1 ـ (الضروري) ويسمى أيضاً (البديهي) وهو ما لا يحتاج في حصوله إلى كسب ونظر وفكر ، فيحصل بالاضطرار وبالبداهة التي هي المفاجأة والارتجال من دون توقف ، كتصورنا لمفهوم الوجود والعدم ومفهوم الشيء وكتصديقنا بأن الكل أعظم من الجزء وبأن النقيضين لا يجتمعان وبأن الشمس طالعة وأن الواحد نصف الاثنين وهكذا.
    2 ـ و(النظري) وهو ما يحتاج حصوله إلى كسب ونظر وفكر ، كتصورنا لحقيقة الروح والكهرباء ، وكتصديقنا بأن الأرض ساكنة أو متحركة حول نفسها وحول الشمس ويسمى أيضاً (الكسبي).
    (توضيح القسمين) : أن بعض الأمور يحصل العلم بها من دون إنعام نظر وفكر فيكفي في حصوله أن تتوجه النفس إلى الشيء بأحد أسباب التوجه الآتية من دون توسط عملية فكرية كما مثلنا ، وهذا هو الذي يسمى (بالضروري أو البديهي) سواء كان تصوراً أم تصديقاً. وبعضها لايصل الإنسان إلى العلم بها بسهولة ، بل لابد من إنعام النظر وإجراء عمليات عقلية ومعادلات فكرية كالمعادلات الجبرية ، فيتوصل بالمعلومات عنده إلى العلم بهذه الأمور (المجهولات) ، ولا يستطيع أن يتصل بالعلم بها رأساً من دون توسيط هذه المعلومات وتنظيمها على وجه صحيح ، لينتقل الذهن منها إلى ما كان مجهولاً عنده ، كما مثلنا. وهذا هو الذي يسمى (بالنظري أو الكسبي) سواء كان تصوراً أو تصديقاً.

    توضيح في الضروري :
    قلنا : أن العلم الضروري هو الذي لا يحتاج إلى الفكر وإنعام النظر وأشرنا إلى أنه لابد من توجه النفس بأحد أسباب التوجه. وهذا ما يحتاج إلى بعض البيان :
    فإن الشيء قد يكون بديهياً ولكن يجهله الإنسان ، لفقد سبب توجه النفس ، فلا يجب أن يكون الإنسان عالماً بجميع البديهيات ، ولا يضر ذلك ببداهة البديهي. ويمكن حصر أسباب التوجه في الأمور التالية : ـ
    1 ـ (الانتباه) وهذا السبب مطّرد في جميع البديهيات ، فالغافل قد يخفى عليه أوضح الواضحات.
    2 ـ (سلامة الذهن) وهذا مطّرد أيضاً ، فإنّ من كان سقيم الذهن قد يشك في أظهر الأمور أو لا يفهمه. وقد ينشأ هذا السقم من نقصان طبيعي أو مرض عارض أو تربية فاسدة.
    3 ـ (سلامة الحواس) وهذا خاص بالبديهيات المتوقفة على الحواس الخمس وهي المحسوسات. فإن الأعمى أو ضعيف البصر يفقد كثيراً من العلم بالمنظورات وكذا الأصم في المسموعات وفاقد الذائقة في المذوقات. وهكذا.
    4 ـ (فقدان الشبهة). والشبهة : أن يؤلف الذهن دليلاً فاسداً يناقض بديهة من البديهيات ويغفل عما فيه من المغالطة ، فيشك بتلك البديهة أو يعتقد بعدمها. وهذا يحدث كثيراً في العلوم الفلسفية والجدليات. فإن من البديهيات عند العقل أن الوجود والعدم نقيضان وأن النقيضين لايجتمعان ولايرتفعان ، ولكن بعض المتكلمين دخلت عليه الشبهة في هذه البديهة ، فحسب أن الوجود والعدم لهما واسطة وسماها (الحال) ، فهما يرتفعان عندها. ولكن مستقيم التفكير إذا حدث له ذلك وعجز عن كشف المغالطة يردها ويقول أنها (شبهة في مقابل البديهة).
    5 ـ (عملية غير عقلية) لكثير من البديهيات ، كالاستماع إلى كثيرين يمتنع تواطؤهم على الكذب في المتواترات ، وكالتجربة في التجربيات ، وكسعي الإنسان

    لمشاهدة بلاد أو استماع صوت في المحسوسات وما إلى ذلك. فإذا احتاج الإنسان للعلم بشيء إلى تجربة طويلة ، مثلاً ، وعناء عملي ، فلا يجعله ذلك علماً نظريا ما دام لايحتاج إلى الفكر والعملية العقلية.
    تعريف النظر أو الفكر
    نعرف مما سبق أن النظر ـ أو الفكر ـ المقصود منه «إجراء عملية عقلية في المعلومات الحاضرة لأجل الوصول إلى المطلوب» والمطلوب هو العلم بالمجهول الغائب. وبتعبير آخر أدق أن الفكر هو :
    «حركة العقل بين المعلوم والمجهول»
    وتحليل ذلك : أن الإنسان إذا واجه بعقله المشكل (المجهول) وعرف أنه من أي أنواع المجهولات هو ، فزع عقله إلى المعلومات الحاضرة عنده المناسبة لنوع المشكل ، وعندئذ يبحث فيها ويتردد بينها بتوجيه النظر إليها ، ويسعى إلى تنظيمها في الذهن حتى يؤلف المعلومات التي تصلح لحل المشكل ، فإذا استطاع ذلك ووجد ما يؤلفه لتحصيل غرضه تحرك عقله حينئذ منها إلى المطلوب ، أعني معرفة المجهول وحل المشكل.
    فتمر على العقل ـ إذن ـ بهذا التحليل خمسه ادوار :
    1 ـ مواجهة المشكل (المجهول).
    2 ـ معرفة نوع المشكل ، فقد يواجه المشكل ولا يعرف نوعه.
    3 ـ حركة العقل من المشكل الى المعلومات المخزونة عنده.
    4 ـ حركة العقل ـ ثانياً ـ بين المعلومات ، للفحص عنها وتأليفات ما يناسب المشكل ويصلح لحله.
    5 ـ حركة العقل ـ ثالثاً ـ من المعلوم الذي استطاع تأليفه مما عنده الى المطلوب.
    وهذه الادوار الثلاثة الاخيرة او الحركات الثلاث هي الفكر او النظر ، وهذا

    معنى حركة العقل بين المعلوم والمجهول. وهذه الأدوار الخمسة قد تمر على الإنسان في تفكيره وهو لا يشعر بها ، فإن الفكر يجتازها غالباً بأسرع من لمح البصر ، على أنها لا يخلو منها إنسان في أكثر تفكيراته ، ولذا قلنا أن الإنسان مفطور على التفكير.
    نعم من له قوة الحدس يستغني عن الحركتين الأوليين ، وإنما ينتقل رأساً بحركة واحدة من المعلومات إلى المجهول. وهذا معنى (الحدس) ، فلذلك يكون صاحب الحدس القوي أسرع تلقياً للمعارف والعلوم ، بل هو من نوع الإلهام وأول درجاته. ولذلك أيضاً جعلوا القضايا (الحدسيات) من أقسام البديهيات ، لأنها تحصل بحركة واحدة مفاجئة من المعلوم إلى المجهول عند مواجهة المشكل ، من دون كسب وسعي فكري ، فلم يحتج إلى معرفة نوع المشكل ولا إلى الرجوع إلى المعلومات عنده وفحصها وتأليفها.
    ولأجل هذا قالوا : إن قضية واحدة قد تكون بديهية عند شخص نظرية عند شخص آخر. وليس ذلك إلا لأن الأول عنده من قوة الحدس ما يستغني به عن النظر والكسب ، أي ما يستغني به عن الحركتين الأوليين ، دون الشخص الثاني فإنه يحتاج إلى هذه الحركات لتحصل العلوم بعد معرفة نوع المشكل.


    تمرينات
    1 ـ لماذا لم يكن الوهم والشك من أقسام التصديق؟
    2 ـ اذكر خمس قضايا بديهية من عندك مع بيان ما تحتاج إليه كل منها من أسباب توجه النفس الخمسة.
    3 ـ إذا علمت بأن في الغرفة شيئاً ما ، وبعد الفحص عنه كثيراً وجدته فعلمت أنه فارة مختفية ، فهذا العلم الحاصل بعد البحث ضروري أم نظري؟
    4 ـ هل اتفق أن حصلت لك شبهة في مقابل بديهة؟ اذكرها.
    5 ـ ما الفرق بين الفكر والحدس؟

    أبحاث المنطق
    علم المنطق إنما يحتاج إليه لتحصيل العلوم النظرية ، لأنه هو مجموعة قوانين الفكر والبحث. أما الضروريات فهي حاصلة بنفسها ، بل هي رأس المال الأصلي لكاسب العلوم يكتسب به ليربح المعلومات النظرية المفقودة عنده. فإذا اكتسب مقداراً من النظريات زاد رأس ماله بزيادة معلوماته ، فيستطيع أن يكتسب معلومات أكثر ، لأنّ ربح التاجر عادة يزيد كلما زادت ثروته المالية. وهكذا طالب العلم كلما اكتسب تزيد ثروته العلمية وتتسع تجارته ، فيتضاعف ربحه. بل تاجر العلم مضمون الربح بالاكتساب لا كتاجر المال.
    وعلم المنطق يبحث عن كيفية تأليف المعلومات المخزونة عنده ، ليتوصل بها إلى الربح بتحصيل المجهولات وإضافتها إلى ما عنده من معلومات : فيبحث تارة عن المعلوم التصوري ويسمى (المعرِّف) ، للتوصل به إلى العلم بالمجهول التصوري ، ويبحث أخرى عن المعلوم التصديقي ويسمى (الحجة) ليتوصل به إلى العلم بالمجهول التصديقي.
    والبحث عن الحجة بنحوين : تارة من ناحية هيئة تأليفها ، وأخرى من ناحية مادة قضاياها ، وهو بحث الصناعات الخمس. ولكل من البحث عن المعرف والحجة مقدمات. فأبحاث المنطق نضعها في ستة أبواب :
    الباب الأول ـ في مباحث الألفاظ.
    الباب الثاني ـ في مباحث الكلي الجزء الأول.
    الباب الثالث ـ في المعرف وتلحق به القسمة


    الباب الرابع ـ في القضايا وأحكامها
    الباب الخامس ـ في الحجة وهيئة تأليفها الجزء الثاني
    الباب السادس ـ في الصناعات الخمس الجزء الثالث



    الباب الأول
    مباحث الألفاظ


    الحاجه الى مباحث الفاظ
    لا شك أن المنطقي لا يتعلق غرضه الأصلي إلا بنفس المعاني ، ولكنه لا يستغني عن البحث عن أحوال الألفاظ توصلاً إلى المعاني ، لأنه من الواضح أن التفاهم مع الناس ونقل الأفكار بينهم لا يكون غالباً إلا بتوسط لغة من اللغات. والألفاظ قد يقع فيها التغيير والخلط فلايتم التفاهم بها فاحتاج المنطقي إلى أن يبحث عن أحوال اللفظ من جهة عامة ، ومن غير اختصاص بلغة من اللغات ، إتماماً للتفاهم ، ليزن كلامه وكلام غيره بمقياس صحيح.
    وقلنا : (من جهة عامة) لأن المنطق علم لا يختص بأهل لغة خاصة ، وإن كان قد يحتاج إلى البحث عما يختص باللغة التي يستعملها المنطقي فيما قل : كالبحث عن دلالة لام التعريف ـ في لغة العرب ـ على الاستغراق ، وعن كان وأخواتها في أنها من الأدوات والحروف ، وعن أدوات العموم والسلب وما إلى ذلك. ولكنه قد يستغني عن إدخالها في المنطق اعتماداً على علوم اللغة.
    هذه حاجته من أجل التفاهم مع غيره. وللمنطقي حاجة أخرى إلى مباحث الألفاظ من أجل نفسه ، هي أعظم وأشد من حاجته الأولى ، بل لعلها هي السبب الحقيقي لإدخال هذه الأبحاث في المنطق.
    ونستعين على توضيح مقصودنا بذكر تمهيد نافع ، ثم نذكر وجه حاجة الإنسان في نفسه إلى معرفة مباحث الألفاظ نتيجة للتمهيد ، فنقول.
    (التمهيد) ـ أن الأشياء أربعة وجودات : وجودان حقيقيان ووجودان اعتباريان جعليان :
    __________________
    (1) هذا البحث الى آخره ليس من منهاج دراستنا. ولكنا وضعناه للطلاب الذين يرغبون في التوسع ، حرصا على فائدتهم. هو بحث له قيمته العلمية ، لا سيما في مباحث أصول الفقه.

    الأول ـ (الوجود الخارجي) ، كوجودك ووجود الأشياء التي حولك ونحوها ، من أفراد الإنسان والحيوان والشجر والحجر والشمس والقمر والنجوم ، إلى غير ذلك من الوجودات الخارجية التي لا حصر لها.
    الثاني ـ (الوجود الذهني) ، وهو علمنا بالأشياء الخارجية وغيرها من المفاهيم. وقد قلنا سابقاً : إن للإنسان قوة تنطبع فيها صور الأشياء. وهذه القوة تسمى الذهن. والانطباع فيها يسمى الوجود الذهني الذي هو العلم.
    وهذان الوجودان هما الوجودان الحقيقيان. لماذا ، لأنهما ليسا بوضع واضع ولا باعتبار معتبر.
    الثالث ـ (الوجود اللفظي). بيانه : أن الإنسان لما كان اجتماعياً بالطبع ومضطراً للتعامل والتفاهم مع باقي أفراد نوعه ، فإنه محتاج إلى نقل أفكاره إلى الغير وفهم أفكار الغير. والطريقة الأولية للتفهيم هي أن يحضر الأشياء الخارجية بنفسها ، ليحس بها الغير بإحدى الحواس فيدركها. ولكن هذه الطريقة من التفهيم تكلفه كثيراً من العناء ، على أنها لا تفي بتفهيم أكثر الأشياء والمعاني ، إما لأنها ليست من الموجودات الخارجية أو لأنها لا يمكن إحضارها.
    فألهم الله تعالى الإنسان طريقة سهلة سريعة في التفهيم ، بأن منحه قوة على الكلام والنطق بتقاطيع الحروف ليؤلف منها الألفاظ. وبمرور الزمن دعت الإنسان الحاجة ـ وهي أم الاختراع ـ إلى أن يضع لكل معنى يعرفه ويحتاج إلى التفاهم عنه لفظاً خاصاً. ليحضر المعاني بالألفاظ بدلاً من إحضارها بنفسها.
    ولأجل أن تثبت في ذهنك أيها الطالب هذه العبارة أكررها لك : (ليحضر المعاني بالألفاظ بدلاً من إحضارها بنفسها). فتأملها جيداً ، واعرف أن هذا الإحضار إنما يتمكن الإنسان منه بسبب قوة ارتباط اللفظ بالمعنى وعلاقته به في الذهن. وهذا الارتباط القوي ينشأ من العلم بالوضع وكثرة الاستعمال. فإذا حصل هذا الارتباط القوي لدى الذهن يصبح اللفظ عنده كأنه المعنى والمعنى كأنه اللفظ أي يصبحان عنده كشيء واحد ، فإذا أحضر المتكلم اللفظ فكأنما أحضر المعنى بنفسه للسامع ، فلا يكون فرق لديه بين أن يحضر خارجاً نفس المعنى وبين أن يحضر لفظه الموضوع له ، فإن السامع في كلا الحالين ينتقل ذهنه

    إلى المعنى. ولذا قد ينتقل السامع إلى المعنى ويغفل عن اللفظ وخواصه كأنه لم يسمعه مع أنه لم ينتقل إليه إلا بتوسط سماع اللفظ.
    وزبدة المخض أن هذا الارتباط يجعل اللفظ والمعنى كشيء واحد ، فإذا وجد اللفظ فكأنما وجد المعنى. فلذا نقول : «وجود اللفظ وجود المعنى». ولكنه وجود لفظي للمعنى ، أي أن الموجود حقيقة هو اللفظ لا غير ، وينسب وجوده إلى المعنى مجازاً ، بسبب هذا الارتباط الناشئ من الوضع. والشاهد على هذا الارتباط والاتحاد انتقال القبح والحسن من المعنى إلى اللفظ وبالعكس : فإنّ اسم المحبوب من أعذب الألفاظ عند المحب ، وإن كان في نفسه لفظاً وحشياً ينفر منه السمع واللسان. واسم العدو من أسمج الألفاظ وإن كان في نفسه لفظاً مستلحماً. وكلما زاد هذا الارتباط زاد الانتقال ، ولذا نرى اختلاف القبح في الألفاظ المعبر بها عن المعاني القبيحة ، نحو التعابير عن عورة الإنسان ، فكثير الاستعمال أقبح من قليلة. والكناية أقل قبحاً. بل قد لا يكون فيها قبح كما كني القرآن الكريم بالفروج.
    وكذا رصانة التعبير وعذوبته يعطي جمالاً في المعنى لا نجده في التعبير الركيك الجافي ، فيفضي جمال اللفظ على المعنى جمالاً وعذوبة.
    الرابع ـ (الوجود الكتبي). شرحه : إن الألفاظ وحدها لا تكفي للقيام بحاجات الإنسان كلها ، لأنها تختص بالمشافهين. أما الغائبون والذين سيوجدون ، فلابد لهم من وسيلة أخرى لتفهيمهم ، فالتجأ الإنسان أن يصنع النقوش الخطية لإحضار ألفاظه الدالة على المعاني ، بدلاً من النطق بها ، فكان الخط وجوداً للفظ. وقد سبق أن قلنا أن اللفظ وجود المعنى ، فلذا نقول : «أن وجود الخط وجود للفظ ووجود للمعنى تبعاً». ولكنه وجود كتبي للفظ والمعنى ، أي أن الموجود حقيقة هو الكتابة لا غير ، وينسب الوجود إلى اللفظ والمعنى مجازاً بسبب الوضع ، كما ينسب وجود اللفظ إلى المعنى مجازاً بسبب الوضع.
    إذن الكتابة تحضر الألفاظ ، والألفاظ تحضر المعاني في الذهن ، والمعاني الذهنية تدل على الموجودات الخارجية.
    فاتضح أن الوجود اللفظي والكتبي (وجودان مجازيان اعتباريان للمعنى) بسبب الوضع والاستعمال.

    النتيجة :
    لقد سمعت هذا البيان المطول وغرضنا أن نفهم منه الوجود اللفظي ، وقد فهمنا أن اللفظ والمعنى لأجل قوة الارتباط بينهما كالشيء الواحد ، فإذا أحضرت اللفظ بالنطق فكأنما أحضرت المعنى بنفسه.
    ومن هنا نفهم كيف يؤثر هذا الارتباط على تفكير الإنسان بينه وبين نفسه ، ألا ترى نفسك عندما تحضر أي معنى كان في ذهنك لا بد أن تحضر معه لفظه أيضاً ، بل أكثر من ذلك تكون انتقالاتك الذهنية من معنى إلى معنى بتوسط إحضارك لألفاظها في الذهن : فإنا نجد أنه لا ينفك غالباً تفكيرنا في أي أمر كان عن تخيل الألفاظ وتصورها كأنما نتحدث إلى نفوسنا ونناجيها بالألفاظ التي نتخيلها ، فنرتب الألفاظ في أذهناننا ، وعلى طبقها نرتب المعاني وتفصيلاتها ، كما لو كنا نتكلم مع غيرنا.
    قال الحكيم العظيم الشيخ الطوسي في شرح الإشارات : «الانتقالات الذهنية قد تكون بألفاظ ذهنية ، وذلك لرسوخ العلاقة المذكورة ـ يشير إلى علاقة اللفظ بالمعنى ـ في الأذهان».
    فإذا أخطأ المفكر في الألفاظ الذهنية أو تغيرت عليه أحوالها يؤثر ذلك على أفكاره وانتقالاته الذهنية ، للسبب المتقدم.
    فمن الضروري لترتيب الأفكار الصحيحة لطالب العلوم أن يحسن معرفة أحوال الألفاظ من وجهة عامة ، وكان لزاماً على المنطقي أن يبحث عنها مقدمة لعلم المنطق واستعانة بها على تنظيم أفكاره الصحيحة.

    الدّلالة
    تعريف الدلالة
    إذا سمعت طرقة بابك ينتقل ذهنك ـ لاشك ـ إلى أن شخصاً على الباب يدعوك. وليس ذلك إلا لأن هذه الطرقة كشفت عن وجود شخص يدعوك. وإن شئت قلت : إنها (دلت) على وجوده.
    إذن ، طرقة الباب (دال) ، ووجود الشخص الداعي (مدلول) وهذه الصفة التي حصلت للطرقة (دلالة).
    وهكذا ، كل شيء إذا علمت بوجوده ، فينتقل ذهنك منه إلى وجود شيء آخر نسميه (دالاً) ، والشيء الآخر (مدلولاً) ، وهذه الصفة التي حصلت له (دلالة).
    فيتضح من ذلك أن الدلالة هي : «كون الشيء بحالة إذا علمت بوجوده انتقل ذهنك إلى وجود شيء آخر».
    أقسام الدلالة
    لاشك أن انتقال الذهن من شيء إلى شيء لا يكون بلا سبب. وليس السبب إلا رسوخ العلاقة بين الشيئين في الذهن. وهذه العلاقة الذهنية أيضاً لها سبب. وسببها العلم بالملازمة بين الشيئين خارج الذهن. ولاختلاف هذه الملازمة من كونها ذاتية أو طبعية أو بوضع واضع وجعل جاعل قسموا الدلالة إلى أقسام ثلاثة : عقلية وطبعية ووضعية.
    1 ـ (الدلالة العقلية) ـ وهي فيما إذا كان بين الدال والمدلول ملازمة ذاتية في وجودهما الخارجي ، كالأثر والمؤثر. فإذا علم الإنسان ـ مثلاً ـ أن ضوء الصباح أثر لطلوع قرص الشمس ، ورأى الضوء على الجدار ينتقل ذهنه إلى طلوع الشمس

    قطعاً ، فيكون ضوء الصبح دالاً على الشمس دلالة عقلية. ومثله إذا سمعنا صوت متكلم من وراء جدار فعلمنا بوجود متكلم ما.
    2 ـ (الدلالة الطبعية) : وهي فيما إذا كانت الملازمة بين الشيئين ملازمة طبعية ، أعني التي يقتضيها طبع الإنسان ، وقد يتخلّف ويختلف باختلاف طباع الناس ، لا كالأثر بالنسبة إلى المؤثر الذي لا يتخلّف ولا يختلف.
    وأمثلة ذلك كثيرة ، فمنها اقتضاء طبع بعض الناس أن يقول : (آخ) عند الحس بالألم ، و(آه) عند التوجع ، و(أف) عند التأسف والتضجر. ومنها اقتضاء طبع البعض أن يفرقع أصابعه أو يتمطى عند الضجر والسأم ، أو يعبث بما يحمل من أشياء أو بلحيته أو بأنفه أو يضع إصبعه بين أعلى أذنه وحاجبه عند التفكير ، أو يتثاءب عند النعاس.
    فإذا علم الإنسان بهذه الملازمات فإنه ينتقل ذهنه من أحد المتلازمين إلى الآخر ، فعندما يسمع بكلمة (آخ) ينتقل ذهنه إلى أن متكلمها يحس بالألم. وإذا رأى شخصاً يعبث بمسبحته يعلم بأنه في حالة تفكير وهكذا.
    3 ـ (الدلالة الوضعية) : وهي فيما إذا كانت الملازمة بين الشيئين تنشأ من التواضع والاصطلاح على أن وجود أحدهما يكون دليلاً على وجود الثاني ، كالخطوط التي اصطلح على أن تكون دليلاً على الألفاظ ، وكإشارات الأخرس وإشارات البرق واللاسلكي والرموز الحسابية والهندسية ورموز سائر العلوم الأخرى ، والألفاظ التي جعلت دليلاً على مقاصد النفس.
    فإذا علم الإنسان بهذه الملازمة وعلم بوجود الدال ينتقل ذهنه إلى الشيء المدلول.
    أقسام الدلالة الوضعية
    وهذه الدلالة الوضعية تنقسم إلى قسمين :
    __________________
    (1) انما قسمنا الوضعية فقط الى هذين القسمين ، لان العقلية والطبعية ـ وان كان الدال فيهما قد يكون لفظا ـ لا ثمرة في تقسيمهما الى القسمين لعدم اختصاص كل قسم بشيء دون الاخر. وليس كذلك الوضعية لانقسام اللفظية منها الى أقسامها الثلاثة الآتية دون غير اللفظية. بل كل هذا التقسيم للدلالة انما هو مقدمة لفهم الدلالة الوضعية اللفظية وأقسامها.

    أ ـ (الدلالة اللفظية) : إذا كان الدال الموضوع لفظاً
    ب ـ (الدلالة غير اللفظية) : إذا كان الدال الموضوع غير لفظ ، كالإشارات والخطوط ، والنقوش وما يتصل بها من رموز العلوم ، واللوحات المنصوبة في الطرق لتقدير المسافات أو لتعيين اتجاه الطريق إلى محل أو بلدة ونحو ذلك.
    الدلالة اللفظيّة
    تعريفها :
    من البيان السابق نعرف أن السبب في دلالة اللفظ على المعنى هو العلقة الراسخة في الذهن بين اللفظ والمعنى. وتنشأ هذه العلقة ـ كما عرفت ـ من الملازمة الوضعية بينهما عند من يعلم بالملازمة. وعليه يمكننا تعريف الدلالة اللفظية بأنها :
    «هي كون اللفظ بحالة ينشأ من العلم بصدوره من المتكلم العلم بالمعنى المقصود به».
    اقسامها :
    المطابقية ، التضمنية ، الإلتزامية
    يدل اللفظ على المعنى من ثلاثة أوجه متباينة :
    (الوجه الأول) ـ المطابقة : بأن يدل اللفظ على تمام معناه الموضوع له ويطابقه ، كدلالة لفظ الكتاب على تمام معناه ، فيدخل فيه جميع أوراقه وما فيه من نقوش وغلاف ، وكدلالة لفظ الإنسان على تمام معناه ، وهو الحيوان الناطق. وتسمى الدلالة حينئذ (المطابقية) أو (التطابقية) ، لتطابق اللفظ والمعنى.
    وهي الدلالة الأصلية في الألفاظ التي لأجلها مباشرة وضعت لمعانيها.
    (الوجه الثاني) ـ التضمن : بأن يدل اللفظ على جزء معناه الموضوع له الداخل ذلك الجزء في ضمنه ، كدلالة لفظ الكتاب على الورق وحده أو الغلاف. وكدلالة لفظ الإنسان على الحيوان وحده أو الناطق وحده فلو بعت الكتاب يفهم

    المشتري دخول الغلاف فيه ، ولو أردت بعد ذلك أن تستثني الغلاف لاحتج عليك بدلالة لفظ الكتاب على دخول الغلاف. وتسمى هذه الدلالة (التضمنية). وهي فرع عن الدلالة المطابقية ، لأن الدلالة على الجزء بعد الدلالة على الكل.
    (الوجه الثالث) الالتزام : بأن يدل اللفظ على معنى خارج معناه الموضوع له لازم له يستتبعه استتباع الرفيق اللازم الخارج عن ذاته ، كدلالة لفظ الدواة على القلم. فلو طلب منك أحد أن تأتيه بدواة لم ينص على القلم فجئته بالدواة وحدها لعاتبك على ذلك محتجاً بأن طلب الدواة كاف في الدلالة على طلب القلم. وتسمى هذه الدلالة (الالتزامية).
    وهي فرع أيضاً عن الدلالة المطابقية لأن الدلالة على ما هو خارج المعنى بعد الدلالة على نفس المعنى.
    شرط الدلالة الإلتزامية :
    يشترط في هذه الدلالة أن يكون التلازم بين معنى اللفظ والمعنى الخارج اللازم تلازماً ذهنياً ، فلا يكفي التلازم في الخارج فقط من دون رسوخه في الذهن وإلا لما حصل انتقال الذهن.
    ويشترط ـ أيضاً ـ أن يكون التلازم واضحاً بيّناً ، بمعنى أن الذهن إذا تصور معنى اللفظ ينتقل إلى لازمه بدون حاجة إلى توسط شيء آخر.
    __________________
    (1) سيأتي في مباحث الكلي ان اللازم ينقسم الى البين وغير البين. والبين الى بين بالمعنى الاخص وبين بالمعنى الاعم. والشرط في الدلالة الالتزامية في الحقيقة هو أن يكون اللازم بينا بالمعنى الاخص. ومعناه ما ذكرناه في المتن.


    التمرينات
    (1) بيّن أنواع الدلالة فيما يأتي :
    أ ـ دلالة عقرب الساعة على الوقت.
    ب ـ دلالة صوت السعال على ألم الصدر.
    ج ـ دلالة قيام الجالسين على احترام القادم.
    د ـ دلالة حمرة الوجه على الخجل وصفرته على الوجل.
    هـ ـ دلالة حركة رأس المسؤول إلى الأسفل على الرضا وإلى الأعلى على عدم الرضا.
    (2) اصنع جدولاً للدلالات الثلاث (العقلية وأختيها) وضع في كل قسم ما يدخل فيه من الأمثلة الآتية :
    أ ـ دلالة الصعود على السطح على وجود السلم.

    ب ـ دلالة فقدان حاجتك على أخذ سارق لها.
    ج ـ دلالة الأنين على الشعور بالألم.
    د ـ دلالة كثرة الكلام على الطيش وقلته على الرزانة.
    هـ ـ دلالة الخط على وجود الكاتب.
    و ـ دلالة سرعة النبض على الحمى.
    ز ـ دلالة صوت المؤذن على دخول وقت الصلاة.
    ح ـ دلالة التبختر في المشي أو تصعير الخد على الكبرياء.
    ط ـ دلالة صفير القطار على قرب حركته أو قرب وصوله.
    ي ـ دلالة غليان الماء على بلوغ الحرارة فيه درجة المائة.
    (3) عين أقسام الدلالة اللفظية من الأمثلة الآتية :
    أ ـ دلالة لفظ الكلمة على (القول المفرد).
    ب ـ دلالة لفظ الكلمة على (القول) وحده أو (المفرد) وحده.
    ج ـ دلالة لفظ السقف على الجدار.
    د ـ دلالة لفظ الشجرة على ثمرتها.
    هـ ـ دلالة لفظ السيارة على محركها.
    و ـ دلالة لفظ الدار على غرفها.
    ز ـ دلالة لفظ النخلة على الطريق إليها عند بيعها.
    (4) إذا اشترى شخص من آخر داراً وتنازعاً في الطريق إليها فقال المشتري الطريق داخل في البيع بدلالة لفظ الدار ، فهذه الدلالة المدعاة من أي أقسام الدلالة اللفظية تكون؟
    (5) استأجر رجل عاملاً ليعمل الليل كله ، ولكن العامل ترك العمل عند الفجر ، فخاصمه المستأجر مدعياً دلالة لفظ الليل على الوقت من الفجر إلى طلوع الشمس ، فمن أي أقسام الدلالة اللفظية ينبغي أن تكون هذه الدلالة المدعاة؟
    (6) لماذا يقولون لا يدل لفظ (للأسد) على (بخر الفم) دلالة التزامية ، كما يدل على الشجاعة ، مع أن البخر لازم للأسد كالشجاعة؟

    تقسيمات الألفاظ
    للفظ المستعمل بما له من المعنى عدة تقسيمات عامة لا تختص بلغة دون أخرى ، وهي أهم مباحث الألفاظ بعد بحث الدلالة. ونحن ذاكرون هنا أهم تلك التقسيمات ، وهي ثلاثة ، لأن اللفظ المنسوب إلى معناه تارة ينظر إليه في التقسيم بما هو لفظ واحد ، وأخرى بما هو متعدد ، وثالثة بما هو لفظ مطلقاً سواء كان واحداً أو متعدداً.
    ـ 1 ـ
    المختص ، المشترك ، المنقول ، المرتجل ، الحقيقه والمجاز
    أن اللفظ الواحد الدال على معناه بإحدى الدلالات الثلاث المتقدمة إذا نسب إلى معناه ، فهو على أقسام خمسة ، لأن معناه إما يكون واحداً أيضاً ويسمى (المختص) ، وإما أن يكون متعدداً. وما له معنى متعدد أربعة أنواع : مشترك ، ومنقول ، ومرتجل ، وحقيقة ومجاز ، فهذه خمسة أقسام :
    1 ـ (المختص) : وهو اللفظ الذي ليس له إلا معنى واحد فاختص به ، مثل حديد وحيوان.
    2 ـ (المشترك) : وهو اللفظ الذي تعدد معناه وقد وضع للجميع كلا على حدة ، ولكن من دون أن يسبق وضعه لبعضها على وضعه للآخر مثل (عين) الموضوع لحاسة النظر وينبوع الماء والذهب وغيرها ومثل (الجون) الموضوع للأسود والأبيض .. والمشترك كثير في اللغة العربية.
    3 ـ (المنقول) : هو اللفظ الذي تعدد معناه وقد وضع للجميع كالمشترك ولكن يفترق عنه بان الوضع لاحدها مسبوق بالوضع للآخر مع ملاحظة المناسبة بين المعنيين في الوضع اللاحق. مثل لفظ (الصلاة) الموضوع أولاً للدعاء ثم نقل في

    الشرع الإسلامي لهذه الأفعال المخصوصة من قيام وركوع وسجود ونحوها لمناسبتها للمعنى الأول. ومثل لفظ (الحج) الموضوع أولاً للقصد مطلقاً ، ثم نقل لقصد مكة المكرمة بالأفعال المخصوصة والوقت المعين وهكذا أكثر المنقولات في عرف الشرع وأرباب العلوم والفنون. ومنها لفظ السيارة والطائرة والهاتف والمذياع ونحوها من مصطلحات هذا العصر.
    والمنقول ينسب إلى ناقلة فإن كان العرف الخاص كعرف أهل الشرع والمناطقة والنحاة والفلاسفة ونحوهم قيل له : منقول شرعي أو منطقي أو نحوي أو فلسفي وهكذا.
    4 ـ (المرتجل) : وهو كالمنقول بلا فرق إلا أنه لم تلحظ فيه المناسبة بين المعنيين ومنه أكثر الأعلام الشخصية.
    5 ـ (الحقيقة والمجاز) : وهو اللفظ الذي تعدد معناه ، ولكنه موضوع لأحد المعاني فقط ، واستعمل في غيره لعلاقة ومناسبة بينه وبين المعنى الأول الموضوع له من دون أن يبلغ حد الوضع في المعنى الثاني فيسمى (حقيقة) في المعنى الأول ، و(مجازاً) في الثاني ، ويقال للمعنى الأول معنى حقيقي ، وللثاني مجازي.
    والمجاز دائماً يحتاج إلى قرينة تصرف اللفظ عن المعنى الحقيقي وتعين المعنى المجازي من بين المعاني المجازية.
    تنبيهان
    1 ـ إن المشترك اللفظي والمجاز لا يصح استعمالهما في الحدود والبراهين ، إلا مع نصب القرينة على إرادة المعنى المقصود ، ومثلهما المنقول والمرتجل ما لم يهجر المعنى الأول ، فإذا هجر كان ذلك وحده قرينة على إرادة الثاني.
    على أنه يحسن اجتناب المجاز في الأساليب العلمية حتى مع القرينة.
    2 ـ المنقول ينقسم إلى (تعييني وتعيّني) ، لأن النقل تارة يكون من ناقل معين باختياره وقصده ، كأكثر المنقولات في العلوم والفنون وهو المنقول (التعييني) أي أن الوضع فيه بتعيين معين. وأخرى لا يكون بنقل ناقل معين باختياره ، وإنما يستعمل جماعة من الناس اللفظ في غير معناه الحقيقي لا بقصد الوضع له ثم يكثر

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3303
    نقاط : 4992
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ---المنطق ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ---المنطق ج1   ---المنطق ج1 Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 5:54 am

    استعمالهم له ويشتهر بينهم ، حتى يتغلب المعنى المجازي على اللفظ في أذهانهم فيكون كالمعنى الحقيقي يفهمه السامع منهم بدون القرينة. فيحصل الارتباط الذهني بين نفس اللفظ والمعنى ، فينقلب اللفظ حقيقة في هذا المعنى. وهو (المنقول التعيّني).


    تمرينات
    1 ـ هذه الألفاظ المستعملة في هذا الباب وهي لفظ (مختص ، مشترك ، منقول ، إلى آخره) من أي أقسام اللفظ الواحد؟ أي أنها مختصة أو مشتركة أو غير ذلك.
    2 ـ اذكر ثلاثة أمثلة لكل من أقسام اللفظ الواحد الخمسة.
    3 ـ كيف تميز بين المشترك والمنقول؟
    4 ـ هل تعرف لماذا يحتاج المشترك إلى قرينه؛ وهل يحتاج المنقول إلى القرينة؟

    ـ 2 ـ
    الترادف والتباين
    إذا قسنا لفظاً إلى لفظ أو إلى ألفاظ ، فلا تخرج تلك الألفاظ المتعددة عن أحد قسمين :
    1 ـ إما أن تكون موضوعة لمعنى واحد ، فهي (المترادفة) ، إذا كان أحد الألفاظ رديفاً للآخر على معنى واحد. مثل : أسد وسبع وليث. هرة وقطة. إنسان وبشر. فالترادف : «اشتراك الألفاظ المتعددة في معنى واحد».
    2 ـ وإما أن يكون كل واحد منها موضوعاً لمعنى مختص به ، فهي (المتباينة) ، مثل : كتاب ، قلم ، سماء ، أرض ، حيوان ، جماد ، سيف ، صارم ...
    فالتباين : «أن تكون معاني الألفاظ متكثرة بتكثر الألفاظ». والمراد من التباين هنا غير التباين الذي سيأتي في النسب ، فإن التباين هنا بين الألفاظ باعتبار تعدد معناها ، وإن كانت المعاني تلتقي في بعض أفرادها أو جميعها ، فإن السيف يباين الصارم ، لأن المراد من الصارم خصوص القاطع من السيوف. فهما متباينان معنى وإن كان يلتقيان في الأفراد ، إذ أن صارم سيف. وكذا الإنسان والناطق ، متباينان معنى ، لأن المفهوم من أحدهما غير المفهوم من الآخر وإن كان يلتقيان في جميع أفرادهما لأن كل ناطق إنسان وكل إنسان ناطق.
    قسمة الالفاظ المتباينه :
    المثلان ، المتقابلان ، المتخالفان
    تقدم ان الالفاظ المتباينة هي ما كثرت معانيها بتكثرها ، أي ان معانيها
    __________________
    (1) هذا الجمع يشمل اللفظين فصاعداً على نحو الجمع المنطقي. والجمع باصطلاح علماء المنطق معناه اكثر من واحد. وفي اللغة العربية ـ كما هو معلوم ـ معناه أكثر من اثنين. فتنبه الى هذا الاستعمال.

    متغايرة. ولما كان التغاير بين المعاني يقع على أقسام ، فإن الألفاظ بحسب معانيها أيضاً تنسب لها تلك الأقسام. والتغاير على ثلاثة أنواع : التماثل ، والتخالف ، والتقابل.
    لأن المتغايرين إما أن يراعي فيهما اشتراكهما في حقيقة واحدة فهما (المثلان) وإما ألا يراعي ذلك سواء كانا مشتركين بالفعل في حقيقة واحدة أو لم يكونا. وعلى هذا التقدير الثاني أي تقدير عدم المراعاة ، فإن كانا من المعاني التي لا يمكن اجتماعهما في محل واحد من جهة واحدة في زمان واحد ، بأن كان بينهما تنافر وتعاند فهما (المتقابلان) ، وإلا فهما (المتخالفان).
    وهذا يحتاج إلى شيء من التوضيح ، فنقول :
    1 ـ (المثلان) هما المشتركان في حقيقة واحدة بما هما مشتركان ، أي لوحظ واعتبر اشتراكهما فيها ، كمحمد وجعفر اسمين لشخصين مشتركين في الإنسانية بما هما مشتركان فيها ، وكالإنسان والفرس باعتبار اشتراكهما في الحيوانية. وإلا فمحمد وجعفر من حيث خصوصية ذاتيهما مع قطع النظر عما اشتركا فيه هما متخالفان كما سيأتي. وكذا الإنسان والفرس هما متخالفان بما هما إنسان وفرس.
    والاشتراك والتماثل إن كان في حقيقة نوعية بأن يكونا فردين من نوع واحد كمحمد وجعفر يخص باسم المثلين أو المتماثلين ولا اسم آخر لهما. وإن كان في الجنس كالإنسان والفرس سمّيا أيضاً (متجانسين) وإن كان في الكم أي في المقدار سمّيا أيضاً (متساويين) ، وإن كان في الكيف أي في كيفيتهما وهيئتهما سمّيا أيضاً (متشابهين). والاسم العام للجميع هو (التماثل).
    والمثلان أبداً لا يجتمعان ببديهة العقل.
    2 ـ (المتخالفان) وهما المتغايران من حيث هما متغايران ، ولا مانع من اجتماعهما في محل واحد إذا كانا من الصفات ، مثل الإنسان والفرس بما هما إنسان وفرس ، لا بما هما مشتركان في الحيوانية كما تقدم. كذلك : الماء والهواء ، النار والتراب ، الشمس والقمر ، السماء والأرض.
    ومثل السواد والحلاوة ، الطول والرقة ، الشجاعة والكرم ، البياض والحرارة. والتخالف قد يكون في الشخص مثل محمد وجعفر وإن كانا مشتركين نوعاً في

    الإنسانية ، ولكن لم يلحظ هذا الاشتراك. وقد يكون في النوع مثل الإنسان والفرس وإن كانا مشتركين في الجنس وهو الحيوان ولكن لم يلحظ الاشتراك. وقد يكون في الجنس ، وإن كانا مشتركين في وصفهما العارض عليهما ، مثل القطن والثلج المشتركين في وصف الأبيض إلا أنه لم يلحظ ذلك.
    ومنه يظهر أن مثل محمد وجعفر يصدق عليهما أنهما متخالفان بالنظر إلى اختلافهما في شخصيهما ويصدق عليهما مثلان بالنظر إلى اشتراكهما وتماثلهما في النوع وهو الإنسان. وكذا يقال عن الإنسان والفرس هما متخالفان من جهة تغايرهما في الإنسانية والفرسية ومثلان باعتبار اشتراكهما في الحيوانية. وهكذا في مثل القطن والثلج. الحيوان والنبات. الشجر والحجر.
    ويظهر أيضاً أن التخالف لا يختص بالشيئين اللذين يمكن أن يجتمعا ، فإن الأمثلة المذكورة قريباً لا يمكن فيها الاجتماع مع أنها ليست من المتقابلات ـ كما سيأتي ـ ولا من المتماثلات حسب الاصطلاح.
    ثم إن التخالف قد يطلق على ما يقابل التماثل فيشمل التقابل أيضاً فيقال للمتقابلين على هذا الاصطلاح أنهما متخالفان.
    3 ـ (المتقابلان) هما المعنيان المتنافران اللذان لايجتمعان في محل واحد من جهة واحدة في زمان واحد ، كالإنسان واللا إنسان. والأعمى والبصير ، والأبوة والبنوة ، والسواد والبياض.
    فبقيد وحدة المحل دخل مثل التقابل بين السواد والبياض مما يمكن اجتماعهما في الوجود كبياض القرطاس وسواد الحبر. وبقيد وحدة الجهة دخل مثل التقابل بين الأبوة والبنوة مما يمكن اجتماعها في محل واحد من جهتين إذ قد يكون شخص أباً لشخص وابناً لشخص آخر. وبقيد وحدة الزمن دخل مثل التقابل بين الحرارة والبرودة مما يمكن اجتماعهما في محل واحد في زمانين ، إذ قد يكون جسم بارداً في زمان ونفسه حاراً في زمان آخر.
    اقسام التقابل
    للتقابل أربعة أقسام :

    1 ـ (تقابل النقيضين) أو السلب والإيجاب ، مثل : إنسان ولا إنسان ، سواد ولا سواد ، منير وغير منير.
    والنقيضان : أمران وجودي وعدمي ، أي عدم لذلك الوجودي ، وهما لا يجتمعان ولا
    يرتفعان ببديهة العقل ، ولا واسطة بينهما.
    2 ـ (تقابل الملكة وعدمها) كالبصر والعمى ، الزواج والعزوبية ، فالبصر ملكة والعمى عدمها. والزواج ملكة والعزوبية عدمها.
    ولا يصح أن يحل العمى إلا في موضع يصح فيه البصر ، لأن العمى ليس هو عدم البصر مطلقاً ، بل عدم البصر الخاص ، وهو عدمه فيمن شأنه أن يكون بصيراً. وكذا العزوبة لا تقال إلا في موضع يصح فيه الزواج ، لا عدم الزواج مطلقاً ، فهما ليسا كالنقيضين لا يرتفعان ولا يجتمعان ، بل هما يرتفعان. وإن كان يمتنع اجتماعهما ، فالحجر لا يقال فيه أعمى ولا بصير ، ولا أعزب ولا متزوج ، لأن الحجر ليس من شأنه أن يكون بصيراً ، ولا من شأنه أن يكون متزوجاً.
    إذن الملكة وعدمها : «أمران وجودي وعدمي لا يجتمعان ويجوز أن يرتفعا في موضع لا تصح فيه الملكة».
    3 ـ (تقابل الضدين) ، كالحرارة والبرودة ، والسواد والبياض ، والفضيلة والرذيلة ، والتهور والجبن ، والخفة والثقل.
    والضدان : «هما الوجوديان المتعاقبان على موضوع واحد ، ولا يتصور اجتماعهما فيه ، ولا يتوقف تعقل أحدهما على تعقل الآخر».
    وفي كلمة (المتعاقبان على موضوع واحد) يفهم أن الضدين لا بد أن يكونا صفتين ، فالذاتان مثل إنسان وفرس لا يسميان بالضدين. وكذا الحيوان والحجر ونحوهما. بل مثل هذه تدخل في المعاني المتخالفة ، كما تقدم.
    وبكلمة «لا يتوقف تعقل أحدهما على تعقل الآخر» يخرج المتضايفان ، لأنهما أمران وجوديان أيضاً ولا يتصور اجتماعهما فيه من جهة واحدة ، ولكن تعقل أحدهما يتوقف على تعقل الآخر. وسيأتي.
    4 ـ (تقابل المتضايفين) مثل : الأب والابن ، الفوق والتحت ، المتقدم

    والمتأخر ، العلة والمعلول ، الخالق والمخلوق وأنت إذا لاحظت هذه الأمثلة تجد :
    (اولاً) إنك إذا تعلقت أحد المتقابلين منها لا بد أن تتعقل معه مقابلة الآخر : فإذا تعقلت أن هذا أب أو علة لا بد أن تتعقل معه أن له ابناً أو معلولاً.
    (ثانياً) أن شيئاً واحداً لا يصح أن يكون موضوعاً للمتضايفين من جهة واحدة ، فلا يصح أن يكون شخص أباً وابناً لشخص واحد ، نعم يكون أباً لشخص وابناً لشخص آخر. وكذا لا يصح أن يكون الشيء فوقاً وتحتاً لنفس ذلك الشيء في وقت واحد. وإنما يكون فوقاً لشيء هو تحت له ، وتحتاً لشيء آخر هو فوقه وهكذا.
    (ثالثاً) إن المتقابلين في بعض هذه الأمثلة المذكورة أولاً ، يجوز أن يرتفعا ، فإن واجب الوجود لا فوق ولا تحت ، والحجر لا أب ولا ابن. وإذا اتفق في بعض الأمثلة أن المتضايفين لا يرتفعان كالعلة والمعلول ، فليس ذلك لأنهما متضايفان. بل لأمر يخصهما ، لأن كل شيء موجود لا يخلو إما أن يكون علة أو يكون معلولاً.
    وعلى هذا البيان يصح تعريف المتضايفين بأنهما : «الوجوديان اللذان يتعقلان معاً ولا يجتمعان في موضوع واحد من جهة واحدة ويجوز أن يرتفعا».


    تمرينات
    1 ـ بيِّن المترادفة والمتباينة من هذه الأمثلة بعد التدقيق في كتب اللغة :
    كتاب وسفر مقول ولسان خطيب ومصقع
    فرس وصاهل ليل ومساء عين وناظر
    شاعر وناظم مصنع وسامع جلوس وقعود
    متكلم ولسن كف ويد قدّ وقطع
    2 ـ اذكر ثلاثة أمثلة لكل من المتخالفة والمتماثلة.
    3 ـ بين أنواع التقابل في الأمثلة الآتية
    الخير والشر. النور والظلمة الحركة والسكون
    الظلم والعدل. الملتحي والأمرد المنتعل والحافي
    الصباح والمساء. الدال والمدلول التصور والتصديق
    العلم والجهل القيام والقعود. العالم والمعلوم

    المفرد والمركب
    ينقسم اللفظ مطلقاً (غير معتبر فيه أن يكون واحداً أو متعدداً) إلى قسمين :
    أ ـ (المفرد) ويقصد المنطقيون به :
    (أولاً) اللفظ الذي لا جزء له ، مثل الباء من قولك : كتبت بالقلم ، و(ق) فعل أمر من وقى يقي.
    (ثانياً) اللفظ الذي له جزء إلا أن جزء اللفظ لا يدل على جزء المعنى حين هو جزء له ، مثل : محمد. علي. قرأ. عبد الله. عبد الحسين. وهذان الأخيران إذا كانا اسمين لشخصين فأنت لا تقصد بجزء اللفظ (عبد) و (الله) و (الحسين) معنى أصلاً ، حينما تجعل مجموع الجزئين دالاً على ذات الشخص. وما مثل هذا الجزء إلا كحرف (م) من محمد وحرف (ق) من قرأ.
    نعم في موضع آخر قد تقول (عبد الله) وتعني بعبد معناه المضاف إلى الله تعالى كما تقول (محمد عبد الله ورسوله). وحينئذ يكون نعتاً لا اسماً ومركباً لا مفرداً. أما لو قلت (محمد بن عبد الله) فعبد الله مفرد هو اسم أب محمد.
    أما النحويون فعندهم مثل (عبد الله) إذا كان اسماً لشخص مركب لا مفرد ، لأن الجهة المعتبرة لهم في هذه التسمية تختلف عن الجهة المعتبرة عند المناطقة. إذ النحوي ينظر إلى الإعراب والبناء ، فما كان له إعراب أو بناء واحد فهو مفرد وإلا فمركب كعبد الله علماً فإن (عبد الله) له إعراب و(الله) له إعراب. أما المنطقي فإنما ينظر المعنى فقط.
    إذن المفرد عند المنطقي هو :

    «اللفظ الذي ليس له جزء يدل (1) على جزء معناه حين هو جزء».
    ب ـ (المركب) ويسمى القول ، وهو اللفظ الذي له جزء يدل على جزء معناه حين هو جزء مثل (الخمر مضر) ، الجزءان : (الخمر) ، و (مضر) يدل كل منهما على جزء معنى المركب. ومنه (الغيبة جهد العاجز) فالمجموع مركب و(جهد العاجز) مركب أيضا. ومنه (شر الإخوان من تكلف له) فالمجموع مركب ، و(شر الإخوان) مركب أيضاً ، و (من تكلف له) مركب أيضاً ...
    أقسام المركب
    المركب : تام وناقص.
    التام : خبر وإنشاء.
    أ ـ التام والناقص
    1 ـ بعض المركبات للمتكلم أن يكتفي في إفادة السامع ، والسامع لا ينتظر منه إضافة لفظ آخر لإتمام فائدته. مثل الصبر شجاعة. قيمة كل امرئ ما يحسنه. إذا علمت فاعمل ـ فهذا هو (المركب التام). ويعرَّف بأنه : «ما يصح للمتكلم السكوت عليه».
    2 ـ أما إذا قال : (قيمة كل امرئ ...) وسكت ، أو قال : (إذا علمت ...) بغير جواب للشرط ، فإن السامع يبقى منتظراً ويجده ناقصاً ، حتى يتم كلامه. فمثل هذا
    يسمى (المركب الناقص). ويعرف بأنه : (ما لا يصح السكوت عليه).
    ب ـ الخبر والإنشاء
    كل مركب تام له نسبة قائمة بين أجزائه تسمى النسبة التامة أيضاً ، وهذه النسبة :
    1 ـ قد تكون لها حقيقة ثابتة في ذاتها ، مع غض النظر عن اللفظ وإنما يكون
    __________________
    (1) ليتنبه الاساتذة انا لم نأخذ في الدلالة قيد القصد كما صنع بعضهم ، لانا نعتقد أن الدلالة لاتحصل بغير القصد. وتعريفنا للدلالة فيما مضى كفيل بالبرهان على ذلك. فمثل (الحيوان الناطق) لو جعل علما لاحد افراد الانسان لايدل جزؤه على جزء معناه. وهو مثل (عبدالله) لا فرق بينهما.

    لفظ المركب حاكياً وكاشفاً عنها. مثلما إذا وقع حادث أو يقع فيما يأتي ، فأخبرت عنه ، كمطر السماء ، فقلت : مطرت السماء ، أو تمطر غداً. فهذا يسمى (الخبر) ويسمى أيضاً (القضية) و(القول). ولا يجب في الخبر أن يكون مطابقاً للنسبة الواقعة : فقد يطابقها فيكون صادقاً ، وقد لا يطابقها فيكون كاذباً.
    إذن الخبر هو : «المركب التام الذي يصح أن نصفه بالصدق أو الكذب». والخبر هو الذي يهم المنطقي أن يبحث عنه ، وهو متعلق التصديق.
    2 ـ وقد لا تكون للنسبة التامة حقيقة ثابتة بغض النظر عن اللفظ ، وإنما اللفظ هو الذي يحقق النسبة ويوجدها بقصد المتكلم ، وبعبارة أصرح أن المتكلم يوجد المعنى بلفظ المركب ، فليس وراء الكلام نسبة ، لها حقيقة ثابتة يطابقها الكلام تارة ولا يطابقها أخرى. ويسمى هذا المركب (الإنشاء). ومن أمثلته :
    1 ـ (الأمر) نحو : احفظ الدرس.
    2 ـ (النهي) نحو : لا تجالس دعاة السوء.
    3 ـ (الاستفهام) نحو : هل المريخ مسكون؟
    4 ـ (النداء) نحو : يا محمد!
    5 ـ (التمني) نحو : لو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين!
    6 ـ (التعجب) نحو : ما أعظم خطر الإنسان!
    7 ـ (العقد) كإنشاء عقد البيع والإجارة والنكاح ونحوها نحو بعت وآجرت وأنكحت.
    8 ـ (الإيقاع) : كصيغة الطلاق والعتق والوقف ونحوها نحو فلانة طالق. وعبدي حر.
    وهذه المركبات كلها ليس لمعانيها حقائق ثابتة في أنفسها ـ بغض النظر عن اللفظ ـ تحكي عنها فتطابقها أو لا تطابقها ، وإنما معانيها تنشأ وتوجد باللفظ ، فلا
    __________________
    (1) ستأتي اضافة كلمة (لذاته) في تعريف الخبر والانشاء في بحث القضايا ، فراجع.

    يصح وصفها بالصدق والكذب.
    فالإنشاء هو : «المركب التام الذي لا يصح أن نصفه بصدق وكذب».
    أقسام المفرد
    المفرد : كلمة ، اسم ، أداة.
    1 ـ (الكلمة) وهي الفعل باصطلاح النحاة. مثل : كتب. يكتب. اكتب. فإذا لاحظنا هذه الأفعال أو الكلمات الثلاث نجدها :
    (أولاً) تشترك في مادة لفظية واحدة محفوظة في الجميع هي (الكاف فالتاء فالباء). وتشترك أيضاً في معنى واحد هو معنى الكتابة ، وهو معنى مستقل في نفسه.
    و(ثانياً) تفترق في هيئاتها اللفظية ، فإن لكل منها هيئة تخصها. وتفترق أيضاً في دلالتها على نسبة تامة زمانية تختلف باختلافها ، وهي نسبة ذلك المعنى المستقل المشترك فيها إلى فاعل ما ، غير معين في زمان معين من الأزمنة : فكتب تدل على نسبة الحدث (وهو المعنى المشترك) إلى فاعل ما ، واقعة في زمان مضى. ويكتب على نسبة تجدد الوقوع في الحال أو في الاستقبال إلى فاعلها. واكتب على نسبة طلب الكتابة في الحال من فاعل ما.
    ومن هذا البيان نستطيع أن نستنتج أن المادة التي تشترك فيها الكلمات الثلاث تدل على المعنى الذي تشترك فيه ، وأن الهيئة التي تفترق فيها وتختلف تدل على المعنى الذي تفترق فيه ويختلف فيها.
    وعليه يصح تعريف الكلمة بأنها : «اللفظ المفرد الدال بمادته على معنى مستقل في نفسه وبهيئته على نسبة ذلك المعنى إلى فاعل لا بعينه نسبة تامة زمانية».
    وبقولنا : نسبة تامة تخرج الأسماء المشتقة كاسم الفاعل والمفعول والزمان والمكان ، فإنها تدل بمادتها على المعنى المستقل وبهيئاتها على نسبة إلى شيء لا بعينه في زمان ما ، ولكن النسبة فيها ناقصة لا تامة.
    2 ـ (الاسم) : وهو اللفظ المفرد الدال على معنى مستقل في نفسه غير مشتمل

    على هيئة تدل على نسبة تامة زمانية. مثل : محمد. إنسان. كاتب. سؤال. نعم قد يشتمل على هيئة تدل على نسبة ناقصة كأسماء الفاعل والمفعول والزمان ونحوها كما تقدم ، لأنها تدل على ذات لها هذه المادة.
    3 ـ (الأداة) وهي الحرف باصطلاح النحاة. وهو يدل على نسبة بين طرفين. مثل : (في) الدالة على النسبة الظرفية. و(على) الدالة على النسبة الاستعلائية. و(هل) الدالة على النسبة الاستفهامية. والنسبة دائماً غير مستقلة في نفسها ، لأنها لا تتحقق إلا بطرفيها.
    فالأداة تعرف بأنها : (اللفظ المفرد الدال على معنى غير مستقل في نفسه).
    (ملاحظة) ـ الأفعال الناقصة مثل كان وأخواتها في عرف المنطقيين ـ على التحقيق ـ تدخل في الأدوات ، لأنها لا تدل على معنى مستقل في نفسها لتجردها عن الدلالة على الحدث ، بل إنما تدل على النسبة الزمانية فقط. فلذلك تحتاج إلى جزء يدل على الحدث ، نحو (كان محمد قائماً) فكلمة قائم هي التي تدل عليه. وفي عرف النحاة معدودة من الأفعال وبعض المناطقة يسميها (الكلمات الوجودية).
    الخلاصة :


    تمرينات
    1 ـ ميز الألفاظ المفردة والمركبة مما يأتي :
    مكة المكرمة تأبط شراً صردر
    جعفر الصادق امرؤ القيس منتدى النشر
    ملك العراق أبو طالب النجف الأشرف
    هنيئاً ديك الجن صبرا
    2 ـ ميز المركبات التامة والناقصة والخبر والإنشاء مما يأتي :
    الله اكبر نجمة القطب يا الله
    صباح الخير السلام عليكم ماء الفرات
    غير المغضوب عليهم لا إله إلا الله زر غبا تزدد حباً
    سبحان ربي العظيم وبحمده شاعر وناظم
    3 ـ اذكر كم هي الإنشاءات والأخبار في سورة القدر.
    4 ـ إن اللفظ المحذوف دائماً يعتبر كالموجود ، فقولنا في العنوان : (تمرينات) أتعده مفرداً أم مركباً. ولو كان مركباً فماذا تظن : أهو ناقص أم تام.
    5 ـ تأمل هل يمكن أن يقع تقابل التضاد بين (الأدوات) ولماذا؟

    الباب الثاني
    مباحث الکلي


    الکلي والجزئي
    يدرک الانسان مفهوم الموجودات التي يحسّ بها ، مثل : محمد. هذا الکتاب. هذا القلم. هذه الوردة. بغداد. النجف ... واذا تأملها يجد کل واحد منها لا ينطبق على فرد آخر ، ولا يصدق الا على ذلک الموجود وحده. وهذا هو المفهوم (الجزئي). ويصح تعريفه بأنّه : «المفهوم الذي يمتنع صدقه على أکثر من واحد».
    ثم ان الانسان اذا رأى جزئيات متعددة ، وقاس بعضها الى بعض ، فوجدها تشترک في صفة واحدة انتزع منها صورة مفهوم شامل ينطبق على کل واحد منها. وهذا المفهوم الشامل أو (الصورة المنتزعة) هو المفهوم (الکلي). ويصح تعريفه بأنه «المفهوم الذي لا يمتنع صدقه على اکثر من واحد».
    مثل مفهوم : انسان. حيوان. معدن. ابيض. تفاحة. حجر. عالم. جاهل. جالس في الدار. معترف بذنبه.
    تکملة تعريف الجزئي والکلي
    لا يجب أن تکون أفراد الکلي موجودة فعلاً : فقد يتصور العقل مفهوماً کلياً صالحاً للانطباق على اکثر من واحد من دون ان ينتزعه من جزئيات موجودة بالفعل ، وانما يفرض له جزئيات يصح صدقه عليها ، بل قد يمتنع وجود حتي فرد واحد له مثل مفهوم «شريک الباري» ، ومفهوم «اجتماع النقيضين». ولا يضر ذلک في کليته.
    وقد لا يوجد له الا فرد واحد ويمتنع وجود غيره ، مثل مفهوم «واجب الوجود» ، لقيام البرهان على ذلک ، ولکن العقل لايمنع من فرض أفراد لو وجدت لصدق عليها هذا المفهوم. ولو کان مفهوم «واجب الوجود» جزئياً ، لما کانت حاجة الى البرهان على التوحيد ، وکفي نفس تصور مفهومه لنفي وقوع الشرکة فيه. وعليه فهذا الانحصار في فرد واحد انما جاء من قبل أمر خارج عن نفس المفهوم ، لا أن نفس المفهوم يمتنع صدقه على أفراد کثيرة.

    اذن ، بمقتضي هذا البيان لا بد من اضافة قيد (ولو بالفرض) في تعريفي الجزئي والکلي ، فالجزئي : «مفهوم يمتنع صدقه على کثير ولو بالفرض» ، والکلي : «لا يمتنع ... ولو بالفرض».
    (تنبيه) مداليل الادوات کلها مفاهايم جزئية ، والکلمات أي (الافعال) بهيئاتها تدل على مفاهيم جزئية ، وبموادها على مفاهيم کلية. أما الاسماء فمداليلها تختلف ، فقد تكون كلية كأسماء الأجناس ، وقد تكون جزئية كأسماء الاعلام وأسماء الاشارة والضمائر ونحوها.
    الجزئي الاضافي
    الجزئي الذي تقدم البحث عنه يسمي (الجزئي الحقيقي). وهنا اصطلاح آخر للجزئي يقال له (الجزئي الاضافي) ، لاضافته الى ما فوقه ، ومع ذلک قد يکون کلياً اذا کان أضيق دائرة من کلي آخر أوسع منه.
    توضيحه : انک تجد أن (الخط المستقيم) مفهوم كلي منتزع من عدة أفراد كثيرة ، وتجد أن (الخط المنحني) أيضاً مفهوم کلي منتزع من مجموعة افراد اخرى فاذا ضممنا احدى المجموعتين الى الاخرى وألغينا ما بينهما من الفروق ننتزع مفهوماً کلياً أکثر سعة من المفهومين الاولين يصدق على جميع أفرادهما ، وهو مفهوم (الخط). فهذا المفهوم الثالث الکبير نسبته الى المفهومين الصغيرين ، کنسبة کل منهما الى أفراد نفسه ، فکما کان الفرد من الصغير بالاضافة الى الصغير نفسه جزئياً ، فالکلي الصغير أيضاً بالاضافة الى الکلي الکبير کالجزئي من جهة النسبة ، فيسمي (جزئياً اضافياً) لا بالحقيقة لانه في نفسه کلي حقيقة.
    وکذا الجزئي الحقيقي من جهة اضافته الى الکلي الذي فوقه يسمي (جزئيا اضافياً).
    وهکذا کل مفهوم بالاضافة الى مفهوم أوسع منه دائرة يسمي (جزئياً اضافياً) ، فزي مثلا جزئي حقيقي في نفسه وجزئي اضافي بالقياس الى الحيوان ، وکذا الحيوان بالقياس الى الجسم النامي ، والجسم النامي بالقياس الى مطلق الجسم.

    اذن يمکن تعريف الجزئي الاضافي بأنه (الاخص من شيء) او «المفهوم المضاف الى ما هو اوسع منه دائرة».
    * * *
    المتواطئ والمشكك
    ينقسم الکلي الى المتواطيء والمشکک ، لأنه :
    أولاً : اذا لا حظت کلياً مثل الانسان والحيوان والذهب والفضة ، وطبقته على أفراده ، فانک لا تجد تفاوتاً بين الافراد في نفس صدق المفهوم عليها : فزيد وعمر وخالد الى آخر افراد الانسان من ناحية الانسانية سواء ، من دون أن تکون انسانية احدهم أولى من انسانية الآخر ولا اشد ولا اکثر ، ولا أي تفاوت آخر في هذه الناحية. واذا کانوا متفاوتين ففي نواحٍ أخرى غير الانسانية ، کالتفاوت بالطول واللون والقوة والصحة والاخلاص وحسن التفکير ... وما الى ذلک.
    وکذا أفراد الحيوان والذهب ، ونحوهما ، ومثل هذا الکلي المتوافقة أفراده في مفهومه يسمي (الکلي المتواطيء) أي المتوافقة افراده فيه ، والتواطؤ : هو التوافق والتساوي.
    ثانياً : اذا لا حظت کلياً مثل مفهوم البياض والعدد والوجود ، وطبقته على أفراده ، تجد على العکس من النوع السابق ، تفاوتاً بين الافراد في صدق المفهوم عليها ، بالاشتداد أو الکثرة أو الاولوية أو التقدم. فنري بياض الثلج أشد بياضاً من بياض القرطاس ، وکل منهما بياض وعدد الالف أکثر من عدد المائة ، وکل منهما عدد. ووجود الخالق أولى من وجود المخلوق ، ووجود العلة متقدم على وجود المعلول بنفس وجوده لا بشيء آخر ، وکل منهما وجود.
    وهکذا الکلي المتفاوتة افراده في صدق مفهومه عليها يسمي (الکلي المشکک) والتفاوت يسمي (تشکيکاً).

    تمرينات
    1 ـ عينَّ الجزئي والکلي من مفاهيم الاسماء الموجودة في الابيات التالية :
    أ ـ ما کل ما يتمنى المرء يدرکه
    تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

    ب ـ هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
    والبيت يعرفه والحل والحرم

    ج ـ نحن بما عندنا وانت بما
    عندک راض والرأي مختلف

    2 ـ بينّ ما اذا کانت الشمس والقمر والعنقاء والغول والثريا والجدي والارض من الجزئيات الحقيقة أو من الکليات واذکر السبب.
    3 ـ اذا قلت لصديق (ناولني الکتاب) وکان في يده کتاب ما ، فما المفهوم من الکتاب هنا جزئي أم کلي؟
    4 ـ اذا قلت لکتبي : (بعني کتاب القاموس) ، فما مدلول کلمة القاموس ، جزئي أم کلي؟
    5 ـ اذا قال البائع : (بعتک حقة من هذه الصبرة من الطعام) فما المبيع جزئي أم کلي؟
    6 ـ عين المتواطيء والمشکک من الکليات التالية :
    العلم. الکتاب. القلم. العدل. السواد. النبات. الماء. النور. الحياة. القدرة. الجمال. المعدن.
    7 ـ اذکر خمسة امثلة للجزئي الاضافي ، واختر ثلاثة منها من التمرين السابق.

    المفهوم والمصداق
    (المفهوم) : نفس المعنى بما هو ، أي نفس الصورة الذهنية المنتزعة من حقائق الاشياء.
    و(المصداق) : ما ينطبق عليه المفهوم ، أو حقيقة الشيء الذي تنتزع منه الصورة الذهنية (المفهوم).
    فالصورة الذهنية لمسمى (محمد) مفهوم جزئي ، والشخص الخارجي الحقيقي مصداقه. والصورة الذهنية لمعنى (الحيوان) مفهوم کلي ، وافراده الموجودة وما يدخل تحته من الکليات کالانسان والفرس والطير مصاديقه. والصورة الذهنية لمعنى (العدم) مفهوم کلي ، وما ينطبق عليه وهو العدم الحقيقي مصداقه ... وهکذا.
    (لفت نظر) : يعرف من المثال الاول ان المفهوم قد يکون جزئياً حقيقياً واضافياً. ويعرف من الثالث أن المصداق لا يجب أن يکون من الامور الموجودة والحقائق العينية ، بل المصداق هو کل ما ينطبق عليه المفهوم وان کان أمراً عدمياً لا تحقق له في الاعيان.
    العنوان والمعنون
    او
    دلالة المفهوم على مصداقه
    اذا حکمت على شيء بحکم قد يکون نظرک في الحکم مقصوراً على المفهوم وحده ، بأن يکون هو المقصود في الحکم ، کما تقول : (الانسان : حيوان ناطق) فيقال للانسان حينئذ الانسان بالحمل الاولي.
    وقد يتعدي نظرک في الحکم الى أبعد من ذلک ، فتنظر الى ما وراء المفهوم ، بأن

    تلاحظ المفهوم لتجعله حاکياً عن مصداقه ودليلاً عليه ، کما تقول : (الانسان ضاحک) أو (الانسان في خسر) ، فتشير بمفهوم الانسان الى اشخاص افراده وهي المقصودة في الحکم ، وليس ملاحظة المفهوم في الحکم وجعله موضوعاً الا للتوصل الى الحکم على الافراد. فيسمى المفهوم حينئذ (عنواناً) والمصداق (معنوناً). ويقال لهذا الانسان : الانسان بالحمل الشايع.
    ولأجل التفرقة بين النظرين نلاحظ الامثلة الآتية :
    1 ـ اذا قال النحاة : «الفعل لا يخبر عنه». فقد يعترض عليهم في بادي الرأي ، فيقال لهم : هذا القول منکم اخبار عن الفعل ، فکيف تقولون لا يخبر عنه؟
    والجواب : ان الذي وقع في القضية مخبراً عنه ، وموضوعا في القضية هو مفهوم الفعل ، ولکن ليس الحکم له بما هو مفهوم ، بل جعل عنواناً وحاکياً عن مصاديقه وآلة لملاحظتها ، والحکم في الحقيقة راجع للمصاديق نحو ضرب ويضرب. فالفعل الذي له هذا الحکم حقيقة هو الفعل بالحمل الشايع.
    2 ـ واذا قال المنطقي : «الجزئي يمتنع صدقه على کثيرين» ، فقد يعترض فيقال له : الجزئي يصدق على کثيرين ، لان هذا الکتاب جزئي ومحمد جزئي وعلي جزئي ، ومکة جزئي ، فکيف قلتم يمتنع صدقه على کثيرين؟
    والجواب : مفهوم الجزئي أي الجزئي بالحمل الاولي : کلي؛ لا جزئي؛ فيصدق على کثيرين ، ولکن مصداقه أي حقيقة الجزئي يمتنع صدقه على الکثير ، فهذا الحکم بالامتناع للجزئي بالحمل الشايع ، لا للجزئي بالحمل الاولي الذي هو کلي.
    3 ـ واذا قال الاصولي : «اللفظ المجمل : ما کان غير ظاهر المعنى» ، فقد يعترض في بادي الرأي فيقال له : اذا کان المجمل غير ظاهر المعنى فکيف جاز تعريفه ، والتعريف لا يکون الا لما کان ظاهراً معناه؟
    والجواب : مفهوم المجمل أي المجمل بالحمل الاولي مبين ظاهر المعنى لکن مصداقه أي المجمل بالحمل الشايع کاللفظ المشترک المجرد عن القرينة غير ظاهر المعنى. وهذا التعريف للمجمل بالحمل الشايع.

    تمرينات
    1 ـ لو قال القائل : «الحرف لايخبر عنه» ، فاعترض عليه انه کيف أخبرت عنه؟ فبماذا تجيب؟
    2 ـ لو اعترض على قول القائل : «العدم لا يخبر عنه» أنه قد اخبرت عنه الآن ، فما الجواب؟
    3 ـ لو اعترض على المنطقي بأنه کيف تقول : «ان الخبر کلام تام يحتمل الصدق والکذب» وقولک (الخبر) جعلته موضوعاً لهذا الخبر فهو مفرد لا يحتمل الصدق والکذب.
    4 ـ لو قال لک صاحب علم التفسير : «المتشابه محکم» وقال الاصولي (المجمل مبين) وقال المنطقي (الجزئي کلي) و(الکلي غير موجود بالخارج) ، فبماذا تفسر کلامهم ليرتفع هذا التهافت الظاهر.
    5 ـ لو قال القائل : «العلة والمعلول متضائفان. وکل متضائفين يوجدان معاً». وهذا ينتج ان العلة والمعلول يوجدان معاً. وهذه النتيجة غلط باطل ، لان العلة بالضرورة متقدمة على المعلول ، فبأي بيان تکشف هذه المغالطة.
    ومثله لو قال : الاب والابن متضائفان أو المتقدم والمتأخر متضائفان وکل متضائفين يوجدان معاً.

    النسب الأربع
    تقدم في الباب الاول انقسام الالفاظ الى مترادفة ومتباينة. والمقصود بالتباين هناک التباين بحسب المفهوم أي ان معانيها متغايرة. وهنا سنذکر أن من جملة النسب ، التباين والمقصود به التباين بحسب المصداق.
    فما کنا نصطلح عليه هناک بالمتباينة ، هنا نقسم النسبة بينها الى اربعة أقسام ، وقسم منها المتباينة لاختلاف الجهة المقصودة في البحثين ، فانا کنا نتکلم هناک عن تقسيم الالفاظ بالقياس الى تعدد المعنى واتحاده.
    اما هنا فالکلام عن النسبة بين المعاني باعتبار اجتماعها في المصداق وعدمه. ولا يتصور هذا البحث الا بين المعاني المتغايرة اي المعاني المتباينة بحسب المفهوم اذ لا يتصور فرض النسبة بين المفهوم ونفسه فنقول :
    کل معنى اذا نسب الى معنى آخر يغايره ويباينه مفهوماً فاما ان يشارک کل منهما الآخر في تمام افرادهما وهما المتساويان. واما أن يشارک کل منهما الآخر في بعض أفراده وهما اللذان بينهما نسبة العموم والخصوص من وجه واما أن يشارک أحدهما الآخر في جميع افراده دون العکس وهما اللذان بينهما نسبة العموم والخصوص مطلقاً. واما أن لا يشارک احدهما الآخر أبداً وهما المتباينان. فالنسب بين المفاهيم أربع : التساوي ، والعموم والخصوص مطلقاً ، والعموم والخصوص من وجه ، والتباين.
    1 ـ (نسبة التساوي) : وتکون بين المفهومين اللذين يشترکان في تمام افرادهما کالانسان والضاحک فان کل انسان ضاحک وکل ضاحک انسان. ونقربهما الى الفهم بتشبيههما بالخطين المتساويين اللذين ينطبق احدهما على الآخر تمام الانطباق. ويمکن وضع نسبة التساوي على هذه الصورة : ـ
    ب = حـ

    باعتبار أن هذه العلامة (=) علامة على التساوي ، کما هي في العلوم الرياضية وتقرأ يساوي. وطرفاها (ب ، حـ) حرفان يرمز بهما الى المفهومين المتساويين.
    2 ـ (نسبة العموم والخصوص مطلقاً) وتکون بين المفهومين اللذين يصدق احدهما على جميع ما يصدق عليه الآخر وعلى غيره ويقال للاول : (الاعم مطلقاً) وللثاني (الاخص مطلقاً) کالحيوان والانسان والمعدن والفضة فکل ما صدق عليه الانسان يصدق عليه الحيوان ولا عکس. فانه يصدق الحيوان بدون الانسان. وکذا الفضة والمعدن.
    ونقربهما الى الفهم بتشبيههما بالخطين غير المتساويين. وانطبق الاکبر منهما على تمام الاصغر وزاد عليه. ويمکن وضع هذه النسبة على الصورة الآتية :
    ب > حـ
    باعتبار ان هذه العلامة (>) تدل على أن ما قبلها أعم مطلقاً مما بعدها وتقرأ (أعم مطلقاً من) کما تقرأ في العلوم الرياضية (اکبر من). ويصح ان نقلبها ونضعها على هذه الصورة :
    حـ < ب
    وتقرأ (اخص مطلقاً من) کما تقرأ في العلوم الرياضية (أصغر من) فتدل على ان ما قبلها اخص مطلقاً مما بعدها.
    3 ـ (نسبة العموم والخصوص من وجه) : وتکون بين المفهومين اللذين يجتمعان في بعض مصاديقهما ويفترق کل منهما عن الآخر في مصاديق تخصه کالطير والاسود فانهما يجتمعان في الغراب لانه طير واسود ويفترق الطير عن الاسود في الحمام مثلاً والاسود عن الطير في الصوف الاسود مثلاً. ويقال لکل منهما أعم من وجه وأخص من وجه.
    ونقربهما الى الفهم بتشبيههما بالخطين المتقاطعين هکذا ᵡ يلتقيان في نقطة مشترکة ويفترق کل منهما عن الآخر في نقاط تخصه. ويمکن وضع النسبة على الصورة الآتية :
    ب * حـ

    أي بين (ب ، حـ) عموم وخصوص من وجه.
    4 ـ (نسبةالتباين) وتکون بين المفهومين اللذين لا يجتمع احدهما مع الآخر في فرد من الافراد أبداً. وامثلته جميع المعاني المتقابلة التي تقدمت في بحث التقابل وکذا بعض المعاني المتخالفة مثل الحجر والحيوان. ونشبهها بالخطين المتوازيين اللذين لا يلتقيان أبداً مهما امتدا. ويمکن وضع التباين على الصورة الآتية :
    ب / / حـ
    أي ان ب يباين حـ.
    النسب بين نقيضي الكليين
    کل کليين بينهما احدى النسب الاربع لا بد أن يکون بين نقيضيهما أيضا نسبة من النسب کما سيأتي. ولتعيين النسبة يحتاج الى اقامة البرهان. وطريقة البرهان التي نتبعها هنا تعرف (بطريقة الاستقصاء) او طريقة الدوران والترديد ، وسيأتي ذکرها في مبحث (القياس الاستثنائي). وهي أن تفرض جميع الحالات المتصورة للمسألة ومتي ثبت فسادها جميعا عدا واحدة منها فان هذه الواحدة هي التي تنحصر المسألة بها وتثبت صحتها.
    فلنذکر النسبة بين نقيضي کل کليين مع البرهان فنقول :
    1 ـ (نقيضا المتساويين متساويان أيضا) أي انه اذا کان الانسان يساوي الناطق فان لا انسان يساوي لا ناطق. وللبرهان على ذلک نقول :
    المفروض أن ب = حـ
    والمدعى أن لا ب = لا حـ
    (البرهان) لو لم يکن لا ب = لا حـ
    لکان بينهما احدي النسب الباقية. وعلى جميع التقادير لا بد أن يصدق احدهما بدون الآخر في الجملة.
    فلو صدق لا ب بدون لا حـ

    لصدق لا ب مع حـ لأن النقيضين لا يرتفعان
    ولازمه ألا يصدق ب مع حـ لأن النقيضين لا يجتمعان
    وهذا خلاف المفروض وهو ب = حـ
    وعليه فلا يمکن أن يکون بين لا ب ولا حـ من النسب الاربع غيرالتساوي فيجب أن يکون :
    لا ب = لا حـ وهو المطلوب
    2 ـ (نقيضا الاعم والاخص مطلقا بينهما عموم وخصوص مطلقا) ولکن على العکس أي ان نقيض الاعم أخص ونقيض الاخص اعم.
    فاذا کان ب > حـ
    کان لا ب < لا حـ
    کالانسان والحيوان فان (لا انسان) أعم مطلقا من (لا حيوان) لأن (لا انسان) يصدق على کل (لا حيوان) ولا عکس فان الفرس والقرد والطير الى آخره يصدق عليها لا انسان وهي من الحيوانات. وللبرهنة على ذلک نقول :
    المفروض ان ب > حـ
    والمدعى ان لا ب < لا حـ
    (البرهان) لو لم يکن لا ب < لا حـ
    لکان بينهما احدى النسب الباقية أو العموم والخصوص مطلقا بأن يکون نقيض الأعم اعم مطلقا لا أخص.
    فلو کان لا ب = لا حـ
    لکان ب = حـ لأن نقيضي المتساويين متساويان وهو خلاف الفرض.
    ولو کان بينهما نسبة التباين أو العموم والخصوص من وجه أو أن (لا ب) اعم مطلقا للزم على جميع الحالات الثلاث ان يصدق :
    لا حـ بدون لا ب
    ويلزم حينئذ ان يصدق لا ب مع حـ لان النقيضين لا يرتفعان
    ومعناه ان يصدق حـ بدون ب
    أي يصدق الأخص بدون الأعم وهو خلاف الفرض

    واذا بطلت الاحتمالات الاربعة تعين ان يکون :
    لا ب < لا حـ
    3 ـ (نقيضا الأعم والأخص من وجه متباينان تباينا جزئيا) : ومعنى «التباين الجزئي» : عدم الاجتماع في بعض الموارد مع غض النظر عن الموارد الاخري سواء کانا يجتمعان فيها او لا فيعم التباين الکلي والعموم والخصوص من وجه. لأن الأعم والأخص من وجه لا يجتمعان في بعض الموارد قطعا. وکذا يصح في المتباينين تباينا کليا أن يقال انهما لا يجتمعان في بعض الموارد.
    فاذا قلنا : ان بين نقيضي الأعم والأخص من وجه تباينا جزئيا فالمقصود به انهما في بعض الامثلة قد يکونان متباينين تباينا کليا وفي البعض الآخر قد يکون بينهما عموم وخصوص من وجه. والأول مثل الحيوان واللاانسان فان بينهما عموما وخصوصا من وجه لانهما يجتمعان في الفرس ويفترق الحيوان عن اللاانسان في الانسان ويفترق اللاانسان عن الحيوان في الحجر ولکن بين نقيضيهم تباينا کليا فان اللاحيوان يباين الانسان کليا. والثاني مثل الطير والاسود فان نقيضيهما لا طير ولا أسود بينهما عموم وخصوص من وجه أيضا لأنهما يجتمعان في القرطاس ويفترق لاطير في الثوب الأسود ويفترق لا اسود في الحمام الابيض.
    والجامع بين العموم والخصوص من وجه وبين التباين الکلي هو التباين الجزئي. وللبرهنة على ذلک نقول :
    المفروض أن ب ᵡ حـ
    والمدعى أن لا ب يباين لا حـ تبانياً جزئيا :
    (البرهان) : لو لم يکن لا ب يباين لا حـ تباينا جزئيا
    لکان بينهما احدي النسب الاربع بالخصوص.
    (1) فلو کان لا ب = لا حـ
    للزم ان يکون ب = حـ لأن نقيضي المتساويين متساويان
    وهذا خلاف الفرض.
    (2) ولو کان لا ب < لا حـ

    لکان ب حـ لأن نقيض الأعم اخص وهذا أيضا خلاف الفرض.
    (3) ولو کان لا ب لا حـ فقط
    لکان ذلک دائما مع انه قد يکون بينهما تباين کلي کما تقدم في مثال (لا حيوان وانسان).
    (4) ولو کان لا ب / / لا حـ فقط
    لکان ذلک دائما أيضا مع أنه قد يکون بينهما عموم وخصوص من وجه کما تقدم في مثال (لا طير ولا اسود).
    وعلى هذا تعين أن يکون (لا ب) يباين (لا حـ) تباينا جزئيا (وهو المطلوب)
    4 ـ (نقيضا المتباينين متباينان تباينا جزئيا) ايضا. والبرهان عليه کالبرهان السابق بلا تغيير الا في المثال لأنانري ان بينهما في بعض الأمثلة تباينا کليا کالموجود والمعدوم ونقيضا هما اللاموجود واللامعدوم وفي البعض الآخر عموما وخصوصا من وجه کالانسان والحجر ونقيضاهما لا انسان ولا حجر وبينهما عموم وخصوص من وجه لأنهما يجتمعان في الفرس مثلا ويفترق کل منهما عن الآخر في عين الآخر فاللاانسان يفترق عن اللاحجر في واللاحجر عن اللانسان في الانسان.
    خلاصة :
    • لنسبة بين المفهومين النسبة بين نقيضيهما
    1 ـ التساوي ...... التساوي
    2 ـ العموم والخصوص من وجه ..
    3 ـ التباين الکلي التباين الجزئي
    4 ـ العموم والخصوص مطلقا ... العموم والخصوص مطلقا بالعکس

    تمرينات
    أ ـ بين ماذا بين الأمثلة الآتية من النسب الاربع وماذا بين نقيضهما :
    1 ـ الکاتب والقاريء
    2 ـ الشاعر والکاتب
    3 ـ الشجاع والکريم
    4 ـ السيف والصارم
    5 ـ المايع والماء
    6 ـ المشترک والمترادف
    7 ـ السواد والحلاوة
    8 ـ الأسود والحلو
    9 ـ النائم والجالس
    10 ـ اللفظ والکلام
    ب ـ اشرح البراهين على کل واحدة من النسب بين نقيضي الکليين بعبارة واضحة مع عدم استعمال الرموز والاشارات.
    ج ـ اذکر مثالين من غير ما مر عليک لکل من النسب الاربع.

    الكليات الخمس
    الکلي : ذاتي وعرضي.
    الذاتي : نوع وجنس وفصل.
    العرضي : خاصة وعرض عام.
    قد يسأل سائل عن شخص انسان (من هو؟).
    وقد يسأل عنه ..... (ما هو؟).
    فهل تجد فرقا بين السؤالين؟ ـ لا شک ان الاول سؤال عن مميزاته الشخصية. والجواب عنه : (ابن فلان) أو مؤلف کتاب کذا أو صاحب العمل الکذائي او ذو الصفة الکذائية ... وامثال ذلک من الاجوبة المقصود بها تعيين المسؤول عنه من بين الاشخاص امثاله. ويغلط المجيب لو قال : (انسان لا نه لا يميزه عن امثاله من أفراد الانسان. ويصطلح في هذا العصر على الجواب عن هذا السؤال بـ (الهوية الشخصية) مأخوذة من کلمة (هو) کالمعلومات التي تسجل عن الشخص في دفتر النفوس.
    اما السؤال الثاني فانما يسأل به عن حقيقة الشخص التي يتفق بها مع الاشخاص الآخرين امثاله والمقصود بالسؤال تعيين تمام حقيقته بين الحقائق لا شخصه بين الاشخاص. ولا يصلح للجواب الا کمال حقيقته فتقول : (انسان) دون ابن فلان ونحوه. ويسمي الجواب عن هذا السؤال :
    النوع
    وهو أول الکليات الخمسة وسيأتي قريبا تعريفه.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3303
    نقاط : 4992
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ---المنطق ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ---المنطق ج1   ---المنطق ج1 Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 5:56 am

    وقد يسأل السائل عن زيد وعمر ووخالد ..... (ما هي؟).
    وقد يسأل السائل عن زيد وعمر ووخالد وهذه الفرس وهذا الاسد (ما هي).
    فهل تجد فرقا بين السؤالين؟ ـ تأمل فيهما فستجد ان (الاول) سؤال عن حقيقة جزئيات متفقة بالحقيقة مختلفة بالعدد. و(الثاني) سؤال عن حقيقة جزئيات مختلفة بالحقيقة والعدد.
    والجواب عن الاول بکمال الحقيقة المشترکة بينها فتقول : انسان. وهو (النوع) المتقدم ذکره.
    وعن الثاني أيضا بکمال الحقيقة المشترکة بينها فتقول : حيوان ويسمي :
    الجنس
    وهو ثاني الکليات الخمسة. وعليه يمکن تعريفهما بما يأتي :
    1 ـ (النوع) هو تمام الحقيقة المشترکة بين الجزئيات المتکثرة بالعدد فقط في جواب ما هو؟.
    2 ـ (الجنس) هو تمام الحقيقة المشترکة بين الجزئيات المتکثرة بالحقيقة في جواب ما هو؟.
    ـ واذا تکثرت الجزئيات بالحقيقة فلا بد ان تتکثر بالعدد قطعا.
    * * *
    وقد يسأل السائل عن الانسان والفرس ..... والقرد (ما هي؟)
    وقد يسأل السائل عن الانسان فقط ..... (ما هو؟)
    لا حظ ان (الکليات) هي المسؤول عنها هذه المرة! فماذا تري ينبغي ان يکون الجواب عن کل من السؤالين؟ ـ نقول : اما الاول فهو سؤال عن کليات مختلفة الحقائق فيجاب عنه بتمام الحقيقة المشترکة بينها. وهو الجنس فتقول في المثال

    (حيوان). ومنه يعرف ان الجنس يقع أيضا جوابا عن السؤال بما هو عن الکليات المختلفة بالحقائق التي تکون أنواعا له کما يقع جوابا عن السؤال بما هو الجزئيات المختلفة بالحقائق.
    وأما الثاني. فهو سؤال بما هو عن کلي واحد. وحق الجواب الصحيح الکامل أن نقول في المثال : (حيوان ناطق) فيتکفل الجواب بتفصيل ماهية الکلي المسؤول عنه وتحليلها التي تمام الحقيقة التي يشارکه فيها غيره والى الخصوصية التي بها يمتاز عن مشارکاته في تلک الحقيقة. ويسمي مجموع الجواب (الحد التام) کما سيأتي في محله. وتمام الحقيقة المشترکة التي هي الجزء الاول من الجواب هي (الجنس) وقد تقدم. والخصوصية المميزة التي هي الجزء الثاني من الجواب هي :
    الفصل
    وهو ثالث الکليات. ومن هذا يتضح ان الفصل جزء من مفهوم الماهية ولکنه الجزء المختص بها الذي يميزها عن جميع ما عداها کما ان الجنس جزؤها المشترک الذي أيضا يکون جزءاً للماهيات الأخري.
    ويبقي شيء ينبغي ذکره وهو أنا کيف نسأل ليقع الفصل وحده جوابا؟ وبعبارة أوضح : ان الفصل وحده يقع في الجواب عن اي سؤال.
    نقول : يقع الفصل جوابا عما اذا سألنا عن خصوصية الماهية التي بها تمتاز عن اغيارها بعد أن نعرف تمام الحقيقة المشترکة بينها وبين اغيارها. فاذا رأينا شبحا من بعيد وعرفنا انه حيوان وجهلنا خصوصيته فبطبيعتنا نسأل فنقول : (أي حيوان هو في ذاته). ولو عرفنا انه جسم فقط لقلنا : (أي جسم هو في ذاته). وان شئت قلت بدل في ذاته : في جوهره أو حقيقته فان المعني واحد. والجواب عن الاول (ناطق) فقط وهو فصل الانسان أو (صاهل) وهو فصل الفرس. وعن الثاني (حساس) مثلا وهو فصل الحيوان.
    اذن يصح أن نقول ان الفصل يقع في جواب (أي شيء) وشيء کناية عن

    الجنس الذي عرف قبل السؤال عن الفصل. وعليه يصح تعريف الفصل بما يأتي :
    «هو جزء الماهية المختص بها الواقع في جواب أي شيء هو في ذاته».
    تقسيمات
    (1) النوع : حقيقي واضافي
    (2) الجنس : قريب وبعيد ومتوسط.
    (3) النوع الاضافي : عال وسافل ومتوسط
    (4) الفصلقريب وبعيد. مقوّم ومقسّم.
    (1) لفظ النوع مشترک بين معنيين احدهما (الحقيقي) وهو أحد الکليات الخمسة وقد تقدم. وثانيهما (الاضافي). والمقصود به الکلي الذي فوقه جنس. فهو نوع بالاضافة الى الجنس الذي فوقه سواء کان نوعا حقيقيا او لو يکن کالانسان بالاضافة الى جنسه وهو الحيوان وکالحيوان بالاضافة الى جنسه وهو الجسم النامي وکالجسم النامي بالاضافة الى الجسم المطلق وکالجسم المطلق بالاضافة الى الجوهر
    (2) قد تتألف سلسلة من الکليات يندرج بعضها تحت بعض کالسلسلة المتقدمة التي تبتديء بالانسان وتنتهي بالجوهر. فاذا ذهبت بها (متصاعدا) من الانسان فمبدؤها (النوع) وهو الانسان في المثال وبعده الجنس الادني الذي هو مبدأ سلسلة الاجناس. ويسمي (الجنس القريب) لانه أقربها الى النوع. ويسمي أيضا (الجنس السافل). وهو الحيوان في المثال.
    ثم هذا الجنس فوقه جنس أعلي ... حتي تنتهي الى الجنس الذي ليس فوقه جنس. ويسمي (الجنس البعيد) و (الجنس العالي) و (الجنس المتوسط). ويسمي (بعيدا) أيضا کالجسم المطلق والجسم النامي. فالجنس عليه هذا قريب وبعيد ومتوسط أو سافل وعال ومتوسط.
    (3) واذا ذهبت في السلسلة متنازلا مبتدئا من جنس الاجناس الى ما دونه

    حتي تنتهي الى النوع الذي ليس تحته نوع. فما کان بعد جنس الاجناس يسمي (النوع العالي) وهو مبدأ سلسلة الانواع الاضافية وهو الجسم المطلق في المثال. واخيرها أي منتهي السلسلة يسمي (نوع الانواع) أو (النوع السافل) وهو الانسان في المثال. اما ما يقع بين العالي والسافل فهو (المتوسط) کالحيوان والجسم النامي. فالجسم النامي جنس متوسط ونوع متوسط.
    اذن النوع الاضافي : عال ومتوسط وسافل.
    (تنبيه) يتضح مما سبق ان کلا من المتوسطات لا بد أن يکون نوعا لما فوقه وجنسا لما تحته. والمتوسط النوع والجنس قد يکون واحد اذا تألفت سلسلة الکليات من أربعة وقد يکون أکثر اذا کانت السلسلة أکثر من اربعة.
    فمثال الاول : (الماء) المندرج تحت (السائل) المندرج تحت (الجسم) المندرج تحت (الجوهر). أو (البياض) المندرج تحت (اللون) المندرج تحت (الکيف المحسوس) المندرج تحت (الکيف).
    ومثال الثاني : سلسلة الانسان الى الجوهر المؤلفة من خمسة کليات کما تقدم أو (متساوي الساقين) المندرج تحت (المثلث) المندرج تحت (الشکل المستقيم الاضلاع) المندرج تحت (الشکل المستوي) المندرج تحت (الشکل) المندرج تحت (الکم). وهذه السلسلة مؤلفة من ستة کليات والانواع المتوسطة ثلاثة (المثلث
    والشکل المستقيم الاضلاع والشکل المستوي). والاجناس المتوسطة ثلاثة أيضا (الشکل المستقيم الاضلاع والشکل المستوي والشکل.
    (4) وکل نوع اضافي لا بد له من فصل يکون جزءاً من ماهيته يقومها ويميزها عن الانواع الاخر التي في عرضه المشترکة معه في الجنس الذي فوقه کما يقسم الجنس الى قسمين احدهما نوع ذلک الفصل وثانيهما ما عداه کالحساس المقوم للحيوان والمقسم للجسم النامي الى حيوان وغير حيوان فيقال : الجسم النامي حساس وغير حساس.
    ولکن الفصل الذي يقوّم نوعه المساوي له لا بد أن يقوّم أيضا ما تحته من

    الانواع. فالحساس المقوم للحيوان يقوم الانسان وغيره من أنواع الحيوان أيضا. لان الفصل للعالي لا بد ان يکون جزءا من العالي والعالي جزء من السافل وجزء الجزء جزء. فيکون الفصل المقوم للعالي جزءا من السافل فيقومه.
    والقاعدة العامة أن نقول : «مقوم العالي مقوم السافل» ولا عکس.
    والفصل أيضا اذا لوحظ بالقياس الى نوعه المساوي له قيل له (الفصل القريب) کالحساس بالقياس الى الحيوان والناطق بالقياس الى الانسان. واذا لو حظ بالقياس الى النوع الذي تحت توعه قيل له (الفصل البعيد) کالحساس بالقياس الى الانسان.
    والخلاصة : ان الفصل الواحد يسمي قريبا وبعيدا باعتبارين. ويسمي مقوما ومقسما باعتبارين.
    الذاتي والعرضي
    للذاتي والعرضي اصطلاحات في المنطق تختلف معانيها. ولا يهمنا الآن التعرض الا لاصطلاحهم في هذا الباب وهو الذي يسمونه بکتاب (ايساغوجي) أي کتاب الکليات الخمسة حسب وضع مؤسس المنطق الحکيم (ارسطو). وکان علينا أن نتعرض لهذا الاصطلاح في أول بحث الکليات الخمسة لولا انا اردنا ايضاح المعني المقصود منه بتقديم شرح الکليات الثلاثة المتقدمة فنقول :
    1 ـ (الذاتي) : هو المحمول الذي تتقوم ذات الموضوع به غير خارج عنها. ونعني (بما تتقوم ذات الموضوع به) ان ماهية الموضوع لا تتحقق الا به فهو قوامها سواء کان هو نفس الماهية کالانسان المحمول على زيد وعمر واو کان جزءاً منها کالحيوان المحمول على الانسان أو الناطق المحمول عليه فان نفس الماهية أو جزأها يسمي (ذاتيا).
    وعليه فالذاتي يعم النوع والجنس والفصل لان النوع نفس الماهية الداخلة في ذات الافراد والجنس والفصل جزآن داخلان في ذاتها.

    2 ـ (العرضي) هو المحمول الخارج عن ذات الموضوع لا حقاله بعد تقومه بجميع ذاتياته کالضاحک اللاحق للانسان والماشي اللاحق للحيوان
    وعند ما يتضح هذا الاصطلاح ندخل الآن في بحث باقي الکليات الخمسة وقد بقي منها اقسام العرضي فان العرضي ينقسم الي :
    الخاصة والعرض العام
    لان العرضي : وإما ان يختص بموضوعه الذي حمل عليه أي لا يعرض لغيره فهو (الخاصة) سواء کانت مساوية لموضوعها کالضاحک بالنسبة الى الانسان او کانت مختصة ببعض افراده کالشاعر والخطيب والمجتهد العارضة على بعض أفراد الانسان. وسواء کانت خاصة للنوع الحقيقي کالامثلة السابقة او للجنس المتوسط کالمتحيز خاصة الجسم والماشي خاصة الحيوان او لجنس الاجناس کالموجود لا في موضوع خاصة الجوهر.
    وإما ان يعرض لغير موضوعه أيضا أي لا يختص به فهو (العرض العام) کالماشي بالقياس الى الانسان والطائر بالقياس الى الغراب والمتحيز بالقياس الى الحيوان او بالقياس الى الجسم النامي.
    وعليه يمکن تعريف الخاصة والعرض العام بما يأتي :
    (الخاصة) : الکلي الخارج المحمول الخاص بموضوعه.
    (العرض العام) : الکلي الخارج المحمول على موضوعه وغيره.
    تنبيهات وتوضيحات
    1 ـ قد يکون الشيء الواحد خاصة بالقياس الى موضوع وعرضا عاما بالقياس الى آخر کالماشي فانه خاصة للحيوان وعرض عام للانسان. ومثله الموجود لا في

    موضوع والمتحيز ونحوها مما يعرض الاجناس.
    2 ـ وقد يکون الشيء الواحد عرضيا بالقياس الى موضوع وذاتيا بالقياس الي آخر کالملون فانه عرضي بالقياس مع انه جنس للابيض والاسود ونحوهما. ومثله مفرق البصر فانه عرضي بالقياس الى الجسم مع انه فصل للابيض لان الابيض (ملون مفرق البصر).
    3 ـ کل من الخاصة والفصل قد يکون مفردا وقد يکون مرکبا. مثال المفرد منهما الضاحک والناطق. ومثال المرکب من الخاصة قولنا للانسان : «منتصب القامة بادي البشرة». ومثال المرکب من الفصل قولنا للحيوان : «حساس متحرک بالارادة».
    الصنف
    4 ـ تقدم ان الفصل يقوم النوع ويميزه عن أنواع جنسه أي يقسم ذلک الجنس أو فقل (ينوع) الجنس. اما الخاصة فانها لا تقوّم لاکلي الذي تختص به قطعا الا انها تميزه عن غيره أي انها تقسم ما فوق ذلک الکلي. فهي کالفصل من هذه الناحية في کونها تقسم الجنس وتزيد عليه بأنها تقسم العرض العام أيضا کالموجود لا في موضوع الذي يقسم (الموجود) الى جوهر وغير جوهر.
    وتزيد عليه أيضا بأنها تقسم کذلک النوع وذلک عندما تختص ببعض أفراد النوع کما تقدم کالشاعر المقسم للانسان. وهذا التقسيم للنوع يسمي في الصطلاح المنطقيين (تصنيفا) وکل قسم من النوع يسمي (صنما).
    فالصنف کل کلي اخص من النوع ويشترک مع باقي اصناف النوع في تمام حقيقتها ويمتاز عنها بأمر عارض خارج عن الحقيقة.
    والتصنيف کالتنويع الا ان التنويع للجنس باعتبار الفصول الداخلة في حقيقة الاقسام. والتصنيف للنوع باعتبار الخواص الخارجة عن حقيقة الاقسام کتصنيف الانسان الى شرقي وغربي والى عالم وجاهل والى ذکر وانثي ... وکتصنيف الفرس الى أصيل وهجين وتصنيف النخل الى ذهدي وبربن وعمراني ...

    الى ما شاء الله من التقسيمات للانواع باعتبار أمور عارضة خارجة عن حقيقتها.
    الحمل وانواعه
    5 ـ وصفنا کلا من الکليات الخمسة (بالمحمول). وأشرنا الى ان الکلي المحمول ينقسم الى الذاتي والعرضي. وهذا امر يحتاج الى التوضيح والبيان.
    لان سائلا قد يسأل فيقول : ان النوع قد يحمل على الجنس کما يقال مثلا : الحيوان النسان وفرس وجمل ... الى آخره مع ان الانسان بالقياس الى الحيوان ليس ذاتيا له لانه ليس تمام الحقيقة ولا جزأها ولا عرضيا خارجا عنه. افهناک واسطة بين الذاتي والعرضي ام ماذا؟
    وقد يسأل ثانيا فيقول : ان الحد التام يحمل على النوع والجنس کما يقال : الانسان حيوان ناطق. والحيوان جسم تام حساس متحرک بالارادة. وعليه فالحد التام کلي محمول وهو تمام حقيقة موضوعه مع انه ليس نوعا له ولا جنسا ولا فصلا فينبغي ان يجعل للذاتي قسما رابعا. بل لا ينبغي تسميته بالذاتي لا نه هو نفس الذات والشيء لا ينسب الى نفسه ولا بالعرضي لانه ليس بخارج عن موضوعه فيجب ان يکون واسطة بين الذاتي والعرضي.
    وقد يسأل ثالثا فيقول : ان المنطقيين يقولون ان الضحک خاصة الانسان والمشي عرض عام له مثلا مع ان الضحک والمشي لا يحملان على الانسان فلا يقال الانسان ضحک وقد ذکرتم ان الکليات کلها محمولات على موضوعاتها فما السر في ذلک؟
    ولکن هذا السائل اذا اتضح له المقصود من (الحمل) ينقطع لديه الکلام فان الحمل له ثلاثة تقسيمات. والمراد منه هنا بعض اقسامه في کل من التقسيمات فنقول :
    1 ـ الحمل : طبعي ووضعي
    اعلم ان کل محمول فهو کلي حقيقي لان الجزئي الحقيقي بما هو جزئي لا

    يحمل على غيره. وکل کلي أعم بحسب المفهوم فهو محمول بالطبع على ما هو أخص منه مفهوما کحمل الحيوان على الانسان والانسان على محمد بل وحمل الناطق على الانسان. ويسمي مثل هذا (حملا طبعيا) أي اقتضاه الطبع ولا يأباه.
    واما العکس وهو حمل الأخص مفهوما على الاعم فليس هو حملا طبعيا بل بالوضع والجعل لانه يأباه الطبع ولا يقبله فلذلک يسمي (حملا وضعيا) أو جعليا.
    ومرادهم بالاعم بحسب المفهوم غير الاعم بحسب المصداق الذي تقدم الکلام عليه في النسب : فان الاعم قد يراد منه الاعم باعتبار وجوده في أفراد الاخص وغير افراده کالحيوان بالقياس الى الانسان وهو المعدود في النسب. وقد يراد منه الاعم باعتبار المفهوم فقط وان کان مساويا بحسب الوجود کالناطق بالقياس الى الانسان فان مفهومه انه شيء ما له النطق من غير التفات الى کون ذلک الشيء انسانا أو لم يکن وانما يستفاد کون الناطق انسانا دائما من خارج المفهوم.
    فالناطق بحسب المفهوم أعم من الانسان وکذلک الضاحک وان کانا بحسب الوجود مساويين له ... وهکذا جميع المشتقات لا تدل على خصوصية ما تقال عليه کالصاهل بالقياس الى الفرس والباغم للغزال والصادح للبلبل والماشي للحيوان.
    واذا اتضح ذلک يظهر الجواب عن السؤال الاول لان المقصود من المحمول في الکليات الخمسة المحمول بالطبع لا مطلقا.
    2 ـ الحمل : ذاتي اولي وشايع صناعي
    واعلم ان معني الحمل هو الاتحاد بين شيئين لان معناه ان هذا ذلک. وهذا المعني کما يتطلب الاتحاد بين الشيئين يستدعي المغايرة بينهما ليکونا حسب الفرض شيئين. ولولاها لم يکن الا شيء واحد لا شيئان.
    وعليه لا بد في الحمل من اتحاد من جهة والتغاير من جهة أخري کيما يصح الحمل. ولذا لا يصح الحمل بين المتباينين اذ لا اتحاد بينهما. ولا يصح حمل

    الشيء على نفسه اذ الشيء لا يغاير نفسه.
    ثم ان هذا الاتحاد اما أن يکون في المفهوم فالمغايرة لا بد أن تکون اعتبارية. ويقصد بالحمل حينئذ ان مفهوم الموضوع هو بعينه نفس مفهوم المحمول وماهيته بعد ان يلحظا متغايرين بجهة من الجهات. مثل قولنا : (الانسان حيوان ناطق) فان مفهوم الانسان ومفهوم حيوان ناطق واحد الا ان التغاير بينهما بالاجمال والتفصيل وهذا النوع من الحمل يسمي (حملا ذاتيا اوليا).
    واما ان يکون الاتحاد في الوجود والمصداق والمغايرة بحسب المفهوم. ويرجع الحمل حينئذ الى کون الموضوع من أفراد مفهوم المحمول ومصاديقه. مثل قولنا : (الانسان حيوان) فان مفهوم انسان غير مفهوم حيوان ولکن کل ما صدق عليه الانسان صدق عليه الحيوان. وهذا النوع من الحمل يسمي (الحمل الشايع الصناعي) أو (الحمل المتعارف) لانه هو الشايع في الاستعمال المتعارف في صناعة العلوم.
    واذا اتضح هذا البيان يظهر الجواب عن السؤال الثاني أيضا لان المقصود من المحمول في باب الکليات هوالمحمول بالحمل الشايع الصناعي. وحمل الحد التام من الحمل الذاتي الاولي.
    3 ـ الحمل : مواطاه واشتقاق
    اذا قلنا : الانسان ضاحک فمثل هذا الحمل يسمي (حمل مواطاة) أو (حمل هوهو) ومعناه ان ذات الموضوع نفس المحمول. واذا شئت فقل معناه. هذا ذاک. والمواطاة معناها الاتفاق. وجميع الکليات الخمسة يحمل بعضها على بعض وعلى أفرادها بهذا الحمل.
    وعندهم نوع آخر من الحمل يسمي (حمل اشتقاق) او حمل (ذو هو) کحمل الضحک على الانسان فانه لا يصح أن تقول الانسان ضحک بل ضاحک أو ذو ضحک. وسمي حمل اشتقاق وذو هو لان هذا المحمول بدون أن يشتق منه اسم

    كالضاحك أو يضاف اليه (ذو) لا يصح حمله على موضوعه ، فيقال للمشتق كالضاحك محمولا بالمواطاة ، وللمشتق منه كالضاحك محمولا بالاشتقاق.
    والمقصود بيانه ان المحمول بالاشتقاق كالضحك والمشي والحس لا يدخل في اقسام الكليات الخمسة ، فلا يصح أن يقال : الضحك خاصة للانسان ، ولا اللون خاصة للجسم ، ولا الحس فصل للحيوان ، بل الضاحك والملون هو الخاصة ، والحساس هو الفصل ... وهكذا. واذا وقع في كلمات القوم شيء من هذا القبيل فمن التساهل في التعبير الذي قد يشوش افكار المبتدئين ، اذ ترى بعضهم يعبر بالضحك ويريد منه الضاحك. وبهذا يظهر الجواب عن السؤال الثالث.
    نعم (اللون) بالقياس الى البياض كلي وهو جنس له ، لانك تحمله عليه حمل مواطاة ، فتقول : البياض لون. اما اللون والبياض بالقياس الى الجسم فليسا من الكليات المحمولة عليه.
    العروض مناه الحمل
    6 ـ ثم لا يشتبه عليک الامر فتقول : انکم قلتم الکلي الخارج ان عرض على موضوعه فقط فهو الخاصة والا فالعرض العام. والضحک لاشک يعرض على الانسان ومختص به. فاذن يجب أن يکون خاصة. فانا نرفع هذا الاشتباه ببيان العروض المقصود به في الباب فان المراد منه هو الحمل حملا عرضيا لا ذاتيا. وعليه فالضحک لا يعرض على الانسان بهذا المعني. واذا قيل يعرض على الانسان فبمعني آخر للعروض وهو الوجود فيه. وعندهم تعبير آخر يسبب الاشتباه وهو قولهم الکلي الخارج عرض خاص وعرض عام فيطلقون العرض على الکلي الخارج ثم يقولون لمثل الضحک انه عرض. والمقصود بالعرض في التعبير الاول هو العرضي مقابل الذاتي والمقصود بالعرض في الثاني هو الموجود في الموضوع مقابل الجوهر الموجود لا في موضوع.

    ومثل اللون يسمي عرضا بالمعني الثاني لانه موجود في موضوع ولکن لا يصح أن يسمي عرضا بالمعني الاول أبدا لانه بالقياس الى الجسم لايحمل عليه حمل مواطاة وبالقياس الى ما تحته من الانواع کالسواد والبياض هو جنس لها کما تقدم فهو حينئذ ذاتي لا عرضي.
    تقسيمات العرضي
    العرضي : لازم ومفارق
    1 ـ (اللازم) ما يمتنع انفکاکه عقلا عن موضوعه کوصف (الفرد) للثلاثة و(الزوج) للاربعة و(الحارة) للنار ...
    2 ـ (المفارق) : ما (لا) يمتنع انفکاکه عقلا عن موضوعه کأوصاف الانسان المشتقة من افعاله واحواله مثل قائم وقاعد ونائم وصحيح وسقيم وما الى ذلک وان کان لا ينفک أبدا : فانک تري ان وصف العين (بالزرقاء) لا ينفک عن وجود العين ولکنه مع ذلک يعد عرضيا مفارقا لانه لو امکنت حيلة لازالة الزرقة لما امتنع ذلک وتبقي العين عينا. وهذا لا يشبه اللازم فلو قدرت حيلة لسلخ وصف الفرد عن الثلاثة لما أمکن ان تبقي الثلاثة ثلاثة ولو قدر سلخ وصف الحرارة عن النار لبطل وجود النار. وهذا معني امتناع الانفکا ک عقلا.
    اللازم : بيّن وغير بيّن
    البيّن : بيّن بالمعني الاخص وبيّن بالمعني الاعم.
    1 ـ (البين بالمعني الاخص) : ما يلزم من تصور ملزومه تصوره بلا حاجة الى توسط شيء آخر.
    2 ـ (البين بالمعني الاعم) : ما يلزم من تصوره وتصور الملزوم وتصور النسبة بينهما الجزم بالملازمة. مثل : الاثنان نصف الاربعة أو ربع الثمانية فانک اذا تصورت الاثنين قد تغفل عن انها نصف الاربعة اوربع الثمانية ولکن اذا تصورت ايضا الثمانية مثلا وتصورت النسبة بينهما تجزم انها ربعها. وکذا اذا تصورت

    الاربعة والنسبة بينهما تجزم انها نصفها ... وهکذا في نسبة الاعداد بعضها الى بعض. ومن هذا الباب لزوم وجوب المقدمة لوجوب ذي المقدمة فانک اذا تصورت وجوب الصلاة وتصورت الوضوء وتصورت النسبة بينه وبين الصلاة وهي توقف الصلاة الواجبة عليه حکمت بالملازمة بين وجوب الصلاة ووجوبه.
    وانما کان هذا القسم من البين أعم لانه لا يفرق فيه بين أن يکون تصور الملزوم کافيا في تصور اللازم وانتقال الذهن اليه وبين الا يکون کافيا بل لا بد من تصور اللازم وتصور النسبة للحکم بالملازمة. وانما يکون تصور الملزوم کافيا في تصور اللازم عندما يألف الذهن الملازمة بين الشيئين على وجه يتداعي عنده المتلازمان فاذا وجد أحدهما في الذهن وجد الآخر تبعاله فتکون الملازمة حينئذ ذهنية.
    3 ـ (غير البيّن) وهو ما يقابل البين مطلقا بأن يکون التصديق والجزم بالملازمة لا يکفي فيه تصور الطرفين والنسبة بينهما. بل يحتاج اثبات الملازمة الى اقامة الدليل عليه. مثل الحکم بان المثلث زواياه تساوي قائمتين فان الجزم بهذه الملازمة يتوقف على البرهان الهندسي ولا يکفي تصور زوايا المثلث وتصور القائمتين وتصور النسبة للحکم بالتساوي.
    والخلاصة : معني البين مطلقا ما کان لزومه بديهيا ، وغير البين ما کان لزومه نظريا.
    المفارق : دائم وسريع الزوال وبطيئه
    (الدائم) : کوصف الشمس بالمتحرکة ، ووصف العين بالزرقاء. (سريع الزوال) : کحمرة الخجل وصفرة الخوف. (بطيء الزوال) : کالشباب للانسان.
    الکلي المنطقي والطبيعي والعقلي
    اذا قيل : (الانسان کلي) مثلا فهنا ثلاثة أشياء : ذات الانسان بما هو انسان ومفهوم الکلي بما هو کلي مع عدم الالتفات الى کونه انسانا أو غير انسان والانسان

    بوصف کونه کليا. أو فقل الاشياء الثلاثة هي : ذات الموصوف مجردا ومفهوم الوصف مجردا والمجموع من الموصوف والوصف.
    1 ـ فان لا حظ العقل (والعقل قادر على هذه التصرفات) نفس ذات الموصوف بالکلي مع قطع النظر عن الوصف بأن يعتبر الانسان مثلا بما هو انسان من غير التفات الى انه کلي أو غير کلي وذلک عندما يحکم عليه بأنه حيوان ناطق ـ فانه أي ذات الموصوف بماهو عند هذه الملاحظة يسمي (الکلي الطبيعي). ويقصد به طبيعة الشيء بما هي.
    والكلي الطبيعي موجود في الخارج بوجود افراده.
    2 ـ وان لا حظ العقل مفهوم الوصف بالکلي وحده وهو أن يلاحظ مفهوم (ما لا يمتنع فرض صدقه على کثيرين) مجردا عن کل مادة مثل انسان وحيوان وحجر وغيرها فانه أي مفهوم الکلي بما هو عند هذه الملاحظة يسمي (الکلي المنطقي).
    والکلي المنطقي لا وجود له الا في العقل لا نه مما ينتزعه ويفرضه العقل فهو من المعاني الذهنية الخالصة التي لا موطن لها خارج الذهن.
    3 ـ وان لا حظ العقل المجموع من الوصف والموصوف بأن لا يلاحظ ذات الموصوف وحده مجردا بل بما هو موصوف بوصف الکلية کما يلاحظ الانسان بما هو کلي لا يمتنع صدقه على الکثير فانه أي الموصوف بما هو موصوف بالکلي يسمي (الکلي العقلي) لا نه لا وجود له الا في العقل لا تصافه بوصف عقلي فان کل موجود في الخارج لا بد أن يکون جزئيا حقيقيا.
    ونشبه هذه الاعتبارات الثلاث لا جل توضيحها بما اذا قيل : (السطح فوق) فاذا لا حظت (ذات السطح) بما يشتمل عليه من آجر وخشب ونحوهما وقصرت النظر على ذلک غير ملتفت الى انه فوق أو تحت فهو شبيه بالکلي الطبيعي. واذا لا حظت مفهوم (الفوق) وحده مجردا عن شيء هو فوق فهو شبيه بالکلي المنطقي. واذا لا حظت ذات السطح بوصف انه فوق. فهو شبيه بالکلي العقلي.

    واعلم ان جميع الکليات الخمسة واقسامها بل الجزئي أيضا تصح فيها هذه الاعتبارات الثلاثة فيقال على قياس ما تقدم : نوع طبيعي ومنطقي وعقلي وجنس طبيعي ومنطقي وعقلي ... الى آخرها.
    فالنوع الطبيعي مثل انسان بما هو انسان والنوع المنطقي هو مفهوم «تمام الحقيقة المشترکة بين الجزئيات المتکثرة بالعدد في جواب ما هو» والنوع العقلي هو مفهوم الانسان بما هو تمام الحقيقة المشترکة بين الجزئيات المتکثرة بالعدد ... وهکذا يقال في باقي الکليات وفي الجزئي أيضا.

    تمرينات
    (1) اذا قيل : التمر لذيذ الطعم مغذ من السکريات ومن أقسام مأکول الانسان بل مطلق المأکول وهو جسم جامد فيدخل في مطلق الجسم بل الجوهر فالمطلوب ان ترتب سلسلة الاجناس في هذه الکليات متصاعدا وسلسلة الانواع متنازلا. بعد التمييز بين الذاتي والعرضي. واذکر بعد ذلک اقسام الانواع الاضافية من هذه الکليات واقسام العرضيات منها.
    (2) واذا قيل : الخمر جسم مايع مسکر محرم شرعا سالب للعقل مضر بالصحة مهدم للقوي فالمطلوب أن تميز الذاتي من العرضي في هذه الکليات واستخراج سلسلة الکليات متصاعدة أو متنازلة.
    (3) واذا قيل : الحديد جسم صلب من المعادن التي تتمدد بالطرق والتي تصنع منها الآلات وتصدأ بالماء فالمطلوب تأليف سلسلة الکليات متصاعدة أو متنازلة مع حذف ما ليس من السلسلة.
    (4) اذا قسمنا الاسم الى مرفوع ومنصوب ومجرور فهذا من باب تقسيم الجنس الى أنواعه أو تقسم النوع الى أصنافه؟ اذکر ذلک مع بيان السبب.


    الباب الثالث
    المُعرّف وتلحق به القِسمة


    المقدمه :
    في مطلب ما واي وهل ولم
    اذا اعترضتک لفظة من أية لغة کانت فهنا خمس مراحل متوالية لا بد لک من اجتيازها لتحصيل المعرفة في بعضها يطلب العلم التصوري وفي بعضها الآخر العلم التصديقي.
    (المرحلة الاولي) تطلب فيها تصور معني اللفظ تصورا اجماليا فتسأل عنه سؤالا لغويا صرفا اذا لم تکن تدري لاي معني من المعاني قد وضع. والجواب يقع بلفظ آخر يدل على ذلک المعني کما اذا سألت عن معني لفظ (غضنفر) فيجاب : اسد. وعن معني (سميدع) فيجاب : سيد ... وهکذا. ويسمي مثل هذا الجواب (التعريف اللفظي). وقواميس اللغات هي المتعهدة بالتعاريف اللفظية.
    واذا تصورت معني اللفظ اجمالا فزعت نفسک الي :
    (المرحلة الثانية) اذ تطلب تصور ماهية المعني أي تطلب تفصيل ما دل عليه الاسم اجمالا. لتمييزه عن غيره في الذهن تمييزا تاما فتسأل عنه بکلمة (ما) فتقول : (..... ما هو؟)
    وهذه (ما) تسمي (الشارحة) لأنها يسأل بها عن شرح معني اللفظ. والجواب عنه يسمي (شرح الاسم) وبتعبير آخر (التعريف الاسمي). والاصل في الجواب أن يقع بجنس المعني وفصله القريبين معا ويسمي (الحد التام الاسمي). ويصح ان يجاب بالفصل وحده او بالخاصة وحدها أو باحدهما منضما الى الجنس البعيد أو بالخاصة منضمة الى الجنس القريب. وتسمي هذه الاجوبة تارة بالحد الناقص وأخري بالرسم الناقص أو التام ولکنها توصف جميعا بالاسمي. وسيأتيک تفصيل هذه الاصطلاحات.

    ولو فرض ان المسؤول اجاب خطأ بالجنس القريب وحده کما لو قول (شجرة) في جواب (ما النخلة) فان السائل لا يقنع بهذا الجواب وتتوجه نفسه الى السؤال عن مميزاتها عن غيرها فيقول : (أية شجرة هي في ذاتها) أو (أية شجرة هي في خاصتها) فيقع الجواب عن الاول بالفصل وحده فيقول : (مثمرة التمر) وعن الثاني بالخاصة فيقول : (ذات السعف) مثلا.
    وهذا هو موقع السؤال بکلمة (أي). وجوابها الفصل أو الخاصة.
    ـ واذا حصل لک العلم لشرح المعني تفزع نفسک الي :
    (المرحلة الثالثة) : وهي طلب التصديق بوجود الشيء فتسأل عنه بـ (هل) وتسمي (هل البسيطة) فتقول : هل وجد کذا أو هل هو موجود.
    (ما) الحقيقية :
    تنبيه ـ ان هاتين المرحلتين الثانية والثالثة يتعاقبان في التقدم والتأخر فقد تتقدم لثانية على حسب ما رتبناهما وهو الترتيب الذي يقتضيه الطبع وقد تتقدم الثالثة ذلک عندما يکون السائل من أول الامر عالما بوجود الشيء المسئول عنه او أنه على خلاف الطبع قدم السؤال عن وجوده فأجيب.
    وحينئذ اذا کان عالما بوجود الشيء قبل العلم بتفصيل ما اجمله اللفظ الدال عليه ثم سأل عنه بـ (ما) فان ما هذه تسمي (الحقيقية). والجواب عنها نفس الجواب عن (ما الشارحة) بلا فرق بينهما الا من جهة تقدم الشارحة على العلم بوجوده وتأخر الحقيقية عنه.
    وانما سميت حقيقية لان السؤال بهاعن الحقيقة الثابتة والحقيقة باصطلاح المناطقة هي الماهية الموجودة والجواب عنها يسمي (تعريفا حقيقيا) وهو نفسه الذي کان يسمي (تعريفا اسميا) قيل العلم بالوجود ولذا قالوا :
    «الحدود قبل الهليات البسيطة حدود اسمية وهي باعيانها بعد الهليات تنقلب حدوداً حقيقة».

    واذا حصلت لک هذه المراحل انتقلت بالطبع الي :
    (المرحلة الرابعة) : وهي طلب التصديق بثبوت صفة او حال للشيء ويسأل عنه بـ (هل) أيضا ولکن تسمي هذه (هل المرکبة) لانه يسأل بها عن ثبوت شيء لشيء بعد فرض وجوده والبسيطة يسأل بها عن ثبوت الشيء فقط فيقال للسؤال بالبسيطة مثلا : هل الله موجود. وللسؤال بالمرکبة بعد ذلک : هل الله الموجود مريد.
    فاذا اجابک المسؤول عن هل البسيطة أو المرکبة تنزع نفسک الي :
    (المرحلة الخامسة) : وهي طلب العلة : اما علة الحکم فقط أي البرهان على ما حکم به المسؤول في الجواب عن هل او علة الحکم وعلة الوجود معا لتعرف السبب في حصول ذلک الشيء واقعا. ويسأل لاجل کل من الغرضين بکلمة (لم) الاستقهامية فتقول لطلب علة الحکم مثلا : (لم کان الله مريدا). وتقول مثلا لطلب علة الحکم وعلة الوجود معا : (لم کان المغناطيس جاذبا للحديد؟) کما لو کنت قد سألت : عل المغناطيس جاذب للحديد؟ فأجاب المسؤول بنعم فان حقک ان تسأل ثانيا عن العلة فتقول (لم).
    تلخيص وتعقيب
    ظهر مما تقدم أن :
    (ما) لطلب تصور ماهية الشيء. وتنقسم الى الشارحة والحقيقية. ويشتق منها مصدر صناعي فيقال : (مائية). ومعناه الجواب عن ما. کما ان (ماهية) مصدر صناعي من (ما هو).
    و(أي) لطلب تمييز الشيء عما يشارکه في الجنس تمييزا ذاتيا أو عرضيا بعد العلم بجنسه.
    و(هل) تنقسم الى «بسيطة» ويطلب بها التصديق بوجود الشيء أو عدمه و«مرکبة» ويطلب بها التصديق بثبوت شيء لشيء أو عدمه ويشتق منها مصدر

    صناعي فيقال : (الهلية) البسيطة او المرکبة.
    و(لم) يطلب بها تارة علة التصديق فقط وأخري علة التصديق والوجود معا. ويشتق منها مصدر صناعي فيقال (لميّة) بتشديد الميم والياء. مثل (کمية) من (کم) الاستفهامية. فمعني لميّة الشيء. عليّته
    فروع المطالب
    ما تقدم هي أصول المطالب التي يسأل عنها بتلک الادوات وهي المطالب الکلية التي يبحث عنها في جميع العلوم. وهناک مطالب أخري يسأل عنها بکيف واين ومتي وکم ومن. وهي مطالب جزئية أي انها ليست من أمهات المسائل بالقياس الى المطالب الاولي لعدم عموم فائدتها فان ما لا کيفية له مثلا لا يسأل عنه بکيف وما لا مکان له أو زمان لا يسأل عنه بأين ومتي. على انه يجوز ان يستغني عنها غالبا بمطلب هل المرکبة فبدلا عن ان تقول مثلا : (کيف لو ورق الکتاب؟ واين هو؟ ومتي طبع؟ ..) تقول : (هل ورق الکتاب البيض؟ وهل هو في المکتبة؟ وهل طبع هذا العام؟ ..) وهکذا. ولذا وصفوا هذه المطالب بالفروع وتلک بالاصول.

    التعريف
    تمهيد :
    کثيراً ما تقع المنازعات في المسائل العلمية وغيرها حتي السياسية لاجل الاجمال في مفاهيم الالفاظ التي يستعملونها فيضطرب حبل التفاهم لعدم اتفاق المتنازعين على حدود معني اللفظ فيذهب کل فرد منهم الى ما يختلج في خاطره من المعني. وقد لا تکون لأحدهم صورة واضحة للمعني مرسومة بالضبط في لوحة ذهنه فيقنع لتساهله أو لقصور مدارکه بالصورة المطموسة المضطربة ويبني عليها منطقه المزيف.
    وقد يتبع الجدليون والساسة عن عمد وحيلة ألفاظاً خلابة غير محدودة المعني بحدود واضحة يستغلون جمالها وابهامها للتأثير على الجمهور وليترکوا کل واحد يفکر فيها بما شاءت له خواطره الخاطئة أو الصحيحة فيبقي معني الکلمة بين أفکار الناس کالبحر المضطرب. ولهذا تأثير سحري عجيب في الافکار.
    ومن هذه الالفاظ کلمة (الحرية) التي أخذت مفعولها من الثورة الفرنسية واحداث الانقلابات الجبارة في الدولة العثمانية والفارسية والتأثير کله لاجمالها وجمالها السطحي الفاتن والا فلا يستطيع العلم أن يحدها بحد معقول يتفق عليه
    ومثلها کلمة (الوطن) الخلابة التي استغلها ساسة الغرب لتمزيق بعض الدول الکبري کالدولة العثمانية. وربما يتعذر على الباحث أن يعرف أثنين کانا يتفقان على معني واحد واضح کل الاتفاق يوم ظهور هذه الکلمة في قاموس النهضة الحديثة : فما هي مميزات الوطن؟ أهي اللغة أم لهجتها ام اللباس ام مساحة الارض ام اسم القطر والبلد؟ بل کل هذا غير مفهوم حتي الآن على وجه تتفق عليه جميع الناس والامم. ومع ذلک نجد کل واحد منا في البلاد العربية يدافع عن وطنه فلماذا لاتکون البلاد العربية أو البلاد الاسلامية کلها وطناً واحداً؟

    فمن الواجب على من أراد الاشتغال بالحقائق لئلا يرتطم هو والمشتغل معه في المشاکل أن يفرغ مفردات مقاصده في قالب سهل من التحديد والشرح فيحفظ ما يدور في خلده من المعني في آنية من الالفاظ وافية به لا تفيض عليها جوانبها لينقله الى ذهن السامع أو القاريء کما کان مخزوناً في ذهنه بالضبط. وعلى هذا الاساس المتين يبني التفکير السليم.
    ولأجل أن يتغلب الانسان على قلمه ولسانه وتفکيره لا بد له من معرفة اقسام التعريف وشروطه وأصوله وقواعده ليستطيع أن يحتفظ في ذهنه بالصور الواضحة للاشياء اولاً وان ينقلها الى أفکاره غير صحيحة ثانياً ... فهذه حاجتنا لمباحث التعريف.
    اقسام التعريف
    التعريف حد ورسم
    الحد والرسمتام وناقص.
    سبق ان ذکرنا (التعريف اللفظي). ولا يهمنا البحث عنه في هذا العلم لانه لا
    ينفع الا لمعرفة وضع اللفظ لمعناه فلا يستحق اسم التعريف الا من باب المجاز والتوسع. وانما غرض المنطقي من (التعريف) هو المعلوم التصوري الموصل الى مجهول تصوري الواقع جواباً عن (ما) الشارحة أو الحقيقية. ويقسم الى حد ورسم وکل منهما الى تام وناقص.
    1 ـ الحد التام
    وهو التعريف بجميع ذاتيات المعرّف (بالفتح) ويقع بالجنس والفصل القريبين لاشتمالهما على جميع ذاتيات المعرف فاذا قيل : ما الانسان؟
    فيجوز أن تجيب أولاً بأنه : (حيوان ناطق). وهذا حد تام فيه تفصيل ما أجمله اسم الانسان ويشتمل على جميع ذاتياته لأن مفهوم الحيوان ينطوي فيه

    الجوهر والجسم النامي والحساس المتحرک بالارادة. وکل هذه اجزاء وذاتيات للانسان.
    ويجوز أن تجيب ثانياً بأنه : (جسم نام حساس متحرک بالارادة ناطق). وهذا حد تام أيضاً للانسان عين الاول في المفهوم الا انه أکثر تفصيلاً لانک وضعت مکان کلمة (حيوان) حده التام. وهذا تطويل وفضول لا حاجة اليه الا اذا کانت ماهية الحيوان مجهولة للسائل فيجب.
    ويجوز أن تجيب ثالثاً بأنه : (جوهر قابل للابعاد الثلاثة نام حساس متحرک بالارادة ناطق) فتضع مکان کلمة (جسم) حده التام فضولاً الا اذا کانت ماهية الحيوان مجهولة للسائل فيجب.
    وهکذا اذا کان الجوهر مجهولاً تضع مکان حده التام ان وجد حتي ينتهي الامر الى المفاهيم البديهية الغنية عن التعريف کمفهوم الموجود والشيء ... وقد ظهر من هذا البيان :
    أولاً ان الجنس والفصل القريبين تنطوي فيهما جميع ذاتيات المعرف لا يشذ منها جزء أبداً ولذا سمي الحد بهما (تاماً).
    وثانياً ان لا فرق في المفهوم بين الحدود التامة المطولة والمختصرة الا ان المطولة أکثر تفصيلاً. فيکون التعريف بها واجباً تارة وفضولاً أخري.
    وثالثاً ان الحد التام يساوي المحدود في المفهوم کالمترادفين فيقوم مقام الاسم بأن يفيد فائدته ويدل على ما يدل عليه الاسم اجمالاً.
    ورابعاً ان الحد التام يدل على المحدود بالمطابقة
    2 ـ الحد الناقص
    وهو التعريف ببعض ذاتيات المعرّف (بالفتح) ولابد أن يشتمل على الفصل القريب على الاقل. ولذا سمي (ناقصاً). وهو يقع تارة بالجنس البعيد والفصل القريب وأخري بالفصل وحده.

    مثال الاول تقول لتحديد الانسان : (جسم نام ... ناطق) ، ، فقد نقصت من الحد التام المذکور في الجواب الثاني المتقدم صفة (حساس متحرک بالارادة) وهي فصل الحيوان وقد وقع النقص مکان النقط بين جسم نام وبين ناطق فلم يکمل فيه مفهوم الانسان.
    ومثال الثاني تقول لتحديد الانسان أيضاً : (... ناطق) فقد نقصت من الحد التام الجنس القريب کله. فهو أکثر نقصاناً من الاول کما تري ... وقد ظهر من هذا البيان :
    أولاً ان الحد الناقص لا يساوي المحدود في المفهوم لانه يشتمل على بعض اجزاء مفهومه. ولکنه يساويه في المصداق.
    وثانياً ان الحد الناقص لا يعطي للنفس صورة ذهنية کاملة للمحدود مطلقة له کما کان الحد التام فلا يکون تصوره تصوراً للمحدود بحقيقته بل أکثر ما يفيد تمييزه عن جميع ما عداه تمييزاً ذاتياً فحسب.
    وثالثاً انه لا يدل على المحدود بالمطابقة بل بالالتزام لانه من باب دلالة الجزء المختص على الکل.
    3 ـ الرسم التام
    وهو التعريف بالجنس والخاصة کتعريف الانسان بانه (حيوان ضاحک) فاشتمل على الذاتي والعرضي. ولذا سمي (تاماً).
    4 ـ الرسم الناقص
    وهو التعريف بالخاصة وحدها کتعريف الانسان بأنه (ضاحک) فاشتمل على العرضي فقط فکان (ناقصاً).
    وقيل : ان التعريف بالجنس البعيد والخاصة معدود من الرسم الناقص فيختص التام بالمؤلف من الجنس القريب والخاصة فقط.

    ولا يخفي ان الرسم مطلقاً کالحد الناقص لايفيد الا تمييز المعرّف (بالفتح) عن جميع ما عداه فحسب الا انه يميزه تمييزاً عرضياً. ولا يساويه الا في المصداق لا في المفهوم. ولا يدل عليه الا بالالتزام. کل هذا ظاهر مما قدمناه.
    انارة
    ان الاصل في التعريف هوالحد التام لان المقصود الاصلي من التعريف أمران : (الاول) تصور المعرّف (بالفتح) بحقيقته لتتکون له في النفس صورة تفصيلية واضحة. و(الثاني) تمييزه في الذهن عن غيره تمييزاً تاماً. ولا يؤدّي هذان الامران الا التام. واذ يتعذر الامر الاول يکتفي بالثاني. ويتکفل به الحد الناقص والرسم بقسميه. والاّ قدم تمييزه تمييزاً ذاتياً ويؤدي ذلک بالحد الناقص فهو اولي من الرسم. والرسم التام اولي من الناقص.
    الا ان المعروف عند العلماء ان الاطلاع على حقائق الاشياء وفصولها من الامور المستحيلة أو المتعذرة. وکل ما يذکر من الفصول فانما هي خواص لازمة تکشف عن الفصول الحقيقية. فالتعاريف الموجودة بين أيدينا اکثرها او کلها رسوم تشبه الحدود.
    فعلي من أراد التعريف أن يختار الخاصة اللازمة البينة بالمعني الاخص لانها ادل على حقيقة المعرف واشبه بالفصل. وهذا انفع الرسوم في تعريف الاشياء. وبعده في المنزلة التعريف بالخاصة اللازمة البينة بالمعني الاعم. أما التعريف بالخاصة الخفية غير البينة فانها لا تفيد تعريف الشيء لکل أحد فاذا عرفنا المثلث بانه (شکل زواياه تساوي قائمتين) فانک لم تعرفه الا للهندسي المستغني عنه.

    التعريف بالمثال
    و
    الطريقة الاستقرائية
    کثيراً ما نجد العلماء لا سيما علماء الادب يستعينون على تعريف الشيء بذکر احد أفراده ومصاديقه مثالاً له. وهذا ما نسميه (التعريف بالمثال) وهو أقرب الى عقول المبتدئين في فهم الاشياء وتمييزها.
    ومن نوع التعريف بالمثال (الطريقة الاستقرائية) المعريفة في هذا العصر التي يدعو لها علماء التربية ، لتفهيم الناشئة وترسيخ القواعد والمعاني الکلية في افکارهم.
    وهي : ان يکثر المؤلف أو المدرس قبل بيان التعريف أو القاعدة. وبعدئذ تعطي له النتيجة بعبارة واضحة ليطابق بين ما يستنبط هو وبين ما يعطي له بالاخير من نتيجة.
    والتعريف بالمثال ليس قسماً خامساً للتعريف بل هو من التعريف بالخاصة ، لان المثال مما يختص بذلک المفهوم ، فيرجع الى (الرسم الناقص). وعليه يجوز أن يکتفي به في التعريف من دون ذکر التعريف المستنبط اذا کان المثال وافياً بخصوصيات الممثل له.
    التعريف بالتشبيه
    مما يلحق بالتعريف بالمثال ويدخل في الرسم الناقص أيضاً (التعريف بالتشبيه). وهو أن يشبه الشيء المقصود تعريفه بشيء آخر لجهة شبه بينهما ، على شرط أن يکون المشبه به معلوماً عند المخاطب بأن له جهة الشبه هذه
    ومثاله تشبيه الوجود بالنور ، وجهة الشبه بينهما ان کلاً منهما ظاهر بنفسه مظهر لغيره.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3303
    نقاط : 4992
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ---المنطق ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ---المنطق ج1   ---المنطق ج1 Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 5:59 am

    وهذا النوع من التعريف ينفع کثيراً في المعقولات الصرفة عند ما يراد تقريبها الى الطالب بتشبيهها بالمحسوسات ، لان المحسوسات الى الاذهان أقرب ولتصورها آلف. وقد سبق منا تشبيه کل من النسب الاربع بأمر محسوس تقريباً لها ، فمن ذلک تشبيه التباينين بالخطين المتوازيين لانهما لا يلتقيان أبداً. ومن هذا الباب المثال المتقدم وهو تشبيه الوجود بالنور ، ومنه تشبيه التصور الآلي (کتصور اللفظ آلة لتصور المعني) بالنظر الى المرآة بقصد النظر الى الصورة المنطبعة فيها.
    شروط التعريف
    الغرض من التعريف على ما قدمنا تفهيم مفهوم المعرف (بالفتح) وتمييزه عما عداه. ولا يحصل هذا الغرض الا بشروط خمسة :
    الاول ـ أن يکون المعرف (بالکسر) مساوياً للمعرف (بالفتح) في الصدق أي يجب ان يکون المعرف (بالکسر) مانعاً جامعاً. وان شئت قلت (مطرداً منعکساً).
    ومعني مانع أو مطرد انه لا يشمل الا أفراد المعرف (بالفتح) ، فيمنع من دخول افراد غيره فيه. ومعني جامع او منعکس انه يشمل جميع افراد العرف (بالفتح) لا يشذ منها فرد واحد.
    فعلي هذا لا يجوز التعريف بالامور الآتية :
    1 ـ بالاعم : لان الاعم لا يکون مانعاً ، کتعريف الإنسان بانه حيوان يمشي على رجلين ، فان جملة من الحيوانات تمشي على رجلين.
    2 ـ بالاخص : لان الاخص لا يکون جامعاً ، کتعريف الإنسان بانه حيوان متعلم ، فانه ليس کلما صدق عليه الانسان هو متعلم.
    3 ـ بالمباين : لان التباينين لا يصح حمل احدهما على الآخر ، ولا يتصادقان أبدا.
    الثاني ـ ان يکون المعرف (بالکسر) أجلي مفهوما واعرف عند المخاطب من

    المعرف (بالفتح). والا فلا يتم الغرض مفهومه ، فلا يجوز على هذا التعريف بالامرين الآتيين :
    1 ـ بالمساوي في الظهور والخفاء ، کتعريف الفرد بانه عدد ينقص عن الزوج بواحد ، فان الزوج ليس اوضح من الفرد ولا اخفي ، بل هما متساويان في المعرفة. کتعريف أحد المتضايفين بالآخر ، وانت انما تتعقلهما معا ، کتعريف الاب بانه والد الابن. وکتعريف الفوق بانه ليس بتحت ...
    2 ـ بالاخفي معرفة ، کتعريف النور بأنه قوة تشبه الوجود
    الثالث ـ الا يکون المعرف (بالکسر) عين المعرف (بالفتح) في المفهوم ، کتعريف الحرکة بالانتقال والانسان بالبشر تعريفاً حقيقياً غير لفظي ، بل يجب تغاير هما اما بالاجمال والتفصيل کما في الحد التام او بالمفهوم کما في التعريف بغيره.
    ولو صح التعريف بعين المعرف لوجب أن يکون معلوماً قبل أن يکون معلوماً ، وللزم ان يتوقف الشيء على نفسه. وهذا محال. ويسمون مثل هذا نتيجة الدور الذي سيأتي بيانه.
    الرابع ـ ان يکون خالياً من الدور. وصورة الدور في العريف : أن يکون المعرف (بالکسر) مجهولاً في نفسه ولا يعرف الا بالمعرف (بالفتح) ، فبينما ان المقصود من التعريف هو تفهيم المعرف (بالفتح) بواسطة المعرف (بالکسر) ، واذا بالمعرف (بالکسر) في الوقت نفسه انما يفهم بواسطة المعرف (بالفتح) ، فينقلب المعرف (بالفتح) معرفاً (بالکسر).
    وهذا محال ، لانه يؤول الى أن يکون الشيء معلوما ً قبل أن يکون معلوماً ، او الى أن يتوقف الشيء على نفسه.
    والدور يقع تارة بمرتبة واحدة ويسمي (دوراً مصرحاً) ، ويقع أخري بمرتبتين أو أکثر ويسمي (دوراً مضمراً) :
    1 ـ (الدور المصرح) مثل : تعريف الشمس بانها (کوکب يطلع في النهار).

    والنهار لا يعرف الا باشمس اذ يقال في تعريف : (النهار : زمان تطلع فيه الشمس) فتوقفت معرفة الشمس على معرفة النهار ، ومعرفة انهار حسب الفرض متوقفة على معرفة الشمس. والمتوقف على المتوقف على شيء متوقف على ذلک الشيء ، فينتهي الامر بالاخير الى أن تکون معرفة الشمس متوقفة على معرفة الشمس
    2 ـ (الدور المضمر) مثل : تعريف الاثنين بانهما زوج اول. والزوج يعرف بانه منقسم بمتساويين. والمتساويان يعرفان بانهما شيئان احدهما يطابق الآخر. والشيئان يعرفان بانهما اثنان. فرجع الامر بالاخير الى تعريف الاثنين بالاثنين.
    وهذا دور مضمر في ثلاث مراتب لان تعدد المراتب باعتبار تعدد الوسائط حتي تنتهي الدورة الى نفس المعرّف (بالفتح) الاول. والوسائط في هذا المثال ثلاث : الزوج المتساويان الشيئان.
    ويمکن وضع الدور في المثال على صورة الدائرة المرسومة في هذا الشکل :
    ـ والسهام فيها تتجه دائماً
    الى المعرّفات (بالکسر)

    الخامس ـ أن تکون الالفاظ المستعملة في التعريف ناصعة واضحة لا ابهام فيها فلا يصح استعمال الالفاظ الوحشية والغريبة ولا الغامضة ولا المشترکة والمجازات بدون القرينة أما مع القرينة فلا بأس کما قدمنا ذلک في بحث المشترک والمجاز. وان کان يحسن على کل حال اجتناب المجاز في التعاريف والاساليب العلمية.

    القسمة (*)
    تعريفها
    قسمة الشيء : تجزئته وتفريقه الى أمور متباينة. وهي من المعاني البديهية الغنية عن التعريف وما ذکرناه فانما هو تعريف لفظي ليس الا. ويسمي الشيء (مقسّماً) وکل واحد من الامور التي انقسم اليها (قسماً) تارة بالقياس الى نفس المقسم و(قسيماً) أخري بالقياس الى غيره من الاقسام. فاذا قسمنا العلم الى تصور وتصديق مثلاً فالعلم مقسم والتصور قسم من العلم وقسيم للتصديقو وهکذا التصديق قسم وقسيم.
    فائدتها
    تأسست حياة الانسان کلها على القسمة وهي من الامور الفطرية التي نشأت معه على الارض : فان اول شيء يصنعه تقسيم الاشياء الى سماوية وارضية والموجودات الارضية الى حيوانات واشجار وانهار واحجار وجبال ورمال وغيرها. وهکذا يقسم ويقسم ويميز معني عن معني ونوعاً عن نوع. حتي تحصل له مجموعة من المعاني والمفاهيم ... وما زال البشر على ذلک حتي استطاع أن يضع لکل واحد من المعاني التي توصل اليها في التقسيم لفظاً من الالفاظ. ولولا القسمة لما تکثرت عنده المعاني ولا الالفاظ.
    ثم استعان بالعلوم والفنون على تدقيق تلک الانواع وتمييزاً ذاتياً. ولا يزال العلم عند الانسان يکشف له کثيراً من الخطأ في تقسيماته وتنويعاته فيعدّلها.
    __________________
    (*) القسمة من المباحث التي عني بها المناطقة في العصر الحديث ، وظن انها من المباحث التي تفتق عنها الفكر الغربي. غير أن فلاسفة الاسلام سبقوا الى التنبيه عليها ، وقد ذكرها الشيخ الطوسي العظيم في منطق التجريد لتحصيل الحدود واكتسابها ، وأوضحها العلامة الحلي في شرحه (الجوهر النضيد).

    ويکشف له أنواعاً لم يکن قد عرفها في الموجودات الطبيعية أو الامور التي يخترعها منها ويؤلفها أو مسائل العلوم والفنون.
    وسيأتي کيف نستعين بالقسمة على تحصيل الحدود والرسوم وکسبها بل کل حد انما هو مؤسس من أول الامر لعي القسمة. وهذا أهم فوائد القسمة.
    وتنفع القسمة في تدوين العلوم والفنون لتجعلها أبواباً وفصولاً ومسائل متميزة ليستطيح الباحث أن يلحق ما يعرض عليه من القضايا في بابها بل العلم لا يکون علماً ذا أبواب ومسائل واحکام الا بالقسمة : فمدون علم النحو مثلاً لا بد أن يقسم الکلمة اولاً ثم يقسم الاسم مثلاً الى نکرة ومعرفة الى أقسامها ويقسم الفعل الى ماض ومضارع وأمر وکذلک الحرف واقسام کل واحد منها ويذکر لکل قسم حکمه المختص به ... وهکذا في جميع العلوم.
    والتاجر ـ أيضاً يلتجيء الى القسمة في تسجيل دفتره وتصنيف أمواله ليسهل عليه استخراج حساباته ومعرفة ربحه وخسارته. وکذلک باني البيت ومرکب الادوات الدقيقة يستعين على اتقان عمله بالقسمة. والناس من القديم قسموا الزمن الى قرون وسنين واشهر وايام وساعات ودقائق لينتفعوا باواقاتهم ويعرفوا اعمارهم وتاريخهم.
    وصاحب المکتبة تنفعه قسمتها حسب العلوم أو المؤلفين ليدخل أي کتاب جديد يأتيه في بابه وليستخرج بسهولة أي کتاب يشاء. وبواسطة القسمة استعان علماء التربية على توجيه طلاب العلوم فقسموا المدارس الى ابتدائية وثانوية وعالية ثم کل مدرسة الى صفوف ليضعوا لکل صف ومدرسة منهاجاً يناسبه من التعليم.
    وهکذا تدخل القسمة في کل شأن من شؤون حياتنا العلمية والاعتيادية ولا يستغني عنها انسان. ومهمتنا منها هنا ان نعرف کيف نستعين بها على تحصيل الحدود والرسوم.

    اصول القسمة
    1 ـ لا بد من ثمرة
    لا تحسن القسمة الا اذا کان للتقسيم ثمرة نافعة في غرض المقسم بأن تختلف الاقسام في المميزات والاحکام المقصودة في موضع القسمة : فاذا قسم النحوي الفعل الى اقسامه الثلاثة فلان لکل قسم حکماً يختص به. أما اذا أراد ان يقسم الفعل الماضي الى مضموم العين ومفتوحها ومکسورها فلا يحسن منه ذلک لان الاقسام کلها لها حکم واحد في علم النحو هو البناء فيکون التقسيم عبثاً ولغواً بخلاف مدون علم الصرف فانه يصح له مثل هذا التقسيم لانتفاعه به في غرضه من تصريف الکلمة.
    ولذا لم نقسم نحن الدلالتين العقلية والطبعية في الباب الاول الى لفظية وغير لفظية لانه لا ثمرة ترجي من هذا التقسيم في غرض المنطقي کما أشرنا الى ذلک هناک في التعليقة
    2 ـ لا بد من تباين الاقسام
    ولا تصح القسمة الا اذا کانت الاقسام متباينة غير متداخلة لا يصدق احدها على ما صدق عليه الآخر ويشير الى هذا الاصل تعريف القسمة نفسه : فاذا قسمت المنصوب من الاسماء الي : مفعول وحال وتمييز وظرف فهذا التقسيم باطل لان الظرف من اقسام المفعول فلا يکون قسيماً له. ومثل هذا ما يقولون عنه : «يلزم منه أن يکون قسم الشيء قسيماً له». وبطلانه من البديهيات.
    ومثل هذا لو قسمنا سکان العراق الى علماء وجهلاء واغنياء وفقراء ومرضي واصحاء. ويقع مثل هذا التقسيم کثيراً لغير المنطقيين الغافلين ممن يرسل الکلام على عواهنه ولکنه لا ينطبق على هذا الاصل الذي قررناه لان الاغنياء والفقراء لابد أن يکونوا علماء أو جهلاء مرضي أو اصحاء فلا يصح ادخالهم مرة ثانية في قسم آخر. وفي المثال ثلاث قسمات جمعت في قسمة واحدة. والاصل في مثل هذا أن تقسم السکان اولاً الى علماء وجهلاء ثم کل منهما الى اغنياء وفقراء فتحدث

    أربعة اقسام ثم کل من الاربعة الى مرضي واصحاء فتکون الاقسام ثمانية : علماء اغنياء مرضي علماء اغنياء اصحاء ... الى آخره. فتفطن لما يرد عليک من القسمة لئلا تقع في مثل هذه الغلطات.
    ويتفرع على هذا الاصل أمور :
    1 ـ انه لا يجوز أن تجعل قسم الشيء قسيما له کما تقدم مثل أن تجعل الظرف قسيماً للمفعول.
    2 ـ ولا يجوز أن تجعل قسيم الشيء قسماً منه مثل أن تجعل الحال قسماً من المفعول.
    3 ـ ولا يجوز أن تقسم الشيء الى نفسه وغيره.
    وقد زعم بعضهم ان تقسيم العلم الى التصور والتصديق من هذا الباب لما رأي انهم يفسرون العلم بالتصور المطلق ولم يتفطن الى معني التصديق مع انه تصور أيضاً ولکنه تصور مقيد بالحکم کما ان قسيمه خصوص التصور الساذج المقيد بعدم الحکم. کما شرحناه سابقاً. اما المقسم لهما فهو التصور المطلق الذي هو نفس العلم.
    3 ـ أساس القسمة
    ويجب ان تؤسس القسمة على أساس واحد أي يجب ان يلاحظ في المقسم جهة واحدة وباعتبارها يکون التقسيم فاذا قسمنا کتب المکتبة فلا بد أن نؤسس تقسيمها اما على أساس العلوم والفنون او على اسماء المؤلفين او على اسماء الکتب. اما اذا خلطنا بينها فالاقسام تتداخل ويختل نظام الکتب مثل ما اذا خلطنا بين اسماء الکتب والمؤلفين فنلاحظ في حرف الالف مثلاً تارة اسم الکتاب وأخري اسم المؤلف بينما ان کتابه قد يدخل في حرف آخر.
    والشيء الواحد قد يکون مقسماً لعدة تقسيمات باعتبار اختلاف الجهة المعتبرة أي (اساس القسمة) کما قسمنا اللفظ مرة الى مختص وغيره وأخري الى مترادف ومتباين وثالثة الى مفرد ومرکب وکما قسمنا الفصل الى قريب وبعيد مرة والى مقوم ومقسم أخري ... ومثله کثير في العلوم وغيرها.

    4 ـ جامعة مانعة
    ويجب في القسمة أن يکون مجموع الاقسام مساوياً للمقسم فتکون جامعة مانعة : جامعة لجميع ما يمکن أن يدخل فيه من الاقسام أي حاصرة لها لا يشذ منها شيء مانعة عن دخول غير اقسامه فيه

    أنواع القسمة
    للقسمة نوعان اساسيان.
    1 ـ قسمة الکل الى أجزائه أو (القسمة الطبيعية).
    کقسمة الانسان الى جزئية : الحيوان والناطق بحسب التحليل العقلي اذ يحلل العقل مفهوم الانسان الى مفهومين : مفهوم الجنس الذي يشترک معه به غيره ومفهوم الفصل الذي يختص به ويکون به الانسان انساناً. وسيأتي معني التحليل العقلي مفصلاً. وتسمي الاجزاء حينئذ أجزاء عقلية.
    وکقسمة الماء الى عنصرين : الاکسجين والهيدروجين بحسب التحليل الطبيعي. ومن هذا الباب قسمة کل موجود الى عناصره الاولية البسيطة وتسمي الاجزاء طبيعية او عنصرية.
    وکقسمة الحبر الى ماء ومادة ملونة مثلاً والورق الى قطن ونورة والزجاج الى رمل وثاني اکسيد السلکون. وذلک بحسب التحليل الصناعي في مقابل الترکيب الصناعي. والاجزاء تسمي اجزاء صناعية.
    وکقسمة المتر الى أجزائه بحسب التحليل الخارجي الى الاجزاء المتشابهة أو کقسمة السرير الى الخشب والمسامير بحسب التحليل الخارجي الى الاجزاء غير المتشابهة. ومثله قسمة البيت الى الآجر والجص والخشب والحديد أو الى الغرفة والسرداب والسطح والساحة وقسمة السيارة الى آلاتها المرکبة منها والانسان الى لحم ودم وعظم وجلد واعصاب ...
    2 ـ قسمة الکلي الى جزئياته (القسمة المنطقية).
    کقسمة الموجود الى مادة ومجرد عن المادة والمادة الى جماد ونبات وحيوان

    وکقسمة المفرد الى اسم وفعل وحرف ... وهکذا. وتمتاز القسمة المنطقية عن الطبيعية ان الاقسام في المنطقية يجوز حملها على المقسم وحمل المقسم عليها فنقول : الاسم مفرد وهذا المفرد اسم. ولا يجوز الحمل في الطبيعية عدا ما کانت بحسب التحليل العقلي فلا يجوز أن تقول البيت سقف أو جدار ولا الجدار بيت.
    ولا بد في القسمة المنطقية من فرض جهة وحدة جامعة في المقسم تشترک فيها الاقسام وبسببها يصح الحمل بين المقسم والاقسام کما لا بد من فرض جهة افتراق في الاقسام على وجه يکون لکل قسم جهة تباين جهة القسم الآخر والا لما صحت القسمة وفرض الاقسام. وتلک الجهة الجامعة اما ان تکون مقومة للاقسام أي داخلة في حقيقتها بان کانت جنساً أو نوعاً واما أن تکون خارجة عنها
    1 ـ اذا کانت الجهة الجامعة مقومة للاقسام فلها ثلاث صور :
    أ ـ ان تکون جنساً وجهات الافتراق الفصول المقومة للاقسام کقسمة المفرد الى الاسم والفعل والحرف ... فيسمي التقسيم (تنويعاً) والاقسام أنواعاً.
    ب ـ ان تکون جنساً أو نوعاً وجهات الافتراق العوارض العامة اللاحقة للمقسم کقسمة الاسم الى موفوع ومنصوب ومجرور فيسمي التقسيم (تصنيفاً) والاقسام اصنافاً.
    ج ـ ان تکون جنساً أو نوعاً أو صنفاً وجهات الافتراق العوارض الشخصية اللاحقة لمصاديق المقسم فيسمي التقسيم (تفريداً) والاقسام أفراداً کقسمة الانسان الى زيد وعمرو ومحمد وحسن ... الى آخرهم باعتبار المشخصات لکل جزئي جزئي منه.
    2 ـ اذا کانت الجهة الجامعة خارجة عن الاقسام فهي کقسمة الابيض الى
    الثلج والقطن وغيرهما وکقسمة الکائن الفاسد الى معدن ونبات وحيوان وکقسمة العالم الى غني وفقير أو الى شرقي وغربي ... وهکذا.
    أساليب القسمة
    لأجل أن نقسم الشيء قسمة صحيحة لا بد من استيفاء جميع ما له من

    الاقسام کما تقدم في الاصل الرابع بمعني أن تکون القسمة حاصرة لجميع جزئياته أو اجزائه. ولذلک أسلوبان :
    1 ـ طريقة القسمة الثنائية
    وهي طريقة الترديد بين النفي والاثبات والنفي والاثبات (وهما النقيضان) لا يرتفعان أي لا يکون لهما قسم ثالث ولا يجتمعان أي لا يکونان قسماً واحداً فلا محالة تکون هذه القسمة ثنائية أي ليس لها أکثر من قسمين وتکون حاصرة جامعة مانعة کتقسيمنا للحيوان الى ناطق وغير ناطق. وغير الناطق يدخل فيه کل ما يفرض من باقي أنواع الحيوان غير الانسان لا يشذ عنه نوع وکتقسيمنا للطيور الى جارحة وغير جارحة والانسان الى عربي وغير عربي والعالم الى فقيه وغير فقيه ... وهکذا.
    ثم يمکن أن نستمر في القسمة فنقسم طرف النفي أو طرف الاثبات او کليهما الى طرفين اثبات ونفي ثم هذه الاطراف الاخيرة يجوز أن تجعلها أيضاً مقسماً فتقسمها أيضاً بين الاثبات والنفي ... وهکذا تذهب الى ما شئت ان تقسم اذا کانت هناک ثمرة من التقسيم.
    مثلاً اذا اردت تقسيم الکلمة فتقول :
    1 ـ الکلمة تنقسم الي : ما دل على الذات وغيره
    2 ـ طرف النفي (الغير) الي : ما دل على الزمان وغيره
    فتحصل لنا ثلاثة اقسام : ما دل على الذات وهو (الاسم) وما دل على الزمان وهو (الفعل) وما لم يدل على الذات والزمان وهو (الحرف) والتعبير المألوف عند المؤلفين أن يقال : «الکلمة اما أن تدل على الذات أولا والاول الاسم والثاني اما ان تدل على الزمان أو لا والاول الفعل والثاني الحرف». ويمکن وضع هذه القسمة على هذا النحو :

    (مثال ثان) اذا أرادنا تقسيم الجوهر الى أنواعه فيمکن تقسيمه على هذا النحو :
    ينقسم :
    1 ـ الجوهر الي : ما يکون قابلاً للابعاد وغيره
    2 ـ ثم طرف الاثبات (القابل) الي : نام وغيره
    3 ـ ثم طرف النفي (غير النامي) الي : جامدوغيره
    4 ـ ثم طرف الاثبات في التقسيم (2) الي : حساس وغيره
    وهکذا يمکن أن تستمر بالقسمة حتي تستوفي اقسام الحساس الى جميع أنواع الحيوان. ولک أيضا ان تقسم الجامد وغير الحساس. وقد رأيت انا قسمنا تارة طرف الاثبات وأخري طرف النفي. ويمکن وضع هذه القسمة على هذا النحو :

    وهذه القسمة الثنائية تنفع على الاکثر في الشيء الذي لا تنحصر اقسامه وان کانت مطولة لانک تستطيع بها أن تحصر کل ما يکمن أن يفرض من الانواع أو الاصناف بکلمة (غيره) ففي المثال الاخير تري (غير الناهق) يدخل فيه جميع ما للحيوان من الانواع غير الناطقة والصاهلة والناهقة فاستطعت أن تحصر کل ما للحيوان من أنواع.
    وتنفع هذه القسمة أيضاً فيما اذا اريد حصر الاقسام حصراً عقلياً کما يأتي وتنفع أيضاً في تحصيل الحد والرسم. وسيأتي بيان ذلک.
    2 ـ طريقة القسمة التفصيلية
    وذلک بأن تقسم الشيء التداء الى جميع اقسامه المحصورة کما لو أردت أن تقسم الکلي الي : نوع وجنس وفصل وخاصة وعرض عام.
    والقسمة التفصيلية على نوعين عقلية واستقرائية :
    1 ـ (العقلية) : وهي التي يمنع العقل أن يکون لها قسم آخر کقسمة الکلمة المتقدمة ولا تکون القسمة عقلية الا اذا بنيتها على أساس النفي والاثبات : (القسمة الثنائية) فلأجل اثبات أن القسمة التفصيلية عقلية يرجعونها الى القسمة الثنائية الدائرة بين النفي والاثبات ثم اذا کانت الاقسام أکثر من اثنين يقسمون طرف النفي أو الاثبات الى النفي والاثبات ... وهکذا کلما کثرت الاقسام على ما تقدم في الثنائية.
    2 ـ (الاستقرائية) : وهي التي لا يمنع العقل من فرض آخر لها وانما تذکر الاقسام الواقعة التي علمت بالاستقراء والتتبع کتقسيم الاديان السماوية الي : اليهودية والنصرانية والاسلامية وکتقسيم مدرسة معينة الي : صف أول وثان وثالث عندما لا يکون غير هذه الصفوف فيها مع امکان حدوث غيرها.
    التعريف بالقسمة
    ان القسمة بجميع أنواعها هي عارضة للمقسم في نفسها خاصة به غالباً.

    ولما اعتبرنا في القسمة أن تکون جامعة مانعة فالاقسام بمجموعها مساوية للمقسم کما انها غالباً تکون اعرف منه. وعليه يجوز تعريف المقسم بقسمته الى أنواعه او اصنافه ويکون من باب تعريف الشيء بخاصته. وهو التعريف بالرسم الناقص کما کان التعريف بالمثال من هذا الباب.
    ولنضرب لک مثلاً لذلک : أنا اذا قسمناالماء بالتحليل الطبيعي الى أوکسجين وهيدروجين وعرفنا أن غيره من الأجسام لا ينحلّ الى هذين الجزأين فقد حصل تمييز الماء تمييزاً عرضيّاً عن غيره بهذه الخاصة فيکون ذلک نوعاً من المعرفة للماء نطمئن اليها. وکذا لو عرفنا ان الورق ينحل الى القطن والنورة مثلاً نکون قد عرفناه معرفة نطمئن اليها تميزه عن غيره ... وهکذا في جميع أنواع القسمة.
    کسب التعريف بالقسمة
    أو
    کيف نفکر لتحصيل المجهول التصوري
    انت تعريف ان المعلوم التصوري منه ما هو بديهي لا يحتاج الى کسب کمفهوم الوجود والشيء ومنه ما هو نظري تحتاج معرفته الى کسب ونظر.
    ومعني حاجتک فيه الى الکسب ان معناه غيره واضح في ذهنک وغير محدد ومتميز او فقل غيره مفهوم لديک ولا معروف فيحتاج الى تعريف والذي يعرّفه للذهن هو الحد والرسم. وليس الحد أو الرسم للنظري موضوعاً في الطريق في متناول اليد والا فما فرضته نظرياً مجهولاً لم يکن کذلک بل کان بديهياً معروفاً. فالنظري عندک في الحقيقة ليس هو الا الذي تجهل حده أو رسمه.
    اذن المهم في الامر أن نعرف الطريقة التي نحصل بها الحد والرسم. وکل ما تقدم من الابحاث في التعريف هي في الحقيقة ابحاث عن معني الحد والرسم وشروطهما او اجزائهما. وهذا وحده غير کاف ما لم نعرف طريقة کسبهما وتحصيلهما فانه ليس الغني هو الذي يعرف معني النقود واجزاءها وکيف تتألف بل الغني من يعرف طريقة کسبها فيکسبها وليس المريض يشفي اذا عرف فقط معني الدواء

    واجزاءه بل لا بد أن يعرف کيف يحصله ليتناوله.
    وقد اغفل کثير من المنطقيين هذه الناحية وهي اهم شيء في الباب. بل هي الاساس وهي معني التفکير الذي به نتوصل الى المجهولات. ومهمتنا في المنطق أن نعرف کيف نفکر لنکسب العلوم التصورية والتصديقية.
    وسيأتي ان طريقة التفکير لتحصيل العلم التصديقي هو الاستدلال والبرهان. اما تحصيل العلم التصوري فقد اشتهر عند المناطقة ان الحد لا يکتسب بالبرهان وکذا الرسم. والحق معهم لان البرهان مخصوص لاکتساب التصديق ولم يحن الوقت بعد لابيّن للطالب سر ذلک واذا لم يکن البرهان هي الطريقة هنا فما هي طريقة يصنعها کل انسان في دخيلة نفسه يخطيء فيها أو يصيب. ولکن نحتاج الى الدلالة عليها لنکون على بصيرة في صناعتها. وهذا هو هدف علم المنطق. وهذا ما نريد بيانه فنقول : :
    الطريق منحصر بنوعين من القسمة : القسمة الطبيعية بالتحليل العقلي وتسمي طريقة التحليل العقلي والقسمة المنطقية الثنائية. ونحن أشرنا في غضون کلامنا في التعريف والقسمة الى ذلک. وقد جاء وقت بيانه فنقول
    طريقة التحليل العقلي
    اذا توجهت نفسک نحو المجهول التصوري (المشکل) ولنفرضه (الماء) مثلاً عندما يکون مجهولاً لديک وهذا هو الدور الاول فأول مايجب أن تعرف نوعه. اي تعرف انه داخل في اي جنس من الاجناس العالية أو ما دونها کأن تعرف أن الماء مثلاً من السوائل. وهذا هو (الدور الثاني). وکلما کان الجنس الذي عرفت
    __________________
    (1) تقدم في مبحث (تعريف الفكر) ص 20 ان الادوار التي تمر على العقل لتحصيل المجهول خمسة : اثنتان منها مقدمة للفكر وثلاثة هي الفكر لتي سميناها بالحركات. وهذا البحث هنا موقع تطبيق هذه الادوار على تحصيل المجهول التصوري. وسيأتي في موضعه موقع تطبيقها على تحصيل المجهول التصديقي وهذا البحث بمجموعه وبيان الادوار قد امتاز بشرحه كتابنا على جميع كتب المنطق القديمة والحديثة.

    دخول المجهول تحته قريباً کان الطريق أقصر لمعرفة الحد أو الرسم. وسيتضح.
    واذا اجتزت الدور الثاني الذي لا بد منه لکل من أراد التفکير بأية طريقة کانت انتقلت الى الطريقة التي تختارها للتفکير ولا بد أن تتمثل فيها الادوار الثلاثة الاخيرة أو الحرکات الثلاث التي ذکرناها للفکر : الذاهبة والدائرية والراجعة.
    واذ نحن اخترنا الآن (طريقة التحليل العقلي) أولاً فلنذکرها متمثلة في الحرکات الثلاث :
    فانک عند ما تجتاز الدور الثاني تنتقل الى الثالث وهو الحرکة الذاهبة حرکة العقل من المجهول الى المعلومات. ومعني هذه الحرکة بطريقة التحليل المقصود بيانها هو أن تنظر في ذهنک الى جميع الافراد الداخلة تحت ذلک الجنس الذي فرضت المشکل داخلاً تحته. وفي المثال تنظر الى افراد السوائل سواء کانت ماء أو غير ماء باعتبار ان کلها سوائل.
    وهنا ننتقل الى الرابع وهو (الحرکة الدائرية) أي حرکة العقل بين المعلومات. وهو اشق الادوار وأهمها دائماً في کل تفکير فان نجح المفکر فيه انتقل الى الدور الاخير الذي به حصول العلم والا بقي في مکانه يدور على نفسه بين المعلومات من غير جدوي. وهذه الحرکة الدائرية بين المعلومات في هذه الطريقة هي أن يلاحظ الفکر مجاميع افراد الجنس الذي دخل تحته المشکل فيفرزها مجموعة مجموعة فلأفراد المجهول مجموعة ولغيره من أنواع الجنس الاخري کل واحد مجموعة من الافراد. وفي المثال يلاحظ مجاميع السوائل : الماء والزئبق واللبن والدهن الى آخرها. وعند ذلک يبدأ في ملاحظتها ملاحظة دقيقة ليعرف ما تمتاز به مجموعة أفراد المشکل بحسب ذاتها وحقيقتها عن المجاميع الاخري أو بحسب عوارضها الخاصة بها. ولا بد هنا من الفحص الدقيق والتجربة اليعرف في المثال الخصوصية الذاتية أو العرضية التي يمتاز بها الماء عن غيره من السوائل في لونه وطعمه أو في وزنه وثقله أو في اجزائه الطبيعية. ولا يستغني الباحث عن الاستعانة بتجارب الناس والعلماء وعلومهم. والبشر من القديم کما قلنا في أول مبحث القسمة اهتموا بفطرتهم في تقسيم الاشياء وتمييز الانواع بعضها عن بعض

    فحصلت لهم بمرور الزمن الطويل معلومات قيمة هي ثروتنا العلمية التي ورثناها من أسلافنا. وکل ما نستطيعه من البحث في هذا الشأن هو التعديل والتنقيح في هذه الثروة واکتشاف بعض الکنوز من الانواع التي لم يهتد اليها السابقون على مرور الزمن وتقدم المعارف.
    فإن استطاع الفکر أن ينجح في هذا الدور (الحرکة الدائرية) بأن عرف ما يميز المجهول تمييزاً ذاتياً أي عرف فصله أو عرف ما يميزه تمييزاً عرضياً أي عرف خاصته فان معني ذلک انه استطاع أن يحلل معني المجهول الى جنس وفصل أو جنس وخاصة تحليلاً عقلياً فيکمل عنده الحد التام او الرسم التام بتأليفه مما انتهي اليه التحليل. کما لو عرف الماء في المثال بأنه سائل بطبعه لا لون له ولا طعم ولا رائحة او انه له ثقل نوعي مخصوص أو انه قوام کل شيء حي.
    ومعني کمال الحد أو الرسم عنده ان عقله ان عقله قد انتهي الى الدور الاخير وهو (الحرکة الراجعة) أي حرکة العقل من المعلوم الى المجهول. وعندها ينتهي التفکير بالوصول الى الغاية من تحصيل المجهول.
    وبهذا اتضح معني التحليل العقلي الذي وعدناک ببيانه سابقاً في القسمة الطبيعية وهو انما يکون باعتبار المتشارکات والمتباينات أي انه بعد ملاحظة المتشارکات بالجنس يفرزها ويوزعها مجاميع أو فقل أنواعاً بحسب ما فيها من المميزات المتباينة فيستخرج من هذه العملية الجنس والفصل مفردات الحد او الجنس والخاصة مفردات الرسم فکنت بذلک حللت المفهوم المراد تعريفه الى مفرداته
    (تنبيه) : ان الکلام المتقدم في الدور الرابع فرضناه فيما اذا کنت من اول الامر لما عرفت نوع المشکل عرفت جنسه القريب فلم تکن بحاجة الا للبحث عن مميزاته عن الانواع المشترکة معه في ذلک الجنس.
    اما لو کنت قد عرفت فقط جنسه العالي کأن عرفت ان الماء جوهرلا غير فانک لأجل أن تکمل لک المعرفة لابد أن تفحص (أولاً) لتعرف أن المشکل من أي

    الاجناس المتوسطة بتمييز بعضها عن بعض بفصولها أو خواصها على نحو العملية التحليلية السابقة حتي تعرف ان الماء جوهر ذو ابعاد أي جسم.
    ثم تفحص (ثانياً) بعملية تحليلية أخري لتعرفه من أي الاجناس القريبة هو فتعرف انه سائل ثم تفحص (ثالثاً) بتلک العملية التحليلية لتميزه عن السوائل الاخري بثقله النوعي مثلاً او بأنه قوام کل شيء حي فيتألف عندک تعريف الماء على هذا النحو مثلاً (جوهر ذو أبعاد سائل قوام کل شيء حي) ويجوز أن تکتفي عن ذلک فتقول (سائل قوام کل شيء حي) مقتصراً على الجنس القريب.
    وهذه الطريقة الطويلة من التحليل التي هي عبارة عن عدة تحليلات يلتجيء اليها الانسان اذا کانت الاجناس متسلسلة ولم يکن يعرف الباحث دخول المجهول الا في الجنس العالي. ولکن تحليلات البشر التي ورثناها تغنينا في أکثر المجهولات عن ارجاعها الى الاجناس العالية فلا نحتاج على الاکثر الا لتحليل واحد لنعرف به ما يمتاز به المجهول عن غيره.
    على أنه يجوز لک أن تستغني بمعرفة الجنس العالي أو المتوسط فلا تجري الا عملية واحدة للتحليل لتميز المشکل عن جميع ما عداه مما يشترک معه في ذلک الجنس العاي أو المتوسط غير أن هذه العملية لا تعطينا الا حداً ناقصاً أو رسماً ناقصاً.

    طريقة القسمة المنطقية الثنائية
    انک بعد الانتهاء من الدورين الاولين أي دور مواجهة المشکل ودور معرفة نوعه لک أن تعمد الى طريقة أخري من التفکير تختلف عن السابقة.
    فان السابقة کانت النظرة فيها الى الافراد المشترکة في ذلک الجنس ثم تمييزها بعضها عن بعض لاستخراج ما يميز المجهول.
    أما هذه فانک تتحرک الى الجنس الذي عرفته فتفسمه بالقسمة المنطقية الثنائية الى اثبات ونفي : الاثبات بما يميز المجهول تمييزاً ذاتياً أو عرضياً والنفي بما عداه. وذلک اذا کان المعروف الجنس القريب فنقول في مثال الماء الذي عرف انه سائل : (السائل اما عديم اللون واما غيره) فتستخرج بذلک الحد التام أو الرسم التام وتحصل لديک الحرکات الثلاث کلها.
    أما لو کان الجنس الذي عرفته هو الجنس العالي أو المتوسط فانک تأخذ أولاً الجنس العالي مثلاً فتقسمه بحسب المميزات الذاتية أو العرضية ثم تقسم الجنس المتوسط الذي حصلته بالتقسيم الاول الى أن يصل التقسيم الى الانواع السافلة على النحو الذي مثلنا به في القسمة الثنائية للجوهر وبهذا تصير الفصول کلها معلومة على الترتيب فتعرف بذلک جميع ذاتيات المجهول على التفصيل.

    تمرينات
    على التعريف والقسمة
    (1) انقد التعريفات الآتية وبين ما فيها من وجوه الخطأ ان کان :
    أ ـ الطائر : حيوان يبيض
    و ـ اللبن : مادة سائلة مغذية
    ب ـ الانسان : حيوان بشري
    ز ـ العدد : کثرة مجتمعة من آحاد
    ج ـ العلم : نور يقذف في القلب
    ح ـ الماء : سائل مفيد
    د ـ القدام : الذي خلفه شيء
    ط ـ الکوکب : جرم سماوي منير
    هـ ـ المربع : شکل رباعي قائم الزوايا
    ي ـ الوجود : الثابت العين
    (2) من أي انواع التعريف تعريف العلم بأنه (حصول صورة الشيء في العقل) وتعريف المرکب بأنه (ما دل جزء لفظه على جزء معناه حين هو جزء). وبين ما اذا کان الجنس مذکوراً فيها أم لا.
    (3) من أي انواع التعريف تعريف الکلمة بأنها (قول مفرد) وتعريف الخبر بأنه (قول يحتمل الصدق والکذب).
    (4) عرف النحويون الکلمة بعدة تعريفات : أ ـ لفظ وضع لمعني مفرد.
    ب ـ لفظ موضوع مفرد.
    ج ـ قول مفرد.
    د ـ مفرد.
    فقارن بينها واذکر أولاها واحسنها والخلل في احدها ان کان.
    (5) لو عرفنا الاب بأنه (من له ولد) فهذا التعريف فاسد قطعاً ولکن هل تعرف من أية جهة فساده؟ وهل تري يلزم منه الدور؟ ـ واذا کان يلزم منه الدور أولا يلزم فهل تستطيع ان تعلل ذلک؟
    (6) اعترض بعض الاصوليين على تعريف اللفظ المطلق المقابل للمقيد بأنه (ما دل على شايع في جنسه) فقال انه تعريف غير مطرد ولا منعکس فهل تعرف الطريق لرد هذا الاعتراض من أساسه على الاجمال. وانت اذا حققت ان هذا التعريف ماذا يسمي يسهل عليک الجواب فتفطّن!
    (7) جاء في کتاب حديث للمنطق تعريف الفصل بأنه (صفة أو مجموع صفات کلية بها تتميّز أفراد حقيقة واحدة من أفراد غيرها من الحقائق المشترکة معها في جنس واحد). انقده واذکر وجوه الخلل فيه على ضوء ما درسته في تعريف الفصل وشروط التعريف.
    (Cool ان التي نسميها بالکليات الخمسة کان ارسطو يسميها (المحمولات) وعنده ان المحمول لا بد أن يکون من أحد الخمسة فاعترضه بعض مؤلفي المنطق الحديث بأن هذه الخمسة لا تحتوي جميع أنواع المحمولات لانه لا يدخل فيه مثل (البشر هو الانسان).
    فالمطلوب ان تجيب عن هذا الاعتراض على ضوء ما درسته في بحث (الحمل وانواعه). وبين صواب ما ذهب اليه ارسطو.
    (9) وعرف هذا البعض المتقدم اللفظين المتقابلين بانهما (اللفظان اللذان لا يصدقان على شيء واحد في آن واحد). انقده على ضوء ما درسته في بحث التقابل وشروط التعريف.
    (10) کيف تفکر بطريقة التحليل العقلي لاستخراج تعريف الکلمة والمفرد والمثلث والمربع.
    (11) استخرج بطريقة القسمة المنطقية الثنائية تعريف الفصل تارة والنوع أخري.
    (12) فرق بين القسمة العقلية وبين الاستقرائية في القسمات التفصيلية الآتية مع بيان الدليل على ذلك :
    أ ـ قسمة فصول السنة الى ربيع وصيف وخريف وشتاء.
    ب ـ قسمة اوقات اليوم الى فجر وصبح وضحى وظهر وعصر واصيل وعشاء وعتمة.


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3303
    نقاط : 4992
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ---المنطق ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ---المنطق ج1   ---المنطق ج1 Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 6:01 am


    ج ـ قسمة الفعل الى ماض ومضارع وأمر.
    د ـ قسمة الاسم الى نکرة ومعرفة.
    هـ ـ قسمة الاسم الى مرفوع ومنصوب ومجرور.
    و ـ قمسة الحکم الى وجوب وحرمة واستحباب وکراهة واباحة.
    ز ـ قسمة الصوم الى واجب ومستحب ومکروه ومحرم.
    ح ـ قسمة الصلاة الى ثنائية وثلاثية ورباعية.
    ط ـ قسمة الحج الى تمتع وقران وافراد.
    ي ـ قسمة الخط الى مستقيم ومنحن ومنکسر.
    ثم اقلب ما يمکن من هذه القسمات الى قسمة ثنائية واستخرج منها بعض ريفات لبعض الاقسام واختر خمسة على الاقل.
    انتهى الجزء الاول

    المنطق
    بقلم
    المغفور له المجتهد المجدد
    الشيخ محمّد رضا المظفر
    الجزء الثاني
    التصديقات


    القضايا واحکامها

    بسم الله الرحمن الرحيم

    وفيه فصلان :
    الفصل الاول : القضايا
    القضية
    تقدم في الباب الاول ان الخبر هو القضية وعرفنا الخبر أو القضية بأنه (المرکب التام الذي يصح أن نصفه بالصدق أو الکذب).
    وقولنا : المرکب التام هو (جنس قريب) يشمل نوعي التام : الخبر والانشاء وباقي التعريف (خاصة) يخرج بها الانشاء لان الوصف بالصدق أو الکذب من عوارض الخبر المختصة به کما فصلناه هناک. فهذا التعريف تعريف بالرسم التام.
    ولأجل ان يکون التعريف دقيقا نزيد عليه کلمة (لذاته) فنقول : القضية هي المرکب التام الذي يصح أن نصفه بالصدق أو الکذب لذاته.
    وکذا ينبغي زيادة کلمة (لذاته) في تعريف الانشاء. ولهذا القيد فائدة فانه قد يتوهم غافل فيظن ان التعريف الاول للخبر يشمل بعض الانشاءات فلايکون مانعا ويخرج هذا البعض من تعريف الانشاء فلا يکون جامعا.
    وسبب هذا الظن ان بعض الانشاءات قد توصف بالصدق والکذب کما لو استفهم شخص عن شيء يعلمه أو سأل الغني سؤال الفقير او تمني انسان شيئا هو واجد له فان هؤلاء نرميهم بالکذب وفي عين الوقت نقول للمستفهم الجاهل والسائل الفقير والمتمني الفاقد اليائس انهم صادقون. ومن المعلوم أن الاستفهام والطلب بالسؤال والتمني من أقسام الانشاء.
    ولکنا اذا دققنا هذه الامثلة واشباهها يرتفع هذا الظن لاننا نجد أن الاستفهام الحقيقي لا يکون الا عن جهل والسؤال لا يکون الا عن حاجة والتمني لا يکون الا عن فقدان ويأس فهذه الانشاءات تدل بالدلالة الالتزامية على الاخبار عن الجهل أو الحاجة او اليأس فيکون الخبر المدلول عليه بالالتزام هو

    الموصوف بالصدق أو الکذب لا ذات الانشاء.
    فالتعريف الاول للخبر في حد نفسه لا يشمل هذه الانشاءات ولکن لأجل التصريح بذلک دفعا للالتباس نضيف کلمة (لذاته) لان هذه الانشاءات المذکورة لئن اتصفت بالصدق أو الکذب فليس هذا الوصف لذاتها بل لأجل مداليلها الالتزامية.

    أقسام القضية
    القضية : حمليّة وشرطية :
    1 ـ (الحملية) مثل : الحديد معدن الربا محرم الصدق ممدوح الکاذب ليس بمؤتمن البخيل لا يسود.
    وبتدقيق هذه الامثلة نجد : أن کل قضية منها لها طرفان ونسبة بينهما ومعني هذه النسبة اتحاد الطرفين وثبوت الثاني للاول أو نفي الاتحاد والثبوت. وبالاختصار نقول : معناها ان (هذا ذاک) أو (هذا ليس ذاک) فيصح تعريف الحملية بأنها :
    ما حکم فيها بثبوت شيء لشيء او نفية عنه
    2 ـ (الشرطية) مثل :
    اذا أشرقت الشمس فالنهار موجود.
    وليس اذا کان الانسان نماما کان أمينا.
    ومثل : اللفظ إما ان يکون مفردا أو مرکبا.
    وليس الانسان اما ان يکون کاتبا او شاعرا.
    وعند ملاحظة هذه القضايا نجد : ان کل قضية منها لها طرفان وهما قضيتان بالاصل. ففي المثال الاول لولا (اذا) و (فاء الجزاء) لکان قولنا (اشرقت الشمس) خبرا بنفسه وکذا (النهار موجود). وهکذا باقي الامثلة ولکن لما جمع المتکلم بين الخبرين ونسب احدهما الى الآخر جعلهما قضية واحدة وأخرجهما عما کانا عليه من کون کل منهما خبرا يصح السکوت عليه فانه لو قال (اشرقت الشمس ...) وسکت فانه يعد مرکبا ناقصا کما تقدم في بحث المرکب.

    وأما هذه النسبة بين الخبرين بالاصل فليست هي نسبة الثبوت والاتحاد کالحملية لان لا اتحاد بين القضايا بل هي اما نسبة الاتصال والتصاحب والتعليق أي تعليق الثاني على الاول أو نفي ذلک کالمثالين الاولين واما نسبة التعاند والانفصال والتباين أو نفي ذلک کالمثالين الأخيرين.
    ومن جميع ما تقدم نستطيع أن نستنتج عدة أمور :
    (الاول) : تعريف القضية الشرطية بأنها (ماحکم فيها بوجود نسبة بين قضية واخري او لا وجودها).
    الشرطية : متصلة ومنفصلة
    (الثاني) : ان الشرطية تنقسم الى متصلة ومنفصلة لأن النسبة :
    1 ـ ان کانت هي الاتصال بين القضيتين وتعليق احداهما على الاخري أو نفي ذلک کالمثالين الاولين فهي المسماة (بالمتصلة).
    2 ـ وان کانت هي الانفصال والعناد بينهما أو نفي ذلک کالمثالين الاخيرين فهي المسماة (بالمنفصلة).
    الموجبة والسالبة
    (الثالث) : ان القضية بجميع اقسامها سواء کانت حملية أو متصلة أو منفصلة تنقسم الي : موجبة وسالبة لأن الحکم فيها :
    1 ـ ان کان بنسبة الحمل أو الاتصال او الانفصال فهي (موجبة).
    2 ـ وان کان بسلب الحمل او الاتصال او الانفصال فهي (سالبة).
    وعلى هذا فليس من حق السالبة أن تسمي حملية او متصلة او منفصلة لأنها سلب الحمل او سلب الاتصال أو سلب الانفصال ولکن تشبيها لها بالموجبة سميت باسمها.
    ويسمى الايجاب والسلب (کيف القضية) لانه يسأل بـ (کيف) الاستفهامية عن الثبوت وعدمه.

    أجزاء القضية
    قلنا : ان کل قضية لها طرفان ونسبة وعليه ففي کل قضية ثلاثة اجزاء ففي الحملية :
    الطرف الاول : المحکوم عليه ويسمي (موضوعا).
    الطرف الثاني : المحکوم به ويسمي (محمولا).
    النسبة : والدال عليها يسمي (رابطة)
    وفي الشرطية :
    الطرف الاول : يسمي (مقدما).
    والطرف الثاني : يسمي (تاليا).
    والدال على النسبة : يسمي (رابطة).
    وليس من حق أطراف المنفصلة أن تسمي مقدما وتاليا لانها غير متميزة بالطبع کالمتصلة فان لک أن تجعل أيا شئت منها مقدما وتاليا ولا يتفاوت المعني فيها ولکن انما سميت بذلک فعلي نحو العطف على المتصلة تبعا لها کما سميت السالبة باسم الموجبة الحملية او المتصلة أو المنفصلة.

    أقسام القضية باعتبار الموضوع
    الحملية : شخصيّة وطبيعية ومهملة ومحصورة
    المحصورة : کليّة وجزئية
    نبتدئ بالتقسيم باعتبار الموضوع للحملية ثم نتبعه بتقسيم الشرطية فنقول :
    تنقسم الحملية باعتبار الموضوع الى الاقسام الاربعة المذکورة في العنوان لأن الموضوع اما ان يکون جزئيا حقيقيا أو کليا :
    أ ـ فإن کان جزئيا سميت القضية (شخصية) و (مخصوصة) مثل : محمد رسول الله. الشيخ المفيد مجدد القرن الرابع. بغداد عاصمة العراق أنت عالم. هو ليس بشاعر. هذا العصر لا يبشر بخير.
    ب ـ وان کان کليا ففيه ثلاث حالات تسمي في کل حالة القضية المشتملة عليه باسم مخصوص فانه :
    1 ـ اما أن يکون الحکم في القضية على نفس الموضوع الکلي بما هو کلي مع غض النظر عن أفراده على وجه لا يصح تقدير رجوع الحکم الى الافراد فالقضية تسمي (طبيعية) لان الحکم فيها على نفس الطبيعة من حيث هي کلية مثل : الانسان نوع. الناطق فصل. الحيوان جنس. الضاحک خاصة ... وهکذا فانک تري ان الحکم في هذه الامثلة لا يصح ارجاعه الى أفراد الموضوع لان الفرد ليس نوعا ولا فصلا ولا جنسا ولا خاصة.
    2 ـ واما أن يکون الحکم فيها على الکلي بملاحظة أفراده بان يکون الحکم في

    الحقيقة راجعا الى الافراد والکلي جعل عنوانا ومرآة لها إلا أنه لم يبين فيه کمية الافراد لا جميعها ولا بعضها فالقضية تسمي (مهملة) لاهمال بيان کمية افراد الموضوع مثل : الانسان في خسر. رئيس القوم خادمهم. ليس من العدل سرعة العذل. المؤمن لا يکذب ..
    فانه ليس في هذه الامثلة دلالة على دن الحکم عام لجميع ما تحت الموضوع أو غير عام.
    (تنبيه) قال الشيخ الرئيس في الاشارات بعد بيان المهملة : «فان کان ادخال الالف واللام يوجب تعميما وشرکة وادخال التنوين يوجب تخصيصا فلا مهملة في لغة العرب وليطلب ذلک في لغة أخري. وأما الحق في ذلک فلصناعة النحو ولا نخالطها بغيرها ...». والحق وجود المهملة في لغة العرب اذا کانت اللام للحقيقة فيشار بها الى نفس الطبيعة من حيث وجودها في مصاديقها من دون دلالة على ارادة الجميع أو البعض. نعم اذا کانت للجنس فانها تفيد العموم. ويفهم ذلک من قرائن الاحوال. وهذا أمر يرجع فيه الى کتب النحو وعلوم البلاغة.
    3 ـ واما أن يکون الحکم فيها على الکلي بملا حظة أفراده کالسابقة ولکن کمية أفراده مبينة في القضية اما جميعا أو بعضا فالقضية تسمي (محصورة) وتسمي (مسوّرة) أيضا. وهي تنقسم بملاحظة کمية الافراد الي :
    أ ـ (کلية) : اذا کان الحکم على جميع الافراد مثل : کل امام معصوم. کل ماء طاهر. کل ربا محرم. لاشيء من الجهل بنافع. مافي الدار ديار.
    ب ـ و (جزئية) : اذا کان الحکم على بعض الافراد مثل : بعض الناس يکذبون. قليل من عبادي الشکور. وما أکثر الناس ولو حرصت بمؤمنين. ليس کل انسان عالما. رب أکلة منعت أکلات.
    لا اعتبار الا بالمحصورات
    القضايا المعتبرة التي يبحث عنها المنطقي ويعتد بها هي المحصورات دون غيرها من باقي الاقسام. وهذا ما يحتاج الى البيان :

    أما (الشخصية) فلان مسائل المنطق قوانين عامة فلا شأن لها في القضايا الشخصية التي لا عموم فيها.
    وأما (الطبيعية) فهي بحکم الشخصية لان الحکم فيها ليس فيه تقنين قاعدة عامة وانما الحکم کما قلنا على نفس المفهوم بما هو من غير أن يکون له مساس بأفراده. وهو بهذا الاعتبار کالمعني الشخصي لا عموم فيه فان الانسان في مثال (الانسان نوع) لا عموم فيه. لأن کلا من أفراده ليس بنوع.
    وأما (المهملة) فهي في قوة الجزئية وذلک لان الحکم فيها يجوز أن يرجع الى جميع الافراد ويجوز أن يرجع الى بعضها دون البعض الآخر کما تقول : (رئيس القوم خادمهم) فانه اذا لم يبين في هذه القضية کمية الافراد فانک تحتمل ان کل رئيس قوم يجب أن يکون کخادم لقومه. وربما کان هذا الحکم من القائل غير عام لکل من يصدق عليه رئيس قوم فقد يکون رئيس مستغنيا عن قومه اذ لا تکون قوته مستمدة منهم. وعلى کلا التقديرين يصدق (بعض الرؤساء لقومهم کخدم لهم) لان الحکم اذا کان في الواقع للکل فان البعض له هذا الحکم قطعا أما البعض الآخر فهو مسکوت عنه. واذا کان في الواقع للبعض فقد حکم على البعض.
    اذن الجزئية صادقة على کلا التقديرين قطعا. ولا نعني بالجزئية الا ما حکم فيها على بعض الافراد من دون نظر الى البعض الباقي بنفي ولا اثبات. فانک اذا قلت (بعض الانسان حيوان) فهي صادقة لانها سالکتة عن البعض الآخر فلا تدليل على أن الحکم لا يعمه. ولا شک ان بعض الانسان حيوان وان کان البعض الباقي في الواقع أيضا حيوانا ولکنه مسکوت عنه في القضية.
    واذا کانت القضايا المعتبرة هي المحصورات خاصة سواء کانت کلية أو جزئية فاذا روعي مع (کم) القضية کيفها ارتقت القضايا المعتبرة الى أربعة أنواع : الموجبة الکلية. السالبة الکلية. الموجبة الجزئية. السالبة الجزئية
    __________________
    (1) كلية القضية وجزئيتها يسمى (كم القضية) بتشديد الميم مأخوذة من كم الاستفهامية التي يسأل بها عن المقدار. والمصدر (كمية) بتشديد الميم.

    السور والفاظه
    السور والفاظه يسمي اللفظ الدال على کمية أفراد الموضوع (سور القضية) تشبيها له بسور البلد الذي يحدها ويحصرها. ولذا سميت هذه القضايا (محصورة) و(مسورة). ولکل من المحصورات الاربع سور خاص بها :
    1 ـ (سور الموجبة الکلية) : کل. جميع. عامة. کافة. لام الاستغراق ... الى غيرها من الالفاظ التي تدل على ثبوت المحمول لجميع أفراد الموضوع.
    2 ـ (سور السالبة الکلية) : لا شيء. لا واحد. النکرة في سياق النفي ... الى غيرها من الالفاظ الدالة على سلب المحمول عن جميع أفراد الموضوع.
    3 ـ (سور الموجبة الجزئية) : بعض. واحد. کثير. قليل. ربما. قلما ... الى غيرها مما يدل على ثبوت المحمول لبعض أفراد الموضوع.
    4 ـ (سور السالبة الجزئية) : ليس بعض. بعض ... ليس. ليس کل. ما کل ... أو غيرها مما يدل على سلب المحمول عن بعض أفراد الموضوع. وطلبا للاختصار نرمز لسور کل قضية برمز خاص کما يلي :
    (کل) : للموجبة الکلية
    (لا) : للسالبة الکلية
    (ع) : للموجبة الجزئية
    (س) : للسالبة الجزئية
    واذ رمزنا دائما للموضوع بحرف (ب) وللمحمول بحرف (حـ) فتکون رموز المحصورات الاربع کما يلي :
    کل ب حـ ............ الموجبة الکلية
    لا ب حـ ............. السالبة الکلية

    ع ب حـ ............ الموجبة الجزئية
    س ب حـ ............ السالبة الجزئية
    تقسيم الشرطيه
    الى شخصيه ومهمله ومحصوره
    لاحظنا أن الحملية تنقسم الى الاقسام الاربعة السابقة باعتبار موضوعها. وللشرطية تقسيم يشبه ذلک التقسيم ولکن لا باعتبار الموضوع اذ لا موضوع لها بل باعتبار الاحوال والازمان التي يقع فيها التلازم أو العناد.
    فتنقسم الشرطية بهذا الاعتبار الى ثلاثة أقسام فقط : شخصية مهملة محصورة. وليس من اقسامها الطبيعية التي لا تکون الا باعتبار الموضوع بما هو مفهوم موجود في الذهن.
    1 ـ (الشخصية) : وهي ما حکم فيها بالاتصال أو التنافي او نفيهما في زمن معين شخصي او حال معين کذلک.
    مثال المتصلة ان جاء على غاضبا فلا أسلم عليه. اذا مطرت السماء اليوم فلا أخرج من الدار. ليس اذا کان المدرس حاضرا الآن فانه مشغول بالدرس.
    مثال المنفصلة اما أن تکون الساعة الآن الواحدة أو الثانية. وإما ان يکون زيد وهو في البيت نائما او مستيقظا. ليس اما أن يکون الطالب وهو في المدرسة واقفا أو في الدرس.
    2 ـ (المهملة) : وهي ما حکم فيها بالاتصال أو التنافي او رفعهما في حال أو زمان ما من دون نظر الى عموم الاحوال والازمان أو خصوصهما.
    مثال المتصلة اذا بلغ الماء کرا فلا ينفعل بملاقاة النجاسة. ليس اذا کان الانسان کاذبا کان محمودا.
    مثال المنفصلة القضية اما ان تکون موجبة أو سالبة. ليس اما أن کيون الشيء معدنا أو ذهبا.

    3 ـ (المحصورة) : وهي ما بين فيها کمية أحوال الحکم واوقاته کلا أو بعضا وهي على قسمين کالحملية :
    أ ـ (الکلية) : وهي اذا کان اثبات الحکم أو رفعه فيها يشمل جميع الاحوال أو الاوقات.
    مثال المتصلة کلما کانت الامة حريصة على الفضيلة کانت سالکة سبيل السعادة. ليس أبدا او ليس البتة اذا کان الانسان صبورا على الشدائد کان غير موفق في أعماله.
    مثال المنفصلة دائما اما أن يکون العدد الصحيح زوجا أو فردا. ليس أبدا او ليس البته اما أن يکون العدد الصحيح زوجا او قابلا للقسمة على اثنين.
    ب ـ (الجزئية) : اذا کان اثبات الحکم أو رفعه فيها يختص في بعض غير معين من الاحوال والاوقات.
    مثال المتصلة قد يکون اذا کان الانسان عالما کان سعيدا. وليس کلما کان الانسان حازما کان ناجحا في أعماله.
    مثال المنفصلة قد يکون اما أن يکون الانسان مستلقيا أو جالسا (وذلک عندما يکون في السيارة مثلا اذ لا يمکنه الوقوف). قد لا يکون اما أن يکون الانسان مستلقيا أو جالسا (وذلک عندما يمکنه الوقوف منتصبا).
    السور في الشرطيه
    السور في الحملية يدل على کمية أفراد الموضوع. أما في الشرطية فدلالته على عموم الاحوال والازمان أو خصوصها. ولکل من المحصورات الاربع سور يختص بها کالحملية :
    1 ـ (سور الموجبة الکلية) : کلما. مهما. متي. ونحوها في المتصلة. ودائما في المنفصلة.

    2 ـ (سور السالبة الکلية) : ليس أبدا. ليس البتة. في المتصلة والمنفصلة.
    3 ـ (سور الموجبة الجزئية) : قد يکون فيهما.
    4 ـ (سور السالبة الجزئية) : قد لا يکون فيهما. وليس کلما في المتصلة خاصة.



    تقسيمات الحملية
    تمهيد :
    تقدم ان الحملية تنقسم باعتبار الکيف الى موجبة وسالبة وباعتبار الموضوع الى شخصية وطبيعية ومهملة ومحصورة والمحصورة الى کلية وجزئية. وهذه تقسيمات تشارکها الشرطية فيها في الجملة کما تقدم.
    والآن نبحث في هذا الفصل عن التقسيمات الخاصة بالحملية وهي : تقسيمها (اولا) باعتبار وجود موضوعها في الموجبة. وتقسيمها (ثانيا) باعتبار تحصيل الموضوع والمحمول وعدولهما. وتقسيمها (ثالثا) باعتبار جهة النسبة. فهذه تقسيمات ثلاثة :
    1 ـ الذهنية. الخارجية. الحقيقية
    ان الحملية الموجبة هي ما أفادت ثبوت شيء لشيء ولا شک أن ثبوت شيء لشيء فرع لثبوت المثبت له أي ان الموضوع في الحملية الموجبة يجب أن يفرض موجودا قبل فرض ثبوت المحمول له اذ لولا ان يکون موجودا لما أمکن أن يثبت له شيء کما يقولون في المثل (العرش ثم النقش). فلا يمکن أن يکون سعيد في مثل (سعيد قائم) غير موجود ومع ذلک يثبت له القيام.
    وعلى العکس من ذلک السالبة فانها لا تستدعي وجود موضوعها لان المعدوم يقبل أن يسلب عنه کل شيء. ولذا قالوا (تصدق السالبة بانتفاء الموضوع). فيصدق نحو «اب عيسي بن مريم لم يأکل ولم يشرب ولم ينم ولم يتکلم ... وهکذا» لانه لم يوجد فلم تثبت له کل هذه الاشياء قطعا فيقال لمثل هذه السالبة (سالبة بانتفاء الموضوع).
    والمقصود من هذا البيان ان الموجبة لا بد من فرض وجود موضوعها في صدقها
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3303
    نقاط : 4992
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ---المنطق ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ---المنطق ج1   ---المنطق ج1 Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 6:02 am

    والا کانت کاذبة.
    ولکن وجود موضوعها :
    1 ـ تارة يکون في الذهن فقط فتسمي (ذهنية) مثل : کل اجتماع النقيضين مغاير لاجتماع المثلين. کل جبل ياقوت ممکن الوجود. فان مفهوم اجتماع النقيضين وجبل الياقوت غير موجودين في الخارج ولکن الحکم ثابت لهما في الذهن.
    2 ـ وأخري يکون وجود موضوعها في الخارج على وجه يلاحظ في القضية خصوص الافراد الموجودة المحققة منه في أحد الازمنة الثلاثة نحو : کل جندي في المعکسر مدرب على حمل السلاح. بعض الدور المائلة للانهدام في البلد هدمت. کل طالب في المدرسة مجد. وتسمي القضية هذه (خارجية).
    3 ـ وثالثة يکون وجوده في نفس الامر والواقع بمعني ان الحکم على الافراد المحققة الوجود والمقدرة الوجود معا فکلما يفرض وجوده وان لم يوجد أصلا فهو داخل في الموضوع ويشمله الحکم.
    نحو : کل مثلث مجموع زواياه يساوي قائمتين. بعض المثلث قائم الزاوية. کل انسان قابل للتعليم العالي. کل ماء طاهر.
    فانک تري في هذه الامثلة ان کل ما يفرض للموضوع من أفراد (سواء کانت موجودة بالفعل أو معدومة ولکنها مقدرة الوجود) تدخل فيه ويکون لها حکمه عند وجودها. وتسمي القضية هذه (حقيقية).
    2 ـ المعدولة والمحصنة
    موضوع القضية الحملية او محمولها قد يکون شيئا (محصلا) بالفتح أي يدل على شيء موجود مثل : انسان. محمد. اسد. أو صفة وجودية مثل : عالم. عادل. کريم. يتعلم.
    وقد يکون موضوعها أو محمولها شيئا معدولا أي داخلا على حرف السلب على

    وجه يکون جزأ من الموضوع أو المحمول مثل : لا انسان. لا عالم. لا کريم. غير بصير.
    وعليه فالقضية باعتبار تحصيل الموضوع والمحمول وعدولها تنقسم الى قسمين : محصلة ومعدولة.
    1 ـ (المحصلة) : ماکان موضوعها ومحمولها محصلا سواء کانت موجبة أو سالبة مثل : الهواء نقي. الهواء ليس نقيا. وتسمي أيضا (محصلة الطرفين).
    2 ـ (المعدولة) : ما کان موضوعها أو محمولها أو کلاهما معدولا سواء کانت موجبة أو سالبة. وتسمي معدولة الموضوع أو معدولة المحمول أو معدولة الطرفين حسب دخول العدول على أحد طرفيها أو کليهما. ويقال لمعدولة احد الطرفين : محصلة الطرف الآخر : الموضوع او المحمول.
    مثال معدولة الطرفين : کل لا عالم هو غير صائب الرأي. کل غير مجد ليس هو بغير مخفق في الحياة.
    مثال معدولة المحمول أو محصلة الموضوع : الهواء هو غير فاسد. الهواء ليس هو غير فاسد.
    مثال معدولة الموضوع أو محصلة المحمول : غير العالم مستهان. غير العالم ليس بسعيد.
    تنبيه
    تمتاز معدولة المحمول عن السالبة محصلة المحمول :
    1 ـ في المعني : فان المقصود بالسالبة سلب الحمل وبمعدولة المحمول حمل السلب أي يکون السلب في المعدولة جزءاً من المحمول فيحمل المسلوب بما هو مسلوب على الموضوع.
    2 ـ في اللفظ : فان السالبة تجعل الرابطة تجعل الرابطة فيها بعد حرف السلب لتدل على

    سلب الحمل والمعدويه تجعل الرابطة فيها قبل حرف السلب لتدل على حمل السلب.
    وغالبا تستعمل (ليس) في السالبة و(لا) أو (غير) في المعدولة.
    الخلاصة :


    3 ـ الموجهات
    مادة القضية :
    کل محمول اذا نسب الى موضوع فالنسبة فيه لا تخلو في الواقع ونفس الامر من احدي حالات ثلاث (بالقسمة العقلية) :
    1 ـ (الوجوب). ومعناه : ضرورة ثبوت المحمول لذات الموضوع ولزومه لها على وجه يمتنع سلبه عنه کالزوج بالنسبة الى الاربعة فان الاربعة لذاتها يجب ان تتصف بانها زوج. وقولنا (لذات الموضوع) يخرج به ما کان لزومه لأمر خارج عن ذات الموضوع مثل ثبوت الحرکة للقمر فانها لازمة له ولکن لزومها لا لذاته بل لسبب وضع الفلک وعلاقته بالارض.
    2 ـ (الامتناع). ومعناه : استحالة ثبوت المحمول لذات الموضوع فيجب سلبه عنه کالاجتماع بالنسبة الى النقيضين فان النقيضين لذاتهما لايجوز ان يجتمعا.
    وقولنا : (لذات الموضوع) يخرج به ما کان امتناعه لامر خارج عن ذات الموضوع مثل سلب التفکير عن النائم فان التفکير يمتنع عن النائم. ولکن لا لذاته بل لانه فاقد للوعي.
    (تنبيه) يفهم مما تقدم ان الوجوب والامتناع يشترکان في ضرورة الحکم ويفترقان في أن الوجوب ضرورة الايجاب والامتناع ضرورة السلب.
    3 ـ (الامکان). ومعناه : أنه لا يجب ثبوت المحمول لذات الموضوع ولا يمتنع فيجوز الايجاب والسلب معا أي ان الضرورتين ضرورة الايجاب وضرورة السلب مسلوبتان معا فيکون الامکان معني عدميا يقابل الضرورتين تقابل العدم والملکة ولذا يعبر عنه بقولهم (هو سلب الضرورة عن الطرفين معا) أي طرف الايجاب وطرف السلب للقضية.

    ويقال له : (الامکان الخاص) أو (الامکان الحقيقي) في مقابل (الامکان العام) الذي هو أعم من الامکان الخاص.
    الامکان العام :
    والمقصود منه : ما يقابل احدي الضرورتين ضرورة الايجاب أو السلب فهو أيضا معناه سلب الضرورة ولکن سلب ضرورة واحدة لا الضرورتين معا فاذا کان سلب (ضرورة الايجاب) فمعناه ان طرف السلب ممکن واذا کان سلب (ضرورة السلب) فمعناه ان طرف الايجاب ممکن.
    فلو قيل : هذا الشيء ممکن الوجود أي انه لا يمتنع أو فقل ان ضرورة السلب (وهي الامتناع) مسلوبة واذا قيل : هذا الشيء ممکن العدم أي انه لا يجب أو فقل ان ضرورة الايجاب (وهي الوجوب) مسلوبة.
    ولذا عبر عنه الفلاسفة بقولهم : (هو سلب الضرورة عن الطرف المقابل) أي مع السکوت عن الطرف الموافق فقد يکون سلب الضرورة وقد لا يکون. وهذا الامکان هو الشايع استعماله عند عامة الناس والمتداول في تعبيراتهم. وهو کما قلنا أعم من الامکان الخاص لانه اذا کان امکانا للايجاب فانه يشمل الوجوب والامکان الخاص واذا کان امکانا للسلب فانه يشمل الامتناع والامکان الخاص.
    مثال امکان الايجاب قولهم (الله ممکن الوجود) و(الانسان ممکن الوجود) فان معناه في المثالين ان الوجود لا يمتنع أي ان الطرف المقابل وهو عدمه ليس ضروريا ولو کان العدم ضروريا لکان الوجود ممتنعا لا ممکنا. واما الطرف الموافق وهو ثبوت الوجود فغير معلوم. فيحتمل ان يکون واجبا کما في المثال الاول ويحتمل ألايکون واجبا کما في المثال الثاني بأن يکون ممکن العدم أيضا أي انه ليس ضروري الوجود کما لم يکن ضروري العدم فيکون ممکنا بالامکان الخاص فشمل هنا الامکان العام الوجوب والامکان الخاص.
    مثال امکان السلب قولهم : (شريک الباري ممکن العدم) و(الانسان ممکن العدم) فان معناه في المثالين ان الوجود لا يجب أي ان الطرف المقابل وهو وجوده

    ليس ضروريا ولو کان الوجود ضروريا لکان واجبا وکان عدمه ممتنعا لا ممکنا. واما الطرف الموافق وهو العدم فغير معلوم فيحتمل ان يکون ضروريا کما في المثال الاول (وهو الممتنع) ويحتمل ألا يکون کذلک کما في الثاني : بأن يکون ممکن الوجود أيضا وهو الممکن (بالامکان الخاص) فشمل هنا الامکان العام الامتناع والامکان الخاص.
    وعلى هذا فالامکان العام معني يصلح للانطباق على کل من حالات النسبة الثلاث : الوجوب والامتناع والامکان فليس هو معني يقابلها بل في الايجاب يصدق على الوجوب والامکان الخاص وفي السلب على الامتناع والامکان الخاص. وهذه الحالات الثلاث للنسبة التي لا يخلو من احداها واقع القضية تسمي (مواد القضايا) وتسمى (عناصر العقود) و (أصول الکيفيات). والامکان العام خارج عنها وهو معدود من الجهات على ما سيأتي.
    جهة القضية
    تقدم معني مادة القضية التي لا تخرج عن احدي تلک الحالات الثلاث. ولهم اصطلاح آخر هنا وهو المقصود بالبحث وهو قولهم (جهة القضية) والجهة غير المادة فان المقصود بها : ما يفهم ويتصور من کيفية النسبة بحسب ما تعطيه العبارة من القضية.
    والفرق بينهما مع ان کلا منهما کيفية في النسبة : ان المادة هي تلک النسبة الواقعية في نفس الامر التي هي اما الوجوب او الامتناع او الامکان ولا يجب أن تفهم وتتصور في مقام توجه النظر الى القضية فقد تفهم وتبين في العبارة وقد لا تفهم ولا تبين. واما الجهة فهي خصوص ما يفهم ويتصور من کيفية نسبة القضية عند النظر فيها فاذا لم يفهم شيء من کيفية النسبة فالجهة مفقودة أي ان القضية لا جهة لها حينئذ وهي أي الجهة لا يجب أن تکون مطابقة للمادة الواقعية فقد تطابقها وقد لا تطابقها.
    فاذا قلت : (الانسان حيوان بالضرورة) فان المادة الواقعية هي الضرورة

    والجهة فيها أيضا الضرورة فقد طابقت في هذا المثال الجهة المادة وبتعبير آخر إن المادة الواقعية قد فهمت وبينت بنفسها في هذه القضية.
    واما اذا قلت في المثال : (الانسان يمکن ان يکون حيوانا) فان المادة في هذه القضية هي الضرورة لا تتبدل لان الواقع لا يتبدل بتبدل التعبير والادراک. ولکن الجهة هنا هي الامکان العام فانه هو المفهوم والمتصور من القضية وهو لا يطابق المادة لانه في طرف الايجاب يتناول الوجوب والامکان الخاص کما تقدم فيجوز ان تکون المادة واقعا هي الضرورة کما في المثال ويجوز ان تکون هي الامکان الخاص کما لو کانت القضية هکذا (الانسان يمکن ان يکون کاتبا).
    وهکذا لو قلت (الانسان حيوان دائما) فان المادة هي الضرورة والجهة هي الدوام الذي يصدق مع الوجود والامکان الخاص لان الممکن بالامکان الخاص قد يکون دائم الثبوت کحرکة القمر مثلا وکزرقة العين فلم تطابق الجهة المادة هنا.
    ثم ان القضية التي بين فيها کيفية النسبة تسمي (موجّهة) بصيغة اسم المفعول. وما أهمل فيها بيان الکيفية تسمي (مطلقة) أو (غير موجهة).
    ومما يجب ان يعلم انا اذ قلنا ان الجهة لا يجب ان تطابق المادة فلا نعني انه يجوز ان تناقضها بل يجب ألا تناقضها فلو کانت مناقضة لها على وجه لا تجتمع معها کما لو کانت المادة هي الامتناع مثلا وکانت الجهة دوام الثبوت أو امکانه فان القضية تکون کاذبة.
    فيفهم من هذا ان من شروط صدق القضية الموجهة ألا تکون جهتها مناقضة لمادتها الواقعية.
    أنواع الموجهات
    تنقسم الموجهة الي : بسيطة ومرکبة.
    و(المرکبة) : ما انحلت الى قضيتين موجهتين بسيطتين احداهما موجبة والاخري سالبة. ولذا سميت مرکبة وسيأتي بيانها. اما البسيطة فخلافها وهي لا

    تنحل الى اکثر من قضية واحدة
    اقسام البسيطه :
    واهم البسائط ثمان وان کانت تبلغ اکثر من ذلک :
    1 ـ (الضرورية الذاتية). ويعنون بها ما دلت على ضرورة ثبوت المحمول لذات الموضوع أو سلبه عنه ما دام ذات الموضوع موجودا من دون قيد ولا شرط فتکون مادتها وجهتها الوجوب في الموجبة والامتناع في السالبة نحو :
    الانسان حيوان بالضرورة. الشجر ليس متنفسا بالضرورة.
    وعندهم ضرورية تسمي (الضرورية الازلية) وهي التي حکم فيها بالضرورة الصرفة بدون قيد فيها حتي قيد ما دام ذات الموضوع وهي تنعقد في وجود الله تعالي وصفاته مثل : (الله موجود بالضرورة الازلية) وکذا (الله حي عالم قادر بالضرورة الازلية).
    2 ـ (المشروطة العامة) وهي من قسم الضرورية ولکن ضرورتها مشروطة ببقاء عنوان الموضوع ثابتا لذاته نحو : الماشي متحرک بالضرورة ما دام على هذه الصفة. أما ذات الموضوع بدون قيد عنوان الماشي فلايجب له التحرک.
    3 ـ (الدائمة المطلقة) وهي ما دلت على دوام ثبوت المحمول لذات الموضوع او سلبه عنه ما دام الموضوع بذاته موجودا سواء کان ضروريا له أو لا نحو : (کل فلک متحرک دائما. لا زال الحبشي أسود) فانه لا يمتنع أن يزول سواد الحبشي وحرکة الفلک ولکنه لم يقع.
    4 ـ (العرفية العامة) وهي من قسم الدائمة ولکن الدوام فيها مشروط ببقاء عنوان الموضوع ثابتا لذاته فهي تشبه المشروطة العامة من ناحية اشتراط جهتها ببقاء عنوان الموضوع نحو : (کل کاتب متحرک الاصابع دائما ما دام کاتبا) فتحرک الاصابع ليس دائما مادام الذات ولکنه دائم ما دام عنوان الکاتب ثابتا لذات الکاتب.

    5 ـ (المطلقة العامة) وتسمي الفعلية وهي مادلت على ان النسبة واقعة فعلا وخرجت من القوة الى الفعل ووجدت بعد ان لم تکن سواء کانت ضرورية اولا وسواء کانت دائمة او لا وسواء کانت واقعة في الزمان الحاضر أو في غيره نحو : (کل انسان ماش بالفعل وکل فلک متحرک بالفعل).
    وعليه فالمطلقة العامة اعم من جميع القضايا السابقة.
    6 ـ (الحينية المطلقة) وهي من قسم المطلقة فتدل على فعلية النسبة أيضا لکن فعليتها حين اتصاف ذات الموضوع بوصفه وعنوانه نحو : (کل طائر خافق الجناحين بالفعل حين هو طائر) فهي تشبه المشروطة والعرفية من ناحية اشتراط جهتها بوصف الموضوع وعنوانه.
    7 ـ (الممکنه العامة) وهي ما دلت على سلب ضرورة الطرف المقابل للنسبة المذکورة في القضية فان کانت القضية موجبة دلت على سلب ضرورة السلب وان کانت سالبة دلت على سلب ضرورة الايجاب.
    ومعني ذلک انها تدل على ان النسبة المذکورة في القضية غير ممتنعة سواء کانت ضرورية أو لا وسواء کانت واقعة أو لا وسواء کانت دائمة أو لا نحو (کل انسان کاتب بالامکان العام) أي ان الکتابة لا يمتنع ثبوتها لکل انسان فعدمها ليس ضروريا وان اتفق انها لا تقع لبعض الاشخاص.
    وعليه فالممکنة العامة أعم من جميع القضايا السابقة.
    8 ـ (الحينية الممکنة) وهي من قسم الممکنة ولکن المکانها بلحاظ اتصا ف ذات الموضوع بوصفه وعنوانه نحو : (کل ماش غير مضطرب اليدين بالامکان العام حين هو ماش).
    والحينية الممکنة يؤتي بها عندما يتوهم المتوهم ان المحمول يمتنع ثبوته للموضوع حين اتصافه بوصفه.

    اقسام المرکبة
    قلنا فيما تقدم : ان المرکبة ما انحلت الى قضيتين موجبة وسالبة ونزيدها هنا توضيحا فنقول : ان المرکبة تتألف من قضية مذکورة بعبارة صريحة هي الجزء الاول منها (سواء کانت موجبة أو سالبة وباعتبار هذا الجزء الصريح تسمي المرکبة موجبة أو سالبة) ومن قضية أخري تخالف الجزء الاول بالکيف وتوافقه بالکم غير مذکورة بعبارة صريحة وانما يشار اليها بنحو کلمة (لا دائما) و (لا بالضرورة).
    وانما يلتجأ الى الترکيب عندما تستعمل قضية موجبة عامة تحتمل وجهين الضرورة واللاضرورة أو الدوام واللادوام فيراد بيان أنها ليست بضرورية او ليست بدائمة فيضاف الى القضية مثل کلمة لا بالضرورة أو لا دائما.
    مثل ما اذا قال القائل : (کل مصلّ يتجنب الفحشاء بالفعل) فيحتمل أن يکون ذلک ضروريا لا ينفک عنه ويحتمل الا يکون ضروريا فلاجل دفع الاحتمال ولأجل التنصيص على انه ليس بضروري تقيد القضية بقولنا (لا بالضرورة).
    کما يحتمل أن يکون ذلک دائما ويحتمل الا يکون ولاجل دفع الاحتمال وبيان انه ليس بدائم تقيد القضية بقولنا (لا دائما).
    فالجزء الاول وهو (کل مصلّ يتجنب الفحشاء بالفعل) قضية موجبة کلية مطلقة عامة. والجزء الثاني وهو (لا بالضرورة) يشار به الى قضية سالبة کلية ممکنة عامة لان معني (لا بالضرورة) أن تجنب الفحشاء ليس بضروري لکل مصل فيکون مؤداه أنه يمکن سلب تجنب الفحشاء على المصلي ويعبر عن هذه القضية بقولهم : (لا شيء من المصلي بمتجنب للفحشاء بالامکان العام).
    وکذا لوکان الجزء الثاني هو (لا دائما) فانه يشار به الى قضية سالبة کلية ولکنها مطلقة عامة لان معني (لا دائما) ان تجنب الفحشاء لا يثبت لکل مصلّ دائما فيکون المؤدي (لا شيء من المصلي بمتجنب للفحشاء بالفعل).
    وأهم القضايا المرکبة المتعارفة ست :

    1 ـ (المشروطة الخاصة) وهي المشروطة العامة المقيدة باللادوام الذاتي. والمشروطة العامة هي الدالة على ضرورة ثبوت المحمول للموضوع ما دام الوصف ثابتا له فيحتمل فيها أن يکون المحمول دائم الثبوت لذات الموضوع وان تجرد عن الوصف ويحتمل ألا يکون. ولا جل دفع الاحتمال وبيان أنه غير دائم الثبوت لذات الموضوع تقيد القضية باللادوام الذاتي فيشار به الى قضية مطلقة عامة.
    فتترکب المشروطة الخاصة على هذا من مشروطة عامة صريحة ومطلقة عامة مشار اليها بکلمة (لا دائما) نحو (کل شجر نام بالضرورة ما دام شجرا لا دائما) أي لا شيء من الشجر بنام بالفعل. وانما سميت خاصة لانها أخص من المشروطة العامة.
    2 ـ (العرفية الخاصة) وهي العرفية العامة المقيدة باللادوام الذاتي. ومعناه ان المحمول وان کان دائما ما دام اوصف هو غير دائم ما دام الذات فيرفع به احتمال الدوام ما دام الذات. ويشار باللادوام الى قضية مطلقة عامة کالسابق نحو : (کل شجر نام دائما ما دام شجرا لا دائما) أي لا شيء من الشجر بنام بالفعل.
    فتترکب العرفية الخاصة من عرفية عامة صريحة ومطلقة عامة مشار اليها بکلمة (لا دائما). وانما سميت خاصة لانها أخص من العرفية العامة. اذ العرفية العامة تحتمل الدوام ما دام الذات وعدمه والعرفية الخاصة مختصة بعدم الدوام ما دام الذات.
    3 ـ (الوجودية اللاضرورية) وهي المطلقة العامة المقيدة باللاضرورية الذاتية لان المطلقة العامة يحتمل فيها أن يکون المحمول ضروريا لذات الموضوع ويحتمل عدمه ولأجل التصريح بعدم ضرورة ثبوته لذات الموضوع تفيد بکلمة (لا بالضرورة) وسلب الضرورة معناه الامکان العام لان الامکان العام هو سلب الضرورة عن الطرف المقابل فاذا سلبت الضرورة عن الطرف المقابل فاذا سلبت الضرورة عن الطرف المذکور صريحا في القضية ولنفرضه حکما ايجابيا فمعناه ان الطرف المقابل وهو السلب موجه بالامکان العام.

    وعليه فيشار بکلمة (لا بالضرورة) الى ممکنة عامة فاذا قلت : (کل انسان متنفس بالفعل لا بالضرورة) فان (لا بالضرورة) اشارة الى قولک : لا شيء من الانسان بمتنفس بالامکان العام.
    فتترکب اذن الوجودية اللاضرورية من مطلقة عامة وممکنة عامة وانما سميت وجودية لان المطلقة العامة تدل على تحقق الحکم ووجوده خارجا وسميت لا ضرورية لتقيدها باللاضرورة.
    4 ـ (الوجودية اللادائمة) وهي المطلقة العامة المقيدة باللادوام الذاتي لان المطلقة العامة يحتمل فيها أن يکون المحمول دائم الثبوت لذات الموضوع ويحتمل عدمه ولأجل التصريح بعدم الدوام تقيد القضية بکلمة (لا دائما) فيشار بها الى مطلقة عامة کما تقدم فتترکب الوجودية اللادائمة من مطلقتين عامتين وسميت وجودية للسبب المتقدم.
    نحو (لا شيء من الانسان بمتنفس بالفعل لا دائما) أي ان کل انسان متنفس بالفعل.
    5 ـ (الحينية اللادائمة) وهي الحينية المطلقة المقيدة باللادوام الذاتي لأن الحينية المطلقة معناها ان المحمول فعلي الثبوت للموضوع حين اتصافه بوصفه فيحتمل فيها الدوام ما دام الموضوع وعدمه ولأجل التصريح بعدم الدوام تقيد (باللادوام الذاتي) الذي يشار به الى مطلقة عامة کما تقدم فتترکب الحينية اللادائمة من حينية مطلقة ومطلقة عامة. نحو (کل طائر خافق الجناحين بالفعل حين هو طائر لا دائما) أي لا شيء من الطائر بخافق الجناحين بالفعل.
    6 ـ (الممکنة الخاصة) وهي الممکنة العامة المقيدة باللاضرورة الذاتية ومعناها ان الطرف الموافق المذکور في القضية ليس ضروريا کما کان الطرف المخالف حسب التصريح في القضية ليس ضروريا أيضا فيرفع بقيد اللاضرورة احتمال الوجوب اذا کانت القضية موجبة واحتمال الامتناع اذا کانت سالبة. ومفاد مجموع

    القضية بعد الترکيب هو الامکان الخاص الذي هو عبارة عن سلب الضرورة عن الطرفين.
    فتترکب الممکنة الخاصة من ممکنتين عامتين وتکون فيها الجهة نفس المادة الواقعية اذا کانت صادقة.
    ويکفي لا فادة ذلک تقييد القضية بالامکان الخاص اختصارا فنقول : (کل حيوان متحرک بالامکان الخاص) أي کل حيوان متحرک بالامکان العام ولا شيء من الحيوان بمتحرک بالامکان العام.
    والتعبير بالامکان الخاص بمنزلة ما لو قيدت الممکنة العامة باللاضرورة کما لو قلت في المثال : (کل حيوان متحرک بالامکان العام ال بالضرورة).
    الخلاصة :


    تمرينات
    1 ـ اذکر ماذا بين الضرورية الذاتية وبين الدائمة المطلقة من النسب الاربع وکذا ما بين الضرورية الذاتية وبين المشروطة العامة والعرفية العامة.
    2 ـ اذکر النسبة بين الدائمة المطلقة وبين کل من المطلقة العامة والعرفية العامة!
    3 ـ ما النسبة بين المشروطة العامة والعرفية العامة وکذا بين الضرورية الذاتية والمشروطة الخاصة.
    4 ـ لو انا قيدنا المشروطة العامة باللاضرورةالذاتية هل يصح الترکيب؟
    5 ـ هل تري يصح تقييد الحينية المطلقة باللاضرورة الذاتية؟ واذا صح ماذا ينبغي أن نسمي هذه القضية المرکبة؟
    6 ـ هل يصح تقييد الدائمة المطلقة باللاضرورة الذاتية؟
    7 ـ اذکر مثالا واحدا من نفسک لکل من الموجهات البسيطة ثم اجعلها مرکبة بواحدة من الترکيبات الستة المذکورة الممکنة لها.

    تقسيمات الشرطية الاخري
    تقدم ان الشرطية تنقسم باعتبار نسبتها الى متصلة ومنفصلة وباعتبار الکيف الى موجبة وسالبة وباعتبار الاحوال والازمان الى شخصية ومهملة ومحصورة والمحصورة الى کلية وجزئية. وقد بقي تقسيم کل من المتصلة والمنفصلة الى أقسامها.
    اللزومية والاتفاقية
    تنقسم المتصلة باعتبار طبيعة الاتصال بين المقدم والتالي الى لزومية واتفاقية :
    1 ـ (اللزومية) وهي التي بين طرفيها اتصال حقيقي لعلاقة توجب استلزام احدهما للآخر بأن يکون احدهما علة للآخر او معلولين لعلة واحدة. نحو (اذا سخن الماء فانه يتمدد) والمقدم علة التالي. ونحو (اذا تمدد الماء فانه ساخن) والتالي علة للمقدم بعکس الاول. ونحو (اذا غلا الماء فانه يتمدد) وفيه الطرفان معلولان لعلة واحدة لان الغليان والتمدد معلولان للسخونة الى درجة معينة.
    2 ـ (الاتفاقية) وهي التي ليس بين طرفيها اتصال حقيقي لعدم العلقة التي توجب الملازمة ولکنه يتفق حصول التالي عند حصول المقدم کما لو اتفق ان محمدا الطالب لا يحضر الدرس الا بعد شروع المدرس فتؤلف هذه القضية الشرطية (کلما جاء محمد فان المدرس قد سبق شروعه في الدرس). وليس هنا اية علاقة بين مجيء محمد وسبق شروع الدرس وانما ذلک بمحض الصدفة المتکررة.
    ومن لم يتنور بنور العلم والمعرفة کثيرا ما يقع في الغلط فيظن في کثير من الاتفاقيات انها قضايا لزومية لمجرد تکرر المصادفة.

    أقسام المنفصلة
    للمنفصلة تقسيمان :
    أ ـ العنادية والاتفاقية
    وهذا التقسيم باعتبار طبيعة التنافي بين الطرفين کالمتصلة فتنقسم الي :
    1 ـ (العنادية) وهي التي بين طرفيها تناف وعناد حقيقي بأن تکون ذات النسبة في کل منهما تنافي وتعاند ذات النسبة في الآخر نحو (العدد الصحيح اما أن يکون زوجا آو فردا).
    2 ـ (الاتفاقية) وهي التي لا يکون التنافي بين طرفيها حقيقيا ذاتيا وانما يتفق أن يتحقق احدهما بدون الآخر لامر خارج عن ذاتهما نحو : (اما أن يکون الجالس في الدار محمدا أو باقرا) اذا اتفق ان علم ان غيرهما لم يکن. ونحو : (هذا الکتاب اما أن يکون في علم المنطق واما أن يکون مملوکا لخالد) اذا اتفق ان خالدا لا يملک کتابا في علم المنطق واحتمل أن يکون هذا الکتاب المعين في هذا العلم.
    ب ـ الحقيقية ومانعة الجمع ومانعة الخلو
    وهذا التقسيم باعتبار امکان اجتماع الطرفين ورفعهما وعدم امکان ذلک فتنقسم الي :
    1 ـ (حقيقية) وهي ما حکم فيها بتنافي طرفيها صدقا وکذبا في الايجاب وعدم تنافيهما کذلک في السلب بمعني انه لا يمکن اجتماعهما ولا ارتفاعهما في الايجاب ويجتمعان ويرتفعان في السلب.
    مثال الايجاب العدد الصحيح اما أن يکون زوجا أو فردا فالزوج والفرد لا يجتمعان ولا يرتفعان.
    مثال السلب ـ ليس الحيوان اما أن يکون ناطقا واما أن يکون قابلا للتعليم فالناطق والقابل للتعليم يجتمعان في الانسان ويرتفعان في غيره.

    وتستعمل الحقيقية في القسمة الحاصرة : الثنائية وغيرها. واستعمالها أکثر من ان يحصي.
    2 ـ (مانعة جمع) وهي ما حکم فيها بتنافي طرفيها أو عدم تنافيهما صدقا لا کذبا بمعني انه لا يمکن اجتماعهما ويجوز أن يرتفعا معا في الايجاب ويمکن اجتماعهما ولا يمکن ارتفاعهما في السلب.
    مثال الايجاب اما أن يکون الجسم أبيض أو اسود. فالابيض والاسود لا يمکن اجتماعهما في جسم واحد ولکنه يمکن ارتفاعهما في الجسم الاحمر.
    مثال السلب ليس اما أن يکون الجسم غير أبيض او غير اسود فان غير الابيض وغير الاسود يجتمعان في الاحمر ولا يرتفعان في الجسم الواحد بان لا يکون يغر أبيض ولا غير أسود بل يکون أبيض واسود. وهذا محال.
    وتستعمل مانعة الجمع في جواب من يتوهم امکان الاجتماع بين شيئين کمن يتوهم ان الامام يجوز أن يکون عاصيا لله فيقال له : (ان الشخص اما أن يکون اماما أو عا ياالله) ومعناه ان الامامة والعصيان لا يجتمعان وان جاز أن يرتفعا بان يکون شخص واحد ليس اماما وعاصبا.
    هذا في الموجبة وأما في السالبة فتستعمل في جواب من يتوهم استحالة اجتماع شيئين کمن يتوهم امتناع اجتماع النبوة والامامة في بيت واحد فيقال له (ليس اما أن يکون البيت الواحد فيه نبوة أو امامة) ومعناه ان النبوة والامامة لا مانع من اجتماعهما في بيت واحد.
    3 ـ (مانعة خلو) وهي ما حکم فيها بتنافي طرفيها أو عدم تنافيهما کذبا لا صدقا بمعني أنه لا يمکن ارتفاعهما ويمکن اجتماعهما في الايجاب ويمکن ارتفاعهما ولا يمکن اجتماعهما في السلب :
    مثال الايجاب الجسم اما أن يکون غير أبيض او غير أسود اي انه لا يخلو من احدهما وان اجتمعا. ونحو (اما أن يکون الجسم في الماء أو لا يغرق) فانه يمکن

    اجتماعهما بان يکون في الماء ولا يغرق ولکن لا يخلو الواقع من احدهما لامتناع أن لا يکون الجسم في الماء ويغرق.
    مثال السلب ليس اما أن يکون الجسم أبيض واما أن يکون اسود ومعناه ان الواقع قد يخلو من احدهما وان کانا لا يجتمعان.
    وتستعمل مانعة الخلو الموجبة في جواب من يتوهم امکان أن يخلو الواقع من الطرفين کمن يتوهم أنه يمکن ان يخلو الشيء من أن يکون علة ومعلولا فيقال له : (کل شيء لا يخلو اما أن يکون علة أو معلولا) وان جاز ان يکون شيء واحد علة ومعلولا معا : علة لشيء ومعلولا لشيء آخر.
    وأما السالبة فتستعمل في جواب من يتوهم ان الواقع لا يخلو من الطرفين کما يتوهم انحصار أقسام الناس في عاقل لا دين له وديّن لا عقل له فيقال له : (ليس الانسان اما أن يکون عاقلا لا دين له أو ديّنا لا عقل له) بل يجوز أن يکون شخص واحد عاقلا ودينا معا.
    تنبيه
    قد يغفل المبتديء عن بعض القضايا فلا يسهل عليه الحالقها بقسمها من أنواع القضايا لا سيما في التعبيرات الدارجة في ألسنة المؤلفين التي لم توضع بصورة فنية مضبوطة کما تقتضيها قواعد المنطق. وهذه الغفلة قد توقعه في الغلط عند الاستدلال أو لا يهتدي الى وجه الاستدلال في کلام غيره. وتکثر هذه الغفلة في الشرطيات.
    فلذلک وجب التنبيه على أمور تنفع في هذا الباب نرجو ان يستعين بها المبتديء.
    1 ـ تاليف الشرطيات
    ان الشرطية تتألف من طرفين هما قضيتان بالاصل والمنفصلة بالخصوص قد تتألف من ثلاثة أطراف فأکثر. فالطرفان أو الاطراف التي هي القضايا بالاصل قد تکون من الحمليات أو من المتصلات أو من المنفصلات أو من المختلفات بأن تتألف

    المتصلة مثلا حملية ومتصلة. وترتقي أقسام تأليف الشرطيات الى وجوه کثيرة لا فائدة في احصائها. وعلى الطالب أن يلاحظ ذلک بنفسه ولا يغفل عنه فقد ترد عليه شرطية مؤلفة من متصلة ومنفصلة فيظن انها أکثر من قضية. وللتوضيح ندکر بعض الوجوه وأمثلتها :
    فمثلا قدتتألف المتصلة من حملية ومتصلة نحو : (ان کان العلم سببا للسعادة فان کان الانسان عالما کان سعيدا) فان المقدم في هذه القضية حملية والتالي متصلة وهو ان کان الانسان عالما کان سعيدا.
    وقد تتألف المتصلة من حملية ومنفصلة نحو : (اذا کان اللفظ مفردا فإما ان يکون اسما او فعلا او حرفا) فالمقدم حملية والتالي منفصلة ذات ثلاثة أطراف.
    وقد تتألف المنفصلة من حملية ومتصلة نحو (اما أن لا تکون حيلولة الارض مسببا لخسوف القمر او اذا حالت الارض بين القمر والشمس کان القمر منخسفا).
    وهکذا قد تتألف المتصلة أو المنفصلة من متصلتين او منفصلتين او متصلة ومنفصلة ويطول ذکر امثلتها.
    ثم ان الشرطية التي تکون طرفا في شرطية أيضا تأليفها يکون من الحمليات او الشرطيات او المختلفات وهکذا فتنبه لذلک.
    2 ـ المنحرفات
    ومن الموهمات في القضايا انحراف القضية عن استعمالها الطبيعي ووضعها المنطقي فيشتبه حالها بأنها من أي نوع ومثل هذه تسمي (منحرفة).
    وهذا الانحراف قد يکون في الحملية کما لو اقترن سورها بالمحمول مع أن الاستعمال الطبيعي أن يقرن بالموضوع کقولهم : الانسان بعض الحيوان أو الانسان ليس کل الحيوان. وحق الاستعمال فيهما أن يقال : بعض الحيوان انسان. وليس کل حيوان انسانا.
    وقد يکون الانحراف في الشرطية کما لو خلت عن ادوات الاتصال والعناد ،

    فتکون بصورة حملية وهي في قوة الشرطية نحو (لاتکون الشمس طالعة أو يکون النهار موجودا) فهي اما في فوة المتصلة وهي قولنا : کلما کانت الشمس طالعة کان النهار موجودا واما في قوة المنفصلة وهي قولنا : اما ان لا تکون الشمس طالعة واما أن يکون النهار موجودا.
    ونحو (ليس يکون النهار موجودا الا والشمس طالعة) وهي أيضا في قوة المتصلة او المنفصلة المتقدمتين. ونحو (لا يجتمع المال الا من شح أو حرام) فانها في قوة المنفصلة وهي قولنا : إما ان يجتمع المال من شح او من حرام أو في قوة المتصلة وهي قولنا : إن اجتمع المال فاجتماعه اما من شرح أو من حرام. وهذه متصلة مقدمها حملية وتاليها منفصلة بالاصل.
    وعلى الطالب أن يلاحظ ويدقق القضايا المستعملة في العلوم فانها کثيرا ما تکون منحرفة عن أصلها فيغفل عنها. وليستعمل فطنته في ارجاعها الى أصلها.
    تطبيقات
    1 ـ کيف ترد هذه القضية الى أصلها (ليس للانسان الا ما سعي)؟
    الجواب : ان هذه قضية فيها حصر فهي تنحل الى حمليتين موجبة وسالبة فهي منحرفة. والحمليتان هما : کل انسان له نتيجة سعيه. وليس للانسان ما لم يسع اليه.
    2 ـ من أي القضايا قوله : (ازري بنفسه من استشعر الطمع)؟
    الجواب : انها قضية منحرفة عن متصلة وهي في قوة قولنا : کلما استشعر المرء الطمع ازري بنفسه.
    3 ـ کيف ترد هذه القضية الى أصلها : (ما خاب من تمسک بک).
    الجواب : انها منحرفة عن حملية موجبة کلية وهي : کل من تمسک بک لا يخيب.

    تمرينات
    1 ـ لو قال القائل : (کلما کان الحيوان مجترا کان مشقوق الظلف) أو قال : (کلما کان الانسان قصيرا کان ذکيا) فماذا نعد هاتين القضيتين من اللزوميات أو من الاتفاقيات؟
    2 ـ بين نوع هذه القضايا وارجع المنحرفة الى أصلها.
    أ ـ اذا ازدحم الجواب خفي الصواب.
    ب ـ اذا کثرت المقدرة قلت الشهوة.
    ج ـ من نال استطال.
    د ـ رضي بالذل من کشف عن ضره.
    هـ ـ انما يخشي الله من عباده العلماء.
    3 ـ قولهم (الدهر يومان يوم لک ويوم عليک) من أي أنواع القضايا. واذا کانت منحرفة فارجعها الى أصلها وبين نوعها.
    4 ـ من أي القضايا قول على عليه السلام (لا تخلو الارض من قائم لله بحجة اما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا). واذا کانت منحرفة فأرجعها الى أصلها وبين نوعها.
    الخلاصة :


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3303
    نقاط : 4992
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ---المنطق ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ---المنطق ج1   ---المنطق ج1 Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 6:04 am

    الفَصْلُ الثاني
    في أحکام القضايا أو النسب بينها
    تمهيد :
    کثيرا ما يعاني فيلتجيء الباحث مشقة في البرهان على مطلوبه مباشرة بل قد يمتنع عليه ذلک احيانا فيلتجيء الى البرهان على قضية أخري لها نسبة مع القضية المطلوبة ليقارنها بها : فقد يحصل له من العلم بصدق القضية المبرهن عليها العلم بکذب القضية المطلوبة أو بالعکس. وذلک اذا کان هناک تلازم بين صدق احداهما وکذب الاخري. وقد يحصل له من العلم بصدق القضية المبرهن عليها العلم بصدق القضية المطلوبة أو من العلم بکذب الاولي العلم بکذب الثانية. وذلک اذا کان صدق الاولي يستلزم صدق الثانية أو کان کذبها يستلزم کذبها.
    فلا بد للمنطقي قبل الشروع في مباحث الاستدلال وبعد إ لمامه بجملة من القضايا أن يعرف النسب بينها حتي يستطيع ان يبرهن على مطلوبه أحيانا من طريق البرهنة على قضية أخري لها نسبتها مع القضية المطلوبة فينتقل ذهنه من القضية المبرهن على صدقها او کذبها الى صدق أو کذب القضية التي يحاول تحصيل العلم بها.
    والمباحث التي تعريف بها النسب بين القضايا هي مباحث التناقض والعکس المستوي وعکس النقيض وملحقاتها. وتسمي (احکام القضايا). ونحن نشرع ان شاء الله تعالي في هذه المباحث على هذا الترتيب المتقدم.

    التناقض
    الحاجة الى هذا البحث والتعريف به
    قلنا في التمهيد : ان کثيرا ما تمس الحاجة الى الاستدلال على قضية ليست هي نفس القضية المطلوبة. ولکن العلم بکذبها يلزمه العلم بصدق القضية المطلوبة او بالعکس عندما يکون صدق احداهما يلزم کذب الاخري.
    والقضيتان اللتان لهما هذه الصفة هما القضيتان المتناقضتان فاذا أردت مثلا أن تبرهن على صدق القضية (الروح موجودة) مع فرض انک لا تتمکن على ذلک مباشرة فيکفي ان تبرهن على کذب نقيضها وهو (الروح ليست موجودة) فاذا علمت کذب هذا النقيض لا بد أن تعلم صدق الاولي لان النقيضين لا يکذبان معا. واذا برهنت على صدق النقيض لا بد أن تعلم صدق لان النقيضين لا يکذبان معا. واذا برهنت على صدق النقيض لا بد ان تعلم کذب الاولي لان النقيضين لا يصدقان معا.
    وربما يظن أن معرفة نقيض القضية أمر ظاهر کمعرفة نقائض المفردات کالانسان واللانسان التي يکفي فيها الاختلاف بالايجاب والسلب. ولکن الامر ليس بهذه السهولة اذ يجوز أن تکون الموجبة والسالبة صادقتين معا مثل : بعض الحيوان انسان وبعض الحيوان ليس بانسان. ويجوز أن تکونا کاذبتين معا مثل : کل حيوان انسان ولا شيء من الحيوان بانسان.
    وعليه لا غنى للباحث عن الرجوع الى قواعد التناقض المذکورة في علم المنطق لتشخيص نقيض کل قضية
    تعريف التناقض
    قد عرفت فيما سبق المقصود من التناقض الذي هو أحد أقسام التقابل ولنضعه هنا بعبارة جامعة فنية في خصوص القضايا فنقول (تناقض القضايا :

    اختلاف في القضيتين يقتضي لذاته أن تکون احداهما صادقة والاخري کاذبة).
    ولا بد من قيد (لذاته) في التعريف لانه ربما يقتضي اختلاف القضيتين تخالفهما في الصدق والکذب ولکن لا لذات الاختلاف بل لامر آخر مثل : کل انسان حويان ولا شيسء من الانسان بحيوان فانه لما کان الموضوع أخص من المحمول صدقت احدي الکليتين وکذبت الاخري. أما لو کان الموضوع أعم من المحمول لکذبا معا نحو کل حيوان انسان ولا شيء من الحيوان بانسان کما تقدم.
    ونعني بالاختلاف الذي يقتضي تخالفهما في الصدق هو الاختلاف الذي يقتضي ذلک في أية مادة کانت القضيتان ومهما کانت النسبة بين الموضوع والمحمول کالاختلاف بين الموجبة الکلية والسالبة الجزئية.
    شروط التناقض
    لا بد لتحقق التناقض بين القضيتين من اتحاد هما في أمور ثمانية واختلافهما في أمور ثلاثة :
    الوحدات الثمان :
    تسمي الامور التي يجب اتحاد القضيتين المتناقضتين فيها (الوحدات الثمان) وهي ما يأتي :
    1 ـ (الموضوع) فلو اختلفا فيه لم يتناقضا مثل : العلم نافع الجهل ليس بنافع.
    2 ـ (المحمول) فلو اختلفا فيه لم يتناقضا مثل : العلم نافع العلم ليس بضار.
    3 ـ (الزمان) فلا تناقض بين «الشمس مشرقة» أي في النهار وبين «الشمس ليست بمشرقة» أي في الليل.
    4 ـ (المکان) فلا تناقض بين «الارض مخصبة» أي في الريف وبين «الارض ليست بمخصبة» أي في البادية.

    5 ـ (القوة والفعل) أي لا بد من اتحاد القضيتين في القوة والفعل فلا تناقض بين «محمد ميت» أي بالقوة وبين «محمد ليس بميت» أي بالفعل.
    6 ـ (الکل والجزء) فلا تناقض بين «العراق مخصب» أي بعضه وبين «العراق ليس بمخصب» أي کله.
    7 ـ (الشرط) فلا تناقض بين «الطالب ناجح آخر السنة» أي ان اجتهد وبين «الطالب غير ناجح» أي اذا لم يجتهد.
    8 ـ (الاضافة) فلا تناقض بين «الاربعة نصف» أي بالاضافة الى الثمانية وبين «الاربعة ليست بنصف» أي بالاضافة الى العشرة.
    تنبيه
    هذه الوحدات الثمان هي المشهورة بين المناطقة. وبعضهم يضيف اليها (وحدة الحمل) من ناحية کونه حملا أوليا أو حملا شايعا. وهذا الشرط لازم فيجب لتناقض القضيتين أن يتحدا في الحمل فلو کان الحمل في إحداهما أوليا وفي الاخري شايعا فانه يجوز أن يصدقا معا مثل قولهم (الجزئي جزئي) أي بالحمل الاولي (الجزئي ليس بجزئي) أي بالحمل الشايع لان مفهوم الجزئي من مصاديق مفهوم الکلي فانه يصدق على کثيرين.
    الاختلاف
    قلنا : لا بد من اختلاف القضيتين المتناقضتين في أمور ثلاثة. وهي (الکم والکيف والجهة).
    الاختلاف بالکم والکيف :
    أما الاختلاف بالکم والکيف فمعناه ان احداهما اذا کانت موجبة کانت الاخري سالبة واذا کانت کلية کانت الثانية جزئية. وعليه.
    الموجبة الکلية ... نقيض .... السالبة الجزئية
    الموجبة الجزئية ... نقيض .... السالبة الکلية

    لانهما لو کانتا موجبتين أو سالبتين لجاز أن يصدقا أو يکذبا معا. ولو کانت کليتين لجاز ان يکذبا معا کما لو کان الموضع أعم على ما مثلنا سابقا. ولو کانتا جزئيتين لجاز أن يصدقا معا کما لو کان الموضوع أيضا أعم. نحو : بعض المعدن حديد. وبعض المعدن ليس بحديد.
    الاختلاف بالجهة
    أما الاختلاف بالجهة فأمر يقتضيه طبع التناقض کالاختلاف بالايجاب والسلب لأن نقيض کل شيء رفعه فکما يرفع الايجاب بالسلب والسلب بالايجاب فلا بد من رفع الجهة بجهة تناقضها.
    ولکن الجهة التي ترفع جهة أخري قد تکون من احدي الجهات المعرفة فيکون لها نقيض صريح مثل رفع الممکنة العامة بالضرورية وبالعکس لان الامکان هو سلب الضرورة.
    وقد لا تکون من الجهات المعروفة التي لها عندنا اسم معروف فلا بد أن نلتمس لها جهة من الجهات المعروفة تلازمها فنطلق عليها اسمها فلا يکون نقيضا صريحا بل لازم النقيض.
    مثلا (الدائمة) تناقضها (المطلقة العامة) ولکن لا بالتناقض الصريح بل احداهما لازمة لنقيض الاخري فاذا قلت : «الارض متحرکة دائما» فنقيضها الصريح سلب الدوام ولکن سلب الدوام ليس من الجهات المعروفة فنلتمس له جهة لازمة فنقول : لازم عدم الدوام أن سلب التحرک عن الارض حاصل في زمن من الازمنة أي «ان الارض ليست متحرکة بالفعل». وهذه مطلقة عامة تکون لازمة لنقيض الدائمة.
    واذا قلت : «کل انسان کاتب بالفعل» فنقيضها السريع ان الانسان لم تثبت له لاکتابة کذلک أي بالفعل. ولازم ذلک دوام السلب أي «ان بعض الانسان ليس بکاتب دائما» وهذه دائمة وهي لازمة لنقيض المطلقة العامة.

    ولا حاجة الى ذکر تفصيل نقائض الموجهات فلتطلب من المطولات ان ارادها الطالب على انه في غني عنها وننصحه ألا يتعب نفسه بتحصيلها فانها قليلة الجدوي.
    من ملحقات التناقض :
    التداخل والتضاد والدخول تحت التضاد
    تقدم ان التناقض في المحصورات الاربع يقع بين الموجبه الکلية والسالبة الجزئية وبين الموجبة الجزئية والسالبة الکلية أي بين المختلفتين في الکم والکيف. ويبقي أن تلاحظ النسبة بين البواقي أي بين المختلفتين بالکم فقط أو بالکيف فقط ومعرفة هذه النسب تنفع أيضا في الاستدلال على قضية لمعرفة قضية أخري لها تسيبة معها کما سيأتي.
    وعليه نقول : المحصورتان ان اختلفتا کما وکيفا فهما المتناقضتان وقد تقدم التناقض. وان اختلفتا في احدهما فقط فعلي ثلاثة أقسام.
    1 ـ (المتداخلتان) وهما المختلفتان في الکم دون الکيف أعني الموجبتين أو السالبتين. وسميتا متداخلتين لدخول احداهما في الاخري لأن الجزئية داخلة في الکلية.
    ومعني ذلک : ان الکلية اذا صدقت صدقت الجزئية المتحدة معها في الکيف ولا عکس.
    ولازم ذلک ان الجزئية اذا کذبت کذبت الکلية المتحدة معها في الکيف ولا عکس.
    مثلا (کل ذهب معدن) فانها صادقة ولابد أن تصدق معها (بعض الذهب معدن) قطعا.
    ومثل (بعض الذهب اسود) فانها کاذبة ولا بد أن تکذب معها (کل ذهب اسود).

    2 ـ (المتضادتان) وهما المختلفتان في الکيف دون الکم وکانتا کليتين. وسميتا متضادتين لانهما کالضدين يمتنع صدقهما معا ويجوز أن يکذبا معا.
    ومعني ذلک أنه اذا صدقت احداهما لا بد أن تکذب الاخري ولا عکس أي لو کذبت احداهما لا يجب أن تصدق الاخري.
    فمثلا اذا صدق (کل ذهب معدن) يجب أن يکذب (لا شيء من الذهب بمعدن).
    ولکن اذا کذب (کل معدن ذهب) لا يجب أن يصدق (لا شيء من المعدن بذهب) بل هذه کاذبة في المثال.
    3 ـ (الداخلتان تحت التضاد) وهما المختلفتان في الکيف دون الکم وکانتا جزئيتين. وانما سميتا داخلتين تحت التضاد لا نهما داخلتان تحت الکليتين کل منهماتحت الکلية المتفقة معها في الکيف من جهة ولا نهما على عکس الضدين في الصدق والکذب أي انهما يمتنع اجتماعهما على الکذب ويجوز أن يصدقا معا.
    ومعنى ذلک : انه اذا کذبت احداهما لابد أن تصدق الاخري ولا عکس أي انه لو صدقت احداهما لا يجب أن تکذب الاخري.
    فمثلا اذا کذب (بعض الذهب اسود) فانه يجب أن يصدق (بعض الذهب ليس بأسود).
    ولکن اذا صدق (بعض المعدن ذهب) لا يجب أن يکذب (بعض المعدن ليس بذهب) بل هذه صادقة في المثال.
    وقد جرت عادة المنطقيين من القديم أن يضعوا لتناسب المحصورات جميعا لأجل توضيحها لوحا على النحو الآتي :



    العکوس
    سبق في أول هذا الفصل ان قلنا : ان الباحث قد يحتاج للاستدلال على مطلوبه الى أن يبرهن على قضية اخري لها علاقة مع مطلوبه يستنبط من صدقها صدق القضية المطلوبة للملازمة بينهما في الصدق. وهذه الملازمة واقعة بين کل قضية و(عکسها المستوي) وبينها وبين (عکس نقيضها). فنحن الآن نبحث عن القسمين :
    العکس المستوي
    أما العکس المستوي فهو : «تبديل طرفي القضية مع بقاء الکيف والصدق». أي ان القضية المحکوم بصدقها تحول الى قضية تتبع الاولي في الصدق وفي الايجاب والسلب بتبديل طرفي الاولي بأن يجعل موضوع الاولي محمولا في الثانية والمحمول موضوعا أو المقدم تاليا والتالي مقدما.
    وتسمي الاولي (الاصل) والثانية (العکس المستوي). فکلمة (العکس) هنا لها اصطلاحان : اصطلاح في نفس التبديل واصطلاح في القضية التي وقع فيها التبديل.
    ومعنى ان العکس تابع للاصل في الصدق : أن الاصل اذا کان صادقا وجب صدق العکس. ولکن لا يجب أن يتبعه في الکذب فقد يکذب الاصل والعکس صادق. ولازم ذلک ان الاصل لا يتبع عکسه في الصدق ولکن يتبعه في الکذب فاذا کذب العکس کذب الاصل لانه لو صدق الاصل يلزم منه صدق العکس والمفروض کذبه.

    فهنا قاعدتان تنفعان في الاستدلال :
    1 ـ اذا صدق الاصل صدق عکسه.
    2 ـ اذا کذب العکس کذب اصله.
    وهذه القاعدة الثانية متفرعة على الاولي. کما علمت.
    شروط العکس
    علمنا ان العکس انما يحصل بشروط ثلاثة : تبديل الطرفين وبقاء الکيف وبقاء الصدق. أما الکم فلا يشترط بقاؤه وانما الواجب بقاء الصدق وهو قد يقتضي بقاء الکم في بعض القضايا وقد يقتضي عدمه في البعض الآخر.
    والمهم فيما يأتي معرفة القضية التي يقتضي بقاء الصدق في عکسها بقاء الکم أو عدم بقائه.
    ولو تبدل الطرفان وکان الکيف باقيا. ولکن لم يبق الصدق فلا يسمي ذلک عکسا. بل يسمي (انقلابا).
    الموجبتان تنعکسان موجبة جزئية :
    أي ان الموجبة الکلية تنعکس موجبة جزئية. والموجبة الجزئية تنعکس کنفسها. فاذا قلت :
    کل حـ ب فعکسها ع ب حـ
    وع حـ ب فعکسها ع ب حـ
    ولا ينعکسان الى کل ب حـ
    البرهان :
    (1) في الکلية : أن المحمول فيها اما ان يکون أعم من الموضوع أو مساوياله. وعلي التقديرين تصدق الجزئية قطعا لان الموضوع في التقديرين يصدق على بعض افراد المحمول فاذا قلت :


    کل ماء مسائل يصدق بعض السائل ماء
    وکل انسان ناطق يصدق بعض الناطق انسان
    ولکن لا تصدق الکلية على کل تقدير لان الموضوع في التقدير الاول لا يصدق على جميع أفراد المحمول لانه أخص من المحمول فاذا قلت :
    (کل سائل ماء) فالقضية کاذبة وهو المطلوب.
    (2) وفي الجزئية : اما أن يکون المحمول أعم مطلقا من الموضوع أو اخص مطلقا او اعم من وجه او مساويا. وعلى بعض هذه التقادير وهو التقدير الاول والثالث لا يصدق العکس موجبة کلية لانه اذا کان المحمول أعم مطلقا أو من وجه فان الموضوع لا يصدق على جميع أفراد المحمول انما يصدق لو کان اخص او مساويا. أما عکسه الى الموجبة الجزئية فانه يصدق على کل تقدير فاذا قلت :
    بعض السائل ماء يصدق بعض الماء سائل
    وبعض الماء سائل يصدق بعض السائل ماء
    وبعض الطير أبيض يصدق بعض الابيض طير
    وبعض الانسان ناطق يصدق بعض الناطق انسان
    السالبة الکلية تنعکس سالبة کلية
    فيبقي الکم والکيف معا فاذا صدق قولنا :
    لا شيء من الحيوان بشجر
    صدق لا شيء من الشجر بحيوان
    والبرهان واضح : لان السالبة الکلية لا تصدق الاّ مع تباين الموضوع والمحمول تباينا کليا. والمتباينان لا يجتمعان أبدا فيصح سلب کل منهما عن جميع أفراد الآخر سواء جعلت هذا موضوعا أو ذاک موضوعا.
    وللتدريب على اقامة البراهين من طريق النقيض والعکس نقيم البرهان على هذا الامر بالصورة الآتية :


    المفروض لا ب حـ قضية صادقة
    المدعي لا حـ ب صادقة أيضا
    البرهان :
    لو لم تصدق لا حـ ب
    لصدق نقيضها ع حـ ب
    ولصدق ع ب حـ (العکس المستوي للنقيض)
    واذا لا حظنا هذا العکس المستوي (ع ب حـ) ونسبناه الى الأصل (لا ب حـ) وجدناه نقيضاله فلو کان (ع ب حـ) صادقا وجب أن يکون (لا ب حـ) کاذبا مع ان المفروض صدقه.
    فوجب ان تکون لا حـ ب صادقة وهو المطلوب
    تعقيب
    بهذا البرهان تعرف الفائدة في النقيض والعکس المستوي عند الاستدلال. لأنا لا بد أن نرجع في هذا البرهان الى الوراء فنقول :
    المفروض ان لا ب حـ صادقة
    فتکذب ع ب حـ نقيضها
    وهذا النقيض عکس ع حـ ب فيکذب أيضا
    لا نه اذا کذب العکس کذب الاصل (القاعدة الثانية)
    واذا کذب هذا الاصل اعني ع حـ ب
    صدق نقيضه لا حـ ب وهو المطلوب
    فاستفدت (تارة) من صدق الاصل کذب نقيضه و(أخري) من کذب العکس کذب أصله و(ثالثة) من کذب الاصل صدق نقيضه.
    وسيمر عليک هذا الاصتدلال کثيرا فدقق فيه جيدا وعليک باتقانه.

    السالبة الجزئية لا عکس لها
    أي لا تنعکس أبدا لا الى کلية ولا الى جزئية لأنه يجوز أن يکون موضوعها اعم من محمولها مثل (بعض الحيوان ليس بانسان). والاخص لا يجوز سلب الاعم عنه بحال من الاحوال لا کليا ولا جزئيا لأنه کلما صدق الاخص صدق الاعم معه فکيف يصح سلب الأعم عنه فلا يصدق قولنا (لا شيء من الانسان بحيوان) ولا قولنا (بعض الإنسان ليس بحيوان).
    المنفصلة لا عکس لها :
    أشرنا في صدر البحث الى ان العکس المستوي يعم الحملية والشرطية : ولکن عند التأمل نجد أن المنفصلة لا ثمرة لعکسها لانها أقصي ما تدل عليه تدل على التنافي بين المقدم والتالي. ولا ترتيب طبيعي بينهما فانت بالخيار في جعل ايهما مقدما والثاني تاليا من دون أن يحصل فرق في البين فسواء ان قلت : العدد اما زوج أو فرد أو قلت : العدد اما فرد أو زوج فان مؤداهما واحد.
    فلذا قالوا : المنفصلة لا عکس لها. أي لا ثمرة فيه.
    نعم لو حولتها الى حملية فان احکام الحملية تشملها کما لو قلت في المثال مثلا : العدد ينقسم الى زوج وفرد فانها تنعکس الى قولنا : ما ينقسم الى زوج وفرود عدد.

    عکس النقيض
    وهو العکس الثاني للقضية الذي يستدل بصدقها على صدقه. وله طريقتان.
    1 ـ طريقة القدماء ويسمي (عکس النقيض الموافق) لتوافقه مع أصله في الکيف وهو «تحويل القضية الى أخري موضوعها نقيض محمول الاصل ومحمولها نقيض موضوع الاصل مع بقاء الصدق والکيف».
    وبالاختصار هو : «تبديل نقيضي الطرفين مع بقاء الصدق والکيف». فالقضية : کل کاتب انسان تحول بعکس النقيض الموافق الي :
    کل (لا انسان) هو (لا کاتب)
    2 ـ طريقة المتأخرين ويسمي (عکس النقيض المخالف) لتخالفه مع أصله في
    الکيف وهو «تحويل القضية الى أخري موضوعها نقيض محمول الاصل ومحمولها عين موضوع الاصل مع بقاء الصدق دون الکيف».
    فالقضية : کل کاتب انسان تحول بعکس النقيض المخالف الي :
    لا شيء من (اللانسان) بکاتب

    قاعدة عکس النقيض
    من جهة الکم
    حکم السوالب هنا حکم الموجبات في العکس المستوي وحکم الموجبات حکم السوالب هناک أي ان :
    1 ـ السالبة الکلية تنعکس جزئية : سالبة في الموافق وموجبة في المخالف.
    2 ـ السالبة الجزئية تنعکس جزئية أيضا : سالبة في الموافق موجبة في المخالف.
    3 ـ الموجبة الکلية تنعکس کلية : موجبة في الموافق سالبة في المخالف.
    4 ـ الموجبة الجزئية لا تنعکس اصلا بعکس النقيض.
    البرهان
    ولا بد من اقامة البرهان على کل واحد من تلک الاحکام السابقة وفي هذه البراهين تدريب للطالب على الاستفادة من النقيض والعکس في الاستدلال وقد استعملنا الاسلوب المتبع في الهندسة النظرية لإقامة البرهان. فمن ألف اسلوب الکتب الهندسية يسهل عليه ذلک. وقد تقدم مثال منه في البرهان على عکس السالبة الکلية بالعکس المستوي موضحا (1).
    ويجب أن يعلم انا نرمز للنقيض بحرف عليه فتحة للاختصار وللتوضيح. في کل ما سيأتي على هذا النحو :
    بَ ..................... نقيض الموضوع
    حـَ .................... نقيض المحمول

    برهان عکس السالبة الکلية
    فلاجل اثبات عکس السالبة الکلية بعکس النقيض نقيم برهانين : برهانا على عکسها بالموافق وبرهان على عکسها بالمخالف فنقول :
    (أولا) المدعي انها تنعکس سالبة جزئية بعکس النقيض الموافق ولا تنعکس سالبة کلية فهنا مطلوبان أي انه اذا صدقت.
    لا ب حـ
    صدقت س حـَ بَ (المطلوب الاول)
    ولا تصدق لا حـَ بَ (المطلوب الثاني)
    البرهان :
    ان من المعلوم :
    1 ـ ان السالبة الکلية ال تصدق الا اذا کان بين طرفيها تباين کلي. وهذا بديهي.
    2 ـ ان النسبة بين نقيضي المتباينين هي التباين الجزئي وقد تقدم البرهان على ذلک في بحث النسب في الجزء الاول.
    3 ـ ان مرجع التباين الجزئي الى سالبتين جزئيتين کما ان مرجع التباين الکلي الى سالبتين کليتين. وهذا بديهي أيضا.
    وينتج من هذه المقدمات الثلاث أنه :
    اذا صدق لا ب حـ (أي يکون بين الطرفين تباين کلي)
    صدقت س بَ حَـ السالبة الجزئية بين النقيضين
    وصدقت أيضا س حَـ بَ السالبة الجزئية بين النقيضين
    وهو (المطلوب الاول)
    ثم يفهم من المقدمة الثانية ان التباين الکلي لا يتحقق دائما بين نقيضي

    المتباينين اذ ربما يکون بينهما العموم والخصوص من وجه.
    أي ان السالبة الکلية بين نقيضي المتباينين لا تصدق دائما.
    أو فقل لا تصدق دائما لا حَـ بَ (المطلوب الثاني)
    (ثانيا) المدعي ان السالبة الکلية تنعکس موجبة جزئية بعکس النقيض المخالف ولا تنعکس موجبة کلية فهنا مطلوبان أي انه اذا صدقت :
    لا ب حـ
    صدقت ع حَـ ب (المطلوب الاول)
    ولا تصدق کل حَـ ب (المطلوب الثاني)
    البرهان :
    لما کان بين ب ، حـ تباين کلي کما تقدم فمعناه أن احدهما يصدق من نقيض الآخر.
    أي ان ب يصدق مع حَـ
    واذا تصادق ب وحَـ
    صدق على الاقل ع حـ ب
    (المطلوب الاول)
    ثم انه تقدم ان نقيضي المتباينين قد تکون بينهما نسبة العموم والخصوص من وجه فيصدق على هذا التقدير :
    حَـ مع ب
    ولا يصدق حينئذ حَـ مع ب والا لاجتمع النقيضان ب ، بَ
    فلا يصدق کل حَـ ب (المطلوب الثاني)
    برهان عکس السالبة الجزئية
    ولأجل اثبات عکس السالبة الجزئية بعکس النقيض أيضا نقيم برهانين للموافق والمخالف فنقول :

    (اولا) المدعي ان السالبة الجزئية تنعکس سالبة جزئية بعکس النقيض الموافق ولا تنعکس کلية فهنا مطلوبان أي انه اذا صدقت :
    س ب حـ
    صدقت س حَـ بَ (المطلوب الاول)
    ولا تصدق لا حَـ بَ (المطلوب الثاني)
    البرهان :
    من المعلوم ان السالبة الجزئية تصدق في ثلاثة فروض :
    1 ـ ان يکون بين طرفيها عموم من وجه. وحينئذ يکون بين نقيضيهما تباين جزئي کما تقدم في بحث النسب.
    2 ـ ان يکون بينهما تباين کلي وبين نقيضيهما أيضا تباين جزئي کما تقدم.
    3 ـ ان يکون الموضوع أعم مطلقا من المحمول فيکون نقيض المحمول أعم مطلقا من نقيض الموضوع.
    وعلى جميع هذه التقادير الثلاثة تصدق السالبة الجزئية :
    س حَ بَ (المطلوب الاول)
    اما للتباين الجزئي بينهما أو لان نقيض حـ أعم مطلقا من نقيض ب.
    ثم على بعض التقادير يکون بين نقيضي الطرفين عموم وخصوص من وجه أو مطلقا فلا تصدق السالبة الکلية :
    لا حَـ بَ (المطلوب الثاني)
    (ثانيا) المدعي ان السالبة الجزئية تنعکس موجبة جزئية بعکس النقيض المخالف ولا تنعکس کلية فهنا مطلوبان أي اذا صدقت :
    س ب حـ
    صدقت ع حَـ ب (المطلوب الاول)



    ولا تصدق کل حَـ ب (المطلوب الثاني)
    البرهان :
    تقدم ان على جميع التقادير الممکنة للموضوع والمحمول في السالبة الجزئية اما أن يکون بين نقيضيهما تباين جزئي أو ان نقيض المحمول أعم مطلقا فيلزم على القديرين أن يصدق :
    بعض حَـ بدون بَ
    فيصدق بعض حَـ مع ب
    لا النقيضين (وهما بَ ، ب) لا يرتفعان
    أي يصدق ع حَـ ب (المطلوب الاول)
    ثم ان نقيضي الموضوع والمحمول قد يکون بينهما عموم من وجه.
    وقد تصدق ع حَـ بَ
    ويمکن تحويلها الى س حَـ ب صادقة
    لان الاولي موجبة معدولة المحمول فيمکن جعلها سالبة محصلة المحمول اذ السالبة المحصلة المحمول أعم من الموجبة المعدولة المحمول اذا اتفقا في الکم واذا صدق الاخص صدق الأعم قطعا فاذا کانت :
    س حَـ ب صادقة
    کذب نقيضها کل حَـ ب (المطلوب الثاني)
    برهان عکس الموجبة الکلية
    ولا ججل اثبات عکس الموجبة الکلية بعکس النقيض نقيم أيضا برهانين للموافق والمخالف فنقول :
    (اولا) المدعي انها تنعکس موجبة کلية بعکس النقيض الموافق أي انه اذا صدقت :
    کل ب حـ (المفروض)
    صدقت کل حَـ بَ (المطلوب)


    البرهان :
    لو لم تصدق کل حَـ بَ
    لصدقت س حَـ بَ نقيضها
    فتصدق س ب حـ عکس نقيضها الموافق
    فتکذب کل ب حـ نقيض العکس المذکور
    وهذا خلف. أي خلف الفرض لان هذا (نقيض العکس المذکور) هو نفس الاصل المفروض صدقه.
    فوجب ان تصدق کل حَـ بَ (وهو المطلوب)
    (ثانيا) المدعي ان الموجبة الکلية تنعکس سالبة کلية بعکس النقيض المخالف أي انه اذا صدقت :
    کل ب حـ (المفروض)
    صدقت لا حَـ ب (المطلوب)
    البرهان :
    لولم تصدق لا حَـ ب
    لصدقت ع حَـ ب نقيضها
    فتصدق ع ب حـَ عکسها المستوي
    وهذه موجبة جزئية معدولة المحمول فتحول الى سالبة جزئية محصلة المحمول وقد تقدم فيحدث أن :
    س ب حـ
    فتکذب کل بَ حَـ نقيضها
    وهذا خلف لانه الاصل المفروض صدقه
    فوجب ان تصدق لا حَـ ب (وهو المطلوب)
    الموجبة الجزئية لا تنعکس
    يکفينا للبرهنة على عدم انعکاس الموجبة الجزئية بعکس النقيض الموافق

    والمخالف مطلقا أن نبرهن على عدم انعکاسها الى الجزئية. وبطريق أولي يعلم عدم انعکاسها الى الکلية لأنه تقدم ان الجزئية داخلة في الکلية فاذا کذبت الجزئية کذبت الکلية. وعليه فنقول :
    (اولا) المدعي ان الموجبة الجزئية لا تنعکس الى موجبة جزئية بعکس النقيض الموافق.
    فاذا صدقت ع ب حـ
    لا يلزم ان تصدق ع حَـ بَ
    البرهان :
    من موارد صدق الموجبة الجزئية أن يکون بين طرفيها عموم من وجه فيکون حينئذ بين نقيضيهما نسبة التباين الجزئي الذي هو أعم من التباين الکلي والعموم من وجه فيصدق على تقديم التباين الکلي :
    لا حَـ بَ
    فيکذب نقيضها ع حَـ بَ (وهو المطلوب)
    (ثانيا) المدعي ان الموجبة الجزئية لا تنعکس الى السالبة الجزئية بعکس النقيض المخالف.
    فاذا صدقت ع ب حـ
    لا يلزم ان تصدق س حَـ ب
    البرهان :
    قد تقدم على تقديم التباين الکلي بين نقيضي الطرفين في الموجبة الجزئية والسالبة الکلية :
    لا حَـ ب
    فتصدق کل حَـ ب لان سلب السلب ايجاب
    فيکذب نقيضها س حَـ ب (وهو المطلوب)
    ولأجل أن يتضح لک عدم انعکاس الموجبة الجزئية بعکس النقيض تدبر هذا

    المثال وهو (بعض اللانسان حيوان) فان هذه القضية لا تنعکس بعکس النقيض الموافق الى (بعض اللاحيوان انسان) ولا الى (کل لا حيوان انسان) لا نهما کاذبتان لأنه لا شيء من اللاحيوان بانسان.
    ولا تنعکس بالمخالف الى (ليس کل لا حيوان لا انسان) ولا الى (لا شيء من اللاحيوان بلا انسان) الانهما کاذبتان أيضا لأن کل لا حيوان هو لا انسان.

    تمرينات
    1 ـ اذا کانت هذه القضية (کل عاقل لا تبطره النعمة) صادقة. فبين حکم القضايا الآتية في صدقها أو کذبها. مع بيان السبب :
    أ ـ بعض العقلاء لا تبطره النعمة.
    ب ـ ليس بعض العقلاء لا تبطره النعمة.
    ج ـ جيمع من لا تبطرهم النعمة عقلاء.
    د ـ لا شخص من العقلاء لا تبطره النعمة.
    هـ ـ کل من تبطره النعمة غير عاقل.
    و ـ لا شخص ممن تبطره النعمة بعاقل.
    ز ـ بعض من لا تبطره النعمة عاقل.
    2 ـ اذا کانت هذه القضية (بعض المعادن ليس يذوب بالحرارة) کاذبة فاستخرج القضايا الصادقة والکاذبة التي تلزم من کذب هذه القضية.
    3 ـ استدل فخر المحققين في شرحه (الايضاح) على أن الماء يتنجس بالتغيير التقديري بالنجاسة فقال : «ان الماء مقهور بالنجاسة عند التغيير التقديري لانه کلما لم يصير الماء مقهورا لم يتغير بها على تقدير المخالفة. وينعکس النقيض الى قولنا : کلما تغير الماء على تقدير المخالفة بالنجاسة کان مقهورا».
    فبين أي عکس نقيض هذا. وکيف استخراجه. ولا حظ ان القضية المستعملة هنا شرطية متصلة.
    __________________
    (1) نقل هذا الاستدلال صاحب المدارك في مبحث الماء. ثم اورد عليه فراجع اذا شئت.

    من ملحقات العکوس
    النقض
    من المباحث التي لا تقل شأنا عن العکوس في استنباط صدق القضية من صدق أصلها مباحث (النقض) فلا بأس بالتعرض لها الحاقا لها بالعکوس فنقول :
    النقض : هو تحويل القضية الى أخري لازمة لها في الصدق مع بقاء طرفي القضية على موضعهما. وهو على ثلاثة أنواع :
    1 ـ أن يجعل نقيض موضوع الاولي موضوعا للثانية ونفس محمولها محمولا ويسمي هذا التحويل (نقض الموضوع) والقضية المحولة (منقوضة الموضوع).
    2 ـ أن يجعل نفس موضوع الاولي موضوعا للثانية ونقيض محمولها محمولا ويسمي التحويل (نقيض المحمول) والقضية المحولة (منقوضة المحمول).
    3 ـ أن يجعل نقيض الموضوع موضوعا ونقيض المحمول محمولا. ويسمي التحويل (النقض التام). والقضية المحولة (منقوضة الطرفين).
    ولنبحث عن قاعدة کل واحد من هذه الانواع. ولنبدأ بقاعدة نقض المحمول لأنه الباب للباقي کما ستعرف السر في ذلک :
    قاعدة نقض المحمول
    علينا لاستخراج منقوضة المحمول صادقة على تقدير صدق أصلها ان نغير کيف القضية ونستبدل محمولها بنقيضه. مع بقاء الموضوع على حاله وبقاء الکم. ولا بد من اقامة البرهان على منقوضة محمول کل واحدة من المحصورات فنقول :
    1 ـ (الموجبة الکلية) منقوضة محمولها سالبة کلية نحو کل انسان حيوان فتحول

    بنقض محمولها الي : «لا شيء من الانسان بلا حيوان».
    وللبرهان على ذلک نقول :
    اذا صدقت کل ب حـ (المفروض)
    صدقت لا ب حَـ (المطلوب)
    البرهان :
    اذا صدقت کل ب حـ
    صدقت لا حَـ ب عکس نقيضها المخالف
    وينعکس بالعکس المستوي الى لا ب حَـ وهو المطلوب
    2 ـ (الموجبة الجزئية) منقوضة محمولها سالبة جزئية نحو بعض الحيوان انسان فتتحول بنقض محمولها الي : «ليس کل حيوان لا انسان أي أنه إذا صدقت :
    ع ب حـ (المفروض)
    صدقت س ب حَـ (المطلوب)
    البرهان :
    لولم تصدق س ب حَـ
    لصدق نقيضها کل ب حَـ
    فتصدق لا ب حـ (نقض المحمول)
    فيکذب نقيضها ع ب حـ
    ولکنه عن الاصل فهو خلاف الفرض.
    فيجب ان يصدق س ب حَـ (وهو المطلوب)
    3 ـ (السالبة الکلية) منقوضة محمولها موجبة کلية نحو لا شيء من الماء بجامد فتتحول بنقض محمولها الي : «کل ماء غير جامد».
    أي انه اذا صدقت : ـ
    لا ب حـ (المفروض)
    صدقت کل ب حَـ (المطلوب)


    البرهان :
    لو لم تصدق کل ب حَـ
    لصدق نقيضها س ب حَـ
    فتصدق ع ب حـ لأن سلب السلب ايجاب
    فيکذب نقيضها لا ب حـ
    ولکنه عين الاصل فهو خلاف الفرض.
    فيجب ان يصدق کل ب حَـ (وهو المطلوب)
    4 ـ (السالبة الجزئية) منقوضة محمولها موجبة جزئية نحو ليس کل معدن
    ذهبا فتتحول بنقض محمولها الي : «بعض المعدن غير ذهب». أي انه اذا صدقت :
    س ب حـ (المفروض)
    صدقت ع ب حَـ (المطلوب)
    البرهان :
    اذا صدقت س ب حـ (الاصل)
    صدقت ع حَـ ب (عکس النقيض المخالف)
    وينعکس بالعکس المستوي الى ع ب حَـ وهو المطلوب
    تنبيهان
    طريقة تحويل الاصل
    (التنبيه الاول) الطريق التي اتبعناها في البرهان على منقوضة محمول الموجبة الکلية والسالبة الجزئية طريق جديدة في البرهان ينبغي أن نسميها الآن (طريقة تحويل الاصل) قبل مجيء بحث القياس فتدخل في أحد أقسامه کالطريق السابقة التي سميناها : (طريقة البرهان على کذب النقيض).
    وقد رأيت أننا في هذه الطريقة (طريقة تحويل الاصل) أجرينا التحويلات التي
    __________________
    (1) وهو قياس المساواة لان منقوضة المحمول لازمة لعكس نقيض الاصل لانها عكسه المستوي وعكس النقيض لازم للاصل ولازم اللازم لازم.

    سبقت معرفتنا لها على الاصل ثم على المحول من الاصل تباعا حتي انتهينا الى المطلوب : فقد رأيت في الموجبة الکلية أنا حولنا الاصل الى عکس النقيض المخالف فيصدق على تقدير صدق أصله ثم حولنا هذا العکس الى العکس المستوي فخرج لنا نفس المطلوب اعني (منقوضة المحمول) فيصدق التحويل الثاني على تقدير صدق عکس نقيض الاصل (تحويل الاول) الصادق على تقدير صدق الاصل فيصدق التحويل الثاني على تقدير صدق الاصل وهذا هو المقصود اثباته فتوصلنا الى المطلوب بأخصر طريق.
    وسنتبع هذه الطريق السهلة فيما يأتي لنقض الموضوع والنقض التام ويمکن اجراؤها أيضا في البرهان على عکوس النقيض باستخدام منقوضة المحمول. وعلى الطالب أن يستعمل الحذق وينتبه الى أنه أي التحويلات ينبغي استخدامه حتي يتوصل الى مطلوبه.
    تحويل معدولة المحمول
    (التنبيه الثاني) وقد استعملنا في عکس النقيض ونقض المحمول طريقتين من التحويل الملازم للاصل في الصدق وفي الحقيقة هما من باب نقض المحمول ولکن لبداهتهما استدللنا بهما قبل ان يأتي البرهان على منقوضة المحمول ولذا لم نسمها بنقض المحمول وهما :
    أ ـ (تحويل الموجبة المعدولة الى سالبة محصلة المحمول موافقة لها في الکم) لأن مؤداهما واحد وانما الفرق ان السلب محمول في الموجبة والحمل مسلوب في السالبة.
    ب ـ تحويل السالبة المعدولة المحمول الى موجبة محصلة المحمول موافقة لها في الکم لان سلب السلب ايجاب. وهذا بديهي واضح.

    تمرينات
    1 ـ برهن على نقض محمول الموجبة الکلية بطريق البرهان على کذب النقيض.
    2 ـ برهن على نقض محمول السالبة الجزئية بطريق البرهان على کذب النقيض.
    3 ـ برهن على نقض محمول السالبة الجزئية بطريقة تحويل الاصل بأخذ عکس النقيض الموافق اولا ثم استمر الى أن تستخرج منقوضة المحمول.
    4 ـ جرب هل يمکن البرهان على نقض محمول الموجبة الجزئية بطريقة تحويل الاصل.
    5 ـ برهن على نقض محمول السالبة الکلية بطريقة تحويل الاصل. وانظر ماذا ستکون النتيجة وبين ما تجده.
    6 ـ برهن على عکس النقيض المخالف والموافق لکل من المحصورات. عدا الموجبة الجزئية بطريقة تحويل الاصل واستخدم لهذا الغرض قاعدتي نقض المحمول والعکس المستوي فقط.
    7 ـ جرب أن تبرهن على عکس النقيض المخالف والموافق للموجبة الجزئية بهذه الطريقة وانظر انک ستقف فلا تستطيع الوصول الى النتيجة فبين أسباب الوقوف.

    قاعدة النقض التام ونقض الموضوع
    لاستخراج (منقوضة الطرفين) صادقة علينا أن نستبدل بموضوع القضية الاصلية نقيضه فنجعله موضوعا وبمحمولها نقيضه فنجعله محمولا مع تغيير الکم دون الکيف.
    ولاستخراج (منقوضة الموضوع) صادقة علينا أن نستبدل بموضوع القضية الاصلية نقيضه فنجعله موضوعا ونبقي المحمول على حاله مع تغيير الکم والکيف معا.
    ولا ينقض بهذين النقضين الا الکليتان. ولا بد من البرهان لکل من المحصورات :
    1 ـ (الموجبة الکلية) نقضها التام موجبة جزئية ونقض موضوعها سالبة جزئية نحو کل فضة معدن فنقضها التام : (بعض اللافضة هو لا معدن) ونقض موضوعها : (بعض اللافضة ليس هو معدنا).
    وللبرهان على ذلک نقول :
    المفروض صدق کل ب حـ
    والمدعي صدق ع بَ حَـ (المطلوب الاول)
    وصدق س بَ حـ (المطلوب الثاني)
    البرهان :
    اذا صدق کل ب حـ
    صدق کل حَـ بَ عکس النقيض الموافق
    فيصدق عکسه المستوي ع بَ حَـ (وهو المطلوب الاول)


    وتنقض محمول هذا الاخير فيحدث س بَ حـ (وهو المطلوب الثاني)
    2 ـ (السالبة الکلية) نقضها التام سالبة جزئية ونقض موضوعها موجبة جزئية نحو : لا شيء من الحديد بذهب فنقضها التام : (بعض اللاحديد ليس بلا ذهب) ونقض موضوعها : (بعض اللاحديد ذهب).
    وللبرهان على ذلک نقول :
    المفروض صدق لا ب حـ
    والمدعي صدق س بَ حَـ (المطلوب الاول)
    وصدق ع بَ حَـ (المطلوب الثاني)
    البرهان :
    اذا صدق لا ب حـ
    صدق لا حـ ب العکس المستوي
    فيصدق عکس نقيضه الموافق س بَ حَـ (وهو المطلوب الاول)
    وننقض محمول هذا الأخير فيحدث ع بَ حـ (وهو المطلوب الثاني)
    3 و4 ـ (الجزئيتان) ليس لهما نقض تام ولا نقض موضوع. وللبرهنة لعي ذلک يکفي البرهان على عدم نقضهما الى الجزئية فيعلم بطريق اولي عدم نقضهما
    الي الکلية کما قدمنا في عدم انعکاس الموجبة الجزئية بعکس النقيض فنقول :
    (في الموجبة الجزئية) :
    المفروض صدق ع ب حـ
    المدعي ال تصدق دائما ع بَ حَـ (المطلوب الاول)
    ولا تصدق دائما س بَ حَـ (المطلوب الثاني)
    البرهان :
    تقدم في عکس النقيض في الموجبة الجزئية ان في بعض تقاديرها تکون النسبة بين نقيضي طرفيها التباين الکلي فتصدق حينئذ السالبة الکلية :


    لا بَ حَ
    فيکذب نقيضها ع بَ حَـ (وهو المطلوب الاول)
    وتصدق أيضا منقوضة محمول هذه السالبة الکلية
    کل بَ حـ
    فيکذب نقيضها س بَ حَـ (وهو المطلوب الثاني)
    (وفي السالبة الجزئية) :
    المفروض صدق س ب حـ
    والمدعي لا تصدق دائما س بَ حَـ (المطلوب الاول)
    ولا تصدق دائما ع بَ حـ (المطلوب الثاني)
    البرهان :
    في السالبة الجزئية قد يکون الموضوع أعم من المحمول مطلقا نحو بعض الحيوان ليس بانسان ولما کان :
    (اولا) نقيض الاعم اخص من نقيض الاخص مطلقا. فتصدق اذن الموجبة الکلية :
    کل بَ حَـ
    فيکذب نقيضها س بَ حَـ (وهو المطلوب الاول)
    و(ثانيا) نقيض الاعم يباين عين الاخص تباينا کليا فتصدق اذن السالبة الکلية :
    لا بَ حـ
    فيکذب نقيضها ع بَ حـ (وهو المطلوب الثاني)


    لوح نسب المحصورات
    الاصل
    النقيض
    العکس المستوي
    عکس النقيض الموافق
    عکس النقيض المخالف
    نقض المحمول
    نقض الطرفين
    نقض الموضوع کل ب حـ
    س ب حـ
    ع حـ ب
    کل حَـ بَ
    لا حَـ ب
    لا ب حـ
    ع بَ حـ
    س بَ حـ ع ب حـ
    لاب حـ
    ع حـ ب
    س ب حَـ لا ب حـ
    ع ب حـ
    لا حـ ب
    س حَـ بَ
    ع حَـ ب
    کل ب حَـ
    س بَ حَـ
    ع بَ حـ س ب حـ
    کل ب حـ
    س حَـ بَ
    ع حَـ ب
    ع ب حَـ



    البديهة المنطقية
    أو
    الاستدلال المباشر البديهي
    جميع ما تقدم من احکام القضايا (النقيض والعکوس والنقض) هي من نوع الاستدلال المباشر بالنسبة الى القضية المحولة عن الاصل أي النقيض والعکس والنقض لأنه يستدل في النقض من صدق احدي القضيتين على کذب الاخري وبالعکس ويستدل في الباقي من صدق الاصل على صدق ما حول اليه عکسا أو نقضا أو من کذب العکس والنقض على کذب الاصل.
    وسميناه مباشرا لأن انتقال اذهن الى المطلوب أعني کذب القضية أو صدقها انما يحصل من قضية واحدة معلومة فقط بلا توسط قضية أخري.
    وقد تقدم البرهان على کل نوع من أنواع الاستدلال المباشر. وبقي نوع آخر منه بديهي لا يحتاج الى أکثر من بيانه. وقد يسمي (البديهية المنطقية) فنقول :
    من البديهيات في العلوم الرياضية انه اذا أضفت شيئا واحداً الى کل من الشيئين المتساويين فان نسبة التساوي لا تتغير فلو کان :
    ب = حـ
    وأضفت الى کل منهما عددا معينا مثل عدد (4) لکان :
    ب + 4 = حـ + 4
    وکذلک اذا طرحت من کل منهما عددا معينا أو ضربتهما فيه أو قسمتهما عليه کعدد 4 فان نسبة التساوي لا تتغير فيکون :
    ب ـ 4 = حـ ـ 4
    وب * 4 = حـ * 4

    و ب = حـ
    وکذا لا تتغير النسبة لو کان ب أکبر من حـ أو أصغر منه فانه يکون
    ب + 4 اکبر من حـ + 4 او اصغر منه
    و ب ـ 4 اکبر من حـ ـ 4 أو اصغر منه وهکذا
    ونظير ذلک نقول في القضية فانه لو صح أن تزيد کلمة على موضوع القضية ونفس الکلمة على محمولها فان نسبة القضية لا تتغير بمعني بقاء الکم والکيف والصدق. فاذا صدق : کل انسان حيوان واضفت کلمة (رأس) الى طرفيها
    صدق : کل (رأس) انسان (رأس) حيوان.
    أو اضفت کلمة (يجب) مثلا
    صدق : کل (من يجب) انسانا (يحب) حيوانا
    واذا صدق : لا شيء من الحيوان بحجر
    صدق : لا شيء من الحيوان (مستلقيا) بحجر (مستلقيا)
    واذا صدق : بعض المعدن ليس بذهب
    صدق : بعض (قطعة) المعدن ليس (بقطعة) ذهب
    وهکذا يمکن لک أن تحول کل قضية صادقة الى قضية أخري صادقة بزيادة کلمة تصح زيادتها على الموضوع والمحمول معا بغير تغيير في کم القضية وکيفها سواء کانت الکلمة مضافة أو حالا أو وصفا أو فعلا او اي شيء آخر من هذا القبيل.

    البابُ الخامِس
    الحُجّة وَهَيئة تألِيفها
    أو
    مَباحثُ الاسْتِدلالِ


    تصدير
    ان اسمي هدف للمنطقي وأقصي مقصد له (مباحث الحجة) أي مباحث المعلوم التصديقي الذي يستحدم للتوصل الى معرفة المجهول التصديقي. أما ما تقدم من الابواب فکلها في الحقيقة مقدمات لهذا المقصد حتي مباحث المعرف لان المعرف انما يبحث عنه ليستعان به على فهم مفردات القضية من الموضوع والمحمول.
    و(الحجة) عندهم عبارة عما يتألف من قضايا يتجه بها الى مطلوب يستحصل بها وانما سميت (حجة) لانه يحتج بها على الخصم لاثبات المطلوب وتسمي (دليلا) لانها تدل على المطلوب وتهيئتها وتأليفها لاجل الدلالة يسمي (استدلالا).
    ومما يجب التنبيه عليه قبل کل شيء : ان القضايا ليست کلها يجب أن تطلب بحجة والا لما انتهينا الى العلم بقضية أبدا بل لا بد من الانتهاء الى قضايا بديهية ليس من شأنها ان تکون مطلوبة وانما هي المباديء للمطالب وهي رأس المال للمتجر العلمي.
    طريق الاستدلال او اقسام الحجة
    من منا لم يحصل له العلم بوجود النار عند رؤية الدخان ومن ذا الذي لا يتوقع صوت الرعد عند مشاهدة البرق في الحساب؟ ومن ذا الذي لا يستنبط أن النوم يجم القوي وأن الحجر يبتل بوضعه في الماء وان السکينة تقطع الاجسام الطرية؟ وقد نحکم على شخص بأنه کريم لانه يشبه في بعض صفاته کريما نعرفه أو نحکم على قلم بأنه حسن لأنه يشبه قلما جربناه ... وهکذا الى آلاف من أمثال هذه الاستنتاجات تمر علينا کل يوم.

    وفي الحقيقة ان هذه الاستنتاجات الواضحة التي لا يخلو منها ذو شعور ترجع کلها الى أنواع الحجة المعروفة التي نحن بصدد بيانها ولکن على الاکثر لا يشعر المستنبط انه سلک أحد تلک الانواع وان کان من علماء المنطق. وقد تعجب لو قيل لک أن تسعة وتسعين في المائة من الناس هم منطقيون بالفطرة من حيث لا يعلمون.
    ولما کان الانسان من ذلک يقع في کثير من الخطأ في أحکامه او يتعذر عليه تحصيل مطلوبه لم يستغن عن دراسة الطرق العلمية للتفکير الصحيح والاستدلال المنتج.
    والطرق العلمية للاستدلال عدا طريق الاستدلال المباشر الذي تقدم البحث عنه هي ثلاثة أنواع رئيسة :
    1 ـ (القياس) وهو أن يستخدم الذهن القواعد العامة المسلم بصحتها في الانتقال الى مطلوبه. وهو العمدة في الطرق.
    2 ـ (التمثيل) وهو أن ينتقل الذهن من حکم أحد الشيئين الى الحکم على الآخر لجهة مشترکة بينهما.
    3 ـ (الاستقراء) وهو ان يدرس الذهن عدة جزئيات قيستنبط منها حکما عاما.

    1 ـ القياس
    تعريفه
    عرفوا القياس بأنه : «قول مؤلف من قضايا متي سلّمت لزم عنه لذاته قول آخر».
    الشرح : ـ
    1 ـ (القول) : جنس. ومعناه المرکب التام الخبري فيعم القضية الواحدة والاکثر.
    2 ـ (مؤلف من قضايا ... الى آخره) : فصل. والقضايا جمع منطقي أي ما يشمل الاثنين ويخرج بقيد القضايا الاستدلال المباشر لانه کما سبق قضية واحدة على تقدير التسليم بها تستلزم قضية أخري.
    3 ـ (متى سلّمت) : من التسليم. وفيه اشارة الى أن القياس لا يشترط فيه أن تکون قضاياه مسلمة فعلا بل شرط کونه قياسا أن يلزم منه على تقدير التسليم بقشاياه قول آخر کشأن الملازمة بين القضية وبين عکسها أو نقضها فانه على تقدير صدقها تصدق عکوسها ونقوضها. واللازم يتبع الملزوم في الصدق فقط دون الکذب کما تقدم في العکس المستوي لجواز کون لازما أعم. ومنه يعرف : أن کذب القضايا المؤلفة لا يلزم منه کذب القول اللازم لها نعم کذبه يستلزم کذبها.
    4 ـ (لزم عنه) : يخرج به الاستقراء والتمثيل لانهما وان تألفا من قضايا لا يتبعهما القول الآخر على نحو اللزوم لجواز تخلفه عنهما لانهما أکثر ما يفيدان الظن الاّ بعض الاستقراء. سيأتي.
    5 ـ (لذاته) : يخرج به قياس المساواة. کما سيأتي في محله فان قياس المساواة

    انما يلزم منه القول الآخر لمقدمة خارجة عنه لا لذاته. مثل :
    ب ـ يساوي حـ. وحـ يساوي د .. ينتج ب يساوي د
    ولکن لا لذاته بل لصدق المقدمة الخارجية وهي : مساوي المساوي مساو. ولذا لا ينتج مثل قولنا : ب نصف جـ. وجـ نصف د لان نصف النصف ليس نصفا بل ربعا.
    الاصطلاحات العامة في القياس
    لابد اولا من بيان المصطلحات العامة عدا المصطلحات الخاصة بکل نوع التي سيرد ذکرها في مناسباتها. وهي : ـ
    1 ـ (صورة القياس). ويقصد بها هيئة التأليف الواقع بين القضايا.
    2 ـ (المقدمة). وهي کل قضية تتألف منها صورة القياس. والمقدمات تسمي أيضا (مواد القياس).
    3 ـ (المطلوب). وهو : القول اللازم من القياس. ويسمي (مطلوبا) عند أخذ الذهن في تأليف المقدمات.
    4 ـ (النتيجة). وهي المطلوب عينه ولکن يسمي بها بعد تحصيله من القياس.
    5 ـ (الحدود). وهي : الاجزاء الذاتية للمقدمة. ونعني بالاجزاء الذاتية الاجزاء التي تبقي بعد تحليل القضية فاذا فککنا وحللنا الحملية مثلا الى أجزائها لا يبقي منها الا الموضوع والمحمول دون النسبة لان النسبة انما تقوم بالطرفين للربط بينهما فاذا أفرد کل منهما عن الآخر فمعناه ذهاب النسبة بينهما. وأما السور والجهة فهما من شؤون النسبة فلا بقاء لهما بعد ذهابها. وکذلک اذا حللنا الشرطية الى اجزائها لا يبقي منها الا المقدم والتالي.
    فالموضوع والمحمول أو المقدم والتالي هي الاجزاء الذاتية للمقدمات. وهي (الحدود) فيها.

    ولنوضح هذه المصطلحات بالمثال فنقول :
    (1) شارب الخمر : فاسق.
    (2) وکل فاسق : ترد شهادته.
    (3) .. شارب الخمر : ترد شهادته.
    فبواسطة نسبة کلمة (فاسق) الى شارب الخمر في القضية رقم (1). ونسبة ردّ الشهادة الى (کل فاسق) في القضية رقم (2) استنبطنا النسبة بين ردّ الشهادة والشارب في القضية رقم (3).
    فکل واحدة من القضيتين (1) و (2) : مقدمة
    وشارب الخمر وفاسق وترد شهادته : حدود
    والقضية رقم (3) : مطلوب ونتيجة
    والتأليف بين المقدمتين صورة القياس
    ولا يخفي انا استعملنا هذه العلامة ... النقط الثلاث ووضعناها قبل النتيجة. وهي علامة هندسية تستعمل للدلالة على الانتقال الى المطلوب وتقرأ (اذن). وسنستعملها عند استعمال الحروف فيما يأتي للاختصار وللتوضيح.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3303
    نقاط : 4992
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ---المنطق ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ---المنطق ج1   ---المنطق ج1 Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 6:06 am

    أقسام القياس
    بحسب مادته وهيئته
    قلنا ان المقدمات تسمي (مواد القياس) وهيئة التأليف بينها تسمي (صورة القياس) فالبحث عن القياس من نحوين :
    (1) من جهة (مادته) بسبب اختلافها مع قطع النظر عن الصورة بأن تکون المقدمات يقينية أو ظنية او من المسلمات أو المشهورات أو الوهميات او المخيلات أو غيرها مما سيأتي في بابه. ويسمي البحث فيها (الصناعات الخمس) الذي عقدنا لأجله الباب السادس الآتي فانه ينقس القياس بالنظر الى ذلک الي : البرهان والجدل والخطابة والشعر والمغالطة.
    (2) من جهة (صورته) بسبب اختلافها مع قطع النظر عن شأن المادة. وهذا الباب معقود للبحث عنه من هذه الجهة. وهو ينقسم من هذه الجهة الى قسمين اقتراني واستثنائي باعتبار التصريح بالنتيجة أو بنقيضها في مقدماته وعدمه.
    (فالاول) وهو المصرح في مقدماته بالنتيجة أو بنقيضها يسمي (استثنائيا) لاشتماله على کلمة الاستثناء نحو :
    (1) ان کان محمد عالما فواجب احترامه.
    (2) لکنه عالم.
    (3) .. فمحمد واجب احترامه.
    فالنتيجة رقم (3) مذکورة بعينها في المقدمة رقم (1).
    (1) لو کان فلان عادلا فهو لا يعصي الله.
    (2) ولکنه قد عصي الله.

    (3) ... ما کان فلان عادلا.
    فالنتيجة رقم (3) مصرح بنقيضها في المقدمة رقم (2).
    (والثاني) وهو غير المصرح في مقدماته بالنتيجة ولا بنقيضها يسمي (اقترانيا) کالمثال المتقدم في أول البحث فان النتيجة وهي «شارب الخمر ترد شهادته» غير مذکورة بهيئتها صريحا في المقدمتين ولا نقيضها مذکور وانما هي مذکورة بالقوة باعتبار وجود اجزائها الذاتية في المقدمتين أعني الحدين وهما (شارب الخمر وترد شهادته) فان کل واحد منهما مذکور في مقدمة مستقلة.
    * * *
    ثم الاقتراني قد يتألف من حمليات فقط فيسمي (حمليا). وقد يتألف من شرطيات فقط أو شرطية وحملية فيسمي (شرطيا) مثاله.
    (1) کلما کان الماء جاريا کان معتصما.
    (2) وکلما کان معتصما کان لا ينجس بملاقاة النجاسة.
    (3) .. کلما کان الماء جاريا کان لا ينجس بملاقاة النجاسة.
    فمقدمتاه شرطيتان متصلتان.
    مثال ثان : (1) الاسم کلمة.
    (2) والکلمة اما مبنية أو معربة.
    (3) ... الاسم اما مبني أو معرف.
    فالمقدمة رقم (1) حملية والمقدمة رقم (2) شرطية منفصلة.
    ـ ونحن نبحث اولا عن الاقترانيات الحملية ثم الشرطية ثم الاستثنائي.

    خلاصه التقسيم :

    الاقتراني الحملي
    حدوده
    يجب ان يشتمل القياس الاقتراني على مقدمتين لينتجا المطلوب. ويجب أيضا أن تشتمل المقدمتان على حدود ثلاثة : حد متکرر مشترک بينهما وحد يختص بالاولي وحد بالثانية. والحد المتکرر المشترک هو الذي يربط بين الحدين الآخرين ويحذف في النتيجة التي تتألف من هذين الحدين اذ يکون احدهما موضوعا لها والآخر محمولا فهو کالشمعة تفني نفسها لتضيء لغيرها.
    ولنعد الى المثال المتقدم في المصطلحات العامة لتطبيق الحدود عليه فنقول :
    أ ـ (فاسق) : هو المتکرر المشترک الذي أعطي الرابط بين :
    ب ـ (شارب الخمر) وهو الحد المختص بالمقدمة الاولي وبين :
    ج ـ (ترد شهادته) وهو الحد المختص بالمقدمة الثانية.
    تنتج المقدمتان : (شارب الخمر ترد شهادته) بحذف الحد المشترک وقد سموا کل واحد من الحدود الثلاثة باسم خاص.
    أ ـ (الحد الاوسط) أو (الوسط) وهو الحد المشترک لتوسطه بين رفيقيه في نسبة احدهما الى الآخر. ويسمي أيضا (الحجة) لأنه يحتج به على النسبة بين الحدين. ويسمي أيضا (الواسطة في الاثبات) لأن به يتوسط في اثبات الحکم بين الحدين. ونرمز له بحرف (م).
    ب ـ (الحد الاصغر) وهو الحد الذي يکون موضوعا في النتيجة. وتسمي
    __________________
    (1) هذه المصطلحات الآتية تشمل الاقتراني بقسميه الحملي والشرطي. وكذا القواعد العامة الآتية.

    لمقدمة المشتملة عليه (صغري) سواء کان هو موضوعا فيها أم محمولا. ونرمز له بحرف (ب).
    ج ـ (الحد الاکبر) وهو الذي يکون محمولا في النتيجة. وتسمي المقدمة المشتملة عليه (کبري) سواء کان هو محمولا فيها أو موضوعا. ونرمز له بحرف (حـ). والحدان معا يسميان (طرفين).
    فاذا قلنا :
    کل ب م
    و: هنا کل م حـ
    ينتج ... کل ب حـ بحذف المتکرر (م)
    القواعد العامة للاقتراني
    للقياس الاقتراني سواء کان حمليا أو شرطيا قواعد عامة اساسية يجب توفرها فيه ليکون منتجا وفيه :
    1 ـ تکرر الحد الاوسط.
    أي يجب أن يکون مذکورا بنفسه في الصغري والکبري من غير اختلاف والا لما کان حدا اوسط متکررا ولما وجد الارتباط بين الطرفين. وهذا بديهي.
    مثلا اذا قيل : (الحائط فيه فارة. وکل فارة لها اذنان).
    فانه لا ينتج. (الحائط له اذنان).
    لأن الحد الذي يتخيل انه حد أوسط هنا لم يتکرر فان المحمول في الصغري (فيه فارة) والموضوع في الکبري (فارة) فقط. ولأجل أن يکون منتجا فإما أن نقول في الکبري (وکل ما فيه فارة له اذنان) ولکنها کاذبة. وأما ان نعتبر المتکرر کلمة (فارة) فقط فتکون النتيجة هکذا (الحائط فيه ما له اذنان) وهي صادقة.
    مثال ثان اذا قيل : (الذهب عين. وکل عين تدمع).
    فانه لا ينتج : (الذهب يدمع).

    لان لفظ (عين) مشترک لفظي والمراد منه في الصغري غير المراد منه في الکبري فلم يتکرر الحد الاوسط ولم يتکرر الا اللفظ فقط.
    2 ـ ايجاب احدي المقدمتين :
    فلا انتاج من سالبتين لان الوسط في السالبتين لا يساعدنا على ايجاد الصلة والربط بين الاصغر والأکبر نظرا الى أن الشيء الواحد قد يکون مباينا لأمرين وهما لا تباين بينهما کالفرس المباين للانسان والناطق وقد يکون مباينا لأمرين هما متباينان في أنفسهما کالفرس المباين للانسان والطائر والانسان والطائر أيضا متباينان.
    وعليه فلا نعرف حال الحدين لمجرد مباينتها للمتکرر انهما متلاقيان خارج الوسط أم متباينان فلا ينتج الايجاب ولا السلب. فاذا قلنا :
    لا شيء من الانسان بفرس. لا شيء من الفرس بناطق
    فانه لا ينتج السلب : (لا شيء من الانسان بناطق) لأن الطرفين متلاقيان.
    ولو أبدلنا بالمقدمة الثانية قولنا :
    لا شيء من الفرس بطائر
    فانه لا ينتج الايجاب : (کل انسان طائر) لأن الطرفين متباينان. ويجري هذا الکلام في کل سالبتين.
    3 ـ کلية احدي المقدمتين :
    فلا انتاج من مقدمتين جزئيتين لان الوسط فيهما لا يساعدنا أيضا على إيجاد الصلة بين الاصغر والاکبر لأن الجزئية لا تدل على أکثر من تلاقي طرفيها في الجملة فلا يعلم في الجزئيتين ان البعض من الوسط الذي يتلاقي به مع الاصغر هو نفس البعض الذي يتلاقي به مع الاکبر أم غيره. وکلاهما جائز. ومعني ذلک انا لا نعرف حال الطرفين الاصغر والاکبر أمتلاقيان أم متباينان فلا ينتج الايجاب ولا السلب کما نقول مثلا :

    أولا ـ بعض الإنسان حيوان. وبعض الحيوان فرس.
    فانه لا ينتج الإيجاب : (بعض الانسان فرس). واذا أبدلنا بالمقدمة الثانية قولنا : بعض الحيوان ناطق.
    فانه لا ينتج السلب : (بعض الانسان ليس بناطق).
    ثانيا ـ بعض الانسان حيوان وبعض الحيوان ليس بناطق.
    فانه لا ينتج السلب : (بعض الانسان ليس بناطق). واذا أبدلنا بالمقدمة الثانية قولنا : بعض الحيوان ليس بفرس
    فانه لا ينتج الإيجاب : (بعض الانسان فرس). وهکذا يجري هذا الکلام في کل جزئيتين مهما کان موضع الوسط في المقدمتين موضوعا أو محمولا أو مختلفا.
    4 ـ النتيجة تتبع أخس المقدمتين :
    يعني اذا کانت احدي المقدمتين سالبة کانت النتيجة سالبة لان السلب أخس من الإيجاب. واذا کانت النتيجة جزئية لان الجزئية أخس من الکلية. وهذا الشرط واضح لأن النتيجة متفرعة عن المقدمتين معا فلا يمکن أن تزيد عليهما فتکون أقوي منهما.
    5 ـ لا انتاج من سالبة صغري وجزئية کبري :
    ولا بد أن تفرض الصغري کلية والا لاختل الشرط الثالث. ولابد أن تفرض الکبري موجبة والا لاختل الشرط الثاني.
    فاذا تألف القياس من سالبة کلية صغري وجزئية موجبة کبري فانه لا يعلم ان الاصغر والاکبر متلاقيان أو متباينان خارج الوسط لأن السالبة الکلية تدل على تباين طرفيها أي الاصغر مع الاوسط هنا. والجزئية الموجبة تدل على تلاقي طرفيها في الجملة أي الاوسط والاکبر هنا فيجوز ان يکون الاکبر خارج الأوسط مباينا للاصغر کما کان الاوسط مباينا له ويجوز أن يکون ملاقيا له فمثلا اذا قلنا :
    لا شيء من الغراب بانسان وبعض الانسان اسود

    فانه لا ينتج السلب : (بعض الغراب ليس بأسود) ولو ابدلنا بالمقدمة الثانية قولنا :
    بعض الانسان ابيض
    فانه لا ينتج الإيجاب : (بعض الغراب أبيض).
    وانت هنا في المثال بالخيار في وضع الاوسط موضوعا في المقدمتين أو محمولا أو مختلفا فان الامر لا يختلف والعقم تجده کما هو في الجميع.

    الاشکال الاربعة
    قلنا : ان القياس الاقتراني لا بد له من ثلاثة حدود : اوسط واصغر وأکبر. ونضيف عليه هنا فنقول :
    ان وضع الاوسط مع طرفيه في المقدمتين يختلف ففي الحملي قد يکون موضوعا فيهما او محمولا فيهما او موضوعا في الصغري ومحمولا في الکبري أو بالعکس. فهذه اربع صور. وکل واحدة من هذه الصور تسمي (شکلا). وکذا في الشرطي يکون تاليا ومقدما.
    فالشکل في اصطلاحهم على هذا هو «القياس الاقتراني باعتبار کيفية وضع الاوسط من الطرفين». ولنتکلم عن کل واحد من الاشکال الاربعة في الحملي ثم نتبعه بالاقتراني الشرطي.
    الشکل الاول
    وهو ما کان الاوسط فيه محمولا في الصغري موضوعا في الکبري. أي يکون وضع الحدين في المقدمتين مع الاوسط بين وضع احدهما مع الآخر في النتيجة : فکما يکون الاصغر موضوعا في النتيجة يکون موضوعا في الصغري وکما يکون الاکبر محمولا في النتيجة يکون محمولا في الکبري.
    ولهذا التفسير فائدة نريد أن نتوصل اليها. فانه لأجل ان الاصغر وضعه في النتيجة عين وضعه في الصغري وان الأکبر وضعه في النتيجة عين وضعه في الکبري کان هذا الشکل على مقتضي الطبع وبين الانتاج بنفسه لايجتاج الى دليل وحجة بخلاف البواقي ولذا جعدوه أول الاشکال. وبه يستدل على باقيها.

    شروطه :
    لهذا الشکل شرطان :
    1 ـ (ايجاب الصغري) اذا لو کانت سالبة فلا يعلم ان الحکم الواقع على الاوسط في الکبري يلاقي الاصغر في خارج الاوسط أم لا فيحتمل الأمران فلا ينتتج الايجاب ولا السلب کما نقول مثلا :
    لا شيء من الحجر بنبات وکل نبات نام
    فانه لا ينتج الإيجاب : (کل حجر نام). ولو ابدلنا بالصغري قولنا (لا شيء من الانسان بنبات).
    فانه لا ينتج السلب : (لا شيء من الانسان بنام). أما اذا کانت الصغري موجبة فان ما يقع على الأوسط في الکبري لا بد ان يقع على ما يقع عليه الاوسط في الصغري.
    2 ـ (کلية الکبري) لأنه لو کانت جزئية لجاز أن يکون البعض من الاوسط المحکوم عليه بالاکبر غير ما حکم به على الأصغر فلا يتعدي الحکم من الأکبر الى الأصغر بتوسط الأوسط. وفي الحقيقة إن هذا الشرط راجع الى (القاعدة الاولي) لأن الاوسط في الواقع على هذا الفرض غير متکرر کما نقول مثلا :
    کل ماء سائل وبعض السائل يلتهب بالنار
    فانه لا ينتج (بعض الماء يلتهب بالنار) لأن المقصود بالسائل الذي حکم به على الماء خصوص الحصة منه التي تلتقي مع الماء وهي غير الحصة من السائل الذي يلتهب بالنار وهو النفط مثلا. فلم يتکرر الاوسط في المعني وان تکرر لفظا.
    هذه شروطه من ناحية الکم والکيف أما من ناحية الجهة فقد قيل انه يشترط (فعلية الصغري). ولکنا أخذنا على أنفسنا ألا نبحث عن الموجهات لأن ابحاثها المطولة تضيع علينا کثيرا مما يجب أن نعلمه. وليس فيها کبير فائدة لنا.

    ضروبه :
    کل مقدمة من القياس في حد نفسها يجوز أن تکون واحدة من المحصورات الاربع فاذا اقترنت الصور الاربع في الصغري مع الاربع في الکبري. خرجت عندنا ست عشرة صورة للاقتران تحدث من ضرب اربعة في أربعة. وذلک في جميع الاشکال الاربعة.
    والصورة من تأليف المقدمتين تسمي بثلاثة اسماء : (ضرب) و(اقتران) و(قرينة).
    وهذه الاقترانات أو الضروب الستة عشر بعضها منتج فيسمي (قياسا). وبعضها غير منتج فيسمي (عقيما). وبحسب الشرطين في الکم والکيف لهذا الشکل الاول تکون الضروب المنتجة أربعة فقط. أما البواقي فکلها عقيمة لأن الشرط الاول تسقط به ثمانية ضروب وهي حاصل ضرب السالبتين من الصغري في الاربع من الکبري والشرط الثاني تسقط به اربعة حاصل ضرب الجزئيتين من الکبري في الموجبتين من الصغري فالباقي اربعة فقط.
    وکل هذه الاربعة بينة الانتاج ينتج کل واحد منها واحدة من المحصورات الاربع فالمحصورات کلها تستخرج من أضرب هذا الشکل. ولذا سمي (کاملا) و(فاضلا). وقد رتبوا ضروبه على حسب ترتب المحصورات في نتائجه : فالاول ما ينتج الموجبة الکلية ثم ما ينتج السالبة الکلية ثم ما ينتج الموجبة الجزئية ثم ما ينتج السالبة الجزئية.
    (الاول) من موجبتين کليتين ينتج موجبة کلية.
    کل ب م کل خمر مسکر
    وکل م حـ مثاله وکل مسکر حرام
    ... کل ب حـ ... کل خمر حرام


    (الثاني) من موجبة کلية وسالبة کلية ينتج سالبة کلية.
    کل ب م کل خمر مسکر
    ولا م حـ مثاله ولا شيء من المسکر بنافع
    ... لا ب حـ ... لا شيء من الخمر بنافع
    (الثالث) من موجبة جزئية وموجبة کلية ينتج موجبة جزئية.
    ع ب م بعض السائلين فقراء
    وکل م حـ مثاله وکل فقير يستحق الصدقة
    ... ع ب حـ ... بعض السائلين يستحق الصدقة
    (الرابع) من موجبة جزئية وسالبة کلية ينتج سالبة جزئية.
    ع ب م بعض السائلين اغنياء
    ولا م حـ مثاله ولا غني يستحق الصدقة
    ... س ب حـ ... بعض السائلين لايستحق الصدقة
    الشکل الثاني
    وهو ما کان الوسط فيه محمولا في المقدمتين معا فيکون الاصغر فيه موضوعا في الصغري والنتيجة ولکن الاکبر يختلف وضعه فانه موضوع في الکبري محمول في النتيجة. ومن هنا کان هذا الشکل بعيدا عن مقتضي الطبع غير بيّن الانتاج يحتاج الى الدليل على قياسيته. ولأجل أن الاصغر فيه متحد الوضع في النتيجة والصغري موضوعا فيهما کالشکل الاول کان أقرب الى مقتضي الطبع من باقي الاشکال الاخري لأن الموضوع أقرب الى الذهن.
    شروطه :
    للشکل الثاني شرطان أيضا : اختلاف المقدمتين في الکيف وکلية الکبري.

    (الاول) الاختلاف في الکيف فاذا کانت احداهما موجبة کانت الاخري سالبة لأن هذا الشکل لا ينتج مع الاتفاق في الکيف لأن الطرفين الاصغر والاکبر قد يکونان متباينين ومع ذلک يشترکان في أن يحمل عليهما شيء واحد أو يشترکان في ان يسلب عنهما شيء آخر ثم قد يکونان متلاقيين ويشترکان ايضا في أن يحمل عليهما أو يسلب عنهما شيء واحد فلا ينتج الايجاب ولا السلب.
    مثال ذلک :
    الانسان والفرس متباينان ويشترکان في حمل الحيوان عليهما وسلب الحجر عنهما فنقول :
    أ ـ کل انسان حيوان. وکل فرس حيوان
    ب ـ لا شيء من الانسان بحجر ولا شيء من الفرس بحجر
    والحق في النتيجة فيهما السلب. ثم الانسان والناطق أيضا يشترکان في حمل الحيوان عليهما وسلب الحجر عنهما فتبدل في المثالين بالفرس الناطق فيکون الحق في النتيجة فيهما الايجاب.
    أما اذا اختلف الحکمان في الصغري والکبري على وجه لا يصح جمعهما على شيء واحد وجب أن يکون المحکوم عليه في احداهما غير المحکوم عليه في الاخري. فيتباين الطرفان الاصغر والاکبر وتکون النسبة بينهما نسبة السلب فلذا تکون النتيجة في الشکل الثاني سالبة دائما تتبع أخس المقدمتين.
    (الشرط الثاني) کلية الکبري لأنه لو کانت جزئية مع الاختلاف في الکيف لم يعلم حال الاصغر والاکبر متلاقيان أم متنافيان لأن الکبري الجزئية مع الصغري الکلية اذا اختلفتا في الکيف لا تدلان إلا على المنافاة بين الاصغر وبعض الاکبر المذکور في الکبري. ولا تدلان على المنافاة بين الاصغر والبعض الآخر من الاکبر الذي لم يذکر کما لا تدلان على الملاقاة فيحصل الاختلاف.
    مثال ذلک :
    کل مجتر ذو ظلف وبعض الحيوان ليس بذي ظلف

    فانه لا ينتج السلب : (بعض المجتر ليس حيوان). ولو أبدلنا بالاکبر کلمة طائر فانه لا ينتج الايجاب : (بعض المجتر طائر).
    ضروبه :
    بحسب الشرطين المذکورين في هذا الشکل تکون الضروب المنتجة منه أربعة فقط لأن الشرط الاول تسقط به ثمانية حاصل ضرب السالبتين من الصغري في السالبتين من الکبري فهذه أربعة وحاصل ضرب الموجبتين في الموجبتين فهذه اربعة اخري. والشرط الثاني تسقط به أربعة وهي السالبتان في الصغري مع الموجبة الجزئية في الکبري والموجبتان في الصغري مع السالبة الجزئية في الکبري.
    فالباقي أربعة ضروب منتجة کلها يبرهن عليها بتوسط الشکل الاول کما ستري :
    (الضرب الاول) من موجبة کلية وسالبة کلية ينتج سالبة کلية مثاله :
    کل مجتر ذو ظلف
    ولا شيء من الطائر بذي ظلف
    ... لا شيء من المجتر بطائر
    ويبرهن عليه بعکس الکبري بالعکس المستوي ثم ضم العکس الى نفس الصغري فيتألف من الضرب الثاني من الشکل الاول وينتج نفس النتيجة المطلوبة فيقال باستعما الرموز :
    المفروض کل ب م ولا حـ م
    المدعي انه ينتج ...لا ب حـ
    (البرهان) : نعکس الکبري بالعکس المستوي الى (لا م حـ) ونضمها الى الصغري فيحدث :
    کل ب م. ولا م حـ (الضرب الثاني من الشکل الاول)
    ينتج ... لا ب حـ (وهو المطلوب)


    (الثاني) من سالبة کلية وموجبة کلية ينتج سالبة کلية مثاله :
    لا شيء من الممکنات بدائم
    وکل حق دائم
    ... لا شيء من الممکنات بحق
    يبرهن عليه بعکس الصغري ثم يجعلها کبري وکبري الأصل صغري لها ثم بعکس النتيجة فيقال :
    المفروض لا ب م کل ح م
    المدعي ... لا ب حـ
    البرهان :
    اذا صدقت لا ب م
    صدقت لا م ب (العکس المستوي)
    فنضم هذا العکس الى کبري الاصل بجعله کبري لها فيکون :
    کل حـ م ولا م ب (الضرب الثاني من الاول)
    ... لا حـ ب
    وتنعکس الى لا ب حـ (وهو المطلوب)
    (الثالث) من موجبة جزئية وسالبة کلية ينتج سالبة جزئية.
    مثاله :
    بعض المعدن ذهب
    ولا شيء من الفضة بذهب
    ... بعض المعدن ليس بفضة
    ويبرهن عليه بما برهن به على الضرب الاول فيقال :
    المفروض ع ب م ولا حـ م
    المدعي ... س ب حـ
    البرهان : اذا صدقت لا حـ م (الکبري)



    صدقت لا م حـ (العکس المستوي)
    وبعضمه الى الصغري يحدث :
    ع ب م ولا م حـ (الضرب الرابع من الاول)
    ... س ب حـ (وهو المطلوب)
    (الرابع) من سالبة جزئية وموجبة کلية ينتج سالبة جزئية.
    مثاله :
    بعض الجسم ليس بمعدن
    وکل ذهب معدن
    ... بعض الجسم ليس بذهب
    ولا يبرهن عليه (بطريقة العکس) التي ذکرناها في الضروب الثلاثة لان الصغري سالبة جزئية لا تنعکس. وعکس الکبري جزئية لا يلتئم منها ومن الصغري قياس لانه لا قياس من جزئيتين. فنفزع حينئذ للبرهان عليه الى طريقة أخري تسمي (طريفة الخلف) فيقال :
    المفروض س ب م. وکل حـ م
    المدعي ... س ب م
    البرهان :
    لو لم تصدق س ب حـ (النتيجة)
    لصدق نقيضها کل ب حـ
    فنجعل هذا النقيض صغري لکبري الاصل فيتألف قياس من الضرب الاول
    من الشکل الاول :
    کل ب حـ. وکل حـ م
    ... کل ب م
    فيکذب نقيض هذه النتيجة س ب م
    __________________
    (1) سيأتي في تنبيهات الشكل الثالث ان هذه الطريقة تسمى (طريقة الرد) لانه بالعكس يرد القياس الى الشكل الاول البديهي لينتج المطلوب.

    وهو عين الصغري المفروض صدقها
    وهذا خلاف الفرض
    فوجب صدق س ب حـ (وهو المطلوب)
    تمرين
    برهن على کل واحد من الضروب الثلاثة الاولي بطريقة الخلف التي برهنابها على الضرب الرابع.
    الشکل الثالث
    وهو ما کان الاوسط فيه موضوعا في المقدمتين معا فيکون الاکبر محمولا في الکبري والنتيجة معا ولکن الاصغر يختلف وضعه فانه محمول في الصغري موضوع في النتيجة. ومن هنا کان هذا الشکل بعيدا عن مقتضي الطبع وأبعد من الشکل الثاني. لأن الاختلاف کان في موضوع النتيجة الذي هو أقرب الى الذهن. وکان الاختلاف في الثاني في محمولها. ولأجل ان الاکبر فيه متحد الوضع في الکبري والنتيجة کالشکل الاول کان أقرب من الرابع.
    شروطه :
    لهذا الشکل شرطان أيضا : ايجاب الصغري وکلية احدي المقدمتين.
    أما (الاول) فلانه لو کان الصغري سالبة فلا نعلم حال الاکبر المحمول على الاوسط بالسلب أو الايجاب أيلاقي الاصغر الخارج عن الاوسط أو يفارقه.
    لأنه لو کانت الکبري موجبة فان الاوسط يباين الاصغر ويلاقي الاکبر. وشيء واحد قد يلاقي ويباين شيئين متلاقيين أو شيئين متباينين کالناطق يلاقي الحيوان ويباين الفرس وهما متلاقيان ويلاقي الحيوان الحيوان ويباين الشجر وهما متباينان.
    ولو کانت الکبري سالبة أيضا فان الاوسط يباين الاصغر والاکبر معا. والشيء الواحد قد يباين شيئين متلاقيين وقد يباين شيئين متباينين کالذهب المباين

    للفرس والحيوان وهما متلاقيان ويباين الشجر والحيوان وهما متباينان. فاذا قيل
    أ ـ لا شيء من الناطق بفرس وکل ناطق حيوان
    فانه لا ينتج السلب. ولو وضعنا مکان فرس (شجر) فانه لا ينتج الإيجاب.
    ب ـ لا شيء من الذهب بفرس لا شيء من الذهب بحيوان.
    وأما (الثاني) وهو کلية احدي المقدمتين فلانه قد تقدم في القاعدة الثالثة من القواعد العامة للقياس انه لا ينتج من جزئيتين. وليس هنا ما يقتضي اعتبار کلية خصوص احدي المقدمتين.
    ضروبه :
    بحسب الشرطين المذکورين تکون الضروب المنتجة من هذا الشکل ستة فقط. لأن الشرط الأول تسقط به ثمانية ضروب کالشکل الأول. والشرط الثاني
    يسقط به ضربان : الجزئيتان الموجبتان والجزئية الموجبة مع الجزئية السالبة فالباقي ستة يحتاج کل منها الى برهان. ونتائجها جميعا جزئية.
    (الضرب الأول) من موجبتين کليتين ينتج موجبة جزئية.
    مثاله :
    کل ذهب معدن
    وکل ذهب غالي الثمن
    بعض المعدن غالي الثمن
    ويبرهن عليه بعکس الصغري ثم ضمها الى کبري الأصل فيکون من ثالث الشکل الاول لينتج المطلوب.
    المفروض کل م ب وکل م حـ
    المدعي ع ب حـ


    البرهان :
    اذا صدقت کل م ب
    صدقت ع ب م (العکس المستوي)
    فنضم العکس الى کبري الأصل ليکون
    ع ب م وکل م حـ (ثالث الأول)
    ع ب حـ (المطلوب)
    ولا ينتج کلية لجواز أن يکون ب أعم من حـ ولو من وجه کالمثال.
    (الثاني) من کليتين والکبري سالبة ينتج سالبة جزئية.
    مثاله :
    کل ذهب معدن
    ولا شيء من الذهب بفضه
    ... بعض المعدن ليس بفضة
    ويبرهن عليه بعکس الصغري کالاول فنقول :
    المفروض کل م ب ولا م حـ
    المدعي ... س ب حـ
    البرهان : نعکس الصغري فتکون (ع ب م) فنضمها الى الکبري فيحدث :
    ع ب م ولا م حـ (رابع الاول)
    ... س ب حـ (المطلوب)
    (الثالث) من موجبتين والصغري جزئية ينتج موجبة جزئية.
    مثاله :
    بعض الطائر أبيض
    وکل طائر حيوان
    ... بعض الابيض حيوان
    البرهان : بعکس الصغري کالاول فنقول :
    المفروض ع م ب وکل م حـ
    المدعي ... ع ب حـ


    البرهان : نعکس الصغري الى (ع ب م) ونضمها الى الکبري فيحدث :
    ع ب م وکل م حـ (ثالث الاول)
    ع ب حـ (المطلوب)
    (الرابع) من موجبتين والکبري جزئية ينتج موجبة جزئية
    مثاله :
    کل طائر حيوان
    بعض الطائر أبيض
    بعض الحيوان أبيض
    ويبرهن عليه بعکس الکبري ثم جعلها صغري وصغري الاصل کبري لها ثم بعکس النتيجة فنقول :
    المفروض کل م ب وع م حـ
    المدعي ... ع ب حـ
    البرهان :
    : نعکس الکبري الى (ع حـ م) ونجعلها صغري لصغري الاصل فيحدث
    ع حـ م کل م ب (ثالث الاول)
    ع حـ ب
    وينعکس بالعکس المستوي الى ع ب حـ (المطلوب)
    (الخامس) من موجبة کلية وسالبة جزئية ينتج سالبة جزئية
    مثاله :
    کل حيوان حساس
    وبعض الحيوان ليس بانسان
    ... بعض الحساس ليس بانسان
    ولا يبرهن عليه بطريق العکس لان السالبة الجزئية لاتنعکس والموجبة الکلية تنعکس الى جزئية ولا قياس بين جزئيتين. فلذلک يبرهن عليه بالخلف فنقول :


    المفروض کل م ب وس م حـ
    المدعي س ب حـ
    البرهان : لو لم تصدق س ب حـ
    لصدق نقيضها کل ب حـ
    نجعله کبري لصغري الاصل فيحدث :
    کل م ب وکل ب حـ (الأول من الأول)
    ... کل م حـ
    س م حـ وهو عين الکبري الصادقة
    فيکذب نقيضها
    (هذا خلف) فيجب ان يصدق س ب حـ (المطلوب)
    (السادس) من موجبة جزئية وسالبة کلية ينتج سالبة جزئية
    مثاله :
    بعض الذهب معدن
    ولا شيء من الذهب بحديد
    ... بعض المعدن ليس بحديد
    ويبرهن عليه بعکس الصغري ثم صمه الى کبري الاصل ليکون من رابع الشکل الاول لينتج المطلوب.
    المفروض ع م ب ولا م حـ
    المدعي ... س ب حـ
    البرهان : نعکس الصغري الى (ع ب م) فنضمه الى الکبري ليحدث :
    ع ب م ولا م حـ (رابع الاول)
    ... س ب حـ (المطلوب)


    تنبيهات
    طريقة الخلف :
    1 ـ ان کلا من ضروب الشکل الثالث يمکن اقامة البرهان عليه بطريقة الخلف. کضروب الثاني.
    و(الخلف) : استدلال غير مباشر يبرهن به على کذب نقيض المطلوب. ليستدل به على صدق المطلوب. وهو في الاشکال خاصة يؤخذ نقيض النتيجة المطلوب اثباتها. فيقال لو لم تصدق لصدق نقيضها. واذ فرض صدق النقيض يضم الى احدي المقدمتين المفروض صدقها. ليتألف من النقيض وهذه المقدمة ضرب من ضروب الشکل الاول. فينتج ما يناقض المقدمة الاخري الصادقة بالفرض. هذا خلف. فلا بد أن تکذب هذه النتيجة. وکذبها لا بد أن ينشأ من کذب نقيض المطلوب. فيثبت صدق المطلوب. وقد تقدمت امثلته.
    وعلي الطالب أن يجري استعماله في جميع الضروب شحذا لذهنه. وليلاحظ أية مقدمة يجب أن يختارها من القياس المفروض. ليلتئم من النقيض ومن المقدمة الضرب المنتج.
    دليل الافتراض :
    2 ـ وقد يستدل بدليل (الافتراض) على انتاج بعض الضروب الذي تکون احدي مقدمتيه جزئية من هذا الشکل أو من الثاني. ولا بأس بشرحه تنويرا لافکار الطلاب. وان کانوا في غني عنه دليل العکس والخلف. وله مراحل ثلاث :
    الاولي ـ (الفرض) وهو أن نفرض اسما خاصا للبعض الذي هو مورد الحکم في
    القضية الجزئية فنفرضه حرف (د). لان في قولنا مثلا : (بعض الحيوان ليس بانسان) لابد أن يقصد في البعض شيء معين يصح سلب الانسان عنه. مثل فرس وقرد وطائر ونحوها. فنصطلح على هذا الشيء المعين ونسميه (د) ففي مثل القضية : (بعض م ب) يکون (د) عبارة أخري عن قولنا (بعض م).

    الثانية (استخراج قضيتين صادقتين بعد الفرض) فانه بعد الفرض) فانه بعد الفرض المذکور نستطيع أن نحصل على قضيتين صادقتين قطعا :
    1 ـ قضية موجبة کلية موضوعها الاسم المفروض (د) ومحمولها موضوع القضية الجزئية ففي المثال المتقدم تکون (کل د م) صادقة لان (د) بعض م حسب الفرض والاعم يحمل على جميع أفراد الاخص قطعا.
    2 ـ قضية کلية : موجبة أو سالبة تبعا لکيف الجزئية موضوعها الاسم المفروض (د) ومحمولها محمول الجزئية ففي المثال تکون (کل د ب) صادقة لان (د) هو البعض الذي هو کله (ب). واذا کانت الجزئية سالبة مثل (س م ب) تکون (لا د ب) صادقة لان (د) هو البعض المسلوب عنه (ب). الثالثة (الاقترانات المنتجة للمطلوب) لانا بعد استخراج تلک القضيتين تزيد ثروة معلوماتنا فنستعملها في تألبيف اقترانات نافعة منهما ومن المقدمتين للقياس المفروض صدقهما لاستختراج النتيجة المطلوب اثبات صدقها. ولنجرب هذا الدليل بعد أن فهمنا مراحله في الاستدلال على الضرب الخامس من الشکل الثالث فنقول :
    المفروض کل م ب وس م حـ (الخامس من الثالث)
    المدعي ... س ب حـ
    البرهان :
    بالافتراض
    نفرض بعض م (في السالبة الجزئية س م حـ) الذي هو ليس حـ انه (د) فنستخرج القضيتين الصادقتين :
    (1) کل د م
    (2) لا د حـ
    ثم نأخذ القضية رقم (1). ونجعلها صغري لصغري الاصل فيحدث :
    کل د م وکل م ب (اول الشکل الاول)
    ... کل د ب

    ثم هذه النتيجة نجعلها صغري للقضية رقم (2) فيحدث :
    کل د ب ولا د حـ (ثاني الشکل الثالث)
    ... س ب حـ (وهو المطلوب)
    ولنجربه ثانيا في الاستدلال على الضرب الرابع من الشکل الثاني فنقول : ـ
    المفروض س ب م وکل حـ م
    المدعي ... س ب حـ
    البرهان :
    بالافتراض.
    نفرض (بعض ب) الذي هو ليس م انه (د) وذلک في السالبة الجزئية (س ب م) فنستخرج القضيتين الصادقيتن :
    (1) کل د ب
    (2) لا د م
    ثم نأخذ القضية رقم (2) ونجعلها صغري لکبري الاصل فيحدث :
    لا د م وکل حـ م (ثاني الشکل الثاني)
    ... لا د حـ
    ثم نعکس القضية رقم (1) الي : ع ب د
    ونضم هذا العکس الى النتيجة الاخيرة ونجعله صغري فيحدث :
    ع ب د ولا د حـ (رابع الشکل الاول)
    .... س ب حـ (وهو المطلوب)
    فرأيت انا استعملنا في الاثناء العکس المستوي للقضية رقم (1) لانه لولاه لما تستطعنا أن نؤلف قياسا إلا من الشکل الثالث الذي هو متأخر عن الثاني. وکذلک نستعمل هذا العکس في دليل الافتراض على الضرب الثالث من الثاني. وعلى الطالب أن يستعمل دليل الافتراض في غير ما ذکرنا من الضروب التي تکون احدي مقدماتها جزئية لزيادة التمرين.

    الرد :
    3 ـ ومن البراهين على انتاج الاشکال الثلاثة عدا الاول (الرد) وهو تحويل الشکل الى الشکل الاول : اما بتبديل المقدمتين في الشکل الرابع واما بتحويل احدي المقدمتين الى عکسها المستوي ففي الشکل الثاني تعکس الکبري في بعض ضروبه القابلة للعکس وفي الثالث تعکس الصغري في بعض ضروبه القابلة للعکس کما سبق .. وفي بعض ضروبها قد نحتاج الى استعمال نقض المحمول أو عکس النقيض اذا لم نتمکن من العکس المستوي حتي نتوصل الى الشکل الاول المنتج نفس النتيجة المطلوبة.
    وعلى الطالب أن يطبق ذلک بدقة على جميع ضروب الشکلين لغرض التمرين.
    الشکل الرابع
    وهو ما کان الاوسط فيه موضوعا في الصغري محمولا في الکبري عکس الاول فيکون وضع الاصغر والاکبر في النتيجة يخالف وضعهما في المقدمتين. ومن هنا کان هذا الشکل أبعد الجميع عن مقتضي الطبع غامض الانتاج عن الذهن.
    ولذا ترکه جماعة من علماء المنطق في مؤلفاتهم واکتفوا بالثلاثة الاولي.
    شروطه :
    يشترط في انتاج هذا الشکل الشروط الثلاثة العامة في کل شکل التي تقدم ذکرها في القواعد العامة.
    وهي : ألا يتألف من سالبتين ولا من جزئيتين ولا من سالبة صغري وجزئية کبري. ويشترط أيضا فيه شرطان خاصان به :
    1 ـ ألا تکون احدي مقدماته سالبة جزئية.
    2 ـ کلية الصغري اذا کانت المقدمتان موجبتين فلو أن الصغري کانت موجبة جزئية لما جاز أن تکون الکبري موجبة بل يجب أن تکون سالبة کلية.

    ضروبه :
    بحسب الشروط الخمسة تکون الضروب المنتجة منه خمسة فقط : لانه بالشرط الاول تسقط اربعة حاصل ضرب السالبتين في السالبتين. وبالثاني تسقط ثلاثة : الجزئيتان سواء کانتا موجبتين او مختلفتين بالايجاب والسلب. وبالثالث يسقط واحد السالبة الکلية مع الموجبة الجزئية. وبالرابع ضربان : السالبة الجزئية صغري أو کبري مع الموجبة الکلية. وبالخامس ضرب واحد : الموجبة الجزئية الصغري مع الموجبة الکلية الکبري.
    فالباقي خمسة ضروب نقيم عليها البرهان :
    (الضرب الاول) من موجبتين کليتين ينتج موجبة جزئية
    مثاله :
    کل انسان حيوان
    وکل ناطق انسان
    ... بعض الحيوان ناطق
    ويبرهن عليه بالرد بتبديل المقدمتين احداهما في مکان الاخري فيرتد الى الشکل الاول ثم نعکس النتيجة ليحصل المطلوب فيقال.
    المفروض كل م ب و كل حـ م
    … ع ب حـ
    البرهان : بالرد بتبديل المقدمتين فيحدث :
    المفروض کل م ب (الاول من الاول)
    ... کل حـ ب
    وينعکس الى ع ب حـ (وهو المطلوب)
    وانما لا ينتج هذا الضرب کلية لجواز أن يکون الاصغر أعم من الاکبر کالمثال.
    (الثاني) من موجبة کلية وموجبة جزئية ينتج موجبة جزئية

    مثاله :
    کل انسان حيوان
    وبعض الولود انسان
    ... بعض الحيوان ولود
    ويبرهن عليه بالرد بتبديل المقدمتين ثم بعکس النتيجة ولا ينتج کليا لجواز عموم الاصغر.
    (الثالث) من سالبة کلية موجبة کلية ينتج سالبة کلية
    مثاله :
    لا شيء من الممکن بدائم
    وکل محل للحوادث ممکن
    ... لا شيء من الدائم بمحل للحوادث
    ويبرهن عليه أيضا بالرد بتبديل المقدمتين ثم بعکس النتيجة.
    (الرابع) من موجبة کلية وسالبة کلية. ينتج سالبة جزئية
    مثاله :
    کل سائل يتبخر
    ولا شيء من الحديد بسائل
    ... بعض ما يتبخر ليس بحديد
    ولا يمکن البرهان عليه بالرد بتبديل المقدمتين لأن الشکل الاول لا ينتج من صغري سالبة. ولکن يبرهن بعکس المقدمتين وتأليف قياس الشکل الاول من العکسين. لينتج المطلوب فيقال :
    المفروض کل م ب ولا حـ م
    المدعي ... س ب حـ

    البرهان :
    نعکس المقدمتين الي :
    ع ب م لا م حـ (رابع الاول)
    ... س ب حـ (وهو المطلوب)
    الخامس من موجبة جزئية وسالبة کلية. ينتج سالبة جزئية
    مثاله :
    بعض السائل يتبخر
    لا شيء من الحديد بسائل
    ... بعض ما يتبخر ليس بحديد
    وهذا أيضا لا يبرهن عليه تبديل المقدمتين لعين السبب ويمکن أن يبرهن عليه بعکس المقدمتين کالسابق بلا فرق.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3303
    نقاط : 4992
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ---المنطق ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ---المنطق ج1   ---المنطق ج1 Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 6:07 am

    تمرينات
    1 ـ برهن على الضرب الثاني ثم الخامس من الشکل الرابع بدليل الافتراض.
    2 ـ برهن على الضرب الثالث ثم الرابع من الشکل الرابع بدليل الخلف.
    3 ـ برهن على الضرب الرابع من الشکل الثاني بطريقة (الرد) ولکن بأخذ منقوضة محمول کل من المقدمتين ثم أخذ العکس المستوي لمنقوضة الکبري لينتج المطلوب.
    4 ـ برهن على الضرب الخامس من الشکل الثالث بطريقة (الرد). ولکن بأخذ منقوضة محمول کل من المقدمتين ثم أخذ العکس المستوي لمنقوضة الکبري لتأليف قياس من الشکل الاول ثم عکس نتيجة هذا القياس لعکس النقيض الموافق ليحصل المطلوب.
    5 ـ برهن على الضرب الاول ثم الثاني من الشکل الثاني بطريقة (الرد) ولکن بأخذ منقوضة محمول کل من المقدمتين. وعليک الباقي من البرهان فانک ستحتاج الى استخدام العکس المستوي في کل من الضربين لتصل الى المطلوب ويتبع ذلک حسن التفاتک ومهارتک في موقع استعماله.
    6 ـ جرب أن تبرهن على الضرب الثالث من الشکل الثاني بطريقة الرد بأخذ منقوضة المحمول لکل من المقدمتين. واذا لم تتمکن من الوصول الى النتيجة فبين السر في ذلک.
    7 ـ برهن على ضربين من ضروب الثالث بطريقة الخلف واختر منها ما شئت. (يحسن بالطالب أن يضع بين يديه امثلة واقعية للضروب التي يبرهن عليها في جميع هذه التمرينات ليتضح له الامر بالمثال أکثر)

    الاقتراني الشرطي
    تعريفه وحدوده :
    تعدم معني القياس الاقتراني الحملي وحدوده. ولا يختلف عنه الاقتراني الشرطي إلا من جهة اشتماله على القضية الشرطية : أما بکلا مقدمتيه أو مقدمة واحدة فلذلک تکون حدوده نفس حدود الحملي من جهة اشتماله على الاوسط والاصغر والاکبر غابة الامران الحد قد يکون المقدم أو التالي من الشرطية کما انه قد يکون الاوسط خاصة جزءاً من المقدم أو التالي وسيجيء.
    فاذن يصح أن نعرفه بأنه : (الاقتراني الذي کان بعض مقدماته أوکلها من القضايا الشرطية).
    أقسامه
    للاقتراني الشرطي تقسيمان
    1 ـ (تقسيمه من جهة مقدماته) : فقد يتألف من متصلتين أو منفصلتين أو مختلفتين بالاتصال والانفصال أو من حملية ومتصلة أو من حملية ومنفصلة. فهذه أقسام خمسة.
    2 ـ (تقسيمه باعتبار الحد الاوسط جزءاً تاما أو غير تام) : فانه لما کانت الشرطية مؤلفة من طرفين. فالاشتراک بين قضيتين تارة في جزء تام أي في جميع المقدم او التالي في کل منهما وأخري في جزء غير تام أي في بعض المقدم او التالي في کل منهما. وثالثة في جزء تام من مقدمة وجزء غير تام من أخري فهذه ثلاثة أقسام :

    (الأول) ما اشترکت فيه المقدمتان في جزء تام منهما نحو : کلما کان الانسان عاقلا قنع بما يکفيه.
    وکلما قنع بما يکفيه استغني.
    کلما کان الانسان عاقلا استغني.
    (الثاني) ما اشترکت في المقدمتان في جزء غير تام منهما نحو :
    اذا کان القرآن معجزة فالقرآن خالد.
    واذا کان الخلود معناه البقاء فالخالد لا يتبدل.
    ... اذا کان القرآن معجزة فاذا کان الخلود معناه البقاء فالقرآن لا يتبدل.
    فلاحظ بدقة أن التالي من الصغري (فالقرآن خالد) والتالي من الکبري (فالخالد لا يتبدل) يتألف منهما قياس اقتراني حملي من الشکل الاول ينتج (القرآن لا يتبدل). فنجعل هذه النتيجة تاليا لشرطية مقدمها مقدم الکبري ثم نجعل هذه الشرطية تاليا لشرطية مقدمها مقدم الصغري. وتکون هذه الشرطية الاخيرة هي (النتيجة) المطلوبة. وهذه هي طريقة أخذ النتيجة من هذا القسم اذا تألف من متصلتين. ونحن نکتفي بهذا المقدار من بيان هذا القسم. ولا نذکر اقسامه ولا شروطه لطول الکلام عليها ولمخالفته للطبع الجاري. (الثالث) ما اشترکت فيه المقدمتان في جزء تام من احداهما غيرتام من الاخري. وانما نتصور هذا القسم في المؤلف من الحملية والشرطية وسيأتي شرحه وشرح شروطه. أما في الشرطيات المحضة فلا بد أن نفرض احدي
    الشرطيتين بسيطة والاخري مرکبة من حملية وشرطية بالاصل ليکون الحد المشترک جزءاً تاما من الاولي وغير تام من الثانية نحو :
    اذا کانت النبوة من الله فاذا کان محمد نبيا فلا يترک أمته سدي.
    واذا يترک أمته سدي وجب أن ينصب هاديا.
    ... اذا کانت النبوة من الله فاذا کان محمدا نبيا وجب أن ينصب هاديا.

    فلاحظ : ان تالي الصغري مع الکبري يتألف منهما قياس شرطي من القسم الاول وهو ما اشترکت فيه المقدمتان بجزء تام فينتج على نحو الشکل الاول : (اذا کان محمد نبيا وجب أن ينصب هاديا) ثم نجعل هذه النتيجة تاليا لشرطية مقدمها مقدم الصغري فتکون هذه الشرطية الجديدة هي النتيجة المطولبة. وهذه هي طريقة أخذ النتيجة من هذا القسم الثالث اذا تألف من متصلتين. ونکتفي بهذا البيان عن هذا القسم في الشرطيات المحضة للسبب المتقدم في القسم الثاني.
    يبقي الکلام عن القسم الاول وهو ما اشترکت فيه المقدمتان بجزء تام منهما وعن القسم الثالث في المؤلف من حملية وشرطية. ولما کانت هذه الاقسام موافقة للطبع الجاري فنحن نتوسع في البحث عنها الى حد ما فنقول : ينقسم کما تقدم الاقتراني الشرطي الى خمسة أقسام من جهة کون المقدمتين من المتصلات او المنفصلات أو المختلفات فنجعل البحث متسلسلا حسب هذه الاقسام :
    1 ـ المؤلف من المتصلات
    هذا النوع اذا اشترکت مقدمتاه بجزء تام منهما يلحق بالاقتراني الحملي حذو القذة بالقذة : من جهة تأليفه للاشکال الاربعة ومن جهة شروطها في الکم والکيف ومن جهة النتائج وبيانها بالعکس والخلف والافتراض. فلا حاجة الى التفصيل والتکرار. وانما على الطالب أن يغير الحملية بالشرطية المتصلة. نعم يشترط أن يتألف من الزوميتين. وهذا شرط عام لجميع اقسام الاقترانات الشرطية المتصلة لان الاتفاقيات لا حکم لها في الإنتاج نظرا الى أن العلاقة بين حدودها ليست ذاتية وانما يتألف منها صورة قياس غير حقيقي.

    2 ـ المؤلف من المنفصلات
    تمهيد :
    المنفصلة انما تدل على العناد بين طرفيها في الصدق والکذب فاذا اقترنت بمنفصلة أخري تشترک معها في جزء تام أو غير تام فقد لا يظهر الارتباط بين الطرفين على وجه نستطيع أن نحصل على نتيجة ثابتة لان عناد شيء لأمرين لا يستلزم العناد بينهما النفسهما ولا يستلزم عدمه. وهذا نظير ما قلناه في السالبتين في القاعدة الثانية من القواعد العامة من أن مباينة شيء لأمرين لا يستلزم تباينهما ولا عدمه فاذن لا انتاج بين منفصلتين فلا قياس مؤلف من المنفصلات. وهذا صحيح الى حد ما اذا أردنا أن نجمد على المنفصلتين على حالهما ولکن المنفصلة تستلزم متصلة فيمکن تحويلها اليها فاذا حولنا المنفصلتين
    معا تألف القياس من متصلتين ينتج متصلة. واذا أردنا أن نصر على جعل النتيجة منفصلة فان المتصلة أيضا يمکن تحويلها الى منفصلة لازمة لها فنحصل على نتيجة منفصلة کما نريد. وعليه لا بد لنا اولا من معرفة تحويل المنفصلة الى متصلة لازمة لها وبالعکس قبل البحث عن هذا النوع من القياس فنقول :
    تحويل المنفصلة الموجبة الى متصلة :
    قد بينا في محله ان أقسام المنفصلة ثلاثة :
    1 ـ (الحقيقية) وهي تستلزم اربع متصلات موافقة لها في الکم والکيف فيجوز تحويلها الى کل واحدمنها فمنها متصلتان مقدم کل واحدة منهما عين أحد الطرفين والتالي نقيض الآخر. لأن الحقيقية لما دلت على استحالة الجمع بين طرفيها فاذا تحقق احدهما فانه يستلزم انتقاء الآخر. ومنها متصلتان مقدم کل واحدة منهما نقيض أحد الطرفين والتالي عين الآخر لان الحقيقية أيضا تدل على استحالة الخلو من طرفيها فاذا ارتفع احدهما فهو يستلزم تحقق الآخر فاذا صدق قولنا :


    العدد اما زوج أو فرد (قضية حقيقة)
    صدقت المتصلات الأربع :
    (1) اذا کان العدد زوجا فهو ليس بفرد
    (2) اذا کان العدد فردا فهو ليس بزوج
    (3) اذا لم يکن العدد زوجا فهو فرد
    (4) اذا لم يکن العدد فردا فهو زوج
    2 ـ (مانعة الجمع) وهي تستلزم المتصلتين الاوليتين اللتين مقدم کل واحدة منهما عين أحد الطرفين والتالي نقيض الاخر لأنها کالحقيقية في دلالتها على استحالة الجمع ولا تدل على استحالة الخلو فاذا صدق :
    الشيء اما شجر أو حجر (مانعة جمع)
    صدقت المتصلتان :
    (1) اذا کان الشيء شجرا فهو ليس بحجر
    (2) اذا کان الشيء حجرا فهو ليس بشجر
    ولا تصدق المتصلتان :
    (3) اذا لم يکن الشيء شجرا فهو حجر
    (4) اذا لم يکن الشيء حجرا فهو شجر
    3 ـ (مانعة الخلو) وهي تستلزم المتصلتين الاخيرتين فقط اللتين مقدم کل واحدة منهما نقيض أحد الطرفين والتالي عين الآخر لانها کالحقيقية في دلالتها على استحالة الخلو ولا تدل على استحالة الجمع فاذا صدق :
    زيد اما في الماء أو لا يغرق (مانعة خلو)
    صدقت المتصلتان :

    (3) اذا لم يکن زيد في الماء فهو لا يغرق
    (4) اذا غرق زيد فهو في الماء
    ولا تصدق المتصلتان الاوليان :
    (1) اذا کان زيد في الماء فهو يغرق
    (2) اذا غرق زيد فهو ليس في الماء
    تحويل المنفصلة السالبة الى متصلة
    أما المنفصلة السالبة کلية أو جزئية فانها تحول الى متصلة سالبه جزئية : الحقيقية الى أربع على نحو الموجبة وکل من مانعتي الجمع والخلو الى اثنتين على نحو الموجبة أيضا فاذا قلنا على نحو الحقيقية :
    ليس البتة اما أن يکون الاسم معربا أو مرفوعا
    فانه تصدق المتصلات الاربع الآتية :
    (1) قد لا يکون اذا کان الاسم معربا فهو ليس بمرفوع
    (2) قد لا يکون اذا کان الاسم مرفوعا فهو ليس بمعرب
    (3) قد لا يکون اذا لم يکن الاسم معربا فهو مرفوع
    (4) قد لا يکون اذا لم يکن الاسم مرفوعا فهو معرب
    ولا تصدق بعض هذه المتصلات کليا في هذا المثال فلو جعلنا المتصلة رقم (1) مثلا کلية هکذا :
    ليس البتة اذا کان الاسم معربا فهو ليس بمرفوع
    فانها کاذبة لصدق نقيضها وهو :
    قد يکون اذا کان الاسم معربا فهر ليس بمرفوع
    وهکذا تحول مانعة الجمع والخلو السالبتان. وعلى الطالب ان يضع امثلة لهما.

    تحويل المتصلة الى منفصلة
    والمتصلة اللزومية الموجبة تستلزم مانعة الجمع ومانعة الخلو المتفقتين
    معها في الکم والکيف فيجوز تحويلها اليهما.
    الاولي (مانعة الجمع) تتألف من عين المقدم ونقيض التالي لأن المقدم لما کان يستلزم التالي فهو لا يجتمع مع نقيضه قطعا والا لاجتمع النقيضان أي التالي ونقيضه فاذا صدق : کلما غرق زيد فهو في الماء صدقت دائما اما زيد قد غرق أو ليس في الماء (مانعة جمع) الثانية (مانعة الخلو) تتألف من نقيض المقدم وعين التالي بعکس الاولي لأن المقدم لما کان لا يجتمع مع نقيض التالي فلا يخلو الامر من نقيض المقدم وعين التالي والا لو خلا منهما بان يرتفعا معا (وارتفاع نقيض المقدم بالمقدم وارتفاع التالي بنقيضه) فمعناه أنه جاز اجتماع المقدم ونقيض التالي. وهذا خلف. ففي المثال المتقدم لا بد أن تصدق : دائما اما زيد لم يغرق أو في الماء (مانعة خلو) والسالبة تحمل على الموجبة في تحويلها الى مانعة الجمع ومانعة الخلو المتفقتين معها في الکم والکيف.
    التأليف من المنفصلات وشروطه
    بعد هذا التمهيد المتقدم نشرع في موضوع البحث فنقول : لما کان المقدم والتالي في المنفصلة لا امتياز بينهما فکذلک لا يکون بين المنفصلتين المؤلفتين امتياز بالطبع فايهما جعلتها الصغري صح لک فلا تتألف من هذا النوع الاشکال الأربعة.
    ولکن لما کانت المنفصلتان يحولان الى متصلتين. فينبغي أن تراعي صورة التأليف بين المتصلتين وعلى أي شکل تکون الصورة ولا بد من مراعاة شروط

    ذلک الشکل الحادث ولذا قد يضطر الى جعل احدي المقدمتين بالخصوص صغري ليأتلف شکل متوفرة فيه الشروط.
    أما شروط هذا النوع فللمنطقيين فيها کلام واختلاف کثير. والظاهر ان الاختلاف ناشيء من عدم مراعاة وجوب تحويل المنفصلة الى متصلة فيلاحظ أخذ النتيجة من المفصلتين رأسا فذکر بعضهم أو اکثرهم ان من جملة الشروط ايجاب المقدمتين معا والا يکونا مانعتي جمع ولا حقيقيتين. ولکن لو حولنا المنفصلتين الى متصلتين فانا نجدهما ينتجان ولو کانت احداهما سالبة أو کلاهما مانعتي جمع او حقيقيتين. غير انه يجب أن تؤلف المتصلتان على صورة قياس من أحد الاشکال الاربعة حاويا على شروط ذلک القياس کما قدمنا فمثلا لو کانت المقدمتان مانعتي جمع وجب تحويلهما الى متصلتين يؤلفان قياسا من الشکل الثالث. کما سيأتي مثاله. أما لو تألفا على غير هذا الشکل فانهما لا ينتجان لعدم توفر شروط ذلک الشکل.
    وعليه فنستطيع أن نقول : لهذا النوع شرط واحد عام وهو أن يصح تحويل المنفصلتين الى متصلتين يؤلفان قياسا من أحد الاشکال الأربعة حاويا على شروط ذلک الشکل. وعلي الطالب أن يبذل جهدة لاستخراج جميع المتصلات اللازمة للمقدمتين ثم يقارن بعضها ببعض ليحصل على صورة القياس المنتج لمطلوبه.
    طريقة أخذ النتيجة :
    مما تقدم کله نعرف الطريقة التي يلزم اتباعها لاستخراج النتيجة في هذا النوع. ونحن حسب الفرض انما نبحث عن خصوص القسم الاول منه وهو ما اشترکت فيه المقدمتان بجزء تام منهما. فعلينا أن نتبع ما يأتي :
    1 ـ نحول کلا من المنفصلتين الى جميع المتصلات التي يمکن أن تحول اليها. وقد تقدم أن الحقيقية تحول الى أربع متصلات وکلا من مانعتي الجمع والخلو الى اثنتين.
    2 ـ نقارن بين المتصلات المحولة من احدي المقدمتين وبين المتصلات المحولة من الاخري فنختار الصورة التي يتکرر فيها حد أوسط وتکون على شکل تتوفر فيه

    شروط. وعلى الاکثر تکون الصورة المنتجة أکثر من واحدة. ويکفينا أن نختار واحدة منها تنتج المطلوب.
    3 ـ نأخذ النتيجة متصلة ونحولها اذا شئنا الى منفصلة لازمة لها اما مانعة جمع او مانعة خلو.
    فمثلا لو کان القياس مؤلنا من حقيقيتين نحول الاولي الى أربع متصلات والثانية الى أربع أيضا فيحدث من مقارنة الاربع بالاربع ست عشرة صورة. وعند فحصها نجد ثماني منها لا يتکرر فيها حد اوسط فلا يتألف منها قياس. والثماني الباقية ينتج بعضها الملازمة بين عيني الطرفين في الحقيقيتين وبعضها الآخر الملازمة بين نقيضيهما وذلک بمختلف الاشکال. وينبغي أن يختار الطالب منها ما هو أمس بمطلوبه.
    ولأجل التمرين نختبر بعض الأمثلة :
    لو أن حاکما جيء له بمتهم في قتل وعلى ثوبه بقعة حمراء ادعي المتهم انها حبر فأول شيء يصنعه الحاکم لأجل التوصل الى ابطال دعوي المتهم أو تأييده أن يقول :
    هذه البقعة اما دم أو حبر (مانعة جمع)
    وهي اما دم أو لا تزول بالغسل (مانعة خلو)
    فتحول مانعة الجمع الى المتصلتين :
    (1) کلما کانت البقعة دما فهي ليست بحبر.
    (2) کلما کانت حبرا فيهي ليست بدم
    وتحول مانعة الخلو الى المتصلتين :
    (3) کلما لم تکن البقعة دما فلا تزول بالغسل.
    (4) کلما زالت البقعة بالغسل فهي دم.
    وبمقارنة المتصلتين رقم 1 ، 2 بالمتصلتين رقم 3 ، 4 تحدث أربع صور : اثنتان منها لا يتکرر فيهما حد اوسط وهما المؤلفتان من رقم 3 ، 1 ومن رقم 4 ، 2.

    أما المؤلفة من رقم 4 ، 1 فهي من الشکل الاول اذا جعلنا رقم 4 صغري فينتج ما يأتي :
    کلما کانت البقعة تزول بالغسل فليست بحبر.
    ويمکن تحويل هذه النتيجة (المتصلة) الى المنفصلتين :
    اما ان تزول البقعة بالغسل واما ان تکون حبرا (مانعة جمع)
    واما ألا تزول بالغسل أو ليست بحبر (مانعة خلو)
    وأما المؤلفة من رقم 3 ، 2 فهي من الشکل الاول أيضا ينتج ما يلي :
    کلما کانت البقعة حبرا فلا تزول بالغسل
    ويمکن تحويل هذه النتيجة الى المنفصلتين :
    اما أن تکون البقعة حبرا واما أن تزول بالغسل (مانعة جمع)
    واما ألا تکون حبرا او لا تزول بالغسل (مانعة خلو)
    ولاحظ ان هاتين المنفصلتين عين المنفصلتين للنتيجة الاولي. وليس الفرق الا بتبديل الطرفين التالي والمقدم. وليس هذا ما يوجب الفرق في المنفصلة اذ لا تقدم طبعي بين جزءيها کما تقدم مراراً.
    3 ـ المؤلف من المتصلة والمنفصلة
    أصنافه :
    وهذا النوع ايضا ينقسم الى الاقسام الثلاثة ونحن حسب الفرض انما نبحث عن القسم الأول منه وهو المشترک في جزء تام من المقدمتين.
    وأصناف هذا القسم أربعة لان المتصلة اما صغري أو کبري وعلى التقديرين اما ان يکون الحد المشترک مقدمها أو تاليها فهذه أربعة. أما المنفصلة فلا فرق فيها بين ان يکون الحد المشترک مقدمها أو تاليها اذ لا امتياز بالطبع بين جزءيها.

    شروط وطريقة أخذ النتيجة :
    لا يلتئم الإنتاج من المتصلة والمنفصلة الا برد المنفصلة الى متصلة. فيتألف القياس حينئذ من متصلتين. فيرجع الى النوع الاول وهو المؤلف من متصلتين في شروط وانتاجه فان أمکن بارجاع المنفصلة الى المتصلة تأليف قياس منتج من أحد الاشکال الاربعة حاويا على الشروط فذاک والا کان عقيما.
    وبعضهم اشترط فيه ألا تکون المنفصلة سالبة وهذا الشرط صحيح الى حد ما لأن المنفصلة السالبة انما تحول الى متصلة سالبة جزئية والسالبة الجزئية ليس لها موقع في الانتاج في جميع الاشکال الا في الضرب الخامس من الشکل الثالث المؤلف من موجبة کلية وسالبة جزئية والضرف الرابع من الشکل الثاني المؤلف من سالبة جزئية وموجبة کلية. وهذان الضربان نادران.
    وعليه فالمنفصلة السالبة اذا أمکن بتحويلها الى متصلة سالبة جزئية أن تؤلف مع المتصلة المذکورة في الأصل أحد الضربين المذکورين فان القياس يکون منتجا فليس هذا الشرط صحيحا على اطلاقه. مثلا اذا قلنا :
    ليس البتة اما ان يکون هذا انسانا أو فرسا (مانعة خلو)
    وکلما کان هذا انسانا کان حيوانا
    فانهما لا ينتجان لأنه اذا حولنا المنفصلة الى متصلة لا تؤلف مع المتصلة المفروضة شکلا منتجا اذ أن هذه المنفصلة مانعة الخلو تحول الى المتصلتين :
    (1) قد لا يکون اذا لم يکن هذا انسانا فهو فرس.
    (2) قد لا يکون اذا لم يکن هذا فرسا فهو انسان.
    فلو قرنا المتصلة رقم (1) بالمتصلة الاصلية لا يتکرر فيهما حد أوسط ولو قرنا المتصلة (2) بالاصلية کان من الشکل الاول أو الرابع ولا تنتج السالبة الجزئية فيهما.
    ولو أردنا أن تبدل من المتصلة الاصلية قولنا :
    کلما کان هذا ناطقا کان انسانا.

    فانها تؤلف مع المتصلة رقم (2) الضرب الرابع من الشکل الثاني فينتج :
    قد لا يکون اذا لم يکن هذا فرسا فهو ناطق.
    4 ـ المؤلف من الحملية والمتصلة
    اصنافه
    يجب في هذا النوع أن النوع أن يکون الاشتراک في جزء تام من الحملية غير تام من المتصلة کما تقدمت الاشارة اليه فله قسم واحد لان جزء الحملية مفرد وجزء الشرطية قضية بالاصل فلا يصح فرض أن يکون الجزء المشترک تاما فيهما ولا غير تام فيهما. وهذا واضح.
    ولهذا النوع أربعة أصناف لأن المتصلة اما صغري أو کبري وعلى التقديرين فالشرکة اما في مقدم المتصلة او في تاليها فهذه أربعة. والقريب منها الى الطبع صنفان. وهما ما کانت الشرکة فيهما في تالي المتصلة سواء کانت صغري أو کبري.
    طريقة أخذ النتيجة :
    ولأخذ النتيجة في جميع هذه الأصناف الأربعة نتبع ما يلي :
    1 ـ أن نقارن الحملية مع طرف المتصلة التي وقعت فيه الشرکة فنؤلف منهما قياسا حمليا من أحد الاشکال الاربعة حاويا على شروط الشکل لينتج (قضية حملية).
    2 ـ نأخذ نتيجة التأليف السابق وهي الحملية الناتجة فنجعلها مع طرف المتصلة الآخر الخالي من الاشتراک لنؤلف منهما النتيجة متصلة أحد طرفيها نفس طرف المتصلة الخالي من الاشتراک سواء کان مقدما أو تاليا فيجعل
    أيضا مقدما أو تاليا والطرف الثاني الحملية الناتجة من التأليف السابق.
    مثاله :
    کلما کان المعدن ذهبا کان نادرا.
    کل نادر ثمين.

    کلما کان المعدن ذهبا کان ثمينا.
    فقد ألفنا قياسا حمليا من تالي المتصلة ونفس الحملية أنتج من الشکل الاول (کان المعدن ثمينا). ثم جعلنا هذه النتيجة تاليا للنتيجة المتصلة مقدمها مقدم المتصلة الاولي وهو طرفها الذي لم تقع فيه الشرکة.
    مثال ثان :
    لا أحد من الاحرار بذليل.
    وکلما کانت الحکومة ظالمة فکل موجود في البلد ذليل.
    ... کلما کانت الحکومة ظالمة فلا أحد من الاحرار بموجود في البلد.
    فقد ألفنا قياسا حمليا من الحملية وتالي المتصلة أنتج من الشکل الثاني (لا أحد من الاحرار بموجود في البلد) جعلنا هذه النتيجة تاليا لمتصلة مقدمها مقدم المتصلة في الاصل وهو طرفها الذي لم تقع فيه الشرکة.
    الشروط :
    أما شروط انتاج هذه الاصناف الاربعة فلا نذکر منها الا شروط القريب الى الطبع منها وهما الصنفان اللذان تقع الشرکة فيهما في تالي المتصلة سواء کانت صغري أو کبري کما مثلنا لهما. وشرطهما :
    أولا أن يتألف من الحملية وتالي المتصلة شکل يشتمل على شروطه المذکورة في القياس الحملي.
    ثانيا أن تکون المتصلة موجبة فلو کانت سالبة فيجب أن تحول الى موجبة لازمة لها بنقض محمولها أي تحول الى منقوضة المحمول. وحينئذ يتألف القياس الحملي من الحملية في الأصل ونقيض تالي المتصلة مشتملا على شروط الشکل الذي يکون منه.
    مثاله :
    ليس البتة اذا کانت الدولة جائرة فبعض الناس أحرار.

    وکل سعيد حر.
    فان المتصلة السالبة الکلية تحول الى منقوضة محمولها موجبة کلية هکذا :
    کلما کانت الدولة جائرة فلا شيء من الناس بأحرار.
    وبضمها الى الحملية ينتج من الشکل الثاني على نحو ما تقدم في أخذ النتيجة هکذا :
    کلما کانت الدولة جائرة فلا شيء من الناس بسعداء.
    (تنبيه) لهذا النوع وهو المؤلف من الحملية والمتصلة أهمية کبيرة في الاستدلال لا سيما أن قياس الخلف ينحل الى أحد صنفيه المطبوعين. وليکن هذا على بالک فانه سيأتي کيف ينحل قياس الخلف اليه.
    5 ـ المؤلف من الحمليه والمنفصله
    وهذا النوع کسابقه يجب أن يکون الاشتراک فيه في جزء تام من الحملية غير تام من المنفصلة. وقد تقدم وجهة.
    غير أن الشرکة فيه للحملية قد تکون مع جميع اجزاء المنفصلة وهو القريب الى الطبع وقد تکون مع بعضها وعلى التقديرين تقع الحملية اما صغري أو کبري فهذه أربعة أصناف.
    مثاله :
    1 ـ الثلاثة عدد.
    2 ـ العدد اما زوج أو فرد.
    3 ـ .. الثلاثة أما زوج او فرد.
    وهذا المثال من الصنف الاول المؤلف من حملية صغري مع کون الشرکة مع جميع أجزاء المنفصلة لأن المنفصلة في المثال بتقدير (دائما اما العدد زوج واما العدد فرد).

    فکلمة (العدد) المشترکة بين المقدمتين موجودة في جزئي المنفصلة معا.
    أما أخذ النتيجة في المثال فقد رأيت انا اسقطنا الحد المشترک وهو کلمة (عدد) وأخذنا جزء الحملية الباقي مکانه في النتيجة التي هي منفصلة أيضا. وهو على منهاج الشکل الاول في الحملي.
    وهکذا نصنع في أخذ نتائج هذا النوع. ونکتفي بهذا المقدار من البيان عن هذا النوع.
    خاتمه
    قد أطلنا في بحث الاقترانات الشرطية على خلاف المعهوم في کتب المنطق المعتاد تدريسها نظرا الى کثرة فائدتها والحاجة اليها فان اکثر البراهين العلمية تبتني على الاقترانات الشرطية. وان کنا ترکنا کثيرا من الابحاث التي لا يسعها هذا المختصر واقتصرنا على أهم الاقسام التي هي اشد علوقا بالطبع.

    القياس الاستثنائي
    تعريفه وتأليفه :
    تقدم ذکر هذا القياس وتعريفه ؛ وهو من الاقيسة الکاملة أي التي لا يتوقف الانتاج فيها على مقدمة أخري کقياس المساواة ونحوه على ما سيأتي في التوابع.
    ولما تقدم أن الاستثنائي يذکر فيه بالفعل اما عين النتيجة أو نقيضها فهنا نقول : يستحيل أن تکون النتيجة مذکورة بعينها أو بنقيضها على أنها مقدمة مستقلة مسلم بصدقها لأنه حينئذ يکون الانتاج مصادرة على المطلوب. فمعني أنها مذکورة بعينها أو بنقيضها انها مذکورة على أنها جزء من مقدمة.
    ولما کانت هي بنفسها قضية ومع ذلک تکون جزء قضية فلا بد أن يفرض أن المقدمة المذکورة فيها قضية شرطية لأنها تتألف من قضيتين بالاصل. فيجب أن تکون على هذا احدي مقدمتي هذا القياس شرطية. أما المقدمة الاخري فهي الاستثنائية أي المشتملة على أداة الاستثناء التي من اجلها سمي القياس استثنائيا. والاستثنائية يستثني فيها أحد طرفي الشرطية أو نقيضه لينتج الطرف الآخر أو نقيضه على ما سيأتي تفصيله.
    تقسيمه :
    وهذه الشرطية قد تکون متصلة وقد تکون منفصلة وبحسبها ينقسم هذا القياس الى الاتصالي والانفصالي.
    شروطه :
    ويشترط في هذا القياس ثلاثة أمور :

    1 ـ کلية احدي المقدمتين فلا ينتج من جزئيتين.
    2 ـ ألا تکون الشرطية اتفاقية.
    3 ـ ايجاب الشرطية. ومعني هذا الشرط في المتصلة خاصة أن السالبة تحول الى موجبة لازمة لها فتوضع مکانها.
    ولکل من القسمين المتقدمين حکم في الانتاج ونحن نذکرهما بالتفصيل :
    حکم الاتصالي
    لأخذ النتيجة من الاستثنائي الاتصالي طريقتان.
    1 ـ استثناء عين المقدم لينتج عين التالي لأنه اذا تحقق الملزوم تحقق اللازم قطعا سواء أکان اللازم أعم ام مساويا. ولکن لو استثني عين التالي فانه لا يجب أن ينتج عين المقدم لجواز أن يکون اللازم أعم. وثبوت الاعم يلزم منه ثبوت الاخص.
    مثاله :
    کلما کان الماء جاريا کان معتصما. لکن هذا الماء جار.
    ... فهو معتصم.
    فلو قلنا : (لکنه معتصم) فانه لا ينتج (فهو جار) لجواز أن يکون معتصما وهو راکد کثير.
    2 ـ استثناء نقيض التالي لينتج نقيض المقدم. لأنه اذا انتفي اللازم انتفي الملزوم قطعا حتي لو کان اللازم أعم ولکن لو استثني نقيض المقدم فانه لا ينتج نقيض التالي لجواز أن يکون اللازم أعم. وسلب الأخص ال يستلزم سلب الاعم لأن نقيض الأخص أعم من نقيض الاعم.
    مثاله :
    کلما کان الماء جاريا کان معتصما. لکن هذا الماء ليس بمعتصم.

    ... فهو ليس بجار.
    فلو قلنا : (لکنه ليس بجار) فانه لا يتج (ليس بمعتصم) لجواز الاً يکون جاريا وهو معتصم لأنه کثير
    حکم الانفصالي
    لأخذ النتيجة من الاستثنائي الانفصالي ثلاث طرق :
    1 ـ اذا کانت الشرطية (حقيقية) فان استثناء عين أحد الطرفين ينتج نقيض الآخر واستثناء نقيض أحدهما ينتج عين الاخر فاذا قلت :
    العدد اما زوج أو فرد.
    فان الاستثناء يقع على أربع صور هکذا :
    أ ـ لکن هذا العدد زوج ينتج فهو ليس بفرد
    ب ـ لکن هذا العدد فرد ينتج فهو ليس بزوج
    جـ ـ لکن هذا العدد ليس بزوج ينتج فهو فرد
    د ـ لکن هذا العدد ليس بفرد ينتج فهو زوج
    وهو واضح لا عسر فيه. هذا اذا کانت المنفصلة ذات جزءين. وقد تکون ذات ثلاثة أجزاء فأکثر مثل (الکلمة اما اسم أو فعل او حرف) فاذا استثنيت عين أحدها فقلت مثلا (لکنها اسم) فانه ينتج حمليات بعدد الاجزاء الباقية فتقول : (فهي ليست فعلا وليست حرفا).
    واذا استثنيت نقيض أحدهما فقلت مثلا : (لکنها ليست اسما) فانه ينتج منفصلة من أعيان الاجزاء الباقية فتقول : (فهذه الکلمة اما فعل أو حرف). وقد يجوز بعد هذا ان تعتبر هذه النتيجة مقدمة لقياس استثنائي آخر فتستثني عين أحد اجزائها او نقيضه لينحصر في جزء معين.
    وهکذا يمکن أن تستعمل هذه الطريقة لو کانت اجزاء المنفصلة أکثر من ثلاثة فتستوفي الاستثناءات حتي يبقي قسم واحد ينحصر فيه الامر. وقد تسمي هذه

    الطريقة طريقة الدوران والترديد أو برهان السبر والتقسيم أو برهان الاستقصاء کما سبق أن برهنا به لبيان النسبة بين النقيضين في بحث النسب في الجزء الاول. وهذه الطريقة نافعة کثيرا في المناظرة والجدل.
    2 ـ اذا کانت الشرطية (مانعة خلو) فان استثناء نقيض أحد الطرفين ينتج عين الآخر. ولا ينتج استثناء عين أحدهما نقيض الآخر لأن المفروض أنه لا مانع من الجمع بين العينين فلا يلزم من صدق أحدهما کذب الآخر.
    3 ـ اذا کانت الشرطية (مانعة جمع) فان استثناء عين أحد الطرفين ينتج نقيض الآخر. ولا ينتج استثناء نقيض أحدهما عين الآخر لأن المفروض أنه يجوز أن يخلو الواقع منهما فلا يلزم من کذب أحدهما صدق الآخر. وهذا وما قبله واضح.

    خاتمة في لواحق القياس
    القياس المضمر أو الضمير :
    انا في أکثر کلامنا وکتاباتنا نستعمل الاقيسة وقد لا نشعر بها. ولکن على الغالب لا نلتزم بالصورة المنطقية للقياس : فقد نحذف احدي المقدمات أو النتيجة اعتمادا على وضوحها أو ذکاء المخاطب أو لغفلة کما انه قد نذکر النتيجة اولا قبل المقدمات او نخالف الترتيب الطبيعي للمقدمات. ولذا يصعب علينا أحيانا أن نرد کلامنا الى صورة قياس کاملة.
    والقياس الذي تحذف منه النتيجة أو احدي المقدمات يسمي (القياس المضمر) وما حذفت کبراه فقط يسمي (ضميرا) کما اذا قلت (هذا انسان لانه ناطق). وأصله هو.
    هذا ناطق (صغرى)
    وکل ناطق انسان (کبرى)
    ... فهذا انسان (نتيجة)
    فحذفت منه الکبري وقدمت النتيجة.
    وقد تقول (هذا انسان لأن کل ناطق انسان) فتحذف الصغري مع تقديم النتيجة.
    وقد تقول (هذا ناطق لأن کل ناطق انسان) فتکتفي بالمقدمتين عن ذکر النتيجة لأنها معلومة. وقس على ذلک ما يمر عليک.
    كسب المقدمات بالتحليل
    أظنکم تتذکرون انا في أول الکتاب ذکرنا ان العقل تمر عليه خمسة أدوار لأجل

    ان يتوصل الى المجهول. وقلنا ان الادوار الثلاثة الاخيرة منها هي (الفکر) وقد طبقنا هذه الادوار على کسب التعريف في آخر الجزء الاول. والآن حل الوقت الذي نطبق فيه هذه الادوار على کسب المعلوم التصديقي بعدما تقدم من درس أنواع القياس. فلنذکر تلک الدوار الخمسة لنوضحها.
    1 ـ (مواجهة المشکل) ولا شک ان هذا الدور لازم لمن يفکر لکسب المقدمات لتحصيل أمر مجهول لأنه لو لم يکن عنده أمر مجهول مشکل قد التفت اليه وواجهه فوق في حيرة من الجهل به لما فکر في الطريق الى حله. ولذا يکون هذا الدور من مقدمات الفکر لا من الفکر نفسه.
    2 ـ (معرفة نوع المشکل). والغرض من معرفة نوعه أن يعرف من جهة الهيئة انه قضية حملية أو شرطية متصلة أو منفصلة موجبة أو سالبة معدولة أو محصلة موجهة او غير موجهة وهکذا. ثم يعرفه من جهة المادة أنه يناسب أي العلوم والمعارف او اي القواعد والنظريات. ولا شک ان هذه المعرفة لازمة قبل الاشتغال بالتفکير وتحصيل للقدمات والا لوقف في مکانه وارتطم ببحر من المعلومات لا تزيده الاجهلا فيتلبد ذهنه ولا يستطيع الانتقال الى معلوماته فضلا عن أن ينظمها ويحل بها المشکل. فلذا کان هذا الدور لابد منه للتفکير وهو من مقدماته لا منه نفسه.
    3 ـ (حرکة العقل من المشکل الى المعلومات). وهذا أول ادوار الفکر وحرکاته فان الانسان عندما يفرغ من مواجهة المشکل ومعرفة نوعه يفرع فکره الى طريق حله فيرجع الى المعلومات التي اختزنها عنده ليفتش عنها ليقتنص منها ما يساعده على الحل. فهذا الفزع والرجوع الى المعلومات هو حرکة للعقل وانتقال من المجهول الى المعلوم وهو مبدأ التفکير فلذا کان أول أدوار الفکر.
    4 ـ (حرکة العقل بين المعلومات). وهذا هو الدور الثاني للفکر وهو أهم الادوار والحرکات وأشقها وبه يمتاز المفکرون وعنده تزل الاقدام ويتورط المغرور فمن استطاع ان يحسن الفحص عن المعلومات ويرجع الى البديهيات فيجد ضالته التي توصله حقا الى حل المشکل فهذا الذي أوتي حظا عظيما من العلم. وليس هناک

    قواعد مضبوطة لفحص المعلومات وتحصيل المقدمات الموصلة الى المطلوب من حل المشکل وکشف المجهول.
    ولکن لنا طريقة عامة يمکن الرکون اليها لکسب المقدمات نسميها (التحليل) ولأجلها عقدنا هذا الفصل فنقول :
    اذا واجهنا المشکل فلا بد أنه قضية من القضايا ولتکن حملية فاذا أردنا حله من طريق الاقتراني الحملي نتبع ما يلي :
    أولا ـ نحلل المطلوب وهو حملية بالفرض الى موضوع ومحمول ولا بد أن الموضوع يکون الحد الاصغر في القياس والمحمول الحد الاکبر فيه فنضع الاصغر والاکبر کلا منهما على حدة.
    ثانيا ـ ثم نطلب کل ما يمکن حمله على الاصغر والاکبر وکل ما يمکن حمل الاصغر والاکبر عليه سواء کان جنسا أو نوعا أو فصلا أو خاصة أو عرضاً عاماً. ونطلب ايضا کل ما يمکن سلبه عن کل واحد منهما وکل ما يمکن سلب کل واحد منهما عنه. فتحصل عندنا عدة قضايا حملية ايجابية وسلبية.
    ثالثا ـ ثم ننظر فيما حصلنا عليه من المعلومات. فنلائم بين القضايا التي فيها الحد الاصغر يکون موضوعا أو محمولا من جهة وبين القضايا التي فيها الحد الاکبر يکون موضوعا أو محمولا من جهة أخري فاذا استطعنا أن نلائم بين قضيتين من الطرفين على وجه يتألف منهما شکل من الاشکال متوفرة فيه الشروط فقد نجحنا واستطعنا أن نتوصل الى المطلوب والا فعلينا أن نلتمس طريقا آخر.
    وهذه الطريقة عينا تتبع اذا کان المطلوب قضية شرطية فنؤلف معلوماتنا من قضايا شرطية اذا لم نختر ارجاع الشرطية الى حملية لازمه لها.
    واذا أردنا حل المطلوب من طريق القياس الاستثنائي نتبع مايلي :
    أولا نفحص عن کل ملزومات المطلوب وعن کل لوازمه ثم عن کل ملزومات نقيضه وعن کل لوازمه.

    ثانيا ـ ثم نفحص عن کل ما يعاند نقيضه صدقا وکذبا أو صدقا فقط أو کذبا فقط.
    ثالثا ـ ثم نؤلف من الفحص الاول قضايا متصلة اذا وجدنا ما يؤلفها ونستثني عين المقدم ونقيض التالي من کل من القضايا المؤلفة فايهما يصح يتألف به قياس استثنائي اتصالي ننتقل منه الى المطلوب.
    أو نؤلف من الفحص الثاني قضايا منفصلة حقيقية أو من أختيها اذا وجدنا أيضا ما يؤلفها ونستثني عين الجزء الآخر المعاند للمطلوب أو نقيضه ونستثني نقيض الجزء الآخر في جميع القضايا المؤلفة فأيها يصح يتألف به قياس استثنائي انفصالي ننقل منه الى المطلوب
    5 ـ (حرکة العقل من المعلومات الى المجهول) وهذه الحرکة آخر مرحلة من الفکر عندما يتم لم تأليف قياس منتج فانه لا بد أن ينتقل منه الى النتيجة التي تکون هي المطلوب وهي حل المشکل.

    القياسات المرکبة
    تمهيد وتعريف
    لا بد للاستدلال على الميطلوب من الانتهاء في التحليل الى مقدمات بديهية لا يحتاج العلم بها الى کسب ونظر والا لتسلسل التحليل الى غير النهاية فيستحيل تحصيل المطلوب. والانتهاء الى البديهيات على نحوين : تارة ينتهي التحليل من أول الامر الى کسب مقدمتين بديهيتين فيقف ونحصل المطلوب منهما فيتألف منهما قياس يسمي (بالقياس البسيط) لانه قد حصل المطلوب به وحده. وهذا مفروض جميع الاقيسة التي تکلمنا عن أنواعها واقسامها.
    وأخري ينتهي التحليل من أول الامر الى مقدمتين احداهمنا کسبية أو کلاهما کسبيتان فلا يقف الکسب عندهما حينئذ بل تکون المقدمة الکسبية مطلوبا آخرلا بد لنا من کسب المقدمات ثانيا لتحصيله فنلتجيء الى تأليف قياس آخر تکون نتيجة نفس الکسبية أي ان نتيجة هذا القياس الثاني تکون مقدمة للقياس الاول. ولو کانت المقدمتان معا کسبيتين فلا بد حينئذ من تأليف قياسين لتحصيل المقدمتين.
    ثم ان هذه المقدمات المؤلفة ثانيا لتحصيل مقدمة القياس الاول أو مقدمتيه ان کانت کلها بديهية وقف عليها الکسب وان کانت بعضها أو کلها کسبية احتاجت الى تأليف اقيسة بعددها ... وهکذا حتي نقف في مطافنا على مقدمات بديهية لا تحتاج الى کسب ونظر. ومثل هذه التأليفات المترتبة التي تکون نتيجة احدها مقدمة في الآخر لينتهي بها الى مطلوب واحد هو المطلوب الأصلي تسمي (القياس المرکب) لأنه يترکب من قياسين أو أکثر.
    فالقياس المرکب اذن هو : «ما تألف من قياسين فأکثر لتحصيل مطلوب واحد».

    وفي کثير من الأحوال نستعمل القياسات المرکبة فلذلک قد نجد في بعض البراهين مقدمات کثيرة فوق اثنتين مسوفة لمطلوب واحد فيظنها من لا خبرة له انها قياس واحد وهي في الحقيقة ترد الى قياسات متعددة متناسقة على النحو الذي قدمناه وانما حذفت منه النتائج المتوسطة أو بعض المقدمات على طريقة (القياس المضمر) الذي تقدم شرحه. وارجاعها الى أصلها قد يحتاج الى فطنة ودربة.
    اقسام القياس المركب
    وعلى ما تقدم ينقسم القياس المرکب الى موصول ومفصول :
    1 ـ (الموصول) وهو الذي لا تطوي فيه النتائج بل تذکر مرة نتيجة لقياس ومرة مقدمة لقياس آخر کقولک :
    أ ـ کل شاعر حساس
    ب ـ وکل حساس يتألم
    ... کل شاعر يتألم.
    ثم تأخذ هذه النتيجة فتجعلها مقدمة لقياس آخر لينتج المطلوب الأصلي الذي سقت لأجله القياس المتقدم فنقول من رأس :
    أ ـ کل شاعر يتألم
    ب ـ وکل من يتألم قوي العاطفة
    ... کل شاعر قوي العاطفة.
    2 ـ (المفصول) وهو الذي فصلت عنه النتائج وطويت فلم تذکر کما تقول في المثال المتقدم :
    أ ـ کل شاعر حساس.
    ب ـ وکل حساس يتألم.
    ج ـ وکل من يتألم قوي العاطفة.
    ... کل شاعر قوي العاطفة.
    وهذه عين النتيجة السابقة في الموصول. والمفصول أکثر استعمالا في العلوم عتمادا على وضوح النتائج المتوسطة فيحذفونها.

    والقياسات المرکبة قد يسمي بعضها بأسماء خاصة لخصوصية فيها ولا بأس بالبحث عن بعضها تنويرا للاذهان. منها :
    قياس الخلف
    قد سبق منا ذکر لقياس الخلف مرتين : مرة في أول تنبيهات الشکل الثالث وسميناه (طريقة الخلف) وشرحناه هناک بعض الشرح. وقد کنا استخدمناه للبرهان على بعض ضروب الشکلين الثاني والثالث. ومرة أخري نبهنا عليه في آخر القسم الرابع من الاقتراني الشرطي وهو المؤلف من متصلة وحملية اذ قلنا إن قياس الخلف ينحل الى قياس شرطي من هذا القسم. ومن الخير للطالب الآن أن يرجع الى هذين البحثين قبل الدخول في التفصيلات الآتية.
    والذي ينبغي أن يعلم أن الباحث قد يعجز عن الاستدلال على مطلوبه بطريقة مباشرة فيحتال الى اتخاذ طريقة غير مباشرة فيلتمس الدليل على بطلان نقيض مطلوبه ليثبت صدق مطلوبه لأن النقيضين لا يکذبان معا. وابطال النقيض لاثبات المطلوب هو المسمي (بقياس الخلف) ولذا أشرنا فيما سبق في تنبيهات الشکل الثالث الى أن طريقة الخلف من نوع الاستدلال غير المباشر. ومن هنا يحصل لنا تعريف قياس الخلف بانه :
    «قياس مرکب يثبت المطلوب بابطال نقيضه».
    أما انه قياس مرکب فلأنه يتألف من قياسين : اقتراني شرطي مؤلف من متصلة وحملية واستثنائي.
    کيفيته :
    اذا أردنا اثبات المطلوب بابطال نقيضه فعلينا أن نستعمل الطريقة التي سنشرحها ولنرجع قبل کل شيء الى الموارد التي استعملنا لها قياس الخلف فيما سبق ولنختر منها للمثال (الضرب الرابع من الشکل الثاني) فنقول :
    المفروض صدق ـ 1 ـ س ب م و ـ 2 ـ کل حـ م



    المدعي صدق النتيجة : س ب ح
    و(خلاصة البرهان) بالخلف أن نقول : لو لم يصدق المطلوب لصدق نقيضه ولکن نقيضه ليس بصادق لأن صدقه يستلزم الخلف فيجب ان يکون المطلوب صادقا. وهذا کما تري قياس استثنائي يستدل عي کبراه بلزوم الخلف. ولبيان لزوم الخلف عند صدق النقيض يستدل بقياس اقتراني شرطي مؤلف من متصلة مقدمها المطلوب منفيا وتاليها نقيض المطلوب ومن حملية مفروضة الصدق.
    و(تفصيل البرهان) بالخلف نتبع ما يأتي من المراحل مع التمثيل بالمثال الذي اخترناه.
    1 ـ نأخذ نقيض المطلوب (کل ب حـ) ونضمه الى مقدمة مفروضة الصدق ولتکن الکبري وهي (کل حـ م) فيتألف منهما قياس من الشکل الاول.
    کل ب حـ ، کل حـ م
    ينتج کل ب م
    2 ـ ثم نقيس هذه النتيجة الحاصلة الى المقدمة الاخري المفروضة الصدق وهي (س ب م) فنجد انهما نقيضان : فأما ان تکذب (س ب م) والمفروض صدقها هذا خلف أي خلاف ما فرض من صدقها واما أن تکذب هذه النتيجة الحاصلة وهي (کل ب م). وهذا هو المتعين.
    3 ـ ثم نقول حينئذ : لا بد أن يکون کذب هذه النتيجة المتقدمة ناشئا من کذب احدي المقدمتين لأن تأليف القياس لا خلل فيه حسب الفرض ولا يجوز کذب المقدمة المفروضة الصدق فلا بد ان يتعين کذب المقدمة الثانية التي هي (نقيض المطلوب) کل ب حـ فيثبت المطلوب (س ب حـ).
    4 ـ وبالاخير يوضع الاستدلال هکذا :
    أ ـ من قياس اقتراني شرطي.
    (1) الصغري التي هي قولنا (لو لم يصدق س ب حـ فکل ب حـ)
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3303
    نقاط : 4992
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ---المنطق ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ---المنطق ج1   ---المنطق ج1 Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 6:09 am

    (2) الکبري المفروض صدقها هو قولنا (کل حـ م)
    فينتج حسبما ذکرناه في أخذ نتيجة النوع الرابع من الشرطي :
    (لو لم يصدق س ب حـ فکل ب م) ..
    ب من قياس استثنائي.
    (1) الصغري نتيجة الشرطي السابق وهي :
    لو لم يصدق س ب حـ فکل ب م.
    (2) الکبري قولنا : و(لکن کل ب م کاذبة)
    لانه نقيضها وهو (س ب م) صادق حسب الفرض
    فينتج : «يجب أن يکون (س ب حـ) صادقا» وهو المطلوب
    قياس المساواة
    من القياسات المشکلة التي يمکن ارجاعها الى القياس المرکب (قياس المساواة) وانما سمي قياس المساواة لأن الأصل فيه المثال المعروف (أ مساو لب وب مساو لج ينتج أ مساو لج) والا فهو قد يشتمل على المماثلة والمشابهة ونحوهما کقولهم : الانسان من نطفة والنطفة من العناصر فالانسان من العناصر وکقولهم : الجسم جزء من الحيوان والحيوان جزء من الانسان فالجسم جزء من الانسان.
    وصدق قياس المساواة يتوقف على صدق مقدمة خارجية محذوفة وهي نحو مساوي المساوي مساو وجزء الجزء جزء والمماثل للمماثل مماثل ... وهکذا. ولذا لا ينتج لو کذبت المقدمة الخارجية نحو : (الاثنان نصف الاربعة والاربعة نصف الثمانية) فانه لا ينتج : الاثنان نصف الثمانية لأن نصف النصف ليس نصفا.
    تحليل هذا القياس
    وهذا القياس کماتري على هيئة مخالفة للقياس المألوف المنتج اذلا شرکة فيه

    في تمام الوسط لأن موضوع المقدمة الثانية وهو (ب) جزء من محمول الأولي وهو (مساو لب) فلا بد من تحليله وارجاعه الى قياس منتظم يضم تلک المقدمة الخارجية بالمحذوفة الى مقدمتيه ليصير على هيئة القياس. وفي باديء النظر لا ينحل المشکل بمجرد ضم المقدمة الخارجية فلا يظهر کيف يتألف قياس تشترک فيه المقدمات في تمام الوسط وانه من أي انواع اقياس ولذا عد عسر الانحلال الى الحدود المترتبة في القياس المنتج لهذه النتيجة وعده بعضهم من القياسات المفردة وبعضهم عده من المرکبة.
    والأصح أن نعده من المرکبات فنقول انه مرکب من قياسين.
    (القياس الأول) ـ : صغراه المقدمة الأولي (أ مساو لب)
    وکبراه (مساو لب مساو لمساوي ج)
    «وهذه الکبري صادقة مأخوذة من المقدمة الثانية من قياس المساواة أي (ب مساو لج) لأنه بحسبها يکون (مايساوي ج) عبارة ثانية عن (ب) فلو قلت : کل ما يساوي ب يساوي ب تکون قضية صادقة بديهية ويصح أن تبدل عبارة (ما يساوي ج) بحرف (ب) فنقول مکانها (مساو لب مساو لمساوي ج). وعليه يکون هذا القياس الأول من الشکل الأول الحملي والأوسط فيه : مساو لب».
    فينتج (أ مساو لمساوي ج)
    (القياس الثاني) ـ : صغراه النتيجة السابقة من الأول (أ مساو لمساوي ج).
    وکبراه المقدمة الخارجية المذکورة وهي (المساوي لمساوي ج مساو لج) فينتظم قياسا من الشکل الأول الحملي أيضا والأوسط فيه (مساو لمساوي ج).
    فينتج أ مساو لج (وهو المطلوب)

    2 ـ الاسقراء
    تعريفه :
    عرفنا الاستقراء فيما سبق بأنه هو «أن يدرس الذهن عدة جزئيات فيستنبط منها حکما عاما» کما لو درسنا عدة أنواع من الحيوان فوجدنا کل نوع منها يحرک فکه الأسفل عند المضغ فنستنبط منها قاعدة عامة وهي : ان کل حيوان يحرک فکه الأسفل عند المضغ.
    والاستقراء هو الأساس لجميع أحکامنا الکلية وقواعدنا العامة لأن تحصيل القاعدة العامة والحکم الکلي لا يکون الا بعد فحص الجزئيات واستقرائها فاذا وجدناها متحدة في الحکم نلخص منها القاعدة أو الحکم الکلي. فحقيقة الاستقراء هو الاستدلال بالخاص على العام وعکسه القياس وهو الاستدلال بالعام لعي الخاص لأن القياس لا بد أن يشتمل على مقدمة کلية الغرض منها تطبيق حکمها العام على موضوع النتيجة.
    أقسامه :
    والاستقراء على قسمين تام وناقض لأنه اما ان يتصفح فيها حال الجزئيات بأساها أو بعضها.
    والأول (التام) وهو يفيد اليقين. وقيل بأنه يرجع الى القياس المقسم المستعمل في البراهين کقولنا : کل شکل اما کروي واما مضلع وکل کروي متناه وکل مضلع متناه فينتج (کل شکل متناه).
    __________________
    (1) القياس المقسم من نوع المؤلف من المنفصلة والحملية ولكن له حمليات بعدد اجزاء المنفصلة ، ولا تحول فيه المنفصلة الى متصلة بل تبقي على حالها ، ويشبه ان ينحل الى عدة قياسات حملية بعدد اجزاء المنفصلة.

    والثاني (الناقص) وهو الا يفحص المستقري الا بعض الجزئيات کمثال الحيوان من انه يحرک فکه الاسفل عند المضغ بحکم الاستقراء لأکثر أنواعه. وقالوا انه لا يفيد الا الظن لجواز أن يکون أحد جزئياته ليس له هذا الحکم کما قيل ان التمساح يحرک فکه الأعلي عند المضغ.
    شبهة مستعصية
    ان القياس الذي هو العمدة في الأدلة على المطالب الفلسفية وهو المفيد لليقين لما کان يعتمد على مقدمة کلية على کل حال فان الاساس فيه لا محالة هو الاستقراء لما قدمنا أن کل قاعدة کلية لا تحصل لنا الا بطريق فحص جزئياتها.
    ولا شک ان أکثر القواعد العامة غير متناهية الافراد فلا يمکن تحصيل الاستقراء التام فيها.
    فيلزم على ذلک أن تکون أکثر قواعدنا التي نعتمد عليها لتحصيل الاقيسة ظنبة فيلزم أن تکون اکثر اقيستنا ظنية وأکثر ألتنا غير برهانية في جميع العلوم والفهون. وهذا ما لا يتوهمه أحد.
    فهل يمکن أن ندعي ان الاستقراء الناقص يفيد العلم اليقيني فنخالف جميع المنطقيين الاقدمين. ربما تکون هذه الدعوي قريبة الى القبول اذ تجد انا نتيقن بأمور عامة ولم يحصل لنا استقراء جميع أفرادها کحکمنا قطعا بأن الکل أعظم من الجزء مع استحالة استقراء جميع ما هو کل وما هو جزء وکحکمنا بأن الاثنين نصف الاربعة مع استحالة استقراء کل اثنين وکل أربعة وکحکمنا بأن کل نار محرقة وان کل انسان يموت مع استحالة استقراء جميع أفراد النار والانسان ... وهکذا ما لا يحصي من القواعد البديهية فضلا عن النظرية.
    حل الشبهة
    فنقول في حل الشبهة ان الاستقراء على أنحاء :
    1 ـ أن يبني على صرف المشاهدة فقط فاذا شاهد بعض الجزئيات أو اکثرها

    أن لها وصفا واحدا الستنبط ان هذا الوصف يثبت لجميع الجزئيات کمثال استقراء بعض الحيوانات انها تحرک فکها الاسفل عند المضغ. ولکن هذا الاستنباط قابل للنقض فلا يکون الحکم فيه قطعيا وعلى هذا النحو اقتصر نظر المنطقيين القدماء في بحثهم.
    2 ـ أن يبني ذلک على التعليل أيضا. بأن يبحث المشاهد لبعض الجزئيات عن العلة في ثبوت الوصف فيعرف ان الوصف انما ثبت لتلک الجزئيات المشاهدة لعلة أو خاصية موجودة في نوعها ولا شبهة عند العقل ان العلة لا يتخلف عنها معلولها أبدا. فيجزم المشاهد المستقري حينئذ جزما قاطعا بثبوت الوصف لجميع جزئيات ذلک النوع وان لم يشاهدها. کما اذا شاهد الباحث أن بعض العقاقير يؤثر الاسهال فبحث عن علة هذا التأثير وحلل ذلک الشيء الى عناصره فعرف تأثيرها في الجسم الاسهال في الاحوال الاعتيادية فانه يحکم بالقطع أن هذا الشيء يحدث هذا الاثر دائما.
    وجميع الاکتشافات العلمية وکثير من أحکامنا على الأمور التي نشاهدها من هذا النوع وليست هذه الاحکام قابلة للنقض فلذلک تکون قطعية کحکمنا بأن الماء ينحدر منالمکان العالي فانا لا نشک فيه مع انا لم نشاهد من جزئياته الا أقل القليل وما ذلک الا لأنا عرفنا السر في هذا الانحدار. نعم اذا انکشف للباحث خطأ ما حسبه انه علة وان للوصف علة وان للوصف علة أخري فلا بد أن يتغير حکمه وعلمه.
    3 ـ أن يبني على بديهة العقل کحکمنا بأن الکل أعظم من الجزء فان تصور الکل وتصور الجزء وتصور معني أعظم هو کاف لهذا الحکم. وليس هذا في الحقيقة استقراء لأنه لا يتوقف على المشاهدة فان تصور الموضوع والمحمول کاف للحکم وان لم تشاهد جزئيا واحدا منها.
    4 ـ أن يبني على المماثلة الکاملة بين الجزئيات کما اذا اختبرنا بعض جزئيات نوع من الثمر فعلمنا بأنه لذيذ الطعم مثلا فانا نحکم حکما قطعيا بأن کل جزئيات هذا النوع لها هذا الوصف وکما اذا برهنا مثلا على أن مثلثا معينا تساوي زواياه

    قائمتين فانا نجزم جزما قاطعا بأن کل مثلث هکذا فيکفي فيه فحص جزئي واحد وما ذلک الا لأن الجزئيات متماثلة متشابهة في التکوين فوصف واحد منها يکون وصفا للجميع بغير فرق.
    وبعد هذا البيان لهذه الاقسام الاربعة يتضح ان ليس کل استقراء ناقص لا يفيد اليقين الا اذا کان مبنيا على المشاهدة المجردة ويسمي القسم الثاني وهو الاستقراء المبني على التعليل في المنطق الحديث (بطريق الاستنباط) أو طريق البحث العلمي وله أبحاث لا يسعها هذا الکتاب.

    3 ـ التمثيل
    تعريفه :
    هذا ثالث انواع الحجة وبه تنتهي مباحث (الباب الخامس). والتمثيل على ما عرفناه سابقا هو «أن ينتقل الذهن من حکم أحد الشيئين الى الحکم على الآخر لجهة مشترکة بينهما». وبعبارة أخري هو : «اثبات الحکم في جزئي لثبوته في جزئي آخر مشابه له».
    و(التمثيل) هو المسمي في عرف الفقهاء (بالقياس) الذي يجعله أهل السنة من أدلة الاحکام الشرعية. والإمامية ينفون حجيته ويعتبرون العمل به محقاللدين وتضييعا للشريعة.
    مثاله : الذا ثبت عندنا ان النبيذ يشابه الخمر في تأثير السکر على شاربه وقد ثبت عندنا أن حکم الخمر هو الحرمة فلنا أن نستنبط ان النبيذ أيضا حرام او على الاقل محتمل الحرمة للاشتراک بينهما في جهة الاسکار.
    ارکانه :
    وللتمثيل أربعة أرکان :
    1 ـ (الأصل) وهو الجزئي الأول المعلوم ثبوت الحکم له کالخمر في المثال.
    2 ـ (الفرع) وهو الجزئي الثاني المطلوب اثبات الحکم له کالنبيذ في المثال.
    3 ـ (الجامع) وهو جهة الشبه بين الأصل والفرع. کالاسکار في المثال.
    4 ـ (الحکم) المعلوم ثبوته في الأصل والمراد اثباته للفرع کالحرمة في المثال.
    فاذا توفرت هذه الارکان انعقد التمثيل فلو کان الأصل غير معلوم الحکم أو

    فاقدا للجامع المشترک لا يحصل التمثيل. وهذا واضح.
    قيمته العلمية :
    ان التمثيل على بساطته من الادلة التي ال تفيد الا الاحتمال. لأنه لا يلزم من تشابه شيئين في أمر بل في عدة أمور ان يتشابها من جميع الوجوه فاذا رأيت شخصا مشابها لشخص آخر في طوله او في ملامحه أو في بعض عاداته وکان أحدهما مجرما قطعا فانه ليس لک ان تحکم على الآخر بأنه مجرم أيضا لمجرد المشابهة بينهما في بعض الصفات أو الافعال.
    نعم اذا قويت وجوه الشبه بين الأصل والفرع وکثرت يقوي عندک الاحتمال حتي يقرب من اليقين ويکون ظنا. والقيافة من هذا الباب فانا قد نحکم على شخص انه صاحب أخلاق فاضلة أو شرير بمجرد أن نراه لأنا کنا قد عرفنا شخصا قبله يشبهه کثيرا في ملامحه أو عاداته وکان ذا خلق فاضل أو شريرا .. ولکن کل ذلک لا يغني عن الحق شيئا.
    غير انه يمکن أن نعلم ان (الجامع) أي جهة المشابهة علة تامة لثبوت الحکم في الأصل وحينئذ نستنبط على نحو اليقين ان الحکم ثابت في الفرع لوجود علته التامة فيه لأنه يستحيل تخلف المعلول عن علته التامة. ولکن الشأن کله انما هو في اثبات ان الجامع علة تامة للحکم. لأنه يحتاج الى بحث وفحص ليس من السهل الحصول عليه حتي في الأمور الطبيعية. والتمثيل من هذه الجهة يلحق بقسم الاستقراء المبني على التعليل الذي أشرنا اليه سابقا بل هو نفسه.
    اما اثبات ان الجامع هو العلة التامة لثبوت الحکم في المسائل الشرعية فليس لنا طريق اليه الا من ناحية الشارع نفسه ولذا لو کانت العلة منصوصا عليها من الشارع فانه ال خلاف بين الفقهاء جميعا في الاستدلال بذلک على ثبوت الحکم في الفرع کقوله لعيه السلام. «ماء البئر واسع لا يفسده شيء ... لأن له مادة» فانه يستنبط منه ان کل ماء له مادة کماء الحمام وماء حنفية الاسالة فهو واسع لا يفسده شيء.

    وفي الحقيقة ان التمثيل المعلوم فيه ان الجامع علة تامة يکون من باب القياس البرهاني المفيد لليقين اذا يکون فيه الجامع حدا أوسط والفرع حدا أصغر والحکم حدا أکبر فنقول في مثال الماء :
    1 ـ ماء الحمام له مادة.
    2 ـ وکل ماء له مادة واسع لا يفسده شيء (بمقتضي التعليل في الحديث).
    ينتج ماء الحمام واسع لا يفسده شيء.
    وبهذا يخرج عن اسم التمثيل واسم القياس باصطلاح الفقهاء الذي کان محل الخلاف عندهم.

    تمرينات
    على الاقيسه
    1 ـ استدل بعضهم على نفي الوجود الذهني بأنه لوکانت الماهيات موجودة في الذهن لکان الذهن حارا باردا بتصور الحرارة والبرودة ومستقيما ومستديرا وهکذا واللازم باطل فالملزوم مثله. والمطلوب أن تنظم هذا الکلام قياسا منطقيا مع بيان نوعه.
    2 ـ استدل بعضهم على أن اللع تعالي عالم بأن فاقد الشيء لا يعطيه وهو سبحانه قد خلق فينا العلم فهو عالم فبين نوع هذا الاستدلال ونظمه.
    3 ـ المروي ان العلماء ورثة الانبياء ولکنهم لما لم يرثوا منهم المال والعقار فقد ورثوا العلم والاخلاق فهل هذا استدلال منطقي؟ وبين نوعه.
    4 ـ استدل بعضهم على ثبوت الوجود الذهني فقال : «لا شک في أنا نحکم حکما ايجابيا على بعض الاشياء المستحيلة کحکمنا بأن اجتماع النقيضين يغاير اجتماع الضدين. والموجبة تستدعي وجود موضوعها ولما لم يکن هذا الوجود في الخارج فهو في الذهن» فکيف تنظم هذا الدليل على القواعد المنطقية مع بيان نوعه وانه بسيط او مرکب. مع العلم ان قوله : «ولما لم يکن هذا الوجود .. الخ» عبارة عن قياس استثنائي.
    5 ـ واستدلوا على لزوم وجود موضوع القضية الموجبة بأن ثبوت شيء لشيء يستدعي ثبوت المثبت له فکيف تنظم هذا الکلام قياسا منطقيا.
    6 ـ ضع القضايا الآتية في صورة قياس مع بيان نوعه وشکله «صاحب الحجة البرهانية لا يغلب» لأنه «کان على حق» و«کل صاحب حق لا يغلب». واذا کانت القضية الاولي شرطية لعي هذه الصورة : «اذا کانت الحجة برهانية فصاحبها لا

    يغلب» فکيف تؤلف المقدمات لتجعل هذه الشرطية نتيجة لها ومن أي نوع يکون القياس حينئذ.
    7 ـ ضع القضايا الآتية في صورة قياس مع بيان نوعه : «انما يحشي الله من عباده العلماء» ولکن «لما لم يخش خالد الله سبحانه فهو ليس من العلماء».
    8 ـ ما الشکل الذي ينتج جميع المحصورات الاربع.
    9 ـ افحص عن السر في الشکل الثالث الذي يجعله لا ينتج الا جزئية.
    10 ـ في أي شکل يجوز فيه أن تکون کبراه جزئية ويکون منتجا.
    11 ـ اذا کانت احدي المقدمتين في القياس جزئية فلما ذا يجب أن تکون المقدمة الأخري کلية.
    12 ـ اذا کانت الصغري في القياس سالبة فهل يجوز أن تکون الکبري جزئية ولماذا؟
    13 ـ کيف نحصل النتيجه من هذين المنفصلتين : «الانسان اما عالم أو جاهل» حقيقية. و«الانسان اما جاهل أو سعيد» مانعة خلو.
    14 ـ هل يمکن أن نؤلف من المنفصلتين الآتيتين قياسا منتجا : «اما ان يسعي الطالب اولا ينجح في الامتحان» مانعة خلو. و«الطالب اما أن يسعي أو يتهاون» مانعة جمع.
    15 ـ جاء سائل الى شخص والخ بالطلب کثيرا فاستنتج المسؤول من إلحاحه انه ليس بمستحق وهذا الاستنتاج بطريق قياس الاستثناء فکيف تستخرجه؟
    16 ـ البراهين في قاعدة نقض المحمول (من صفحة 186 الى 190) الى قياسات منطقية طبقا لما عرفته من القواعد في القياس البسيط والمرکب.
    17 ـ حاول أن تطبق أيضا البراهين في عکس النقيض على قواعد القياس.
    18 ـ البرهان على نقض محمول الموجبة الکلية (صفحة 186) يمکن إرجاعه الى قياس المساواة والى قياس شرطي من متصلتين فکيف ذلک؟ وکذلک نظائره

    انتهى الجزء الثاني


    المنطق
    بقلم
    المغفور له المجتهد المجدد
    الشيخ محمّدرضا المظفر
    الجزء الثالث
    الصناعات الخمس


    الباب السادس
    الصناعات الخمس


    تمهيد
    تقدم أن للقياس مادة وصورة. والبحث عنه يقع من کلتا الجهتين. وما تقدم في (الباب الخامس) کان بحثا عنه من جهة صورته أي هيئة تأليفه على وجه لو تألف القياس بحسب الشروط التي للهيئة وکانت مقدماته (أي مواده) مسلمة صادقة کان منتجا لا محالة أي کانت نتيجته صادقة تبعا لصدق مقدماتها. ومعني ذلک أن القياس اذا احتفظ بشروط الهيئة فان مقدماته لو فرض صدقها فان صدقها يستلزم صدق النتيجة.
    ولا يبحث هناک عما اذا کانت المقدمات صادقة في أنفسها ام لا بل انما يبحث عن الشروط التي بموجبها يستلزم صدق المقدمات صدق النتيجة على تقير فرض صدق المقدمات.
    وقد حل الآن الوفاء بما وعدناک به من البحث عن القياس من جهة مادته. والمقصود من المادة مقدماته في انفسها مع قطع النظر عن صحة تأليفها بعضها مع بعض. وهي تختلف من جهة الاعتقاد بها والتسليم بصدقها وعدمهما وان کانت صورة القياس واحدة لا تختلف : فقد تکون القضية التي تقع مقدمة مصدّقا بها وقد لا تکون. والمصدّق بها قد تکون يقينية وقد تکون غير يقينية على التفصيل الذي سيأتي.
    وبحسب اختلاف المقدمات وبحسب ما تؤدي اليه من نتائج وبحسب اغراض تأليفها ينقسم القياس الى البرهان والجدل والخطابة والشعر والمغالطة. والبحث عن هذه الاقسام الخمسة أو استعمالها هي (الصناعات الخمس) فيقال

    مثلا : صناعة البرهان وصناعة الجدل ... وهکذا.
    وقبل الدخول في بحثها واحدة واحدة تذکر من باب المقدمه انواع القضايا المستعملة في القياس وأقسامها. او فقل حسب الاصطلاح العلمي (مباديء الاقيسة). ثم نذکر بعد ذلک الصناعات في خمسة فصول :

    المقدمه
    في مبادئ الاقيسه
    سبق أن قلنا في تصدير الباب الخامس : أنه لا يجب في کل قضية أن تطلب بدليل وحجة بل لا بد من الانتهاء في الطلب الى قضايا مستغنية عن البيان والقامة الحجة.
    والسر في ذلک ان مواد الاقيسة سواء کانت يقينية او غير يقينية إما أن تکون في حد نفسها مسغنية عن البيان واقامة الحجة بمعني انه ليس من شانها ان تکون مطلوبة بحجة وإما ان تکون محتاجة الى البيان. ثم هذه الاخيرة المحتاجة لا بد أن ينتهي طلبها الى مقدمات مستغنية بنفسسها عن البيان والاّ لزم التسلسل في الطلب الى غير النهاية. أو نقول : انه يلزم من ذلک الاّ ينتهي الانسان الى علم أبدا ويبقي في جهل الى آخر الآباد. والوجدان يشهد على فساد ذلک.
    وهاتيك المقدمات المستغنية عن البيان تسمى (مباديء المطالب) أو (مباديء الاقيسة). وهي ثمانية اصناف : يقينيات ، ومظنونات ، ومشهورات ، ووهميات ، ومسلمات ، ومقبولات ، ومشبهات ، ومخيلات. ونذكرها الآن بالتفصيل :

    1 ـ يقينيات
    تقدم في أول الجزء الاول ان لليقين معنيين : اليقين بالمعنى الاعم وهو مطلق الاعتقاد الجازم ، واليقين بالمعنى الاخص وهو الاعتقاد المطابق للواقع الذي لا يحتمل النقيض لا عن تقليد. والمقصود باليقين هنا هو هذا المعنى الاخير ، فلا يشمل الجهل المركب ولا الظن ولا التقليد وان كان معه جزم.
    توضيح ذلك ان اليقين بالمعنى الاخص يتقوم من عنصرين : (الاول) أن ينضم الى الاعتقاد بمضمون القضية اعتقاد ثان ـ اما بالفعل او بالقوة القريبة من الفعل ـ أن ذلك المعتقد به لا يمكن نقضه. وهذا الاعتقاد الثاني هو المقوم لكون الاعتقاد جازماً أي اليقين بالمعنى الاعم. و (الثاني) أن يكون هذا الاعتقاد الثاني لايمكن زواله. وانما يكون كذلك اذا كان مسببا عن علته الخاصة الموجبة له فلا يمكن انفكاكه عنها. وبهذا يفترق عن التقليد لأنه ان كان معه اعتقاد ثان فان هذا الاعتقاد يمكن زواله لأنه ليس عن علة توجبه بنفسه ، بل انما هو من جهة التبعية للغير ثقة به وايماناً بقوله فيمكن فرض زواله ، فلا تكون مقارنة الاعتقاد الثاني للاول واجبة في نفس الامر.
    ولاجل اختلاف سبب الاعتقاد من كونه حاضراً لدى العقل او غائباً يحتاج الى الكسب ... تنقسم القضية اليقينية الى بديهية ، ونظرية كسبية تنتهي لا محالة الى البديهيات ، فالبديهيات ـ اذن ـ هي اصول اليقينيات ، وهي على ستة انواع بحكم الاستقراء : اوليات ومشاهدات وتجربيات ومتواترات وحدسيات وفطريات.
    1 ـ الاوليات
    وهي قضايا يصدّق بها العقل لذاتها أي بدون سبب خارج عن ذاتها بأن

    يکون تصور الطرفين مع توجه النفس الى النسبة بينهما کافيا في الحکم والجزم بصدق القضية فکلما وقع للعقل أن يتصور حدود القضية الطرفين على حقيقتها وقع له التصديق بها فورا عندما يکون متوجها لها. وهذا مثل قولنا «الکل أعظم من الجزء» و«النقيضان لا يجتمعان».
    وهذه (الاوليات) منها ما هو جلي عند الجميع اذ يکون تصور الحدود حاصلا لهم جميعا کالمثالين المتقدمين ومنها ما هو خفي عند بعض لوقوع الالتباس في تصوّر الحدود ومتي ما زال الالتباس بادر العقل الى الاعتقاد الجازم.
    ونحن ذاکرون هنا مثالا دقيقا على ذلک مستعينين بنباهة الطالب الذکي على ايضاحه. وهو قولهم «الوجود موجود» فان بعض الباحثين اشتبه عليه معني موجود اذ يتصور أن معناه (انه شيء له الوجود) فقال : لا يصح الحکم على الوجود بأنه موجود والا لکان للوجود وجود آخر وهذا الآخر أيضا موجود فيلزم ان يکون له وجود ثالث ... وهکذا فيتسلسل الى غير النهاية. لأجله أنکر هذا القائل اصالة الوجود وذهب الى الصالة الماهية
    ولکن نقول : ان هذا الزعم ناشيء عن الغفلة عن معني (موجود) فانه قد يتضح للفظ موجود معني آخر اوسع من الأول. وهو المعني المشترک الذي يشمله ويشمل معني ثانيا وهو مالا يکون الوجود زائدا عليه بل کونه موجودا هو بعينه کونه وجودا لا أن له وجود آخر وذلک بان يکون معني موجود منتزعا من صميم ذات الوجود لا باضافة وجود آخر زائد عليه. فانه يقال مثلا ـ : الانسان موجود وهو صحيح ولکن باضافة الوجود الى الانسان ويقال أيضا : الوجود موجود. وهو صحيح أيضا ولکن بنفسه لا باضافة وجود ثان اليه وهو أحق بصدق الموجود عليه. کما يقال : الجسم أبيض باضافة البياض اليه. ويقال : البياض أبيض ولکنه بنفسه لا ببياض آخر وصدق الابيض عليه أولي من صدقه على الجسم الذي صار
    __________________
    1 ـ تقدم في الجزء الاول بيان معنى توجه النفس والحاجة اليه. وهذا البحث عن معنى التوجه وأسبابه وضرورته من مختصات هذا الكتاب التي لم يسبق اليها سابق فيما نعلم بهذا التفصيل.

    أبيض بتوسط اضافة البياض اليه.
    وعلي هذا يکون المشتق منتزعا من نفس الذات المتصلة بدلا من اضافة شيء خارج عنها اليها. فتکون کلمة ابيض (وکذلک کلمة موجود ونحوها) معناها اعم مما کان منتزعا من اتصاف الذات بالمبدأ الخارج عنها ومما کان منتزعا من نفس الذات التي هي نفس المبدأ.
    فاذا زال الالتباس واتضح للعقل معني کلمة (موجود) لا يتردد في صحة حملها على الوجود بل يراه اولي في صدق الموجود عليه من غيره کما لم يتردد في صحة حمل الابيض على البياض. ولا تحتاج مثل هذه القضية وهي (الوجود موجود) الى البرهان بل هي من الاوليات وان بدت غير واضحة للعقل قبل تصور معني موجود وصارت من أدق المباحث الفلسفيه ويبني عليها کثير من مسائل علم الفلسفة الدقيقة.
    2 ـ المشاهدات
    وتسمي أيضا (المحسوسات) وهي القضايا التي يحکم بها العقل بواسطة الحسّ ولا يکفي فيها تصوّر الطرفين مع النسبة ولذا قيل : من فقد حسّاً فقد فقد علما.
    والحسّ على قسمين : (ظاهر) وهو خمسة أنواع البصر والسمع والذوق والشم واللمس. والقضايا المتيقنة بواسطته تسمي (حسيات) کالحکم بأن الشمس مضيئة وهذه النار حارة وهذه الثمرة حلوة وهذه الوردة طيبة الرائحة ... وهکذا. وحسّ (باطن) والقضايا المتيقنة بواسطته تسمي (وجدانيات) کالعلم بأن لنا فکرة وخوفا وألما ولذة وجوعا وعطشا ... ونحو ذلک.
    3 ـ التجربيات او المجربات
    أو المجربات وهي القضايا التي يحکم بها العقل بواسطة تکرر المشاهدة منا في احساسنا فيحصل بتکرر المشاهدة مايوجب أن يرسخ في النفس حکم لا شک فيه کالحکم بأن کل نار حارة وان الجسم يتمدد بالحرارة. ففي المثال الأخير عندما

    نجرّب أنواع الجسم المختلفة من حديد ونحاس وحجر وغيرها مرّات متعددة ونجدها تتمدد بالحرارة فانا نجزم جزما باتّاً بان ارتفاع درجة حرارة الجسم من شأنها أن تؤثر التمدد في حجمه کما ان هبوطها يؤثر التقلص فيه. واکثر مسائل العلوم الطبيعية والکيمياء والطب من نوع المجربات.
    وهذا الاستنتاج في التجربيات من نوع الاستقراء الناقص المبني على التعليل الذي قلنا عنه في الجزء الثاني انه يفيد القطع بالحکم. وفي الحقيقة أن هذا الحکم القطعي يعتمد على قياسين خفيين : استثنائي واقتراني يستعملهما الانسان في دخيلة نفسه وتفکيره من غير التفات غالبا.
    والقياس الاستثنائي هکذا :
    لو کان حصول هذا الاثر اتفاقيا لا لعلة توجبه لما حصل دائما.
    ولکنه قد حصل دائما (بالمشاهدة) ... حصول هذا الاثر ليس اتفاقيا بل لعلة توجبه.
    والقياس الاقتراني هکذا :
    الصغري (نفس نتيجة القياس السابق) حصول هذا الاثر معلول لعلة
    الکبري (بديهية أولية) کل معلول لعلة يمتنع تخلفة عنها ...
    (ينتج من الشکل الاول) هذا الاثر يمتنع تخلفه عن علته
    وهاتان المقدمتان للاستثنائي بديهيتان وکذا کبري الاقتراني فرجع الحکم في القضايا المجربات الى القضايا الاولية والمشاهدات في النهاية.
    ثم لا يختفي انا لا نعني من هذا الکلام ان کل تجربة تستلزم حکما يقينيا مطابقا للواقع فان کثيرا من احکام سواد الناس المبنية على تجاربهم ينکشف خطأهم فيها اذ يحسبون ما ليس بعلة علة او ما کان علة ناقصة علة تامة او يأخذون ما بالعرض مکان ما بالذات.
    وسر خطأهم ان ملاحظتهم للاشياء في تجاربهم لا تکون دقيقة على وجه تکفي

    لصدق المقدمة الثانية للقياس الاستثنائي المتقدم لأنه قد يکون حصول الاثر في الواقع ليس دائميا فظن المجرب أنه دائمي اعتماداً على اتفاقات حسبها دائمية اما لجهل او غفلة أو لقصور ادراک او تسرع في الحکم فأهل جملة من الحوادث ولم يلاحظ فيها تخلف الاثر. وقد تکون ملاحظته للحوادث قاصرة بأن يلاحظ حوادث قليلة وجد حصول الاثر مع ما فرضه علة وفي الحقيقة ان العلة شيء آخر اتفق حصوله في تلک الحوادث فلذا لم يتخلف الاثر فيها. ولو استمر في التجربة وغيرّ فيما يجربه لوجد غير ما اعتقده أولا.
    مثلا قد يجرب الانسان الخشب يطفؤ على الماء في عدة حوادث متکررة فيعتقدان ذلک خاصية في الخشب والماء فيحکم خطأ ان کل خشب يطفو على الماء ولکنه لو جرّب بعض أنواع الخشب الثقيل الوزن لوجد انه لا يطفو في الماء العذب بل قديرسب الى القعر او الى وسط الماء فانه لا شکل حينئذ بزول اعتقاده الاول. ولو غيّر التجربة في عدة اجسام غير الخشب ودقق في ملاحظته ووزن الاجسام والوسائل بدقة وقاس وزن بعضها ببعض لحصل له حکم آخر بأن العلة في طفو الخشب على الماء أن الخشب اخف وزنا من الماء. وتحصل له قاعدة عامة هي أن الجسم الجامد يطفو على السائل اذا کان أخف وزنا منه ويرسب الى القعر اذا کان أثقل وزنا والى وسطه اذا ساواه في الوزن فالحديد مثلا يرسب في الماء ويطفو في الزئبق لأنه أخف وزنا منه.
    4 ـ المتواترات
    وهي قضايا تسکن اليها النفس سکونا يزول معه الشک ويحصل الجزم القاطع. وذلک بواسطة اخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الکذب ويمتنع اتفاق خطأهم في فهم الحادثة کعلمنا بوجود البلدان النائية التي لم نشاهدها وبنزول القرآن
    __________________
    1 ـ هذا القيد الاخير لم يذكره المؤلفون من المنطقيين والاصوليين. وذكره ـ فيما أرى ـ لازم ، نظرا الى أن الناس المجتمعين كثيرا ما يخطئون في فهم الحادثة على وجهها ، حينما تقتضي الحادثة دقة الملاحظة. وقوانين علم الاجتماع تقضي بأن الجمهور لاتتأتى فيه الدقة في الملاحظة اذ سرعان ما تسري فيه العدوى والمحاكاة بعضهم لبعض ، فاذا تأثر بعضهم بالحادث المشاهد قد يقلده غيره من الحاضرين بالتأثر من حيث لا يشعر فيسري الى الاخرين. وعليه لا يحصل

    الکريم على النبي محمد صلي الله عليه وآله وبوجود بعض الأمم السالفة او الاشخاص.
    وبعض حصر عدد المخبرين لحصول التواتر في عدد معين. وهو خطأ فان المدار انما هو حصول اليقين من الشهادات عندما يعلم امتناع التواطؤ على الکذب وامتناع خطأ الجميع. ولا يرتبط اليقين بعدد مخصوص من المخبرين تؤثر فيه الزيادة والنقصان.
    5 ـ الحدسيات
    وهي قضايا مبدأ الحکم بها حدس من النفس قوي جدا يزول معه الشک ويذعن الذهن بمضمونها مثل حکمنا بأن القمر وزهرة وعطارد وسائر الکواکب السيارة مستفاد نورها من نور الشمس وان انعکاس شعاع نورها الى الارض يضاهي انعکاس الأشعة من المراة الى الاجسام التي تقابلها. ومنشأ هذا الحکم او الحدس اختلاف تشکلها عند اختلاف نسبتها من الشمس قربا وبعدا. وکحکمنا بأن الارض على هيئة الکرة وذلک لمشاهدة السفن مثلا في البحر اول ما يبدومنها أعاليها ثم تظهر بالتدريج کلما قربت من الشاطيء. وکحکم علماء الهيئة حديثا بدوران السيارات حول الشمس وجاذبية الشمس لها لمشاهدة اختلاف اوضاع هذه السيارات بالنسبة الى الشمس والينا على وجه يثير الحدس بذلک.
    والحدسيات جارية مجري المجربات في الامرين المذکورين اعني تکرر المشاهدة ومقارنة القياس الخفي فانه يقال في القياس مثلا : هذا المشاهد من الاختلاف في نور القمر لو کان بالاتفاق او بأمر خارج سوي الشمس لما استمر على نمط واحد على طول الزمن. ولما کان على هذه الصورة من الاختلاف فيحدس
    __________________
    اليقين من اخبار جماعة خطأهم في الملاحظة وان حصل اليقين بعدم تعمدهم للكذب.
    لا ترى ان المشعوذين يأتون باعمال يبدو أنها خارقة للعادة فينخدع بها المتفرجون لانهم لم يرزقوا ساعة الاجتماع دقة الملاحظة. ولو انفرد الشخص وحدة بمشاهد المشعوذ لربما لا يشاهده بطحن الزجاج بأسنانه ويخرجه أبرا أو يطعن نفسه بمدية ولا يخرج الدم ، بل قد تنكشف له الحبلة بسهولة.

    الذهن ان سببه انعکاس اشعة الشمس عليه.
    وهذا القياس المقارن للحدس يختلف باختلاف العلل في ماهياتها باختلاف الموارد وليس کذلک المجربات فان لها قياسا واحدا لا يختلف لأن السبب فيها غير معلوم الماهية الا من جهة کونه سببا فقط. وهذه الجهة لا تختلف باختلاف الموارد.
    وذلک لأن الفرق بين المجربات والحدسيات أن المجربات انما يحکم فيها بوجود سبب ما وأن هذا السبب موجود في الشيء الذي تتفق له هذه الظاهرة دائما من غير تعيين لماهية السبب. اما في الحدسيات فانها بالاضافة الى ذلک يحکم فيها بتعيين ماهية السبب انه أي شيء هو وفي الحقيقة ان الحدسيات مجربات مع اضافة والاضافة هي الحدس بماهية السبب ولذا ألحقوا الحدسيات بالمجربات. قال الشيخ العظيم خواجا نصير الدين الطوسي في شرح الاشارات : «ان السبب في المجربات معلوم السببية غير معلوم الماهية وفي الحدسيات معلوم بالوجهين».
    ومن مارس العلوم يحصل له من هذا الجنس على طريق الحدس قضايا کثيرة قد لا يمکنه اقامة البرهان عليها ولا يمکنه الشک فيها. کما لا يسعه أن يشرک غيره فيها بالتعليم والتلقين الا أن يرشد الطالب الى الطريق التي سلکها. فان استطاع الطالب بنفسه سلوک الطريق قد يفضيه الى الاعتقاد اذا کان ذا قوة ذهنية وصفاء نفس. فلذلک لو جحد مثل هذه القضايا جاحد فان الحادس يعجز عن اثباتها له على سبيل المذاکرة والتلقين ما لم يحصل للجاحد نفس الطريق الى الحدس.
    وکذلک المجربات والمتواترات لا يمکن اثباتها بالمذاکرة والتلقين ما لم يحصل للطالب ما حصل للمجرب من التجربة وللمتيقن بالخبر من التواتر. ولهذا يختلف الناس في الحدسيات والمجربات والمتواترات وان کانت کلها من أقسام البديهيات. وليس کذلک الاوليات فان الناس في اليقين بها شرع سواء وکذلک المحسوسات عند من کانوا صحيحي الحواس. ومثلها الفطريات الآتي ذکرها.
    6 ـ الفطريات
    وهي القضايا التي قياساتها معها أي ان العقل لا يصدق بها بمجرد تصور

    طرفيها کالاوليات بل لا بد لها من وسط الا ان هذا الوسط ليس مما يذهب عن الذهن حتي يحتاج الى طلب وفکر فکلما أحضر المطلوب في الذهن حضر التصديق به لحضور الوسط معه.
    مثل حکمنا بأن الاثنين خمس العشرة فان هذا حکم بديهي الا انه معلوم بوسط لأن الاثنين عدد قد انقسمت العشرة اليه والى اربعة اقسام أخري کل منها يساويه وکل ما ينقسم عدد اليه والى اربعة اقسام أخري کل منها يساويه فهو خمس ذلک العدد فالاثنان خمس العشرة. ومثل هذا القياس حاضر في الذهن لا يحتاج الى کسب ونظر. ومثل هذا القياس يجري في کل نسبة عدد الى آخر غير ان هذه النسب يختلف بعضها عن بعض في سرعة مبادرة الذهن الى المطلوب وعدمها بسبب قلة الاعداد وزيادتها أو بسبب عادة الانسان على التفکر فيها وعدمه. فانک تري الفرق واضحا في سرعة انتقال الذهن بين نسبة 2 الى 4 وبين نسبة 13 الى 26 مع ان النسبة واحدة وهي النصف. أو بين نسبة 3 الى 12 وبين نسبة 17 الى 68 مع ان النسبة واحدة هي الربع ... وهکذا.

    تمرينات
    1 ـ بيّن أي قسم من البديهيات الست يشترک في معرفتها جميع الناس وأي قسم منها يجوز ان يختلف في معرفتها الناس.
    2 ـ هل يضر في بداهة الشيء ان يجهلة بعض الناس؟ ولماذا؟ (راجع بحث البديهي في الجزء الاول)
    3 ـ ارجع الى ما ذکرناه في الجزء الاول من أسباب التوجه لمعرفة البديهي. وبين حاجة کل قسم من البديهيات الست الى أي سبب منها. ضع ذلک في جدول.
    4 ـ عين کل مثال من الامثلة الآتية انه من أي الاقسام الستة وهي :
    أ ـ ان لکل معلول علة.
    ب ـ لا يتخلف المعلول عن العلة.
    ج ـ يستحيل تقدم المعلول على العلة.
    د ـ يستحيل تقدم الشيء على نفسه.
    هـ ـ الضدان لا يجتمعان.
    و ـ الظرف اوسع من المظروف.
    ز ـ الصلاة واجبة في الاسلام.
    ح ـ السماء فوقنا والارض تحتنا.
    ط ـ اذا انتفي اللازم انتفي الملزوم.
    ي ـ الثلاثة لا تنقسم بمتساويين.
    يا ـ انتفاء الملزوم لا يلزم منه انتفاء اللازم لجواز کونه اعم.
    يب ـ نقيضا المتساويين متساويان.
    5 ـ يقول المنطقيون ان انتاج الشکل الاول بديهي فمن أي البديهيات هو؟

    6 ـ بني علماء الرياضيات جميع براهينهم على مباديء بسيطة يدرکها العقل لأول وهلة يسمونها البديهيات نذکر بعضها فبين انها من أي اقسام البديهيات الست وهي : ـ
    ـ أ ـ اذا أضفنا اشياء متساوية الى اخري متساوية کانت النتائج متساوية.
    ـ ب ـ اذا طرحنا اشياء متساوية من أخري متساوية کانت البواقي متساوية.
    ـ جـ ـ المضاعفات الواحدة للاشياء المتساوية تکون متساوية فان کان شيئان متساويين کان ثلاثة امثال احدهما مساويا لثلاثة امثال الآخر.
    ـ د ـ اذا انقسم کل من الاشياء المتساوية الى عدد واحد من اجزاء متساوية کانت هذه الاجزاء في الجميع متساوية.
    ـ هـ ـ الاشياء التي يمکن ان ينطبق کل منها على الآخر انطباقا تاما فهي متساوية.
    راجع بحث البديهة المنطقية آخر الباب الرابع (في الجزء 2) تجد توضيح بعض هذه البديهيات الرياضية.

    2 ـ المظنونات
    مأخوذة من (الظن). والظن في اللغة اعم من اصطلاح المنطقيين هنا فان المفهوم منه لغة حسب تتبع موارد الستعماله هو الاعتقاد في غائب بحدس او تخمين من دون مشاهدة او دليل او برهان سواء کان اعتقادا جازما مطابقا للواقع ولکن غير مستند الى علته کالاعتقاد تقليدا للغير او کان اعتقادا جازما غير مطابق للواقع وهو الجهل المرکب أو کان اعتقادا غير جازم بمعني ما يرجح فيه أحد طرفي القضية النفي او الاثبات مع تجويز الطرف الآخر. وهو يساوق الظن بالمعني الاخص باصطلاح المنطقيين المقابل الليقين بالمعني الاعم.
    والظن المقصود به باصطلاح المناطقة هو المعني الأخير فقط وهو ترجيح أحد طرفي القضية النفي او الاثبات مع تجويز الطرف الآخر. وهو الظن بالمعني الاخص.
    فالمظنونات على هذا هي قضايا يصدق بها اتباعا لغالب الظن مع تجويز نقيضه کما يقال مثلا : فلان يسارّ عدوّي فهو يتکلم على أو فلان لا عمل له فهم سافل. او فلان ناقص الخلقة في أحد جوارحه ففيه مرکب النقص.

    3 ـ المشهورات
    وتسمي (الذايعات) أيضا.
    وهي قضايا اشتهرت بين الناس وذاع التصديق بهاعند جميع العقلاء أو أکثرهم او طائفة خاصة. وهي على معنيين :
    1 ـ المشهورات بالمعني الأعم وهي التي تطابقت على الاعتقاد بها آراء العقلاء کافة وان کان الذي يدعو الى الاعتقاد بها کونها اولية ضرورية في حد نفسها ولها واقع وراء تطابق الآراء عليها. فتشمل المشهورات بالمعني الأخص الآتية وتشمل مثل الاوليات والفطريات التي هي من قسم اليقينيات البديهية.
    وعلى هذا فقد تدخل القضية الواحدة مثل قولهم (الکل اعظم من الجزء) في اليقينيات من جهة وفي المشهورات من جهة أخري.
    2 ـ المشهورات بالمعني الاخص او المشهورات الصرفة وهي احق بصدق وصف الشهرة عليها لأنها القضايا التي لا عمدة لها في التصديق الا الشهرة وعموم الاعتراف بها کحسن العدل وقبح الظلم وکوجوب الذب عن الحرم واستهجان ايذاء الحيوان لا لغرض.
    فلا واقع لهذه القضايا وراء تطابق الآراء عليها بل واقعها ذلک فلو خلي الانسان وعقله المجرد وحسّه ووهمه ولم تحصل له اسباب الشهرة الآتية فانه لا يحصل له حکم بهذه القضايا ولا يقضي عقله او حسه او وهمه فيها بشيء. ولا ينافي ذلک أنه بنفسه يمدح العادل ويذم الظالم ولکن هذا غير الحکم بتطابق الآراء عليها. وليس کذلک حال حکمه بأن الکل أعظم من الجزء کما تقدم فانه لو خلي ونفسه کان

    له هذا الحکم. وعلى هذا فيکون الفرق بين المشهورات واليقينيات مع ان کلا منها تفيد تصديقا جازما أن المعتبر في اليقينيات کونها مطابقة لما عليه الواقع ونفس الامر المعبر عنه بالحق واليقين والمعتبر في المشهورات مطابقتها لتوافق الاراء عليها اذلا واقع لها غير ذلک. وسيأتي ما يزيد هذا المعني توضيحا.
    لذلک ليس المقابل للمشهور هو الکاذب بل الذي يقابله الشنيع وهو الذي ينکره الکافة او الاکثر. ومقابل الکاذب هو الصادق.
    اقسام المشهورات :
    اعلم ان المشهورات قد تکون مطلقة وهي المشهورة عند الجميع وقد تکون محدودة وهي المشهورة عند قوم دون قوم کشهرة امتناع التسلسل عند المتکلمين. وتنقسم أيضا الى جملة أقسام بحسب اختلاف اسباب الشهرة. وهي حسب الاستقراء يمکن عد اکثرها کما يلي :
    1 ـ الواجبات القبول
    وهي ما کان السبب في شهرتها کونها حقاً جلياً فينطابق من أجل ذلک على الاعتراف بها جميع العقلاء کالاوليات والفطريات ونحوهما. وهي التي تسمي بالمشهورات بحسب المعني الأعم کما تقدم من جهة عموم الاعتراف بها.
    2 ـ التأديبات الصلاحيه
    وتسمي المحمودات والآراء المحمودة. وهي ما تطابق عليها الآراء من أجل قضاء المصلحة العامة للحکم بها باعتبار أن بها حفظ النظام وبقاء النوع کقضية حسن العدل وقبح الظلم. ومعني حسن العدل أن فاعله ممدوح لدي العقلاء ومعني قبح الظلم أن فاعله مذموم لديهم. وهذا يحتاج الى التوضيح والبيان فنقول :
    إن الانسان اذا أحسن اليه أحد بفعل يلائم مصلحته الشخصية فانه يثير في
    __________________
    1 ـ وتنقسم أيضاً الى حقيقية وشبيهة بالمشهورات. وسيأتي بيانها في صناعة الجدل (المبحث السابع من الباب الاول) كما سياتي هنا زيادة توضيح عن المشهورات.

    نفسه الرضا عنه فيدعوه ذلک الى جزائه واقل مراتبه المدح على فعله. اذا أساء اليه أحد بفعل لا يلائم مصلحته الشخصية فانه يثير في نفسه السخط عليه فيدعوه ذلک الى التشفي منه والانتقام واقل مراتبه ذمّه على فعله.
    وکذلک الانسان يصنع اذا أحسن أحد بفعل يلائم المصلحة العامة من حفظ النظام الاجتماعي وبقاء النوع الانساني فانه يدعوه ذلک الى جزائه وعلى الاقل يمدحه ويثني عليه وان لم يکن ذلک الفعل يعود بالنفع لشخص المادح وانما ذلک الجزاء لغاية حصول تلک المصلحة العامة التي تناله بوجه. واذا أساء احد بفعل لا يلائم المصلحة العامة ويخل بالنظام وبقاء النوع فان ذلک يدعو الى جزائه بذمه على الأقل وان لم يکن يعود ذلک الفعل بالضرر على شخص الذام وانما ذلک لغرض دفع المفسدة العامة التي يناله ضررها بوجه.
    وکل عاقل يحصل له هذا الداعي للمدح والذم لغرض تحصيل تلک الغاية العامة. وهذه القضايا التي تطابقت عليها آراء العقلاء من المدح والذم لأجل تحصيل المصلحة العامة تسمي (الآراء المحمودة) والتاديبات الصلاحية. وهي لا واقع لها وراء تطابق آراء العقلاء. وسبب تطابق آرائهم شعورهم جميعا بما في ذلک من مصلحة عامة.
    وهذا هو معني التحسين والتقبيح العقليين اللذين وقع الخلاف في اثباتهما بين الاشاعرة والعدلية فنفتهما الفرقة الاولي واثبتتهما الثانية. فاذ يقول العدلية بالحسن والقبح العقليين يريدون أن الحسن والقبح من الآراء المحمودة والقضايا المشهورة التي تطابقت عليها الآراء لما فيها من التأديبات الصلاحية وليس لها واقع وراء تطابق الآراء.
    والمراد من (العقل) اذ يقولون إن العقل يحکم بحسن الشيء او قبحه هو (العقل العملي) ويقابله (العقل النظري). والتفاوت بينهما إنما هو بتفاوت المدرکات
    __________________
    1 ـ راجع عن توضيح هذا البحث كتاب (اصول الفقه) للمولف في مبحث الملازمات العقلية ، ففيه غنى للطالب ان شاء الله تعالى.

    فان کان المدرک مما ينبغي أن يعلم مثل قولهم (الکل أعظم من الجزء) الذي لا علاقة له بالعمل يسمي ادراکه (عقلاً نظرياً) وان کان المدرک مما ينبغي أن يفعل ويؤتي به اولا يفعل مثل حسن العدل وقبح الظلم يسمي ادراکه (عقلا عمليا).
    ومن هذا التقرير يظهر کيف اشتبه الامر على من نفي الحسن والقبح في استدلال لهم على ذلک بأنه لو کان الحسن والقبح عقليين لما وقع التفاوت بين هذا الحکم وحکم العقل بأن الکل اعظم من الجزء لان العلوم الضرورية لا تتفاوت. ولکن لا شک بوقوع التفاوت بين الحکمين عند العقل.
    وقد غفلوا في استدلالهم اذ قاسوا قضية الحسن والقبح على مثل قضية الکل اعظم من الجزء. وکأنهم ظنوا أن کل ما حکم به العقل فهو من الضروريات مع ان قضية الحسن والقبح من المشهورات بالمعني الاخص ومن قسم المحمودات خاصة والحاکم بها هو العقل العملي. وقضية الکل اعظم من الجزء من الضروريات الاولية والحاکم بها هو العقل النظري. وقد تقدم الفرق بين العقلين کما تقدم الفرق بين المشهورات والضروريات. فکان قياسهم قياسا مع الفارق العظيم والتفاوت واقع بينهما لا محالة ولا يضر هذا في کون الحسن والقبح عقليين فانه اختلط عليهم معني العقل الحاکم في مثل هذه القضايا فظنوه شيئا واحدا کما لم يفرقوا بين المشهورات واليقينيات فحسبوهما شيئا واحدا مع انهما قسمان متقابلان.
    3 ـ الخلقيات
    وتسمي الآراء المحمودة أيضا وهي حسب تعريف المنطقيين ما تطابق عليها آراء العقلاء من أجل قضاء الخلق الانسان بذلک کالحکم بوجوب محافظةالحرم او الوطن وکالحکم بحسن الشجاعة والکرم وقبح الجبن والبخل.
    والخلق ملکة في النفس تحصل من تکرر الفعال الصادرة من المرء على وجه يبلغ درجة يحصل منه الفعل بسهولة کالکرم فانه لا يکون خلقا للانسان الا بعد أن يتکرر منه فعل العطاء بغير بدل حتي يحصل منه الفعل بسهولة من غير تکلف.
    (أقول) : هکذا عرفوا الخلقيات والخلق. فجعلوا السبب في حصول الشهرة

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3303
    نقاط : 4992
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ---المنطق ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ---المنطق ج1   ---المنطق ج1 Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 6:11 am

    فيها هو الخلق بهذا المعني باعتباره داعيا للعقل العملي الى ادراک أن هذا مما ينبغي فعله او مما ينبغي ترکه. ولکنا اذا وقفنا نجد أن الاخلاق الفاضلة غير عامة عند الجمهور بل القليل منهم من يتحلي بها مع انه لا ينکر أن الخلقيات مشهورة يحکم بها حتي من لم يرزق الخلق الفاضل فان الجبان يري حسن الشجاعة ويمدح صاحبها ويتمناها لنفسه اذا رجع الى نفسه وأصغي اليها ولکنه يجبن في موضع الحاجة الى الشجاعة وکذلک البخيل والمتکبر والکاذب. ولو کان الخلق بذلک المعني هو السبب للحکم فيها لحکم الجبان بحسن الجبن وقبح الشجاعة والبخيل بقبح الکرم وحسن الامساک والکذاب بقبح الصدق وحسن الکذب ... وهکذا.
    والصحيح في هذا الباب أن يقال : إن الله تعالي خلق في قلب الانسان حسّاً وجعله حجة عليه يدرک به محاسن الافعال ومقابحها وذلک الحسّ هو (الضمير) بمصطلح علم الاخلاق الحديث وقد يسمي بالقلب او العقل العملي او العقل المستقيم او الحسّ السليم عند قدماء الاخلاق. وتشير اليه کتب الاخلاق عندهم.
    فهذا الحسّ في القلب او الضمير هو صوت الله المدوّي في دخيلة نفوسنا يخاطبها به ويحاسبها عليه. ونحن نجده کيف يؤنب مرتکب الرذيلة ويقرّ عين فاعل الفضيلة. وهو موجود في قلب کل انسان وجميع الضمائر تتحد في الجواب عند الستجوابها عن الافعال فهي تشترک جميعا في التميير بين الفضيلة والرذيلة وان اختلفت في قوة هذا التمييز وضعفه کسائر قوي النفس اذ تتفاوت في الافراد قوة وضعفا.
    ولأجل هذا کانت (الخلقيات) من المشهورات وان کانت الاخلاق الفاضلة ليست عامة بين البشر بل هي من خاصة الخاصة.
    نعم الاضغاء الى صوت الضمير والخضوع له لا يسهل على کل انسان الا بالانقطاع الى دخيلة نفسه والتحول عن شهواته واهوائه. کما أن الخلق عامة لا يحصل له وان کان له ذلک الاصغاء الا بتکرر العمل واتخاذه عادة حتي تتکوّن عنده ملکة الخلق التي يسهل معها الفعل. وبالاخص الخلق الفاضل فان افعاله التي

    تحققه تحتاج الى مشقة وجهاد ورياضة لانها دائما في حرب مع الشهوات والرغبات. وليس الظفر الا بعد الحرب.
    4 ـ الانفعاليات
    وهي التي يقبلها الجمهور بسبب انفعال نفساني عام کالرقة والرحمة والشفقة والحياة والانفة والحمية والغيرة ونحو ذلک من الانفعالات التي لا يخلو منها انسان غالبا.
    فتري الجمهور يحکم مثلا بقبح تعذيب الحيوان لا لفائدة وذلک اتباعاً لما في الغريزة من الرقة والرحمة. بل الجمهور بغريزيه يحکم بقبح تعذيب ذي الروح مطلقا وان کان لفائدة لو لا أن تصرف عنه الشرايع والعادات.
    والجمهور يمدح من يعين الضعفاء والمرضي ويعني برعاية الايتام والمجانين لانه مقتضي الرحمة والشفقة کما يحکم بقبح کشف العورة لانه مقتضي الحياء ويمدح المدافع عن الاهل والعشيرة او الوطن والأمة لأنه مقتضي الحمية والغيرة ... الى غير ذلک من الاحکام العامة عند الناس.
    5 ـ العاديات
    وهي التي يقبلها الجمهور بسبب جريان العادة عندهم کاعتيادهم احترام القادم بالقيام والضيف بالضيافة والرجل الديني او الملک بتقبيل يده فيحکمون لاجل ذلک بوجوب هذه الاشياء لمن يستحقها
    والعادات العامة کثيرة. وقد تکون عادة لأهل بلد فقط أو قطر او أمة أو جميع الناس فتختلف لأجلها القضايا التي يحکم بها حسب العادة فتکون مشهورة عند أهل بلد او قطر او أمة غير مشهورة عند غيرهم بل يکون المشهور ضدها.
    والناس يمدحون المحافظ على العادات ويذمون المخالف المستهين بها. سواء کانت العادات سيئة او حسنة فنراهم يذمون من يرسل لحيته اذاکانوا عتادوا حلقها ويذمّون الحليق لانهم اعتادوا ارسالها. ونراهم يذمون من يلبس غير المألوف لمجرد انهم لم يعتادوا لبسه.

    ومن أجل ذلک نري الشارع حرّم (لباس الشهرة) والظاهر ان سر التحريم ان لباس الشهرة يدعو الى اشمئزاز الجمهور من اللابس وذمهم له. واهم أغراض الشارع الالفة بين الناس وتقاربهم واجتماع کلمتهم. وورد عنه (رحم الله امرءاً جبّ الغيبة عن نفسه).
    کما ورد في الشريعة الاسلامية المطهرة ان منافيات المروّة مضرة في العدالة کالاکل حال المشي في الطريق العام او السوق والجلوس في الاماکن العامة کالمقاهي لشخص ليس من عادة صنفه ذلک. وما منافيات المروّة الا منافيات العادة المألوفة.
    6 ـ الاستقرائيات
    وهي التي يقبلها الجمهور بسبب استقرائهم التام او الناقص کحکمهم بان تکرار الفعل الواحد ممل وان الملک الفقير لا بد أن يکون ظالما الى کثير من امثال ذلک من القضايا الاجتماعية والاخلاقية والاخلاقية ونحو
    وکثيراً ما يکتفي عوام الناس وجمهورهم بوجود مثال واحد أو اکثر للقضية فتشتهر بينهم عندما لم يقفوا على نقض ظاهر لها کتشاؤم الاوربيين من رقم (13) لان واحداً منهم او أکثر اتفق له ان نکب عندما کان له هذا الرقم وکتشاؤم العرب من نعاب الغراب وصيحة البومة کذلک. ومثل هذا کثير عند الناس.

    4 ـ الوهميات
    والمقصود بها القضايا الوهمية الصرفة. وهي قضايا کاذبة الا أن الوهم يقضي بها قضاء شديد القوة فلا يقبل ضدها وما يقابلها حتي مع قيام البرهان على خلافها. فان العقل يؤمن بنتيجة البرهان ولکن الوهم يعاند ولا يزال يتمثل ما قام البرهان على خلافه کما ألفه ممتنعا من قبول خلافه.
    ولذا تعدّ الوهميات من المعتقدات :
    ألا تري أن وهم الاکثر يستوحش من الظلام ويخاف منه مع ان العقل لا يجد فرقا في المکان بين ان يکون مظلما أو منيرا فان المکان هو المکان في الحالين وليس للظلمة تأثير فيه يوجب الضرر أو الهلاک. ويخاف أيضا من الميت وهو جماد لا يتحرک ولا يضر ولا ينفع ولو عادت اليه الحياة فرضا فهو انسان مثله کما کان حيا وقد يکون من أحب الناس اليه.
    ومع توجه النفس الى هذه البديهة العقلية ينکرها الوهم ويعاند فيستولي على النفس فقد تضطرب من الظلمة ومن الميت لان البديهة الوهمية أقوي تأثيرا على النفس من البرهان.
    ولاجل ان يتضح لک هذا الامر جرب نفسک واسأل اصدقاءک : کيف يتمثل لاحدکم في وهمه دورة شهور السنة؟ تأمل ما أريد ان أقول لک. فان الانسان على الاکثر لا بد أن يتوهم دورة شهور السنة أو ايامها بشکل محسوس من الاشکال الهندسية (تأمل في نفسک جيدا) انه لا بد ان نتوهم هذه الدورة على شکل دائرة منتظمة او غير منتظمة او مضرسا بعدد الشهور أو شکلا مضلعا متساوي الاضلاع أو غير منتظم في اضلاع اربعة او اکثر او اقل. مع ان السنة ودورة ايامها

    وشهورها من المعاني المجردة غير المحسوسة. وهذا واضح للعقل غير ان الوهم اذا خطرت له السنة تمثلها في شکل هندسي وهمي يخترعه في ايام طفولته من حيث لا يشعر ويبقي وهمه معاندا مصرا على هذا التمثل الکاذب. ولعلم الانسان بکذب هذا الوهم وسخافته قد يخجل من ذکره لغيره ولکنه لا ينفک عنه في سرّه. وانما أذکر هذا المثال لان يسير لا خطر في ذکره وهو يؤدي الغرض من ذکره.
    والسر في ذلک ان الوهم تابع منقاد للحس ومکبل به فما لا يقبله الحسّ لا يقبله الوهم الا لابسا ثوب المحسوس وان کانت له قابلية ادراک المجردات عن الحس کقابليته لادراک المحسوسات.
    فاذا کانت احکام الوهم جارية في نفس المحسوسات فان العقل يصدقه فيها فيتطابقان في الحکم کما في الاحکام الهندسية ومثل ما اذا حکم الوهم بأن هذين الجسمين لا يحلان في مکان واحد بوقت واحد فان العقل أيضا يساعده فيه لحکمه بأن کل جسمين مطلقا کذلک فيتطابقان.
    واذا کانت احکامه في غير المحسوسات وهي التي نسميها بالقضايا الوهمية الصرفة فلا بد أن تکون کاذبة لا صرار الوهم على تمثيلها على نهج المحسوسات. وهي بحسب ضرورة العقل ليست منها کما سبق في الامثلة المتقدمة فان العقل هو الذي ينزع عنها ثوب الحس الذي أضفاه عليها الوهم.
    ومن امثلة ذلک حکم الوهم بأن کل موجود لا بد ان يکون مشاراً اليه وله وضع وحيز. ولا يمکنه ان يتملثه الا کذلک حتي انه يتمثل الله تعالي في مکان مرتفع علينا وربما کانت له هيئة انسان مثلا. ويعجز أيضا عن تمثيل القبلية والبعدية غير الزمانية ويعجز عن تمثيل اللانهائية فلا يتمثل عنده کيف انه تعالي کان وليس معه شيء حتي الزمان وأنه سرمدي لا اول لوجوده ولا آخر. وان کان العقل حسبما بسوق اليه البرهان يستطيع ان يؤمن بذلک ويصدق به تصديقا لا يتمثل في النفس لأن الوهم له السيطرة والاستيلاء عليها من هذه الجهة.
    فان کان الوهم مسيطرا على النفس على وجه لا يدع لها مجالا للتصديق بوجود

    مجرد عن الزمان والمکان فان العقل عندما يمنعها من تجسيمه وتمثيله کالمحسوس تهرب النفس من حکم العقل وتلتجيء الى أن تنکر وجوده رأسا شأن الملحدين.
    ومن أجل هذا کان الناس لغلبة الوهم على نفوسهم بين مجسم وملحد. وقلّ من يتنور بنور العقل ويجرد نفسه عن غلبة اوهامها فيسمو بها الى ادراک ما لا يناله الوهم. ولذا قال تعالي في کتابه المجيد : (وما اکثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) فنفي الايمان عن أکثر الناس. ثم هؤلاء المؤمنون القليلون قال عنهم : (وما يؤمن أکثرهم بالله الا وهم مشترکون) يعني انهم في حين ايمانهم هم مشرکون. وما ذلک الا لانهم لغلبة الوهم انما يعبدون الاصنام التي ينحتونها بأوهامهم والا کيف يجتمع الايمان والشرک في آن واحد اذا اريد بالشرک من الآية معناه المعروف وهو العبادة للاصنام الظاهرية.
    والخلاصة ان القضايا الوهمية الصرفة التي نسميها (الوهميات) هي عبارة عن احکام الوهم في المعاني المجردة عن الحسّ. وهي قضايا کاذبة لا ظل لها من الحقيقة ولکن بديهة الوهم لا تقبل سواها. ولذلک يستخدمها المغالط في اقيسته کما سيأتي في (صناعة المغالطة). الا ان العقل السليم من تأثير الوهم يتجرد عند ولا يخضع لحکمه فيکشف کذب احکامه للنفس.

    5 ـ المسلمات
    وهي قضايا حصل التسالم بينک وبين غيرک على التسليم بأنها صادقة سواء کانت صادقة في نفس الامر أو کاذبة کذلک او مشکوکة.
    والطرف الآخر ان کان خصما فان استعمال المسلمات في القياس معه يراد به افحامه. وان مستر شدا فإنه يراد به ارشاده واقناعه ليحصل له الاعتقاد بالحق بأقرب طريق عندما لايکون مستعدا لتلقي البرهان وفهمه.
    ثم ان المسلمات إما (عامة) سواء کان التسليم بها من الجمهور عندما تکون من المشهورات او کان التسليم بها من طائفة خاصة کأهل دين أوملّة او علم خاص. وخصوص هذه المسلمات في علم خاص تسمي (الاصول الموضوعة) لذلک العلم عندما يکون التسليم بها عن مسامحة على سبيل حسن الظن من المتعلّم بالمعلّم. وهذه الاصول الموضوعة هي مباديء ذلک العلم التي تبتني عليها براهينه وان کان قد يبرهن عليها في علم آخر واما اذا کان التسليم بها من المتعلم من باب المجاراة مع الاستنکار والتشکيک بها کما يقع ذلک في المجادلات فتسمي حينئذ بـ (المصادرات).
    وإما (خاصة) اذا کان التسليم بها من شخص معين وهو طرفک الآخر في مقام الجدل والخاصمة کالقضية التي تؤخذ من اعترافات الخصم ليبتني عليها الاستدلال في ابطال مذهبه او دفعه.

    6 ـ المقبولات
    وهي قضايا مأخوذة ممن يوثق بصدقه تقليدا اما الأمر سماوي. کالشرايع والسنن المأخوذة عن النبي والامام المعصوم عليهم السلام وامام لمزيد عقله وخبرته کالمأخوذات من الحکماء وافاضل السلف والعلماء الفنيين من آراء في الطب أو الاجتماع او الاخلاق او نحوها وکأبيات تورد شواهد لشاعر معروف وکالامثال السائرة التي تکون مقبولة عند الناس وان لم تؤخذ من شخص معين وکالقضايا الفقهية المأخوذة تقليدا عن المجتهد.
    ان هذه القضايا وأمثالها هي من أقسام المعتقدات. والاعتقاد بها قد يکون على سبيل القطع او الظن الغالب ولکن على کل حال منشأ الاعتقاد بها هو التقليد للغير الموثوق بقوله کما قددمنا. وبهذا تفترق عن اليقينيات والمضنونات.
    وقد تکون قضية واحدة يقينية عند شخص ومقبولة عند شخص آخر باعتبارين کما قد تکون من المشبهات او المسلمات باعتبار ثالث أو رابع ... وهکذا.

    7 ـ المشبهات
    وهي قضايا کاذبة يعتقد بها لأنها تشبه اليقينيات او المشهورات في الظاهر فيغالط فيها المستدل غيره لقصور تمييز ذلک الغير بين ما هو هو وبين ما هو غيره او لقصور نفس المستدل او لغير ذلک.
    والمشابهة اما من ناحية لفظية مثل ما لو کان اللفظ مشترکا أو مجازا فاشتبه الحال فيه واما من ناحية معنوية مثل ما لو وضع ما ليس بعلة علة ونحو ذلک. وتفصيل اسباب الاشتباه يأتي في (صناعة المغالطة) لأن مادة المغالطة هي المشبهات والوهميات. وأهمها المشبهات.

    8 ـ المخيلات
    وهي قضايا ليس من شأنها ان توجب تصديقا الا انها توقع في النفس تخييلات تؤدي الى انفعالات نفسية من انبساط في النفس او انقباض ومن استهانة بالامر الخطير او تهويل او تعظيم للشيء اليسير ومن سرور وانشراح او حزن وتألم ومن شجاعة واقدام او جبن واحجام.
    وتأثير هذه القضايا (التي هي مواد صناعة الشعر کما سيأتي) في النفس ناشيء من تصوير المعني بالتعبير تصويرا خياليا خلاباً وان کان لا واقع له.
    وکلما استعملت المجازات والتشبيهات والاستعارات وأنواع البديع في مثل هذه القضايا کانت أکثر تأثيرا في نفس لأن هذه المزايا تضفي على الالفاظ والمعاني جمالا يستهوي المشاعر ويثير التخيلات. واذا انضم اليها الوزن والقافية أو التسجيع والازدواج زاد تأثيرها. ثم يتضاعف الاثر اذا کان الصوت المؤدي لها رقيقا ومشتملا على نغمة موسيقية مناسبة للوزن ونوع التخييل.
    کل ذلک يدل على د «المخيلات ليس تأثيرها في النفس لأجل کونها تتضمن حقيقة يصدق بها بل حتي لو علم کذبها فان لها ذلک التأثير المنتظر منها. وما ذلک الا لأن التصوير فيها للمعني مع ما ينضم اليه من مساعدات هو الذي يستهوي النفس ويؤثر فيها. وسيأتي تفصيل ذلک في صناعة الشعر.
    وبهذا ينتهي ما أردناه من الکلام على مواد الاقيسة في هذه المقدمة. ولا بد قبل الدخول في الصناعات الخمس من بيان الحصر فيها وبيان فائدتها على الاجمال فنقول :

    اقسام الاقيسه بحسب الماده
    تقدم في التمهيد لهذا الباب أن القياس بحسب اختلاف المقدمات من حيث المادة وبحسب ما تؤدي اليه من نتائج وبحسب اغراض تأليفها ينقسم الى البرهان والجدل والخطابة والشعر والمغالطة.
    بيان ذلک : إن القياس بحسب اختلاف المقدمات من جهة کونها بقينية أو غير يقينية اما ان يفيد تصديقاً واما تأثيراً آخر غير التصديق من التخيل والتعجب ونحوهما.
    ثم (الاول) إما ان يفيد تصديها جازما لا يقبل احتمال الخلاف او تصديقا غير جازم يجوز فيه الخلاف أي (ظنيا). ثم ما يفيد تصديقا جازما اما أن يعتبر فيه ان يکون تأليفه لغرض ان ينتج حقا أم لا. ثم ما يعتبر فيه انتاج الحق إما ان تکون النتيجة حقا واقعا اما لا.
    فهذه خمسة أنواع :
    1 ـ ما يفيد تصديقا جازما وکان المطلوب حقا واقعا وهو (البرهان) والغرض منه معرفة الحق من جهة ما هو حق واقعاً.
    2 ـ ما يفيد تصديقا جازما وقد اعتبر فيه ان يکون المطلوب حقا ولکنه ليس بحث واقعا. وهو (المغالطة).
    3 ـ ما يفيد تصديقا جازما ولکن لم يعتبر فيه أن يکون المطلوب حقا بل المعتبر فيه عموم الاعتراف او التسليم وهو (الجدل). والغرض منه افحام الخصم والزامه.
    4 ـ ما يفيد تصديقا غير جازم. وهو (الخطابة) والغرض منه اقناع الجمهور.

    5 ـ ما يفيد غير التصديق من التخيل والتعجب ونحوهما وهو (الشعر) والغرض منه حصول الانفعالات النفسية.
    ثم ان البحث عن کل واحد من هذه الصناعات الخمس او القدرة على استعمالها عند الحاجة يسمي (صناعة) فيقال : صناعة البرهان وصناعة المغالطة ... الخ.
    والصناعة اصطلاحا ملکة نفسانية وقدرة مکتسبة يقتدر بها على استعمال أمور لغرض من الاغراض صادرا ذلک الاستعمال عن بصيرة بحسب الامکان کصناعة الطب والتجارة والحياکة مثلا. ولذا من يغلط في اقيسته لا عن بصيرة ومعرفة بموقع الغلط لا يقال ان عنده صناعة المغالطة بل من عنده الصناعة هو الذي يعرف أنواع المغالطات ويميز بين القياس الصحيح من غيره ويغالط في اقيسته عن عمد وبصيرة.
    والصناعة على قسمين علمية وعلمية وهذه الصناعا ت الخمس من الصناعات العلمية النافعة وسيأتي في البحث الآتي بيان فائدتها



    فائده الصناعات الخمس على الاجمال
    اما منافع هذه الصناعات الخمس والحاجة اليها فان صناعتي البرهان والمغالطة تختص فائدتهما على الاکثر بمن يتعاطي العلوم النظرية ومعرفة الحقائق الکونية ولکن منفعة صناعة البرهان له فبالذات کمعرفة الأغذية في نفعها لصحة الانسان ومنفعة صناعة المغالطة له فبالعرض کمعرفة السموم في نفعها للاحتراز عنها.
    واما الثلاث الباقية فان فائدتها عامة للبشر وتدخل في اکثر المصالح المدنية والاجتماعية. واکثر ما تظهر فائدة صناعة الجدل لأهل الاديان وعلماء الفقة وأهل المذاهب السياسية لحاجتهم الى المناظرة والنقاش.
    واکثر ماتظهر فائدة صناعتي الخطابة والشعر للسياسيين وقواد الحروب ودعاة الاصلاح لحاجتهم الى اقناع الجمهور ورضاهم وبعث الهمم فيهم وتحريض الجنود والاتباع على الاقدام والتضحية. بل کل رئيس وصاحب دعوة حقة او باطلة لا يستغني عن استعمال هذه الصناعات الثلاث للتأثير على أتباعه ومريديه ولتکثير أنصاره.
    ومن العجب اهمال اکثر المؤلفين في المنطق بحث هذه الصناعات تفريطا بغير وجه مقبول الا اولئک الذين ألفوا المنطق مقدمة للفلسفة فان من حقهم ان يقتصروا على مباحث البرهان والمغالطة کما صنع صاحب الاشارات والحاج هادي السبزواري في منظومته اذ لا حاجة لهم في باقي الصناعات.
    وأهم ما يحتاج اليه منها ثلاث : البرهان والجدل والخطابة. وقد ورد في القرآن الکريم الترغيب في استعمال الاساليب الثلاثة في الدعوة الالهية وذلک قوله تعالي : «وادع الى سبيل ربک بالحکمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن» فان الحکمة هي البرهان والموعظة الحسنة من صناعة الخطابة ومن آداب الجدل ان يکون بالتي هي احسن.
    هذا کل ما أردنا ذکره في المقدمة. وقد آن الشروع في بحث هذه الصناعات في خمسة فصول. وعلى الله التکلان.

    الفَصْلُ الأوّلُ
    صناعة البرهان


    ـ 1 ـ
    حقيقه البرهان
    ان العلوم الحقيقية التي لا يراد بها الا الحق الصراح لا سبيل لها الا سبيل البرهان لانه هو وحده من بين أنواع القياس الخمسة يصيب الحق ويستلزم اليقين بالواقع. والغرض منه معرفة الحق من جهة ما هو حق سواء کان سعي الانسان للحق لاجل نفسه ليناجيها به وليعمر عقله بالمعرفة أو لغيره لتعليمه وارشاده الى الحق.
    ولذلک يجب على طالب الحقيقة ألا يتبع الا البرهان وان استلزم قولا لم يقل به أحد قبله.
    وقد عرفوه بأنه : «قياس مؤلف من يقينيات ينتج يقينا بالذات اضطرارا» وهو نعم التعريف سهل واضح مختصر.
    ومن الواضح أن کل حجة لا بد ان تتألف من مقدمتين والمقدمتان قد تکونان من القضايا الواجبة القبول وهي اليقينيات التي مرّ ذکرها وقد لا تکونان منها بل تکون واحدة منهما أو کلتاهما من انواع القضايا الاخري السبع التي تقدم شرحها في مقدمة هذا الباب.
    ثم المقدمة اليقينية إما أن تکون في نفسها بديهية من احدي البديهيات الست المتقدمة وإما ان تکون نظرية تنتهي الى البديهيات.
    فاذا تألفت الحجة من مقدمتين يقينيتين سميت (برهانا). ولا بدّ أن ينتجا قضية يقينية لذات القياس المؤلف منهما اضطرارا عندما يکون تأليف القياس في صورته يقينيا أيضا کما کان في مادته فيستحيل حينئذ تخلف النتيجة لاستحالة

    تخلف المعلول عن علته فيعلم بها اضطرارا لذات المقدمتين بما لهما من هيئة التأليف على صورة قياس صحيح.
    وهذا معني أن نتيجة البرهان ضرورية. ويعنون بالضرورة هنا معني آخر غير معني (الضرورة) في الموجهات على ما سيأتي.
    والخلاصة ان البرهان يقيني واجب القبول مادة وصورة وغايته ان ينتج اليقين الواجب القبول أي اليقين بالمعني الاخص
    ـ 2 ـ
    البرهان قياس
    ذکرنا في تعريف البرهان بانه (قياس) وعليه فلا يسمي الاستقراء ولا التمثيل برهانا. وعلل بعضهم ذلک بأن الاستقراء والتمثيل لا يفيدان اليقين ويجب في البرهان أن يفيد اليقين.
    والحق ان الاستقراء قد يفيد اليقين وکذلک التمثيل على ما تقدم في بابهما في الجزء الثاني بل تقدم ان أساس اکثر کبريات الاقيسة هو الاستقراء المعلل ومع ذلک لا يسمي الاستقراء ولا التمثيل برهانا. والسر في ذلک ان الاستقراء المفيد لليقين وکذا التمثيل انما يفيد اليقين حيث يعتمد على القياس کما شرحناه في التجربيات. واشرنا في الجزء الثاني الى أن الاستقراء التام يرجع الى القياس المقسم فراجع. اما الاستقراء الناقص المبني على المشاهدة فقط فانه لا يفيد اليقين لأنه لا يرجع الى القياس ولايعتمد عليه. فاتضح بالاخير ان المفيد لليقين هو القياس فقط.
    وليس معني ذلک ان العلوم تستغني عن الاستقراء والتمثيل او التقليل من شأنهما في العلوم بل العلوم الطبيعية بأنواعها وعلم الطب ونحوه کلها تبتني على المجربات التي لا تحصل للعقل بدون الاستقراء والتمثيل ولکن انما تفيد اليقين حيث تعتمد على القياس. فرجع الامر کله الى القياس.

    ـ 3 ـ
    البرهان لمي واني
    ان العمدة في کل قياس هو الحد الاوسط فيه لأنه هو الذي يؤلف العلاقة بين الاکبر والاصغر فيوصلنا الى النتيجة (المطلوب). وفي البرهان خاصة لا بد أن يفرض الحد الاوسط علة ليقين بالنتيجة اي لليقين بنسبة الاکبر الى الاصغر والا لما کان الاستدلال به اولي من غيره. ولذا يسمي الحد الأوسط (واسطة في الاثبات).
    وعليه فالحد الاوسط اما ان يکون مع کونه واسطة في الاثبات واسطة في الثبوت أيضا أي يکون علة لثبوت الاکبر للاصغر واما ان لا يکون واسطة في الثبوت.
    فان کان الاول (أي انه واسطة في الاثبات والثبوت معا) فان البرهان حينئذ يسمي (برهان لم) او (البرهان اللمي) لانه يعطي اللمية (1) في الوجود والتصديق معا فهو معط للمية مطلقا فسمي به کقولهم : «هذه الحديدة ارتفعت حرارتها وکل حديدة ارتفعت حرارتها فهي متمددة فينتج هذه الحديدة متمددة» فالاستدلال بارتفاع الحرارة على التمدد استدلال بالعلة على المعلول. فکما اعطت الحرارة الحکم بوجود التمدد في الذهن للحديدة کذلک هي معطية في نفس الامر والخارج وجود التمدد لها.
    وان کان الثاني (أي انه واسطة في الاثبات فقط ولم يکن واسطة في الثبوت) فيسمي (برهان إن) أو (البرهان الإنّي) لانه يعطي الانية (2). والانية مطلق الوجود.
    __________________
    1 ـ اللمية بتشديد الميم : هي العلية مصدر صناعي مأخوذ من كلمة (لمَ) راجع ص 110 الجزء الاول.
    2 ـ الانية بتشديد النون : مصدر صناعي كاللمية مأخوذة من كلمة (إنّ) المشبهة بالفعل التي تدل على الثبوت والوجود!

    ـ 4 ـ
    اقسام البرهان الاني
    والبرهان الإنّي على قسمين :
    1 ـ أن يکون الأوسط معلولاً للاکبر في وجوده في الاصغر لا علة عکس (برهان لم) کما لو قيل في المثال المتقدم : «هذه الحديدة متمددة وکل حديدة متمددة مرتفعة درجة حرارتها». فالاستدلال بالتمدد على ارتفاع درجة الحرارة استدلال بالمعلول على العلة. فيقال فيه : انه يستکشف بطريق الإن من وجود المعلول على وجود العلة فيکون العلم بوجود المعلول بوجود المعلول سببا للعلم بوجود العلة. فلذلک يکون المعلول واسطة في الاثبات أي علة للعلم بالعلة وان کان معلولا لها في الخارج. ويسمي هذا القسم من البرهان الإنّي (الدليل).
    2 ـ أن يکون الأوسط والاکبر معاً معلولين لعلة واحدة فيستکشف من وجود احدهما وجود الآخر فکل منهما اذا سبق العلم به يکون العلم به علة للعلم بالآخر ولکن لا لأجل ان احدهما علة للآخر بل لکونهما متلازمين في الوجود لاشتراکهما في علة واحدة اذا وجدت لا بد أن يوجدا معا فاذا علم بوجود احدهما يعلم منه وجود علته لاستحالة وجود المعلول بلا علة واذا علم بوجود العلة علم منها وجود المعلول الآخر لاستحالة تخلف المعلول عن العلة. فيکون العلم على هذا بأحد المعلولين مستلزما للعلم بالآخر بواسطة.
    وليس لهذا القسم الثاني اسم خاص. وبعضهم لا يسميه البرهان الإنيّ بل يجعل البرهان الإنيّ مختصا بالقسم الاول المسمي بالدليل ويجعل هذا القسم واسطة بينه وبين اللمي. فتکون اقسام البرهان ثلاثة : لميّ وإنيّ وواسطة بينهما.
    وفي الحقيقة ان هذا القسم فيه استکشافان واستدلالان : استدلال بالمعلول على العلة المشترکة ثم استدلال بالعلة المشترکة على المعلول الآخر کما تقدم ففيه خاصة البرهان الإنيّ في الاستدلال الاول وخاصة البرهان اللمّي في الاستدلال

    الثاني. فلذا جعلوه واسطة بينهما لجمعه بين الطريقتين. والاحسن جعله قسما ثانيا للإنيّ کما صنع کثير من المنطقيين رعاية للاستدلال الاول فيه. والامر سهل
    ـ 5 ـ
    الطريق الاساسي الفكري لتحصيل البرهان
    عند العقلاء قضيتان أوليتان لا يشک فيهما الاّ مکابر أو مريض العقل لانهما اساس کل تفکير ولم يتم اختراع ولا استنباط ولا برهان بدونهما حتي الاعتقاد بوجود خالق الکائنات وصفاته مرتکز عليهما. وهما
    1 ـ (ان کل ممکن لا بد له من علة في وجوده). ويعبر عن هذه البديهة أيضا بقولهم : (استحالة وجود الممکن بلا علة).
    2 ـ (کل معلول يجب وجوده عند وجود علته). ويعبر عنها ايضا بقولهم : (استحالة تخلف المعلول عن العلة).
    ولما کان اليقين بالقضية من الحوادث الممکنة فلا بد له من علة موجبة لوجوده بناء على البديهة الاولي. وهذه العلة قد تکون من الداخل وقد تکون من الخارج.
    (الاول) ان تکون من الداخل. ومعني ذلک ان نفس تصور اجزاء القضية (طرفي النسبة) علة للحکم والعلم بالنسبة کقولنا : «الکل اعظم من الجزء» وقولنا : «النقيضان لا يجتمعان». والبديهتان اللتان مرّ ذکرهما في صدر البحث أيضا من هذا الباب فان نفس تصور الممکن والعلة کاف للحکم باستحالة وجود الممکن بلا علة ونفس تصور الممکن والعلة کاف للحکم باستحالة وجود الممکن بلا علة ونفس تصور العلة والمعلول کاف للحکم باستحالة تخلفه عن علته. فلا يحتاج اليقين في مثل هذه القضايا الى شيء آخر وراء نفس تصوّر طرفي القضية. ولذا تسمي هذه القضايا بـ (الاولية) کما تقدم في بابها لانها اسبق من کل قضية لدي العقل. ولاجل هذا قالوا ان القضايا الاوليات هي العمدة في مباديء البرهان.
    (الثاني) ان تکون العلة من الخارج. وهذه العلة الخارجة على نحوين :
    1 ـ أن تکون احدي الحواس الظاهرة او الباطنة وذلک في المشاهدات

    والمتواترات اللتين هما من البديهيات الست. وقضاياها من الجزئيات فان العقل هو الذي يدرک ان هذه النار حارة أو مکة موجودة ولکن ادراکه لهذه الاشياء ليس ابتداء بمجرد تصوّر الطرفين ولا بتوسط مقدمات عقلية. وانما بتوسط احدي الحواس وهي جنوده التي يستعين بها في ادراک المشاهدات ونحوها فانه يدرک الطعم بالذوق واللون بالبصر والصوت بالسمع ... وهکذا ثم يدرک بقوة أخري بأن ماله هذا اللون الاصفر مثلا له هذا الطعم الحامض.
    وقول الحکماء ان العقل لا يدرک الجزئيات فان غرضهم انه لا يدرک الجزئيات بنفسه بدون استعمال آلة ادراکية والا فليس المدرک للکليات والجزئيات الا القوة العاقلة. ولا يمکن ان يکون للسمع والبصر ونحوهما وجود وادراک مع قطع النظر عنها غير ان ادراک القوة العاقلة للمحسوسات لايحتاج الى أکثر من استعمال آلة الادراک المختصة في ذلک المحسوس.
    ويختص ادراک القوة العاقلة بتوسط الآلة في خصوص الجزئيات لان الحسّ بانفراده لا يفيد رأياً کليا لأن حکمه مخصوص بزمان الاحساس فقط وإذا أراد ان يتجاوز الادراک الى الامور الکلية فلا بد أن يستعين بمقدمات عقلية وقياسات منطقية ليستفيد منها الرأي الکلي. فالمشاهدات وکذلک المتواترات تصلح لا ن تکون مباديء يقتنص منها التصورات الکلية والتصديقات العامة بل لو لا تتبع المشاهدات لم نحصل على کثير من المفاهيم الکلية والآراء العلمية. ولذا قيل (من فقد حسا فقد علما). وتفصيل هذه الابحاث يحتاج الى سعة من القول لا يساعد عليه هذا الکتاب
    2 ـ ان تکون العلة الخارجة هي القياس المنطقي. وهذا القياس على قسمين :
    (القسم الاول) ان يکون حاضرا لدي العقل لا يحتاج الى إعمال فکر فلا بد أن يکون معلوله وهو اليقين بالنتيجة حاضراً أيضا ضروري الثبوت. وهذا شأن المجربات والحدسيات والفطريات التي هي من أقسام البديهيات اذ قلنا سابقا ان المجربات والحدسيات تعتمد على قياس خفي حاضر لدي الذهن

    والفطريات قضايا قياساتها معها. وانما سميت (ضرورية) لضرورة اليقين بما بسبب حضور علتها لدي العقل بلا کسب.
    والى هنا انتهي بنا القول الى استقصاء جميع البديهيات الست (التي هي أساس البراهين ورکيزة کل تفکير ورأس المال العلمي لتاجر العلوم) والي استقصاء أسباب اليقين بها. فالاوليات علة يقينها من الداخل والمشاهدات والمتواترات علتها من الخارج وهي الآلة الحاسة والثلاث الباقية علتها من الخارج أيضا وليست هي الا القياس الحاضر.
    (القسم الثاني) ان لا يکون القياس حاضراً لدي العقل فلا بد للحصول على اليقين من السعي لاستحضاره بالفکر والکسب العلمي وذلک بالرجوع الى البديهيات (وهذا هو موضع الحاجة الى البرهان) فاذا حضر هذا القياس انتظم البرهان إما على طريق اللم او الإن. فاستحضار علة اليقين غير الحاضرة هو الکسب وهو المحتاج الى النظر والفکر. والذي يدعو الى هذا الاستحضار البديهة الاولي المذکورة في صدر البحث وهي استحالة وجود الممکن بلا علة واذا حضرت العلة انتظم البرهان کما قلنا أي يحصل اليقين بالنتيجة وذلک بناء على البديهة الثانية وهي استحالة تخلف المعلول عن العلة.
    فاتضح من جميع ما ذکرنا کيف نحتاج الى البرهان وسر الحاجة اليه وأنه يرتکز اساسه على هاتين البديهتين اللتين هما الطريق الاساس الفکري لتحصيل کل برهان.
    ـ 6 ـ
    البرهان اللمي مطلق وغير مطلق
    قدعرفت ان البرهان اللمي ما کان الاوسط فيه علة لثبوت الاکبر للاصغر ومعني ذلک انه علة للنتيجة. وهذا على نحوين :
    1 ـ ان يکون علة لوجود الاکبر في نفسه على الاطلاق ولاجل هذا يکون علة

    لثبوته للاصغر باعتبار ان المحمول الذي هو الاکبر هنا ليس وجوده الا وجوده لموضوعه وهو الاصغر وليس له وجود مستقل عن وجود موضوعه کالمثال المتقدم وهو مثال علية ارتفاع الحرارة لتمدد الحديدة. ويسمي هذا النحو (البرهان اللمي المطلق).
    2 ـ ان لا يکون علة لوجود الاکبر على الاطلاق وانما يکون علة لوجوده في الاصغر. ويسمي هذا النحو (البرهان اللمي غير المطلق). وانما صح ان يکون علة لوجود الاکبر في الاصغر وليس علة لنفس الاکبر فباعتبار أن وجود الاکبر في الاصغر شيء وذات الاکبر شيء آخر فتکون علة وجود الأکبر في الاصغر غير علة نفس الاکبر. والمقتضي لکون البرهان لميّاً ليس الا علية الأوسط لوجود الاکبر في الاصغر سواء کان علة أيضا لوجود الاکبر في نفسه کما في النحو الاول أي البرهان اللمي المطلق او کان معلولاً للاکبر في نفسه او کان معلولاً للاصغر او ليس معلولاً لکل منهما.
    مثال الاول ـ وهو ما کان معلولاً للاکبر قولنا : «هذه الخشبة تتحرک اليها النار. وکل خشبة تتحرک اليها النار توجد فيها النار» فوجود النار أکبر وحرکة النار أوسط والحرکة علة لوجود النار في الخشبة ولکنّها ليست علة لوجود النار مطلقا بل الامر`بالعکس فان حرکة النار معلولة لطبيعة النار.
    ومثال الثاني ـ وهو ما کان معلولا للاصغر قولنا : «المثلث زواياه تساوي قائمتين. وکل ما يساوي قائمتين نصف زوايا المربع» فالاوسط (مساواة القائمتين) معلول للاصغر وهو (زوايا المثلث) : وهو في الوقت نفسه علة لثبوت الاکبر (نصف زوايا المربع) للاصغر (زوايا المثلث).
    ومثال الثالث ـ وهو ما لم يکن معلولا لکل من الاصغر والاکبر نحو : «هذا الحيوان غراب. وکل غرب أسود» فالغراب وهو الأوسط ليس معلولا للاصغر ولا للاکبر مع انه علة لثبوت وصف السواد لهذا الحيوان.

    ـ 7 ـ
    معنى العله في البرهان اللمي
    قلنا : ان البرهان اللمي ما کان فيه الاوسط علة لثبوت الاکبر للاصغر وقد يسبق ذهن الطالب الى أن المراد من العلة خصوص العلة الفاعلية ولکن في الواقع ان العلة تقال على اربعة أنواع والبرهان اللمي يقع بجميعها وهي :
    1 ـ (العلة الفاعلية) أو الفاعل او السبب او مبدأ الحرکة. ما شئت فعبر. وقد يعبر عنها بقولها (ما منه الوجود) ويقصدون المفيض والمفيد للوجود او المسبب للوجود کالباني للدار والنجار للسرير والأب للولد ونحو ذلک. ومثال أخذ الفاعل في البرهان : «لم صار الخشب يطفو على الماء؟ فيقال : لأن الخشب ثقله النوعي أخف من ثقل الماء النوعي». ومثاله أيضا ما تقدم في مثال تمدد الحديد بالحرارة.
    2 ـ (العلة المادية) أو المادة التي يحتاج اليها الشيء ليتکوّن ويتحقق بالفعل
    بسبب قبوله للصورة. وقد يعبر عنها بقولهم (ما فيه الوجود) کالخشب والمسمار للسرير والجص والآجر والخشب ونحوها للدار والنطفة للمولود. ومثال أخذ المادة في البرهان قولهم : «لم يفسد الحيوان؟ فيقال : لأنه مرکب من الاضداد».
    3 ـ (العلة الصورية) أو الصورة. وقد يعبر عنها بقولهم : (ما به الوجود) اي الذي يحصل به الشيء بالفعل فانه ما لم تقترن الصورة بالمادة لم يتکوّن الشيء ولم يتحقق کهيئة السرير والدار وصورة الجنين التي بها يکون انسانا. ومثال أخذ الصورة في البرهان قولهم : «لم کانت هذه الزاوية قائمة؟ فيجاب : لأن ضلعيها متعامدان».
    4 ـ (العلة الغائية) أو الغاية. وقد يعبر عنها بقولهم : (ما له الوجود) أي التي
    __________________
    1 ـ قد يقصد بعضهم من تعبير (ما منه الوجود) خصوص المفيض للوجود أي الخالق المصور. والفاعل بهذا المعنى هو خصوص الباري تعالى. وأما الفاعل المسبب للوجود الذي ليس منه فيض الوجود الذي ليس منه فيض الوجود وخلقه وهو ما عدا الله تعالى من الاسباب ، فيعبر عنه (ما به الوجود).

    لا جلها وجد الشيء وتکوّن کالجلوس للکرسي والسکني للبيت. ومثال أخذ الغاية في البرهان قولهم : «لم أنشأت البيت؟ فيجيب : لکي اسکنه» و«لم يرتاض فلان؟ فيجاب : لکي يصح». وهکذا.
    ـ 8 ـ
    تعقيب وتوضيح في اخذ العمل حدودا وسطي
    لا شک انما يحصل البرهان على وجه يجب ان يعلم اذهن بوجود المعلول عند العلم بوجود العلة اذا کانت العلة على وجه اذا حصلت لا بد أن يحصل المعلول عندها. ومعني ذلک ان العلة لا بد أن تکون کاملة تامة السببية والاّ اذا فرض حصول العلة ولا يحصل عندها المعلول لا يلزم من العلم بها العلم به.
    وعليه يمکن للمتأمل ان يعقب على کلامنا السابق فيقول : ان العلة التامة التي لا يتخلف عنها المعلول هي الملتئمة من العلل الاربع في الکائنات المادية أما کل واحدة منا فليست بعلة تامة فکيف صح ان تفرضوا وقوع البرهان اللمي في کل واحدة منها؟
    وهذا کلام صحيح في نفسه ولکن انما صح فرض وقوع البرهان اللمي في واحدة من الاربع ففي موضوع تکون العلل الباقية مفروضة الوقوع متحققة وان لم يصرح بها فيلزم حينئذ من فرض وجود تلک العلة التي أخذت حدا أوسط وجود المعلول بالفعل لفرض حصول باقي العلل. لا لأنه يکتفي باحدي العلل الاربع مجردة في التعليل ولا لأن الواحدة منها هي مجموع العلل بل لانها حسب الفرض لا ينفک وجودها عن وجود جميعها فتکون کل واحدة مشتملة على البواقي بالقوة وقائمة مقامها. ولنتکلم عن کل واحدة من العلل کيف يکون فرض وجودها فرضا للبواقي فنقول :
    أما العلة الصورية فانه اذا فرض وجود الصورة فقد فرض وجود المعلول بالفعل لأن فعلية الصورة فعلية لذيها فلا بد مع فرض وجود المعلول ان تکون العلل کلها حاصلة والاّ لما وجد وصار فعليا.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3303
    نقاط : 4992
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ---المنطق ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ---المنطق ج1   ---المنطق ج1 Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 6:12 am

    وکذا (العلة الغائية) فانما يفرض وجود الغاية بعد فرض وجود ذي الغاية وهو المعلول لان الغاية في وجودها الخارجي متأخرة عن وجود المعلول بل هي معلولة له وانما العلة له هي الغاية بوجودها الذهني العلمي.
    وأما (العلة المادية) فانه في کثير من الامور الطبيعية يلزم عند حصول استعداد المادة لقبول الصورة حصول الصورة بالفعل کما لو وضعت البذرة مثلا في أرض طيبة في الوقت المناسب وقد سقيت الماء فلا بد أن يحصل النبات باعتبار ان الفاعل قوة طبيعية في جوهر المادة فلا يمکن الا أن يصدر عنها فعلها عند حصول الاستعداد. التام لأنه اذا طلبت المادة عند اتعدادها بلسان حالها أن يفيض باريء الکائنات عليها الوجود فانه تعالي لا يخل في ساحته فلا بد أن يفيض عليها وجودها اللائق بها. واذا وجدت الصورة فهو فرض وجود المعلول لأن معني حصول الصورة کما سبق حصول المعلول بالفعل.
    نعم بعض الامور الطبيعية لا يلزم من حصول استعداد المادة حصول الصورة بالفعل. وذلک عندما يکون حدوث تلک الصورة متوقفة على حرکة من علة محرکة خارجة کاستعداد النخلة للثمر فانما تتم ثمرتها بالفعل بعد التلقيح والتلقيح حرکة من فاعل محرک خارج وهو الملقح. ومن هذا الباب الامور الصناعية فان مجرد الستعداد الخشب لان يصير کرسيا لا يصيره کرسيا بالفعل ما لم يعمل الصانع في نشره وترکيبه على الوجه المناسب. وعليه لا يقع البرهان اللمي في امثال هذه المواد فلا تقع کل مادة حداً اوسط فلذا لا يصح أن يعلل کون الشيء کرسيا بقولنا : لأنه خشب.
    وأما (العلة الفاعلية) فليس يجب من فرض الفاعل في کثير من الاشياء وجود المعلول بل لا يؤخذ حداً اوسط الا اذا کان فاعلا تاما بمعني انه مشتمل على تمام جهات تأثيره کما اذا دل على استعداد المادة ووجود جميع الشرائط فيما اذا کان المعلول من الامور الطبيعية المادية. وذلک کفرض وجود الحرارة في الحديد الذي يلزم منه بالضرورة وجود التمدد فالفاعل بدون الموضوع القابل لا يکون فاعلا تاما کما لا يکون القابل بدون الفاعل قابلا بالفعل.

    ومن هذا الکلام يعلم ويتضح أنه ليس على المطلوب الواحد في الحقيقة الا برهان لمّي واحد مشتمل على جميع العلل بالفعل أو بالقوة وان تعددت البراهين بحسب الظاهر بتعدد العلل حسب اختلافها فالسؤال بلم انما يطلب به معرفة العلة التامة فاذا أجيب بالعلة الناقصة فانه لا ينقطع السؤال بلم. وما دام هنا شرط او جزء من العلة لم يذکر فالسؤال باق حتي يجاب بجميع العلل التي تتألف منها العلة التامة. وحينئذ يسقط السؤال بلم وينقطع.
    ـ 9 ـ
    شروط مقدمات البرهان
    ذکروا لمقدمات البرهان شروطا ارتقت في أکثر عبارتهم الى سبعة وهي :
    1 ـ أن تکون المقدمات کلها يقينية (وقد سبق ان ذلک هو المقوم لکون القياس برهانا وتقدم أيضا معني اليقين هنا). فلو کانت احدي مقدمتيه غير يقينية لم يکون برهانا وکان إما جدليا أو خطابيا أو شعريا أو مغالطيا على حسب تلک المقدمة. ودائما يتبع القياس في تسميته أخس مقدماته.
    2 ـ أن تکون المقدمات اقدم واسبق بالطبع من النتائج لانها لا بد أن تکون عللا لها بحسب الخارج. وهذا الشرط مختص ببرهان (لم).
    3 ـ أن تکون أقدم عند العقل بحسب الزمان من النتائج حتي يصح التوصل بها الى النتائج. فان الاقدم في نفس الامر وهو الاقدم بالطبع شيء والاقدم بالنسبة الينا وبحسب عقولنا شيء آخر فانه قد يکون ما هو الاقدم بحسب الطبع کالعلة ليس أقدم بالنسبة الى عقولنا بأن يکون العلم بالمعلول أسبق واقدم من العلم بها فانه لا يجب في کل ما هو اقدم بحسب الطبع ان يکون أقدم عند العقل في المعرفة.
    4 ـ أن تکون اعرف من المعرّف. ومعني انها اعرف ان تکون اکثر وضوحا ويقينا لتکون سببا لوضوح النتائج بداهة ان الوضوح واليقين يجب ان يکون اولا وبالذات للمقدمات وثانيا وبالعرض للنتائج.

    5 ـ ان تکون مناسبة للنتائج ومعني مناسبتها ان تکون محمولاتها ذاتية أولية لموضوعاتها على ما سيأتي من معني الذاتي والاوّلي هنا لان الغريب لا يفيد اليقين بما لا يناسبه لعدم العلة الطبيعية بينهما. وبعبارة أخري کما قال الشيخ الرئيس في کتاب البرهان من الشفاص 72 ـ «فان الغريبة لا تکون عللا ولو کانت المحمولات البرهانية يجوز ان تکون غريبة لم تکن مباديء البرهان عللا فلا تکون مباديء البرهان عللا للنتيجة».
    6 ـ أن تکون ضرورية اما بحسب الضرورة الذاتية او بحسب الوصف. وليس المراد من (الضروري) هنا المعني المقصود منه في القياس فانه اذا قيل هناک : (کل حـ ب بالضرورة) يعنون به أن کل ما يوصف بانه (حـ) کيفما اتفق وصفه به فهو موصوف بانه (ب) بالضرورة وان لم يکن موصوفا بأنه (حـ) بالضرورة. وأما هنا فيعنون به المشروطة العامة أي ان کل ما يوصف بانه (حـ) بالضرورة فانه موصوف بانه (ب).
    7 ـ أن تکون کلية. وهنا أيضا ليس المراد من (الکلية) المعني المراد في القياس. بل المراد أن يکون محمولها مقولا على جميع اشخاص الموضوع في جميع الازمنة قولا أوليّاً وان کان الموضوع جزئيا أو مهملا فالکلية هنا يصح ان تقابلها الشخصية. والمقصود من معني الکلية في القياس ان يکون المحمول مقولا على کل واحد وان لم يکن في کل زمان. ولم يکن الحمل أوليا فتقابل الکلية هناک القضية الجزئية والمهملة.
    وهذان الشرطان الاخيران يختصان بالنتائج الضرورية الکلية فلو جوزنا ان تکون نتيجة البرهان غير ضرورية وغير کلية فما کان بأس في ان تکون احدي المقدمات ممکنة اوغير کلية بذلک المعني من الکلية لانه ليس يجب في جميع مطالب العلوم ان تکون ضرورية او کلية الا أن يراد من الضرورية ضرورية الحکم وهو الاعتقاد الثاني وان کانت جهة القضية هي الامکان فان اليقين کما تقدم يجب ان يکون الاعتقاد الثاني فيه لا يمکن زواله. ولکن هذا الشرط عين اشتراط يقينية المقدمات وهو الشرط الاول.

    ـ 10 ـ
    معني الذاتي في كتاب البرهان
    تقدم انه يشترط في مقدمات البرهان ان تکون المحمولات ذاتية للموضوعات وللذاتي في عرف المنطقيين عدة معاني احدهما الذاتي في کتاب البرهان. ولا بأس ببيانها جميعا ليتضح المقصود هنا فنقول :
    1 ـ الذاتي في باب الکليات ويقابله (العرضي). وقد تقدم في الجزء الاول.
    2 ـ الذاتي في باب الحمل والعروض ويقابله (الغريب) اذا يقولون : «ان موضوع کل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية». وهوله درجات وفي الدرجة الاولي ما کان موضوعه مأخوذا في حده کالانف في حد الفطوسة حينما يقال (الانف افطس) فهذا المحمول ذاتي لموضوعه لأنه اذا أريد تعريف الافطس أخذ الانف في تعريفه. ثم قد يکون موضوع المعروض له مأخوذا في حده کحمل المرفوع على الفاعل فان الفاعل لا يؤخذ في تعريف المرفوع ولکن الکلمة التي هي معروضة للفاعل تؤخذ في تعريفه کما تؤخذ ف تعريف الفاعل. وقد يکون جنس المعروض له مأخوذا في حده کحمل المبني على الفعل الماضي مثلا فان الفعل لا يؤخذ في تعريف المبني ولکن جنسه وهو الکلمة هي التي تؤخذ في حده بل معروض المفعولية وهو الکلمة تؤخذ في حده. ويمکن جمع هذه المحمولات الذاتية بعبارة واحدة فيقال : (المحمول الذاتي للموضوع ما کان موضوعه أو احد مقوماته واقعا في حده) لأن جنس الموضوع مقوم له وکذا معروضه لأنه يدخل في حده وکذا معروض جنسه کذلک.
    3 ـ (الذاتي) في باب الحمل أيضا وهو ما کان نفس الموضوع في حد ذاته کافيا لانتزاع المحمول بدون حاجة الى ضم شيء اليه وهو الدي يقال له : (المنتزع عن

    مقام الذات) ويقابله ما يسمي المحمول بالضميمة مثل حمل الموجود على الوجود وحمل الابيض على البياض لا مثل حمل الموجود على اماهية وحمل الابيض على الجسم فان هذا هو المحمول بالضميمة فان الماهية موجودة ولکن لا بذاتها بل لعروض الوجود عليها والجسم أبيض ولکن لا بذاته بل لضم البياض اليه وعروضه عليه بخلاف حمل الموجود على الوجود فانه ذاتي له بدون ضم وجود آخر له بل بنفسه موجود وکذا حمل الابيض على البياض فانه ابيض بذاته بدون ضم بياض آخر اليه فهو ذاتي له.
    4 ـ (الذاتي) في باب الحمل أيضا ولکنه في هذا القسم وصف لنفس الحمل لا للمحمول کما في الاصطلاحين الاخيرين فيقال الحمل الذاتي ويقال له الاوّلي أيضا ويقابله الحمل الشايع الصناعي وقد تقدم ذلک في الجزء الاول.
    5 ـ (الذاتي) في باب العلل ويقابله (الاتفاقي) مثل ان يقال : اشتعلت النار فاحترق الحطب وابرقت السماء فقصف الرعد فانه لم يکن ذلک اتفاقيا بل اشتعال النار يتبعه احراق الحطب اذا مسها والبرق يتبعه الرعد لذاته لا مثل ما يقال : فتح الباب فابرقت السماء او نظر لي فلان فاحترق حطبي او حسدني فلان فأصابني مرض فان هذه وأمثالها تسمي أموراً اتفاقية. اذا عرفت هذه المعاني للذاتي فاعلم ان مقصودهم من الذاتي في کتاب البرهان ما يعم المعني الاول والثاني ويجمعهما في البيان ان يقال : «الذاتي هو المحمول الذي يؤخذ في حد الموضوع أو الموضوع أو احد مقوماته يؤخذ في حده».
    ـ 11 ـ
    معني الاولي
    والمراد من الأوليّ هنا هو المحمول لا بتوسط غيره أي لايحتاج الى واسطة في العروض في حمله على موضوعه کما نقول : حسم ابيض وسطح ابيض فان حمل ابيض على السطح حمل أولي اما حمله على الجسم فبتوسط السطح فکان واسطة في العروض لان حمل الابيض على السطح أولاً وبالذات ولعي الجسم ثانياً وبالعرض

    والتدقيق في معني الذاتي والاولي له موضع آخر لا يسعه هذا المختصر.
    ولکن مما يجب ان يعلم هنا ان بعض کتب أصول الفقة المتأخرة وقع فيها تفسير الذاتي الذي هو في باب موضوع العلم المقابل له الغريب بمعني الأوّلي المذکور هنا. فوقعت من أجل ذلک اشتباهات کثيرة نستطيع التخلص منها اذا فرقنا بين الذاتي والاولي ولا نخلط احدهما بالاخر

    صناعة الجدل أو آداب المناظرة
    صناعة الجدل أو آداب المُناظرة ونصعها في ثلاثة مباحث : الاول في القواعد والاصول الثاني في المواضع الثالث في الوصايا.
    المبحث الاول : القواعد والاصول
    ـ 1 ـ
    مصطلحات هذه الصناعه
    لهذه الصناعة ککل صناعة مصطلحات خاصة بها والآن نذکر بعضها في المقدمة للحاجة فعلا ونرجيء الباقي الى مواضعه.
    1 ـ کلمة (الجدل) إن الجدل لغة هو اللدد واللجاج في الخصومة بالکلام مقارناً غالباً لاستعمال الحيلة الخارجة أحياناً عن العدل والانصاف. ولذا نهت الشريعة الاسلامية عن المجادلة لا سيما في الحج والاعتکاف.
    وقد نقل مناطقة العرب هذه الکلمة واستعملوها في الصناعة التي نحن بصددها والتي تسمي باليونانية (طوبيقا).
    وهذه لفظة (الجدل) أنسب الالفاظ العربية الى معني هذه الصناعة على ما سيأتي توضيح المقصود بها حتي من مثل لفظ المناظرة والمحاورة والمباحثة وان کانت کل واحدة منها تناسب هذه الصناعة في الجملة کما استعملت کلمة (المناظرة) في هذه الصناعة أيضا فقيل (آداب المناظرة) وألفت بعض المتون بهذا الاسم.
    وقد يطلقون لفظ (الجدل) أيضا على نفس استعمال الصناعة کما أطلقوه على ملکة استعمالها فيريدون به حينئذ القول المؤلف من المشهورات أو المسلمات الملزم

    للغير والجاري على قواعد الصناعة. وقد يقال له أيضا : القياس الجدلي أو الحجة الجدلية أو القول الجدلي. أما مستعمل الصناعة فيقال له : (مجادل) و(جدلي).
    2 ـ كلمة (الوضع). ويراد بها هنا (الرأي المعتقد به أو الملتزم به) کالمذاهب والملل والنحل والاديان والآراء السياسية والاجتماعية والعلمية وما الى ذلک. والانسان کما يعتنق الرأي ويدافع عنه لانه عقيدته قد يعتنقه لغرض آخر فيتعصب له ويلتزمه وان لم يکن عقيدة له فالرأي على قسمين : رأي معتقد به ورأي ملتزم به وکل منهما يتعلق به غرض الجدلي لاثباته أو نقضه فأراد اهل هذه الصناعة ان يعبروا عن القسمين بکلمة واحدة جامعة فاستعملوا کلمة (الوضع) اختصاراً ويريدون به مطلق الرأي الملتزم سواء أکان معتقدا به أم لا.
    کما قد يسمون أيضا نتيجة القياس في الجدل (وضعا) وهي التي تسمي في البرهان (مطلوبا). وعلى هذا يکون معني الوضع قريبا من معني الدعوي التي يراد اثباتها أو ابطالها.
    ـ 2 ـ
    وجه الحاجة الى الجدل
    ان الانسان لا ينفک عن خلاف ومنازعات بينه وبين غيره من أبناء جلدته في عقائده وآرائه من دينية وسياسية واجتماعية ونحوها فتتألف بالقياس الى کل وضع طائفتان : طائفة تناصره وتحافظ عليه وأخري تريد نقضه وهدمه وينجرّ ذلک الى المناظرة والجدل ي الکلام فيلتمس کل فريق الدليل والحجة لتأييد وجهة نظره وافحام خصمه أمام الجمهور.
    والبرهان سبيل قويم مضمون لتحصيل المطلوب ولکن هناک من الاسباب ما يدعو الى عدم الاخذ به في جملة من المواقع واللجوء الى سبيل آخر وهو سبيل الجدل الذي نحن بصدده. وهنا تنبثق الحاجة الى الجدل فانه الطريقة المفيدة بعد البرهان. اما الاسباب الداعية الى عدم الاخذ بالبرهان فهي أمور.

    1 ـ إن البرهان واحد في کل مسألة لايمکن ان يستعمله کل من الفريقين المتنازعين لان الحق واحد على کل حال فاذا کان الحق مع أحد الفريقين فان الفريق الآخر يلتجيء الى سبيل الجدل لتأييد مطلوبه.
    2 ـ إن الجمهور أبعد ما يکون عن ادراک المقدمات البرهانية اذا لم تکن من المشهورات الذايعات بينهم وغرض المجادل على الاکثر افحام خصمه أمام الجمهور فيلتجيء هنا الى استعمال المقدمات المشهنورة بالطريقة الجدلية وان کان الحق في جانبه ويمکنه استعمال البرهان.
    3 ـ إنه ليس کل أحد يقوي على اقامة البرهان أو ادراکه فيلتجيء المنازع الى الجدل لعجزه عن البرهان أو لعجز خصمه عن ادراکه.
    4 ـ إن المبتديء في العلوم قبل الوصول الى الدرجة التي يتمکن فيها من اقامة البرهان على المطالب العلمية يحتاج الى ما يمرّن ذهنه وقوته العقلية على الاستدلال على المطالب بطريقة غير البرهان کما قد يحتاج الى تحصيل القناعة والاطمئنان الى تلک المطالب قبل أن يتمکن من البرهان عليها. وليس له سبيل الى ذلک الا سبيل الجدل.
    وبمعرفة هذه الاسباب تظهر لنا قوة الحاجة الى الجدل ونستطيع أن نحکم بأنه يجب لکن من تهمه المعرفة وکل من يريد أن يحافظ على العقائد والآراء أية کانت أن يبحث عن صناعة الجدل وقوانينها وأصولها. والمتکفل بذلک هذا الفن الذي عني به متقدموا الفلاسفة من اليونانيين وأهمله المتأخرون في الدورة الاسلامية اهمالا لا مبرر له عدافئة قليلة من أعاظم العلماء کالرئيس ابن سينا والخواجة نصير الدين الطوسي إمام المحققين.
    ـ 3 ـ
    المقارنه بين الجدل والبرهان
    قلنا ان الجدل أسلوب آخر من الاستدلال وهو يأتي بالمرتبة الثانية بعد البرهان فلا بد من بحث المقارنة بينهما وبيان ما يفترقان فيه فنقول :

    1 ـ إن البرهان لا يعتمد الا على المقدمات التي هي حق من جهة ما هو حق لتنتج الحق أما (الجدل) فانما يعتمد على المقدمات المسلمة من جهة ما هي مسلمة ولا يشترط فيها أن تکون حقاً وان کانت حقاً واقعاً اذ لا يطلب المجادل الحق بما هو حق کما قلنا بل انما يطلب افحام الخصم وإلزامه بالمقدمات المسلمة سواء أکانت مسلمة عند الجمهور وهي المشهورات العامة والذائعات أم مسلمة عند طائفة خاصة يعترف بها الخصم أم مسلمة عند شخص الخصم خاصة.
    2 ـ إن الجدل لا يقوم الا بشخصين متخاصمين اما البرهان فقد يقام لغرض تعليم الغير وإيصاله الى الحقائق فيقوم بين شخصين کالجدل وقد يقيمه الشخص ليناجي به نفسه ويعلمها لتصل الى الحق
    3 ـ إنه تقدم في البحث السابق ان البرهان واحد في کل مسألة لا يمکن أن يقيمه کل من الفريقين المتنازعين. اما الجدل فانه يمکن أن يستعمله الفريقان معاً ما دام الغرض منه إلزام الخصم وافحامه لا الحق بما هو حق وما دام انه يعتمد عي المشهورات والمسلمات التي قد يکون بعضها في جانب الاثبات وبعضها الآخر في عين الوقت في جانب النفي. بل يمکن لأحد الفريقين أن يقيم کثيرا من الادلة الجدلية بلا موجب للحصر على رأي واحد بينما ان البرهان لايکون الا واحدا لا يتعدد في المسألة الواحدة وان تعدد ظاهرا بتعدد العلل الاربع على ما تقدم في بحث البرهان.
    4 ـ إن صورة البرهان لا تکون الا من القياس على ما تقدم في بحث البرهان اما المجادل فيمکن أن يستعمل القياس وغيره من الحجج کالاستقراء والتمثيل فالجدل أعم من البرهان من جهة الصورة غير ان أکثر ما يعتمد الجدل على القياس والاستقراء.
    ـ 4 ـ
    تعريف الجدل
    ويظهر بوضوح من جميع ما تقدم صحة تعريف فن الجدل بما يلي :

    (انه صناعة علمية يقتدر معها حسب الامکان على اقامة الحجة من المقدمات المسلمة على أي مطلوب يراد وعلى محافظة أي وضع يتفق على وجه لا تتوجه عليه مناقضة).
    وإنما قيد التعريف بعبارة (حسب الامکان) فلاجل التنبيه على أن عجز المجادل عن تحصيل بعض المطالب لا يقدح في کونه صاحب صناعة کعجز الطبيب مثلا عن مداواة بعض الامراض فانه لا ينفي کونه طبيبا.
    ويمکن التعبير عن تعريف الجدل بعبارة أخري کما يلي :
    (الجدل صناعة تمکن الانسان من اقامة الحجج المؤلفة من المسلمات أو من ردهاحسب الارادة ومن الاحتراز عن لزوم المناقضة في المحافظة على الوضع).
    ـ 5 ـ
    فوائد الجدل
    مما تقدم تظهر لنا الفائدة الاصلية من صناعة الجدل ومنفعتها المقصودة بالذات وهي أن يتمکن المجادل من تقوية الآراء النافعة وتأييدها ومن إلزام المبطلين والغلبة على المشعوذين وذوي الآراء الفاسدة على وجه يدرک الجمهور ذلک. ولهذه الصناعة فوائد أخر تقصد منها بالعرض نذکر بعضها :
    1 ـ رياضة الاذهان وتقويتها في تحصيل المقدمات واکتسابها اذ يتمکن ذو الصناعة من ايراد المقدمات الکثيرة والمفيدة في کل باب ومن اقامة الحجة على المطالب العلمية وغيرها.
    2 ـ تحصيل الحق واليقين في المسألة التي تعرض على الانسان فانه بالقوة الجدلية التي تحصل له بسبب هذه الصناعة يتمکن من تأليف المقدمات لکل من طرفي الايجاب والسلب في المسألة. وحينئذ بعد الفحص عن حال کل منهما والتأمل فيهما قد يلوح الحق له فيميز أنه في أي طرف منهما ويزيف الطرف الآخر الباطل.
    3 ـ التسهيل على المتعلم المبتديء لمعرفة المصادرات في العلم الطالب له

    بسبب المقدمات الجدلية اذ انه باديء بدء قد ينکرها ويستوحش منها لانه لم يقو بعد على الوصول الى البرهان عليها. والمقدمات الجدلية تفيده التصديق بها وتسهل عليه الاعتقاد بها فيطمئن اليها قبل الدخول في العلم ومعرفة براهينها.
    4 ـ وتنفع هذه الصناعة أيضا طالب الغلبة على خصومه اذ يقوي على المحاورة والمخاصمة والمراوغة وان کان الحق في جانب خصمه فيستظهر على خصمة فيستظهر على خصمه الضعيف عن مجادلته ومجاراته لا سيما في هذا العصر الذي کثرت فيه المنازعات في الآراء السياسية والاجتماعية.
    5 ـ وتنفع أيضا الرئيس للمحافظة على عقائد اتباعه عن المبتدعات.
    6 ـ وتنفع أيضا الذين يسمونهم في هذا العصر المحامين الذين اتخذوا المحاماة والدفاع عن حقوق الناس مهنة لهم فانهم أشد ما تکون حاجتهم الى معرفة هذه الصناعة بل انها جزء من مهنتهم في الحقيقة.
    ـ 6 ـ
    السؤال والجواب
    تقدم إن الجدل لا يتم الا بين طرفين متنازعين فالجدلي شخصان : (احدهما) محافظ على وضع وملتزم له وغاية سعيه ألا يلزمه الغير ولا يفحمه و(ثانيهما) ناقض له وغاية سعيه ان يلزم المحافظ ويفحمه.
    و(الاول) يسمي (المجيب). واعتماده على المشهورات في تقرير وضعه اما المشهورات المطلقة أو المحدودة بحسب تسليم طائفة معينة. و(الثاني) يسمي (السائل) واعتماده في نقض وضع المجيب على ما يسلمه المجيب من المقدمات وان لم تکن مشهورة.
    ولتوضيح سر التسمية بالسائل والمجيب نقول : ان الجدل انما يتم بأمرين سؤال وجواب وذلک لأن المقصود الاصلي من صناعة الجدل عندهم أن تتم بهذه المراحل الاربع :

    1 ـ ان يوجه من يريد نقض وضع ما أسئلةً الى خصمه المحافظ على ذلک الوضع بطريق الاستفهام بان يقول : (هل هذا ذاک؟) أو (أليس اذا کان کذا فکذا؟) ويتدرج بالاسئلة من البعيد عن المقصود الى القريب منه حسبما يريد أن يتوصل به الى مقصوده من تسليم الخصم من دون أن يشعره بأنه يريد مهاجمته ونقض وضعه أو يشعره بذلک ولکن لا يشعره من أية ناحية يريد مهاجمته منها حتي لا يراوغ ويحتال في الجواب.
    2 ـ ان يستلّ السائل من خصمه من حيث يدري ولا يدري الاعتراب والتسليم بالمقدمات التي تستلزم نقض وضعه المحافظ عليه.
    3 ـ ان يؤلف السائل قياسا جدليا مما اعترف وسلم به خصمه (المجيب) بعد فرض اعترافه وتسليمه ليکون هذا القياس ناقضا لوضع المجيب.
    4 ـ أن يدافع المحافظ (المجيب) ويتخلص عن المهاجمة ان استطاع بتأليف قياس من المشهورات التي لا بد ان يخضع لها السائل والجمهور.
    وهذه الطريقة من السؤال والجواب هي الطريقة الفنية المقصودة لهم في هذه الصناعة وهي التي تظهر بها المهارة والحذق في توجيه الاسئلة والتخلص من الاعتراف او الالزام. ومن هذه الجهة کانت التسمية بالسائل والمجيب لا لمجرد وقوع سؤال وجواب بأي نحو اتفق. والمقصود من صناعة الجدل اتقان تأدية هذه الطريقة حسبما تقتضيه القوانين والاصول الموضوعة فيها.
    ونحن يمکننا ان نتوسع في دائرة هذه الصناعة فنتعدي هذه الطريقة المتقدمة الى غيرها بأن نکتفي بتأليف القياس من المشهورات أو المسلمات لنقض وضع أو للمحافظة على وضع لغرض افحام الخصوم على أي نحو يتفق هذا التأليف وان لم يکن على نحو السؤال والجواب ولم يمر على تلک المراحل الاربع بترتيبها. ولعل تعريف الجدل المتقدم لا يأبي هذه التوسعة.
    بل يمکن ان نتعدي الى أبعد من ذلک حينئذ فلا نخص الصناعة بالمشافهة

    بل نتعدي بها الى التحرير والمکاتبة. وفي هذه العصور لا سيما الاخيرة منها بعد انتشار الطباعة والصحف اکثر ما تجري المناقشات والمجادلات في الکتابة وتبتني على المسلمات والمشهورات على غير الطريقة البرهانية من دون ان تتألف صورة سؤال وجواب. ومع ذلک نسميها قياسات جدلية أو ينبغي أن نسميها کذلک وتشملها کثير من اصول صناعة الجدل وقواعدها فلا ضير في دخولها في هذه الصناعة وشمول بعض قواعدها وآدابها لها.
    ـ 7 ـ
    مبادئ الجدل
    اشرنا فيما سبق الى ان مباىء الجدل الاولية التي تعتمد عليها هذه الصناعة هي المشهورات والمسلمات وان المشهورات مباديء مشترکة بالنسبة الى السائل والمجيب والمسلمات مختصة بالسائل.
    کما أشرنا الى ان المشهورات يجوز أن تکون حقا واقعا وللجدلي ان يستعملها في قياسه. أما استعمال الحق غير المشهور بما هو حق في هذه الصناعة فانه يعد مغالطة من الجدلي لانه في استعمال أية قضية لا يدعي انها في نفس الامر حق. وانما يقول : ان هذا الحکم ظاهر واضح في هذه القضية ويعترف بذلک الجميع ويکون الحکم مقبولا لدي کل أحد.
    ثم انا أشرنا في بحث (المشهورات) ان للشهرة اسبابا توجبها وذکرنا أقسام المشهورات حسب اختلاف اسباب الشهرة فراجع. والسر في کون الشهرة لا تستغني عن السبب أن شهرة المشهور ليست ذاتية بل هي أمر عارض وکل عارض لا بد له من سبب. وليست هي کحقيقة الحق التي هي أمر ذاتي للحق لا تعلل بعلة.
    وسبب الشهرة لا بد ان يکون أمرا تألفه الاذهان وتدرکه العقول بسهولة ولولا ذلک لما کان الحکم مقبولا عند الجمهور وشايعا بينهم.
    وعلى هذا يتوجه علينا سؤال وهو : اذا کانت الشهرة لا تستغني عن السبب فکيف جعلتم المشهورات من المباديء الاولية أي ليست مکتسبة؟

    والجواب ان سبب حصول الشهرة لوضوحه لدي الجمهور تکون أذهان الجمهور غافلة عنه ولا تلتفت الى سر انتقالها الى الحکم المشهور فيبدو لها أن المشهورات غير مکتسبة من سبب کأنها من تلقاء نفسها انتقلت اليها وانما يعتبر کون الحکم مکتسبا اذا صدر الانتقال اليه بملاحظة سببه. وهذا من قبيل القياس الخفي في المجربات والفطريات التي قياساتها معها على ما أوضحناه في موضعه فانما مع کونها لها قياس وهو السبب الحقيقي لحصول العلم بها عدّوها من المباديء غير المکتسبة نظرا الى أن حصول العلم فيها عن سبب خفي غير ملحوظ للعالم ومغفول عنه لوضوحه لديه.
    ثم لا يخفي أنه ليس کل ما يسمي مشهورا هو من مباديء الجدل فان الشهرة تختلف بحسب اختلاف الاسبب في کيفية تأثيرها في الشهرة. وبهذا الاعتبار تنقسم المشهورات الى ثلاثة أقسام :
    1 ـ المشهورات الحقيقية ، وهي التي لا تزول شهرتها بعد التعقيب والتأمل فيها.
    2 ـ المشهورات الظاهرية ، وهي المشهورات في باديء الرأي التي تزول شهرتها بعد التعقيب والتأمل مثل قولهم : (انصر أخاک ظالما أو مظلوما) فانه يقابله المشهور الحقيقي وهو : (لا تنصر الظالم وان کان أخاک).
    3 ـ الشبيهة بالمشهورات وهي التي تحصل شهرتها بسبب عارض غير لازم تزول الشهرة بزواله فتکون شهرتها في وقت دون وقت وحال دون حال مثل استحسان الناس في العصر المتقدم لا طلاق الشوارب تقليدا لبعض الملوک والامراء فلما زال هذا السبب زالت هذه العادة وزال الاستحسان.
    ولا يصلح للجدل الا القسم الاول دون الاخيرين أما الظاهرية فانما تنفع فقط في صناعة الخطابة کما سيأتي وأما الشبيهة بالمشهورات فنفعها خاص بالمشاغبة کما سيأتي في صناعة المغالطة.

    ـ 8 ـ
    مقدمات الجدل
    کل ما هو مبدأ للقياس معناه أنه يصلح أن يقع مقدمة له ولکن ليس يجب في کل ما هو مقدمة ان يکون من المباديء بل المقدمة اما أن تکون نفسها من المباديء أو تنتهي الى المباديء. وعليه فمقدمات القياس الجدلي يجوز أن تکون في نفسها مشهورة. ويجوز أن تکون غير مشهورة ترجع الى المشهورة کما قلنا في مقدمات البرهان أنها تکون بديهية وتکون نظرية تنتهي الى البديهية.
    والرجوع الى المشهورة على نحوين :
    أ ـ أن تکتسب شهرتها من المقارنة والمقايسة الى المشهورة. وتسمي (المشهورة بالقرائن). والمقارنة بين القضيتين اما لتشابههما في الحدود أو لتقابلهما فيها. وکل من التشابه والتقابل يوجب انتقال الذهن من تصور شهرة احداهما الى تصور شهرة الثانية وان لم يکن هذا الانتقال في نفسه واجبا وانما تکون شهرة احداهما مقرونة بشهرة الاخري.
    مثال التشابه : قولهم : اذا کان اطعام الضيف حسنا فقضاء حوائجه حسن أيضا فان حسن اطعام الضيف مشهور وللتشابه بين الاطعام وقضاء الحوائج تستوجب المقارنة بينهما انتقال الذهن الى حسن قضاء حوائج الضيف. ومثال التقابل : قولهم : اذا کان الاحسان الى الاصدقاء حسنا کانت الاساءة الى الاعداء حسنة فان التقابل بين الاحسان والاساءة وبين الأصدقاء والأعداء يستوجب انتقال الذهن من احدي القضيتين الى الاخري بالمقارنة والمقايسة.
    ب ـ أن تکون المقدمة مکتسبة شهرتها من قياس مؤلف من المشهورات منتج لها بأن تکون هذه المقدمة المفروضة مأخوذة من مقدمات مشهورة. نظير المقدمة النظرية في البرهان اذا کانت مکتسبة من مقدمات بديهية.

    ـ 9 ـ
    مسائل الجدل
    کل قضية کان السائل قد أورد عينها في حال سؤاله او أورد مقابلها فانها تسمي (مسألة الجدل) وبعد أن يسلم بها المجيب ويجعلها السائل جزءا من قياسه هي نفسها تسمي (مقدمة الجدل).
    اذا عرفت ذلک فکل قضية لها ارتباط في نقض الوضع الذي يراد تقضه تصلح أن تقع مورداً لسؤال السائل ولکن بعض القضايا يجدربه أن يتجنبها نذکر بعضها :
    (منها) أنه لا ينبغي للسائل أن يجعل المشهورات موردا لسؤاله فان السؤال عنها معناه جعلها في معرض الشک والترديد وهذا ما يشجع المجيب على انکارها ومخالفة المشهور. فلو التجأ السائل لإيراد المشهورات فليذکرها على سبيل التمهيد للقواعد التي يريد أن يستفيد منها لنقض وضع المجيب. باعتبار أن تلک المشهورات مفروغ عنها لا مفر من الاعتراف بها.
    و(منها) أنه لا ينبغي له أن يسأل عن ماهية الاشياء ولا عن لميتها (عليتها) لأن مثل هذا السؤال انما يرتبط بالتعلم والاستفادة لا بالجدل والمغالبة بل السؤال عن الماهية لو احتاج اليه فينبغي أن يضعه على سبيل الاستفسار عن معني اللفظ أو على سبيل السؤال عن رأيه وقوله في الماهية بأن يسأل هکذا (هل تقول ان الانسان هو الحيوان الناطق أولا؟) أو يسأل هکذا : (لو لم يکن حد الانسان هو الحيوان الناطق فما حده اذن؟).
    وکذلک السؤال في اللمية لا بد أن يجعل السؤال عن قوله ورأية فيها لا عن أصل العلية
    ـ 10 ـ
    مطالب الجدل
    ان الجدل ينفع في جميع المسائل الفلسفية والاجتماعية والدينية والعلمية

    والسياسية والادبية وجميع الفنون والمعارف وکل قضية من ذلک تصلح آن تکون مطلوبة به. ويستثني من ذلک قضايا لا تطلب بالجدل.
    منها (المشهورات الحقيقية المطلقة) لانها لما کانت بهذه الشهرة لا يسع لأحد انکارها والتشکيک بهاحتي يحتاج اثباتها الى حجة. وحکمها من هذه الجهة حکم البديهيات فانها لا تطلب بالبرهان. ويجمعها انها غير مکتسبة فلا تکتسب بحجة.
    ومن ينکر المشهورات لا تنفع معه حجة جدلية لأن معني اقامتها ارجاعه الى القضايا المشهورة وقد ينکرها أيضا. ومثل هذا المنکر للمشهورات لا رد له الا العقاب أو السخرية والاستهزاء أو احساسه : فمن ينکر مثل حسن عبادة الخالق وقبح عقوق الوالدين فحقه العقاب والتعذيب. ومنکر مثل ان القمر مستمد نوره من الشمس يسخر به ويضحک عليه. ومنکر مثل أن النار حارة يکوي بها ليحس بحرارتها.
    نعم قد يطلب المشهور بالقياس الجدلي في مقابل المشاغب کما تطلب القضية الاولية بالبرهان في مقابل المغالط.
    أما المشهورات المحدودة أو المختلف فيها فلا مانع من طلبها بالحجة الجدلية في مقابل من ال يراها مشهورة أو لا يعترف بشهرتها لينبهه على شهرتها بما هو أعرف واشهر.
    ومنها (القضايا الرياضية ونحوها) لانها مبتنية على الحس والتجربة فلا مدخل للجدل فيها ولا معني لطلبها بالمشهورات کقضايا الهندسة والحساب والکيمياء والميکانيک ونحو ذلک.
    ـ 11 ـ
    أدوات هذه الصناعة
    عرفنا فيما سبق ان الجدل يعتمد على المسلمات والمشهورات غير أن تحصيل ملکة هذه الصناعة (بأن يتمکن المجادل من الانتفاع بالمشهورات والمسلمات في

    وقت الحاجة عند الاحتجاج على خصمه أو عند الاحتراز من الانقطاع والمغلوبية) ليس بالامر الهين کما قد يبدو لأول وهلة. بل يحتاج الى مران طويل حتي تحصل له الملکة شأن کل ملکة في کل صناعة. ولهذا المران موارد أربعة هي أدوات للملکة اذا استطاع الانسان أن يجوز عليها فان لها الاثر البالغ في حصول الملکة وتمکن الجدلي من بلوغ غرضه.
    ونحن واصفون هنا هذه الادوات. وليعلم الطالب انه ليس معني معرفة وصف هذه الادوات انه يکون حاصلا عليها فعلا بل لا بد من السعي لتحصيلها بنفسه عملا واستحضارها عنده فان من يعرف معني المنشار لا يکون حاصلا لديه ولا يکون ناشرا للخشب بل الذي ينشره من تمکن من تحصيل نفس الآلة وعمل بها في نشر الخشب. نعم معرفة اوصاف الآلة طريق لتحصيلها والانتفاع بها.
    والادوارت الأربع المطلوبة هي کما يلي :
    (الاداة الولي) أن يستحضر لديه أصناف المشهورات من کل باب ومن کل مادة على اختلافها ويعدها في ذاکرته لوقت الحاجة وأن يفصل بين المشهورات المطلقة وبين المحدودة عند أهل کل صناعة أو مذهب وأن يميز بين المشهورات الحقيقية وغيرها وأن يعرف کيف يستنبط المشهور ويحصل على المشهورات بالقرائن وينقل حکم الشهرة من قضية الى أخري.
    فاذا کمل له کل ذلک وجمعه عنده فان احتاج الى استعمال مشهور : کان حاضرا لديه متمکنا به من الاحتجاج على خصمه.
    وهذه الاداة لازمة للجدلي لأنه لا ينبغي له أن ينقطع أمام الجمهور ولا يحسن منه أن يتأني ويطلب التذکر أو المراجعة فانه يفوت غرضه وبعد فاشلا لأن غايته آنية وهي الغلبة على خصمه أمام الجمهور. فيفوت غرضه بفوات الاوان على العکس من طالب الحقيقة بالبرهان فان تأنيه وطلبه للتذکر والتأمل لا ينقصه ولا ينافي غرضه من تحصيل الحقيقة ولو بعد حين.
    ومما ينبغي أن يعلم ان هذه الملکة (ملکة استحضار المشهور عند الحاجة) يجوز

    أن تتبعض بأن تکون مستحضرات المجادل خاصة بالموضوع المختص به : فالمجادل في الامور الدينية مثلا يکفي أن يستحضر المشهورات النافعة في موضوعه خاصة ومن يجادل في السياسة انما يستحضر خصوص المشهورات المختصة بهذا الباب فيکون صاحب ملکة في جدل السياسة فقط ... وهکذا في سائر المذاهب والآراء. وعليه فلا يجب في الجدلي المختص بموضوع أن تکون ملکته عامة لجميع المشهورات في جميع العلوم والآراء.
    (الاداة الثانية) القدرة والقوة على التمييزبين معاني الالفاظ المشترکة والمنقولة والمشککة والمتو اطئة والمتباينة والمترادفة وما اليها من أحوال الالفاظ والقدرة على تفصيلها على وجه يستطيع أن يرفع ما يطرأ من غموض واشتباه فيها حتي لا يقتصر على الدعوي المجردة في ايرادها في حججه بل يتبين وجا الاشتراک أو التشکيک أو غير ذلک من الاحوال.
    وهناک أصول وقواعد قد يرجع اليها لمعرفة المشترک اللفظي وتمييزه عن المشترالمعنوي ولمعرفة باقي أحوال اللفظ : لا يسعها هذا الکتاب المختصر. ولأجل أن يتنبه الطالب لهذه الابحاث نذکر مثالا لذلک فنقول :
    لو اشتبه لفظ في کونه مشترکا لفظيا أو معنويا فانه قد يمکن رفع الاشتباه بالرجوع الى اختلاف اللفظ بحسب اختلاف الاعتبارات مثل کلمة (قوة) فانها تستعمل بمعني القدرة کقولنا قوة المشي والقيام مثلا وتستعمل بمعني القابلية والتهيؤ للوجود مثل قولنا الاخرس ناطق بالقوة والبذوة شجرة بالقوة. فلو شککنا في أنها موضوعة لمعني أعم او لکل من المعنيين على حدة فانه يمکن أن نقيس اللفظ الى ما يقابله فنري في المثال أن اللفظ بحسب کل معني يقابله لفظ آخر وليس له مقابل واحد فمقابل القوة بالمعني الاول الضعف ومقابلها بالمعني الثاني الفعلية. ولتعدد التقابل نستظهر أن لها معنيين لا معني واحدا والا لکان لها مقابل واحد.
    وکذلک يمکن ان تستظهر ان للفظة معنيين على نحو الاشتراک اللفظي اذا تعدد جمعها بتعدد معناها مثل لفظة (أمر) فانها بمعني شيء تجمع على (أمور) وبمعني

    طلب الفعل تجمع على (اوامر). فلو کان لها معني واحد مشترک لکان لها جمع واحد.
    ثم ان کثيرا ما تقع المنازعات بسبب عدم تحقيق معني اللفظ فينحو کل فريق من المتنازعين منحي من معني اللفظ غير ما ينحوه الفريق الآخر ويتخيل کل منهما ان المقصود لهما معني واحد هو موضع الخلاف بينهما. ومن له خبرة في أحوال اللفظ يستطيع ان يکشف مثل هذه المغالطات ويوقع التصالح بين الفريقين. ويمکن التمثيل لذلک بالنزاع في مسألة جواز رؤية الله فيمکن ان يريد من يجيز الرؤية هي الرؤية القلبية أي الادراک بالعقل بينما أن المقصود لمن يحيلها هي الرؤية بمعني الادراک بالبصر. فتفصيل معني الرؤية وبيان أن لها معنيين قد يزيل الخلاف والمغالطة. هکذا يمکن کشف النزاع في کثير من الابحاث. وهذا من فوائد هذه الاداة.
    (الاداة الثالثة) القدرة والقوة على التمييز بين المتشابهات سواء کان التمييز بالفصول أو بغيرها. وتحصل هذه القوة (الملکة) بالسعي في طلب الفروق بين الاشياء المتشابهة تشابها قريبا لا سيما في تحصيل وجوه اختلاف احکام شيء واحد بل تحصل بطلب المباينة بين الاشياء المتشابهة بالجنس
    وتظهر فائدة هذه الاداة في تحصيل الفصول والخواص للاشياء فيستعين بذلک على الحدود والرسوم. وتظهر الفائدة للمجادل کما لو ادعي خصمه مثلا ان شيئين لهما حکم واحد باعتبار تشابههما فيقيس أحدهما على الآخر او أن الحکم ثابت للعام الشامل لهما فانه أي المجادل اذا ميز بينهما وکشف ما بينهما من فروق تقتضي اختلاف أحکامهما ينکشف اشتباه الخصم ويقال له مثلا : ان قياسک الذي ادعيته قياس مع الفارق.
    مثاله ما تقدم في بحث المشهورات في دعوي منکر الحسن والقبح العقليين اذ استدل على ذلک بانه لو کان عقليا لما کان فرق بينه وبين حکم العقل بأن الکل أعظم من الجزء مع ان الفرق بينهما ظاهر. فاعتقد المستدل أن حکمي العقل في المسألتين نوع واحد واستدل بوجود الفرق على انکار حکم العقل في مسألة الحسن والقبح. وقد أوضحنا هناک الفرق بين العقلين وبين الحکمين بما أبطل قياسه فکان قياسا مع

    الفارق. وهذا المثال أحد موارد الانتفاع بهذه الاداة.
    (الاداة الرابعة) القدرة على بيان التشابه بين الاشياء المختلفة عکس الاداة الثالثة سواء کان التشابه بالذاتيات أو بالعرضيات. وتحصل هذه القدرة (الملکة) بطلب وجوه التشابه بين المور المتباعدة جدا أو المتجانسة وبتحصيل ما به الاشتراک بين الاشياء وان کان أمرا عدميا.
    ويجوز أن يکون وجه التشابه نسبة عارضة. والحدود في النسبة اما ان تکون متصلة أو منفصلة : أما المتصلة فکما لو کان شيء واحد منسوبا أو منسوبا اليه في الطرفين أو انه في أحد الطرفين منسوبا وفي الثاني منسوبا اليه فهذه ثلاثة أقسام : (مثال الاول) ما لو قيل : نسبة الامکان الى الوجود کنسبته الى العدم و(مثال الثاني) ما لو قيل : نسبة البصر الى النفس کنسبة السمع اليها. و(مثال الثالث) ما لو قيل : نسبة النقطة الى الخط کنسبة الخط الى السطح.
    أما المنفصلة ففيما اذا لم يشترک الطرفان في شيء واحد أصلا کما لو قيل : نسبة الاربعة الى الثمانية کنسبة الثلاثة الى الستة.
    وفائدة هذه الاداة اقتناص الحدود والرسوم بالاشتراک مع الاداة السابقة. فان هذه الاداة تنفع لتحصيل الجنس وشبه الجنس والاداة السابقة تنفع في تحصيل الفصول والخواص کما تقوم.
    وتنفع هذه الاداة في إلحاق بعض القضايا ببعض آخر في الشهرة أو في حکم اخر ببيان ما به الاشتراک في موضوعيهما بعد أن يعلل الحکم بالامر المشترک کما في التمثيل.
    وتنفع هذه الاداة أيضا الجدلي فيما لو ادعي خصمه الفرق في الحکم بين شيئين فيمکنه أن يطالب بايراد الفرق فاذا عجز عن بيانه لا بد أن يسلم بالحکم العام ويذعن. وان کان بحسب التحقيق العلمي لا يکون العجز عن ايراد الفرق بل حتي نفس عدم الفرق مقتضيا لالحاق شيء بشبيهه في الحکم.

    المبحث الثاني ـ المواضع
    ـ 1 ـ
    معني الموضع
    للتعبير (بالموضع) أهمية خاصة في هذه الصناعة فينبغي ان نتقن جيدا معني هذه اللفظة قبل البحث عن احکامه فنقول :
    الموضع باصطلاح هذه الصناعة هو الاصل او القاعدة الکلية التي تتفرع منها قضايا مشهورة.
    وبعبارة ثانية أکثر وضوحا الموضع : کل حکم کلي تنشعب منه وتتفرع عليه احکام کلية کثيرة کل واحد منها بمثابة الجزئي بالاضافة الى ذلک الکلي الاصل لها وفي عين الوقت کل واحد من هذه الاحکام المتشعبة مشهور في نفسه يصح ان يقع مقدمة في القياس الجدلي بسبب شهرته.
    ولا يشترط في الاصل (الموضع) أن يکون في نفسه مشهورا فقد يکون وقد لا يکون. وحينما يکون في نفسه مشهورا صح ان يقع کالحکم المنشعب منه مقدمة في القياس الجدلي فيکون موضعا باعتبار ومقدمة باعتبار آخر.
    مثال الموضع قولهم : «اذا کان أحد الضدين موجودا في موضوع کان ضده الآخر موجودا في ضد ذلک الموضوع». فهذه القاعدة تسمي موضعا لانه تنشعب منها عدة احکام مشهورة تدخل تحتها مثل قولهم : «اذا کان الاحسان للاصدقاء حسنا فالاساءة الى الاعداء حسنة أيضا» وقولهم : «اذا کانت معاشرة الجهال مذمومة فمقاطعة العلماء مذمومة» وقولهم : «اذا جاء الحق زهق الباطل» وقولهم : «اذا کثرت الاغنياء قلّت الفقراء» ... وهکذا. فهذه الاحکام وأمثالها احکام جزئية بالقياس الى الحکم الاول العام وفي نفسها احکام کلية مشهورة.

    (مثال ثان للموضع) : قولهم : «اذا کان شيء موجودا في وقت أو موضع أو حال أو موضوع او نافع أو جميل فهو مطلقا ممکن أو نافع أو جميل» فهذه القاعدة تسمي موضعا لانه تنشعب منها عدة احکام مشهورة مثل ان يقال : «اذا کذب الرجل مرة فهو کاذب مطلقا» و«اذا کان السياسي يذيع السر في بيته فهو مذيع للسر مطلقا» و«اذا صبر الانسان في حال الشدة فهو صابر مطلقا» و«اذا ملک الانسان العقار فهو مالک مطلقا» ومثل ان يقال : «اذا أمکن الطالب ان يجتهد في مسألة فقهية فالاجتهاد ممکن له مطلقا» و«اذا کان الصدق نافعا في الحال الاعتيادية فهو نافع مطلقا» و«اذا حسنت مجاملة العدو في حال اللقاء فهي حسنة مطلقا» ... وهکذا تتشعب من ذلک الموضع کثير من أمثال هذه الاحکام المشهورة التي هي من جزئياته.
    وأکثر المواضع ليست مشهورة وانما الشهرة لجزئياتها فقط. والسر في ذلک :
    1 ـ ان تصور العام أبعد عن عقول العامة من تصور الخاص فال بد أن تکون شهرة کل عام أقل من شهرة ما هو أخص منه. لأن صعوبة التصور تستدعي صعوبة التصديق. وهذه الصعوبة تمنع الشهرة وان لم تمنعها فانها تقللها على الاقل.
    2 ـ ان العام يکون في معرض النقض اکثر من الخاص لان نقض الخاص يستدعي نقض العام العام ولا عکس. ولهذا يکون الاطلاع على کذب العام أسهل وأسرع.
    ولاجل التوضيح نجرب ذلک في الموضع الاول المذکور آنفا :
    فانا عند ملاحظة الاضداد نجد ان السواد والبياض مثلا من الاضداد مع أنهما معا يعرضان على موضوع واحد وهو الجسم لا ان البياض يعرض على نوع من الجسم مثلاو السواد يعرض على ضده کما يقتضيه هذا الموضع.
    اذن هذا الموضع کاذب لا قاعدة کلية فيه. فانظر کيف اطلعنا بسهولة على کذب هذا العام.
    اما الاحکام المشهورة المنشعبة منه کمثال الاحسان الى الاصدقاء والاساءة الى

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3303
    نقاط : 4992
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ---المنطق ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ---المنطق ج1   ---المنطق ج1 Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 6:13 am

    الاعداء فان النقض المتقدم للموضع لا يستلزم نقضها لما قلناه أن نقض العام لا يستدعي نقض الخاص. مثلا نجد امتناع تعاقب الضدين مثل الزوجية والفردية على موضوع واحد بأن يکون عدد واحد مرة زوجا ومرة فردا فکون بعض اصناف الاضداد کالبياض والسواد يجوز تعاقبهما على موضوع واحد لا يستلزم ان يکون کل ضدين کذلک فجاز أن يکون الاحسان والاساءة من قبيل الزوجية والفردية لا من قبيل السواد والبياض.
    وحينئذ يجب ملاحظة جزئيات هذا الحکم المنشعب من الموضع فاذا لاحظناها ولم نعثر فيما بينها على نقض له ولم نطلع على مشهور آخر يقابله فلا بد أن يکون في موضع التسليم ولا يلتفت الى الاضداد الاخري الخارجة عنه.
    والخلاصة ان کذب الموضع لا يستکشف منه کذب الحکم المنشعب منه المشهور.
    ـ 2 ـ
    فائدة الموضع وسر التسمية
    وعلى ما تقدم يتوجه السؤال عن الفائدة من المواضع في هذه الصناعة اذا کانت الشهرة ليست له!
    والجواب : ان الفائدة منه هي أن صاحب هذه الصناعة يستطيع ان يعد المواضع ويحفظها عنده أصولا وقواعد عامة ليستنبط منها المشهورات النافعة له في الجد ل عند الحاجة للابطال او الاثبات. واحصاء المواضع (القواعد العامة) أسهل وأجدي في التذکر من احصاء جزئياتها (المشهورات المنشعبة منها).
    ولذا قالوا ينبغي للمجادل ألا يصرح بالموضع الذي استنبط منه المشهور بل يحتفظ به بينه وبين نفسه حتي لا يجعله معرضا للنقض والرد لأن نقضه ورده کما تقدم أسهل واسرع.
    ومن أجل هذا سمي الموضع موضعا لانه موضع للحفظ والانتفاع والاعتبار.

    وقيل : انما سمي موضعا لانه يصلح ان يکون موضع بحث ونظر. وهو وجيه أيضا. وقيل غير ذلک ولا يهم التحقيق فيه.
    ـ 3 ـ
    اصناف المواضع
    جميع المواضع في المطالب الجدلية انما تتعلق باثبات شيء لشيء أو نفيه عنه أي تتعلق بالاثبات والابطال.
    وهذا على اطلاقه مما لا يسهل ضبطه واعداد المواضع بحسبه. فلذلک وجب على من يريد اعداد المواضع وضبطها ليسهل عليه ذلک أن يصنفها ليلاحظ في کل صنف ما يليق به من المواضع ويناسبه.
    والتصنيف في هذا الباب انما يحسن بتقسيم المحمولات حسبما يليق بما في هذه الصناعة. وقد بحث المنطقيون هنا عن اقسام المحمولات بالاسلوب المناسب لهذه الصناعة وان اختلف عن الاسلوب المعهود في بحث الکليات.
    ونحن لاجل ان نضع خلاصة لابحاثهم وفهرسا لمباحثهم في هذا الباب نسلک طريقتهم في التقسيم فنقول :
    ان المحمول إما أن يکون مساويا للموضوع في الانعکاس وإما ان لا يکون :
    و(الاول) لا يخلو عن أحد امرين :
    (أ) ان يکون دالا على الماهية. والدال على الماهية أحد شيئين حدّ او اسم. والاسم ساقط عن الاعتبار هنا لان حمله على الموضوع حمل لفظي لا حقيقي فلا يتعلق به غرض المجادل. فينحصر الدال على الماهية في (حدّ) فقط.
    (ب) ان لا يکون دالا على الماهية. ويسمي هنا (خاصة) وقد يسمي أيضا
    __________________
    1 ـ معنى مساواة المحمول للموضوع في الانعكاس انه يصدق المحمول كليا على جميع ما أمكن ان يصدق عليه الموضوع ، ويصدق لموضوع كليا على جميع ما أمكن ان يصدق عليه المحمول.

    (رسما) لانه يکون موجبا لتعريف الماهية بتمييزها عما عداها.
    و(الثاني) لا يخلو أيضا عن احد امرين :
    (أ) ان يکون واقعا في طريق ما هو. ويسمي هنا (جنسا). والجنس بهذا الاصطلاح يشمل الفصل باصطلاح باب الکليات اذ لا فائدة تظهر في هذا الفن بين الجنس والفصل.
    وانما کان الفصل من أقسام ما ليس بمساو للموضوع فلانه بحسب مفهومه وذاته بالقوة يمکن ان يقع على الاشياء المختلفة بالحقيقة وان کان فعلا لا يقع الا على الأشياء المتفقة الحقيقة فان الناطق مثلا لا يقع فعلا الا على افراد الانسان ولکنه بالقوة وبحسب مفهومه يصلح للصدق على غير الانسان لو کان له النطق فلا يمتنع فرض صدقه على غير الانسان. فلم يکن مفهوما مساويا للانسان. وبهذا الاعتبار يسمي هنا (جنسا).
    (ب) ان لا يکون واقعا في طريق ما هو ويسمي (عرضا). والعرض شامل للعرض العام وللعرض الذي هو أخص من الموضوع اذ أن کلا منهما غير مساو للموضوع کما انه غير واقع في جواب ما هو.
    وعلى هذا فالمحمولات اربعة : حد وخاصة وجنس وعرض. اما (النوع) فلا يقع محمولا لانه اما أن يحمل على الشخص أو على الصنف ولا اعتبار بحمله على الشخص هنا لان موضوعات مباحث الجدل کليات. واما الصنف فحمل النوع عليه بمثابة حمل اللوازم لان النوع ليس نوعا للصنف فيدخل النوع من هذه الجهة في باب العرض.
    وعليه فالنوع بما هو نوع لا يقع محمولا في القضية. بل انما يقع موضوعا فقط.
    اذا عرفت اقسام المحمولات على النحو المتقدم الذي يهم الجدلي فاعلم انه لا يتعلق غرض المجادل في مقام المخاصمة في أن محموله في مطلوبه أي قسم منها فان کل غرضه ان يتوصل الى اثبات حکم او ابطاله اما انه جنس أو خاصة او أي شيء آخر فليس ذلک يحتاج اليه.

    وانما الذي يحتاج اليه قبل المخاصمة والمجادلة أن يعد المواضع لاستنباط المشهورات التي تنفعه عند المخاصمة. واعداد هذه المواضع في هذه الصناعة يتوقف على تفصيل المحمولات حسب تلک الاقسام ليعرف لکل محمول ما يناسبه من المواضع.
    وعليه فالمواضع منها ما يخص الحد مثلا فينظر لاجل اثباته في انه يجب أن يکون موجودا لموضوعه وانه مساوله وانه واقع في طريق ما هو وانه قائم مقام الاسم في الدلالة على الموضوع.
    ومنها ما يخص الخاصة فينظر لاجل اثباتها في انها يجب ان تکون موجودة لموضوعها وانه مساوية له وانه غير واقعة في طريق ما هو ... وهکذا باقي اقسام المحمولات.
    فتکون المواضع على ما تقدم اربعة اصناف :
    ثم ان هناک مواضع عامة للاثبات والابطال لا تخص أحد المحمولات الأربعة بالخصوص وتنفع في جميع المحمولات. وتسمي (مواضع الاثبات والإبطال). فيضاف هذا الصنف الى الاصناف السابقة فتکون خمسة.
    ثم لاحظوا ان کثيرا ما يهم الجدلي اثبات ان هذا المحمول أشد من غيره أو أضعف او اولي وغير اولي. وهذا انما يصح فرضه في الاعراض الخاصة لانها هي التي تقبل التفاوت. فزادوا صنفا سادسا وسموه (مواضع الأولي والآثر) ثم لاحظوا أنه قد يتوجه نظر الجدلي الى بحث آخر وهو اثبات الاتحاد بين الشيئين اما بحسب الجنس او النوع او العارض أو الوجود فسموا المواضع في ذلک (مواضع هو هو).
    وعلى هذا فتکون المواضع سبعة وتفصيل هذه المواضع يحتاج الى فن مستقل لا تسعه هذه الرسالة المختصرة. على ان کل مجادل مختص بفن کالفقيه والمتکلم والمحامي والسياسي لا بد أن يتقن فنه قبل ان يبرز الى الجدال فيطلع على ما فيه من مشهورات ومسلمات وما يقتضيه من المشهورات. فلا تکون له کبير حاجة الى معرفة المواضع في علم المنطق وتخصيرها من طريقه.

    ولاجل ألا نکون قد حرمنا الطالب من التنبه للمقصود من المواضع نذکر بعض المواضع لبعض الاصناف السبعة المتقدمة ونحيله على الکتب المطولة في هذا الفن اذا أراد الاستزاده فنقول.
    ـ 4 ـ
    مواضع الإثبات والإبطال
    مواضع الاثبات والابطال نفعها عام في جميع المحمولات کما تقدم واثبات وابطال الاعراض داخلة في هذا الباب أيضا. واشهر المواضع في هذا الباب عدّوها عشرين موضعا وما ذکرناه من أمثلة المواضع فيما سبق هي من مواضع الاثبات والابطال. ونذکر الان مثالا واحدا غيرها وهو :
    ان العارض على المحمول عارض على موضوعه فيمکن ان تثبت عروض شيء للموضوع بعروضه لمحموله وتبطل عروضه للموضوع بعدم عروضه لمحموله فمثلا يقال : الجمهور عاطفي. فالجمهور موضوع وعاطفي محمول. وهذا المحمول وهو العاطفي يوصف بانه تقوي فيه طبيعة المحاکاة فيثبت من ذلک ان الجمهور يوصف بأنه تقوي فيه طبيعة المحاکاة.
    ويقال أيضا : السياسي نفعي. ثم ان هذا المحمول وهو النفعي يوصف بانه يقدم منفعته الخاصة على المصلحة العامة. فيثبت أن السياسي يقدم منفعته الخاصة على المصلحة العامة.
    ويقال أيضا : الصادق عادل. ثم ان هذا المحمول وهو العادل. لايوصف بکونه ظالما أي لا يعرض عليه الظلم. فيبطل بذلک کون الصادق ظالماً.
    ومعني هذا الموضع انک تستنبط من مشهورين مشهورا ثالثا. والمشهوران هما حمل المحمول على موضوعه واتصاف المحمول بصفة کالمثالين الاولين فتستنبط المشهور الثالث وهو حمل صفة المحمول على الموضوع. أو المشهوران هما حمل المحمول على موضوعه وعدم اتصاف المحمول بصفة کالمثال الاخير فتستنبط منهما

    المشهور الثالث وهو ابطال اتصاف الموضوع بتلک الصفة
    ـ 5 ـ
    مواضع الأولي والآثر
    اصل هذا الباب ترجيح شيء واحد من شيئين بينهما مشارکة في بعض الوجوه. والالفاظ المستعملة المتداولة في التفضيل هي کلمة آثر واولي وافضل واکثر وأزيد واشد واشرف واقدم وما يجري مجري ذلک. وما يقابل کل واحد منها مثل الانقض والاخس والاقل والأضعف وهکذا. ولکل من کلمات التفضيل هذه خصوصية يطول الکلام في شرحها.
    وانما يحتاج الى المواضع في هذا الباب ففي الامور التي لا يظهر فيها التفاضل لاول وهلة والا فما هو ظاهر التفاضل في مثل ان الشمس اکثر ضوءا من القمر يکون ايراد المواضع لاثباته حشوا ولغوا.
    وکثيرا ما يقع التنازع بين الناس في تفضيل شخص على شخص او شيء على شيء من مأکولات وملبوسات ومسکونات ومراتب ووظائف واخلاق وعادات ... وهکذا
    والتنازع تارة يکون من هوالافضل مع الاتفاق على وجه الفضيلة کأن يتنازع شخصان في أن حاتم الطائي اکثر کرما ام معن بن زائدة مع الاتفاق بينهما على أن الکرم فضيلة وانه قد اتصفا بها معا. ومثل هذا النزاع انما يتوقف على ثبوت حوادث تأريخية تکشف عن الافضلية وليس على هذا الفن.
    وأخري يکون النزاع في وجه الافضلية کأن يتنازعا في أنه ايهما اولي بأن يوصف بالکرم مع الاتفاق على ان معناً مثلا يجود بفضل ما له وحاتما يجود بکل ما يملک ومع الاتفاق أيضا على ان ما جاد به معن اکثر بکثير في تقدير المال مما جاد به حاتم. وحينئذ يکون النزاع في العبرة في الافضلية بالکرم هل هو بمقدار العطاء فيکون معن افضل من حاتم أو بما يتحقق به معني الايثار فيکون حاتم افضل.

    ويمکن ان يتمسک القائل الاول بموضع في هذا الباب وهو (ان ما يفيد خيرا أکثر فهو آثر وأولي بالفضل) فيکون معن افضل. ويمکن ان يتمسک القائل الثاني بموضع آخر فيه وهو «ان ما ينبعث من تضحية أکثر بالحاجة والنفس فهو آثر وأولي بالفضل» فيکون حاتم افضل. فهذان موضعان من هذا الباب يمکن أن يستدل بهما الخصمان المتجادلان.
    هذا اقصي ما أمکن بيانه من المواضع. وعليک بالمطولات في استقصائها ان أردت ومن الله تعالي التوفيق.

    المبحث الثالث ـ الوصايا
    ـ 1 ـ
    تعليمات للسائل
    تقدم في الباب الاول من هو (السائل). وعليه لتحصيل غرضه وهو الحصول على اعتراف (المجيب) أن يتبع التعليمات الثلاثة الآتية :
    1 ـ ان يحضر لديه قبل توجيه السؤال الموضع او المواضع التي منها يستخرج المقدمة المشهورة اللازمة له.
    2 ـ أن يهييء في نفسه قبل السؤال أيضا الطريقة والحيلة التي يتوسل بها لتسليم المجيب بالمقدمة والتشنيع على منکرها.
    3 ـ لما کان من اللازم عليه ان يصرح بما يضمره في نفسه من المطلوب الذي يستلزم نقض وضع الخصم فليجعل هذا التصريح آخر مراحل أسئلته وکلامه بعد أن يأخذ من الخصم الاعتراف والتسليم بما يريد ويتوثق من عدم بقاء مجال عنده للانکار.
    هذه هي الخطوط الاولي الرئيسة التي يجب ان يتبعها السائل في مهمته. ثم لاخذ الاعتراف طرق کثيرة ينبغي ان يتبع احدي الوصايا الآتية لتحقيقها :
    1 ـ ألا يطلب من أول الامر التسليم من الخصم بالمقدمة اللازمة لنقض وضعه. وبعبارة ثانية : ينبغي ألا يقتحم الميدان في الجدل في أول جولة بالسؤال عن
    __________________
    1 ـ ان الناس ليختلفون كثيراً في اخلاقهم وامزجتهم : فمنهم الخجول احيى ، والوقح الصلف ، وبينهما درجات كثيرة. ومنهم الصبور الجلد على الكلام والجدل ، والضعيف المستخذي ، وبينهما درجات كثيرة أيضاً. ومنهم اللبق اللسن ، والعي المتلعثم ، وبينهما درجات. ومنهم المعتد برأيه المتصلب لعقيدته ، والمقلد المطواع لغيره ، وبينهما درجات. وكل واحد من هذه الاصناف له شان يخصه في طريق المجادلة ينبغي على السائل ان يلاحظه ، بعد ان يعرف. منزلة خصمه بين هذه المنازل ، حتى يتبع أية طريقة من الطرق الآتية التي تناسبه. ومن هنا قيل في المثل المشهور : «لکل مقام مقال».

    نفس المقدمة المطلوبة له. والسر في ذلک ان المجيب حينئذ يکون في مبدأ قوته وانتباهه فقد يتنبه الى مطلوب السائل فيسرع في الانکار ويعاند.
    2 ـ واذا انتهي به السؤال عن المطلوب فلا ينبغي أيضا أن يوجه السؤال رأسا عن نفس المطلوب خشية ان يشعر الخصم فيفرّ من الاعتراف بل له مندوحة عن ذلک باتباع أحد الطرق او الحيل الآتية : ـ
    (الاولى) أن يوجه السؤال عن امر أعم من مطلوبه فاذا اعترف بالاعم ألزمه قهرا بالاعتراف بالاخص بطريقة القياس الاقتراني.
    (الثانية) ان يوجه السؤال عن أمر أخص فاذا اعترف به فبطريقة الاستقراء يستطيع ان يلزم خصمه بمطلوبه.
    (الثالثة) ان يوجه السؤال عن أمر يساويه فاذا اعترف به فبطريقة التمثيل يتمکن من إلزامه اذا کان ممن يري التمثيل حجة.
    (الرابعة) ان يعدل عن السؤال عن الشيء الى السؤال عما يشتق منه مثل ما اذا اراد ان يثبت ان الغضبان مشتاق للانتقام فقد ينکر الخصم ذلک لو سئل عنه فيدعي مثلا ان الاب يغضب على ولده ولا يشتاق الى الانتقام منه فيعدل الى يقول له : اذن الغاضب مشته للانتقام.
    (الخامسة) ان يقلب السؤال بما يوهم الخصم ان يريد الاعتراف منه بنقيض ما يريد کما لو أراد مثلا اثبات ان اللذة خير فيقول : أليست اللذة ليست خيرا؟ فهذا السؤال قد يوهم المخاطب انه يريد الاعتراف بنقيض المطلوب فيبادر عادة الى الاعتراف بالمطلوب اذا کان من طبعه العناد لما يريده السائل.
    ولکل من هذه الحيل الخمس مواضع قد تنفع فيها احداها ولا تنفع الاخري. فعلي السائل الذکي أن يختار ما يناسب المقام.
    __________________
    1 ـ لا ضير في اتباع مثل هذه الحيل في مخاصمة ذوي العناد والاستكبار على الحق.



    3 ـ ألا يرتب المقدمات في المخاطبة ترتيبا قياسيا على وجه يلوح للخصم انسباقها الى المطلوب بل ينبغي ان يشوش المقدمات ويخل بترتيبها فيراوغ في الوصول الى المطلوب على وجه لا يشعر الخصم.
    4 ـ ان يتظاهر في سؤاله أنه کالمستفهم الطالب للحقيقة المقدم للانصاف على الغلبة بل ينبغي ان يلوح عليه الميل الى مناقضة نفسه وموافقة خصمه لينخدع به الخصم المعاند فيطمئن اليه. وحينئذ يسهل عليه استلال الاعتراف منه من حيث يدري ولا يدري.
    5 ـ ان يأتي بالمقدات في کثير من الاحوال على سبيل مضرب المثل أو الخبر ويدعي في قوله ظهور ذلک وشهرته وجري العادة عليه ليجد الخصم ان جحدها أمام الجمهور مما يوجب الاستخفاف ووالاستهانة له فيجبن عن انکارها.
    6 ـ ان يخلط الکلام بما لا بنفع في مقصوده ليضيع على الخصم ما يريده من المقدمة المطلوبة بالخصوص. والافضل ان يجعل الحشو حقا مشهورا في نفسه فانه يضطر الى التسليم به اذا سلم به امام الجمهور قد يندفع مضطرا الي التسليم بما هو مطلوب انسياقا مع الجمهور الذي يفقد على الاکثر قوة التمييز.
    7 ـ ان من الخصوم من هو مغرور بعلمه معتد بذکائه فلا يبالي ان يسلم في مبدأ الامربما يلقي عليه من الاسئلة ظنا منه بأن السائل لا يتمکن من أن يظفر منه بتسليم ما يهدم وضعه وبأنه يتمکن حينئذ من اللجاج والعناد.
    فمثل هذا الشخص ينبغي للسائل ان يمهد له بتکثير الاسئلة عما لا جدوي له في مقصوده حتي اذا الستنفذ غاية جهده قد يتسرب اليه الملل والضجر فيضيع عليه وجه القصد او يخضع للتسليم.
    8 ـ اذا انتهي الى مطلوبه من الاستلزام لنقض وضع الخصم فعليه ان يعبر عنه بأسلوب قوي الاداء لا يشعر بالشک والترديد ولا يلقيه على سبيل الاستفهام فان الاستفهام هنا يضعف أسلوبه فيفتح به للخصم مجالا لإنکار الملازمة او إنکار

    المشهور فيرجع الکلام من جديد جذعا. وقد يشق عليه ان يوجه هذه المرة اسئلة نافعة في المقصود فيغلب على أمره.
    9 ـ ان يفهم نفسية الجماعات والجماهير من جهة انها تنساق الى الاغراء وتتأتر ببهرجة الکلام حتي يستغل ذلک للتأثير فيها والمفروض ان الغرض الاصيل من الجدل التغلب على الخصم امام الجمهور. وينبغي له أن يلاحظ افکار الحاضرين ويجلب رضاهم باظهار أن هدفه نصرتهم وجلب المنفعة لهم ليسهل عليه ان يجرهم الى جانبه فيسلموا بما يريد التسليم به منهم. وبهذا يستطيع ان يقهر خصمه على الموافقة للجمهور في تسليم ما سلموا به لان مخالفة الجمهور فيما اتفقوا عليه أمامهم يشعر الانسان بالخجل والخيبة.
    10 ـ وهو آخر وصايا السائل اذا ظهر على الخصم العجز عن جوابه وانقطع عن الکلام فلا يحسن منه ان يلح عليه او يسخر منه او يقدح فيه بل لا يحسن أن يعقبه بکل کلام يظهر مغلوبيته وعجزه فان ذلک قد يثير الجمهور نفسه ويسقط احترامه عندهم فيخسر تقديرهم من حيث يريد النجاح والغلبة
    ـ 2 ـ
    تعليمات للمجيب
    إن (المجيب) کما قدمنا مدافع عن مهاجمة خصمه (السائل). والمدافع غالبا اضعف کفاحا من المهاجر وأقرب الى المغلوبية لان المبادأة بيد المهاجم فهو يستطيع ان ينظم هجومه بالاسئلة کيف يشاء ويترک منها ما يشاء. والمجيب على الاکثر مقهور على مماشاة السائل في المحاورة.
    وعلى هذه فمهمة المجيب أشق وأدق واللازم له عدة طرق مترتبة يسلکها بالتدريج اولا فأولا فان لم يسلک الاول أخذ بالثاني وهکذا. وهي حسب الترتيب :
    اولا ـ ان يحاول الالتفات على السائل بأن يحور الکلام ان استطاع فيعکس عليه الدائرة بتوجيه الاسئلة مهاجما ولا بد أن السائل له وضع يلتزم به يخالف وضع

    المجيب. فينقلب حينئذ المهاجر مدافعا والمدافع مهاجما. وبهذه الطريقة يصبح أکثر تمکنا من الاخذ بزمام المحاورة بل يصبح في الحقيقة هو السائل.
    ثانيا اذا عجز عن الطريقة الاولي وهي الالتفاف يحاول ارباک السائل واشغاله بأمور تبعد عليه المسافة کسبا للوقت کيما يعد عدته للجواب الشافي مثل ان يجد في اسئلته لفظا مشترکا فيستفسر عن معانيه ليترکه يفصلها ثم يناقشه فيها. أو هو يتولي تفصيلها ليذکر أي المعاني يصح السؤال عنه وايها لا يصح. وفي هذه قد تحصل فائدة أخري فانه بتفصيل المعاني المشترکة قد تنبثق له طريقة للهرب عما يلزمه به السائل بان يعترف مثلا بأحد المعاني الذي لا يلزم منه نقض وضعه.
    ثالثا اذا لم تنجح الطريقة الثانية وهي طريقة الاشغال والارباک يحاول ان استطاع الامتناع من الاعتراف بما يستلزم نقض وضعه. وينبغي ان يعلم انه لا ضير عليه بالاعتراف بالمشهورات اذا کان وضعه مشهورا حقيقيا لانه غالبا لا ينتج المهشور الا مشهورا فال يتوقع من المشهورات ان تنتج ما يناقض وضعه المشهور.
    وليس معني الهرب من الاعتراف ان يمتنع من الاعتراف بکل شيء يلقي عليه. فان هذه الحالة قد تظهره امام الجمهور بمظهر المعاند المشاغب فيصبح موضعا للسخرية والنقد بل يحاول الهرب من الاعتراف بخصوص ما يوجب نقض وضعه.
    رابعا ـ اذا وجد ان الطريقة الثالثة لا تنفع وهي طريقة الهرب من الاعتراف (وذلک عندما يکون المسؤول عنه الذي يحذر من الاعتراف به مشهورا مطلقا لأن العناد في مثله أکثر قبحا من الالتزام به) فعليه الا يعلن عن انکاره له صراحة لانه لو فعل ذلک في مثله فهو يخسر امام الحاضرين کرامة نفسه وفي نفس الوقت يخسر وضعه الملتزم له. فلا مناص له حينئذ من اتباع أحد طريقين :
    (الاول) أن يعلن الاعتراف. ولا ضير عليه لفي ذلک لأنه ان دل على شيء فانما يدل على ضعف وضعه الذي يلتزمه لا على قصور نفسه وعلمه. وهذا وان کان من وجهة يکشف عن قصور نفسه اذ يلتزم بما لا ينبغي الالتزام به ولکن ينبغي له لتلافي ذلک في هذا الموقف (وهو ادق المواقف التي تمر على المجيب المنصف المحب

    للحق والفضيلة) أن يعلن انه طالب للحق ومؤثر للانصاف والعدل له أو عليه. وهذا لعله يعوض عما يخسر من المحافظة على وضعه بالاحتفاظ على سمعته وکرامته.
    (الثاني) اذا وجد انه يعز عليه اعلان الاعتراف فان آخر ما يمکنه ان يفعله أن يتلطف في اسلوب الامتناع من الاعتراف وذلک بأن يوري في کلامه او يقول مثلا : ان اصحاب هذا المذهب الذي التزمه لا يعترفون بذلک فيلقي تبعة الانکار على غيره. او يقول : کيف يطلب مني الاعتراف وانا بعد لم اوضح مقصودي فيؤجل ذلک الى مراجعة او مشاورة أو نحو ذلک من اساليب الهرب من التصريح بالانکار او من التصريح بالاعتراف.
    خامسا ـ بعد أن تعز عليه جميع السبل من الهرب من الاعتراف ويعترف بالمشهور فانه يبقي له طريق واحد لا غير. وهو مناقشة الملازمة بين المشهور المعترف به وبين نقض وضعه بأن يلحق المشهور مثلا بقيود وشرائط تجعله لا ينطبق على مورد النزاع او نحو ذلک من الاساليب التي يتمکن بها من مناقشة الملازمة. وهذا مرحلة دقيقة شاقة تحتاج الى علم ومعرفة وفطنة
    ـ 3 ـ
    تعليمات مشترکة للسائل والمجيب
    أو آداب المناظرة
    (اولا) ان يکون ماهرا في عدة اشياء :
    1 ـ في ايراد عکس القياس بأن يتمکن من جعل القياس الواحد اربعة اقيسة بحسب تقابل التناقض والتضاد.
    2 ـ في ايراد العکس المستوي وعکس النقيض ونقض المحمول والموضوع فان هذا يفيده في التوسع بايراد الحجج المتعددة على مطلوبه أو ابطال مطلوب غيره.
    3 ـ في ايراد مقدمات کثيرة لاثبات کل مطلوب من مواضع مختلفة وکذلک ابطاله. الى غير ذلک من اشياء تزيد في قوة ايراد الحجج المتعددة.

    (ثانيا) ان يکون لسنا منطقيا يستطيع أن يجلب انتباه الحاضرين وانظارهم نحوه ويحسن ان يثير اعجابهم به وتقديرهم لبراعته الکلامية.
    (ثالثا) ان يتخير الالفاظ الجزلة الفخمة ويتجنب العبارات الرکيکة العامية ويتقي التمتمة والغلط في الالفاظ والاسلوب للسبب المتقدم.
    (رابعا) ألا يدع لخصمه مجال الاستقلال بالحديث فيستغل اسماع الحاضرين وانتباههم له لان استغلال الحديث في الاجتماع مما يعين على الظهور على الغير والغلبة عليه.
    (خامسا) ان يکون متمکنا من ايراد الامثال والشهواهد من الشعر والنصوص الدينية والفلسفية والعلمية وکلمات العظماء والحوادث الصغيرة الملائمة. وذلک عند الحاجة طبعا. بل ينبغي ان يکثر من ذلک ما وجد اليه سبيلا فانه يعينه کثيرا على تحقيق مقصوده والغلبة على خصمه. والمثل الواحد قد يفعل في النفوس ما لا تفعله الحجج المنطقية من الانصياع اليه والتسليم به.
    (سادسا) ان يتجنب عبارة الشتم واللعن والسخرية والاستهزاء ونحو ذلک مما يثير عواطف الغير ويوقظ الحقد والشحناء. فان هذا يفسد الغرض من المجادلة التي يجب ان تکون بالتي هي أحسن.
    (سابعا) ألا يرفع صوته فوق المألوف المتعارف فان هذا لا يکسبه الاضعفاً ولا يکون الا دليلا على الشعور بالمغلوبية بل الذي يجب عليه ان يلقي الکلام قوي الاداء لا يشعر بالتردد والارتباک والضعف والانهيار وان اداه بصوت منخفض هاديء فان تأثير هذا الاسلوب اعظم بکثير من تأثير أسلوب الصياح والصراخ.
    (ثامنا) ان يتواضع في خطاب خصمه ويتجنب عبارات الکبرياء والتعاظم والکلمات النابية القبيحة.
    (تاسعا) ان يتظاهر بالاصغاء الکامل لخصمه ولا يبدأ بالکلام الا من حيث ينتهي من بيان مقصوده فان الاستباق الى الکلام سؤالا وجوابا قبل ان يتم خصمه

    کلامه يربک على الطرفين سير المحادثة ويعقد البحث من جهة ويثير غضب الخصم من جهة أخري.
    (عاشرا) ان يتجنب (حد الامکان) مجادلة طالب الرياء والسمعة ومؤثر الغلبة والعناد ومدعي القوة والعظمة فان هذا من جهة يعديه بمرضه فينساق بالاخير مقهورا الى ان يکون شبيها به في هذا المرض. ومن جهة أخري لا يستطيع مع مثل هذا الشخص ان يتوصل الى نتيجة مرضية في المجادلة.
    ولو اضطر الى مجادلة مثل هذا الخصم فلا ضير عليه ان يستعمل الحيل في محاورته ويغالطه في حججه بل لا ضير عليه في استعمال حتي مثل الاستهزاء والسخرية واخجاله.
    و(الوصية الاخيرة) لکل مجادل مهما کان ألا يکون همه الا الوصول الى الحق وايثار الانصاف وان ينصف خصومه من نفسه ويتجنب العناد بالاصرار على الخطأ فانه خطأ ثان بل ينبغي ان يعلن ذلک ويطلبه من خصمه بالحاح حتي لا يشذ الطرفان عن طلب الحق والعدل والانصاف.
    وهذا أصعب شيء يأخذ الانسان به نفسه فلذلک عليه ان يستعين على نفسه بطلب المعونة من الله سبحانه فان تعالي مع التقين الصابرين.


    الفَصْلُ الثَالِث
    صِناعة الخطابة


    وهو يقع في ثلاثة مباحث :
    (1) في الاصول والقواعد
    (2) في الأنواع
    (3) في التوابع
    المبحث الاول ـ الاصول والقواعد
    ـ 1 ـ
    وجه الحاجة الى الخطابة
    کثيرا ما يحتاج المشرعون ودعاة المباديء والسياسيون ونحوهم الى اقناع الجماهير فيما يريدون تحقيقه اذ تحقيق فکرتهم او دعوتهم لاتتم الا برضا الجمهور عنها وقناعتهم بها.
    والجمهور لا يخضع للبرهان ولا يقنع به کما لا يخضع للطرق الجدلية لان الجمهور تتحکم به العاطفة أکثر من التعقل والتبصر بل ليس له الصبر على التأمل والتفکير ومحاکمة الادلة والبراهين وانما هو سطحي التفکير فاقد للتمييز الدقيق. تؤثر فيه المغريات وتبهره العبارات البراقة وتقنعه الظواهر الخلابة. ولعدم صبره على التمييز الدقيق نجده اذا عرضت عليه فکرة لا يتمکن من التفکيک بين صحيحها وسقيمها فيقبلها کلها أو يرفضها کلها.
    وعليه فيحتاج من يريد التأثير على الجماهير في اقناعهم أن يسلک مسلکا آخر غير مسلک البرهان والجدل المتقدمين فان الذي يبدو أن الطرق العقلية عاجزة عن التأثير على عقائد الناس وتحويلها لعجزها عن التأثير على عواطفهم المتحکمة فيهم.
    بل لا يقتصر هذا الامر على الجمهور بما هو جمهور فان کل فرد من أفراد

    العامة اذا کان قليل الثقافة والمعرفة هو أبعد ما يکون عن الاقتناع بالطريق البرهانية او الجدلية بل اکثر الخاصة المثقفين وان ظنوا في انفسهم المعرفة وحرية الرأي ينجذبون الى الطرق المقنعة المؤثرة على العواطف وينخدعون بها. بل لا يستغنون عنها في کثير من آرائهم واعتقاداتهم بالرغم على قناعتهم بمعرفتهم وثقافتهم التي قد يتخيلون انهم قد بلغوا بها الغاية.
    فيجب أن تکون المخاطبة التي يتلقاها الجمهور والعامي وشبهه من نوع لا تکون مرتفعة ارتفاعا بعيدا عن درجة مثله. ولذا قيل : «کلم الناس على قدر عقولهم».
    ولم تبق لنا صناعة تناسب هذا الغرض غير صناعة الخطابة فان الاسلوب الخطابي أحسن شيء للتأثير على الجمهور والعامي. وکل شخص استطاع ان يکون خطيبا بالمعني المقصود من الخطابة في هذا الفن فانه هو الذي يستطيع ان يستغل الجمهور والعوام ويأخذ بأيديهم الى الخير او الشر.
    فهذا وجه حاجتنا معاشر الناس الى صناعة الخطابة ولزم على من يريد قيادة الجمهور الى الخير ان يتعلم هذه الصناعة وهي عبارة عن معرفة طرق الاقناع.
    فان الخطابة انجح من غيرها في الاقناع کما ان الجدل في الالزام انفع.
    ـ 2 ـ
    وظائف الخطابة وفوائدها
    مما تقدم نستطيع ان نعرف أن وظائف الخطابة هو الدفاع عن الرأي وتنوير الرأي العام في أي امر من الامور والحض على الاقتناع بمبدأ من المباديء والتحريض على اکتساب الفضائل والکمالات واجتناب الرذائل والسيئات واثارة شعور العامة وايقاظ الوجدان والضمير فيهم. وبالاختصار وظيفتها اعداد النفوس لتقبل ما يريد الخطيب ان تقتنع به.

    وبهذا تعرف أن فائدة الخطابة فائدة کبيرة بل هي ضرورة اجتماعية في حياة الناس العامة.
    وهي بعد وظيفة شاقة اذ أنها تعتمد بالاضافة الى معرفة هذه الصناعة على مواهب الخطيب الشخصية التي تصقل بالتمرين والتجارب ولا تکتسب بهذه الصناعة ولا بغيرها وانما وظيفة هذه الصناعة توجيه تلک المواهب واعداد مايلزم لمعرفة طرق اکتساب ملکة الخطابة مع المران الطويل وکثرة التجارب. وسياتي التنصيص على حاجة الخطابة الى المواهب الشخصية.
    ـ 3 ـ
    تعريف هذه الصناعة وبيان معني الخطابة
    يمکن مما تقدم ان نتصيد تعريف صناعة الخطابة على النحو الآتي حسبما هو معروف عند المنطقيين : «انها صناعة علمية بسببها يمکن اقناع الجمهور في الامر الذي يتوقع حصول التصديق به بقدر الامکان».
    هذا هو تعريف أصل هذه الصناعة التي غايتها حصول ملکة الخطابة التي بها يتمکن الشخص الخطيب من اقناع الجمهور. والمراد من القناعة هو التصديق بالشيء مع الاعتقاد بعدم امکان ان يکون له ما ينقض ذلک التصديق او مع الاعتقاد بامکان ما ينقضه الا ان النفس تصير بسبب الطرق المقنعة اميل الى التصديق من خلافه. وهذا الاخير هو المسمي عندهم (بالظن) على نحو ما تقدم في هذا الجزء.
    ثم انه ليس المراد من لفظ (الخطابة) التي وضعت لها هذه الصناعة مجرد معني الخطابة المفهوم من لفظها في هذا العصر وهو ان يقف الشخص ويتکلم بما يسمع المجتمعين بأي اسلوب کان بل أسلوب البيان واداء المقاصد بما يتکفل اقناع الجمهور هو الذي يقوّم معني الخطابة وان کان بالکتابة أو المحاورة کما يحصل في محاورة المرافعة عند القضاة والحکام.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3303
    نقاط : 4992
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ---المنطق ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ---المنطق ج1   ---المنطق ج1 Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 6:15 am

    وهذه الصناعة تتکفل ببيان هذا الاسلوب وکيف يتوصل الى اقناع الناس بالکلام وما لهذا الاسلوب من مساعدات وأعوان من صعود على مرتفع ورفع صوت ونبرات خاصة وما الى ذلک مما سيأتي شرحه.
    ـ 4 ـ
    اجزاء الخطابة
    الخطابة تشتمل على جزءين : العمود والاعوان.
    أ ـ (العمود). ويقصدون بالعمود هنا مادة قضايا الخطابة التي تتألف منها الحجة الاقناعية. وتسمي الحجة الاقناعية باصطلاح هذه الصناعة (التثبيت) على ما سيأتي. وبعبارة أخري : العمود هو کل قول منتج لذاته للمطلوب انتاجا بحسب الاقناع. وانما سمي عمودا فباعتبار انه قوام الخطابة وعليه الاعتماد في الاقناع.
    ب ـ (الاعوان). ويقصدون بها الاقوال والافعال والهيئات الخارجية عن العمود المعينة له على الاقناع المساعدة له على التأثير المهيئة للمستمعين على قبوله.
    وکل من الامرين (العمود والاعوان) يعد في الحقيقة جزءاً مقوما للخطابة لان العمود وحده قد لا يؤدي تمام الغرض من الاقناع بل على الاکثر يفشل في تحقيقه. والمقصود الاصلي من الخطابة هو الاقناع کما تقدم فکل ما هو مقتض له دخيل في تحققه لا بد أن يکون في الخطابة دخيلا وان کان من الامور الخارجة عن مادة القضايا التي تتألف منه الحجة (العمود).
    وقولنا هنا : «مقتض للاقناع» نقصد به أعم مما يکون مقتضيا لنفس الاقناع أو مقنضيا للاستعداد له. والمقتضي لنفس الاقناع ليس العمود وحده کما ربما يتخيل بل شهادة الشاهد أيضا تقتضيه مع انها من الاعوان.
    وشهادة الشاهد على قسمين شهادة قول وشهادة حال. فهذه اربعة أقسام ينبغي البحث عنها : العمود والشهادة القولية وشهادة الحال والمقتضي للاستعداد للاقناع.

    ويمکن فتح البحث فيها بأسلوب آخر من التقسيم بأن نقول :
    الخطابة تشتمل على عمود واعوان. ثم الاعوان على قسمين اما بصناعة وحيلة واما بغير صناعة وحيلة. والاول وهو ما کان بصناعة وحيلة ويسمي (استدراجات) فعلي ثلاثة اقسام : استدراجات بحسب القائل او بحسب القول أو بحسب المستمع. والثاني هوما کان بغير صناعة وحيلة يسمي (نصرة) و(شهادة). وهي الشهادة على قسمين شهادة قول وشهادة حال. فهذه سنة أقسام :
    1 ـ العمود.
    2 ـ استدراجات القائل.
    3 ـ استدراجات بحسب القول.
    4 ـ استدراجات بحسب المستمع.
    5 ـ شهادة القول.
    6 ـ شهادة الحال.
    فهذه الستة هي بالاخير تکون أجزاء الخطابه فينبغي البحث عنها واحدة واحدة
    ـ 5 ـ
    العمود
    (العمود) وقد تقدم معناه يتألف من المظنونات او المقبولات أو المشهورات أو المختلفة بينها. وقد سبق شرح هذه المعاني تفصيلا في مقدمة الصناعات الخمس فلا نعيد.
    واستعمال (المشهورات) في الخطابة باعتبار مالها من التأثير على السامعين في الاقناع. ولذا لا يعتبر فيها الا أن تکون مشهورات ظاهرية وهي التي تحمد في باديء الرأي وان لم تکن مشهورات حقيقية. وبهذا تفترق الخطابة عن الجدل اذ الجدل لا يستعمل فيه الا المشهورات الحقيقية. وقد سبق ذلک في الجدل.
    وقلنا هناک : «ان الظاهرية تنفع فقط في صناعة الخطابة» وانما قلنا ذلک فلأن

    الخطابة غايتها الاقتناع ويکتفي بما هو مسهور أو مقبول لدي المستمعين وان کان مشهورا في باديء الرأي وتذهب شهرته بالتعقيب اذ ليس فيها رد وبدل ومناقشة وتعقيب على العکس من الجدل المبني على المحاورة والمناقضة فال ينبغي فيه استعمال المشهورات الظاهرية اذ يعطي بذلک مجال للخصم لنقضها وتعقيبها بالرد.
    اما المظنونات والمقبولات فواضح اعتبارها في عمود الخطابة.
    ـ 6 ـ
    الاستدراجات بحسب القائل
    وهي من أقسام ما يقتضي الاستعداد للاقناع وتکون بصناعة وحيلة. وذلک بأن يظهر الخطيب قبل الشروع في الخطابة بمظهر مقبول القول عندهم. ويتحقق ذلک على نحوين :
    1 ـ ان يثبت فضيلة نفسه اذا لم يکن معروفا لدي المستمعين اما بتعريفه هو لنفسه او بتعريف غيره يقدمه لهم بالثناء بان يعرف نسبه وعلمه ومنزلته الاجتماعية أو وظيفته اذا کان موظفا او نحو ذلک.
    ولمعرفة شخصية الخطيب الاثر البالغ اذا کانت له شخصية محترمة في سهولة انقياد المستمعين اليه والاصغاء له وقبول قوله فان الناس تنظر الى من قال لا الى ما قيل وذلک اتباعا لطبيعة المحاکاة التي هي من غريزة الانسان لا سيما في محاکاته لمن يستطيع ان يسيطر على مشاعره واعجابه. ولا سيما في المجتمعات العامة فان غرائز الانسان وبالخصوص غريزة المحاکاة تحيا في حال الاجتماع او تقوي.
    2 ـ أن يظهر بما يدعو الى تقديره واحترامه وتصديقه والوثوق بقوله. وذلک يحصل بأمور (منها) لباسه وهندامه فاللازم على الخطيب أن يقدر المجتمعين ونفسياتهم وما يقدر من مثله ان يظهر به فقد يقتضي ان يظهر بأفخر اللباس وبأحسن بزة تليق بمثله وقد يقتضي ان يمظهر الزاهد الناسک. وهذا يختلف

    باختلاف الدعوة وباختلاف الحاضرين. وعلى کل حال ينبغي ان يکون الخطيب مقبول الهيئة عند الحاضرين حتي لا يثير تهکمهم او اشمئزازهم او تحقيرهم له. و(منها) ملامح وجهه وتقاطيع جبينه ونظرات عينيه وحرکات يديه وبدنه فان هذه أمور معبرة ومؤثرة في السامعين اذا استطاع الخطيب ان يحسن التصرف بها حسبما يريده من البيان والاقناع. وبعبارة اصرح ينبغي ان يکون ممثلا في مظهره فيبدو حزينا في موضع الحزن وقد يلزم له ان يبکي او يتباکي ويبدو مسرورا مبتشا في موضع السرور ويبدو بمظهر الصالح الوثق من قوله المؤمن بدعوته في موضع ذلک ... وهکذا.
    وکثير من الواعظين يتأثر الناس بهم بمجرد النظر اليهم قبل ان يتفوهوا وکم من خطيب في مجالس ذکري مصرع سيدالشهداء عليه السلام يدفع الناس الى البکاء والرقة بمجرد مشاهدة هيئته وسمته قبل ان يتکلم.
    ـ 7 ـ
    الاستدراجات بحسب القول
    وهي أيضا من اقسام ما يقتضي الاستعداد للاقناع وتکون بصناعة وحيلة. وذلک بأن تکون لهجة کلامه مؤثرة مناسبة للغرض الذي يقصده اما برفع صوته أو بخفضه او ترجيعه او الاسترسال فيه بسرعة او التأني به أو تقطيعه. کل ذلک حسب ما تقتضيه الحال من التأثير على المستمعين.
    وحسن الصوت وحسن الالقاء والتمکن من التصرف بنبرات الصوت وتغييره حسب الحاجة من أهم ما يتميز به الخطيب الناجح. وذلک في أصله موهبه ربانية يختص بها بعض البشر من غير کسب غير أنها تقوي وتنمو بالتمرين والتعلم کجميع المواهب الشخصية. وليس هناک قواعد عامة مدونة يمکن بها ضبط تغييرات الصوت ونبراته حسب الحاجة وانما معرفة ذلک تتبع نباهة الخطيب في اختياره للتغيرات الصوتية المناسبة التي يجدها بالتجربة والتمرين مؤثرة في المستمعين.
    ولاجل هذا يظهر لنا کيف يفشل بعض الخطباء لانه يحاول المسکين تقليد

    خطيب ناجح في لهجته وإلقائه فيبدو نابيا سخيفا اذ يظهر بمظهر المتصنع الفاشل. والسر ان هذا أمر يدرک بالغريزة والتجربة قبل ان يدرک بالتقليد للغير.
    ـ 8 ـ
    الاستدراجات بحسب المخاطب
    وهي أيضا من اقسام ما يقتضي الاستعداد للاقناع وتکون بصناعة من الخطيب. وذلک بأن يحاول استمالة المستمعين وجلب عواطفهم نحوه ليتمکن قوله فيهم ويتهيأوا للاصغاء اليه : مثل ان يحدث فيهم انفعالا نفسيا مناسبا لغرضه کالرقة والرحمة أو القوة والغضب او يضحکهم بنکتة عابرة لتنفتح نفوسهم للاقبال عليه. ومثل أن يشعرهم بأنهم يتخلقون باخلاق فاضلة کالشجاعة والکرم او الانصاف والعدل او ايثار الحق أو يتحلون بالواطنية الصادقة والتضحية في سبيل بلادهم أو نحو ذلک مما يناسب غرضه. وهذا يکون بمدحهم والثناء عليهم أو بذکر سوابق محمودة لهم أو لأبائهم أو اسلافهم.
    واذا اضطر الى التعريض بخصومه الحاضرين فيظهر بأنهم الاقلية القليلة فيهم أو يتظاهر بأنه لا يعرف بأنهم موجودون في الاجتماع أو انهم لا قيمة لهم ولا وزن عند الناس.
    وليس شيء أفسد للخطيب من التعريض بذم المستمعين أو تحقيرهم او التهکم بهم او اخجالهم فان خطابه سيکون قليل الاثر أو عديمه اصلا وان کان يأتي بذلک بقصد اثارة الحمية والغيرة فيهم لان هذه الامور بالعکس تثير غضبهم عليه وکرهه والاشمئزاز من کلامه. ولاثارة الحمية طرق أخري غير هذه. وبعبارة أشمل وادق ان التجاوب النفسي بين الخطيب والمستمعين شرط أساسي في التأثر بکلامه فاذا ذمهم او تهکم بهم بعّدهم عنه وخسر هذا التجاوب النفسي. وهکذا لو اضجرهم بطول الکلام أو التکرار الممل أو التعقيد في العبارة أو ذکر ما لا نفع فيه لهم أو ما الفوا استماعه.
    والخطيب الحاذق الناجح من يستطيع ان يمتزج بالمستمعين ويهيمن عليهم بأن

    يجعلهم يشعرون بأنه واحد منهم وشريکهم في السراء والضراء وبأنه يعطف على منافعهم ويرعي مصالحهم وبأنه يجهم ويحترمهم لا سيما الخطيب السياسي والقائد فيد الحرب
    ـ 9 ـ
    شهادة القول
    وهي من أقسام (النصرة) التي ليست بصناعة وحيلة ومن اقسام ما يقتضي نفس الاقناع. وهي تحصل اما بقول من يقتدي به مع العلم بصدقه کالنبي والامام او مع الظن بصدقه کالحکيم والشاعر. واما بقول الجماهير أو الحاکم او النظارة وذلک بتصديقهم للخطيب أو تأييدهم له بهتاف او تصفيق او نحوها. واما بوثائق ثابتة کالصکوک والسجلات والآثار التاريخية ونحوها.
    وهذه الشهادة على انها من الاعوان تفيد بنفسها الاقناع. وقد تکون بنفسها عموداً لوصح أخذها مقدمة في الحجة الخطابية وتکون حينئذ من قسم (المقبولات) التي قلنا ان الحجة الخطابية قد تتألف منها.
    ـ 10 ـ
    شهادة الحال
    وهي أيضا من أقسام (النصرة) التي ليست بصناعة وحيلة ومن اقسام ما يقتضي نفس الاقناع. وهذه الشهادة تحصل اما بحسب نفس القائل أو بحسب القول.
    1 ـ ما هي بحسب القائل : إما لکونه مشهورا بالفضيلة من الصدق والامانة والمعرفة والتمييز أو معروفا بما يثير احترامه أو الاعجاب به أو التقدير لما يقوله ويحکم به کأن يکون معروفا بالبراعة الخطابية أو الشجاعة النادرة او بالثراء الکثير او بالحنکة السياسية أو صاحب منصب رفيع أو نحو ذلک. وقد قلنا ان لمعرفة الخطيب الاثر البالغ في التأثير على المستمعين فکيف اذا کان محبوبا أو موضع الاعجاب أو

    الثقة. وکلما کبرت سمعة الخطيب وتمکن حبه واحترامه من القلوب من القلوب کان قوله اکثر قبولا وأبعد أثرا.
    وإما لکونه تظهر عليه امارات الصدق وان لم يکن معروفا بأنحاء المعرفة السابقة مثل أن تطفح على وجهه اسارير السرور اذا بشر بخير أو علامات الخوف والهلع اذا انذر بشر أو هيئة الحزن اذا حدث عما يحزن ... وهکذا.
    ولتقاطيع وجه الخطيب وملامحه ونبرات صوته الاثر الفعال في شعور المستمعين بأن ما يقوله کان مؤمنا به أو غير مؤمن به. والوجه الجامد القاحل من التعبير لا يستجيب له المستمع. ولذا اشتهر ان الکلمة اذاخرجت من القلب دخلت في القلب. وما هذا الالان ايمان الخطيب بما يقول يظهر على ملامح وجهه ونبرات صوته رضي ام ابي فيدرک المستمع ذلک حينئذ بغريزته فيؤثر على شعوره بمقتضي طبيعة المحاکاة والتقليد.
    2 ـ ما هي بحسب القول : مثل الحلف على صدق قول والعهد أو التحدي کما تحدي نبينا الاکرم صلي الله عليه وآله وسلم قومه أن يأتوا بسورة أو آية من مثل القرآن المجيد واذ عجزوا عن ذلک التجأوا الى الاعتراف بصدقه. ومثل ما لو تحدي الصانع أو الطبيب أو نحوهما خصمه المشارک له في صناعته بأن يأتي بمثل ما يعمل ويقول له : ان عجزت عن مثل عملي فاعترف بفضلي عليک واخضع لقولي.
    ـ 11 ـ
    الفرق بين الخطابة والجدل
    لما کانت صناعة الخطابة وصناعة الجدل يشترکان في کثير من الاشياء استدعي ذلک التنبيه على جهات الافتراق بينهما لئلا يقع الخلط بينهما :
    أما اشتراکهما ففي الموضوع فان موضوع کل منهما عام غير محدود بعلم
    __________________
    1 ـ العهد هو الشريعة الخاصة التي يصنعها شخصان او أكثر لا يصح لكل واحد ان يعدل عنها او يتجاوزها.

    ومسألة کما قلنا في الجدل : انه ينفع في جميع المسائل الفلسفية والدينية والاجتماعية وجميع الفنون والمعارف. والخطابة کذلک وما يستثني هناک يستثني هنا. ويشترکان أيضا في الغاية فان غاية منهما الغلبة ويشترکان في بعض مواد قضايا هما اذ تدخل المشهورات فيهما کما تقدم.
    اما افتراقهما ففي هذه الامور الثلاثة نفسها :
    1 ـ في الموضوع فان الخطابة يستثني من عموم موضوعها المطالب العلمية التي يطلب فيها اليقين فان استعمال الاسلوب الخطابي فيها معيب مستهجن اذا کان المخاطب بها الخاصة وان جاز استعمال الاسلوب الجدلي لالزام الخصم وافحامه أو لتعليم المبتدئين. کما انه على العکس لا يحسن من الخطيب ان يستعمل البراهين العلمية والمسائل الدقيقة لغرض الاقناع.
    2 ـ في الغاية فان غاية الجدلي الغلبة بالزام الخصم وان لم تحصل له حالة القناعة. وغاية الخطابة الغلبة بالإقناع.
    3 ـ في المواد فقد تقدم في الکلام عن العمود بيان الفرق فيها اذ قلنا : ان الخطابة تستعمل فيها مطلق المشهورات الظاهرية وفي الجدل لا تستعمل الا الحقيقية.
    وهناک فروق أخري لا يهمنا التعرض لها. وسيأتي في باب اعداد المنافرات التشابه بين الجدل والمنافرة بالخصوص والفرق بينهما کذلک.
    ـ 12 ـ
    ارکان الخطابة
    ارکان الخطابة المقومة لها ثلاثة : القائل (وهو الخطيب) والقول (وهو الخطاب). والمستمع.
    ثم المستمع ثلاثة اشخاص على الاکثر : مخاطب وحاکم ونظارة وقد يکون مخاطبا فقط :

    1 ـ (المخاطب) وهو الموجه اليه الخطاب وهو الجمهور أو من هو الخصم في المفاوضة والمحاورة.
    2 ـ (الحاکم) وهو الذي يحکم للخطيب او عليه اما لسلطة عامة له في الحکم شرعية او مدنية او لسلطة خاصة برضا الطرفين اذ يحکمانه ويضعان ثقتهما به وان لم تکن له سلطة عامة.
    3 ـ (النظارة) وهم المستمعون المتفرجون الذين ليس لهم شأن الا تقوية الخطيب أو توهينه مثل ان يهتفوا له او يصفقوا باستحسان ونحوه حسبما هو عادة شعبهم في تأييد الخطباء مثل ان يسکتوا في موضع التأييد والاستحسان او يظهروا توهينه بهتاف ونحوه وذلک اذا أرادوا توهينه. والنظارة عادة مألوفة عند بعض الامم الغربية في المحاکمات ولهم تأثير في سير المحاکمة وربما يسمونهم (العدول) أو (المعدلين).
    وليس وجود الحاکم والنظارة يلازم في جميع اصناف الخطابة بل في خصوص المشاجرات کما سيأتي.
    ـ 13 ـ
    اصناف المخاطبات
    ان الغرض الاصلي لصاحب الصناعة الخطابية على الاغلب اثبات فضيلة شيء ما أو رذيلته أو اثبات نفعه أو ضرره. ولکن لا اي شيء کان بل الشيء الذي له نفع او ضرر للعموم بوجه من الوجوه على نحو له دخالة في المخاطبين وعلاقة بهم.
    وهذا الشيء لا يخلو عن حالات ثلاث :
    1 ـ ان يکون حاصلا فعلا فالخطابة فيه تسمي (منافرة).
    2 ـ ان يکون غير حاصل فعلا ولکنه حاصل في الماضي فالخطابة فيه تسمي (مشاجرة).

    3 ـ ان يکون غير حاصل فعلا أيضا ولکنه يحصل في المستقبل فالخطابة فيه تسمي (مشاورة). وهي أهم الاصناف.
    فالمفاوضات الخطابية على ثلاثة اصناف.
    1 ـ (المنافرات) المتعلقة بالحاصل فعلا فان قرار الخطيب فضيلته أو نفعه سميت (مدحا) وان قرر ضد ذلک سميت (ذما).
    2 ـ (المشاجرات) وتسمي (الخصاميات) أيضا وهي المتعلقة بالحاصل سابقا. ولا بد أن تکون الخطابة لاجل تقرير وصول فائدته ونفعه أو ما فيه من عدل وانصاف ان کان نافعا ولاجل تقرير وصول ضرره أو ما فيه من ظلم وعدوان. فمن الجهة الاولي تسمي الخطابة (شکرا) اما اصالة عن نفسه أو نيابة عن غيره. وانما سميت کذلک لان تقرير الخطيب يکون اعترافا منه للمخاطبين بفضيلة ذلک الشيء فلا يقع فيه نزاع منهم. ومن الجهة الثانية تسمي الخطابة (شکاية) أما عن نفسه أو عن غيره. والمدافع يسمي (معتذرا) والمعترف به (نادما).
    3 ـ (المشاورات) المتعلقة بما يقع في المستقبل. ولا محالة ان الخطابة حينئذ لا تکون من جهة وجوده أو عدمه فان هذا ليس شأن هذه الصناعة. بل لا بد أن تکون من جهة ما فيه من نفع وفائدة فينبغي أن يفعل فتکون الخطابة فيه ترغيبا وتشويقا واذنا في فعله. أو من جهة ما فيه من ضرر وخسارة فينبغي ألا يفعل فتکون الخطابة فيه تحذيرا وتخويفا ومنعا من فعله.
    * * *
    فهذه الانواع الثلاثة هي الاغراض الاصلية التي تقع للخطيب وقد يتوصل الى غرضه ببيان أمور تقع في طريقه وتکون ممهدة للوصول اليه ومعينة للاقناع وتسمي (التصديرات) مثل ان يمدح شيئا أو شخصا فينتقل منه الى المشاورة للتنظير بما وقع أو لغير ذلک.
    والتشبيب الذي يستعمله الشعراء سابقا في صدر مدائحهم من هذا القبيل فان الغرض الاصلي هو المدح والتشبيب تصدر به القصيدة للتوصل اليه. وکثيرا ما

    لا يکون الشاعر عاشقا وانما يتشبه به اتباعا لعادة الشعراء.
    وفي هذا العصر يمهد خطباء المنبر الحسيني امام مقصودهم من ذکر فاجعة الطف ببيان أمور تأريخية أو اخلاقية او دينية من موعظة ونحوها. وما ذاک الا لجلب انتباه السامعين او لاثارة شعورهم وانفعالاتهم مقدمة للغرض الاصلي من ذکر الفاجعة
    ـ 14 ـ
    صور تأليف الخطابة ومصطلحاته
    قد قلنا في الجدل : ان المعول في تأليف صوره غالبا على القياس والاستقراء وفي الخطابة أکثر مايعول على القياس والتمثيل وان استعمل الاستقراء احيانا. ولا يجب في القياس وغيره عن استعماله هنا ان يکون يقينيا من ناحية تأليفه أي لا يجب أن يکون حافظا لجميع شرائط الانتاج بل يکفي أن يکون تأليفه منتجا بحسب الظن الغالب وان لم يکن منتجا دائما کما لو تألف القياس مثلا على نحو الشکل الثاني من موجبتين کما يقول : فلان يمشي متأنيا فهو مريض فحذفت کبراه الموجبة وهي (کل مريض يمشي متأنيا) مع ان الشکل الثاني من شروطه اختلاف المقدمتين بالکيف.
    وکذلک قد يستعمل التمثيل في الخطابة خاليا من جامع حيث يفيد الظن بأن هناک جامعا مثل ان يقال : مر بالامس من هناک رجل مسرع وکان هارباً واليوم يمر مسرع آخر من هنا فهو هارب.
    وکذلک يستعمل الاستقراء فيها بدون استقصاء لجميع الجزئيات مثل أن يقال : الظالمون قصير والاعمار لان فلان الظالم وفلان قصير والاعمار فيعد جزئيات کثيرة يظن معها الحاق القليل بالاعم الاغلب.
    وبحسب تأليف صور الخطابة مصطلحات ينبغي بيانها فنقول :
    1 ـ (التثبيت). والمقصود به کل قول يقع حجة في الخطابة ويمکن فيه أن يوقع

    التصديق بنفس المطلوب بحسب الظن سواء کان قياسا أو تمثيلا.
    2 ـ (الضمير). والمقصود به التثبيت اذا کان قياسا. والضمير باصطلاح المناطقة في باب القياس حذفت منه کبراه. ولما کان اللائق في الخطابة ان تحذف من قياسها کبراه للاختصار من جهة ولا خفاء کذب الکبري من جهة أخري سموا کل قياس هنا (ضميرا) لانه دائما أو غالبا تحذف کبراه.
    3 ـ (التفکير). وهو الضمير نفسه ويسمي (تفکيرا) باعتبار اشتماله على الحد الاوسط الذي يقتضيه الفکر.
    4 ـ (الاعتبار). ويقصدون به التثبيت اذا کان تمثيلا فيقولون مثلا : «يساعد على هذا الامر الاعتبار». وهذه الکلمة شايعة الاستعمال عند الفقهاء وما أحسب الا انهم يريدون هذا المعني منها.
    5 ـ (البرهان). وهو کل اعتبار يستتبع المقصود بسرعة فهو غير البرهان المصطلح عليه في صناعة البرهان. فلا تغرنک کلمة البرهان في بعض الکتب الجدلية والخطابية.
    6 ـ (الموضع). والمقصود به هنا کل مقدمة من شأنها ان تکون جزء من التثبيت سواء کانت مقدمة بالفعل أو صالحة للمقدمية. وهو غير الموضع المصطلح عليه في صناعة الجدل. ومعني الموضع هناک يسمي (نوعا) هنا وسيأتي في الباب الثاني. ولا بأس بالبحث عن الضمير والتمثيل اختصارا هنا :
    ـ 15 ـ
    الضمير
    للضمير شأن خاص في هذه الصناعة فان على الخطيب ان يکون متمکنا من اخفاء کبراه في اقيسته أو اهمالها. ان باقي الصناعات قد تحذف الکبري في اقيستها ولکن لا لحاجة وغرض خاص بل لمجرد الايجاز عند وضوح الکبري أما في الخطابة فان اخفاءها غالبا ما يضطر اليه الخطيب بما هو خطيب لأحد أمور :

    1 ـ اخفاء عدم الصدق الکلي فيها مثل أن يقول : «فلان يکف غضبه عن الناس فهو محبوب» فانه لو صرح بالکبري وهي «کل من کف غضبه عن الناس هو محبوب لهم» ربما لا يجدها السامع صادقة صدقا کليا وقد يتنبه بسرعة الى کذبها اذ قديعرف شخصا معينا متمکنا من کف غضبه ومع ذلک لا يحبه الناس.
    2 ـ تجنب ان يکون بيانه منطقيا وعلميا معقداً فلا يميل اليه الجمهور الذي من طبعه الميل الى الصور الکلامية الواضحة السريعة الخفيفة. والسر ان ذکر الکبري يصبغه بصبغة الکلام المنطقي العلمي الذي ينصرف عن الاصغاء اليه الجمهور. بل قد يثير شکوکهم وعدم حسن ظنهم بالخطيب أو سخريتهم به.
    3 ـ تجنب التطويل فان ذکر الکبري غالبا يبدو مستغنيا عنه والجمهور اذا أحس ان الخطيب يذکر مالا حاجة الى ذکره أو يأتي بالمکررات يسرع اليه الملل والضجر والاستيحاش منه. وقد يؤثر فيه ذلک انفعالا معکوسا فيثير في نفوسهم التهمة له في صدق قوله. فلذلک ينبغي للخطيب دائما تجنب زيادة الشرح والتکرار الممل فانه يثير التهمة في نفوس المستمعين وشکوکهم في قولهم وضجرهم منه.
    وبعد هذا فلو اضطر الخطيب الى ذکر الکبري کما لو کان حذفها يوجب ان يکون خطابه غامضا فينبغي ان يوردها مهملة حتي لا يظهر کذبها لو کانت کاذبة وألا يوردها بعبادة منطقية جافة.
    وصنعة الخطابة تعتمد کثيرا على المقدرة في ايراد الضمير أو اهمال الکبري فمن الجميل بالخطيب أن يراقب هذا في خطابه. وهذا ما يحتاج الى مران وصنعة وحذق والله تعالي قبل ذلک هو المسدد للصواب الملهم للمعرفة
    ـ 16 ـ
    التمثيل
    سبق ان قلنا في الفصل 14 : ان الخطابة تعتمد على القياس والتمثيل. وفي الحقيقة تعتمد على التمثيل أکثر نظرا الى انه اقرب الى أذهان العامة وأمکن في

    نفوسهم. وهو في الخطابة يقع على انحاء ثلاثة :
    1 ـ أن يکون من اجل اشتراک الممثل به مع المطلوب في معني عام يظن انه العلة للحکم في الممثل به. وهذا النحو هو التمثيل المنطقي الذي تقدم الکلام فيه آخر الجزء الثاني.
    2 ـ ان يکون من أجل التشابه في النسبة فيهما کما يقال مثلا : کلما زاد تواضع المتعلم زادت معارفه بسرعة کالارض کلما زاد انخفاضها انحدرت اليها المياه الکثيرة بسرعة.
    وکل من هذين القسمين قد يکون الاشتراک والتشابه في النسبة حقيقة وقد يکون بحسب الرأي الواقع کقوله تعالي : «مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها کمثل الحمار يحمل اسفارا» أو کقوله تعالي : «مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله کمثل حبة انبتت سبع سنابل في کل سنبلة مائة حبة ...».
    وقد يکون بحسب رأي يظهر ويلوح سداده لاول وهلة ويعلم عدم صحنه بالتعقيب کقول عمر بن الخطاب يوم السقيفة : «هيهات لا يجتمع اثنان في قرن». والقرن بالتحريک الحبل الذي يقرن به البعيران قال ذلک ردا على قول بعض الانصار : «منا امير ومنکم أمير» بينما أن هذا القائل غرضه ان الامارة مرة لنا ومرة لکم لا على ان يجتمع أميران في وقت واحد حتي يصح تشبيهه باجتماع اثنين في قرن. على انه أية استحالة في الممثل به وهو أن يجتمع بعيران في حبل واحد يقرنان به لو أراد هذا القائل اجتماع اميرين في آن واحد فالاستحالة في الممثل نفسه لا في المثل به.
    3 ـ ان يکون التمثيل بحسب الاشتراک بالاسم فقط وقد ينطلي هذا أمره على غير المتنبه المثقف. وهو مغالطة ولکن لا بأس بها في الخطابة حيث تکون مقنعة وموجبة لظن المستمعين بصدقها.
    مثاله أن يحبب الخطيب شخصا ويمدحه لان شخصا آخر محبوب ممدوح له هذا الاسم. أو يتشاءم من شخص ويذمه لان آخر له اسمه معروف بالشر والمساويء.

    ويشبه ان يکون من هذا الباب قول الارجاني :
    يزداد دمعي على مقدار بعدهم
    تزايد الشهب اثر الشمس في الافق

    فحکم بتزايد الدموع على مقدار بعد الاحبة قياسا على تزايد الشهب بمقدار تزايد بعد الشمس في الافق لاشتراک الدموع والشهب بالاسم اذ تسمي الدموع بالشهب مجازا ولاشتراک الحبيب والشمس بالاسم اذ يسمي الحبيب شمسا مجازا.

    المبحث الثاني ـ الانواع
    ـ 1 ـ
    تمهيد
    تقدم في الفصل 14 من الباب الاول : ان الموضع في اصطلاح هذه الصناعة کل مقدمة من شأنها ان تکون جزءا من التثبيت. وهو غير الموضع باصطلاح صناعة الجدل.
    بل ان ما هو بمنزلة الموضع في صناعة الجدل يسمي هنا (نوعا) وهو أي النوع : کل قانون تستنبط منه المواضع أي المقدمات الخطابية.
    مثلا يقال لنقل الحکم من الضد الى ضده (نوع) اذ منه تستخرج المواضع الموصلة الى المطلوب الخطابي فيقال مثلا : اذ کان خالد عدوا فهو يستحق الاساءة فأخوه لما کان صديقا يستحق الاحسان. فهذه القضية (موضع) وهي من (نوع) نقل الحکم من الضد الى ضده.
    ثم انه لما کان المجادل مضطرا الى احضار المواضع في ذهنه واعدادها لکي يستنبط منها ما يحتاجه من المقدمات المشهورة فکذلک الخطيب يلزمه ان يحضر لديه ويعد الانواع لکي يستنبط منها ما يحتاجه من المواضع (المقدمات المقنعة).
    وکل خطيب في أي صنف من أصناف المفاوضات الخطابية له أنواع خاصة وقواعد کلية تخصه يستفيد منها في خطابه فلذلک اقتضي ان ننبه على بعض هذه الانواع في اصناف الخطابة للاستيناس وللتنبيه على نظائرها کما صنعنا في مواضع الجدل فنقول :
    ـ 2 ـ
    الانواع المتعلقه بالمنافرات
    تقدم في البحث 13 معني (المنافرات) انها التي تثبت مدحا أو ذما اما

    للاشخاص او للاشياء باعتبار ماهو حاصل في الحال فيقرر الخطيب فضيلته أو نفعه في المدح او يقرر ضدهما في الذم. وانما سميت (منافرات) فلان بها يتنافر الناس ويختلفون وبروم بعضهم قهر بعض بقوله وبيانه.
    ومن هذه الناحية تشبه الخطابة الجدل وانما الفرق من وجهين :
    1 ـ انه في الخطاية ينفرد الخطيب في ميدانه وفي الجدل يکون الکلام للخصمين سؤالا وجوابا وردا وبدلا.
    2 ـ ان غرض الخطيب أن يبعث المستمعين على عمل الافعال الحسنة والتنفر من الافعال السيئة لا لمجرد المدح والذم والمجادل ليس غرضه الا التغلب على خصمه وليس همه ان يعمل به أحد أولا يعمل. وبالاختصار غرض الخطيب اقناع الغير بفضل الفاضل ونقص المفضول ليعمل على مقتضي ذلک وغرض المجادل ارغام الغير على الاعتراف بذلک.
    وبين الاسلوبين بون بعيد فان الاول يتطلب الرفق واللين والاستحواذ على مشاعر المخاطب ورضاه والثاني لا يتطلب ذلک فان غرضه يتم حتي لو اعترف الخصم مرغما مقهورا.
    اذا عرفت ذلک فعلي الخطيب في المنافرات ان يکون مطلعا على أنواع جمال الاشياء وقبحها. ولکل شيء جمال وقبح بحسبه : ففي الانسان جماله بالفضائل وقبحه بالرذائل وباقي الاشياء جمالها بکمال صفاتها اللائقة بها وقبحها بنقصها.
    ثم الانسان مثلا فضيلته ان تکون له ملکة تقتضي فعل الخيرات بسهولة کفضيلة الحکمة والعلم والعدالة والاحسان والشجاعة والعفة والکرم والمروة والهمة والحلم واصالة الرأي. وهذه أصول الفضائل ويتبعها مما يدخل تحتها کالايثار الذي يدخل تحت نوع الکرم أو مما يکون سببا لها کالحياء الذي يکون سببا للعفة أو مما يکون علامة عليها کصبر الامين على تحمل المکارة في سبيل المحافظة على الامانة فان هذا الصبر علامة على العدالة.

    واما باقي الاشياء غير الانسان فکمالها بحصول الصفات المطلوبة لمثلها وقد قلنا لکل شيء جمال وقبح بحسبه فکمال الدار مثلا وجمالها باشتمالها على المرافق المحتاج اليها وسعتها وجدة بنائها وملاءمة هندستها للذوق العام وهکذا. وکمال المدنية مثلا وجمالها بسعة شوارعها وتنسيقها ونظافتها وکثرة حدائقها وتهيئة وسائل الراحة فيها والأمن وحسن مائها وهوائها وجدة بناء دورها ... وهکذا.
    وعلى الخطيب بالاضافة الى ذلک ان يکون قادرا على مدح ما هو قبيح بمحاسن قد يظن الجمهور أنها مما يستحق عليها المدح والثناء مثل ان يصور فسق الفاسق بانه من باب لطف المعاشرة وخفة الروح. ويصور بلاهة الابله أنها بساطة نفس وصفاء سريرة وقلة مبالاة بأمور الدنيا واعتباراتها. ويصور متتبع عورات الناس الهماز الغماز بانه محب للصراحة أو انه لا تأخذه في سبيل قول الحق لومة لائم. ويصور الحاکم المرتشي بأنه يسهل بالرشوة أمور الناس ويقضي حوائجهم ...
    وهکذا يمکن تحوير کثير من الرذائل والنقائص الى ما يشبه أن يکون من الفضائل والکمالات في نظر الجمهور. وکذلک على العکس يمکن تحوير جملة من الفضائل الى ما يشبه ان يکون من الرذائل والنقائص في نظر الجمهور کوصف المحافظ على دينه بانه جاف متزمت أو رجعي خرافي أو وصف الشجاع بأن مجنون متهور أو وصف الکريم بأنه مسرف مبذر ... وهکذا. والکثير من هذا يحتاج الى حذلقة وبعد نظر.
    واذ عرفت وجوه مقتضيات المدح يمکن ان تعرف بمناسبتها وجوه مقتضيات الذم لانها اضدادها.
    ـ 3 ـ
    الانواع المتعلة بالمشاجرات
    تقدم معني المشاجرات من انها تتعلق بالحاصل سابقا. وذلک لبيان ما حدث کيف حدث؟ هل حدث على وجه جميل ممدوح أو على وجه مذموم؟
    فتکون المشاجرة شکراً أو شکاية أو اعتذاراً أو ندما واستغفاراً.

    و(الشکر) انما يکون بذکر محاسن ما حدث وکمالاته انسانا او غير انسان على حسب ما تقدم من البيان الاجمالي عن محاسن الاشياء وکمالاتها في المنافرات فلا حاجة الى اعادته.
    وانما الذي ينبغي بيانه ما يختص (بالشکاية) ثم الاعتذار والندم فنقول :
    لا تصح الشکاية الا من الظلم والجور. وحقيقة الجور : «هو الاضرار بالغير على سبيل المخالفة للشرع بقصد وارادة».
    والمفصود من (الشرع) ما هو أعم من الشريعة المکتوبة وغير المکتوبة والمکتوبة مثل الاحکام المنزلة الإلهية والقوانين المدنية والدولية وغير المکتوبة ما تطابق عليها آراء العقلاء أو آراء أمة بعينها وکان المعتدي منها أو آراء قطره او عشيرته او نحو ذلک.
    فما تطابق عليها آراء الجميع هي المشهورات المطلقة والباقي هي من المشهورات الخاصة. ومثال الاخيرة (النهوة) باصطلاح عرب العراق في العصور الاخيرة فانها عند غير المتحصرين منهم شريعة غير مکتوبة وهي ان للرجل الحق في منع نزوج ابنة عمه من اجنبي فالاجنبي اذا تزوجها من دون رخصة ابن عمها واذنه عدّوه في عرفهم جائرا غاصبا وقد يهدر دمه. وان کان هذا العرف يعد في الشريعة المکتوبة الاسلامية وغيرها ظلما وجورا وان (الناهي) هو الجائر الظالم.
    ثم (المحالفة للشرع) اما أن تقع في المال أو العرض أو النفس ثم اما ان تکون على شخص او اشخاص معينين أو تقع على جماعة اجتماعية کالدولة والوطن والامة والعشيرة.
    وعلى هذا فينبغي للخطيب المشتکي أن يعرف معني الجور وبواعته واسبابه وما هي الاسباب التي تقتضي سهولته أو صعوبته ومتي يکون عن ارادة وقصد وکيف يکون کذلک. وکل هذه فيها ابحاث واسعة تطلب من المطولات.
    واما (الاعتذار) فحقيقته التنصل مما ذکره المتظلم المشتکي ودفع تظلمه. وهو يقع بأحد أمرين :

    1 ـ انکار وقوع الظلم رأسا.
    2 ـ انکار وقوعه على وجه يکون ظلما وجورا فان کثيرا من الافعال انما تقع عدلا حسنة وظلما قبيحة بالوجوه والاعتبار اما من جهة القصد واما من جهة اختلاف الشريعة المکتوبة مع الشريعة غير المکتوبة کما مثلناه (بالنهوة).
    واما (الندم) فهو الاقرار والاعتراف بالظلم. وقد يسمي استغفارا. وذلک بأن يلتمس العفو عن العقوبة والتفضل باسقاط ما يلزم من غرامة ونحوها. وللاستغفار والاعتذار أساليب يطول شرحها.
    ـ 4 ـ
    الانواع المتعلقة بالمشاورات
    لما کانت غاية الخطيب في المشاورة اقناع الجمهور على فعل ماهو خير لهم وفيه مصلحتهم والاقلاع عن المساويء والشرور وما يضرهم ناسب ألا يبحث الا عما يقع تحت اختيارهم من الخيرات والشرور او ما له مساس باختيارهم وان کان في نفسه خارجا عن اختيارهم.
    وهذا الثاني کالارض السبخة مثلا فان سوءها وضررها ليس باختيار المزارعين ولا من افعالهم ولکن يمکن أن يکون لها مساس باختيارهم بأن يجتنبوا الزراعة فيها مثلا فيمکن ان يوصي الخطيب بذلک ويدخل في غرضه.
    أما ما لا يقع تحت اختيارهم وما ليس له مساس به أصلا فليس للمشاور أن يتعرض له.
    والانواع التي تتعلق بالمشاورات على قسمين رئيسين :
    (القسم الاول) ما يتعلق بالامور العظام وهي اربعه
    1 ـ (الامور المالية العامة) من نحو صادرات الدولة وواردتها وما يتعلق في دخل الامة ومصروفاتها. فالخطيب فيها ينبغي ان يطلع على القوانين التي تخصها

    وعلى العلوم التجارية والمالية وما له دخل في زيادة الثروة أو نقصها.
    2 ـ (الحرب والسلم). فالخطيب فيه ال يستغني عن معرفة القوانين العسکرية والعلوم الحربية واصول تنظيم الجيوش وقيادتها مع الاطلاع على تأريخ الحروب والوقائع وسر نشوبها واخمادها والوسائل اللازمة للهجوم والدفاع وما يتحقق به النصر وما يتمکن به من النجاة من الهزيمة. کما ينبغي ان يکون عارفا بما يثير الغيرة والحمية في نفوس الجنود وما يشجعهم ويثبت عزائمهم ويشحذ هممهم ويهون عليهم الموت في سبيل الغاية التي يحاربون لاجلها. وان يکون عارفا بما يثير في نفوس الاعداء الخوف والرهبة وضعف الهمة واليأس من النصر وتوقع الهزيمة ونحو ذلک مما يسمي في الاصطلاح الجديد (بحرب الاعصاب).
    3 ـ (المحافظة على المدن). والعلوم التي تخصها ولا يستغني الخطيب عن معرفتها هي علوم هندسة البناء والمسح وتنظيم الشوارع وما تحتاجه البلدة في مجاري مياهها وتنويرها وتعبيد طرقها ونظافتها ونحو ذلک.
    4 ـ (الاجتماعيات العامة) کالشرايع والسنن من دينية أو مدنية أو سياسية. ففي المصلحة الدينية مثلا ينبغي للخطيب ان يکون عارفا بالشرويعة السماوية حافظا لآثارها مطلعا على تأريخها ملما بأصول العقائد وفروع تلک الشريعة.
    أما لو کان خطيبا في غاية سياسية أو نحوها فينبغي ان يکون خبيرا بما يخصها من قوانين وعلوم وما يکتنفها من تأريخ وحوادث وتقلبات. فالسياسي يحتاج الى العلوم السياسية والخبرة بأمورها والاخلاقي يحتاج الى علم الاخلاق والحاکم والمحامي الى القوانين الشرعية والمدنية.
    وعلى الاجمال ان الخطيب في الامور الاجتماعية لا سيما مريد المحافظة على سنة أو دولة يلزم فيه أن يکون اعلم وامهر الخطباء الآخرين وأعرف بنفسيات الجمهور ومصالحهم لان موقفه مع الجمهور من أدق الواقف وأصعبها.
    بل هذا الباب باب المشاورة على العموم من أخطر أبواب الخطابة وأشقها فقد يسقط الرجل الديني والسياسي في نظر الجمهور لاتفه الاسباب. وکم شاهدنا

    وسمعنا رئيس دولة أو مرشد قطر أو مرجعا دينيا لفرقة بينما هو في القمة من عظمته اذا به يهوي بين عشية وضحاها من برجه الرفيع محطما لخطأة صغيرة ارتکبها أو لامر فعله أو قاله معتقدا فيه الصلاح فاتهمه الجمهور بالخيانة أو الخطل أو ظنوا فيما عمله أو رآه الفساد والضرر.
    والجمهور لا صبر له على کتمان رأيه او تأجيل التعبير عنه الى وقت اخر کما لا يعرف المجاملة والمداراة والمداهنة والمماشاة ولا يفهم البرهان والدليل حينئذ الا القوة تسکته أو السيف يفنبه.
    * * *
    هذا وانحصر کل ما ينبغي للخطيب في باب الاجتماعيات من معرفة لا يسعه هذا المختصر وکفي ما أشرنا اليه.
    ونزيد هنا انه على العموم من أهم ما يلزم له بعد معرفة کل ما يتعلق بفرعه المختص به ان يکون مطلعا على علم الاجتماع وعلم النفس. وأهم من ذلک الخبرة في تطبيقهما وتشخيص نفسيات الجماهير المستمعين له ومعرفة تأريخ من سبقه من القادة والرؤساء والستفادة من تجاربهم منضمة الى تجاربه الشخصية. وأهم من ذلک کله المواهب الشخصية التي أشرنا اليها سابقا فانه کم من خطيب موهوب يبز اعلم العلماء وهو لم يدرس علوم الاجتماع اذ يسوقه ذکاوه وفطرته الى معرفة ما يقتضيه ذلک الاجتماع وما يتطلبه فيستطيع ان يهيمن عليه ويسخره ببيانه ويسخره بأسلوبه.
    * * *
    (القسم الثاني) الرئيسي : ما يتعلق بالمور الجزئيه
    وهي غير محدودة ولا معدودة فلذلک لا يمکن ضبطها وانما يتبع فيها نباهة الخطيب وفطنته. غير أنها تشترک في شيء واحد عام هو طلب صلاح الحال فلذلک من جهة عامة ينبغي للخطيب ان يعرف :
    (اولا) معني صلاح الحال مثل ان يقال انه في الانسان استجماع الفضائل

    النفسية والجسمية أوالحصول على الخيرات والمنافع التي بها السعادة في الدنيا والآخرة أو الحصول على الملذات واشباع الشهوات مع محبة القلوب واحترام الناس في الحضور والثناء عليه في الغيبة ... وهکذا على حسب اختلاف الآراء والنظار في معني صلاح حال الانسان.
    و(ثانيا) الامور التي بها يتحقق صلاح الحال مثل فضيلة النفس بالحکمة والاخلاق ونحوها مما تقدم ومثل فضيلة البدن بالصحة وقوة العضلات والجمال واعتدال البنية ومثل طهارة الاصل ونباهة الذکر والکرامة والشرف والثروة وکثرة الاتباع والانصار وحسن الحظ ونحو ذلک.
    و(ثالثا) طرق اکتساب هذه الامور واحدة واحدة وأحسن الوسائل واسهلها في الحصول عليها. مثل ان يعرف ان الحکمة والمعرفة تحصل بالجد والتحصيل والاخلاص لله والتجرد عن مغريات الدنيا وان الصحة تحصل بالرياضة وتنظيم المأکولات وان الثروة تحصل بالزراعة او التجارة أو الصناعة ... وهکذا.
    و(رابعا) الامور النافعة في تحصيل تلک الخيرات والمعينة لوسائلها کالسعي وانتهاز الفرص والتضحية بکثير من الملذات والصدق والامانة. وبعکسها الامور الضارة کالرکون الى الراحة والکسل وايثار اللذة واللهو والبطالة ونحو ذلک.
    و(خامسا) ما هو الافضل من الخيرات والانفع وبأي شيء تتحقق الافضلية مثل ان الاعم الشامل أفضل مما هو دونه في الشمول والدائم خير من غير الدائم وما هو أکثر نفعا أحسن مما هو اقل وما يستتبع نفعا آخر انفع مما لا يستتبع ... وهکذا.
    * * *
    هذه جملة الانواع المتعلقة باصناف الخطابة الثلاثة وهناک أنواع أخري مشترکة يطول الکلام عليها کأنواع ما يعد للاستدراجات وما يتعلق بامکان الامور أضربنا عنها اختصارا.
    * * *

    المبحث الثالث التوابع
    ـ 1 ـ
    تمهيد
    تقدم ص 372 معني العمود والاعوان وذکرنا هناک أقسام الاعوان من الشهادة والاستدراجات التي هي خارجة عن نفس العمود. وکل ذلک کان من اجزاء الخطابة.
    وهناک وراء اجزاء الخطاية أمور خارجة عنها مزينة لها وتابعة ومتممة لها باعتبار مالها من التأثير في تهيئة المستمعين لقبول قول الخطيب. وهي على الاجمال ترتبط کلها بنفس القول والخطابة. فلذلک تسمي (بالتوابع) وتسمي أيضا (التحسينات) و(التزيينات).
    وهي ثلاثة أنواع : (1) ما يتعلق بنفس الالفاظ (2) ما يتعلق بنظمها وترتيبها (3) ما يتعلق بالاخذ بالوجوه. ونحن نشير الى هذه الاقسام ونوضحها على حسب هذا الترتيب فنقول :
    ـ 2 ـ
    حال الالفاظ
    والمراد منها ما يتعلق بهيئة اللفظ مفردا کان أو مرکبا والتي ينبغي للخطيب ان يراعيها. وأهمها الامور الآتية :
    1 ـ ان تکون الالفاظ مطابقة للقواعد النحوية والصرفية في لغة الخطيب فان اللحن والغلط يشوه الخطاب ويسقط أثره في نفوس المستمعين.
    2 ـ ان تکون الالفاظ من جهة معانيها صحيحة صادقة بأن لا تشتمل مثلا على المبالغات الظاهر عليها الکذب.

    3 ـ ألا تکون رکيکة الاسلوب ولا متکلفا بها على وجه تخرج عن المحاورة التي تصلح لمخاطبة العامة والجمهور بل ينبغي ان يکون أسلوبها معتدلا على نحو ترتفع به عن رکاکة الاسلوب العامي ولا تبلغ درجة أسلوب محاورة الخاصة الذي لا ينتفع به الجمهور.
    4 ـ ان تکون وافية في معناها بلا زيادة وفضول ولا نقصان مخلّ.
    5 ـ ان تکون خالية من الحشو الذي يفکک نظام الجمل وارتباطها أو يوجب اغلاق الکلام وصعوبة فهمه.
    6 ـ ان يتجنب فيها الابهام والايهام واحتمال اکثر من معني وان کان ذلک مما قد يحسن في الکلام الشعري ويحسن من الکهان الذين يريدون ألا يظهر کذبهم في تنبؤاتهم. ولکنه لا يحسن ذلک من الخطيب الا اذا کان سياسيا حينما يقضي موقفه عليه الفرار من مسؤولية التصريح.
    7 ـ ان تکون معتدلة في الايجاز والاطناب لان الإيجاز قد يخل بالمعني والتطويل يورث الملل. والحالات تختلف في ذلک فقد يکون المستمعون کلهم أو اکثرهم على حال من الذکاء والمعرفة يحسن في خطابهم الإيجاز وقد يکون المطلوب يستدعي التأکيد والتکرار والتهويل فيحسن التطويل حتي مع المستمعين الاذکياء. وعلي کل حال ينبغي بل يجب تجنب التکرار الذي لا فائدة فيه في جميع المواقع. وکذلک ايراد الالفاظ المترادفة لا يحسن الاکثار منه.
    8 ـ ان تکون خالية من الالفاظ الغريبة والوحشية وغير المتداولة ومن التعبيرات التي يسمئز منها المستمعون کالالفاظ الفحشية فلو اضطر الى التعبير عن معانيها فليستعمل بدلها الکنايات.
    9 ـ ان تکون مشتملة على المحسنات البديعية والاستعارات والمجازات والتشبيهات فان هذه کلها لها الاثر الکبير في طراوة الکلام وجاذبيته وحلاوته.
    ولکن يجب أن يعلم ان الاستعارات والمحسنات ونحوها لا تخلو عن غرابة

    وبعد على فهم الناس فلا ينبغي الخروج بها عن حد الاعتدال وينبغي أن يراعي فيها الاقرب الى طبع العامة ويفضل منها ما هو مطبوع على المتصنع المتکلف به. ويحسن ان نشبهها بالغرباء في مجالس الاصدقاء فان حضورهم لا يخلو من فائدة ولکنهم لا بد ان يؤثروا ضيقا وانقباضا في نفوس الاصدقاء.
    10 ـ ان تکون الجمل مزدوجة موزونة المقاطيع. ومعني الوزن هنا ليس الوزن المقصور به في الشعر بل معادلتها على الوجوه الآتية وهي على انحاء متفاوتة متصاعدة :
    أ ـ ان تکون مقاطيع الجمل متقاربة في الطول والقصر وان کانت حروفها وکلماتها غير متساوية مثل قوله : «بکثرة الصمت تکون الهيبة وبالنصفة يکثر المواصلون».
    ب ـ ان يکون عدد کلمات المقاطيع متساوية نحو : «العلم وراثة کريمة والآداب حلل مجددة».
    ج ـ ان تکون الکلمات بالاضافة الى تساويها متشابهة وحروفها متعاولة نحو : «أقوي ما يکون التصنع في اوائله واقوي ما يکون الطبع في أواخره».
    د ـ ان تکون المقاطيع مع ذلک في المد وعدمه متعادلة نحو : «طلب العادة افضل الافکار وکسب الفضيلة انفع الاعمال» فالافکار تعادل الأعمال في المد.
    هـ ـ ان تکون الحروف الاخيرة من المقاطيع متشابهة کما لو کانت مسجعة نحو : «الصبر على الفقر قناعة والصبرعلي الذل صراعة».
    وأحسن الاوزان في الجمل ان تکون متعادلة مثني أو ثلاث أما ما زاد على ذلک فلا يحسن کثيرا بل قد لا يستساع ويکون من التکلف الممقوت.
    ـ 3 ـ
    نظم وترتيب الاقوال الخطابية
    کل کلام يشتمل على ايضاح مطلوب خطابيا أو غير خطابي لا بد أن يتألف من

    جزءين اساسين هما الدعوي والدليل عليها. والنظم الطبيعي يقتضي تقديم الدعوي على الدليل وقد تقتضي مصلحة الاقناع العکس وهذا أمر يرجع تقديره الى نفس المتکلم.
    اما الاقوال الخطابية فالمناسب لها على الاغلب بالاضافة الى ذينک الجزءين الاساسيين أن تشتمل على ثلاثة أمور أخري : تصدير واقتصاص وخاتمة. ونحن نبينها بالاختصار :
    الاول (التصدير). وهو ما يوضع امام الکلام ومقدمة له ليکون بمنزلة الاشارة والايذان بالغرض المقصود للخطيب والفائدة منه اعداد المستمعين وتهيئتهم الى التوجه نحو الغرض. وهو يشبه تنحنح المؤذن قبل الشروع وترنم المغني في ابتداء الغناء. وکذلک کل امر ذي بال يراد منه لفت الانظار اليه ينبغي تصديره بشيء مؤذن به.
    والاحسن في الخطابة ان يکون التصدير مشعرا بالمقصود وملوحا له لانه انما يؤتي به لفائدة تهيئة المستمعين لتقبل الغرض المقصود. ولاجل هذا يفتتح خطباء المنبر الحسيني خطاباتهم بالصلاة على الحسين عليه السلام والتظلم له. ويفتتح الکتاب رسائلهم بالبسملة ونحوها وبالسلام والشوق الى المرسل اليه وبما قد يشعر بالمراد کما هو المألوف عند اصحاب الرسائل في العصور المتقدمة.
    ولکن ينبغي للخطيب أو الکاتب اذا رأي ان التصدير مما لا بد منه ان يلاحظ فيه أمرين :
    1 ـ ألا يفتتح خطابه بما ينفر المخاطبين أو يثير سخطهم کأن يأتي مثلا بما يشعر بالتشاؤم في موضع التهنئة والفرح والسرور أو ما يشعر بالسرور في موضع التعزية والحزن أو يعبر بما يشعر بتعاظمه على المخاطبين ونحو ذلک.
    2 ـ ان يحاول الاختصار جهد الامکان بشرط ان يورده بعبارة مفهمة متينة فان الاطالة في التصدير يضجر المخاطبين فينتقض عليه الغرض قبل الوصول الى

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3303
    نقاط : 4992
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ---المنطق ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ---المنطق ج1   ---المنطق ج1 Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 6:17 am

    مطلوبه الا اذا کان استدراجه لهم يتوقف على الاطالة کما لو أراد أن يذم خصما او فعلا او يثني على نفسه او رأيه.
    وعلى کل حال ان التصدير بالکلام المکرر المألوف أو الطالته بالکلام الفارغ من اشنع ما يصنعه بعض الخطباء والکتاب وهو على العجز اکثر منه دليلا على المقدرة کما ان الافضل في الاعتذار ان يترک التصدير اصلا. لانه قد يثير الظن بانه يريد التعلل والتهرب من الجواب والدفاع.
    الثاني (الاقتصاص) وهو ما يذکر بيانا على التصديق بالمطلوب وشارحا له بقصة صغيرة تؤيده فان القصة من أروع ما يعين على الاقناع ويقرب الغرض الى الاذهان وکأنها من أقوي الادلة عليه لا سيما عند العامة. واصبحت القصة في العصور الاخيرة أدباً وفنا قائما برأسه يستعين بها دعاة الافکار الحديثة لتلقين العامة واقناعهم وان کانت من صنع الخيال والسر ان في طبيعة الانسان شهوة الاستماع الى القصة فيلتذ بها. وذلک لاشباع غريزة حب الاطلاع أو لغير ذلک من غرائزه وقد يعتبرها شاهدا ودليلا باعتبارها تجربة ناجحة.
    ثم الخطيب أو الکاتب بعد الاقتصاص ينبغي ان يشرع في بيان ما يريد اقناع الجمهور به.
    الثالث (الخاتمة) وهي ان يأتي بملخص ما سبق الکلام فيه وبما يؤذن بوداع المخاطبين من دعاء وتحية ونحوهما حسبما هو مألوف.
    ولا شک ان الخاتمة کالتصدير فيها تزيين للقول وتحسين له لا سيما في الرسائل والمکاتبات.
    ـ 4 ـ
    الاخذ بالوجوه
    المقصود بالاخذ بالوجوه تظاهر الخطيب بأمور معبرة عن حاله ومؤثرة في المستمع على وجه تکون خارجة عن ذات الخطيب وأحواله وخارجة عن نفس الفاظه

    وأحوالها وتکون بصناعة وحيلة. ولذلک يسمي هذا الامر نفاقا ورياء وليس المقصود به أنه يجب ألا تکون له حقيقة کما قد تعطيه کلمة النفاق والرياء.
    وهذا الامر مع فرضه من الامور الخارجة عن ذات الخطيب ولفظه فهو له تعلق بأحدهما فهو لذلک على نوعين :
    1 ـ ما يتعلق بلفظه والمقصود به ما يخص هيئة اداء اللفظ وکيفية النطق به فان الخطيب الناجح من يستطيع ان يؤدي ألفاظه باصوات ونبرات مناسبة للانفعال النفسي عنده أو الذي يريد ان يتظاهر به ومناسبة لما يريد ان يحدثه في نفوس المخاطبين من انفعالات وان يلقيها بنغمات مناسبة لمقصوده والمعني الذي يريد افهامه للمخاطبين : فيرفع صوته عند موضوع الشدة والغضب مثلا ويخفضه عند موضع اللين ويسرع به مرة ويتأني أخري وبنغمة محزنة مرة ومفرحة أخري ... وهکذا حسب الانفعالات النفسية وحسب المقاصد.
    وقد قلنا سابقا في الاستدراجات ان هذه أمور ليس لها قواعد مضبوطة ثابتة بل هي تنشأ من موهبة يمنحها الله تعالي من يشاء من عباده تصقل بالمران والتجربة.
    وعلى کل حال ينبغي ان يکون الالقاء معبرا عما يجيش في نفس الخطيب من مشاعر وحالات نفسية أو يتکلفها ومعبرا عما يريد أن يحدثه في نفوس المخاطبين کما ينبغي ان يکون معبرا أيضا عن مقاصده واغراضه الکلامية فان جملة واحدة قد تلقي بلهجة استفهام وقد تلقي نفسها بلهجة خبر من دون احداث أي تغيير في نفس الالفاظ والفرق يحصل بالنغمة واللهجة.
    وهذه القدرة على تأدية الکلام المعبر بلهجاته ونغماته ونبراته شرط اساس لنجاح الخطيب اذ بذلک يستطيع ان يمتزج بارواح المستمعين ويبادلهم العواطف ويجذبهم اليه. والقاء الکلام الجامد لا يثير انفعالاتهم ولا تتفتح له قلوبهم ولا عقولهم بل يکون على العکس مملا مزعجا.
    2 ـ ما يتعلق بالخطيب وهو ما يخص معرفته عند المستمعين وهيئته ومنظره

    الخارجي ليکون قوله مقبولا. وقد تقدم ذکر بعضه في الاستدراجات. وهو على وجهين قولي وفعلي : ـ
    أما القولي فمثل الثناء على أو على رأيه واظهار نقصان خصمه أو ما يذهب اليه وتقرير ما يقتضي اعتقاد الخير به والثقة بقوله.
    واما الفعلي فمثل الصعود على مرتفع کالمنبر فان مشاهدة الخطيب لها اکبر الاثر في الاصغاء اليه وملاحقة تسلسل کلامه والانطباع بافکاره وانفعالاته النفسية. ومثل الظهور بمنظر جذاب ولباس مقبول لمثله فان لذلک أيضا أثره البالغ في نفوس المخاطبين. ومثل الاشارات باليد والعين والرأس وحرکات البدن وتقاطيع الوجه وملامحه فان کل هذه تعبر عن الانفعالات والمقاصد اذا أحسن الخطيب اي يضعها في مواضعها. وهکذا کل فعل له تأثير على مشاعر السامعين على نحو ما أشرنا اليه في الاستدراجات.
    والعوام أطوع الى الاستعدراجات من نفس الکلام المعقول المنطقي ولهذا السبب تجد أن المتزهد المتقشف يسيطر على نفوسهم وان کان فاسد العقيدة أو غير مرضي القول او سيء التصرفات.
    * * *
    ثم انه ينبغي ان يجعل من باب الاخذ بالوجوه الذي يستعين به الخطيب على التأثير هو (الشعر) فانه کما سيأتي آکد في التأثير على العواطف وامکن في القلوب. فلا ينبغي ان تفوت الخطيب الاستعانة بالشعر فيمزج به کلامه ويلطف به خطابه لا سيما الامثال والحکم منه ولا سيما ما کان مشهورا لشعراء معروفين.
    وسيأتي في البحث الآتي الکلام عن صناعة الشعر :


    الفَصْلُ الرّابع
    صناعة الشعر


    تمهيد
    ان الشعر صناعة لفظية تستعملها جميع الامم على اختلافها. والغرض الاصلي منه التأثير على النفوس لاثارة عواطفها : من سرور وابتهاج أو حزن وتألم او اقدام وشجاعة أو غضب وحقد أو خوف وجبن أو تهويل أمر وتعظيمه أو تحقير شيء وتوهينه او نحو ذلک من انفعالات النفس.
    والرکن المقوم للکلام الشعري المؤثر في انفعالات النفوس ومشاعرها أن يکون فيه تخييل وتصوير اذ للتخييل والتصوير الاثر الاول في ذلک کما سيأتي بيانه فلذلک قيل : ان قدماء المناطقة من اليونانيين جعلوا المادة المقومة للشعر القضايا المتخيلات فقط ولم يعتبروا فيه وزنا ولا قافية.
    أما العرب وتبعتهم أمم أخري ارتبطت بهم کالفرس والترک فقد اعتبروا في الشعر الوزن المخصوص المعروف عند العروضيين واعتبروا أيضا القافية على ما هي معروفة في علم القافية وان اختلف هذه الاممم في خصوصياتها. اما ما ليس له وزن وقانية فلا يسمونه شعرا وان اشتمل على القضايا المخيلات.
    ولکن الذي صرح به الشيخ الرئيس في منطق الشفا ان اليونانيين کالعرب کانوا يعتبرون الوزن في الشعر حتي أنه ذکر اسماء الاوزان عندهم.
    وهکذا يجب ان يکون فإن اعظم الاثر في التخييل وانفعالات النفس لان فيه من النغمة والموسيقي ما يلهب الشعور ويحفزه وما قيمة الموسيقي الا بالتوقيع على وزن مخصوص منظم. بل القافية کالوزن في ذلک وان جاءت بعده في الدرجة.

    ومن الواضح ان الشعر الموزون المقفي يفعل في النفوس ما لا يفعله الکلام المنثور سواء کان هذا الفرق بسبب العادة اذ الوزن صار مألوفا عند العرب وشبههم وتربّي لديهم ذوق ثان غير طبيعي ؛ أم على الاصح کان بسبب تأثير النفس بالوزن والقافية بالغريزة کتأثرها بالموسيقي المنظمة بلا فرق. والعادة ليس شأنها أن تخلق الغرائز والاذواق بل تقويها وتشحذها وتنميها.
    بل حتي الکلام المقفي والمزدوج المعادلة جمله بدون ان يکون له وزن شعري له وقع على النفوس ويهزها کما سبق الکلام عليه في توابع الخطابة نعم المبالغة في التسجيع الذي يبدو متکلفا به على النحو الذي ألفته القرون الاسلامية الاخيرة افقدت الکلام رونقه وتأثيره.
    وعلى هذا فالوزن والقافية يجب ان يعتبرا من اجزاء الشعر ومقوماته لامن محسناته وتوابعه ما دام المنطقي انما يهمه من الشعر هو التخييل وکل ما کان أقوي تأثيرا وتصويرا کان أدخل في غرضه. ويصح على هذا ان يعد الوزن والقافية من قبيل (الاعوان) نظير التي ذکرناها في الخطابة. اما (العمود) فهو نفس القضايا المخيلات فکما تنقسم اجزاء الخطابة الى عمود وأعوان فکذلک الشعر.
    نعم ان الکلام المنظوم المقفي اذا لم يشتمل على التصوير والتخييل لا يعد من الشعر عند المناطقة فلا ينبغي أن يسمي المنظوم في المسائل العلمية أو التأريخية المجردة مثلا شعرا وان کان شبيها به صورة. وقد يسمي شعرا عند العرب أو بالاصح عند المستعربين.
    ومما ينبغي ان يعلم في هذا الصدد أنا عندما اعتبرنا الوزن والقافية فلا نقصد بذلک خصوص ما جرت عليه عادة العرب فيهما على ما هما مذکوران في علمي العروض والقافية بل کل ما له تفاعيل لها جرس وإيقاع في النفس ولو مثل «البنود» وما له قوافي مکررة مثل (الموشحات والرباعيات) فانه يدخل في عداد الشعر.
    اما (الشعر المنثور) المصطلح عليه في هذا العصر فهو شعر أيضا ولکنه بالمعني المطلق الذي قيل عند انه مصطلح مناطقة اليونان فقد فقد رکنا من ارکانه وجزءاً من اجزائه.

    والانصاف ان اهمال الوزن والقافية يضعف القيمة الشعرية للکلام ويضعف أثره التخييلي في النفوس وان جاز اطلاق اسم الشعر عليه اذا کانت قضاياه تخييلية.
    تعريف الشعر
    وعلى ما تقدم من اشرح ينبغي ان نعرّف الشعر بما يأتي :
    «انه کلام مخيل مؤلف من أقوال موزونة متساوية مقفاة».
    وقنا : (متساوية) لان مجرد الوزن من دون تساوبين الابيات ومصارعها فيه لا يکون له ذلک التأثير اذ يفقد مزية النظام فيفقد تأثيره. فتکرار الوزن على تفعيلات متساوية هو الذي له الاثر في انفعال النفوس
    فائدته
    ان للشعر نفعا کبيرا في حياتنا الاجتماعية وذلک لاثارة النفوس عند الحاجة في هياجها لتحصيل کثير من المنافع في مقاصد الانسان فيما يتعلق بانفعالات النفوس واحساساتها في المسائل العامة : من دينية أو سياسية أو اجتماعية أو في الامور الشخصية الفردية. ويمکن تلخيص أهم فوائده في الامور الآتية :
    1 ـ اثارة حماس الجند في الحروب.
    2 ـ اثارة حماس الجماهير لعقيدة دينية او سياسية أو اثارة عواطفه لتوجيهه الى ثورة فکرية أو اقتصادية.
    3 ـ تأييد الزعماء بالمدح والثناء وتحقير الخصوم بالذم والهجاء.
    4 ـ هياج اللذة والطرب وبعث السرور والابتهاج لمحض الطرب والسرور کما في مجالس الغناء.
    5 ـ اهاجة الحزن والبکاء والتوجع والتألم کما في مجالس العزاء.
    6 ـ اهاجة الشوق الى الحبيب أو الشهوة الجنسية کالتشبيب والغزل.
    7 ـ الاتعاظ عن فعل المنکرات واخماد الشهوات أو تهذيب النفس وترويضها على فعل الخيرات کالحکم والمواعظ والآداب.

    السبب في تأثيره على النفوس :
    وبعد معرفة تلک الفوائد يبقي أن نسأل عن شيئين : (الاول) عن السبب في تأثير الشعر على النفس لاثارة تلک الانفعالات. و(الثاني) بماذا يکون الشعر شعرا أي مخيلا؟
    والجواب على السؤال الاول ان نقول :
    ان الشعر قوامه التخييل والتخييل من البديهي انه من أهم الاسباب المؤثرة على النفوس لان التخييل اساسه التصوير والمحاکاة والتمثيل لما يراد من التعبير عن معني والتصوير له من الوقع في النفوس ما ليس لحکاية الواقع بأداء مناه مجردا عن تصويره فان الفرق عظيم بين مشاهدة الشيء في واقعه وبين مشاهدة تمثيله بالصورة أو بمحاکاته بشيء آخر يمثله. اذ التصوير والتمثيل يثير في النفس التعجب والتخييل فتلتذ به وترتاح له وليس لواقع الحوادث المصورة والممثلة قبل تصويرها وتمثيلها ذلک الاثر من اللذة والارتياح لو شاهدها الانسان.
    واعتبر ذلک فيمن يحاکون غيرهم في مشية أو قول أو انشاد او حرکة او نحو ذلک فانه يثير اعجابنا ولذتنا او ضحکنا مع انه لا يحصل ذلک الاثر النفسي ولا بعضه لو شاهدنا نفس المحکيين في واقعهم. وما سر ذلک الا التخييل والتصوير في المحاکاة.
    وعلى هذا کلما کان التصوير دقيقا معبرا کان أبلغ أثرا في النفس. ومن هنا کانت السينما من اعظم المؤثرات على النفوس وهو سر نجاحها واقبال الجمهور عليها لدقة تعبيرها وبراعة تمثيلها عن دقائق الاشياء التي يراد حکايتها.
    والخلاصة : ان تأثير الشعر في النفوس من هذا الباب لانه بتصويره يثير الاعجاب والاستغراب والتخييل فتلتذ به النفس وتتأثر به حسبما يقتضيه من التأثير. ولذا قالوا : ان الشاعر کالمصور الفنان الذي يرسم بريشته الصور المعبرة.
    وحق ان نقول حينئذ : ان العر من الفنون الجميلة الغرض منه تصوير المعاني المراد التعبير عنها يکون مؤثرا في مشاعر الناس ولکنه تصوير بالالفاظ.

    بماذا بكون الشعر شعرا
    اذا عرفت ما تقدم فلنعد الى السؤال الثاني فنقول : بماذا يکون الشعر شعرا أي مخيلا؟ والجواب : ان التصوير في الشعر کما ألمعنا اليه في التمهيد يحصل بثلاثة اشياء :
    1 ـ (الوزن) فان لکل وزن شأنا في التعبير عن حال من أحوال النفس ومحاکاته له ولهذا السبب يوجب انفعالا في النفس فمثلا بعض الاوزان يوجب الطيش والخفة وبعضها يقتضي الوقار والهدوء وبعضها يناسب الحزن والشجي وبعضها يناسب الفرح والسرور.
    فالوزن على کل حال بحسب ما له من ايقاعات موسيقية يثير التخييل واللذة في النفوس. وهذا أمر غريزي في الانسان. واذا ادي الوزن بلحن ونغمة تناسبه مع صوت جميل کان أکثر ايقاعا وأشد تأثيرا في النفس لا سيما ان لکل نغمة صوتية ايضا تعبيرا عن حال : فالنغمة الغليظة مثلا تعبر عن الغضب والنغمة الرقيقة عن السرور وهيجان الشوق والنغمة الشجية عن الحزن. فاذا انضمت النغمة الى الوزن تضاعف أثر الشعر في التخييل ولذلک تجد الاختلاف الکثير في تأثير الشعر باختلاف انشاده بلحن وبغير لحن وباختلاف طرق الالحان وطريق الانشاد حتي قد يبلغ الى درجة النشوة والطرب فيثير عاطفة عنيفة عاصفة.
    2 ـ المسموع من القول يعني الالفاظ نفسها فان لکل حرف أيضا نغمة وتعبيرا عن حال کما ان تراکيبها لها ذلک الاختلاف في التعبير عن أحوال النفس والاختلاف في التأثير فيها فهناک مثلا ألفاظ عذبة رقيقة وألفاظ غليظة ثقيلة على السمع وألفاظ متوسطة.
    ثم ان اللفظ المسموع ايضا تأثيرا في التخييل اما من جهة جوهره کأن يکون فصيحا جزلا أو من جهة حيلة بترکيبه کما في أنواع البديع المذکورة في علمه وکالتشبيه والاستعارة والتورية ونحوها المذکورة في علم البيان.
    3 ـ نفس الکلام المخيل أي معاني الکلام المفيدة للتخييل وهي القضايا

    المخيلات التي هي العمدة في قوام الشعر ومادته التي يتألف منها.
    واذا اجتمعت هذه العناصر الثلاثة کان الشعر کاملا وحق أن يسمي (الشعر التام). وبها يتفاضل الشعراء وتسمو قيمته الى أعلي المراتب أو تهبط الى الحضيض. وبها تختلف رتب الشعراء وتعلو وتنزل درجاتهم : فشاعر يجري ولا يجري معه فيستطيع ان بتصرف في النفوس حتي يکاد تکون له منزلة الانبياء من ناحية التأثير على الجماهير وشاعر لا يستحق الا ان تصفعه وتحقره حتي يکاد يکون اضحوکة للمستهزئين وبينهما درجات لا تحصي.
    أكذبه أعذبه
    من المشهورات عند شعراء اللغة العربية فولهم : «الشعر اکذبه اعذبه» وقد استخف بعض الادباء المحدثين بهذا القول ذهابا الى ان الکذب من اقبح الاشياء فکيف يکون مستملحا مضافا الى ان القيمة للشعر انما هي بالتصوير المؤثر فاذا کان کاذبا فليس في الکذب تصوير لواقع الشيء.
    وهذا النقد حق لو کان المراد من الشعر الکاذب مجرد الاخبار عن الواقع کذبا. غير ان مثل هذا الاخبار کما تقدم ليس من الشعر في شيء وان کان صادقا. وانما الشعر بالتصوير والتخييل. ولکن يجب ان نفهم أن تصوير الواقع تارة يکون بما له من الحقيقة الواقعة بلا تحوير ولا اضافة شيء لعي صورته ولا مبالغة فيه او حيلة في تمثيله. ومثل هذا يکون ضعيف التأثير على النفس ولا يوجب الالتذاذ المطلوب.
    وتارة أخري يکون بصورة تخييلية على ما نوضحه فيما بعد بأن تکون کالرتوش التي تصنع للصورة الفوترغرافية اما بتحسين أو بتقبيح مع ان الواقع من ملامح ذي الصورة محفوظ فيها أو کالصورة الکاريکاتورية التي تحکي صورة الشخص بملامحه المميزة له مع مايفيض عليها المصور من خياله من تحريفات للتعبير عن بعض اخلاقه أو حالاته أو افکاره او نحو ذلک.
    فهذا التعبير أو التصوير من جهة صادق ومن جهة أخري کاذب ولکنه في عين کونه کاذبا هو صادق. وهذا من العجيب. ولکن معناه ان المراد الجدي أي

    المقصود بيانه واقعا وجدّا من هذا التخييل صادق في حين ان نفس التخييل الذي ينبغي ان نسميه المراد الاستعمالي کاذب.
    وليتضح لک هذا المعني تأمل نظيره في تصوير الصورة الکاريکاتورية فان المصور قد يضفي على الصورة ما يدل على الغضب أو الکبرياء من ملامح تخيلها المصور وليست هي حقيقية لصاحب الصورة بالشکل الذي تخيله المصور وهي مراد استعمالي کاذب. أما المراد الجدي وهو بيان أن الشخص غضوب أو متکبر فان التعبير عنه يکون صادقا لو کان الشخص واقعا کذلک أي غضوبا أو متکبرا. فاذن انما التخييل الکاذب وقع في المراد الاستعمالي لا الجدي.
    وکذلک نقول في الشعر ولا سيما ان أکثر ما يأتي فيه التخييل بالمبالغات کالمبالغة بالمدح او الذم أو التحسين او التقبيح والمبالغة ليست کذبا في المراد الجدي اذا کان واقعه کذلک ولکنها کاذبة في المراد الاستعمالي. وليس هذا من الکذب القبيح المذموم ما دام هو ليس مرادا جديّاً يراد الاخبار عنه حقيقة.
    مثلا قد يشبه الشعراء الخصر الدقيق بالشعرة الدقيقة فهذا تصوير لدقة الخصر. فان أريد به الاخبار حقيقة وجدّا عن ان الخصر دقيق کالشعرة أي أن المراد الجدي هو ذلک فهو کذب باطل وسخيف وليس فيه أي تأثير على النفس ولا تخييل فلا يعد شعرا. ولکن في الحقيقة ان المراد الجدّي منه اعطاء صورة للخصر الدقيق لبيان أن حسنه في دقته يتجاوز الحد المألوف في الناس وانما يکون هذا کاذبا إذا کان الخصر غير دقيق لان الواقع يخالف المراد الجدي. اما المراد الاستعمالي وهو التشبيه بالشعرة فهو کاذب ولا ضير فيه ولا قبح ما دام المراد به التوصل الى التعبير عن ذلک المراد الجدي بهذه الصورة الخيالية.
    وبمثل هذا يکون التعبير تخييلا مستغربا وصورة خيالية قد تشبه المحال فتجلب الانتباه وتثير الانفعال لغرابتها.
    وکلما کانت الصورة الخيالية غريبة بعيدة تکون أکثر أثرا في التذاذ النفس واعجابها. ولذا نقول ان الشعر کلما کان مغرقا في الکذب في المراد الاستعمالي بذلک

    المعني من الکذب کان أکثر عذوبة وهذا معني (اکذبه اعذبه) لا کما ظنه بعض من لا قدم لا ثابتة في المعرفة. على ان التخييل وان کان کاذبا حقيقة أي في مراده الجدي أيضا فانه يأخذ أثره من النفس کما سنوضحه في البحث الآتي :
    القضايا المخيلات وتأثيرها
    ونزيد على ما تقدم فنقول :
    ان المخيلات ليس تأثيرها في النفس من أجل انها تتضمن حقيقة يعتقد بها بل حتي لو علم بکذبها فان لها ذلک التأثير المنتظر منها لانه ما دام ان القصد منا هو التأثير على النفوس في احساساتها وانفعالاتها فلا يهم ألا تکون صادقة اذ ليس الغرض منها الاعتقاد والتصديق بها.
    والجمهور والنفوس غير المهذبة تتأثر بالمخيلات اکثر من تأثرها بالحقائق العلمية لان الجمهور أو الفرد غير المهذب عاطفي أکثر من أن يکون متبصرا وهو اطوع للتخييل من الاقناع.
    الا تري ان الکلام المخيل الشعري قد يجب أمرا مبغوضا للنفس وقد يبغض شيئا محبوبا لها. واعتبر ذلک في اشمئزاز بعض الناس من أکلة لذيذة قد أقبل على أکلها فقيل له : انه وقع فيها بعض ما تعافه النفس کالخنفساء مثلا أو شبهت له ببعض المهوّعات. فان الخيال حينئذ قد يتمکن منه فيعافها حتي له علم بکذب ما قيل.
    ولا تنس القصة المشهورة لملک الحيرة النعمان بن المنذر مع نديمه الربيع وقد کان يأکل معه فجاءه لبيد الشاعر وهو غلام مع قومه للانتقام من الربيع في قصة مشهورة في مجامع الامثال فقال لبيد مخاطبا للنعمان :
    مهلا أبيت اللعن لا تأکل معه
    ان استه من برص ملمعه

    وانه يدخل فيها اصبعه
    يدخلها حتي يواري اشجعه

    فرفع النعمان يده من الطعام وتنکر لنديمه هذا وأبي ان يستکشف صدق هذا

    القول فيه بالرغم على الحاحه وقال له ما ذهب مثلا من أبيات :
    قد قيل ذلک ان حقا وان کذبا
    فما اعتذارک من قول اذا قيلا

    واعتبر ذلک أيضا في تصوير الانسان بهذه الصورة اللفظية البشعة (أوله نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة. وهو ما بين ذلک يحمل العذرة). فان هذه صورة حقيقية للانسان ولکنها ليست کل ما له من صور وللنفس على کل حال محاسنها التي ينبغي ان يعجب بها لا سيما من صاحبها واعجاب المرء بنفسه وحبه لها أساس حياته کلها. ولکن مثل ذلک التصوير البشع يأخذ من النفس أثره من التنفر والاشمئزاز حتي لو کان أبعد شيء في التأثير في التصديق والاعتقاد بحقارة النفس. وسبب هذا التأثر النفسي هو التخيل الذي قد يقلع المتکبر عن غطرسته ويخفف من اعجابه بنفسه. وهذا هو المقصود من مثل هذه الکلمة.
    واعتبر أيضا بالشعر العربي فکم رفع وضيعا أو وضع رفيعا وکم اثار الحروب واوري الاحقاد. وکم قرب بين المتباعدين وآخي بين المتعادين. ورب بيت صارسبة لعشيرة وآخر صار مفخرة لقوم. على ان کل ذلک لم يغير واقعا ولا اعتقادا. ومرد ذلک کله الى الانفعالات النفسية وحدها وقد قلنا إنها اعظم تأثيراً على الجمهور الذي هو عاطفي بطبعه وعلى الافراد غير المهذبة التي تتغلب عليها العاطفة أکثر من التبصر.
    والخلاصة : ان التصوير والتخييل مؤثر في النفس وان کان کاذبا بل وقد سبق کلما کانت الصورة أبعد واغرب کانت ابلغ أثرا في اعجاب النفس والتذاذها. وأحسن مثال لذلک قصص الف ليلة وليلة وکليلة ودمنة والقصص في الادب الحديث.
    والسبب الحقيقي لانفعال النفس بالقضايا المخيلات الاستغراب الذي يحصل لها بتخييلها على ما أشرنا اليه فيما تقدم.
    ألا تري ان المضحکات والنوادر عند أول سماعها تأخذ اثرها في النفس من ناحية اللذة والانبساط اکثر مما لو تکررت وألفت الآذان سماعها. بل قد تفقد مزيتها

    وتصبح تافهة باهتة لا تهتز النفس لها. بل قد يؤثر تکرارها الملل والاشمئزاز.
    واذا قيل في بعض الشعر انه «هو المسک ما کررته يتضوع» فهو من مبالغات الشعراء. واذا صح ذلک فيمکن ذلک لاحد وجهين : (الاول) ان يکون فيه من المزايا والنکات ما لا يتضح لاول مرة أولا يتمثل للنفس جيدا فاذا تکررت قراءته استمري أکثر وانکشفت مزاياه بصورة أجلي فتتجدد قيمته بنظر المستمع. (الثاني) ان عذوبة اللفظ وجزالته لا تفقد مزيتها بالتکرار وليست کالتخييل.
    هل هناك قاعده للقضايا المخيلات؟
    قد تقدم ان قوام الشعر بثلاثة أمور : الوزن والالفاظ والمعاني المخيلة فلا بد لمن يريد أن يقن صناعة الشعر من الرجوع الى القواعد التي تضبط هذه الامور فنقول :
    أما (الوزن والألفاظ) فلها قواعد مضبوطة في فنون معروفة يمکن الرجوع اليها وليس في علم المنطق موضع ذکرها لان المنطق انما يهمه النظر في الشعر من ناحية تخييلية فقط.
    واما (الوزن) من ناحية ماهيته فانما يبحث عنه في علم الموسيقي. ومن ناحية الستعماله وکيفيته فيبحث عنه في علم العروض.
    واما (الالفاظ) فيهي من شأن علوم اللغة وعلوم البلاغة والبديع.
    وعلى هذا فلا بد للشاعر من معرفة کافية بهذه الفنون اما بالسليقة أو بالتعلم والممارسة مع ذوق يستطيع به ان يدرک جزالة اللفظ وفصاحته ويفرق بين الالفاظ من ناحية عذوبتها وسلاستها. والناس تتفاوت تفاوتا عظيما في أذواقها وان کان لکل امة ولکل أهل لغة ذوق عام مشترک. وللممارسة وقراءة الشعر الکثير الاثر الکبير في تنمية الذوق وصقله.
    أما (القضايا المخيلات) فليس لها قاعدة مضبوطة يمکن تحريرها والرجوع اليها لانها ليست من قبيل القضايا المشهورات والمظنونات يمکن حصرها وبيان أنواعها اذ القضايا المخيلات کما سبق کلما کانت بعيدة نادرة وغريبة مستبعدة

    کانت أکثر تأثيرا في التخييل والتذ اذ النفس. وقد سبق أيضا بيان السبب الحقيقي في انفعال النفس بهذه القضايا.
    وعليه فالقضايا المخيلات لايمکن حصرها في قواعد مضبوطة بل «الشعراء في کل وادٍ يهيمون». وليس لهم طريق واحد مستقيم معلوم.
    من اين تتولد ملكه الشعر؟
    لا يزال غير واضح لنا سر ندرة الشعراء الحقيقيين في کل امة. بل لا تجد من کل امة من تحصل له قوة الشعر في رتبة عالية فينبغ فيه ويتمکن من الابداع والاختراع الا النادر القليل وفي فترات متباعدة قد تبلغ القرون.
    ومن العجيب أن هذه الملکة على ما بها من اختلاف في الشعراء قوة وضعفا لا تتولد في أکثر الناس وان شارکوا الشعراء في تذوق الشعر وممارسته وتعلمه.
    وکل ما نعلمه عن هذه الملکة أنها موهبة ربانية کسائر مواهبه تعالي التي يختص بها بعض عباده کموهبة حسن البيان أو الخطابة أو التصوير أو التمثيل ... وما الى ذلک مما يتعلق بالفنون الجميلة وغيرها.
    ومن أجل هذا الاختصاص الرباني اعتبر الشعراء نوابغ البشر. وقد وجدنا العرب کيف کانت تعتز بشعرائها فاذا نبغ في قبيلة شاعر أقاموا له الاحتفالات وتهنئها به القبائل الاخري. ولو کان يتمکن اکثر الناس من ان يکونوا شعراء لما صحت منهم هذه العناية بشاعرهم ولم عدّوه نبوغا.
    غير أن هذه الموهبة کسائر المواهب الاخري تبدأ في تکوينها في النفس کالبذرة لا يحس بها حتي صاحبها فاذا اکتشفها صاحبها من نفسه صدفة وسقاها بالتعليم والتمرين تنمو وتستمر في النمو حتي قد تصبح شجرة باسقة تؤتي اکلها کل حين. ولکن اکتشاف الموهبة ليس بالامر الهين وقد يکتشفها الغير العارف قبل صاحبها نفسه. وقد تذوي وتموت المواهب في کثير من النفوس اذا أهملت في السن المنکر لصاحبها.

    صله الشعر بالعقل الباطن :
    والحق أن الشاعر البارع کالخطيب البارع يستمد في ابداعه من عقله الباطن اللاشعوري فيتدفق الشعر على لسانه کالالهام من حيث يدري ولا يدري على اختلاف عظيم للشعراء والخطباء في هذه الناحية.
    وليس الشعر والخطابة کسائر الصناعات الاخري التي يبدع فيها الصانع عن روية وتأمل دائما. والى هذا أشار صحار العبدي لما سأله معاوية : ما هذه البلاغة فيکم؟ فقال : «شيء يختلج في صدورنا فتقذفه ألسنتنا کما يقذف البحر الدرر» وهذه لفتة بارعة من هذا الاعرابي ادرکها بفطرته وصورها على طبع سجيته.
    ومن أجل ما قلناه من استمداد الشاعر من منطقة اللاشعور تجده قد لا يواتيه الشعر وهو في أشد ما يکون من يقظته الفکرية ورغبته الملحة في انشائه. قال الفرزدق : «قد يأتي على الحين وقلع ضرس عندي اهون من قول بيت شعر».
    وبالعکس قد يفيض الشعر ويتدفق على لسان الشاعر من غير سابق تهيؤ فکري والشعراء وحدهم يعرفون مدي صحة هذه الحقيقة من أنفسهم.
    واحسب انه من أجل هذا زعم العرب أو شعراؤهم خاصة دن لکل شاعر شيطانا أو جنيا يلقي عليه الشعر. والغريب أن بعضهم تخيله شخصا يمثل له وأسماه باسم مخصوص. وکل ذلک لانهم رأوا من انفسهم ان الشعر يواتيهم على الاکثر من وراء منطقة الشعور وعجزوا عن تفسيره بغير الشيطان والجن.
    وعلى کل حال فان قوة الشعر اذا کانت موجودة في نفس الفرد لا تخرج کما تقدم من حد القوة الى حد الفعلية اعتباطا من دون سابق تمرين وممارسة للشعر بحفظ وتفهم ومحاولة نظمه مرة بعد أخري. وقد أوصي بعض الشعراء ناشئا ليتعلم الشعر ان يحفظ قسما کبيرا من المختار منه ثم يتناسره مدة طويلة ثم يخرج الى الحدائق الغناء ليستلهمه وکذلک فعل ذلک الناشيء فصار شاعرا کبيرا.
    __________________
    1 ـ راجع العقد الفريد الجزء 3 ص 421.

    ان الامر بحفظه وتناسيه فلسفة عميقة في العقل الباطن توصل اليها ذلک الشاعر بفطرته وتجربته : ان هذا هو شحن القوة للعقل الباطن لتهيئته لالهام الشعور في ساعة الانشراح والانطلاق التي هي إحدي ساعات تيقظ العقل الباطن وانفتاح المجري النفسي بين منطقتي اللاشعور والشعور أو بالاصح احدي ساعات اتحاد المنطقتين. بل هي من أفضل تلک الساعات. وما أعز انفتاح هذا المجري على الانسان الا على من خلق ملهما فيؤاتيه بلا اختيار.


    الفَصْلُ الخامِس
    صناعة المغالطة


    وفيها ثلاثة مباحث : المقدمات واجزاء الصناعة الذاتية واجزاء الصناعة العرضية.
    المبحث الاول المقدمات
    ـ 1 ـ
    معني المغالطة وبماذا تتحقق
    کل قياس نتيجته تکون نقضا لوضع من الاوضاع يسمي باصطلاح المنطقيين (تبکيتا) باعتبار انه تبکيت لصاحب ذلک الوضع.
    فاذا کانت مواده من اليقينيات قيل له (تبکيت برهاني).
    واذا کانت من المشهورات والمسلمات قيل له (تبکيت جدلي).
    واذا لم تکن مواده من اليقينيات ولا من المشهورات والمسلمات أو کانت منها ولکن لم تکن صورة القياس صحيحة على حسب قوانينه فلا بد أن يکون القياس حينئذ شبيها بالحق واليقين أو شبيها بالمشهور مادة أو هيئة فيلتبس أمره لعي المخاطب ويروج عليه ويکون عنده في معرض التسليم لقصور فيه أو غفلة والا فلا يستحق ان يسمي قياسا.
    وعلى هذا فهو ان کان شبيها بالبرهان سمي (سفسطائيا) وصناعته (سفسطة).
    وان کان شبيها بالجدل سمي (مشاغبيا) وصناعته (مشاغبة).
    __________________
    1 ـ التبكيت لغة : التعنيف والتقريع اما بالسوط او السيف. ويستعمل في التعنيف بالكلام مجازاً.

    وسبب کل من السفسطة والمشاغبة لا يخلو عن أحد شيئين : إما الغلط حقيقة من القايس وإما تعمد تغليط الغير وايقاعه في الغلط مع انتباهه الى الغلط. وعلى کل منهما يقال له (مغالط) وقياسه (مغالطة) باعتبار أنه في کلا الحالين يکون ناقضا لوضع ما.
    وعلى هذا فـ (المغالطة) التي نعنيها هنا تشمل القسمين : الغلط وتعمد التغليط. ومن أجل ذلک الاعتبار (أي اعتبار نقضه لوضع ما) قيل له (تبکيت مغالطي) وان کان في الحقيقة تضليلا لا تبکيتا کما قد يقال له بحسب غرض آخر (امتحان او عناد) کما سيأتي.
    * * *
    واعلم ان سبب وقوع تلک المواد في القياس الذي يصح جعله قياسا هو رواجها على العقول. وسبب الرواج مشابهتها للحق أو المشهور. ولا تروج على العقول فيشتبه عليها الحال لو لا قلة التميير وضعف الانتباه فيخلط الذهن بين المتشابهين ويجعل الحکم الخاص باحدهما للآخر من غير أن يشعر بذلک سواء کان قلة التمييز والخلط من قبل نفس القايس أو من قبل المخاطب اذ يروج عليه ذلک.
    وهذا نظير ما لو وضع الحاسب أحد العددين مکان الآخر لمشابهة بينهما فيشتبه عليه فيقع له الغلط في الحساب بجمع أو طرح أو نحوهما.
    مثلا لو أن احدا تمثل في ذهنه معني من معاني المشترک في موضع معني آخر له وهو غافل عن استعماله في المعني الآخر فلا محالة يعطي للمعني الذي تمثله الحکم المختص بذلک المعني الآخر فيغلط وقد يتعمد ذلک ليوقع بالغلط غيره من قليلي التمييز.
    والخلاصة : انه لولا قلة التمييز وضعف الانتباه والقصور الذهني لما تحققت مغالطة ولما تمت لها صناعة.
    ومن سوء الحظ ان البشر مرتکس الى قمة رأسه بالمغالطات والخلافات بسبب القصور الذهني العام الذي لا يکاد يحلو منه انسان ولو قليلا الا من خصه

    الله تعالي برحمته من عباده الصالحين الذين هم في الناس کالنقطة في البحر الخضم. (ان الانسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات).
    ـ 2 ـ
    اغراض المغالطة
    و(الغالطة) بمعني تعمد تغليط الغير قد تقع عن قصد صحيح لمصلحة محمودة مثل اختباره وامتحان معرفته فتسمي (امتحانا) أو مدافعته وتعجيزه اذا کان مبطلا مصرا على باطله فتسمي (عنادا).
    وقد تقع عن غرض فاسد مثل الرياء بالعلم ولمعرفة والتظاهر في حبهما ومثل طلب التفوق على غيره.
    والذي يدفع الانسان الى هذا الرياء وطلب التفوق شعوره بالنقص من الناحية العلمية فيريد في دخيلة نفسه أن يعوض عن هذا النقص. واذ يعرف من نفسه العجز عن التعويض بالطريق المستقيم وهو التعلم والمعرفة الحقيقية يلتجيء الى التظاهر بما يسد نقصه بزعمه.
    وهو في هذا يشبه من يريد أن يستر نقصه في منزلته الاجتماعية بطريق التکبر والتعاظم أو يستر نقصه في عيوبه الاخلاقية بالطعن في الناس وغيبتهم.
    ولذلک يلتجيء هذا الانسان الذي فيه مرکب النقص الى أن يلتمس طرق الحيل والمغالطات عند مواجهة أهل العلم ليظهر أمام الناس بمظهر العالم القدير فيجهد نفسه في تحصيل أصول المغالطة وقواعدها لتکون له ملکة ذلک والقدرة على المصاولة الخادعة. ولم يدر هذا المسکين أن الالتجاء الى الرياء والتظاهر کالالتجاء الى التکبر ونقد الناس تعبير صارخ عن نقصه الکامن في الوقت الذي يريد فيه خداعا لنفسه ان يستر على نقصه ويظهر بالکمال.
    أعاذنا الله تعالي من الاباطيل والاحابيل وهدانا الصراط المستقيم

    ـ 3 ـ
    فائدة هذه الصناعة
    ومع کل ما قلناه فان لصناعة المغالطة فائدة لا يستهان بها لدي أهل العلم وذلک من ناحيتين :
    1 ـ انه بها قد يتمکن الباحث من النجاة من الوقوع في الغلط ويحفظ نفسه من الباطل لانه اذا عرف مواقع المغالطة ومداخلها يعرف الطريق الى الهرب من الغلط والاشتباه.
    2 ـ انه بها قد يتمکن من مدافعة المغالطين وکشف مداخل غلطهم. وعلى هذا ففائدة الباحث من تعلم صناعة المغالطة کفائدة الطبيب في تعلمه للسموم وخواصها فانه يتمکن بذلک من الاحتراز منها ويستطيع أن يأمر غيره بالاحتراز ويداوي من يتناولها.
    ثم لهذه الصناعة فائدة أخري وهي أن يقدر بها على مغالطة المغالط ومقابلة المغالطين المشعوذين بمثل طريقتهم کما قيل في المثل المشهور : «ان الحديد بالحديد يفلح» (1).
    وقد سبق أن قلنا ان البشر مرتکس الى قمة رأسه بالمغالطات والخلافات فما أحوج طالب الحق السابح في بحر المعارف الى أن يزيح عنه الزبد الطافح على الماء من رواسب غلطات الماضين بمعرفة ما يصطنعه المغالطون من أوهام.
    ولکن ذوي الطباع السليمة والآراء المستقيمة في غني غن معرفة مواضع الغلط بتعلم القوانين والاصول في هذه الصناعة فان لهم بمواهبهم الشخصية الکفاية وان کان لا تخلو هذه الصناعة من زيادة بصيرة لهم
    __________________
    1 ـ الفلح بفتحتين : الشق ومنه الفلاح للحراث الذي يشق الارض.

    ـ 4 ـ
    موضوع هذه الصناعة وموادها
    ليس موضوع هذه الصناعة محدودا بشيء خاص بل تناول کل ما تتعلق به صناعة البرهان والجدل : فموضوعاتها بازاء موضوعاتهما ومسائلها بازاء مسائلهما بل ان مباديها بازاء مباديهما أي ان مباديها مشابهة لمباديهما.
    غير أن هاتين الصناعتين حقيقيتان وهذه صورية ظاهرية لان المشابهة بحسب الرواج والظاهر کما قلنا سابقا من جهة ضعف قوة التمييز والقصور الذهني.
    ومواد هذه الصناعة هي المشبهات والوهميات على ما بيناه في مقدمة الصناعات. والوهميات من وجه داخلة في المشبهات باعتبار التوهم فيها أن المعقولات لها حکم المحسوسات
    ـ 5 ـ
    اجزاء هذه الصناعة
    ولهذه الصناعة جزءان کالجزءين في صناعة الخطابة : (احدهما) کالعمود في الخطابة وهي القضايا التي بذاتها تقتضي المغالطة وهي نفس التبکيت ولنسمها : (اجزاء الصناعة الذاتية).
    (ثانيهما) کالاعوان في الخطابة وهي ما تقتضي المغالطة بالعرض وهي الامور الخارجة عن التبکيت کالتشنيع على المخاطب وتشويش افکاره باخجاله والاستهزاء به ونحو ذلک مما سيأتي. ولنسمها : (اجزاء الصناعة العرضية).
    وقد عقدنا المبحث الثاني الآتي في الاجزاء الذاتية والمبحث الثالث في الاجزاء العرضية :
    * * *

    المبحث الثاني
    اجزاء الصناعة الذاتية
    تمهيد
    إعلم ان الغلط الواقع في نفس التبکيت وهو القياسي المغالطي اما ان يقع من جهة مادته وهي نفس المقدمات أو من جهة صورته وهي التأليف بينها أو من الجهتين معا. ثم ان هناک غلطا يقع في القضايا وان لم تؤلف قياسا.
    ثم الغلط الواقع في مادة القياس على ثلاثة أنواع :
    1 ـ من جهة کذبها نفسها وقد ألبست بالصادقة أو شناعتها في نفسها وقد التبست بالمشهورة.
    2 ـ من جهة انها ليست غير النتيجة واقعا مع توهم أنها غيرها فتکون مصادرة على المطلوب.
    3 ـ من جهة انها ليست اعرف من النتيجة مع ظن انها أعرف.
    ثم ان النوع الاول (وهو الکذب أو الشناعة والالتباس بالصادقة أو المشهورة) أهم الانواع واکثر ما تقع المغالطات من جهتة. وهو تارة يکون من جهة اللفظ وأخري من جهة المعني.
    فهذه جملة أنواع الغلط.
    ثم يمکن ارجاع الانواع الاخري حتي الغلط من جهة صورة القياس الى الغلط من جهة المعني. فتقسم أنواع المغالطات الى قسمين رئيسين :
    1 ـ المغالطات اللفظية
    2 ـ المغالطات المعنوية
    (فنعقدها في بحثين)

    ـ 1 ـ
    المغالطات الفظيه
    ان الغلط من جهة لفظية اما أن يقع في اللفظ المفرد أو المرکب :
    (الاول) ما في اللفظ المفرد. وهو على ثلاثة أنواع :
    1 ـ ما يکون في جوهر اللفظ من جهة اشتراکه بين اکثر من معني. ويسمي (اشتراک الاسم).
    2 ـ ما يکون في حال اللفظ وهيئته في نفسه. وذلک للاشتباه بسبب اتحاد شکله.
    3 ـ ما يکون في حال اللفظ وهيئته ولکن بسبب أمور خارجة عنه عارضة عليه. وذلک للاشتباه بسبب اختلاف الاعراب والاعجام.
    (الثاني) ما في اللفظ المرکب. وهو على ثلاثة أنواع أيضا :
    1 ـ ما يکون نفس الترکيب يقتضي المغالطة. ويسمي (المماراة).
    2 ـ ما يکون توهم وجود الترکيب يقتضيها. وذلک بأن يکون الترکيب معدوما فيتوهم أنه موجود. ويسمي (ترکيب المفصل).
    3 ـ ما يکون توهم عدمه يقتضيها. وذلک بان يکون الترکيب موجودا فيتوهم انه معدوم. ويسمي (تفصيل المرکب).
    فالمغالطات اللفظية اذن تنحصر في ستة أنواع. فلنشر اليها بالترتيب المتقدم :
    1 ـ المغالطة باشتراک الاسم
    ليس المراد بالاشتراک هنا الاشتراک اللفظي المتقدم معناه في الجزء الاول بل المراد منه ان يکون اللفظ صالحا للدلالة على أکثر من معني واحد بأي نحو

    من انحاء الدلالة سواء کانت بسبب الاشتراک اللفظي أو النقل او المجاز أو الاستعارة أو التشبيه أو التشابه أو الاطلاق والتقييد أو نحو ذلک.
    وأکثر اشتباه الناس وغلطهم ومغالطاتهم وخلافاتهم من أقدم العصور يرجع الى هذه الناحية اللفطية حتي انه نقل عن افلاطون الحکيم انه وضع کتابا في خصوص صناعة المغالطة دون باقي اجزاء المنطق وحصرها في هذا القسم من المغالطات اللفظية واغفل باقي الاقسام.
    ومن أجل هذاکان ألزم شيء للباحثين أن يوضحوا ويحددوا التعبير باللفظ عن مقاصدهم قبل کل بحث حتي لا يلقي الکلام على عواهنه. فان کل لفظ اطاره الذهني الخاص به الذي قد يختلف باختلاف العصور أو البيئات أو العلوم والفنون بل الاشخاص.
    ويطول علينا ذکر الامثلة لهذا القسم. وحسبک کلمة الوجود والماهية في علم الفلسفة وکلمة الحسن والقبح والرؤية في علم الکلام وکلمة الحرية والوطن في الاجتماعيات ... وهکذا. ونستطيع ان نلتقط من کل علم وفن أمثلة کثيرة لذلک.
    2 ـ المغالطه في هيئه الفظ الذاتيه
    وهي فيما اذا کان اللفظ يتعدد معناه من جهة تصريفه أو من جهة تذکيره وتأنيثه أو کونه اسم فاعل أو اسم مفعول. ولعدم تمييز احدهما عن الآخر يقع الاشتباه والغلط فيوضع حکم أحدهما للآخر. مثل لفظ (العدل) من جهة کونه مصدرا مرة وصفة أخري. ولفظ (تقوم) من جهة کونه خطابا للمذکر مرة وللمؤنث الغائبة أخري. ولفظ (المختار) و(المعتاد) اسم فاعل مرة واسم مفعول أخري ... وهکذا.
    3 ـ المغالطة في الإعراب والإعجام :
    وهي فيما اذا کان اللفظ يتعدد معناه بسبب أمور عارضة على هيئة خارجة عن ذاته بأن يصحف اللفظ نطقا أو خطا باعجام أو حرکات في صيغته أو اعرابه. مثل

    ما قال الرئيس ابن سينا بما معناه : ان الحکماء قالوا أنه تعالي بحت وجوده فصحفه بعضهم فظن أنهم قصدوا يجب وجوده.
    (تنبيه) ان النوعين الاخيرين يرجعان في الحقيقة الى الاشتباه من جهة الاشتراک في اللفظ غير انهما من جهة هيئته لا جوهره. ولما کان النوع الاول يرجع الى جوهر اللفظ خصوه باسم اشتراک الاسم. بل ان الانواع الثلاثة الآتية ترجع من وجه الى اشتراک اللفظ.
    4 ـ مغالطة المماراة
    وهي ما تکون المغالطة تحدث في نفس ترکيب الالفاظ. وذلک فيما اذا لم يکن اشتراک في نفس الالفاظ ولا اشتباه فيها ولکن بترکيبها وتأليفها يحصل الاشتراک والاشتباه. مثل قول عقيل لما طلب منه معاوية بن أبي سفيان ان يعلن سب أخيه على بن أبي طالب عليه السلام فصعد المنبر وقال : أمرني معاوية ان اسب عليا. ألا فالعنوه!. وهذا الايهام جاء من جهة اشتراک عود الضمير فأظهر انه اشتجاب لدعوة معاوية وانما قصد لعنه. ومثل هذا جواب من سئل : من أفضل اصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله بعده؟ فقال : «من بنته في بيته».
    ومن قسم المماراة التورية والاستخدام المذکورين في أنواع البديع.
    5 ـ مغالطه تركيب المفصل
    وهي ما تکون المغالطة بسبب توهم وجود تأليف بين الالفاظ المفردة وهو ليس بموجود. وذلک بأن يکون الحکم في القضية مع عدم ملاحظة التأليف صادقا ومع ملاحظته کاذبا فيصدق الکلام مفصلا لا مرکبا فلذلک سمي هذا النوع (مغالطة ترکيب المفصل). وسماه الشيخ الطوسي (المغالطة باشتراک القسمة).
    وهو على نحوين : اما ان يکون التفصيل والترکيب في الموضوع أو المحمول.
    (الاول) ان يکون الموضوع له عدة اجزاء وکل جزء منها له حکم خاص والاحکام بحسب کل جزء صادقة واذا جعلنا الموضوع المرکب من الاجزاء بما هو

    مرکب کانت الاحکام بحسبه کاذبة. کما يقال مثلا :
    الخمسة زوج وفرد.
    وکل ما کان زوجا وفردا فهو زوج
    (مثل ان يقال کل أصفر وحلو فهو اصفر)
    ... الخمسة زوج.
    وهذه النتيجة کاذبة مع صدق المقدمتين. والسر في ذلک انه في (الصغري) الموضوع وهو الخمسة اذا لوحظ بحسب التفصيل والتحليل الى اثنين وثلاثة صح الحکم عليه بحسب کل جزء بأنه زوج وفرد أي الاثنان زوج والثلاثة فرد. اما اذا لوحظ بحسب الترکيب فليس عدد الخمسة بما هي خمسة الا فردا فيکون الحکم عليه بأنه زوج وفرد کاذبا.
    وکذلک في (الکبري) الموضوع وهو ما کان زوجا وفردا ان لوحظ بحسب التفصيل والتحليل کملاحظة ما هو أصفر وحلو في الحکم عليه بأنه أصفر صح الحکم عليه بأنه زوج. اما اذا لوحظ بحسب الترکيب فالحکم عليه بأنه زوج کاذب لان المرکب من الزوج والفرد فرد.
    أما الموضوع في النتيجة (الخمسة زوج) فلا يصح أن يؤخذ الا بحسب الترکيب لان الحکم على أي عدد بانه زوج فقط أو فرد فقط لا يصح الا اذا لوحظ بما هو مرکب ولا يصح ان يلاحظ بحسب التحليل والتفصيل الا اذا حکم عليه بهما معا أو بانه زوج وزوج أو بانه فرد وفرد. ومن هنا کان الحکم على الخمسة بأنها زوج کاذبا.
    فتحصل ان الموضوع في الصغري والکبري لوحظ بحسب التفصيل والتحليل ولذا کانتا صادقتين. وفي النتيجة لوحظ بحسب الترکيب فکانت کاذبة.
    فاذا اشتبه الامر على القايس أو المخاطب ورکب ما هو مفصل وقعت المغالطة وکان الغلط.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3303
    نقاط : 4992
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ---المنطق ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ---المنطق ج1   ---المنطق ج1 Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 6:21 am


    (الثاني) ان يکون المحمول له عدة اجزاء وکل جزء اذا حکم به منفردا على الموضوع کان صادقا واذا حکم بالجميع بحسب الترکيب بينها ? أي المرکب بما هو مرکب ? کان کاذبا.
    مثاله :
    اذا کان زيد شاعرا غير ماهر في شعره وکان ماهرا في فن آخر وهو الخياطة مثلا ? فانه يصح أن يحکم عليه بانفراد بأنه شاعر مطلقا ويصح أيضا ان يحکم عليه بانفراد بأنه ماهر مطلقا. فاذا جمعت بين الحکمين في عبارة واحدة وقلت : زيد شاعر وماهر فان هذه العبارة توهم أن هذا الحکم وقع بحسب الترکيب بين الحکمين أي انه شاعر ماهر في شعره. وهو حکم کاذب حسب الفرض. ولکن اذا لوحظ بحسب التفصيل والتحليل الى حکمين احدهما غير مقيد بالآخر کان صادقا.
    6 ـ مغالطه تفصيل المركب
    وهو ما تکون المغالطة بسبب توهم عدم التأليف والترکيب مع فرض وجوده. وذلک بأن يکون الحکم في القضية بحسب التأليف والترکيب صادقا وبحسب التفصيل والتحليل کاذبا فيصدق مرکبا لا مفصلا. فلذا سمي هذا النوع (مغالطة تفصيل المرکب). وسماه الشيخ الطوسي (المغالطة باشتراک التأليف).
    مثاله : «الخمسة زوج وفرد».
    فانه انما يصح اذا حمل الجزء ان معا بحسب الترکيب بينهما على الخمسة بأن تکون الواو عاطفة بمعني جمع الاجزاء کالحکم على الدار بأنها آجر وجص وخشب أي انها مرکبة من مجموع هذه الاجزاء. واما اذا حمل کل من الجزءين بانفراده بحسب التفصيل والتحليل بأن تکون الواو عاطفة بمعني الجمع بين الصفات کان الحکم کاذبا کالحکم على شخص بانه شاعر وکاتب لان عدد الخمسة ليس الافردا بل يستحيل ان يکون عدد واحد فردا وزوجا معا.
    فمن لاحظ الحمل في مثل هذه القضية بحسب التفصيل والتحليل أي توهم عدم الترکيب فقد کان غالطا أو مغالطا



    ـ 2 ـ
    المغالطات المعنويه
    نقصد بالمغالطة المعنوية کل مغالطة غير لفظية کما قدمنا. وهي على سبعة أنواع لانها تنقسم بالقسمة الاولية الى قسمين :
    أ ـ ما تقع في التأليف بين جزأي قضية واحدة.
    ب ـ ما تقع في التأليف بين القضايا.
    والاول له ثلاثة أنواع والثاني له أربعة أنواع. فهذه سبعة لأن :
    (الاول) وهو ما يقع في التأليف بين جزئي القضية ينقسم بالقسمة الاولية الى قسمين لانه اما ان يقع لخلل في الجزءين معا أو في جزء واحد والثاني اما ان يحذف الجزء ببدله أو يذکر ليس على ما ينبغي. فهذه ثلاثة أنواع :
    1 ـ (ايهام الانعکاس) وهو ان يقع الخلل في الجزءين معا. وذلک بأن يعکس موضعهما فيجعل الموضوع محمولا وبالعکس أو يجعل المقدم تاليا وبالعکس.
    2 ـ (اخذ ما بالعرض مکان ما بالذات) وهو ان يقع الخلل بجزء واحد بأن يحذف الجزء ويذکر مکانه ما هو بدله اما عارضه أو معروضه واما لازمه أو ملزومه.
    3 ـ (سوء اعتبار الحمل) وهو ان يقع الخلل بجزء واحد بان يذکر ليس على ما ينبغي اما بان يوضع معه ما ليس منه ولا من قيوده أو يحذف ما هو منه ومن قيوده وشروطه.
    و(الثاني) وهو ما يقع في التأليف بين القضايا ينقسم بالقسمة الاولية الى قسمين :
    __________________
    1 ـ الجزءان هما الموضوع والمحمول او المقدم والتالي :

    اما ان يکون التأليف غير قياسي أي لا تؤلف تلک القضايا قياسا واما أن يکون التأليف قياسيا. و(الثاني) اما ان يقع الخلل في نفس تأليف المقدمات وذلک بخروجه عن الاصول والقواعد المقررة للقياس والبرهان والجدل واما ان يقع بملاحظة المقدمات الى النتيجة. و(الثاني) اما لان النتيجة عين احدي المقدمات واما لان النتيجة غير مطلوبة بالقياس. فهذه اربعة أنواع :
    1 ـ (جمع المسائل في مسألة واحدة). وهو ان يقع الخلل في التأليف بين القضايا التي ليس تأليفها قياسيا بأن يتوهم ان تلک القضايا قضية واحدة.
    2 ـ (سوء التأليف). وهو ان يقع الخلل في نفس تأليف المقدمات بخروجه على أصول وقواعد القياس والبرهان والجدل.
    3 ـ (المصادرة على المطلوب). وهو ان يقع الخلل في المقدمات بملاحظة النتيجة باعتبار انها عين احدي المقدمات.
    4 ـ (وضع ما ليس بعلة علة). وهو ان يقع الخلل في المقدمات بملاحظة النتيجة باعتبار انها ليست مطلوبة منها.
    فکملت بذلک سبعة أنواع للمغالطات المعنوية نذکرها بالتفصيل :



    1 ـ ايهام الانعکاس
    وهو کما قدمنا ان يوضع المحمول الموضوع أو التالي والمقدم احدهما مکان الآخر. وهذا ينشأ من عدم التمييز بين اللازم والملزوم والخاص والعام. واکثر ما يقع ذلک في الامور الحسية.
    مثلا : لما کان کل عسل أصفر وسيالا فقد يظن الظان ان کل ما هو اصفر وسيال فهو عسل.
    مثل آخر : قد يظن الظان ان کل سعيد لا بد أن يکون ذا ثروة حينما يشاهد ان کل ذي ثروة سعيد.
    وأمثال هذه الامور يقع الغلط فيها کثيرا عند العامة. ولا جله اشتراط المنطقيون في العکس المستوي للموجبة الکلية ان تعکس الى موجبة جزئية تجنبا عن هذا الغلط وضمانا لصدق العکس.
    2 ـ أخذ ما بالعرض مکان ما بالذات
    وهو أن يوضع بدل جزء القضية الحقيقي غيره مما يشتبه به کعارضه ومعروضه او لازمه وملزومه. ومن موارد ذلک :
    1 ـ ان تکون لموضوع واحد عدة عوارض ذاتية له فيحمل أحد هذه العوارض على العارض الآخر بتوهم انه من عوارضه بينما هو في الحقيقة من عوارض موضوعه ومعروضه.
    مثلا يقال : ان کل ماء طاهر وان کال ماء لا يتنجس بملاقاة النجاسة اذا بلغ کرا فقد يظن الظان من ذلک : ان کل طاهر لا يتنجس بملاقاة النجاسة اذا بلغ کرا يعني يظن أن خاصية عدم التنجس بملاقاة النجاسة عند بلوغ الکر هي خاصية للطاهر بما هو طاهر لا للماء الطاهر فيحسب ان الطاهر غير الماء من المايعات اذا بلغ کرا کان له هذا الحکم.
    فقد حذف هنا الموضوع وهو (الماء) ووضع بدله عارضه وهو (طاهر).
    2 ـ ان يکون لموضوع عارض ولهذا العارض عارض آخر فيحمل عارض

    العارض على الموضوع بتوهم انه من عوارضه بينما هو في الحقيقة من عوارض عوارضه.
    مثلا يقال : الجسم يعرض عليه انه ابيض والابيض يعرض عليه انه مفرق للبصر فيقال : الجسم مفرق للبصر. بينما از الابيض في الحقيقة هو المفرق للبصر لا الجسم بما هو جسم.
    فقد حذف هنا الموضوع وهو الابيض ووضع بدله معروضه وهو الجسم وان شئت قلت حذف المحمول وهو الابيض ووضع بدله عارضه وهو فرق للبصر.
    3 ـ سوء اعتبار الحمل
    وهو کما تقدم ان يورد الجزء ليس على ما ينبغي وذلک بأن يوضع معه قيد ليس منه أو يحذف منه ما هو منه کقيده وشرطه.
    فالاول مثل ما قد يتوهمه بعضهم ان الالفاظ موضوعة للمعاني بما هي موجودة في الذهن فأخذ في الموضوع قيد (بما هي موجودة في الذهن) بينما ان الموضوع في قولنا : «المعاني وضعت لها الالفاظ» هي المعاني بما هي معان من حيث هي لا بما هي موجودة في الذهن.
    والثاني يحصل في موارد اختلال احدي الوحدات الثمان المذکورة في شروط التناقض مثل ما حسبه بعضهم ان الماء مطلقا لا يتنجس بملاقاة النجاسة بينما ان الصحيح ان الماء بقيد إذا بلغ کراً له هذا الحکم فحذف قيد (اذا بلغ کرا).
    ومن هذا الباب ما تخيله بعضهم أن قولهم (الجزئي لي بجزئي) من التناقض اذ حذف قيد الموضوع بينما أن المقصود في مثل هذا الحمل ان الجزئي بما له من المفهوم ليس بجزئي لانه کلي لا مصداق الجزئي أي الجزئي بالحمل الشايع.
    فعدم التفرقة بين ما هو بالحمل الشايع وبين ما هو بالحمل الاولي أي بين المعنون والعنوان يعد من سوء اعتبار الحمل.

    4 ـ جمع المسائل في مسألة واحدة
    وهو الخلل الواقع في قضايا ليست بقياس بأن يقع الخلل في القضية الواردة على نحو السؤال بحسب اعتبار نقيضها کان يورد السائل غير النقيض طرفا للسؤال مکان النقيض بينما يجب ان يکون النقيض هو الطرف له فتکثر الاسئلة عندة بذلک حقيقة مع انه ظاهرا لم يورد الا سؤالا واحدا فتجتمع حينئذ المسائل في مسألة واحدة.
    توضيح ذلک : ان السائل اذا سأل عن طرفي المتناقضين فليس له الا سؤال واحد عن الطرفين اليجاب والسلب مث ان يقول : «أزيد شاعر ام لا؟» فلا تکون عنده الا مسألة واحدة وليس لها الا جواب واحد اما الاثبات أو النفي (نعم! أو لا!).
    اما اذا ردد السائل بين غير المتناقضين مثل ان يقول : «ازيد شاعر ام کاتب» فان سؤاله هذا ينحل الى سؤالين ومسألته الى مسألتين : احدهما أکاتب هو ام لا؟ ثانيهما اشاعر هو ام لا؟. فيکون جمعا لمسألتين في مسألة واحدة.
    وکلما تعددت الاطراف المسؤول عنها تعددت المسائل بحسبها.
    وبقي أن نعرف لماذا يکون هذا من المغالطة؟ فنقول : ان ورود سؤال واحد ينحل الى عدة اسئلة قد يوجب تحير المجيب ووقوعه في الغلط بالجواب. وليس هذا التغليط من جهة کون التأليف بين هذه القضايا التي ينحل اليها السؤال قياسيا بل هي بالفعل لا تؤلف قياسا فلذلک جعلنا هذا النوع مقابلا لانواع الخلل الواقع في التأليف القياسي الآتية :
    نعم قد تنحل قضية الى فضيتين مثل قولهم (زيد وحده کاتب) فانها قضية واحدة ظاهرا ولکنها تنحل الى قضيتين : زيد کاتب وأن من سواه ليس بکاتب. ويمکن ان يقال عنها جميع المسائل في مسألة واحدة باعتبار ان کل قضية يمکن ان تسمي مسألة باعتبار انها قد تطلب ويسأل عنها.
    ولو انک جعلت مثلها جزء قياس فان القياس الذي يتألف منها لا يکون سليما

    ويکون مغالطةکما لو قيل : «الانسان وحده ضحاک. وکل ضحاک حيوان. ينتج الانسان وحده حيوان» والنتيجة کاذبة مع صدق المقدمتين. وما هذا الخلل الالان احدي مقدمتيه من باب جمع المسائل في مسألة واحدة اذ تصبح القضية الواحدة اکثر من قضيتين فيکون القياس مؤلفا من ثلاث قضايا. مع انه لا يتألف قياس بسيط من اکثر من مقدمتين.
    وعليه يمکن ان يقال : ان جمع المسائل في مسألة واحدة مما يقع في تأليف قياسي ويوجب المغالطة. ولاجل هذا مثل بعضهم لجمع المسائل بهذا المثال المتقدم.
    ولکن الحق ان هذا المثال ليس بصحيح وان وقع في کثير من کتب المنطق المعتبرة لان هذا الخلل في الحقيقة يرجع الى (سوء التأليف) الآتي ولا يکون هذا نوعا مقابلا للانواع التي تخص التأليف القياسي. على ان الظاهر من تعبيرهم بالمسألة في هذا الباب ارادة المسألة بمعناها اللغوي الحقيقي لا القضية مطلقا وان کانت خبرا والا لحسن ان يقولوا : جمع القضايا في قضية واحدة.
    5 ـ سوء التأليف
    وهو کما تقدم ان يقع خلل في تأليف القياس اما من جهة مادته أو صورته اذ يکون خارجا على القواعد المقررة للقياس والبرهان والجدل. ويعرف سوء التأليف من معرفة شرائط القياس فانه اذا عرفنا شرائطه وقواعده فقد عرفنا الخلل بفقد واحد منها. وهذا قد يکون واضحا جليا وقد يکون خفيا دقيقا. وقد يبلغ من الخفاء درجة لا تنکشف الا للخاصة من العلماء.
    والقياس المورد بحسب المغالطة ليس بقياس في الحقيقة بل شبيه به. وکذا يکون شبيها بالبرهان والجدل. واطلاق اسمائها عليه کاطلاق اسم الشخص مثلا على صورته الفوتوغرافية فنقول : هذا فلان. وصورته في الحقيقة ليست اياه بل شبيهة به مباينة له وجودا وحقيقة.
    وانما تتحقق صورة القياس الحقيقي ويستحق اسم القياس عليه اذا اجتمعت في الامور الآتية :

    1 ـ ان تکون له مقدمتان.
    2 ـ ان تکون المقدمتان منفصلتين احداهما عن الاخري.
    3 ـ ان تکون کل من المقدمتين في الحقيقة قضية واحدة لا انها تنحل الى أکثر من قضية واحدة لان القياس لا يتألف من أکثر من مقدمتين الا اذا کان اکثر من قياس واحد أي قياس مرکب.
    4 ـ ان تکون المقدمتان أعرف من النتيجة فلو کانا متساويين معرفة أو أخفي لا انتاج کما في المتضائفين.
    5 ـ ان تکون حدوده متمايزة (أي الاصغر والاکبر والاوسط).
    6 ـ ان يتکرر الحد الاوسط في المقدمتين أي ان المقدمتين يجب أن يشترکا في الحد الاوسط.
    7 ـ ان يکون اشتراک المقدمتين والنتيجة في الحدين الاصغر والاکبر اشتراکا حقيقيا.
    8 ـ ان تکون صورة القياس منتجة بأن تکون حاوية على شرائط الاشکال الاربعة. من ناحية الکم والکيف والجهة.
    فاذا کانت النتيجة کاذبة مع فرض صدق المقدمتين فلا بد ان يکون کذبها لفقد أحد الامور المتقدمة فيجب البحث عنه لکشف المغالطة فيه ان أراد تجنب الغلط والتخلص من المغالطة.
    6 ـ المصادره بالمطلوب
    وهي أن تکون الحدي المقدمات نفس النتيجة واقعا وان کانت بالظاهر بحسب رواجها على العقول غيرها کما يقال مثلا : «کل انسان بشر. وکل بشر ضحاک. ينتج : کل انسان ضحال» فان النتيجة عين الکبري فيه. وانما يقع الاشتباه لو وقع في مثله فلتغاير لفظي البشر والانسان فيظن انهما متغايران معني فيروج ذلک على ضعيف التمييز.

    والمصادرة قد تکون ظاهرة وقد تکون خفية :
    أما (الظاهرة) فعلي الاغلب تقع في القياس البسيط کالمثال المتقدم.
    واما (الخفية) فعل الاغلب تقع في الاقيسة المرکبة اذ تکون النتيجة فيها بعيدة عن المقدمة في الذکر. ولاجل هذا تکون اکثر رواجا على المخاطبين المغفلين. وکلما کانت أبعد في الذکر کانت المصادرة أخفي واقرب الى القبول.
    مثال ذلک قولهم في علم الهندسة :
    اذا قاطع خط خطين متوازيين فان مجموع الزاويتين الحادثتين الداخلتين من جهة واحدة يساوي قائمتين ... هذا هو مطلوب (أي نتيجة).
    وقد يستدل لعيه بقياس مرکب بأن يقال مثلا : لولم يکن مجموعهما يساوي قائمتين لتلاقي الخطان المتوازيان. ولو تلاقيا لحدث مثلث زاويتان منه فقط تساوي قائمتين. هذا خلف لان المثلث دائما مجموع زواياه کلها تساوي قائمتين.
    فانه بالاخير استدل على تساوي مجموع الزاويتين الداخلتين من جهة واحدة للقائمتين بتساويهما للقائمتين. وهي مصادرة باطلة قد تخفي على المغفل لترکب الاستدلال وبعد النتيجة عن المقدمة التي هي نفسها.
    واعلم ان المصادرة انماتقع بسبب اشتراک الحد الاوسط مع احد الحدين الآخرين في واحدة من المقدمتين فلا بد ان تکون هذه المقدمة محمولها وموضوعها شيئا واحدا حقيقة. أما المقدمة الثانية فلا بد أن تکون نفس المطلوب (النتيجة). کما يتضح ذلک في مثال القياس البسيط.
    والمصادرة على هذا ترجع في الحقيقة الى أن القياس يکون فيها مؤلفا من مقدمة واحدة.
    7 ـ وضع ما ليس بعله عله
    تقدم في بحث البرهان أن البرهان يتقوم بأن يکون الاوسط علة للعلم بثبوت الاکبر للاصغر کما انه يعتبر فيه المناسبة بين النتيجة والمقدمات وضرورية المقدمات.

    فان اختل أحد هذه الامور ونحوها بان يظن ان الحد الاوسط علة لثبوت الاکبر للاصغر أو يظن المناسبة بين النتيجة والمقدمات أوانها ضرورية وليست هي في الواقع کما ظن وتوهم فان کل ذلک يکون من باب وضع ما ليس بعلة علة. ويکون جعل القياس المؤلف على حسبها برهانا مغالطة موجبة لتوهم انه برهان حقيقي.
    مثاله :
    ما ظنه بعض الفلاسفة المتقدمين من جواز انقلاب العناصر بعضها الى بعض باعتبار ان العناصر اربعة وهي الماء والهواء والنار والتراب فقالوا بانقلاب الهواء ماء والماء هواء. واستدلوا على الاول بما يشاهد من تجمع ذرات الماء على سطح الاناء الخارجي عند اشتداد برودته فظنوا ان الهواء انقلب ماء وعلى الثاني بما يشاهد من تبخر الماء عند ورود الحرارة الشديدة عليه فظنوا ان الماء انقلب هواء.
    وباستدلالهم هذا قد وضعوا ما ليس بعلة علة اذ حسبوا ان العلة في الانقلاب هو تجمع ذرات الماء على الاناء وتبخر الماء بينما ان ما حسبوه علة ليس بعلة فان الماء انما يتجمع من ذرات البخار الموجودة في الهواء والبخار هو ذرات الماء فالماء لا الهواء تحول الى ماء أي ان الماء تجمع. وکذلک حينما يتبخر الماء بالحرارة يتحول الى ذرات صغيرة من الماء هي البخار فالماء قد تحول الى الماء لا الى الهواء أي ان الماء تفرق.

    المبحث الثالث
    اجزاء الصناعه العرضيه
    وهي الامور الخرجة عن نفس متن التبکيت ومع ذلک موجبة لوقوع الغير في الغلط.
    ويلتجيء اليها غالبا من يقصر باعه عن مجاراة خصمه بالکلام المقبول والقياس الذي عليه سمة البرهان أو الجدل. والحقد على الخصم والتعصب الاعمي لرأي أو مذهب هما اللذان يدعوان خفيف الميزان في المعرفة الى اتخاذ هذه السبل في المغالطة حينما يعجز عن المغالطة في نفس القياس التبکيتي.
    ومن نافلة القول ان نذکر أن اکثر من يتصدي للخصا. والجدل في العقائده والنقد والرد في المذاهب الاجتماعية والسياسية هم من اولئک خفيفي الميزان والا فالعلماء والمثقفون اکثر ادبا وصونا لکلامهم وحرصا على سلامة بيانهم وان تعصبوا وغالطوا. اما طلاب الحق المخلصون له من العلماء فهم النخبة المختارة من البشر الذين يندر وجودهم ندرة الماس في الفحم لا يتعصبون لغير الحق ولا يغالطون الا في الحق رحمة بالناس وشفقة على عقائدهم والحقيقة عندهم فوق جميع الاعتبارات لا تأخذهم فيها لومة لائم.
    وعلى کل حال فان هذه الامور الخارجة عن التبکيت الموجبة للمغالطة يمکن ارجاعها الى سبعة أمور :
    1 ـ التشنيع على الخصم بما هو مسلّم عنده أو بما اعترف به. وذلک بأن ينسبه الى القول بخلاف الحق أو المشهور سواء کان ما سلم به أو اعترف به حقيقة هو خلاف الحق أو المشهور أو انه يظهره بذلک تنکيلا به.
    وهذا لا فرق بين ان يکون تشنيعه عليه بقول کان قد قاله سابقا أو يجره اليه

    بسؤال أو نحوه مثل ان يوجه اليه سؤالا يردده بين طرفين غير مرددين بين النفي والاثبات فيکون لهما وجه ثالث أو رابع لا يذکره
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3303
    نقاط : 4992
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ---المنطق ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ---المنطق ج1   ---المنطق ج1 Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 6:23 am

    يذکره ويخفيه على الخصم. ولا شک ان الترديد بين شيئين فقط يوهم لاول وهلة الحصر فيهما فقد يظن الخصم الحصر فيوقعه فيما يوجب التشنيع عليه. کأن يقول له مثلا : هل تعتقد ان طاعة الحکومة ضميره او واجبه الديني أو الوطني وهذا شنيع فيکون الاعتراف به مجالا للتشنيع عليه. وان قال بالثاني فان هذا قد يوجب الاخلال بالنظام أو الوقوع في المهالک وهذا شنيع أيضا فيکون الاعتراف به مجالا للتشنيع عليه. وقد يغفل الخصم المسؤول عن وجه ثالث فيه التفصيل بين الرأيين لينقذ نفسه من هذه الورطة.
    وهذا ونحوه قد يوجب ارتباک الخصم وحيرته فيغلط في اختياره ورأيه ويضيع عليه وجه الصواب.
    2 ـ ان يدفعه الى القول الباطل أو الشنيع بأن يخدعه ليقول ذلک وهو غافل فيوقعه في الغلط اما بسؤال أو مجاورة يوهمه فيها خلاف الواقع والمشهور.
    3 ـ ان يثير في نفسه الغضب أو الشعور بنقصه فيربک عليه تفکيره وتوجه ذهنه مثل ان يشتمه أو يقدح فيه أو يخجله أو يحقره أو يستهزيء به او يسفهه او يسأله عن اشياء يجهلها أو يلفت نظر الحاضرين الى ما فيه من عيوب جسمية أو نفسية.
    4 ـ ان يستعمل معه الالفاظ الغريبة والمصطلحات غير المتداولة والعبارات المغلقة فيحيره ولا يدري ما يجيب به فيغلط.
    5 ـ أن يدس في کلامه الحشو والزوائد الخارجة عن الصدد أو الکلام غير
    المفهوم أو يطول في کلامه تطويلا مملا بما يجعله يفقد الاحاطة بجميع الکلام وربط صدره بذيله.
    6 ـ ان يستعين على اسکاته وارباکه برفع الصوت والصراخ وحرکات اليدين وضرب احدهما بالاخري والقيام والقعود ونحوها من الحرکات المثيرة المهيجة والمربکة.

    7 ـ ان يعيره بعبارات تبدو أنها تفقد ميزة آراء الخصم وصحتها في نظر العامة أو تحمله على التشکيک أو الزهد فيها. وهذا أمر يستعمله اکثر المتخاصمين من القديم. مثل تعبير خصوم اتباع آل البيت عنهم بالرافضة. وتعبير ذوي السلطات عن المطالبين بحقوقهم في هذا العصر بالثوار أو العصابات أو المفسدين أو قطاع الطريق او نحو ذلک. وتعبير دعاة التجدد عن أهل الدين بالرجعيين وعن الآراء القديمة بالخرافات. وتعبير المتمسکين بالقديم دعاة الاصلاح بالمتجددين أو الکافرين أو الزنادقة ... وهکذا يتخذ کل خصم لخصمه عبارات معيرة ومعبرة عن بطلان آرائه ومقاصده مما يطول شرحه.
    عصمنا الله تعالي من المغالطات وقول الزور انه اکرم مسؤول!
    انتهى الجزء الثالث

    ورد للمؤلف عدة رسائل في الثناء على الكتاب حين صدور الطبعة الأولى للجزء الأول ، ونشرت كثير من الصحف تعاليق مطولة حوله. والمؤلف يعتز بهذه الرسالة التي وردته من العلامة الجليل حجة الإسلام الشيخ المرتضى من آل يس وكان يومئذ بالكاظمية ، ففضل نشرها فقط في آخر الكتاب :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    عليك مني أفضل التحية والسلام.
    وبعد فلا أكتمك أيها الأخ الكريم! إن طبعي لم يعد ذلك الطبع الفاره الذي يتسع أفقه لاصطناع الكلام أو التفنن في القول فيما يعرض له من الموضوعات التي تدعو الحاجة إلى مواجهتها برأيه واضحا صريحا ، على الرغم من أن هذا الانكماش الطبعي مما لا تقره الروح السائدة في هذا الجو الملئ بالمجاملات ، ولكن ماذا أصنع وقد منيت بهذا الانكماش فجأة لا بالاختيار ، فزهدني في الانصياع لاحكام هذه الروح المتواضع عليها في عرف المتخاطبين ، كما زهدني في كثير من شؤون هذه الحياة التي كنت أتوفر عليها في كثير من التذوق والرغبة. لذلك فإني أعتذر إليك مما سأضعه بين يديك من كلمة صغيرة خضع لها هذا الطبع الشاذ طيعا ، حين استحوذ عليه الشعور بالواجب ، فاندفع إليها اندفاعا يسجل بها الحقيقة الراهنة ، ويقرر بها الأمر الواقع لا أقل ولا أكثر ، دون أن يكون للمجاملة فيها أي أثر يذكر.

    وخلاصتها : أني ما كدت أن أفرغ من مطالعة كتابك القيم كتاب «المنطق» ـ الذي نعمت بالاطلاع عليه أخيرا من حيث لا أحتسب ـ حتى وجدتني قد امتلأت إعجابا به وتقديرا لمؤلفه وإكبارا للجهود العظيمة الماثلة في كل شأن من شؤونه.
    فقلت إذ ذاك مخاطبا إياك كأني أراك : ما أجدرك منذ اليوم أن تدعى «المظفر» حقا! إذ فتح الله على يديك هذا الفتح المبين ، وعسى أن يكون لهذا الفتح ما بعده من الفتوح في ميادين العلم والأدب ، حتى يتواصل الفتح ويتلاحق الظفر على يديك أيها البطل الفاتح المظفر! والسلام عليك وعلى شيخينا الجليلين الحسن والحسين ورحمة الله وبركاته.
    16 / 2 / 1367 ه‍
    مرتضى آل يس


    فهرس
    كتاب (المنطق)
    (الجزء الاول)
    الإهداء 5
    المدخل
    الحاجة إلى المنطق 9
    تعريفه 10
    العلم 11
    تمهيد 11
    تعريف العلم 12
    التصور والتصديق 14
    بماذا يتعلق التصديق والتصور؟ 15
    أقسام التصديق 16
    الجهل واقسامه 17
    العلم ضروري ونظري 19
    تعريف الفكر 21
    (الخلاصة). تمرينات 23
    أبحاث المنطق 24
    الباب الأول ـ مباحث الألفاظ
    الحاجه الى مباحث الفاظ 29
    الدّلالة 33
    تعريفها وأقسامها 33

    أقسام الدلالة الوضعية 34
    الدلالة اللفظيّة 35
    أقسامها : المطابقية ، التضمنية ، الالتزامية 35
    شرط الدلالة الإلتزامية 36
    (الخلاصة). التمرينات 37
    تقسيمات الألفاظ 39
    1 ـ المختص ، المشترك ، المنقول ، المرتجل ، الحقيقه والمجاز 39
    (الخلاصة). 42
    2 ـ الترادف والتباين 43
    قسمة الالفاظ المتباينه 43
    اقسام التقابل 45
    (الخلاصة). تمرينات 48
    3 ـ المفرد والمركب 49
    أقسام المركب : التام والناقص 50
    الخبر والإنشاء 50
    أقسام المفرد 52
    (الخلاصة) 53
    (تمرينات) 54
    (الباب الثاني ـ مباحث الکلي)
    الکلي والجزئي 57
    الجزئي الاضافي 58
    المتواطئ والمشكك 59
    (تمرينات) 60

    المفهوم والمصداق 61
    العنوان والمعنون 61
    (تمرينات) 63
    النسب الأربع 64
    النسب بين نقيضي الكليين 66
    (الخلاصة) 69
    (تمرينات) 70
    الكليات الخمس 71
    النوع 71
    الجنس 72
    الفصل 73
    تقسيمات 74
    1 ـ النوع : حقيقي واضافي 74
    2 ـ الجنس : قريب وبعيد ومتوسط 74
    3 ـ النوع الاضافي : عال وسافل ومتوسط 74
    4 ـ الفصلقريب وبعيد. مقوّم ومقسّم 74
    الذاتي والعرضي 76
    الخاصة والعرض العام 77
    تنبيهات وتوضيحات 77
    1 ـ اجتماع الخاصة والعرض العام 77
    2 ـ اجتماع العرض والذاتي 78
    3 ـ تقسيم الخاصة والفصل الى مفرد ومركب 78
    4 ـ الصنف 78
    5 ـ الحمل وانواعه 79
    الحمل : طبعي ووضعي 79

    الحمل : ذاتي اولي وشايع صناعي 80
    الحمل : مواطاه واشتقاق 81
    العروض مناه الحمل 82
    تقسيمات العرضي 83
    العرضي : لازم ومفارق 83
    اقسام اللازم 83
    اقسام المفارق 84
    الکلي المنطقي والطبيعي والعقلي 84
    (تمرينات) 87
    الباب الثالث
    المُعرّف وتلحق به القِسمة
    المقدمه في مطلب ما واي وهل ولم 91
    فروع المطالب 94
    التعريف ـ تمهيد 95
    اقسام التعريف 96
    انارة 99
    التعريف بالمثال 100
    التعريف بالتشبيه 101
    شروط التعريف 101
    القسمة 104
    تعريفها 104
    فائدتها 104
    اصول القسمة 106
    1 ـ لا بد من ثمرة 106
    2 ـ لا بد من تباين الاقسام 106
    3 ـ أساس القسمة 107

    4 ـ جامعة مانعة 108
    أنواع القسمة 109
    1 ـ قسمة الکل الى أجزائه 109
    2 ـ قسمة الکلي الى جزئياته 109
    أساليب القسمة 110
    1 ـ طريقة القسمة الثنائية 111
    2 ـ طريقة القسمة التفصيلية 113
    التعريف بالقسمة 113
    کسب التعريف بالقسمة 114
    طريقة التحليل العقلي 115
    طريقة القسمة المنطقية الثنائية 119
    (تمرينات) 120

    الجزء الثاني
    الباب الرابع : القضايا واحکامها
    وفيه فصلان
    الفصل الاول ـ القضايا
    القضية 127
    أقسام القضية 129
    القضية : حمليّة وشرطية 129
    الشرطية : متصلة ومنفصلة 130
    الموجبة والسالبة 130
    أجزاء القضية 131
    أقسام القضية باعتبار الموضوع 132
    لا اعتبار الا بالمحصورات 133
    السور والفاظه 135
    تقسيم الشرطيه الى شخصيه ومهمله ومحصوره 136
    السور في الشرطيه 137
    تقسيمات الحملية 140
    1 ـ الذهنية. الخارجية. الحقيقية 140
    2 ـ المعدولة والمحصنة 141
    3 ـ الموجهات 144
    أنواع الموجهات 147
    تمرينات 154
    تقسيمات الشرطية الاخرى 155
    اللزومية والاتفاقية 155
    أقسام المنفصلة 156

    (تنبيه 1) ـ تأليف الشرطيات 158
    (تنبيه 2) ـ المنحرفات 159
    تطبيقات على التنبيهين 160
    تمرينات على التنبيهين 161
    الفَصْلُ الثاني ـ أحکام القضايا
    تمهيد 163
    التناقض ـ الحاجة الى هذا البحث والتعريف به 164
    تعريف التناقض ـ شروطه ـ الوحدات الثمان 165
    الاختلاف بالکم والکيف والجهة 166
    التداخل والتضاد والدخول تحت التضاد 168
    العکوس 171
    العکس المستوي 171
    شروطه 172
    السالبة الجزئية والمنفصلة لا عکس لها 175
    عکس النقيض 176
    قاعدة عکس النقيض والبرهان 177
    تمرينات 185
    من ملحقات العکوس بالنقض 186
    قاعدة نقض المحمول 186
    تنبيهان : 188
    1 ـ طريقة تحويل الاصل 188
    2 ـ تحويل معدولة المحمول 189
    تمرينات 190
    قاعدة النقض التام ونقض الموضوع 191

    لوح نسب المحصورات 194
    البديهة المنطقية أو الاستدلال المباشر البديهي 195
    البابُ الخامِس ـ مَباحثُ الاسْتِدلالِ
    تصدير 199
    طريق الاستدلال 199
    1 ـ القياس
    تعريفه 201
    الاصطلاحات العامة 202
    أقسام القياس بحسب مادته وهيئته 204
    الاقتراني الحملي 207
    حدوده 207
    القواعد العامة للاقتراني 208
    الاشکال الاربعة 212
    الشکل الاول 212
    الشکل الثاني 215
    الشکل الثالث 220
    تنبيهات 225
    طريقة الخلف 225
    دليل الافتراض 225
    الشکل الرابع 228
    تمرينات على الاشكال 232
    الاقتراني الشرطي 233
    تعريفه وحدوده واقسامه 233
    1 ـ المؤلف من المتصلات 235

    2 ـ المؤلف من المنفصلات 236
    3 ـ المؤلف من المتصلة والمنفصلة 242
    4 ـ المؤلف من الحملية والمتصلة 244
    5 ـ المؤلف من الحمليه والمنفصله 246
    خاتمه 247
    القياس الاستثنائي 248
    تعريفه وتأليفه 248
    حکم الاتصالي 249
    حکم الانفصالي 250
    خاتمة في لواحق القياس 252
    القياس المضمر أو الضمير 252
    كسب المقدمات بالتحليل 252
    القياسات المرکبة 256
    تمهيد وتعريف 256
    اقسام القياس المركب 257
    قياس الخلف 258
    قياس المساواة 260
    2 ـ الاسقراء
    تعريفه 262
    شبهة مستعصية 263
    حل الشبهة 263
    3 ـ التمثيل
    تعريفه واركانه 266
    قيمته العلمية 267
    تمرينات عامة على الاقيسة 269

    الجزء الثالث
    الباب السادس (الصناعات الخمس)
    تمهيد 277
    (المقدمه في مبادئ الاقيسه) 279
    1 ـ يقينيات ـ وأقسامها الستة 280
    تمرينات على اليقينيات 288
    2 ـ المظنونات 290
    3 ـ المشهورات 291
    اقسام المشهورات 292
    4 ـ الوهميات 298
    5 ـ المسلمات 301
    6 ـ المقبولات 302
    7 ـ المشبهات 303
    8 ـ المخيلات 304
    اقسام الاقيسه بحسب الماده 305
    جدول الصناعات الخمس 307
    فائده الصناعات الخمس على الاجمال 308
    (الفَصْلُ الأوّلُ ـ صناعة البرهان)
    1 ـ حقيقه البرهان 311
    2 ـ البرهان قياس 312
    3 ـ البرهان لمي واني 313
    4 ـ اقسام البرهان الاني 314

    5 ـ الطريق الاساسي الفكري لتحصيل البرهان 315
    6 ـ البرهان اللمي مطلق وغير مطلق 317
    7 ـ معني العله في البرهان اللمي 319
    8 ـ تعقيب وتوضيح في اخذ العمل حدودا وسطي 320
    9 ـ شروط مقدمات البرهان 322
    10 ـ معني الذاتي في كتاب البرهان 324
    11 ـ معني الاولي 325
    (الفصل الثاني ـ صناعة الجدل)
    المبحث الاول ـ القواعد والاصول
    1 ـ مصطلحات هذه الصناعه 327
    2 ـ وجه الحاجة الى الجدل 328
    3 ـ المقارنه بين الجدل والبرهان 329
    4 ـ تعريف الجدل 330
    5 ـ فوائد الجدل 331
    6 ـ السؤال والجواب 332
    7 ـ مبادئ الجدل 334
    8 ـ مقدمات الجدل 336
    9 ـ مسائل الجدل 337
    10 ـ مطالب الجدل 337
    11 ـ أدوات هذه الصناعة 338
    المبحث الثاني ـ المواضع
    1 ـ معني الموضع 343
    2 ـ فائدة الموضع وسر التسمية 345
    3 ـ اصناف المواضع 346

    4 ـ مواضع الإثبات والإبطال 349
    5 ـ مواضع الأولي والآثر 350
    المبحث الثالث ـ الوصايا
    1 ـ تعليمات للسائل 352
    2 ـ تعليمات للمجيب 355
    3 ـ تعليمات مشترکة للسائل والمجيب أو آداب المناظرة 357
    المبحث الاول ـ الاصول والقواعد
    1 ـ وجه الحاجة الى الخطابة 363
    2 ـ وظائف الخطابة وفوائدها 364
    3 ـ تعريف هذه الصناعة وبيان معني الخطابة 365
    4 ـ اجزاء الخطابة 366
    5 ـ العمود 367
    6 ـ الاستدراجات بحسب القائل 368
    7 ـ الاستدراجات بحسب القول 369
    8 ـ الاستدراجات بحسب المخاطب 370
    9 ـ شهادة القول 371
    10 ـ شهادة الحال 371
    11 ـ الفرق بين الخطابة والجدل 372
    12 ـ ارکان الخطابة 373
    13 ـ اصناف المخاطبات 374
    14 ـ صور تأليف الخطابة ومصطلحاته 376
    15 ـ الضمير 377
    16 ـ التمثيل 378

    المبحث الثاني ـ الانواع
    1 ـ تمهيد 381
    2 ـ الانواع المتعلقه بالمنافرات 381
    3 ـ الانواع المتعلة بالمشاجرات 383
    4 ـ الانواع المتعلقة بالمشاورات 385
    القسم الاول : ما يتعلق بالامور العظام وهي اربعه 385
    (القسم الثاني) الرئيسي : ما يتعلق بالمور الجزئيه 387
    المبحث الثالث التوابع
    1 ـ تمهيد 389
    2 ـ حال الالفاظ 389
    3 ـ نظم وترتيب الاقوال الخطابية 391
    4 ـ الاخذ بالوجوه 393
    (الفَصْلُ الرّابع ـ صناعة الشعر)
    تمهيد 399
    تعريف الشعر 401
    فائدته 401
    السبب في تأثيره على النفوس 402
    بماذا بكون الشعر شعرا 403
    أكذبه أعذبه 404
    القضايا المخيلات وتأثيرها 406
    هل هناك قاعده للقضايا المخيلات؟ 408
    من اين تتولد ملكه الشعر؟ 409
    صله الشعر بالعقل الباطن 410

    (الفَصْلُ الخامِس ـ صناعة المغالطة)
    المبحث الاول ـ المقدمات
    1 ـ معني المغالطة وبماذا تتحقق 415
    2 ـ اغراض المغالطة 417
    3 ـ فائدة هذه الصناعة 418
    4 ـ موضوع هذه الصناعة وموادها 419
    5 ـ اجزاء هذه الصناعة 419
    المبحث الثاني ـ اجزاء الصناعة الذاتية
    تمهيد 420
    (1) المغالطات الفظيه 421
    1 ـ المغالطة باشتراک الاسم 421
    2 ـ المغالطه في هيئه الفظ الذاتيه 422
    3 ـ المغالطة في الإعراب والإعجام 422
    4 ـ مغالطة المماراة 423
    5 ـ مغالطه تركيب المفصل 423
    6 ـ مغالطه تفصيل المركب 425
    جدول المغالطات اللفظية 426
    (2) المغالطات المعنويه 427
    جدول المغالطات المعنوية 429
    1 ـ ايهام الانعکاس 430
    2 ـ أخذ ما بالعرض مکان ما بالذات 430
    3 ـ سوء اعتبار الحمل 431
    4 ـ جمع المسائل في مسألة واحدة 432
    5 ـ سوء التأليف 433
    6 ـ المصادره بالمطلوب 434
    7 ـ وضع ما ليس بعله عله 435
    المبحث الثالث ـ اجزاء الصناعه العرضيه 437

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    ---المنطق ج1
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » المنطق الشيخ محمد رضا المظفر

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 46- قائمة الكتب المنوعه الدينيه-
    انتقل الى: