الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
البيت اهل
المواضيع الأخيرة
» المحكم في اصول الفقه ج3
نافذه على الفلسفه صادق الساعدي Emptyاليوم في 8:41 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» المحكم في أصول الفقه [ ج4
نافذه على الفلسفه صادق الساعدي Emptyاليوم في 7:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» الصحيفه السجاديه كامله
نافذه على الفلسفه صادق الساعدي Emptyأمس في 9:49 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد [ ج ١ ]
نافذه على الفلسفه صادق الساعدي Emptyأمس في 3:11 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه
نافذه على الفلسفه صادق الساعدي Emptyأمس في 2:36 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» قاعدة لا ضرر ولا ضرار
نافذه على الفلسفه صادق الساعدي Emptyأمس في 8:51 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول المبين
نافذه على الفلسفه صادق الساعدي Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:46 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» ------التقيه
نافذه على الفلسفه صادق الساعدي Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:37 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  فقه الحضارة
نافذه على الفلسفه صادق الساعدي Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:25 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     نافذه على الفلسفه صادق الساعدي

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    نافذه على الفلسفه صادق الساعدي Empty
    مُساهمةموضوع: نافذه على الفلسفه صادق الساعدي   نافذه على الفلسفه صادق الساعدي Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 3:30 pm

    كلمة المكتب
    الحمد لله‏ والصلاة والسلام على أنبياء الله‏ ، لا سيما رسوله الخاتم وآله الطيبين الطاهرين المعصومين.
    أما بعد ، لا شك أن إصلاح المناهج الدراسية المتداولة في الحوزات العلمية والمعاهد الدراسية في العصر الحاضر ـ الذي عُرف بعصر ثورة المعلومات ـ بات حاجة ملحّة يقتضيها تطور العلوم وتكاملها عبر الزمان ، وظهور مناهج تعليمية وتربوية حديثة ، تتوافق مع الطموحات والحاجات الإنسانية المتجددة.
    وهذه الحقيقة لم تعد خافية على القائمين على هذه المراكز ، فوضعوا نصب أعينهم إصلاح النظام التعليمي في قائمة الأولويات بعد أن باتت فاعليته رهن إجراء تغييرات جذرية على هيكلية هذا النظام.
    ويبدو من خلال هذه الرؤية أن إصلاح النظام الحوزوي ليس أمراً بعيد المنال ، إلا أنه من دون إحداث تغيير في المناهج الحوزوية ستبوء كافة الدعوات الإصلاحية بالفشل الذريع وستموت في مهدها.
    والمركز العالمي للدّراسات الإسلامية ـ الذي يتولّى مهمّة إعداد المئات من الطلاب الوافدين من مختلف بقاع الأرض للاغتراف من نمير علوم أهل البيت ـ عليهم ‏السلام ـ شرع في الخطوات اللازمة لإجراء تغييرات جذرية على


    المناهج الدراسية المتبعة وفق الأساليب العلمية الحديثة بهدف عرض المواد التعليمية بنحو أفضل ، الأمر الذي لا تلبّيه الكتب الحوزوية السائدة؛ ذلك أنها لم تؤلف لهدف التدريس ، وإنما ألفت لتعبر عن أفكار مؤلفيها حيال موضوعات مرّ عليها حقبة طويلة من الزمن وأصبحت جزءاً من الماضي.
    وفضلا عن ذلك فإنها تفتقد مزايا الكتب الدراسية التي يراعى فيها مستوى الطالب ومؤهلاته الفكرية والعلمية ، وتسلسل الأفكار المودعة فيها وأداؤها ، واستعراض الآراء والنظريات الحديثة التي تعبر عن المدى الذي وصلت إليه من عمق بلغة عصرية يتوخى فيها السهولة والتيسير وتذليل صعب المسائل مع احتفاظها بدقة العبارات وعمق الأفكار بعيداً عن التعقيد الذي يقتل الطالب فيه وقته الثمين دون جدوى.
    وانطلاقا من ‏توجيهات كبار العلماء والمصلحين وعلى رأسهم سماحة الإمام الراحل ـ قدس ‏سره ـ ، وتلبية لنداء قائد الثورة الإسلامية آية‏ الله ‏العظمى الخامنئي ـ مد ظله الوارف ـ قام هذا المركز بتخويل «مكتب مطالعة وتدوين المناهج الدراسية» مهمة تجديد الكتب الدراسية السائدة في الحوزات العلمية ، أن يضع له خطة عمل لإعداد كتب دراسية تتوفر فيها المزايا السالفة الذكر.
    وقد بدت أمام المكتب المذكور ـ ولأول وهلة ـ عدة خيارات :
    1 ـ اختصار الكتب الدراسية المتداولة من خلال انتقاء الموضوعات التي لها مساس بالواقع العملي.
    2 ـ إيجازها وشحنها بآراء ونظريات حديثة.
    3 ـ تحديثها من رأس بلغة عصرية وإيداعها أفكار جديدة إلا أن العقبة الكأداء التي ظلت تواجه هذا الخيار وقوع القطيعة التامة بين الماضي والحاضر ، بحيث تبدو الأفكار المطروحة في الكتب الحديثة وكأنها تعيش في غربة عن التراث و

    للحيلولة دون ذلك ، لمعت فكرة جمع الخيارات المذكورة في قالب واحد تمثّل في المحافظة على الكتب الدراسية القديمة كمتون وشرحها بأسلوب عصري يجمع بين القديم الغابر والجديد المحدث.
    وبناء على ذلك راح المكتب يشمّر عن ساعد الجدّ ويستعين بمجموعة من الأساتذة المتخصصين لوضع كتب وكراسات في المواد الدراسية المختلفة ، من فقه وأصول وتفسير وكلام وفلسفة ورجال وحديث وأدب وغيرها.
    وتطلع المكتب في حقل الفلسفة إلى تبسيط المباحث المطروحة فيها قدر المستطاع وعرضها للمبتدئين بأسلوب خال من التعقيد والإطناب ، فوجد بغيته في كتاب «نافذة على الفلسفة» للأستاذ صادق الساعدي الذي ألفه نزولا عند رغبة المكتب.
    فجاء الكتاب بمستوى الطموحات ـ خاصةً وإنه أعد للطالب تمارين تساعده على فهم كثير مما جاء في المتن ـ بعد أن طوى مراحل مختلفة من النقد والتمحيص على يد مجموعة من أساتذة الفلسفة ممن لهم باع طويل في هذا الحقل وفي طليعتهم سماحة الأستاذ الألمعي الكبير حجة ‏الإسلام والمسلمين الشيخ الفياضي ـ دامت ‏إفاضاته ـ حيث أبدوا فيه آراءهم السديدة ونظراتهم الثاقبة.
    وفي الختام لا يسعنا إلا أن نتقدم بخالص الشكر إلى الأستاذ صادق الساعدي على ما تحمله من جهد وعناء في تأليف هذا الكتاب وإلى جميع من أسدوا خدمة في سبيل إنجازه.
    المركز العالمي للدراسات الإسلامية
    مكتب مطالعة وتدوين المناهج الدراسية



    المقدمة
    تُعدّ الفلسفة ركيزة مهمة ومنطلقاً أساسياً لصياغة فهم ورؤية كونية واضحة عن الكون والحياة ، وهي بذلك تضع لكل شيء حدَّهُ وتحدّد موقعه وترسم له الخطى ما بين مبدئه ومنتهاه.
    ولا شك في عمق الفلسفة ودقة بحوثها بما تتضمنه من مسائل جُعل العقل أداة وحيدة لحلها وبيان مداخلها ومخارجها ، مما يتطلب همّة عالية وجهداً وافراً لاستيعاب مطالبها وحل غوامضها وألغازها ، الأمر الذي بعث على استيحاش روّاد الحقيقة من الخوض في غمارها والدخول في تفاصيلها.
    ومما زاد في الطين بلّةً أن علماء الفلسفة لم يطرحوا أفكارهم بلغة سهلة سلسة يسهل على الغير قراءتها والتجوال في حقولها ، فبعث على أن تكون الفلسفة طلاسم لا يفكر أكثرُ الناس في الاقتراب منها لأنها مجموعة رموز وأسرار لا يتمكن من معرفتها إلا ذوو الاختصاص ممن قضى عمره في خوض لججها وبذل مهجته للوصول إلى عمقها وقعرها!
    وقد حاولنا من خلال نافذتنا الفلسفية الصغيرة التي بين يديك أن نوقفك على ألف باء الفلسفة وذلك بطرح أهم ما ورد فيها من مسائل ، بأسلوب مدرسي مبسّط يميط اللثام ويرفع عنها الإبهام ، ليكون ما طرحناه مقدمة للدخول إلى مباحث الفلسفة وتفاصيلها في كتبها المطوّلة ، آملين أن نوفّق في المستقبل لتسليط الضوء عليها بلغة عصرية واضحة تجعلها في متناول روّادها ، فمنه تعالى نستمد العون والتوفيق لأداء ما يجب علينا بدفع عجلة العلم والمعرفة إلى أمام ، إنه خير ناصر ومعين.
    صادق الساعدي



    الدرس الأول
    نبذة تاريخية فلسفية
    * ولادة الفكر البشري
    * ولادة الفكر الفلسفي
    * تيارات الشك والسفسطة
    * القرون الوسطى
    * الفجر الجديد
    * المدرسة المشائية والإشراقيّة والحكمة المتعالية
    * فكِّر وأجب


    ولادة الفكر البشري :
    لازم التفكير وجود الإنسان منذ نعومة أظفاره إلى يومنا هذا ، وترك آثاراً مهمّة في حياته حيث خلق انعطافات وتحولات مهمّة في مسار حركته ، وطوَّر أسلوب تعامله مع محيطه على مختلف الميادين والصُعد.
    وبهذا اختلفت حياة الإنسان المتطورة عن حياة الحيوان بقوالبها الجاهزة والجامدة ، فكم تجد الفارق واضحا بين بيوت الإنسان التي كانت في حدود الكهوف والمغارات والتي تطورت إلى عمارات ناطحات للسحاب ، وبين بيوت النحل السداسية ذات الأشكال الجامدة التي لم يكتب لها تغيير منذ أن وجد هذا الحيوان ولحد الآن.
    ولادة الفكر الفلسفي :
    والفكر الفلسفي الذي أثارته وأفرزته تساؤلات الإنسان عن الكون والحياة ، والمبدأ والمعاد ، كان أحد المحاور الفكرية التي استقطب اهتمام البشر من لدن آدم ولحدِّ الآن ، ودفعه صوب التأمل والنظر ، ومن ثم نحو الإبداع والابتكار في هذا المجال ، وقد كان لحكماء الفرس واليونان قصب السبق في ذلك على بقية الأمم وكان ذلك قبل الميلاد بعدة قرون حيث طفحت على سطح مناظراتهم و

    تأملاتهم الفلسفية العديد من الآراء والنظريات ، التي كان يسودها الاتزان تارة والتهافت والتضارب تارة أخرى ، وفي ذات الوقت النمو والثراء بفعل التلاقح الفكري الحر الذي وفّرَ أجواء خصبة لذلك.
    تيارات الشك والسفسطة :
    وفي ظل هذه الظروف برزت تيارات الشك والسفسطة واحتلّت مساحة واسعة من التفكير الفلسفي ، بعد أن احتل أربابها وهم السوفسطائيون ، منابر التعليم والخطابة والمحاماة ، وأنكروا حقائق الأشياء ووجودها الخارجي ، فانعكس ذلك على أذهان الناس وخلق عندهم بلبلة ذهنية وشكاً بكل حقيقة مهما كان طابعها ، وكان ذلك في القرن الخامس قبل الميلاد.
    ولم يستمر الوضع على هذا الحال حيث تصدى سقراط لعلاج الموقف بقوة ، وتبعه على ذلك أفلاطون ، وتلاهما أرسطو طاليس الذي أسّس قواعد الاستدلال والتفكير الصحيح في علم المنطق ، حيث كشف عن زيف السفسطة ومغالطتها ومنزلقاتها التي أودت بالتفكير الإنساني إلى الهاوية. وبذلك تربع اليقين على عرشه ، وعادت مياه الحقيقة إلى مجاريها وتلاشت تيارات الشك والإنكار ، وعلى هذا المنوال استمر الحال حتى بعد رحيل العمالقة الثلاثة؛ سقراط وأفلاطون وأرسطو ، حيث استمر تلامذتهم في ترويج أفكارهم ، فدفعوا عجلة اليقين إلى أمام.
    إلا أن مكانة هؤلاء أخذت بالتهاوي بين الناس بمرور الزمان ، فتقلص دورهم وقلّت أهميتهم ، فشدّوا رحالهم إلى الإسكندرية ، لتكون محطة جديدة لنشر

    أفكارهم وتداول معارفهم واستمروا على هذا المنوال حتى القرن الرابع بعد الميلاد.
    القرون الوسطى :
    وفي هذه الفترة اعتنق إمبراطورُ الروم المسيحيةَ ، وتبنّى أفكارها باعتبارها آراء الدولة الرسمية ، إلا أنه في ذات الوقت فتح أمام العلماء أبواب النقد لطرح آراءهم ووجهات نظرهم ، وعلى أثر ذلك تدهورت الأوضاع وتفاقمت الأمور بفعل التعارض والتضارب في وجهات النظر بين الكنيسة والعلماء مما دفع الإمبراطور (جستنيان) إلى إصدار أوامره بغلق المراكز العلمية والجامعات والمعاهد الفكرية ، وتعطيل المدارس في أثينا والإسكندرية ، ففر العلماء خوفا من البطش والتصفية الجسدية ، وحينها انطفأ مشعل العلم وانتكست راية المعرفة ، ومنها دخلت أوربا في عصورها المظلمة ، والتي تسمى أيضا بالقرون الوسطى ، حيث استغرقت ألف عام من الزمان ، وعلى نحو التحديد من أوائل القرن السادس بعد الميلاد وانتهاءً بالقرن الخامس عشر بعد الميلاد وامتازت هذه الفترة باستيلاء الكنيسة على المراكز العلمية استيلاءً تاماً؛ فكانت المباحث العلمية والفلسفية تفرضها الكنيسة على أنها تعاليم دينية لا تقبل النقاش.

    الفجر الجديد :
    وفي هذه الفترة بالذات ازدهرت الحركة العلمية في شبه الجزيرة العربية بفضل نور الإسلام ، الذي ولد هناك في تلك الفترة وقد أضاء كل شيء ، وبدت حينها حركة علمية تنشط وتتفاعل وتتلاقح وتنمو بفضل ما حث عليه الدين الإسلامي من طلب العلم من المهد إلى اللحد ، حتى ولو كلف ذلك خوض اللجج وسفك المهج ، وحتى ولو كان في الصين ، وبالفعل فقد برع المسلمون في جميع حقول العلم والمعرفة ، ومن جملتها الحقل الفلسفي ، فترجموا كتب اليونانيين والرومانيين والإيرانيين إلى اللغة ‏العربية ، وانهمك آخرون كالفارابي (1) في تبيان وشرح أفكار أفلاطون (2) وأرسطو (3) ، وتبعه على ذلك ابن سينا (4) حيثُ سلط
    __________________
    1. الفارابي : (أبو نصر محمد) (ت 950 م) فيلسوف لامع. ولد في فاراب «تركستان» ودرس في بغداد وحران وأقام في حلب في بلاط سيف الدولة الحمداني وتوفي في دمشق ، لقب بالمعلم الثاني ، من مؤلفاته كتاب «الموسيقى الكبير» ، «السياسة المدنية» ، «رسالة فصوص الحكم».
    2. أفلاطون «plato» ـ (347 ـ 428 ق. م) فيلسوف يوناني يُعَدّ من مشاهير فلاسفة العالم ، ولد في أثينا من أسرة عريقة في المجد ، بدأ أول دراسته بالرسم ، ثم نظم الشعر ، تتلمذ في سن العشرين على يد سقراط الذي كان له الدور الأكبر في نشأته الفلسفية.
    3. أرسطو «Aostotet» ـ (322 ـ 384 ق. م) مربي الإسكندر ومن كبار فلاسفة اليونان ، مؤسس فلسفة المشائين ، من مؤلفاته : «المقولات» ، «الجدل» ، «الخطابة» ، «السياسة» ، «كتاب ما بعد الطبيعة» ، أثر في الفكر العربي ومن أول من ترجم مؤلفاتهِ ، إسحاق ابن حنين.
    4. أبو علي بن سينا : «384 ـ 427 ه» ولد في أقشنة قرب بخارى وتوفي في همدان ، عُرِف بالشيخ الرئيس وكان عالماً لامعاً وعملاقاً كبيراً حيث ضرب في كل فن بسهم وتجلى فيه نبوغه ، ففي مضمار الفلسفة فيلسوف مبدع ، بلغت الفسلفة المشائية على يده القمة ، وفي مضمار الطب طبيب ماهر وحاذق ، ألّف كتاب «القانون» الذي لم يزل يُدَّرس في الجامعات العلمية عبر قرون ، كما وإنه عرف أستاذاً لامعاً في الرياضيات والهيئة.

    الضوء على فلسفة ومنطق أرسطو وبذلك ظهرت المدرسة المشائية في بلادنا الإسلامية.
    وفي أواسط القرن السادس الهجري ، شرح الشيخ شهاب‏ الدين السهروردي (1) أفكار أفلاطون بعد أن هواها ودافع عنها ، وبذلك أسس الفلسفة الإشراقية في بلادنا الإسلامية ونقد الفلسفة المشائيّة.
    وفي مطلع القرن الحادي عشر الهجري ، ظهر صدر المتألهين الشيرازي (2) بآراء وأفكار فلسفية جديدة على ضوء القرآن وكلمات الرسول (صلى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله) وأهل ‏البيت الطاهرين (عليهم‏ السلام) ، وأسماها بالحكمة المتعالية. (3)
    المدرسة المشائية والإشراقية والحكمة المتعالية :
    المدرسة المشائيّة تتمثل بفلسفة أرسطو طاليس حيث كان يعتمد في أبحاثه على الأسلوب الاستدلالي وسميّت فلسفته بهذا الاسم ، لأنه كان يسير من
    __________________
    1. شهاب ‏الدين السهروردي : «550 ـ 587 ه» صاحب مدرسة الإشراق في بلادنا الإسلامية وقد عرض آراءه بالنثر والشعر باللغتين العربية والفارسية ، وله مصنفات منها : التلويحات اللوحية والعرشية ، والألواح العمادية وهياكل النور.
    نشر أفكاره في حلب مما ألب الناس عليه واتهموه بالكفر مما دعى صلاح ‏الدين الأيوبي أن يأمر ابنه الملك الظاهر بقتله فاستُشْهِد على يده في قلعة حلب وفي شهر رجب.
    2. صدر المتألهين الشيرازي : «979 ـ 1050 ه» وهو محمد بن إبراهيم المعروف بصدر المتألهين ، ولد في مدينة شيراز ، وهو عالم شيعي كبير ، تعرف فلسفته بالحكمة المتعالية ، من أشهر كتبه «الأسفار الأربعة». وَعُرف أيضاً باسم الملاّ صدرا.
    3. يراجع من أجل الإلمام بتفاصيل هذا الدرس : كتاب المنهج الجديد لتعليم الفلسفة للأستاذ مصباح اليزدي ، وكتاب فلسفتنا للشهيد السعيد محمد باقر الصدر ، وكتاب تاريخ الفلسفة اليونانية ليوسف كرم.

    المقدمات إلى النتيجة وكان من الأولى تسمية فلسفته بالفلسفة الاستدلالية في مقابل الفلسفة الإشراقية التي نادى بها أفلاطون ، الذي كان يرى بأنّ المعارف بالخصوص الإلهية منها ، لا تتأتى عن طريق الاستدلال العقلي فحسب ، بل لابد وأن يوجد إلى جانب ذلك سير وسلوك وتهذيب أخلاقي يبعث إشراقات وإفاضات للمعارف الإلهية على القلب. وقد تشعب الفلاسفة المسلمون على غرار ذلك إلى فلاسفة مشائين يتقدّمهم أبو علي ابن سينا ، وفلاسفة إشراقيين يتزعمهم شهاب ‏الدين السهروردي. وأما الحكمة المتعالية فهي اسم اختاره صدر المتألهين الشيرازي لفلسفته التي حاول من خلالها التقريب بين الفلسفة المشائية الاستدلالية وَبين المدرسة الإشراقية وبين ما جاء في الكتاب والسنة الشريفة من أحاديث وروايات.

    فكِّر وأجب :
    1 ـ متى بدأ التفكير الإنساني؟ وبماذا يختلف الإنسان عن الحيوان في تغيير وتطوير محيطه الذي يعيش فيه؟
    2 ـ ما هو الباعث من وراء نشوء الفكر الفلسفي؟ ومن كان من بين الحكماء له قصب السبق في ذلك؟ ومتى؟
    3 ـ ما هي الظروف التي أنجبت تيارات الشك والسفسطة؟ ومن هم أربابها؟ ومتى تسنى لها الظهور؟
    4 ـ اذكر عمالقة الفكر الفلسفي الذين تصدوا لمواجهة اتجاه الشك وأحلوا اليقين محله؟ وكيف استمر اتجاه اليقين بعد مماتهم؟ وإلى أي مصير انتهى أمر أتباعهم؟
    5 ـ ما هي الظروف التي أودت بأوربا إلى فترة القرون الوسطى؟
    6 ـ ماذا جرى في شبه الجزيرة العربية إبان فترة القرون الوسطى؟
    7 ـ اشرح ما يلي :
    أ ـ المدرسة المشائية
    ب ـ المدرسة الإشراقية
    ج ـ مدرسة الحكمة المتعالية


    الدرس الثاني
    الفلسفة
    * تعريف الفلسفة
    * موضوع الفلسفة
    * أهمية وفائدة الفلسفة
    * أساليب التحقيق العلمي
    * فكِّر وأجب


    تعريف الفلسفة :
    جاءت كلمة الفلسفة من عبارة «فيلاسوفوس» أَي محبّ الحكمة ، وهو اسم اختاره سقراط (1) لنفسه؛ وقد نقل مورّخو الفلسفة أن السبب في اختيار هذا الاسم شيئان : أحدهما : تواضع سقراط حيث كان يعترف دائماً بجهله ، والثاني : تعريضه بالسوفسطائيين الذين كانوا يعدُّون أنفسهم حكماء (2) ؛ أي إنه باختيار هذا اللقب أراد أن يوحي لهم ، بأنكم لستم أهلاً لهذا الاسم «الحكيم» ؛ لأنكم تستخدمون التعليم والتعلم لأهداف مادية وسياسية ، وحتى أنا الذي استطعت ردَّ تخيلاتكم بأدلة محكمة ، لا أرى نفسي أهلاً لهذا اللقب ، وإنما أطلق على نفسي اِسم «محبّ الحكمة» (3).
    وفي العهد الإغريقي القديم ومنذ أن سَمّى سقراط نفسه بهذا الاسم ، صارت الفلسفة قديماً تستعمل في مقابل السفسطة المنكرة بأساليب مغالطاتها لحقائق الأشياء ، كما إنها صارت شاملة لجميع العلوم الحقيقية كالفيزياء ، والكيمياء ، والطب ، والهيئة ، والرياضيات والإلهيات؛ وأما العلوم الاعتبارية كالنحو و
    __________________
    1. سقراط : «399 ـ 470 ق. م» فيلسوف يوناني ، ولد في أثينا ، عُرِفَ بأنه كان أستاذاً ذائع الصيت بالفلسفة والحكمة وعرف بـ «سقراط الحكيم». وينقل أن هتافاً كان يراود سقراط يرشده إلى الطريق الصحيح. وقد بلغ من العلم مرتبه فريدة.
    2. حيث كان يطلق على كل منهم اسم «سوفيست» وهي كلمة يونانية تعني الحكيم.
    3. المنهج الجديد في تعليم الفلسفة : 1 / 14 ـ 15 ، الأستاذ محمد تقي مصباح اليزدي.

    الصرف فهي خارجة عن حيز الفلسفة (1).
    وبناءً على ما تقدم فإن الفلسفة قديماً كانت اسماً عاماً وشاملاً لقسمين رئيسيين من العلوم ، النظرية والعملية ، وبذلك فإن الفلسفة تنقسم إلى فلسفة نظرية ، وتشمل تحت عنوانها ما ينبغي أن يعلم من المعارف كالرياضيات والطبيعيات والإلهيات. وإلى فلسفة عملية ، وتشمل تحت عنوانها ما ينبغي أن يُعمل به من المعارف كالأخلاق وتدبير المنزل والسياسة.
    وإليك مخططاً بيانياً للفلسفة وأقسامها المتفرعة عنها :

    __________________
    1. تختلف العلوم الاعتبارية عن العلوم الحقيقية في أن العلوم الاعتبارية لا واقع لها سوى ما اتفق عليه المتفقون واعتبره المعتبرون ، كما لو اتفق النحاة في لغة العرب أن يكون الفاعل مرفوعاً والمفعول به منصوباً. فلا وجود لأمثال هذه الأحكام في الواقع غير ما اتفق عليه المتفقون واعتبره المعتبرون وعلى خلاف ذلك ، حال العلوم الحقيقية ، فإنها تكشف عن حقائق ثابتة سواء علم الإنسان بها أم لم يعلم؛ فالجاذبية كانت موجودة ولها واقع ثابت ولم يكن لنيوتن من دور ، سوى الكشف عنها.

    بَيْدَ أن الفيلسوف لم يتمكن من مواكبة تطور العلوم واتساع رقعتها واستيعاب مسائلها وفروعها ، فبعث ذلك على انحسار دوره وتقلص نشاطه في حدود بحث الإلهيات بالمعنى الأعم والأخص وتسمى بالعلم الكلي والفلسفة الأولى (1) ؛ والأعم منها يبحث عن أحكام الموجودات بشكل عام ولا يختص بموجود دون آخر بينما تتناول الإلهيات بالمعنى الأخص إثبات وجود الله‏ الأقدس وصفاته جل وعلا.
    موضوع الفلسفة :
    وبذلك يتضح أن موضوع علم الفلسفة هو : «الموجود بما هو موجود» ، أي أنها تتناول دراسة الموجود بشكل عام ، لتحدد أحكامه بغض النظر عن خصوصياته. فمثلاً : إن البحث عن العلّة والمعلول لا يختص بموجود دون غيره ، بل هو شامل لكل موجود؛ بينما البحث عن تركيب الماء ودرجة انجماده وغليانه وبقية خواصه ، بحث عن الموجود بما هو ماء ، له وجوده الخاص. وأما الإلهيات بالمعنى الأخص فإنها تبحث عن وجود الله‏ تعالى وصفاته وتختص به ولا تبحث عما سواها.
    ودراسة الموجود بشكل عام التي تتناول الموجودات مجردها وماديها ، يُطلق عليها اسم «الميتافيزيقا» وقد تصور البعض خطأ ، أنها تختص بالموجودات المجردة غير المادية ، إلا أن الصحيح شمولها للموجودات المادية والمجردة على
    __________________
    1. والوجه في تسميتها بهذا الاسم ، هو أنها تُعدّ في مقدمة كل العلوم؛ إذ أنها تبحث عن وجود الله‏ الأقدس وصفاته الحسنى ، كما أنها تقوم بإثبات موضوعات العلوم ، فما لم يثبت في الفلسفة الوجود المادي الخارج عن حدود الذهن لا يتسنى للفيزيائي أن يبحث عن خواص الأجسام ، ولا للكيمياوي أن يبحث عن طبيعة تفاعلات العناصر وهكذا. بل إن جميع العلوم مدينة إلى الفلسفة في مبادئها التصديقية ، كمبدأ عدم التناقض وأصل العلية وقاعدة الانسجام ، وهي من مباحث ومسائل الفلسفة ، ومن أجل ما تقدم يكون للفلسفة ، شرف التقدم على بقية العلوم ، ولا نبالغ إن قلنا أنها أم العلوم.

    حد سواء. فالبحث عن العلة والمعلول ، والوجوب والإمكان ، والحادث والقديم ، والقوة والفعل وما شابهها لا يختص بالموجودات المجردة غير المادية بل يشملهما معاً.
    ومن الجدير ذكره أن الميتافيزيقا مأخوذة من أصل يوناني هو متاتافوسيكا أي ما بعد الطبيعة وحوِّرت بالعربية إلى (ميتافيزيقا) وحسبما يعتقده مؤرخو الفلسفة ، فإن هذه الكلمة استعملت لأول مرة في قسم من فلسفة أرسطو المتناولة لأحكام الوجود بشكل عام ، وحيث أن هذا القسم من بحث الفلسفة قد كتبه أرسطو حسب ترتيبه بعد بحث الطبيعيات ، لذلك فقد أطلق عليه اسم ميتافيزيقا ، أي ما بعد الطبيعة.
    أهمية وفائدة الفلسفة :
    تراود الإنسان أحياناً وقد تلاحقه تساؤلات حول الوجود ومعناه؛ وهل هو متناه محدود أو مطلق لا محدود؟ وكيف وجد وهل هو في غنى عن علةٍ توجده أو مفتقر إليها؟ وهل لله‏ خالق أو هو في غنى عن كل خالق؟ ولماذا لا يُرى الله‏ جهرة؟!
    ومن جهة أخرى فإن الإنسان ، هذا الموجود العملاق الذى حَلَّق في آفاق السماء ونفذ إلى أعماق الأرض وقعر المحيطات وفلق الذرة وابتكر العجيب والغريب ، تراه حائراً يعيش الضياع والسأم؛ إذ لا هدفَ حقيقي يصبو إليه ولا رؤية كونية واضحة يمتلكها إزاء الوجود ولا شمولية ولا انسجاماً يلمسه بين مفردات الكون وفصوله ، ومن أجل ذلك فإنه لا يعرف لماذا وضع قدميه في هذا العالم؟ و

    لماذا يُفرض عليه الخروج منه مرة أخرى؟ ولماذا تكون الحياة جميلة إبان الطفولة والشباب ، ثم تغدو رذيلة منغصة عند الشيخوخة وأرذل العمر؟!
    ومن هنا فنحن بحاجة إلى ما يخفف قلقنا وينزع سأمنا ويبدل ضياعنا وضلالنا إلى هدى ونور ورَوْح وراحة ، والفلسفة تؤدي هذا الدور؛ لأنها تعطي لكل ما تقدم من تساؤلات ، إجابات مُبيَّنة وذلك بتحديد رؤية كونية واضحة عن الكون والوجود والحياة ، لتتحدد لنا معالم المبدأ والمنتهى والسبيل بينهما. وبعبارة أخرى : إن الفلسفة تميط اللثام عن التوحيد والمعاد ، والنبوة التي تُعد سَبيلاً للوصول إلى شاطئ المعاد بأمان بما تتضمنه من شرائع ومناهج وأحكام ، فلا يغدو وجود الإنسان عبثاً ولا يُمسي كريشةٍ في مَهب الريح ، بل يعرف نفسه ويعرف أنه من أين وفي أين وإلى أين.
    وإذا كان دور الفلسفة الكشف عن‏ المجاهيل ، وانتشال الإنسان من حالات الإبهام والضياع بحل شبهاته في ما يرتبط بأصل الوجود ومآله وحقيقته ، فلا نبالغ إن أطلقنا اسم العلم عليها؛ لأن العلم يقوم بتسليط أضوائهِ الكاشفة على ظلمات المجاهيل ليُسفر عن هويتها وحقيقتها ، وهذا بالضبط ماتؤديه الفلسفة لقرّائها ودارسيها.
    نعم ، إن أُريد من العلم حَصيلة الأفكار والنتائج التجريبية التي يتوصل إليها الإنسان في مختبره أو في مجال الطبيعة ، فلا يصح حينئذٍ إطلاق اسم العلم على الفلسفة بهذا المعنى ، بل وكذلك لا تصح تسمية كهذِهِ على التأريخ والجغرافيا ، والفقه وبقية العلوم الإنسانية غير التجريبية.

    أساليب التحقيق العلمي :
    تختلف أساليب التحقيق العلمي باختلاف ميادينها ومجالاتها ، وذلك لأنك على سبيل المثال تجد فرقا واضحا بين البحوث التالية :
    أ ـ البحث فى تاريخ نشوب الثورة ضد الإنجليز فى العراق.
    ب ـ البحث فى أنواع الألوان.
    ج ـ البحث في صياغة قانون عام فيما يرتبط بتمدّد الحديد بالحرارة.
    فالبحث الأول يتناوله الأسلوب النقلي التاريخي بالدرس والتحقيق ، ولا دور للأساليب العقلية والتجريبية في ذلك؛ إذ إن الإنسان الذي لم يعاصر حدث الثورة ضد الإنجليز في العراق مهما حاول بعقله وتجربته معرفة ذلك ، فسوف يعجز عنه ولا يتوصّل إلى ما يريد. وأما البحث الثاني فإنه من مختصات الأسلوب التجريبي الحسي ولا دور للعقل والنقل فيه ، فإذا حُرِم الإنسان باصرته فإنه لن ‏يحظى بمعرفة اللون الأحمر أو غيره من الألوان مهما وصفها الواصفون بنقلهم ومهما استدل أهل البرهان عليها بعقولهم؛ وهكذا الحال بالنسبة إلى البحث الثالث فإنه وقْفٌ على الأسلوب العقلي ، ولا نصيب للأسلوب التجريبي والنقلي فيه مهما جرّب المجرّبون ونقل الناقلون ذلك ، إذ أن كل ما يجرّبونه وما ينقلونه لا يستوعب كل ما هو موجود أو مفترض من قطع الحديد المحكوم عليها بالتمدّد.
    ومباحث الفلسفة تعتمد على الأسلوب العقلي في تحقيقاتها ودراساتها لمسائلها الفلسفية ، إلا أنها قد تعتمد أحياناً على ظاهرة تجريبية لتجعلها منطلقاً لدراساتها العقلية والتأملية. (1)
    __________________
    1. ومن هذا القبيل النظر إلى بديع صنع الكون وعظمته ثم الانتقال بالتأمل والاستنتاج إلى وجود مبدع

    ثم إن عملية الكشف عن مجهول بواسطة معلوم آخر تتم عبر طرق ثلاثة من الاستدلال :
    1 ـ القياس :
    وهو قولٌ مؤلفٌ من قضايا متى سُلِّمت لزم عنه لذاته قولٌ آخر ، كما لو نقلت حكم الموت الثابت للإنسان إلى سقراط الذي هو فرد من أفراد الإنسان. فتقول :
    سقراط إنسان.
    وكل إنسان فان.
    فسقراط فان.
    ومثل هذه الحركة الفكرية يطلق عليها فى المنطق اسم «القياس» وهو مفيد لليقين في ظل شروط معينة وهي فيما إذا كانت مقدمات القياس يقينية ، وقد تم تنظيم القياس بشكل صحيح. وقد خصص المنطقيون جانباً مهمّاً من المنطق الكلاسيكي لبيان شروط مادة وصورة القياس اليقيني وهو (البرهان). (1)
    2 ـ الاستقراء :
    وهو الانتقال من حكم جزئيات إلى حكم كليّتها ، وهو على نحوين : استقراء تام واستقراء ناقص؛
    أما الاستقراء التام : فهو من قبيل الحكم بالجد والمثابرة على كل من هو موجود
    __________________
    ومنظّم ومهندس من ورائه وهو الله‏ الخالق المصوّر ، وهو ذات الأسلوب الذي اعتمده الأعرابي لإثبات وجود الله‏ جلّ اسمه حيث قال : البعرة تدل على البعير وأثر الأقدام يدل على المسير؛ أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ، لا يدلان على اللطيف الخبير؟!
    1. المنهج الجديد في تعليم الفلسفة؛ الأستاذ محمد تقي مصباح اليزدي ، دار التعارف للمطبوعات ـ 1418 ه ـ 1998 م : 1 / 100.

    في المدرسة بعد إجراء اختبار لجميع من كان فيها من الطلاب.
    وأما الاستقراء الناقص : فهو من قبيل الحكم على جميع أهل البلد بالاستقامة وحسن السيرة من خلال معاشرة عدد منهم.
    3 ـ التمثيل :
    وهو الانتقال من حكمِ جزئيٍ إلى حكمِ جزئيٍ آخر لاشتراكهما في معنى جامع بينهما ، بحسب الظن أو الوهم ، كما لو منع الوالد ولده عن معاشرة صديق من أصدقائه ، إلا أنَّ الولد لم ‏يُعرِض عن معاشرة هذا الصديق فحسب ، بل إنه أعرض عن صديق آخر له ظناً منه أن العلّة في المنع هي عنوان الصداقة ، فانتقل من حكم الأول إلى الثاني لمشابهتهما في عنوان الصداقة.
    وقد صرَّح أهل المعقول أن القياس البرهاني بكل أشكاله المنتجة يُفيدُ اليقين والقطع ، كما أن الاستقراء التام يفيد ذلك أيضاً ، وأما الاستقراء الناقص والتمثيل فلا يفيدان سوى الظن؛ ومن الواضح أن المفيد في الاستدلال هو اليقين لا الظن ، لأن الظن لا يغني عن الحق شيئاً.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    نافذه على الفلسفه صادق الساعدي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: نافذه على الفلسفه صادق الساعدي   نافذه على الفلسفه صادق الساعدي Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 3:32 pm

    فكِّر وأجب :
    1 ـ ما هو وجه تسمية الفلسفة بهذا الاسم؟
    2 ـ يقال : أنَّ الفلسفة شملت في العهد الإغريقي القديم جميع العلوم الحقيقية ، وضّح هذه العلوم بمخطط بياني.
    3 ـ لماذا لم يتمكن الفيلسوف في مقطع من الزمان استيعاب جميع العلوم؟ وفي أي حدود انحصر بعد ذلك دوره ونشاطه الفلسفي؟
    4 ـ ماذا يُقصد من الإلهيات بالمعنى الأعم والإلهيات بالمعنى الأخص؟
    5 ـ ما هو موضوع علم الفلسفة؟
    6 ـ ما هو وجه تسمية البحث عن الإلهيات بالميتافيزيقا؟ وما هو ردّك على توهّم البعض في أن البحث الفلسفي مختص بالموجودات المجردة دون الموجودات المادية ، بدعوى أنّها لا تمتُ إلى البحوث الميتافيزيقية بصلة؟
    7 ـ ماذا يُراود الإنسان أحيانا أو يلاحقه من تساؤلات حول مبدأه ووجوده ومصيره ...؟ ولماذا يشعر بالسأم والضياع في حياته؟
    8 ـ ما هو دور الفلسفة في إضفاء الروح والراحة والاطمئنان على حياة الإنسان؟
    9 ـ هل الفلسفة علم من العلوم؟ ولماذا؟ وما هي حجة من رفض إطلاق اسم العلم عليها؟
    10 ـ اذكر مع المثال أساليب وطرق التحقيق في المعرفة الإنسانية؛ وبيِّن الأسلوب المعتمد في تحقيق المسائل الفلسفية.
    11 ـ إن للاستدلال طرقا ثلاثة ، اذكرها مع أمثلتها ثم بيِّن المفيد منها للقطع.


    الدرس الثالث
    الوجود والماهية
    * بداهة مفهوم الوجود
    * مفهوم الماهية
    * أصالة الوجود واعتبارية الماهية
    * تشكك الوجود وتعدّد الماهية
    * فكِّر وأجب


    بداهة مفهوم الوجود
    تقدم في الدرس الثاني أن موضوع الفلسفة هو : الموجود بما هو موجود. والموجود هو الشيء الذي ثبت له الوجود ، سواء كان ذلك الشيء نفس الوجود أو شيئاً آخر متصفا به ، وأما الوجود فمفهومه بديهي مستغنٍ عن التعريف ، وما قد يُقال في تعريفه : «أنه الثابت العين» أو «الذي يمكن أن يُخبر عنه» فهي تعاريف لفظية ، (1) تُستخدم للتنبيه والإشارة إلى ما في الذهن من المفهوم البديهي وليست بتعاريف حقيقية ، إذ ليست بأعرف من الوجود بل لا شيء أجلى من الوجود.
    معنى الماهية
    وأما الماهية فقد قيل في تعريفها بأنها : الواقعة في جواب ما هي أو ما هو؛ فإذا قلت : ما هو زيدٌ؟ وجاءك الجواب بأنه إنسان ، أو قلت : ما هو الإنسان؟ وجاءك الجواب بأنه حيوان ناطق ، كان الجواب على هذا السؤال بذاته ماهية الإنسان. وبعبارة أخرى : أن الماهية بيان لحقيقة الشيء وذاته التي تميزه عمّا سواه.
    __________________
    1. والتعريف اللفظي ليس تعريفاً حقيقياً؛ لأن المعنى الدال عليه اللفظ واضح ، ولم يؤدِ اللفظ المُعرِّف من دورٍ سوى دور الإيضاح للفظ آخر استعمل في ذلك المعنى ، كما لو قيل : الغضنفر ما هو؟ فيقال : أسد ، فمعنى الأسد لا يحتاج السامع إلى تعريفه ، بل يحتاج إلى معرفة لفظ الغضنفر الذي دل على معنى الأسد ، فالتعريف اللفظي تبديل لفظ مكان آخر.

    وأنت حينَ تواجه موجوداً ما كجبل أبي قبيس ، فتقول : «جبل أبي قبيس موجود» ، فقد أشرت بالموضوع «جبل أبي قبيس» إلى ماهيةِ الشيء الذي واجهته ، كما أنك أشرت بالمحمول «موجود» إلى وجوده. وهكذا بقية الأشياء التي تواجهنا ، فإن لها ماهية كما أن لها وجوداً.
    أصالة الوجود واعتبارية الماهية
    وبما تقدّم يظهر أنّ الماهية تختلف عن الوجود مفهوماً ، أي أنّ ما يفهم من معنى الوجود غير ما يفهم من معنى الماهية ، فكل منهما يختلف عن الآخر في الذهن وأما في الخارج ، أي خارج حدود الذهن فلا يوجد اختلاف ، فهما متحدان في شيءٍ خارجي واحد ، فنستطيع أن نشير إلى زيد الخارجي بالقول : هذا إنسان وموجود.
    ولنا أن نسأل عن الشيء المتحقق في الخارج والذي سميّناه زيداً ، هل هو مصداق لمفهوم الوجود أو إنه مصداق لمفهوم الماهية؟ وبعبارة أخرى : هل إن الوجود أصيل في الخارج أم الماهية؟ فلو كان لكل منهما مصداق ، لكان في الخارج مصداقان اثنان لا مصداق واحد ، وبما أن الواقع الخارجي لا يوجد فيه إلا مصداق واحد ، فلابدّ أن يكون هذا المصداق لأحدهما دون الآخر وإن انطبقا عليه ، إلا أن أحدهما واقعي أصيل والآخر اعتباري ، أي أن المصداق الخارجي المتمثل بزيد ، يكون لأحدهما بالذات ومصداقاً للآخر بالعرض ، وبعبارة أخرى : إنه مصداق للوجود دون الماهية ، وإليك مثالاً يوضح المراد :
    لو كان عندك ورقة بيضاء وشرعت بتلوين مساحة منها بلون أخضر ، فإن

    حاصل هذا التلوين سوف يكون شكلاً معيناً ولنفرضه شكلاً مربعاً ، فإنك وبعد النظر إلى ذلك سينعكس في ذهنك مفهومان : أحدهما اللون الأخضر والآخر عبارة عن الشكل المربع الذي يُعدّ حداً للّون الأخضر ، فمفهوم اللون الأخضر له مصداق حقيقي وهو اللون الذي ارتسم على اللوحة ، وأما مفهوم الشكل المربع فليس له مصداق حقيقي في الخارج. نعم اللون الأخضر حيث ينتهي عند حدود خاصة فلابد وأن يكون له شكل معين وقد اتخذ هنا شكلاً مربعاً ، وهو ليس إلا حداً فاصلاً يفصل وجود اللون الأخضر عن اللون الأبيض للّوحة ، وأما الشكل المربع فلا عينية له في الخارج؛ بمعنى إنه لا يوجد في الخارج إلا اللون الأخضر؛ لأن الحدّ نهاية الشيء التي تميّزه عن غيره ونهاية الشيء لا تمثل شيئاً ، وأما الشكل فلا مصداق له يمثله ، بل إنَّ الذهن قد اِنتزعه من الوجود الخارجي للّون الأخضر.
    وهكذا يتضح حال الوجود والماهية ، فإن الواقع الخارجي للأشياء ليس سوى مصاديق لمفهوم الوجود ، إلا أنّ ذهن الإنسان يرسم لهذا الوجود حدّاً يميّزه عن غيره من المصاديق العينية الخارجية التي تشترك معه في الوجود ، فالإنسان مثلاً من أجل تشخيصه عن غيره من المصاديق الخارجية التي تشترك معه في الحيوانية يوضع له مائز يميّزه عنها وذلك المائز هو كونه ناطقاً ، فيقال بأنه : «حيوان ناطق» أي أن هذا الإنسان يمتاز عن غيره من الحيوانات بأن له قدرة على التفكير وإدراك الكليات.
    حصيلة ما تقدم هي : إن العينية الخارجية ليس فيها سوى الوجود ولا سهم للماهية فيه سوى أنها تنطبق عليه ويُنسب إليها اعتباراً ، وهو ما يعبّر عنه بأصالة

    الوجود واعتبارية الماهية.
    وإلى ما تقدم أشار المرحوم الملاّ هادي السبزواري (1) في منظومته الفلسفية :
    إن الوجود عندنا أصيل
    دليل من خالفنا عليل

    وعلى خلاف هذا الرأي ، ذهب آخرون إلى أصالة الماهية واعتبارية الوجود وأُنشِدَ لهم :
    إن الأصيل عندنا ماهية
    دليل من خالفنا واهية

    ولا نجد لزاماً بعد توضيح الفرق بين الماهية والوجود ، لذكر الأدلّة على أصالةِ الوجود واعتبارية الماهية ، ومن هنا ذهب البعض إلى بداهة المسألة وعدم الحاجة إلى إقامةِ البرهان عليها. (2)
    وإذا اتضح ما تقدم ، يظهر بجلاء إن الذي له تحقق خارج حدود الذهن ليس إلا الوجود ، وأما الماهية فلا تحقق خارجي لها في ذلك. وبعبارة أخرى : إن منشأ الآثار للإنسانِ ـ مثلاً ـ هو الوجود لا الماهية ، فالإنسان حينما يأكل ويشرب ويتحرك ويفكر ... فإنما يقوم بكل ذلك بوجوده الخارجي لا بماهيتهِ.
    تجدر الإشارة إلى أن الفلاسفة المشّائين ذهبوا إلى أصالة الوجود واعتبارية الماهية وفي طليعتهم «أبو علي ابن سينا» وقد تبلور رأيهم وتعزّزت أركانه بقوة في عهد الملاّ صدرا حيث أقام عليه حججه الساطعة وبراهينه القاطعة. وعلى
    __________________
    1. الملاّ هادي السبزواري «1212 ـ 1289 ه» وهو الشيخ هادي بن المهدي السبزواري ، حكيم وفيلسوف عارف ، وفقيه ورع ، شاعر بالعربية والفارسية ، له كتب كثيرة ، عدّها البعض (29) كتاباً ، منها كتابه المعروف بـ «المنظومة» الذي تناول فيه بيان الفلسفة وأدلتها وردودها بأسلوب شعري بارع وجميل.
    2. من أجل مزيد توضيح راجع الكتب المفصّلة كالبداية والنهاية للعلاّمة الطباطبائي حيث استعرض فيهما آراء الفريقين وأدلتهما وردودهما.

    خلافهم ذهب الإشراقيّون إلى القول بأصالةِ الماهية واعتبارية الوجود ، وكان في طليعة هؤلاء شيخ الإشراق «شهاب‏ الدين السهرَوَرْدي».
    تشكك الوجود وتعدد الماهية
    إنّ إحدى الفروق التي يمكن الوقوف عليها في مجال تمييز الماهية عن الوجود هو : أن الماهية تختلف وتتعدّد باختلاف الأشياء ، فماهية الإنسان تختلف عن ماهية الشجر ، وهما يختلفان عن ماهية الحجر ... ، بينما الوجود في كل الأشياء واحد مهما تكاثرت وتعدّدت ، إلا إنه قد يختلف شدّةً وضعفاً من موجود إلى آخر ، فنور الشمعة أضعف من نور المصباح ونور المصباح أضعف من نور الشمسِ وهكذا؛ فإن الوجود يبدأ بأضعف موجود وينتهي بأكمل موجود وهو الله‏ ـ جل اسمه وعلا مكانه ـ إلا أن الوجود واحد.
    وبما أسلفنا يظهر أن الماهية تحدّد حقائق الأشياء وتميّز بعضها عن البعض الآخر بعد اتحادها في الوجود ، فلولا الماهية لم يتحقق التحديد والتشخيص في الموجودات ولم تتضح حقائقها. ومن أجل معرفة الفارق بين الوجود والماهية تصوّرْ أن الوجود عجينة وضعناها في قوالب مختلفة ، فإنها تتشخص بحسب القوالب التي صُبّت فيها ، فتكون اسطوانية أو مكعبة أو مخروطية ... ، فالعجينة بمثابة الوجود المتحد في الجميع ، والقوالب بمثابة الماهيات المختلفة فيما بينها بحسب اختلاف مواردها ومشخصاتها.

    فكِّر وأجب :
    1 ـ ما هو تعريف الوجود والموجود والماهية؟ مَثّل لكل من الماهيةِ والوجود بمثال؟ ثم بيّن لماذا اعترض البعض على تعريف الوجود والموجود؟
    2 ـ وضّح ما يلي : «إن الماهية تحدّد حقائق الأشياء وتميّز بعضها عن البعض الآخر بعد اتحادها فى الوجود» واشفع توضيحك بمثال مقرّب للمطلوب.
    3 ـ ما هو المقصود من أصالة الوجود واعتبارية الماهية؟ عزّز جوابك بأمثلة بيانية؟
    4 ـ من هم القائلون بأصالة الوجود واعتبارية الماهية؟ ومن هم القائلون بأصالة الماهية واعتبارية الوجود؟

    الدرس الرابع
    تقسيمات الوجود
    (1)
    * الوجود الذهني والخارجي
    * نظرية المعرفة
    * فكّر وأجب


    الوجود الذهني والخارجي :
    إنَّ للأشياء وجودين حقيقييّن : أحدهما ، الوجود الخارجي ، والآخر الوجود الذهني ، ويتمثّل الأوّل بوجود الأشياء خارج حدود الذهن ، كأفراد الإنسان والحجر والشجر ، بينما يتمثل الثاني بعلمنا المتعلق بصور تلك الأشياء.
    ولا شك في أن انطباع صور الأشياء في الذهن ليس على شاكلة ارتسام صور الأشياء على لوحة أو ورقة ، إذ أن الورقة لا تدرك ما يرتسم عليها من الصور ، بخلاف ارتسامها في الذهن ، لأنه مدرك لها ، عالم بها ، محيط بها.
    والمشكلة التي أثارت الفلاسفة والعلماء منذ أبعد الآماد ولحدّ الآن؛ هي مدى مطابقة الوجود الذهني للوجود الخارجي ، وقد عبّروا عن المطابقة بالصواب وعن عدمها بالخطأ.
    نظرية المعرفة :
    ومن هنا اهتمّ الفلاسفة بالمعرفة الإنسانية ومصدرها وقيمتها ، حيث جعلوها في طليعة المعارف الفلسفية وأهمها.
    ولسنا الآن في صدد البحث عن نظرية المعرفة بتفاصيلها وخطوطها ومسائلها ، إلا إنه يمكن وبصورة مجملة القول :

    إن الفلاسفة وبعد أن اختلفوا في تحديد مصادر أفكارنا التصورية والتصديقية في أنّها حسِّية أو عقلية أو كلاهما معاً ، أو شيء آخر ، اختلفوا في قيمتها ومطابقتها للواقع الخارجي ، ومن أجله ذهب جماعة منهم إلى إنكار الواقع الخارجي بكل تفاصيله منكرين أنفسهم ، ومن هؤلاء «غورغياس» السوفسطي ومن المنكرين «جورج باركلي» (1) الذي لم يؤمن بوجود شيء ما سوى الأنا المدْرِكة والصورة المدْرَكة ، ويُسمى باركلي وأنصاره بالمثاليين «ايده اليست Idealists» ، بينما ذهب «أرسطو» ومدرسته وتلامذته ومن سار على خطاه ، إلى الإيمان بالواقع مطلقاً العيني الخارجي منه وغيره ويُسمى هؤلاء بالواقعيين «رئاليست Realists».
    وجنح جَمع آخر إلى الإيمان بالواقع الخارجي إيماناً نسبياً ، فالصورة المدركة عندهم مزيجٌ من مادة الإدراك الخارجي والقوالب والمقولات الجاهزة في الذهن ، فلا تمثل الصورة المدركة الخارجَ بصورة مستقلة ولا الذهن بصورة مستقلة ، بل للخارج نسبة ونصيب من هذِهِ الصورة ، وللذهن نصيب ونسبة منها أيضاً وهو ما ذهب إليه «عمانوئيل كانت» (2) في نظريته النسبية.
    __________________
    1. «جورج باركلي George Barckley» «1685 ـ 1753 م» فيلسوف إنجليزي مثالي مبكر النضوج ، شاعر في طفولته ، التحق بمدرسة «كلكني» فدرس فيها الرياضيات ثم التحقق بكلية «الثالوث Tinity» فأبدى فيها من الحماسة والخيال ما جعل الآخرين يعتبرونه أكبر عبقري أو أكبر مخبول ، اشتغل مدرّساً للغة اليونانية عام 1712 م وكان قسيساً ، وقد تأثّر باركلي في دراسته بـ «ديكارت» و «لوك».
    2. «عمانوئيل كانت Emanuel Kant» «1724 ـ 1804 م» فيلسوف ألماني ولد في كينجسبرج ، كان والده سرّاجاً مجتهداً في عمله صدوقاً ، وكانت أمه متدينة ، حريصة على سماع مواعظ (فرانس شولتس مدير معهد «فريدريك») ومن هنا ألحقت الأم ابنها بهذا المعهد ليدرس فيه ، وبعدها التحق بجامعة كينجسبرج فدرس الرياضيات والفلسفة وأصول الدين. عُرف «كانت» بدقته الفائقة في تنظيم مواعيد عمله اليومي كالساعة في تحديد الوقت ، من أشهر كتبه «نقد العقل العملي» ، «نقد العقل النظري» ، «نقد الحكم العقلي».

    ومال آخرون إلى الشك بوجود واقع خارج حدود الذهن البشري ، فلم يحكموا بثبوته ولا بنفيه ومن هؤلاء «دافيد هيوم» (1) و «جون لوك» (2) وهكذا اختلفت آراء المفكرين في تقييم إدراكاتنا عن الواقع الخارجي باختلاف مذاهبهم ومشاربهم الفلسفية. (3)
    ولا يمنعنا سعة البحث من الإشارة السريعة إلى المذهب الصحيح والرأي الحق فى المسألة آنفة الذكر ، فنقول :
    __________________
    1. «دافيد هيوم David Hume» «1711 ـ 1779 م» فيلسوف ومؤرخ إنجليزي ولد في مدينة أدنبره الواقعة في اسكتلندا شمالي بريطانيا ، درس في ثانوية أدنبره والتي تحولت بعد ذلك إلى جامعة أدنبره ، فدرس فيها الفيزياء الطبيعية وكانت له رغبة ملحة في دراسة كتب الفلسفة والأدب. أخفق هيوم في التأليف بدو الأمر لِما كان يعتمده من أسلوب جاف في عرض أفكاره ، إلا إنه التفت إلى ذلك بَعدها فألف كتاباً تحت عنوان «مقالات أخلاقية وسياسية» لاقى فيه إعجاب الكثيرين مما أعاد له الثقة بنفسه ، وقد كتب هيوم في التاريخ كتاباً تحت عنوان «تاريخ إنجلترا». ومن أشهر كتبه كتاب «بحث في الطبيعة الإنسانية» عرض فيه أفكاره الحسية ، وأرجع مبدأ العلّية إلى عادة تداعي المعاني.
    2. «جون لوك John Locke» «1632 ـ 1704 م» فيلسوف إنجليزي ومن المؤمنين بأصالة التجربة ، درس في كلية «كنيسة السيد المسيح» في إكسفورد ، إلا إنه لم ينخرط في مسلك رجال ‏الدين ، مارس الطب التجريبي حتى عُرِف في تلك الفترة بالدكتور لوك ، إلا إنه حصل بعد ذلك على شهادة البكلوريوس في الطب. لوحظ في فلسفة لوك تناقض بين رأيه في المصدر الأساسي للمعرفة وبين رأيه في قيمة المعرفة ، ولذا فإن ما حازه لوك من شهرة كان أكبر من حجمه.
    3. من أراد التفصيل فعليه بمراجعة كتاب «فلسفتنا» للشهيد السعيد آية ‏الله‏ السيد محمد باقر الصدر. وكتاب «الإيدولوجية المقارنة» للأستاذ الشيخ مصباح اليزدي.

    إن الإيمان بوجود واقع خارجي قضية مسلّمة لا يختلف فيها اثنان ولو في حدود الأنا المُدْرِكة ، إذ لو لم تكن «الأنا» موجودة فكيف أنكر المنكر أو شكك المشكك بوجود الواقع الخارجي ، وحتى (باركلي) حينما أنكر الواقع الخارجي لم ينكر ذاته المدرِكة والصور المدْرَكه ، والسرُ هو أن ذلك معلوم عنده بالعلم الحضوري ، ومن أجله فقد ادّعى أنه ليس منكراً ولا شكاكاً بالواقع الموضوعي الخارجي ، إلا إنه يؤمن بواقع الأنا المدرِكة والصورة المُدْرَكَةِ وينكر الوجود المادي للأشياء ، فوضع لمذهبه قاعدة معروفة : «أن يُوجد هو أن يُدرِك أو أن يُدْرَك» ومن الواضح أن ما سوى الأنا المدرِكة والمَدرَكات المرتبطة بها غير معلوم لنا بالبداهة أو بالعلم الحُضوري ، بل هو بحاجة إلى برهان ودليل ، والعقل هو الحاكم بوجودها انطلاقاً من مبدأ العليّة العقلي الذي لا يشك فيه حتى المنكرون والشكاكون ، لأنهم حينما رفضوا الإيمان بوجود واقع موضوعي خارج حدود الذهن البشري ، فإنما استندوا إلى دليلٍ لإثبات مدّعاهم وهذا الدليل في واقعه علّة وسبب لإثبات منحاهم الفلسفي في إنكار الواقع أو الشك فيه.
    ومبدأ العلّية يقرّر أن لكل حادثة سبباً انبثقت منه ، فهناك كثير من الظواهر التي نتحسسها ونبحث عن سببها ، فلو كانت نابعة من صميم ذاتنا ، لكانت معلومة لنا بالعلم الحضوري ، وحيث إنّا لا نجد علّة تلك الحادثة في صميم وجودنا فلابد وأن يكون مصدرها شيئاً خارجَ حدود ذواتنا ، وليس ذلك إلا الشيء الخارجي ، كما لو أمسكت شوكاً بيدك وشعرت بألم الوخز الذي يصيبها حين إمساكك له ، فإنك ستبحث عن سببه وحينما تراجع نفسك لا تجد فيها سبباً وعلّة لذلك الألم ، إذ لو كان لبان لك بالعلم الحضوري وجودهُ في نفسك ، هذا من ناحية.

    ومن ناحية أخرى فإن بعض الظواهر يشعر بها الإنسان على خلاف رغبته كما في المثال المتقدم ، فكيف توُجِد النفسُ ما يبعث على انزعاجها وألمها؟! فلابد وأن يوجد سبب آخر خارج حدودها ، كان باعثاً على ذلك الألم.
    وفي الختام نقول :
    إن الإنسان لا يجد في نفسه مبرراً يدفعه للبحث في أي حقل من حقول المعرفة الإنسانية التجريبية وغيرها ما لم تكن معرفته ذات قيمة تكشف عن الواقع الذي انبثقت منه ، فلو كانت أفكارنا محض خيالٍ وصورٍ تتوالى في عالم الذهن ولم يكن لها علاقة من قريب أو بعيد بواقعها الخارجي ، كما ادعى المنكرون والشكاكون والسوفسطائيون! لما أصبح للبحث والتحقيق والجد والسعي والمثابرة والخوف والرجاء ... معنى ، إذ كل محاولة من هذا القبيل تغدو جزافاً وعبثاً.

    فكِّر وأجب :
    1 ـ ما هو المقصود من الوجود الذهني والخارجي؟ وبماذا يمتاز الوجود الذهني عن وجود الصورة المنطبعة على اللوحة؟
    2 ـ اشرح ما يلي : «تُعَدُّ نظرية المعرفة حجر الزاوية ومنطلقا لكل بحث علمي مهما كان لونه».
    3 ـ وضّح بإجمال الآراء الفلسفية على صعيد قيمة المعرفة.
    4 ـ لماذا لم ينكر «باركلي» نفسه المُدْرِكة والصور المُدْرَكة؟
    5 ـ علّل ما يلي : «لا يمكن إنكار مبدأ العلية حتى للسوفسطي وغيره من المنكرين لواقع الأشياء ووجودها»؟

    الدرس الخامس
    تقسيمات الوجود
    (2)
    * الوجود المادّي والمجرّد
    * المدارس المادية والوجود المجرّد
    * الفرق بين المادي والمجرّد
    * فكِّر وأجب


    المادّي والمجرّد
    إن إحدى تقسيمات الوجود هي :
    الموجود المادي والموجود المجرد.
    والمقصود من الموجود المجرد ما يقابل الموجود المادي ومن هنا يُسمّى الموجود المجرد بـ «غير المادي».
    وتستعمل كلمة المادي في الفلسفة بمعنى الجسماني ، فيكون المجرد بمعنى غير الجسماني ، فلا يصدق عليه أنّه جسم ولا تُنسب إليه خصائص الأجسام ، كوجود الله‏ الأقدس؛ فإنه ليس بجسم ولا يخضع لخصائص الأجسام. وعلى هذا فالوجود شامل لنوعين من الموجودات : المادية والمجردة.
    المدارس المادّية والوجود المجرّد
    إلا إن بعض المدارس المادية كالمدرسة الوضعية وفي طليعتها «اوغست كونت» (1) والمدرسة الماركسية وفي مقدّمتها كارل ماركس (2) ، ذهبوا إلى إنكار
    __________________
    1. «اوغست كونت Ougust Conte» «1798 ـ 1857 م» عالم فرنسي مؤسس للمذهب الوضعي الفلسفي ، كما وإنه مؤسس لعلم الاجتماع الحديث ، كان يعاني من الفقر والضنك الاقتصادي ، ألّف كتاب «محاضرات في الفلسفة الوضعية».
    2. «كارل ماركس Cal Max» «1818 ـ 1883 م» مفكر اقتصادي وسياسي ألماني ، ولد في مدينة ترير من أسرة يهودية ، اعتنق وأسرته المسيحية على المذهب البروتستانتي ، اهتم بفلسفة (هيجل) ودرس التاريخ والفلسفة ، فنال شهادة الدكتوراة في الفلسفة واختص بدراسته الاقتصاد. عمل محرراً لجريدة «الراين» وكتب كتاب «رأس المال». عانى في حياته من الفقر المدقع فشكل عقدة في حياته ، انعكست وبصورة مفرطة على آراءه وأفكاره وكتاباته.

    كل ما لا يمتّ إلى العالم المادي المحسوس بصلة ورفعوا شعار «أثبت لي شيئاً بالحس أقبله منك وإلا فلا» وتغافل هؤلاء عن أنَّ الموجودات منها ما هي مجردة غير مادية ، لا يمكن التعرف عليها إلا من خلال العقل واستنتاجاته وتأملاته كوجود الله‏ تعالى ، لأن الحواس الخمس قاصرة عن إدراكها والتحسس بها ، ومنها ما هي مادية غير مجردة ، وهي بدورها قد تعجز حواس الإنسان الخمس عن إدراك بعض مفرداتها ومواردها ، لوجود مانع حال دون ذلك ، أو لقصور في وسائل التجربة ، فالإلكترون والأشعة تحت الحمراء أو فوق البنفسجية والجاذبية الأرضية وغيرها من المفردات أكّد عليها العلم وآمنا نحن ببعضها إيماناً قاطعاً على الرغم من أنها لم تخضع بصورة مباشرة لإحدى حواسنا الخمس ، بل توصّلنا إلى وجودها من خلال آثارها الدالّة عليها بحكم العقل القاطع بأن لكل أثر مؤثراً ولكل معلول علّة.
    فإذا أمكن إثبات الجاذبية من خلال سقوط الأجسام باتجاه الأرض بعد رميها إلى أعلى ، وإذا أمكن إثبات وجود التيار الكهربائي من خلال توهج المصباح أو حركة المروحة ، أمكن أيضاً إثبات وجود الله‏ من خلال آثار صنعه وبديع خلقه. فكما أثبتنا وجود الجاذبية والتيار الكهربائي وغيرها من الظواهر المادية بطريقة عقلية استدلالية مع أنها لم تخضع بصورة مباشرة لحواسنا ، كذلك الحال بالنسبة إلى

    الله‏ جَل جَلاله ، إذ يجوز لنا إثبات وجوده الأقدس بطريقة عقلية استدلالية على الرغم من إنه تعالى لم يخضع بصورة مباشرة لحواسنا.
    فإن رضوا لأنفسهم ذلك ولم يرضوه لنا ، كان كيلهم بمكيالين! وعلى طريقة «باؤهم تجر وباؤنا لا تجر»!
    الفرق بين المادي والمجرّد
    إن بإمكاننا التفريق بين الموجود المادي وبين الموجود المجرد في أن الأول يمكن الإشارة إلى جهة وجوده دون الثاني ، فلا جهة له حتى تصح الإشارة إليه.
    كما أن الموجود المادي فيه استعداد وقوة على التغيُّر والتبدل بالامتداد والحركة من حالة إلى حالة أخرى ، ولذا فإن الحركة ملازمة له ، فالحبة تتحول بفعل استعدادها للتغيُّر إلى نبتة ، والنبتة إلى شجرة ، والشجرة تحمل ثمراً وهكذا ، فإن الموجود المادي في حالة تغيُّر وحركة دائبين ، بينما لا تجد هذه الحالة في الموجود المجرد على ما ذهب إليه جمهور الحكماء.

    فكِّر وأجب :
    1 ـ بيّن كلاًّ من الموجود المادي والمجرد؟
    2 ـ وضّح موقف المدارس المادية من الموجودات المجردة؟ وما هو الرد المناسب لها؟
    3 ـ اذكر الشواخص التي يميّز على أساسها الموجود المادي عن المجرد؟

    الدرس السادس
    الواجب والممكن والممتنع
    * الواجب والممكن والممتنع
    * الواجب والممتنع؛ بالذات وبالغير
    * الإمكان وأقسامه
    * فكِّر وأجب


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    نافذه على الفلسفه صادق الساعدي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: نافذه على الفلسفه صادق الساعدي   نافذه على الفلسفه صادق الساعدي Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 3:34 pm


    الواجب والممكن والممتنع :
    إن نسبة أيّ محمول إلى أيّ موضوع إما أن تكون ضرورية لا يصح فيها الانفكاك كنسبة الزوجية إلى الأربعة في قولنا : «الأربعة زوج» ؛ وإما أن لا تكون ضرورية كنسبة الاحتراق إلى الورقة ، في قولنا : «الورقة محترقة» ، أو أن تكون ضرورية السلب كما في قولنا : «الثلاثة زوجٌ». ففي المثال الأول يعبّر عن النسبة بالوجوب ، أي وجوب نسبة المحمول إلى الموضوع ، كما ويعبّر عن النسبة في المثال الثاني بالإمكان ، أي إمكان نسبة المحمول إلى الموضوع وإمكان عدمه ، وأما النسبة في المثال الثالث فيُعبّر عنها بالامتناع ، أي امتناع نسبة المحمول إلى الموضوع. والنسب الثلاث هذِهِ يُعبّر عنها في علم المنطق بمادة القضية. (1)
    وعلى غرار ما تقدّم من أنماط نسبة المحمول إلى الموضوع ، ذكر الفلاسفة أن الوجود حينما يحمل على موضوع من الموضوعات فإنّ نسبته إليه قد تكون واجبة كنسبة الوجود إلى الله‏ في قولنا : «الله‏ موجود». حيث ثبت في برهان الإمكان ، كما سيأتي الحديث عنه ، (2) أن الوجود بالنسبة لذات الحق تعالى واجب
    __________________
    1 ـ راجع بحث الموجهات ـ مادة القضية ـ في كتاب المنطق للعلامة محمد رضا المظفر ، ص 146 ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ، لبنان ، 1980 م.
    2 ـ في الدرس العشرين.

    ويُسمى هذا الموضوع بواجب الوجود.
    وقد تكون نسبة الوجود إلى الموضوع ممتنعة فيسمى الموضوع بممتنع الوجود ، كما لو قيل بأن شريك الباري موجود ، فإن النسبة هنا ممتنعة إذ لا يمكن أن يُنسب الوجود إلى الشريك المفترض لله‏ جَلّ ‏وَعلا كما هو ثابت في أدلة التوحيد.
    وقد لا تكون نسبة الوجود إلى موضوع واجبة ولا ممتنعة ، فيسمّى بالممكن ، كالإنسان مثلاً ، حينما يُقال إنه موجود ، فإن الوجود بالنسبة إليه غير ضروري الإيجاب ولا ضروري السلب ، بل ممكن.
    الواجب والممتنع؛ بالذات وبالغير
    والواجب قد يكون واجباً بالذات كوجود الله‏ جَلّ‏ وَعلا فإنه واجب الوجود بالذات ، بخلاف المعلول الذي يجب وجوده لوجود علته ، فهو واجب بغيره ، إذ إن المعلول يجب وجوده حين وجود علته ، فالإنسان مثلاً إنما يجب وجوده بوجود علته ، ومن هنا قيل : «الشيء ما لم يجب لم يوجد». والممتنع أيضاً قد يكون ممتنعاً بذاته كشريك الباري ، وقد يكون ممتنعاً بغيره ، كالمعلول الذي يمتنع تحققه بسبب عدم وجود علته ، فالزجاج يمتنع انكساره بسبب عدم وجود علة لانكساره.
    الإمكان وأقسامه
    ذكر الفلاسفة أقساما للإمكان ، نجمل ذكر بعضها بما يلي :
    1 ـ الإمكان الخاص (الذاتي) :
    وهو سلب الضرورتين؛ ضرورة الوجود وضرورة العدم من موضوعٍ ما ،

    فحينما نقول : «الإنسان ممكن» ؛ نعني به سلب ضرورة الوجود وضرورة العدم منه ، وبعبارة أخرى أنه بحد ذاته مجرداً عن أي شيء ، فلا يقتضي الوجود ولا العدم ولا التقدم ولا التأخر ولا البياض ولا السواد ....
    وإنما سمِّيَ هذا الإمكان بالخاص؛ لأنه أخص من الإمكان العام الذي هو المعنى اللغوي للإمكان والدارج بين الناس.
    2 ـ الإمكان العام :
    وهو سلب الضرورة عن الطرف المقابل مع السكوت عن الطرف الموافق ، فقد يكون مسلوب الضرورة أيضا وقد لا يكون كذلك.
    بيان ذلك : إن الإمكان العام على نحوين : فقد يكون سلباً لضرورة السلب كما في قولنا : «الإنسان ممكن الوجود» ، و «الله‏ ممكن الوجود» ، ففي المثال الأول والثاني سلبت ضرورة العدم ، أي أن العدم غير ضروري بالنسبة للإنسان وبالنسبة لله‏ جلّ ‏وعلا. وأما الطرف الموافق وهو الوجود فقد يكون مسلوب الضرورة أيضا ، كما في المثال الأول ، إذ إن الوجود بالنسبة للإنسان غير ضروري كما أن العدم بالنسبة إليه ليس ضروريا. وأما بالنسبة للطرف الموافق في المثال الثاني ، فإن ضرورة الوجود غير مسلوبة عنه ، إذ إن الوجود بالنسبة لله‏ تعالى ذاتى لا ينفك عنه.
    وقد يكون سلبا لضرورة الوجوب كما في قولنا : «الإنسان ممكن العدم» ، و «شريك الباري ممكن العدم» ، فإن ضرورة الإيجاب مسلوبة في المثالين ، بمعنى أن الوجود غير ضروري بالنسبة إلى الإنسان وشريك الباري ، وأما الطرف الموافق فمسكوت عنه ، فقد يكون مسلوب الضرورة أيضا كما في المثال الأول ،

    فإنه مسلوب لضرورة الوجود والعدم معاً؛ فلا الوجود ولا العدم ضروريان بالنسبة إليه. وقد لا يكون مسلوبا للطرف الموافق كما في المثال الثاني ، فإن ضرورة العدم غير مسلوبة عن شريك الباري ، بمعنى أن العدم ضروري بالنسبة إليه ، وهو مقتضى أدلّة التوحيد النافية لوجود آلهة غير الله‏ : «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا» (1)
    تجدر الإشارة إلى أن وجه تسمية هذا الإمكان بالإمكان العام يعود إلى أن هذا المعنى للإمكان هو المعنى الأعم له ، كما يُسمى عاميا لأن الإمكان بهذا المعنى هو الدارج حين الاستعمال عند عوام الناس.
    3 ـ الإمكان الوقوعي :
    ويعني إمكان وقوع وتحقق شيءٍ من الأشياء ، فلا يلزم من فرض وجوده محال ، كإمكان وجود إنسان له رأسان ، وكإمكان اصطدام القمر بالأرض. وإنما يمتنع وقوع الشيء إما لكونه محالاً في ذاته كاجتماع النقيضين وارتفاعهما في شيءٍ واحد ، أو لكونه محالاً لغيره ، كاستحالة وجود المعلول لعدم علته. فالمعلول في حد ذاته ممكن إلا أنه استحال تحققه لعدم تحقق علته المفيضة له ، إذ من الواضح أن المعلول عدم عند عدم علته.
    4 ـ الإمكان الاستعدادي :
    وهو قابلية مكنونة في شيءٍ تؤهّله لأن يكون شيئاً آخر كقابلية النطفة أن تكون إنسانا ، وهذا الاستعداد ينحصر وجوده في الموجودات المادية ، إذ إنها في حركة ونمو دائبين ، فالنطفة تتحول إلى علقة والعلقة تتحول إلى مضغة ، إلى أن تكون
    __________________
    1 ـ الأنبياء / 22.

    إنسانا ، والإنسان يتطور ويتغير من مرحلة إلى أخرى ... وهكذا.
    ويختلف الإمكان الاستعدادي عن الإمكان الوقوعي في أن الأول مختص بالماديات ولا يشمل المجردات؛ لأن المجردات توجد وهي كاملة فلا تغيّر ولا تطوّر فيها ، وأما الماديات فإنها في حالة تطور وتغيُّر ، بخلاف الإمكان الوقوعي ، فإنه شامل للماديات والمجردات على حد سواء.

    فكِّر وأجب :
    1 ـ عرِّف ما يلي :
    أ ـ الواجب. ب ـ الممكن. ج ـ الممتنع.
    2 ـ اذكر مثالاً لكلٍ من الواجب بالذات وبالغير ، والممتنع بالذات وبالغير.
    3 ـ اشرح العبارة التالية :
    «الشيء ما لم ‏يجب لم ‏يوجد»
    4 ـ ما هو الإمكان الخاص؟ وضّح جوابك بمثال ، وما هو وجه التسمية فيه؟
    5 ـ ما هو الإمكان العام؟ وضّح جوابك بمثال ، وما هو وجه التسمية فيه؟
    6 ـ بيّن معنى الإمكان الوقوعي.
    7 ـ ما هو المقصود من الإمكان الاستعدادي؟ وما هو الفرق بينه وبين الإمكان الوقوعي من حيث الشمول أو عدمه للموجودات المادية والمجردة؟

    الدرس السابع
    الجوهر والعرض
    (1)
    * الجوهر والعرض
    * الجوهر وأقسامه
    * الجوهر العقلاني
    * الجوهر النفساني
    * الجوهر الجسماني
    * الجوهر المادي أو الهيولى
    * الجوهر الصوري
    * فكِّر وأجب


    الجوهر والعرض
    إنَّ عدَّك للأشياء الموجودة في مدرستك قد يَكون عدّاً فردياً بأن تحصي عدد الطلاب والكراسي والصفوف والأشجار والأقلام والدفاتر .... بكل أفرادها وجزئياتها ، وقد يكون عدَّك لها عدّاً نوعياً فلا يعنيك أعدادها الفردية بل المطلوب عندك معرفة عناوينها الكلية بأن تقول :
    إن مجاميع من الطلاب والكراسي والأشجار والأقلام والدفاتر .... توجد في مدرستنا.
    وعلى غرار الطريقة الثانية في عدِّ الأشياء ، قام الفلاسفة في عدِّ أنواع الموجودات وأجناسها العامة بعد استقرائها وتسمّى عندهم بالأجناس العالية أو المقولات. (1)
    وقد وقع الخلاف في تحديد عددها إلا أنَّ المعروف عنها أنها عشر مقولات على ما اختاره زعيم المشّائين «أرسطوطاليس» واحدٌ منها يُطلق عليه اسم «الجوهر» بأقسامه ، والتسع الباقية منها تسمّى بـ «الأعراض».
    وقد عَرَّف الفلاسفة الجوهر بأنه الموجود لا في موضوع ، وبعبارة أخرى إنه ماهيةٌ إذا وُجِدتْ وجدت لا في موضوع ، كالجسم فإنه في وجوده لا يحتاج إلى
    __________________
    1 ـ جمع مقولة ، وهي ما يُقالُ في جواب ما هو ، فهي ماهيات الأشياء وحقائقها.

    موضوع كي يتقوّم ويتحقق به على خلاف العرض ، فقد عرَّفوه بأنه ماهية إِذا وجُدتْ وجُدتْ في موضوع ، كاللون مثلاً فإنه لا يوجد بصورة مستقلة عن غيره بل لابد له من موضوع كي يتقوّمَ به ، فاللون لا يتحقق إلا في جسم ، فيكون الجسم موضوعاً لتحقق اللون ووجوده.
    الجوهر وأقسامه
    والفلاسفة بعد استقرائهم للجوهر وأنواعه وجدوا أنه لا يتعدّى خمسة أقسام؛ فإليك بيانها بصورة مجملة مع ذكر تسمياتها :
    1 ـ الجوهر العقلاني :
    ويسمّى عندهم بالعقل ، وهو موجود مجرّد ، ولا تعلق له بالمادّة والمادّيات ، كالملائكة فإنّ وجودها مجرد ولا تحتاج إلى شيء مادي في نشاطها وفعلها.
    و «العقل» مشترك لفظي بين معنيين :
    الأول : بمعنى القوّة التي تُدرِك الكليّات وهذا المعنى هو الذي تنصرف إليه كلمة العقل في العرف العام حين استعمالها.
    الثاني : بمعنى المجرد التام كالملائكة وهو ما يقصده الفلاسفة من استعمال كلمة العقل حين إطلاقها.
    2 ـ الجوهر النفساني :
    وهو الموجود المجرد في ذاته ووجوده إلا إنه مرتبط بالمادة ، كروح الإنسان ، فإن وجودها مجرد إلا إنها متعلقة بالبدن في نشأتها وفعلها؛ حيث إنها تنشأ مع

    نشوء البدن ، كما أوضح ذلك صدر المتألهين استناداً إلى فكرة الحركة الجوهرية. (1) كما إنها تحتاج إلى البدن في فعلها ونشاطها ، فهي التي تدرك وترى وتسمع وتلمس ... كل ذلك بواسطة البدن ، وفي آخر الأمر يُتاح لها أن تستقل عن البدن بعد موته.
    3 ـ الجوهر الجسماني :
    وهو الموجود الذي له أبعاد ثلاثة وله زمان ومكان وقابل للأشكال المتعددة والألوان المختلفة ، ويتحقق لنا إثباته عن طريق العقل لا عن طريق الحس ، وذلك لأن ما ندركه من الأجسام ليس سوى أعراض تعرض على الأجسام ومن خلالها نستنتج أبعادها الثلاثة.
    والجوهر الجسماني مركب من جوهرين آخرين أحدهما الجوهر المادي والآخر الجوهر الصوّري ، وسيأتي توضيحهما بعد قليل.
    4 ـ الجوهر المادي أو الهيولى : (2)
    وهو مُبْهم لا تشخص فيه سوى قابليته واستعداده للتشخص ـ أي قبوله لصورة الأنواع المختلفة ـ وهو موجود في جميع الأجسام وَيكون متشخصاً بسبب الصور النوعية التي تظهر فيه ، ولكنه في الجميع واحد مشترك ، فالتراب حين يكون نباتاً والنبات حين يكون حيواناً ، والحيوان حين يكون معدناً ... فإن الجوهر المادي أو ما يسمّى بالهيولى فيها واحد لا يختلف ، وإنما الذي اختلف صور الأشياء التي توالتْ عليه ، فالصورة الترابية هي التي تغيّرت إلى صورة
    __________________
    1 ـ سوف يأتي في الدرس الرابع عشر بيان لفكرة الحركة الجوهرية.
    2 ـ الهيولى كلمة يونانية تعني الأصل ، وهي واحدة في جميع الأشياء في الجماد والنبات والحيوان .. وإنما تتباين الكائنات في الصور فقط.

    حيوانية ، والأخيرة بدورها تغيرت إلى صورة معدنية .... وهكذا ، فالجوهر المادي أشبه ما يكون بالطين الذي يتخذ أشكالاً مختلفة حين استخدامه في البناء ، فإنه واحد لم ‏يتغيّر وإنما صوره الطارئة عليه تتغير.
    5 ـ الجوهر الصوري :
    وهو منشأ آثار أنواع الموجودات المادية الجسمانية وله أنواع مختلفة ، فمن جملتها الصورة الجسمية التي تلازم الهيولى ولا تنفك عنها؛ لأن الهيولى ـ وكما تقدّم ـ لا فعليّة ولا تشخص فيها سوى استعدادها لتقبل الصور النوعية المختلفة ، فلابدّ من صورة تتلبس بها وتحقق عن طريقها فعليتها ، وهذِهِ الصورة هي الصورة الجسمية. وحيث إنه لا يوجد في دنيا الوجود صورة جسمية مطلقة تُظهِرُ الهيولى ، كان المظهر لها صور الأشياء المادية المختلفة ، كالصورة الترابية والنباتية والحيوانية والمعدنية.
    وهكذا فإن صور الأنواع المادية الأخرى تتوالى على الهيولى كالصورة الحديدية والخشبية والزئبقية ، والأوكسجينية مع بقاء الهيولى ثابتة على حالها بلا تغيير ، فالمتغير والمتبدِّل هنا الصور النوعية للمادة دون مادتها المشتركة المسماة بالهيولى.
    ولا يخفى أن كل صورة من الصور النوعية المتوالية على الهيولى تصلح أن تكون مادة لما بعدها ، فالحيوان مادة للصورة النوعية النباتية ، والنبات مادة للصورة النوعية الحيوانية والحيوان مادة للصورة النوعية الإنسانية ... ، وتسمى هذه المواد بالمادة الثانية تميزاً لها عن المادة الأولى والهيولى المتقدم ذكرها (1).
    __________________
    1 ـ ويظهر مما تقدم أن كل مادة ما خلا المادة الأولى تسمى بالمادة الثانية ، فلا توجد من بينها مادة ثالثة أَو رابعة أو خامسة ....

    فكِّر وأجب :
    1 ـ ما هي طريقة الفلاسفة في عدِّهم للأشياء؟
    2 ـ ما هو تعريف كلٍ من الجوهر والعرض؟
    3 ـ ماذا تعني كلمة العقل؟ وما هو مقصود الفلاسفة منها؟
    4 ـ ماذا يقصد من الجوهر النفساني؟ وكيف تكون نشأة النفس ونشاطها وفعلها؟
    5 ـ ما هو الجوهر الجسماني؟ ومن أي شيء يتركب؟ وكيف يتم إدراك أبعاده الثلاثة؟
    6 ـ عرِّف كلاً من الجوهر المادي والجوهر الصوري. ثم وضح وجه الارتباط بين الجوهر الجسماني والمادي والصوري.
    7 ـ ماذا تعني المادة الأولى وماذا تعني المادة الثانية؟ أوضح جوابك بمثال لكلٍ منهما.


    الدرس الثامن
    الجوهر والعرض
    (2)
    * الأعراض
    * الكم
    * الكيف
    * الأين
    * المتى
    * الوضع
    * الملك
    * الفعل
    * الانفعال
    * الإضافة
    * فكِّر وأجب


    الأعراض :
    تقدم الكلام في الدرس الماضي عن الجوهر وأقسامه ، وبقي الحديث عن الأعراض ، والأعراض كما أشرنا قبل قليل تسعُ مقولات ، وإليك ذكرها مجملة مع ذكر مثال واحد لكل مقولة منها :
    1 ـ الكمّ :
    وهو إما كمٌّ متصل كالخط والسطح والحجم ، وإما كمّ منفصل كالعدد. كما إن المتصل إما أن يكون قارّاً ـ مستقراً ثابتا ـ كالخط والسطح والحجم. وإما أن يكون غير قار ـ غير مستقر وغير ثابت ـ كالزمان ، إذ لا قرار ولا ثبات في الزمان ، فكل مقطع منه ينتهي ليأتي مقطع آخر ، بدلاً عنه.
    2 ـ الكيف :
    وهو على أنحاء مختلفة :
    فقد يكون كيفاً نفسانياً كالعلم والإرادة والحب والبغض والألم ....
    وقد يكون كيفاً كمّيّاً كالزوجية والفردية للأعداد ، والاستقامة والانحناء للخطوط والسطوح ، والأشكال للسطوح والأحجام.
    وقد يكون كيفاً استعدادياً ، كاستعداد الطفل أن يكون رجلاً ، واستعداد البذرة أن تكون شجرة ، بينما لا يوجد في الحجر استعداد لذلك.

    وقد يكون كيفاً محسوساً كإدراك المرئيات من الألوان ، والمذوقات كالحلاوة والمرارة ، والمشمومات كالروائح الطيبة والكريهة ، والمسموعات كالأصوات الجميلة والمنكرة ، والملموسات كالخشن والناعم.
    3 ـ الأين :
    وهو نسبة شيء مادي إلى مكانه كقولك : جابر بن حيان الكوفي ، (1) الحسن البصري ، (2) روح ‏الله‏ الموسوي الخميني قدس ‏سره (3) ؛ فإنك نسبت الأول إلى مكان اسمه «الكوفة» ونسبت الثاني إلى مكان اسمه «البصرة» ، ونسبت الثالث إلى مكان اسمه «خمين».
    4 ـ المتى :
    وهو نسبة بين الشيء وبين زمانه ، كاليوم والأمس ، وهذا العام الماضي والعام القادم وهذا الأسبوع ... كما في قولك :
    «انبثق نور الثورة الإسلامية الإيرانية في اليوم الحادي عشر من شهر شباط في
    __________________
    1 ـ جابر بن حيان الكوفي (117 ـ 200 ه ق) من علماء الكيمياء العرب المشهورين ، عاش في الكوفة ، له مؤلفات كثيرة منها : «أسرار الكيمياء» ، «علم الهيئة» ، «أصول الكيمياء» و «الرحمة» ؛ ترجمت مؤلفاته إلى اللاتينية.
    2 ـ الحسن البصري : «أبو سعيد» (21 ـ 110 ه ق) : تابعيٌّ ولد في المدينة ، وأقام في البصرة وفيها توفي. لقي عثمان بن عفان وعبد الله‏ بن العباس. كان شاخصاً في معرفة الأحكام الشرعية والتدريس وعنه اعتزل واصل بن عطاء الذي غدا رأس المعتزلة.
    3 ـ الخميني (1320 ـ 1410 ه ق) روح ‏الله‏ الموسوي الخميني. ولد في مدينة خمين التابعة لمحافظة آراك الإيرانية. يُعتبر فقيهاً وفيلسوفاً ومرجعاً من الطراز الأول ، وقد عُرِفَ بالزهد والورع والانقطاع إلى الله‏ ، وفي ذات الوقت امتاز بالشجاعة والصلابة مضافا إلى إحاطته ووعيه لكل ما يدور حوله من شؤون سياسية واجتماعية ... مما أهله أن يكون قائداً عظيما قل نظيره. نهض ضد حكومة الشاه محمد رضا منذ عام 1963 م وبعدها واصل نضاله في منفاه حتى عاد منتصراً بإقامة حكومة إسلامية ، وذلك في 11 شباط من عام 1979 م.

    عام 1979 م.»
    5 ـ الوضع :
    وهو نسبة أجزاء الشيء بعضها مع البعض الآخر والمجموع إلى الخارج ، كالقيام فإنه يحدد موضع الرأس إلى أعلى وموضع البطن في الوسط وموضع الرجلين إلى أسفل وبصورة عمودية ، على خلاف ما لو كان البدن مستلقياً فإنّ وضع أجزاء البدن سوف تكون في حالة أفقية.
    6 ـ الملك :
    وتسمى بالجِدة ، وهي نسبة شيءٍ إلى شيءٍ آخر يحيط به بلون من ألوان الإحاطة ، كالتعمّم ، والتقمّص ، فإن العمامة تحيط بالرأس والقميص يحيط بالصدر والبطن واليدين.
    7 ـ الفعل :
    وهو يحكي عن تأثير شيء مادي يُسمى بالفاعل ، في شيءٍ مادي آخر ويسمى بالمنفعل. كقوله تعالى : (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (1) وكقولك : «علّمتُ الطالبَ».
    8 ـ الانفعال :
    وهو ما يحكي عن تأثّر شيءٍ ماديّ بشيءٍ مادي آخر ، كتأثر الزجاجة بالحجر المرمي عليها ، بانكسارها به ، وكسخونة الماء عند وضع النار تحته.
    9 ـ الإضافة :
    وهي نسبة شيءٍ إلى شيءٍ بالقياس إلى نسبةِ أخرى كالأبوة والبنوة ، فإذا
    __________________
    1 ـ الأنفال : 60.

    نسبت الابن للأب فقد نسبت أيضاً الأب للابن.
    «وقد نظَّم بعضهم بيتين من الشعر ، ذكر فيهما المقولات العشر ليسهل حفظها على الطالب ، فقال :
    زيد الطويل الأزرق ابن مالك
    فى بيتهِ بالأمس كان متكي

    في يدهِ سيف لواه فالتوى
    فهذه عشر مقولات سوا

    فزيد مثال للجوهر ، والطويل للكمّ والأزرق للكيف ، والابن للإضافة ، وفي بيتهِ للأين ، وبالأمس للمتى ، ومتكي للوضع ، وفي يده سيف للملك ، ولواه للفعل ، فالتوى للانفعال» (1).
    __________________
    1 ـ محمد جواد مغنيه ، معالم الفلسفة الإسلامية ، ص 64 ـ 65. مكتبة الهلال.

    فكِّر وأجب :
    1 ـ عرِّف كلاً من الكمّ المتصل والمنفصل ، ذاكراً لكل منهما مثالاً.
    2 ـ اذكر أنحاء الكيف مستعيناً بمثال توضيحي لكل نحو منها.
    3 ـ اشرح المقولات التالية معززاً شرحك لكلٍ منها بمثال توضيحي :
    الأين ، المتى ، الوضع ، الملك ، الفعل ، الانفعال ، الإضافة.
    4 ـ اذكر ما ورد في الدرس من الشعر موضّحا موضع المقولات العشر منه.


    الدرس التاسع
    العليّة
    (العلة والمعلول)
    (1)
    * مفاد أصل العليّة
    * العلاقة بين العلة والمعلول
    * نظرية الوجود
    * نظرية الحدوث
    * نظرية الإمكان الوجودي
    * فكِّر وأجب


    مفاد أصل العليَّة :
    إن لكلّ ممكن ـ محتاج وفقير ـ علّة تفيض عليه الوجود والتحقق كحقيقة الإنسان مثلاً ، فإنها في حد ذاتها مفتقرة إلى علة توجدها ، فإن وجدت علتها وجدت هي معها وإلا فلا ، ولا يختلف حول هذهِ المسألة اثنان وهذا المعنى هو المستفاد من أصل العليَّة ، ومن هنا فإن كلَّ عاقلٍ سويّ يذعن بأنَّ لكلِّ مصنوع صانعا ولكلّ مخلوق خالقاً ولكل معلول علّة ، فما دام الموجود في ذاته مفتقراً في وجوده وتحققه فلابد وأنْ يكون مرتبطاً بسبب أفاض عليه الوجود والتحقق ، وهذا بخلاف ما لو كان الموجود في ذاته غنياً عن غيره في الوجود ، فلا معنى لاحتياجهِ إلى علة تفيض عليه الوجود ما دام غنياً عما سواه في ذلك؛ إذ الوجود بالنسبة إليه متحقق ، وهذا من قبيل عدم احتياج الملح إلى ملح حتى يكون مالحاً ، فما دام هو مالحاً لا معنى لاحتياجه إلى الملح ، إذ أن أمراً كهذا يكون لغواً؛ لأنه تحصيل للحاصل.
    ومن هنا ، فإنّ الإلهي الموحّد يرى بأن الله‏ غني عن كلِّ علّة مهما كان لونها ، بل إن كلَّ علّة مدينةٌ في وجودها وتحققها إليه تعالى ، فهو العلّةُ الأولى لكل ما سواه ، وما سواه معلول ومفتقر إليه جَلّ‏ وَعلا؛ وقد أثبت الفلاسفة والمتكلمون ذلك بما لا يُبقي مجالاً للشك والتردد كما سوف يتضح فيما يأتي من بحوث (1).
    __________________
    1 ـ راجع : الدرس العشرين.

    العلاقة بين العلة والمعلول
    لا شك في وجود علاقة بين المعلول وعلته المفيضة له بالوجود والتحقق ، وإنما المهم في هذا المجال معرفة نمط هذه العلاقة وسرّها ، وعلى هذا الصعيد ذُكرت نظريات مختلفة ، إليك بيانها :
    1 ـ نظرية الوجود :
    وقد ذهب إلى هذه النظرية جمع من الفلاسفة الماديين حيث أكدوا على أنَّ سرَّ العلاقة بين المعلول والعلّة يكمن في كونه موجوداً ، فكل موجود محكوم عليه بالارتباط بعلة وجوده ، ولأجله أكّدوا على أن لكل موْجودٍ موجداً ، وفات هؤلاء أن الموجود إذا كان في وجوده غنياً فلا معنى لارتباطه بعلة تفيض عليه الوجود وتمنحه الغنى ، وإنما يحتاج الشيء إلى علة الوجود إذا كان في ذاته مفتقرا إلى الوجود ، كما سنتحدّث عنه في نظرية الإمكان ، بعد قليل.
    ومن هنا ذهب الإلهيون إلى القول باستغناء الله‏ عن علة الوجود ، إذ إنه غني فلا معنى لفرض ارتباطه بعلة توجده وتمنحه الغنى إذ هو تحصيل للحاصل ، وتحصيل الحاصل باطل كما يقولون.
    2 ـ نظرية الحدوث :
    وهذه النظرية منسوبة إلى علماء الكلام ، ومفادها هو أن سرّ ارتباط المعلول بعلته حدوثه ، فكل حادث محتاج في حدوثه إلى علة الحدوث ، وهذه النظرية لا تخلو من نظر ، لأنّ لازمها استغناء الحادث بعد حدوثه عن علته المُحْدِثة له وهو باطل كما سيأتي بعد لحظات.

    3 ـ نظرية الإمكان الوجودي :
    وقد نسبت هذه النظرية إلى الفلاسفة الإسلاميين وفي طليعتهم صدر المتألهين الشيرازي ، ومفادها : أن سرّ ارتباط المعلول بعلته هو إمكانه وافتقاره الذاتي الوجودي. فالممكن في حد ذاته خلو من كل وجود ، وإذا ما وجد فإنّ وجوده فيض من غيره ، فسرّ ارتباط المعلول بعلته إمكانه وافتقاره إليها. (1)
    وإليك توضيح الفكرة بأمثلة بيانية : إن العلاقة القائمة بين العلة والمعلول علاقة ارتباطية لا استقلالية ، فإنك حين تقرأُ كتاباً أو تنظر إلى صورة جميلة أو تصافح صديقا لك ، فإنه سوف توجد بينك وبين كل ما تقدم علاقة ، وهذِهِ العلاقة تنتفي بمحض إعراضك عن تلك الأشياء ، إلا أن انتفاء علاقتك بها لا يوجب انتفاء وجودها أو وجودك بل يبقى وجودك ووجودها على ما هو عليه ، وهذا يعني أن وجود كلٍّ من الطرفين مستقل عن الآخر ، وهذا هو معنى العلاقة الاستقلالية القائمة بين الطرفين.
    بينما تجد العلاقة القائمة بين حركة اليد وحركة القلم علاقة تعلقية ، بمعنى أن حركة القلم تنتفي بمحض قطع علاقتها بحركة اليد ، وهذا يعني أن العلاقة الحاكمة بين حركة اليد وحركة القلم علاقة ارتباطية ، أي أن حركة القلم مرتبطة في وجودها بحركة اليد ، فلا وجود لحركة القلم من دون حركة اليد ، وهذِهِ العلاقة
    __________________
    1 ـ وقد وقع خلاف بين الفلاسفة في أن الإمكان المذكور هل هو إمكان ماهوي ، بناءً على نظرية أصالة الماهية ، أو أنه إمكان وجودي ، بناء على نظرية أصالة الوجود؟ والصحيح هو الثاني على ما اختاره صدر المتألهين ، وتفصيل الكلام وبيان الخلاف موكول إلى دراسات أعمق. وقد تقدمت الإشارة إليه فيما سبق عند البحث عن الماهية والوجود.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    نافذه على الفلسفه صادق الساعدي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: نافذه على الفلسفه صادق الساعدي   نافذه على الفلسفه صادق الساعدي Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 3:35 pm


    الواجب والممكن والممتنع :
    إن نسبة أيّ محمول إلى أيّ موضوع إما أن تكون ضرورية لا يصح فيها الانفكاك كنسبة الزوجية إلى الأربعة في قولنا : «الأربعة زوج» ؛ وإما أن لا تكون ضرورية كنسبة الاحتراق إلى الورقة ، في قولنا : «الورقة محترقة» ، أو أن تكون ضرورية السلب كما في قولنا : «الثلاثة زوجٌ». ففي المثال الأول يعبّر عن النسبة بالوجوب ، أي وجوب نسبة المحمول إلى الموضوع ، كما ويعبّر عن النسبة في المثال الثاني بالإمكان ، أي إمكان نسبة المحمول إلى الموضوع وإمكان عدمه ، وأما النسبة في المثال الثالث فيُعبّر عنها بالامتناع ، أي امتناع نسبة المحمول إلى الموضوع. والنسب الثلاث هذِهِ يُعبّر عنها في علم المنطق بمادة القضية. (1)
    وعلى غرار ما تقدّم من أنماط نسبة المحمول إلى الموضوع ، ذكر الفلاسفة أن الوجود حينما يحمل على موضوع من الموضوعات فإنّ نسبته إليه قد تكون واجبة كنسبة الوجود إلى الله‏ في قولنا : «الله‏ موجود». حيث ثبت في برهان الإمكان ، كما سيأتي الحديث عنه ، (2) أن الوجود بالنسبة لذات الحق تعالى واجب
    __________________
    1 ـ راجع بحث الموجهات ـ مادة القضية ـ في كتاب المنطق للعلامة محمد رضا المظفر ، ص 146 ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ، لبنان ، 1980 م.
    2 ـ في الدرس العشرين.

    ويُسمى هذا الموضوع بواجب الوجود.
    وقد تكون نسبة الوجود إلى الموضوع ممتنعة فيسمى الموضوع بممتنع الوجود ، كما لو قيل بأن شريك الباري موجود ، فإن النسبة هنا ممتنعة إذ لا يمكن أن يُنسب الوجود إلى الشريك المفترض لله‏ جَلّ ‏وَعلا كما هو ثابت في أدلة التوحيد.
    وقد لا تكون نسبة الوجود إلى موضوع واجبة ولا ممتنعة ، فيسمّى بالممكن ، كالإنسان مثلاً ، حينما يُقال إنه موجود ، فإن الوجود بالنسبة إليه غير ضروري الإيجاب ولا ضروري السلب ، بل ممكن.
    الواجب والممتنع؛ بالذات وبالغير
    والواجب قد يكون واجباً بالذات كوجود الله‏ جَلّ‏ وَعلا فإنه واجب الوجود بالذات ، بخلاف المعلول الذي يجب وجوده لوجود علته ، فهو واجب بغيره ، إذ إن المعلول يجب وجوده حين وجود علته ، فالإنسان مثلاً إنما يجب وجوده بوجود علته ، ومن هنا قيل : «الشيء ما لم يجب لم يوجد». والممتنع أيضاً قد يكون ممتنعاً بذاته كشريك الباري ، وقد يكون ممتنعاً بغيره ، كالمعلول الذي يمتنع تحققه بسبب عدم وجود علته ، فالزجاج يمتنع انكساره بسبب عدم وجود علة لانكساره.
    الإمكان وأقسامه
    ذكر الفلاسفة أقساما للإمكان ، نجمل ذكر بعضها بما يلي :
    1 ـ الإمكان الخاص (الذاتي) :
    وهو سلب الضرورتين؛ ضرورة الوجود وضرورة العدم من موضوعٍ ما ،

    فحينما نقول : «الإنسان ممكن» ؛ نعني به سلب ضرورة الوجود وضرورة العدم منه ، وبعبارة أخرى أنه بحد ذاته مجرداً عن أي شيء ، فلا يقتضي الوجود ولا العدم ولا التقدم ولا التأخر ولا البياض ولا السواد ....
    وإنما سمِّيَ هذا الإمكان بالخاص؛ لأنه أخص من الإمكان العام الذي هو المعنى اللغوي للإمكان والدارج بين الناس.
    2 ـ الإمكان العام :
    وهو سلب الضرورة عن الطرف المقابل مع السكوت عن الطرف الموافق ، فقد يكون مسلوب الضرورة أيضا وقد لا يكون كذلك.
    بيان ذلك : إن الإمكان العام على نحوين : فقد يكون سلباً لضرورة السلب كما في قولنا : «الإنسان ممكن الوجود» ، و «الله‏ ممكن الوجود» ، ففي المثال الأول والثاني سلبت ضرورة العدم ، أي أن العدم غير ضروري بالنسبة للإنسان وبالنسبة لله‏ جلّ ‏وعلا. وأما الطرف الموافق وهو الوجود فقد يكون مسلوب الضرورة أيضا ، كما في المثال الأول ، إذ إن الوجود بالنسبة للإنسان غير ضروري كما أن العدم بالنسبة إليه ليس ضروريا. وأما بالنسبة للطرف الموافق في المثال الثاني ، فإن ضرورة الوجود غير مسلوبة عنه ، إذ إن الوجود بالنسبة لله‏ تعالى ذاتى لا ينفك عنه.
    وقد يكون سلبا لضرورة الوجوب كما في قولنا : «الإنسان ممكن العدم» ، و «شريك الباري ممكن العدم» ، فإن ضرورة الإيجاب مسلوبة في المثالين ، بمعنى أن الوجود غير ضروري بالنسبة إلى الإنسان وشريك الباري ، وأما الطرف الموافق فمسكوت عنه ، فقد يكون مسلوب الضرورة أيضا كما في المثال الأول ،

    فإنه مسلوب لضرورة الوجود والعدم معاً؛ فلا الوجود ولا العدم ضروريان بالنسبة إليه. وقد لا يكون مسلوبا للطرف الموافق كما في المثال الثاني ، فإن ضرورة العدم غير مسلوبة عن شريك الباري ، بمعنى أن العدم ضروري بالنسبة إليه ، وهو مقتضى أدلّة التوحيد النافية لوجود آلهة غير الله‏ : «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا» (1)
    تجدر الإشارة إلى أن وجه تسمية هذا الإمكان بالإمكان العام يعود إلى أن هذا المعنى للإمكان هو المعنى الأعم له ، كما يُسمى عاميا لأن الإمكان بهذا المعنى هو الدارج حين الاستعمال عند عوام الناس.
    3 ـ الإمكان الوقوعي :
    ويعني إمكان وقوع وتحقق شيءٍ من الأشياء ، فلا يلزم من فرض وجوده محال ، كإمكان وجود إنسان له رأسان ، وكإمكان اصطدام القمر بالأرض. وإنما يمتنع وقوع الشيء إما لكونه محالاً في ذاته كاجتماع النقيضين وارتفاعهما في شيءٍ واحد ، أو لكونه محالاً لغيره ، كاستحالة وجود المعلول لعدم علته. فالمعلول في حد ذاته ممكن إلا أنه استحال تحققه لعدم تحقق علته المفيضة له ، إذ من الواضح أن المعلول عدم عند عدم علته.
    4 ـ الإمكان الاستعدادي :
    وهو قابلية مكنونة في شيءٍ تؤهّله لأن يكون شيئاً آخر كقابلية النطفة أن تكون إنسانا ، وهذا الاستعداد ينحصر وجوده في الموجودات المادية ، إذ إنها في حركة ونمو دائبين ، فالنطفة تتحول إلى علقة والعلقة تتحول إلى مضغة ، إلى أن تكون
    __________________
    1 ـ الأنبياء / 22.

    إنسانا ، والإنسان يتطور ويتغير من مرحلة إلى أخرى ... وهكذا.
    ويختلف الإمكان الاستعدادي عن الإمكان الوقوعي في أن الأول مختص بالماديات ولا يشمل المجردات؛ لأن المجردات توجد وهي كاملة فلا تغيّر ولا تطوّر فيها ، وأما الماديات فإنها في حالة تطور وتغيُّر ، بخلاف الإمكان الوقوعي ، فإنه شامل للماديات والمجردات على حد سواء.

    فكِّر وأجب :
    1 ـ عرِّف ما يلي :
    أ ـ الواجب. ب ـ الممكن. ج ـ الممتنع.
    2 ـ اذكر مثالاً لكلٍ من الواجب بالذات وبالغير ، والممتنع بالذات وبالغير.
    3 ـ اشرح العبارة التالية :
    «الشيء ما لم ‏يجب لم ‏يوجد»
    4 ـ ما هو الإمكان الخاص؟ وضّح جوابك بمثال ، وما هو وجه التسمية فيه؟
    5 ـ ما هو الإمكان العام؟ وضّح جوابك بمثال ، وما هو وجه التسمية فيه؟
    6 ـ بيّن معنى الإمكان الوقوعي.
    7 ـ ما هو المقصود من الإمكان الاستعدادي؟ وما هو الفرق بينه وبين الإمكان الوقوعي من حيث الشمول أو عدمه للموجودات المادية والمجردة؟

    الدرس السابع
    الجوهر والعرض
    (1)
    * الجوهر والعرض
    * الجوهر وأقسامه
    * الجوهر العقلاني
    * الجوهر النفساني
    * الجوهر الجسماني
    * الجوهر المادي أو الهيولى
    * الجوهر الصوري
    * فكِّر وأجب


    الجوهر والعرض
    إنَّ عدَّك للأشياء الموجودة في مدرستك قد يَكون عدّاً فردياً بأن تحصي عدد الطلاب والكراسي والصفوف والأشجار والأقلام والدفاتر .... بكل أفرادها وجزئياتها ، وقد يكون عدَّك لها عدّاً نوعياً فلا يعنيك أعدادها الفردية بل المطلوب عندك معرفة عناوينها الكلية بأن تقول :
    إن مجاميع من الطلاب والكراسي والأشجار والأقلام والدفاتر .... توجد في مدرستنا.
    وعلى غرار الطريقة الثانية في عدِّ الأشياء ، قام الفلاسفة في عدِّ أنواع الموجودات وأجناسها العامة بعد استقرائها وتسمّى عندهم بالأجناس العالية أو المقولات. (1)
    وقد وقع الخلاف في تحديد عددها إلا أنَّ المعروف عنها أنها عشر مقولات على ما اختاره زعيم المشّائين «أرسطوطاليس» واحدٌ منها يُطلق عليه اسم «الجوهر» بأقسامه ، والتسع الباقية منها تسمّى بـ «الأعراض».
    وقد عَرَّف الفلاسفة الجوهر بأنه الموجود لا في موضوع ، وبعبارة أخرى إنه ماهيةٌ إذا وُجِدتْ وجدت لا في موضوع ، كالجسم فإنه في وجوده لا يحتاج إلى
    __________________
    1 ـ جمع مقولة ، وهي ما يُقالُ في جواب ما هو ، فهي ماهيات الأشياء وحقائقها.

    موضوع كي يتقوّم ويتحقق به على خلاف العرض ، فقد عرَّفوه بأنه ماهية إِذا وجُدتْ وجُدتْ في موضوع ، كاللون مثلاً فإنه لا يوجد بصورة مستقلة عن غيره بل لابد له من موضوع كي يتقوّمَ به ، فاللون لا يتحقق إلا في جسم ، فيكون الجسم موضوعاً لتحقق اللون ووجوده.
    الجوهر وأقسامه
    والفلاسفة بعد استقرائهم للجوهر وأنواعه وجدوا أنه لا يتعدّى خمسة أقسام؛ فإليك بيانها بصورة مجملة مع ذكر تسمياتها :
    1 ـ الجوهر العقلاني :
    ويسمّى عندهم بالعقل ، وهو موجود مجرّد ، ولا تعلق له بالمادّة والمادّيات ، كالملائكة فإنّ وجودها مجرد ولا تحتاج إلى شيء مادي في نشاطها وفعلها.
    و «العقل» مشترك لفظي بين معنيين :
    الأول : بمعنى القوّة التي تُدرِك الكليّات وهذا المعنى هو الذي تنصرف إليه كلمة العقل في العرف العام حين استعمالها.
    الثاني : بمعنى المجرد التام كالملائكة وهو ما يقصده الفلاسفة من استعمال كلمة العقل حين إطلاقها.
    2 ـ الجوهر النفساني :
    وهو الموجود المجرد في ذاته ووجوده إلا إنه مرتبط بالمادة ، كروح الإنسان ، فإن وجودها مجرد إلا إنها متعلقة بالبدن في نشأتها وفعلها؛ حيث إنها تنشأ مع

    نشوء البدن ، كما أوضح ذلك صدر المتألهين استناداً إلى فكرة الحركة الجوهرية. (1) كما إنها تحتاج إلى البدن في فعلها ونشاطها ، فهي التي تدرك وترى وتسمع وتلمس ... كل ذلك بواسطة البدن ، وفي آخر الأمر يُتاح لها أن تستقل عن البدن بعد موته.
    3 ـ الجوهر الجسماني :
    وهو الموجود الذي له أبعاد ثلاثة وله زمان ومكان وقابل للأشكال المتعددة والألوان المختلفة ، ويتحقق لنا إثباته عن طريق العقل لا عن طريق الحس ، وذلك لأن ما ندركه من الأجسام ليس سوى أعراض تعرض على الأجسام ومن خلالها نستنتج أبعادها الثلاثة.
    والجوهر الجسماني مركب من جوهرين آخرين أحدهما الجوهر المادي والآخر الجوهر الصوّري ، وسيأتي توضيحهما بعد قليل.
    4 ـ الجوهر المادي أو الهيولى : (2)
    وهو مُبْهم لا تشخص فيه سوى قابليته واستعداده للتشخص ـ أي قبوله لصورة الأنواع المختلفة ـ وهو موجود في جميع الأجسام وَيكون متشخصاً بسبب الصور النوعية التي تظهر فيه ، ولكنه في الجميع واحد مشترك ، فالتراب حين يكون نباتاً والنبات حين يكون حيواناً ، والحيوان حين يكون معدناً ... فإن الجوهر المادي أو ما يسمّى بالهيولى فيها واحد لا يختلف ، وإنما الذي اختلف صور الأشياء التي توالتْ عليه ، فالصورة الترابية هي التي تغيّرت إلى صورة
    __________________
    1 ـ سوف يأتي في الدرس الرابع عشر بيان لفكرة الحركة الجوهرية.
    2 ـ الهيولى كلمة يونانية تعني الأصل ، وهي واحدة في جميع الأشياء في الجماد والنبات والحيوان .. وإنما تتباين الكائنات في الصور فقط.

    حيوانية ، والأخيرة بدورها تغيرت إلى صورة معدنية .... وهكذا ، فالجوهر المادي أشبه ما يكون بالطين الذي يتخذ أشكالاً مختلفة حين استخدامه في البناء ، فإنه واحد لم ‏يتغيّر وإنما صوره الطارئة عليه تتغير.
    5 ـ الجوهر الصوري :
    وهو منشأ آثار أنواع الموجودات المادية الجسمانية وله أنواع مختلفة ، فمن جملتها الصورة الجسمية التي تلازم الهيولى ولا تنفك عنها؛ لأن الهيولى ـ وكما تقدّم ـ لا فعليّة ولا تشخص فيها سوى استعدادها لتقبل الصور النوعية المختلفة ، فلابدّ من صورة تتلبس بها وتحقق عن طريقها فعليتها ، وهذِهِ الصورة هي الصورة الجسمية. وحيث إنه لا يوجد في دنيا الوجود صورة جسمية مطلقة تُظهِرُ الهيولى ، كان المظهر لها صور الأشياء المادية المختلفة ، كالصورة الترابية والنباتية والحيوانية والمعدنية.
    وهكذا فإن صور الأنواع المادية الأخرى تتوالى على الهيولى كالصورة الحديدية والخشبية والزئبقية ، والأوكسجينية مع بقاء الهيولى ثابتة على حالها بلا تغيير ، فالمتغير والمتبدِّل هنا الصور النوعية للمادة دون مادتها المشتركة المسماة بالهيولى.
    ولا يخفى أن كل صورة من الصور النوعية المتوالية على الهيولى تصلح أن تكون مادة لما بعدها ، فالحيوان مادة للصورة النوعية النباتية ، والنبات مادة للصورة النوعية الحيوانية والحيوان مادة للصورة النوعية الإنسانية ... ، وتسمى هذه المواد بالمادة الثانية تميزاً لها عن المادة الأولى والهيولى المتقدم ذكرها (1).
    __________________
    1 ـ ويظهر مما تقدم أن كل مادة ما خلا المادة الأولى تسمى بالمادة الثانية ، فلا توجد من بينها مادة ثالثة أَو رابعة أو خامسة ....

    فكِّر وأجب :
    1 ـ ما هي طريقة الفلاسفة في عدِّهم للأشياء؟
    2 ـ ما هو تعريف كلٍ من الجوهر والعرض؟
    3 ـ ماذا تعني كلمة العقل؟ وما هو مقصود الفلاسفة منها؟
    4 ـ ماذا يقصد من الجوهر النفساني؟ وكيف تكون نشأة النفس ونشاطها وفعلها؟
    5 ـ ما هو الجوهر الجسماني؟ ومن أي شيء يتركب؟ وكيف يتم إدراك أبعاده الثلاثة؟
    6 ـ عرِّف كلاً من الجوهر المادي والجوهر الصوري. ثم وضح وجه الارتباط بين الجوهر الجسماني والمادي والصوري.
    7 ـ ماذا تعني المادة الأولى وماذا تعني المادة الثانية؟ أوضح جوابك بمثال لكلٍ منهما.


    الدرس الثامن
    الجوهر والعرض
    (2)
    * الأعراض
    * الكم
    * الكيف
    * الأين
    * المتى
    * الوضع
    * الملك
    * الفعل
    * الانفعال
    * الإضافة
    * فكِّر وأجب


    الأعراض :
    تقدم الكلام في الدرس الماضي عن الجوهر وأقسامه ، وبقي الحديث عن الأعراض ، والأعراض كما أشرنا قبل قليل تسعُ مقولات ، وإليك ذكرها مجملة مع ذكر مثال واحد لكل مقولة منها :
    1 ـ الكمّ :
    وهو إما كمٌّ متصل كالخط والسطح والحجم ، وإما كمّ منفصل كالعدد. كما إن المتصل إما أن يكون قارّاً ـ مستقراً ثابتا ـ كالخط والسطح والحجم. وإما أن يكون غير قار ـ غير مستقر وغير ثابت ـ كالزمان ، إذ لا قرار ولا ثبات في الزمان ، فكل مقطع منه ينتهي ليأتي مقطع آخر ، بدلاً عنه.
    2 ـ الكيف :
    وهو على أنحاء مختلفة :
    فقد يكون كيفاً نفسانياً كالعلم والإرادة والحب والبغض والألم ....
    وقد يكون كيفاً كمّيّاً كالزوجية والفردية للأعداد ، والاستقامة والانحناء للخطوط والسطوح ، والأشكال للسطوح والأحجام.
    وقد يكون كيفاً استعدادياً ، كاستعداد الطفل أن يكون رجلاً ، واستعداد البذرة أن تكون شجرة ، بينما لا يوجد في الحجر استعداد لذلك.

    وقد يكون كيفاً محسوساً كإدراك المرئيات من الألوان ، والمذوقات كالحلاوة والمرارة ، والمشمومات كالروائح الطيبة والكريهة ، والمسموعات كالأصوات الجميلة والمنكرة ، والملموسات كالخشن والناعم.
    3 ـ الأين :
    وهو نسبة شيء مادي إلى مكانه كقولك : جابر بن حيان الكوفي ، (1) الحسن البصري ، (2) روح ‏الله‏ الموسوي الخميني قدس ‏سره (3) ؛ فإنك نسبت الأول إلى مكان اسمه «الكوفة» ونسبت الثاني إلى مكان اسمه «البصرة» ، ونسبت الثالث إلى مكان اسمه «خمين».
    4 ـ المتى :
    وهو نسبة بين الشيء وبين زمانه ، كاليوم والأمس ، وهذا العام الماضي والعام القادم وهذا الأسبوع ... كما في قولك :
    «انبثق نور الثورة الإسلامية الإيرانية في اليوم الحادي عشر من شهر شباط في
    __________________
    1 ـ جابر بن حيان الكوفي (117 ـ 200 ه ق) من علماء الكيمياء العرب المشهورين ، عاش في الكوفة ، له مؤلفات كثيرة منها : «أسرار الكيمياء» ، «علم الهيئة» ، «أصول الكيمياء» و «الرحمة» ؛ ترجمت مؤلفاته إلى اللاتينية.
    2 ـ الحسن البصري : «أبو سعيد» (21 ـ 110 ه ق) : تابعيٌّ ولد في المدينة ، وأقام في البصرة وفيها توفي. لقي عثمان بن عفان وعبد الله‏ بن العباس. كان شاخصاً في معرفة الأحكام الشرعية والتدريس وعنه اعتزل واصل بن عطاء الذي غدا رأس المعتزلة.
    3 ـ الخميني (1320 ـ 1410 ه ق) روح ‏الله‏ الموسوي الخميني. ولد في مدينة خمين التابعة لمحافظة آراك الإيرانية. يُعتبر فقيهاً وفيلسوفاً ومرجعاً من الطراز الأول ، وقد عُرِفَ بالزهد والورع والانقطاع إلى الله‏ ، وفي ذات الوقت امتاز بالشجاعة والصلابة مضافا إلى إحاطته ووعيه لكل ما يدور حوله من شؤون سياسية واجتماعية ... مما أهله أن يكون قائداً عظيما قل نظيره. نهض ضد حكومة الشاه محمد رضا منذ عام 1963 م وبعدها واصل نضاله في منفاه حتى عاد منتصراً بإقامة حكومة إسلامية ، وذلك في 11 شباط من عام 1979 م.

    عام 1979 م.»
    5 ـ الوضع :
    وهو نسبة أجزاء الشيء بعضها مع البعض الآخر والمجموع إلى الخارج ، كالقيام فإنه يحدد موضع الرأس إلى أعلى وموضع البطن في الوسط وموضع الرجلين إلى أسفل وبصورة عمودية ، على خلاف ما لو كان البدن مستلقياً فإنّ وضع أجزاء البدن سوف تكون في حالة أفقية.
    6 ـ الملك :
    وتسمى بالجِدة ، وهي نسبة شيءٍ إلى شيءٍ آخر يحيط به بلون من ألوان الإحاطة ، كالتعمّم ، والتقمّص ، فإن العمامة تحيط بالرأس والقميص يحيط بالصدر والبطن واليدين.
    7 ـ الفعل :
    وهو يحكي عن تأثير شيء مادي يُسمى بالفاعل ، في شيءٍ مادي آخر ويسمى بالمنفعل. كقوله تعالى : (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (1) وكقولك : «علّمتُ الطالبَ».
    8 ـ الانفعال :
    وهو ما يحكي عن تأثّر شيءٍ ماديّ بشيءٍ مادي آخر ، كتأثر الزجاجة بالحجر المرمي عليها ، بانكسارها به ، وكسخونة الماء عند وضع النار تحته.
    9 ـ الإضافة :
    وهي نسبة شيءٍ إلى شيءٍ بالقياس إلى نسبةِ أخرى كالأبوة والبنوة ، فإذا
    __________________
    1 ـ الأنفال : 60.

    نسبت الابن للأب فقد نسبت أيضاً الأب للابن.
    «وقد نظَّم بعضهم بيتين من الشعر ، ذكر فيهما المقولات العشر ليسهل حفظها على الطالب ، فقال :
    زيد الطويل الأزرق ابن مالك
    فى بيتهِ بالأمس كان متكي

    في يدهِ سيف لواه فالتوى
    فهذه عشر مقولات سوا

    فزيد مثال للجوهر ، والطويل للكمّ والأزرق للكيف ، والابن للإضافة ، وفي بيتهِ للأين ، وبالأمس للمتى ، ومتكي للوضع ، وفي يده سيف للملك ، ولواه للفعل ، فالتوى للانفعال» (1).
    __________________
    1 ـ محمد جواد مغنيه ، معالم الفلسفة الإسلامية ، ص 64 ـ 65. مكتبة الهلال.

    فكِّر وأجب :
    1 ـ عرِّف كلاً من الكمّ المتصل والمنفصل ، ذاكراً لكل منهما مثالاً.
    2 ـ اذكر أنحاء الكيف مستعيناً بمثال توضيحي لكل نحو منها.
    3 ـ اشرح المقولات التالية معززاً شرحك لكلٍ منها بمثال توضيحي :
    الأين ، المتى ، الوضع ، الملك ، الفعل ، الانفعال ، الإضافة.
    4 ـ اذكر ما ورد في الدرس من الشعر موضّحا موضع المقولات العشر منه.


    الدرس التاسع
    العليّة
    (العلة والمعلول)
    (1)
    * مفاد أصل العليّة
    * العلاقة بين العلة والمعلول
    * نظرية الوجود
    * نظرية الحدوث
    * نظرية الإمكان الوجودي
    * فكِّر وأجب


    مفاد أصل العليَّة :
    إن لكلّ ممكن ـ محتاج وفقير ـ علّة تفيض عليه الوجود والتحقق كحقيقة الإنسان مثلاً ، فإنها في حد ذاتها مفتقرة إلى علة توجدها ، فإن وجدت علتها وجدت هي معها وإلا فلا ، ولا يختلف حول هذهِ المسألة اثنان وهذا المعنى هو المستفاد من أصل العليَّة ، ومن هنا فإن كلَّ عاقلٍ سويّ يذعن بأنَّ لكلِّ مصنوع صانعا ولكلّ مخلوق خالقاً ولكل معلول علّة ، فما دام الموجود في ذاته مفتقراً في وجوده وتحققه فلابد وأنْ يكون مرتبطاً بسبب أفاض عليه الوجود والتحقق ، وهذا بخلاف ما لو كان الموجود في ذاته غنياً عن غيره في الوجود ، فلا معنى لاحتياجهِ إلى علة تفيض عليه الوجود ما دام غنياً عما سواه في ذلك؛ إذ الوجود بالنسبة إليه متحقق ، وهذا من قبيل عدم احتياج الملح إلى ملح حتى يكون مالحاً ، فما دام هو مالحاً لا معنى لاحتياجه إلى الملح ، إذ أن أمراً كهذا يكون لغواً؛ لأنه تحصيل للحاصل.
    ومن هنا ، فإنّ الإلهي الموحّد يرى بأن الله‏ غني عن كلِّ علّة مهما كان لونها ، بل إن كلَّ علّة مدينةٌ في وجودها وتحققها إليه تعالى ، فهو العلّةُ الأولى لكل ما سواه ، وما سواه معلول ومفتقر إليه جَلّ‏ وَعلا؛ وقد أثبت الفلاسفة والمتكلمون ذلك بما لا يُبقي مجالاً للشك والتردد كما سوف يتضح فيما يأتي من بحوث (1).
    __________________
    1 ـ راجع : الدرس العشرين.

    العلاقة بين العلة والمعلول
    لا شك في وجود علاقة بين المعلول وعلته المفيضة له بالوجود والتحقق ، وإنما المهم في هذا المجال معرفة نمط هذه العلاقة وسرّها ، وعلى هذا الصعيد ذُكرت نظريات مختلفة ، إليك بيانها :
    1 ـ نظرية الوجود :
    وقد ذهب إلى هذه النظرية جمع من الفلاسفة الماديين حيث أكدوا على أنَّ سرَّ العلاقة بين المعلول والعلّة يكمن في كونه موجوداً ، فكل موجود محكوم عليه بالارتباط بعلة وجوده ، ولأجله أكّدوا على أن لكل موْجودٍ موجداً ، وفات هؤلاء أن الموجود إذا كان في وجوده غنياً فلا معنى لارتباطه بعلة تفيض عليه الوجود وتمنحه الغنى ، وإنما يحتاج الشيء إلى علة الوجود إذا كان في ذاته مفتقرا إلى الوجود ، كما سنتحدّث عنه في نظرية الإمكان ، بعد قليل.
    ومن هنا ذهب الإلهيون إلى القول باستغناء الله‏ عن علة الوجود ، إذ إنه غني فلا معنى لفرض ارتباطه بعلة توجده وتمنحه الغنى إذ هو تحصيل للحاصل ، وتحصيل الحاصل باطل كما يقولون.
    2 ـ نظرية الحدوث :
    وهذه النظرية منسوبة إلى علماء الكلام ، ومفادها هو أن سرّ ارتباط المعلول بعلته حدوثه ، فكل حادث محتاج في حدوثه إلى علة الحدوث ، وهذه النظرية لا تخلو من نظر ، لأنّ لازمها استغناء الحادث بعد حدوثه عن علته المُحْدِثة له وهو باطل كما سيأتي بعد لحظات.

    3 ـ نظرية الإمكان الوجودي :
    وقد نسبت هذه النظرية إلى الفلاسفة الإسلاميين وفي طليعتهم صدر المتألهين الشيرازي ، ومفادها : أن سرّ ارتباط المعلول بعلته هو إمكانه وافتقاره الذاتي الوجودي. فالممكن في حد ذاته خلو من كل وجود ، وإذا ما وجد فإنّ وجوده فيض من غيره ، فسرّ ارتباط المعلول بعلته إمكانه وافتقاره إليها. (1)
    وإليك توضيح الفكرة بأمثلة بيانية : إن العلاقة القائمة بين العلة والمعلول علاقة ارتباطية لا استقلالية ، فإنك حين تقرأُ كتاباً أو تنظر إلى صورة جميلة أو تصافح صديقا لك ، فإنه سوف توجد بينك وبين كل ما تقدم علاقة ، وهذِهِ العلاقة تنتفي بمحض إعراضك عن تلك الأشياء ، إلا أن انتفاء علاقتك بها لا يوجب انتفاء وجودها أو وجودك بل يبقى وجودك ووجودها على ما هو عليه ، وهذا يعني أن وجود كلٍّ من الطرفين مستقل عن الآخر ، وهذا هو معنى العلاقة الاستقلالية القائمة بين الطرفين.
    بينما تجد العلاقة القائمة بين حركة اليد وحركة القلم علاقة تعلقية ، بمعنى أن حركة القلم تنتفي بمحض قطع علاقتها بحركة اليد ، وهذا يعني أن العلاقة الحاكمة بين حركة اليد وحركة القلم علاقة ارتباطية ، أي أن حركة القلم مرتبطة في وجودها بحركة اليد ، فلا وجود لحركة القلم من دون حركة اليد ، وهذِهِ العلاقة
    __________________
    1 ـ وقد وقع خلاف بين الفلاسفة في أن الإمكان المذكور هل هو إمكان ماهوي ، بناءً على نظرية أصالة الماهية ، أو أنه إمكان وجودي ، بناء على نظرية أصالة الوجود؟ والصحيح هو الثاني على ما اختاره صدر المتألهين ، وتفصيل الكلام وبيان الخلاف موكول إلى دراسات أعمق. وقد تقدمت الإشارة إليه فيما سبق عند البحث عن الماهية والوجود.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    نافذه على الفلسفه صادق الساعدي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: نافذه على الفلسفه صادق الساعدي   نافذه على الفلسفه صادق الساعدي Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 3:37 pm

    قائمة بين كل علّة ومعلولها ، فالمعلول عدم عند عدم علّته ، وهكذا يمكن تصوير علاقة الكون بكل ما فيه ومن فيه بخالقهِ وبارئه الذي هو الله‏ سبحانه ، فالمخلوقات نفحة من نفحاته وفيض من فيوضاته القدسية ، فلا يستغني أيُّ موجود عنه تعالى ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله‏ العليّ العظيم.

    فكِّر وأجب :
    1 ـ ما هو مفاد أصل العليّة؟
    2 ـ لماذا يدّعي الإلهيون استغناء الله‏ عن علة توجده؟
    3 ـ اشرح نظرية الحدوث؟ ثمّ بيِّن ما يمكن أن يرد عليها من إشكال.
    4 ـ ما هي نظرية الوجود؟ وما هي المؤاخذة عليها؟
    5 ـ ما هي نظرية الإمكان الوجودي؟
    6 ـ اشرح العبارة التالية مستعيناً بمثال توضيحي :
    «إن العلاقة القائمة بين العلة والمعلول ارتباطية لا استقلالية».


    الدرس العاشر
    العليّة
    (العلة والمعلول)
    (2)
    * التعاصر بين العلة والمعلول
    * العادة والقصد الضروري والجزاف والصدفة
    * فكِّر وأجب


    التعاصر بين العلة والمعلول
    وإذا كانت العلاقة بين العلة والمعلول تعلقية ربطية وبهذه الدرجة من القوة والربط ـ كما تقدم في الدرس الماضي ـ يتضح بجلاء ما أُثِرَ عن الفلاسفة من أن المعلول يقترن زماناً بعلته ، فإذا وجدت العلة وجد معها المعلول وإن انتفت انتفى معها معلولها. وبعبارة أخرى : إن المعلول يعاصر علته ، كما يقول الشهيد السعيد محمد باقر الصدر قدس ‏سره : (1)
    «لما كنا نعرف الآن وجود المعلول مرتبط ذاتياً بوجود العلة ، فنستطيع أن نفهم مدى ضرورة العلة للمعلول ، وأن المعلول يجب أن يكون معاصراً للعلة ليرتبط بها كيانه ووجوده ، فلا يمكن أن يوجد بعد زوال علته ، أو أن يبقى بعد ارتفاعها ، وهذا ما شئنا أن نعبّر عنه بقانون التعاصر بين العلة والمعلول». (2)
    وقد اشتبه الأمر على بعض ، فتصور أن العلاقة الارتباطية بين العلة والمعلول
    __________________
    1 ـ محمد باقر الصدر (1933 م ـ 1980 م) : ولد قدس ‏سره في مدينة الكاظمية ـ إحدى مدن العراق ـ في أسرة كريمة ، نبغ مبكرا فنال درجة الاجتهاد ومن ثم مقام المرجعية الرشيدة ، وصار ممن يشار إليه بالبنان ، ومن النوادر الذين تشرف التاريخ بتدوين أسمائهم على صفحاته بأحرف من نور ، وقد امتاز بالمثل الأخلاقية العليا ، وبشمولية نظرته وعمقه العلمي ، فكان له من المؤلفات : اقتصادنا ، فلسفتنا ، الأسس المنطقية للاستقراء ، البنك اللاربوي في الإسلام ... تصدى لمواجهة نظام صدام الدكتاتوري في العراق ، فحاز على درجة الشهادة الرفيعة.
    2 ـ فلسفتنا ص 279. ط مجمع الشهيد الصدر العلمي.

    بمعناها المتقدم والتي يُسْفِرُ عنها تعاصر واقتران زماني بينهما لا تصدق على كثير من الموارد ، فعلى سبيل المثال : أن البَنّاء الذي يكون علة في بناء البيت لا يؤَثِّر موتُه على البيت وبقائه ، فالبيت يبقى مدة مديدة من الزمان رغم انتفاء علته ، فبموت البَنّاء يظلّ صرح البَنَّاءِ باقياً ، مع العلم أن العلاقة القائمة بين البَنّاء والبيت من نمط العلاقة الارتباطية.
    وقد فات هؤلاء تشخيصهم الدقيق للمعلول المرتبط بعلته ، فإن المعلول المرتبط بالبنّاء في هذا المثال ليس سوى عملية نقل وانتقال المواد من مكان ووضعها في مكان آخر ، وهذا النقل ينتهي لا بعد موت البَنّاء فحسب بل حتى في حياته بعد سحب يده من عمله ، وهذا يعني أن العلّة هنا عبارة عن عمل البَنّاء الموجب لنقل وانتقال مواد البَنّاء من مكان إلى آخر وهي تنتفي بمحض ما يتوقف البنّاء عن العمل. وأما علة بقاء البيت قائماً حتى بعد توقف البَنّاء عن العمل أو بعد موته ، فيعود إلى أن لهيئة البيت وشكله علة أخرى وهي القوة التماسكية للمواد المستخدمة في البِناء وطبيعة تركيب الاَجُر؛ وهي موجودة مع البِناء ، فإذا زالت انهار البناء.
    فالعلاقة القائمة بين كل علة ومعلولها علاقة ارتباطية تعاصرية بلا ريب وهو ما يتضح بجلاء إذا ما أمعنا الدقة في تشخيص العلة ومعلولها في مواردها كما تبيّن في المثال آنف الذكر.
    العادة والقصد الضروري والجزاف والصدفة :
    قد تصور البعض خطأً انحصار الغايات في مورد الأفعال الناشئة عن الفكر والتأمل بنتائج الأفعال كذهاب العامل إلى معمله للكسب وتحصيل الرزق ، و

    ذهاب الطالب إلى مدرسته للاستنارة بنور العلم. فلا غاية للأفعال التي لا تنشأ عن منشأ تصديقي فكري ، كملاعب الصبيان وتسمّى بالجزاف ، وكالعبث باللحية والأصابع المسمى بالعادة ، وكحركات المريض الناشئة عن مزاج خاص فيه المُعَبّر عنها بالقصد الضروري.
    والصحيح هو أن لكل فعلٍ غاية ينتهي إليها الفعل ، فما كان فكريا كانت غايته فكرية ، وما لم يكن كذلك بأن كان جزافيا أو طبيعيا أو مزاجيا كانت الغاية ما ينتهي إليها الفعل من نتيجة ، لأنها مآل الفعل ومنتهاه.
    والأفعال مهما كان منشأها ، فكريا أو غيره قد يعرضها مانع يحول دون الوصول إلى غايتها وحينئذٍ يسمّى الفعل نسبة إلى ذلك المانع بالباطل. وهذا لا يعني بحال أن الفاعل لا هدف له من فعله ، لأن عدم الغاية شيء ووجود مانع حال دون تحقق الغاية شيء آخر.
    وإذا اتضح أن لكل فعل غاية يستهدف الفاعل تحققها يتضح أيضا استحالة الاتفاق ـ الصدفة ـ بين العلل والغايات التي تنتهي إليها تلك العلل ، إذ إن الصدفة لو كانت ممكنة لأمكن صدور المعلول من أية علة مهما كانت ، ولا شك في أنه واضح البطلان ، إذ كيف يصح فرض صدور الحرارة من الثلج والبرودة من النار بحجة القول بالصدفة؟!
    ومنه يتضح وهن ما استشهدوا به من أمثلة البخت السعيد والشقي ، حيث قالوا : قد يحفر إنسان بئراً ليصل إلى الماء فيعثر على كنز ، وقد يحفُر آخرُ بئراً ليصل إلى الماء فتلدغه أفعى فيموت على أثرها ، فلا ربط إذن بين الأفعال وغاياتها. إلا أنك ترى وبأدنى تأمل أن كلاً من الفعل الأول والثاني لم يتخليا عن الغاية المختصة

    بهما ، إذ إن الحفر بمفرده لم يوصل إلى الكنز ولا إلى الأفعى ، بل إن الحفر في خصوص نقطةٍ من الأرض تحتها كنز أو أفعى يوصل إليهما لا كل حفر كيف ما اتفق. والحصيلة هي أن كل فعل لابد وأن يؤدي إلى نتيجته وغايته المنتهي إليها ، فلا صدفة ولا انفصام بين الغايات للأفعال وبين عللها الفاعلية كما توهم البعض من أمثال ديمقريطس ، الذي أكد على أن الله‏ خلق أجساما صغاراً وأطلقها متحركة ، فتصادمت الأجسام صدفة بعضها ببعض فنشأت عنها صور الكون وأشكاله المختلفة ، مع إنها لم ‏تكن مقصودة من ‏الله‏ بل وجدت صدفة!

    فكِّر وأجب :
    1 ـ ما هو المقصود من قانون التعاصر بين العلة والمعلول؟
    2 ـ إذا كان المعلول مرتبطا ومحتاجا إلى علته دوماً فلماذا يستغني البِناءُ عن البَنّاء؟
    3 ـ ما هو المقصود من العادة والقصد الضروري والجزاف والصدفة؟
    4 ـ ما هو ردك على قول القائل بانحصار الغايات في مورد الأفعال الناشئة عن الفكر دون غيرها؟
    5 ـ ما هو الدليل على بطلان القول بالصدفة؟
    6 ـ ناقش ما يلي :
    (البخت السعيد أو البخت الشقي ينفيان الارتباط بين الأفعال وغاياتها).


    الدرس الحادي عشر
    العليّة
    (العلّة والمعلول)
    (3)
    * التناسب بين العلة والمعلول (السنخية)
    * قاعدة الواحد
    * فكِّر وأجب


    التناسب بين العلة والمعلول (السنخية) :
    ومفاد هذه القاعدة أن للعلل معاليل تناسبها وتسانخها ، كما أن للمعلولات عللاً تناسبها وتسانخها ، فلا تصلح كل علة لكل معلول ولا يصلح كل معلول لكل علة ، فالحرارة لا تصدر عن الثلج ، والبرودة لا تنبعث من الحرارة ، والجاهل لا يكون مصدراً للعلم كما أن العلم لا يصدر عن جاهل ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، والعطاء لا يصدر من لا شيء ، وبذلك يتضح بداهة قاعدة التناسب والسنخية بين العلة والمعلول.
    وبفضل هذه القاعدة يمكن تعميم القوانين العلمية في مختلف حقول المعرفة الإنسانية ، فكل حكم يستحيل تعميمه كقانون علمي شامل لجميع موارده المفترضة إلا بالاعتماد على قاعدة السنخية والتناسب بين العلة والمعلول ، (1) لأنّ مفادها : أن كل مجموعة من الأشياء إذا كانت متفقة في حقيقتها ، يلزم انسجامها في أسبابها ونتائجها وعللها ومعلولاتها.
    (فعلى ضوء قانون التناسب نستطيع ـ مثلاً ـ أن نعمم ظاهرة الإشعاع المنبثق عن ذرة الراديوم لجميع ذرات الراديوم ، فنقول؛ ما دامت جميع ذرات هذا العنصر متفقة في الحقيقة فيجب أن تتفق في أسبابها ونتائجها). (2)
    __________________
    1 ـ وهو قانون عقلي كما تقدمت الإشارة إليه في الدرس الثاني.
    2 ـ محمد باقر الصدر ، فلسفتنا ، ص 263 ، المجمع العلمي للشهيد الصدر قدس‏ سره ، محرم الحرام 1418 ه ق.

    قاعدة الواحد :
    وبناءً على قاعدة السنخية بين العلة والمعلول ، تتفرع قاعدة الواحد والتي تفيد أن «الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد» ، وأن «الواحد لا يصدر إلا عن واحد» ، ومن أجل التوضيح نقول : إذا كانت العلة ذات خاصية واحدة ، فلا يمكن أن يكون معلولها ذا خاصّتين أو أكثر ، كما أن المعلول إذا كان واحداً في خاصّته فإنه يستحيل صدوره عن عللٍ تامّةٍ كثيرةٍ ، إذ لو كان لكل علة من العلل المتعددة في خواصها أثر في معلولها لبان وظهر أثرها ، ولكان في المعلول آثارٌ وخواص متعدّدة بعدد العلل المؤثّرة فيه ، لا أثر واحد وخاصة واحدة ، والحال أن المعلول حسب الفرض لا يتضمن إلا أثراً وخاصة واحدة. فإن وجود أثر واحدٍ في المعلول يُنبئ عن وجود مؤثر واحد من مجموع المؤثرات لا جميعها ، فلم يكن لبقية العلل والمؤثرات دور وتأثير في إيجادِ آثارها في المعلول ، إذ لو كان لبان.
    وقد تقول : إن تعدد العلل وتواردها على معلول واحد مألوف في حياتنا اليومية ، كما لو شاهدنا مجموعة من الأفراد يدفعون حافلة وعلى أثر ذلك فإنها تتحرك باتجاه دفعهم لها ، وهو مما يؤكد اجتماع علل كثيرة على معلول واحد وهو حركة الحافلة ، والصحيح هو أن العلل التي اجتمعت لتحريك الحافلة لم تكن مستقلة وتامة في إيجاد المعلول ، بل إنها علل ناقصة يكون مجموعها بمثابة العلة التامة الواحدة وهذا هو ما تعنيه قاعدة الواحد بصيغتيها آنفتي الذكر.

    فكِّر وأجب :
    1 ـ ماذا تعني السنخية والتناسب بين العلة والمعلول؟ وضّح جوابك بمثال.
    2 ـ اشرح ما يلي :
    «وبفضل قاعدة التناسب بين العلة والمعلول يمكن تعميم القوانين العلمية في مختلف حقول المعرفة الإنسانية».
    3 ـ بيِّن قاعدة الواحد بكلا فرضيها. معززاً بيانك بمثال توضيحي.
    4 ـ ما هو ردّك على قول القائل؛ إن العلل وإن تعددت فإنها يمكن أن تترك أثراً واحداً والشاهد على ذلك ما نراه في حياتنا اليومية كدفع جماعة لحافلة ، فإن العلل كثيرة والأثر واحد.


    الدرس الثاني عشر
    العليّة
    (العلة والمعلول)
    (4)
    * أقسام العلة :
    * العلة الفاعلية والمادية والصورية والغائية
    * العلة التامة والناقصة
    * العلة المباشرة وغير المباشرة
    * العلة المنحصرة وغير المنحصرة
    * العلة الداخلية والخارجية
    * العلة البسيطة والمركبة
    * العلة الحقيقية والمُعِدّة
    * فكِّر وأجب


    أقسام العلّة
    تنقسم العلّة بحسب موردها إلى أقسام عديدة ، نجملها فيما يلي :
    1 ـ العلّة الفاعلية والمادية والصورية والغائية :
    إن صناعة سرير من خشب تتوقف على وجود نجّار يصنعه ، إذ لا يُمكن أن يوجد السرير صدفة وبلا علة ، فيعدّ النجّار ، علة فاعلية في صنع السرير ، كما أن السرير لا يوجد بلا خشب ، فالخشب علة مادية لوجود السرير ، كما أن السرير لم يكن ليوجد لولا صورته وهيئتُه التي كانت في ذهن النجار والتي أوجد السرير على غرارها ، وتسمّى الصورة والهيئة هنا بالعلّة الصورية ، مضافاً إلى ما تقدم ، فإن النجّار حين صنعه للسرير كان له غاية في صنعه وهي الرقاد والاستراحة عليه وهو ما يُسمّى بالعلة الغائية. (1)
    تجدر الإشارة إلى أن العلل الأربع آنفة الذكر إنما تكون عللا للأجسام ولا تشمل بقية الجواهر بل ولا حتى الأعراض ، كما أن المثال المذكور مبنيٌّ على المسامحة ، إذ إن النجار ليس علة فاعلية ، كما أن صورة الكرسي ليست علة حقيقية له.
    2 ـ العلة التامة والناقصة :
    ومن جهة أخرى تسمّى العلل الأربع المتقدم ذكرها في مثال السرير مجتمعة
    __________________
    1 ـ ويُعبّر عن العلة الفاعلية بما منه الوجود ، وعن العلة المادية بما فيه الوجود وعن العلة الصورية بما به الوجود وعن العلة الغائية بما له الوجود.

    بالعلة التامة ، إذ باجتماعها تتم صناعة السرير ، وأما لو نقص منها علة واحدة أو أكثر فسوف تكون العلة حينها علة ناقصة ولا يوجد المعلول ـ السرير في المثال ـ لنقص في علته التامة.
    3 ـ العلّة المباشرة وغير المباشرة :
    ومن ناحية ثالثة فإن العلّة إما أن تؤثر في معلولها من دون توسط شيء بينها وبينه فتسمى العلة بالعلة المباشرة ، وإما أن يكون تأثير العلة في معلولها بتوسط واسطة فتسمى العلة حينها بالعلة غير المباشرة ، فالنجّار يصنع السرير بأدواته كالمنشار مثلاً ، فالمنشار علّة مباشرة في صنع السرير والنجار علة غير مباشرة في صنعهِ له.
    4 ـ العلة المنحصرة وغير المنحصرة :
    ومن ناحية رابعة ، فإن المعلول إن لم يمكن وجوده إلا بعلة واحدة لا بديل لها ، كما لو تصور الطفل انطلاقاً من جهله أن أباه علة لا بديل لها في رعايته والعناية به ، فإن العلة في مثل هذِهِ الحالة تسمى بالعلة المنحصرة ، وأما لو أمكن وجود المعلول بعلل متعددة ، تستقل كل واحدة عن الأخرى في إيجاده كالنور الذي يمكن تحققُه بالشمس كما ويمكن تحققه بالشمعة المتقدة أو بالمصباح المتوهج أو بالنار المشتعلة ، فإنّها تسمى حينئذ بالعلة على البدل ، لأن كل علة من العلل المذكورة في مثال النور تصلح وبصورة مستقلة أن‏ تكون بديلة عن غيرها في إيجاد وتحقق النور.
    5 ـ العلة الداخلية والخارجية :
    ومن ناحية خامسة فإن العلة قد تكون داخلية وهي التي توجد في المعلول ولا تنفصل عنه كمادة الخشب التي هي علة للسرير ، فإنها في نفس الوقت الذي

    تكون فيه علة مادية ، هي داخلية أيضاً باعتبارها داخلة ضمن المعلول الذي هو السرير. بخلاف النجار فإنه علة خارجية بالنسبة للسرير باعتباره خارجاً عن وجوده وحدوده.
    6 ـ العلة البسيطة والمركبة :
    ومن ناحية سادسة فإن العلة إما أن تكون بسيطة كوجود الله‏ الأقدس الذي هو علة في مخلوقاته ، فإنه تعالى غير مركب من أجزاء فهو بسيط كما أثبتهُ العلماء في كتبهم الكلامية والفلسفية ، وإما أن تكون العلّة مركبة من أجزاء ، كوسائط النقل التي تنقل المسافرين من مكان إلى آخر ، فإنها مركبة من أجزاء وقطع تشكل بمجموعها علة واحدة في تحقق المعلول وهو نقل المسافرين.
    7 ـ العلة الحقيقية والمعِدّة :
    ومن ناحية سابعة فإن كل علة يكون المعلول متوقفا عليها بحيث يزول المعلول بزوالها تسمى بالعلة الحقيقية ، نظير ما تقوم به النفس من إبداع في عالم الذهن ، كنسجها لصور مدن كبيرة وعمارات عملاقة ، بعد رؤيتها لمدن وعمارات أصغر منها بكثير ، إلا إنها تشابهها وتسانخها من حيث المظهر والشكل.
    وكل علة لا يكون المعلول متوقفا عليها ، بل لها دخل في حصول الاستعداد لوجود المعلول تسمى بالعلة المُعِدّة؛ نظير ما يجمعه الإنسان من صورٍ ومعانٍ حسية عن طريق الحواس الخمس ثم نقلها إلى الدماغ وما يجري في هذا المجال من فعل وتفاعل ، كل هذا يُعَدُّ مقدمة لتحقق إدراك النفس لتلك الصور والمعاني الحسية ، فالنفس علّة حقيقية للإدراك وما سواها من علل تعتبر مُعِدّة لذلك ، ليس إلا.

    فكِّر وأجب :
    وضّح مستعيناً بمثال كلاً مما يلي :
    1 ـ العلة الفاعلية والمادية والصورية والغائية.
    2 ـ العلة التامة والناقصة.
    3 ـ العلة المنحصرة وغير المنحصرة.
    4 ـ العلة الداخلية والخارجية.
    5 ـ العلة البسيطة والمركبة.
    6 ـ العلة الحقيقية والمعدّة.

    الدرس الثالث عشر
    الدور والتسلسل
    *الدور
    *التسلسل
    *فكّر وأجب


    الدَوْر :
    «الدور» لغة : حركة شيء من نقطة حركة منحنية دائرية بحيث ينتهي إلى نفس النقطة التي انطلق منها.
    وأما في الاصطلاح ، فإن الدور يعني توقف الشيء على ما يتوقف عليه ، أي أن يكون الشيء علّة لعلة نفسه ، كما لو قيل : إن «أ» أوجد «ب» ، و «ب» أوجد «أ» ، فإن معناه أن «أ» أوجد «أ» وهذا يعني أن «أ» الذي لم يكن موجوداً صار علّة لوجود نفسه. وبعبارة أخرى ، أن «أ» معلولٌ وعلة لـ «ب» ، فيكون «أ» متأخراً عن «ب» لأنه معلول لـ «ب» كما إنه متقدم على «ب» لأنه علَّة له ، وهو واضح البطلان لأنه محال كما ترى.
    التوضيح بالمثال : لو فرض وجود شخص وهو بحاجة إلى توقيع أحد شخصين كانا يعملان موظفين في دائرة رسمية ، فامتنع الأول عن التوقيع وعلّق توقيعه على توقيع الثاني ، وحينما ذهب صاحب الوثيقة إلى الثاني ليوقع له وثيقته رفض التوقيع وعلّق توقيعه على الأول ، وهكذا كلما ذهب إلى أحدهما يحوِّله إلى الآخر ، والنتيجة هي أن هذا المسكين سوف يخرج بوثيقته من دون توقيع.

    «وقد أوضح أحدهم فكرة الدور في بيتين من الشعر بقوله :
    مسألة الدور جرت
    بيني وبين من أُحب

    لولا مشيبي ما جفا
    لولا جفاه لم أشب

    يقول : إن حبيبه جفاه لشيبه وإن الشيب حصل أولاً ثم أعقبه الجفاء ، ثم ناقض نفسه وقال : إن الشيب كان من جفاء الحبيب ، أي أن الجفاء حصل أولاً ثم أعقبه المشيب ، فيكون كلّ من الجفاء والشيب متقدماً ومتأخراً في آن واحد ، وبالتالي يكون الشيء متقدما على نفسه». (1)
    التسلسل :
    التسلسل فهو توقف موجود كـ (أ) في وجوده على موجود آخر كـ (ب) ، وتوقف (ب) في وجوده على (ج) ... إلى ما لا نهاية ، مع فرض أن سلسلة الموجودات المتوقف بعضها على البعض الآخر في الفرض المتقدم فقيرة بذاتها ولا تمتلك الغنى.
    وإليك بيان الفكرة بمثال توضيحي : ـ لو فُرِضَ وجود مجموعة لا متناهية من العدائين يريدون الاشتراك في مسابقة ، وحين أُطلقت إشارة البدء لم يركض أحدٌ منهم ، وحينما توجّه السؤال إلى أوّلهم أَجاب بأني لا أشرع بالعدو ما لم يشرع الثاني ، وحينما توجّهوا إلى الثاني بالسؤال ، أكد أنه لا يشرع بالعدو اِلا بشروع الثالث ، وهكذا كل واحد منهم يُعلّق تحركّه على تحرك الذي بعده ، والنتيجة المعروفة من هذا كله هي : أن المسابقة سوف لا تجري بين المتسابقين أصلاً ، لوجود حالة التعليق وعدم الحسم في الموقف ، لأن السلسلة غير متناهية وحالة
    __________________
    1 ـ محمد جواد مغنيه ، معالم الفلسفة الإسلامية ، ص 53 ـ 54 ، مكتبة الهلالي.

    تواكل أحدهم على الآخر مستمرة وغير متوقفة.
    وهذا التسلسل واضح البطلان ويدل على بطلانه أن الموجودات التي فرض وجودها في السلسة اللامتناهية فقيرة بذاتها؛ فإذا كانت كذلك فمن أين حصلت على غنى الوجود ، والمفروض أنها لا تمتلكه من ذاتها ، فلابد من فرض موجود آخر منحها الغنى والتحقق ، وهو بذاته واجب في وجوده وغنيّ عن كل علّة توجده حتى يمكن أن تحصل سلسلة الموجودات الفقيرة على الوجود والتحقق.
    وبهذا الدليل يمكن إبطال فكرة الدور أيضاً ، وذلك لأن الدور سواء كان مضمراً أو مصرّحاً (1) فإن الموجودات المفترضة فيه فقيرة ومحتاجة إلى جهةٍ تغنيها وتمنحها الوجود؛ إذ لا يمكن لكل موجود مفتقر إلى الوجود منح غيره أو نفسه الغنى في الوجود ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه بحكم العقل. ويمكن تشبيه نسبة الموجودات الفقيرة في فرض الدور والتسلسل بمجموعة أصفار ، أو مجموعة جُهّال ، فكما أن إضافة صفر إلى صفر آخر لا يُوجِد عدداً ، وكما أن استعانة جاهل بجاهل لا يحقق العلم ، كذلك الحال بالنسبة إلى الموجودات الفقيرة فهي لا يمكن أن تمنح نفسها أو بعضها البعض الغنى والتحقق ، لأنها فقيرة بذاتها وفاقدة لكل غنى.
    __________________
    1 ـ أ ـ الدور المصرح مثل : تعريف الشمس بأنها كوكب يطلع في النهار والنهار لا يعرَّف إلا بالشمس ، إذ يقال في تعريفه : النهار ، زمان تطلع فيه الشمس. فينتهي الأمر في النهاية إلى أن تكون معرفة الشمس متوقفة على معرفة الشمس.
    ب ـ الدور المضمر : مثل تعريف الاثنين بأنها زوجٌ أول ، والزوج يُعرَّف بأنه منقسم بمتساويين ، والمتساويان يُعرفان بأنهما شيئان أحدهما يطابق الآخر والشيئان يُعرّفان بأنهما اثنان ، فرجع الأمر بالأخير إلى تعريف الاثنين بالاثنين. «محمد رضا المظفر ، المنطق ، ص 104 ـ 105 دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ، لبنان 1980 م».

    فكِّر وأجب :
    1 ـ عرِّف كلاًّ من الدور والتسلسل مع ذكر مثال توضيحي لكل منهما.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    نافذه على الفلسفه صادق الساعدي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: نافذه على الفلسفه صادق الساعدي   نافذه على الفلسفه صادق الساعدي Emptyالسبت نوفمبر 16, 2024 3:40 pm

    2 ـ ما هو محذور الدور؟
    3 ـ ما هو الدليل الذي يمكن اعتماده لبطلان كلٍ من الدور والتسلسل؟
    4 ـ بيِّن فكرة الدور على غرار ما بيّنه الشاعر ببيتين من الشعر.
    5 ـ ما الذي يمكن فرضه في مجال الظواهر الكونية ، وسلسلة عللها ومعلولاتها من أجل التخلص من مشكلة الدور والتسلسل؟

    الدرس الرابع عشر
    الثابت والمتغيِّر
    (1)
    * الثابت والمتغير
    * التغيّر والحركة
    * القوة والفعل
    * الحركة العرضية
    * الحركة الجوهرية
    * فكِّر وأجب


    الثابت والمتغيِّر
    ينقسم الموجود فيما ينقسم إلى ثابت ومتغير ، فيطلق الثابت على وجود الله‏ جَل جَلاله وسائر الموجودات المجردة التامة. بينما يطلق المتغيِّر على الموجودات المادية والنفوس المتعلقة بها.
    التغيُّر والحركة
    إن حالة التغيُّر الحاصلة في الأشياء إما أن تكون دفعية أو تدريجية ، والتغيُّر الدفعي قد يحصل في جواهر الأشياء ، وذلك بزوال صورة عن مادة وحدوث صورة أخرى محلها ، كما هو الحال للتغيُّر الحاصل في البيضة التي تتحول إلى فرخ ، فإن البيضة كانت على صورة وحقيقة ، وتبدّلت إلى صورة وحقيقة ثانية تبدلاً دفعيّاً ، ومن دون تدريج ، وسُميّ هذا التحول بـ (الكون والفساد) لأن الموجود ـ البيضة في المثال ـ كان على حقيقة معينة وبعد التحول الدفعي الحاصل فيه ، حدثت وتكوّنت حقيقة جديدة ، بعد أن انحلّت وفسدت الحقيقة السابقة. وأما التغيُّر التدريجي الذي يحدث في الأشياء ليوجد فيها تحولاً فيُسمى بالحركة ، كتحول الشمع حين اشتعال فتيلهِ من حالة جامدة إلى حالةٍ لينة ثم سائلة.

    وتقابل الحركة السكون تقابل الملكة وعدمها ، أي أن السكون لا يطلق على موجود ليس من شأنه الحركة ، فالله‏ ليس من شأنه الحركة ، ولهذا لا يُسمى ساكناً ، بل يُسمى ثابتاً.
    القوة والفعل
    القوة عبارة عن إمكان الشيء ، والفعل عبارة عن وجوده حقيقة ، فالموجود المتطور يتمثل بقوى وإمكانات ، وبالحركة تُسْتنفد تلك الإمكانات ويُستبدل في كل درجة من درجات الحركة الإمكان بالواقع والقوة بالفعلية ، فالكائن الحي يتطور في حركة تدريجية فهو بويضة ، فنطفة ، فجنين ، فطفل ، فمراهق ، فراشد. إن هذا الكائن في مرحلة محدودة من حركته نطفة بالفعل ، ولكنه في نفس الوقت شيءٌ آخر مقابل للنطفة ، وأرقى منها ، فهو جنين بالقوة ، ومعنى هذا : أن الحركة في هذا الكائن قد ازدوجت فيها الفعلية والقوة معاً.
    (فلو لم يكن في الكائن الحي قوة درجة جديدة وإمكاناتها لما وجدت حركة. ولو لم يكن شيئاً من الأشياء بالفعل لكان عدماً محضاً ، فلا توجد حركة أيضاً ، فالتطور يأتلف دائماً من شيءٍ بالفعل وشيء بالقوة ، وهكذا تستمر الحركة ما دام الشيء يحتوي على الفعلية والقوة معاً على الوجود والإمكان معاً ، فإذا نفد الإمكان ولم يبق في الشيء طاقة على درجة جديدة انتهى عمر الحركة). (1)
    وجدير بالملاحظة أن الحركة والتبدل من شيء إلى شيء آخر لا تحدث جزافاً وإنما تكون في الموجود الذي له استعداد للتحول إلى موجود آخر ، فالحجر ليس
    __________________
    1 ـ فلسفتنا ، ص 201 ، مجمع الشهيد الصدر العلمي والثقافي.

    فيه استعداد للتحول إلى حيوان ، نعم إنه وبعد عدة وسائط يمكن أن يتحول إلى حيوان.
    الحركة العرضية
    قد يتحرك الشيء حول نفسه فتسمى حركته حركة موضعية كدوران المروحة حول نفسها ، وقد يتحرك الشيء من نقطة إلى أخرى ، فتسمى حركته حركة انتقالية ـ أيْنيَّة ـ وقد تكون الحركة والتغيير في مقولة الكيف ، كالتغير الحاصل في لون التفاحة من الأخضر إلى الأصفر أو إلى الأحمر ، وكالتغير الحاصل في النفس من زيادة الحب أو البغض .... وقد تكون الحركة والتغير في كمّ الأشياء كما في النمو الحاصل في النبات والحيوان على مرور الزمان. وتسمى تلك التغييرات بالحركات العرضية.
    الحركة الجوهرية
    ويوجد مضافاً إلى ما تقدم من تغيرات وحركات في أعراض الأشياء ، حركة وتغير في جواهرها أيضاً ، وتسمى بالحركة الجوهرية ، واستدل صدر المتأَلهين الشيرازي على وجود هذا النمط من الحركة بأدلة ، نقتصر على ذكر واحد منها :
    إن كل ما تقدم من حالات التغيير والحركة كانت في مقولة الكم والكيف والأين ، وهي مقولات عرضية ، فلابد لها من سبب انبثقت عنه ، وحيث أنها تابعة للجوهر الذي عرضت عليه ، فلابد وأن يكون الجوهر علة لها ، وعلة المتغير المتحرك متغيَّرة ومتحركة ، وعليه فلابد وأن يكون جوهَرُ الشيء متغيراً ومتحركاً أيضاً.

    فكِّر وأجب :
    1 ـ لماذا لا يطلق وصف المتحرك أو الساكن على الله تعالى؟ وأي اسم يناسب إطلاقه على ذات الله‏ القدسية؟
    2 ـ اشرح معنى الكون والفساد والحركة. معززاً جوابك بمثال توضيحي.
    3 ـ وضّح العبارة التالية مع ذكر أمثلة لها :
    «القوة عبارة عن إمكان الشيء ، والفعل عبارة عن وجوده حقيقة»
    4 ـ ما هي الحركات الظاهرية والجوهرية؟
    5 ـ ما هو الدليل على وجود الحركة الجوهرية؟

    الدرس الخامس عشر
    الثابت والمتغيِّر
    (2)
    * آراء وأفكار
    * الحركة ولوازمها
    1 ـ المبدأ
    2 ـ المنتهى
    3 ـ المسافة
    4 ـ الموضوع
    5 ـ الفاعل المُحَرِك
    6 ـ الزمان
    * حقيقة الزمان
    * فكِّر وأجب


    آراء وأفكار
    تعددت الآراء والأفكار المتعلقة بالحركة الجوهرية ، فقد اختمرت الحركة الجوهرية في الفلسفة الإسلامية ، بعد أن بنى ركائزها وثبَّت قواعدها الملاّ صدرا ، وحلّ بفضلها العديد من المشكلات الفلسفية العويصة. (1) في الوقت الذي رفض فيه الفلاسفة الأقدمون ومن جملتهم ديموقريطيس (2) ـ من فلاسفة اليونان القديمة ـ وجود أي حركة في صَميم وجوهر الأشياء ، نعم كان هريقليطيس (3) مؤمنا بشمول التغيُّر والحركة لكل شيء ظاهري وجوهري ، فلا يوجد موجود واحد على حال واحد في لحظتين ، وقد أُثر عنه قوله : «لا يمكن أن تضع رجليك مرتين في نهر واحد» (4) ؛ فلا الشخص الذي وضع رجليه في المرة الأولى هو نفس الشخص الذي وضع رجليه في المرة الثانية ، ولا النهر في المرة الأولى هو ذات النهر في المرة الثانية. بحكم التغير الشامل للأعراض والجواهر في كل لحظة ووقت.
    __________________
    1 ـ كمشكلة علاقة النفس بالبدن ، وصلة القديم بالحادث ، ومشكلة الزمان.
    2 ـ ديموقريطيس Demokritos «القرن الخامس ق. م» ، فيلسوف يوناني ، قال : إن كل كائن مركب من ذرات لا تحصى وإن السعادة تقوم بضبط أهواء النفس. يعتبر مؤسساً للفلسفة المادية.
    3 ـ هريقليطيس Herakleitos «ـ 480 ـ 540 ق. م» ، فيلسوف يوناني ولد في افسس؛ قال : إن العالم واحد ومتعدد وإن مادته الأولى هي النار.
    4 ـ الشهيد مرتضى مطهري ، آشنائي با علوم إسلام ، منطق وفلسفة ، ص 180.

    ومن الغريب أن بعض فلاسفة اليونان الأقدمين من أمثال «پارمنيدس» ، (1) و «زينون الايلي» (2) لم يكتفوا بإنكار الحركة الجوهرية للأشياء فحسب ، بل تعدوا في إنكارهم إلى ما هو ظاهر من الحركات حتى الانتقالية منها ، وذهبوا إلى أن حركة شخصٍ من نقطةٍ إلى نقطة أخرى ليست إلا سكونات متعددة لأشخاص متعددين!
    الحركة ولوازمها
    ومما تقدم يظهر أن الحركة عبارة عن التغيُّر التدريجي وخروج الشيء من القوة إلى الفعل؛ فالإنسان حينما يخرج من منزله إلى محل عمله ، والنبتة حينما تكون شجرة ، والشجرة حينما تعطي ثمرة ، والثمرة حينما يكون لها لون في ظهورها ثم تتغير إلى لون آخر ، ثم تستقر على لون وحالة أخيرة ، والماء حينما ترتفع درجة حرارته بالنار من الصفر إلى درجة مائة مئوية ، ففي كل ما تقدم تظهر تغيرات وتحولات وحركات ، ويلازم تلك التغيرات والحركات عناصر ستة ، إليك ذكرها مجملة :
    1 ـ المبدأ : وهو نقطة الانطلاق في الحركة ، وهو ـ في المثال الأول ـ المنزل الذي بدأ الشخص حركته منه ، متجها صوب مقصده وهدفه.
    __________________
    1 ـ پارمنيدس Parmenides «ـ 450 ـ 540 ق. م» ، فيلسوف يوناني له قصيدة «في الطبيعة» قال فيها بالتوحيد المطلق وعدم التغير وأزلية كل شيء.
    2 ـ زينون الايلي «Zenon Aelee» «أواخر القرن الخامس ق. م» ، فيلسوف يوناني تعلم على پارمنيديس ، صاحب البراهين على عدم وجود الحركة.

    2 ـ المنتهى : وهو المقصد الذي استهدف الشخص الوصول إليه ، وهو محل العمل في المثال.
    3 ـ المسافة : وهي المقولة التي جرى فيها التغيّر ، وهي الأين في مثال الشخص المتحرك من منزله إلى محل عمله ، والكيف في مثال تغير درجة حرارة الماء ولون الثمرة ، والكم في مثال النبتة ونموها إلى شجرة.
    4 ـ الموضوع : والمراد من الموضوع هنا الشيء المتحرك ، فبدن الشخص الذي خرج من منزله ، والنبتة والشجرة والثمرة والماء على الترتيب في الأمثلة المتقدمة ، فإنها جميعا متحركة أي إنها موضوع للحركة.
    5 ـ الفاعل (المُحَرِّك) : وهو واهب الحركة ومانحها للموضوع المتحرك ، فواهب الحركة للنبتة والشجرة والثمرة هو الله‏ ، كما أن واهب الحركة لبدن الشخص المتحرك هو الله‏ أيضاً ، وإن كانت علة حركته المباشرة هي الروح إلا أن مآل كل ما في الكون من فاعلين إليه جل وعلا ، لأنه علة العلل ومنتهى كل سبب : (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (1)
    6 ـ الزمان : وهو الوقت الذي يستغرقه الموجود في تغيره وحركته. كما هو الحال بالنسبة إلى الوقت الذي يستغرقه الشخص في خروجه من منزله حتى وصوله إلى محل عمله ، وكما بالنسبة إلى النبتة فيما تمضيه من وقت حتى تكون شجرة ....
    __________________
    1 ـ الصافات : 96.

    حقيقة الزمان
    ومما تقدم يُعلم أن الزمان إنما يمكن فرضه في الموجودات المادية دون المجردة ، وذلك لأن الموجودات المادية في حركة دائمة في عوارضها وجواهرها بحكم القوى والاستعدادات المودعة فيها ، بينما لا توجد هذه القوى والاستعدادات في الموجودات المجردة حتى يترتب على أثرها تغيُّر من القوة إلى الفعل ومن ثم حركة ، وبالتالي زمان ، لأن الزمان كما عرَّفناه توّاً هو الوقت الذي يستغرفه الموجود في تغيُّره وحركته بفعل مسيره من القوة إلى الفعل.

    فكِّر وأجب :
    1 ـ اذكر مجمل الآراء الوارد ذكرها في هذا الدرس فيما يتعلق بالحركة الجوهرية.
    2 ـ اشرح العبارة التالية :
    وقال هريقليطيس : «لا يمكن أن تضع رجليك مرتين في نهر واحد».
    3 ـ عرِّف الحركة وعدد لوازمها.
    4 ـ اشرح لوازم الحركة بصورة مجملة مستيعناً بمثال توضيحي.
    5 ـ ما هي حقيقة الزمان؟ وأين يمكن فرضه؟ ولماذا؟


    الدرس السادس عشر
    السبق واللحوق
    (التقدم والتأخر)
    * الحادث والقديم
    * فكِّر وأجب


    السبق واللحوق (التقدم والتأخر)
    السبق واللحوق نسبة قائمة بين شيئين بسبب اختلاف نسبتهما إلى شيء ثالث زيادة في أحدهما ونقيصة في الآخر ، فيسمى الأول متقدما أو سابقا ، ويسمى الثاني متأخراً أو لاحقاً ، وتسمى النسبة بالسبق واللحوق ، أو التقدم والتأخر ، كما في الاثنين والثلاثة قياساً إلى الواحد ، فإنّ الاثنين تسمى متقدما أو سابقا ، لأنّها متقدمة على الثلاثة بالقياس إلى الواحد ، وتسمى الثلاثة متأخراً أو لاحقا ، لأنها متأخرة عن الاثنين قياساً إلى الواحد.
    وأما لو تساوت نسبة شيئين إلى شيء ثالث فتسمى النسبة حينها بالمعية أو السوية ويسمّى كل من الشيئين بالمعان ، كما لو وقعت حادثتان في زمن واحدٍ. (1)
    وما يهمّنا من بحث السبق واللحوق اعتباره مقدمة لدراسة القديم والحادث باعتبار أن أحدهما سابق والآخر لاحق ، فهلمّ نلقي نظرة سريعة إليهما.
    __________________
    1 ـ وقد قسَّم الفلاسفة السبق واللحوق أقساما عثروا عليها بالاستقراء نذكرها مجملة ، ونوكل تفصيلها إلى دراسات متقدمة من بحوث الفلسفة :
    1 ـ السبق واللحوق الزماني. 2 ـ السبق واللحوق بالطبع. 3 ـ السبق واللحوق بالعلية. 4 ـ السبق واللحوق بالماهية. 5 ـ السبق واللحوق بالحقيقة. 6 ـ السبق واللحوق الدهري. 7 ـ السبق واللحوق بالرتبة. 9 ـ السبق واللحوق بالشرف.

    الحادث والقديم :
    الحادث لغة يعني الجديد ويقابله القديم ، وهما مفهومان نسبيان إضافيان ، بمعنى أن كلاً منهما يصدق على شيءٍ بالقياس إلى غيره ، فكتاب «الأسفار» للملاّ صدرا قديم قياساً إلى كتاب «المنظومة» للملاّ هادي السبزواري ، لأن الكتاب الأول قد كتب قبل أربعة قرون بينما كُتب الثاني قبل قرنين من الزمان ، فالأول قديم بالقياس إلى الثاني ، والثاني حادث بالقياس إلى الأول ، بينما يعتبر الكتاب الثاني ـ كتاب المنظومة ـ قديما بالقياس إلى كتابي «البداية» و «النهاية» للعلامة الطباطبائي (1) حيث تمّ تأليفهما بعد قرنين من تأريخ تأليف كتاب المنظومة.
    وهذا المعنى للقدم والحدوث متداول عند العُرف العام للناس. وأما في الاصطلاح الفلسفي فإنَّ الحادث يعني؛ المسبوق في وجوده بعدم سواء كان السبق سبقا زمانيا أو غيره كالإنسان مثلاً في ذاته وماهيته خلو من كل وجود ، شأنه شأن بقية الماهيات التي يفاض عليها الوجود بعد ذلك ، فهي في ذاتها مفتقرة إلى الوجود ، وعلى خلافه القديم ، أي إنه في وجوده غير مسبوق بعدم كوجود الله‏ جَلّ وَعلا.
    وقد وقع خلاف شديد بين الفلاسفة والمتكلّمين فيما يتعلق بتحديد الحادث
    __________________
    1 ـ العلامة الطباطبائي «1321 ـ 1402 ه ق» هو محمد بن حسين بن محمد المعروف بالعلامة الطباطبائي ، ولد في مدينة تبريز إحدى مدن إيران وفي أسرة عريقة بالعلم والثقافة ، وقد تمتع بذهنية وقادة ومنفتحة على أكثر العلوم فارتشف من معينها ونبغ فيها؛ فهو في مجال التفسير مفسر بارع ، وفي مجال الفلسفة فيلسوف إسلامي كبير ، كما إنه بلغ مرتبة الاجتهاد. ومن أشهر كتبه تفسيره الكبير «الميزان» وكتابا «البداية» و «النهاية». انتقل العلامة الطباطبائي إلى ربّه بعد أن عاش ثمانين سنة وثمانية عشر يوماً ووري جثمانه الطاهر في حرم السيدة فاطمة بنت الإمام الكاظم عليهما السلام في قم المقدّسة.

    من الموجودات ، بعد تسليم الجميع بقدم الله‏ سبحانه ، فذهب المتكلمون إلى أن كلَّ ما سوى الله‏ حادث ، تجنباً من محذور تعدد القدماء المنافي لأدلة توحيد الله‏ تعالى. بينما خالفهم الفلاسفة في ذلك وذهبوا إلى القول بأن مقتضى كونه تعالى علة للكون منذ الأزل هو قدمية الكون وأزليته أيضاً ، باعتبار أنه تعالى فيّاض على الإطلاق ، وقديم الإحسان والكون نفحة من نفحات فيضه وإحسانه. والتعدد في القدماء إنما يكون محذوراً إذا كان كل قديم غنيّا بذاته ـ واجب الوجود ـ والحال إنه لا ملازمة بين القول بتعدد القدماء وبين واجبية وجودهم وغناهم ، بل إن صفة الفقر والإمكان يجب أن تكون ملازمة لوجود القدماء على الرغم من قدمهم وأزليتهم ، باعتبارهم معلولين لعلّة وهي الله‏ تبارك اسمه ، وقد اتضح في بحث العلّية أن المعلول يمثل عين الارتباط بعلّته ، فلا وجود استقلالي له من دون علته المفيضة عليه بالوجود والتحقق ، وعلى هذا فلا معنى لاعتبار المعلول غنياً وواجباً حتى ولو كان قديماً وأزلياً في وجوده. فالشعاع المنبثق عن الشمس يبقى بحاجة إلى الشمس حتى لو فرضنا جدلاً قدم الشمس وبالتبع قدم الشعاع المنبثق عنها واقترانهما معاً.
    إن استيعاب الكلام فيما يرتبط بهذا الموضوع مفصّل وإنما أردنا أن نطل عليه إطلالة محدودة عبر لمحة فلسفية خاطفة.

    فكِّر وأجب :
    1 ـ ماذا يعني السبق واللحوق؟ عزز جوابك بمثال.
    2 ـ عرِّف كلاً من الحادث والقديم لغة ، مبيّناً تعريفك بمثال توضيحي.
    3 ـ ماذا يُقصد من الحادث والقديم اصطلاحاً؟ اذكر مثالاً لكل منهما.
    4 ـ ما هو الخلاف بين المتكلمين والفلاسفة فيما يرتبط بالموجودات الحادثة؟ ثمّ بيِّن ما استدل كلٌ منهما على مدّعاه.

    الدرس السابع عشر
    المعقولات الأولى والثانية
    * المعقولات الأولى والثانية
    * المعقولات‏ الأولى أو المفاهيم ‏الماهوية
    * المعقولات الثانية ‏الفلسفية
    * المعقولات الثانية ‏المنطقية
    * فكِّر وأجب


    المعقولات الأولى والثانية
    ثمّ إن المفاهيم الكلية على أنحاءٍ ثلاثة :
    1. المعقولات الأولى أو المفاهيم الماهوية
    وهي : «المفاهيم الكلية التي عروضها واتصافها معاً في الخارج».
    توضيح ذلك :
    إنّ أحدنا حينما ينظر إلى الخارج ويرى كتباً ، فإن بمقدوره استنتاج مفهوم كلي عام ، وهو مفهوم الكتاب ، وهذا المفهوم صالح للانطباق على جميع مصاديق الكتاب الموجودة في الخارج ، وهذا يعني أنّ مفهوم الكتاب موجود بوجود أفراده الخارجية ، ومأخوذ منها؛ وبالنتيجة فإن هذا المفهوم الكلي يُعَدُّ وصفاً لمصاديقه الخارجية.
    فعروض ـ أي وجود ـ أمثال هذِهِ المفاهيم في الخارج ، واتصافها ـ أيّ إنها صفة لمصاديقها الخارجية ـ في الخارج أيضاً.
    2. المعقولات الثانية الفلسفية
    وهي : «المفاهيم الكلّية التي عروضها في الذهن واتصافها في الخارج».

    التوضيح :
    إنك حينما تصف شخصا ما بوصف الجهل مثلاً ، لا تجد في الواقع الخارجي إلا شيئاً واحداً وهو مصداق ذلك الشخص الموصوف ، وأمّا صفة الجهل فإنها وإن كانت وصفا لشيء خارجي ، إلا أنها أمرٌ عدميٌّ حيث إنها عدم العلم فيمن من شأنه أن يكون عالماً ، فليس لها ما بإزاء خارجي.
    3. المعقولات الثانية المنطقية
    وهي : «المفاهيم الكلّية التي عروضها واتصافها ذهنيان».
    التوضيح :
    إن من أمثلة هذِهِ المفاهيم مفهوم الكلي ، فإنه من المفاهيم التي يستحيل تحققها في الخارج ، إذ إنَّ كل ما هو موجود في الخارج متشخص جزئي ، والكلي ليس كذلك ، وهل يمكن أن يكون هذا الكلي وصفاً لأشياء خارجية ، كما كان ذلك للمفاهيم الأولى الماهوية والثانية الفلسفية؟ والجواب هو النفي ، لأن كل ما هو موجود في الخارج جزئي لا يصلح في انطباقه الأعلى نفسه فكيف يمكن وصفه بأنه كلي ، فنقول : الإنسان كلي ، والمقصود من الإنسان هنا الإنسان الذهني ، لا الإنسان الخارجي ، وإلاّ لما صَحَّ وصفه بأنه كليّ كما تقدم توّاً ، وبذلك يتّضح تعريف هذِهِ المفاهيم بأنّ عروضها (وجودها) واتصافها (وصفها للأشياء) كلاهما ذهني.

    فكِّر وأجب :
    1 ـ عَرِّف ما يلي :
    أ ـ المعقولات الأولى أو المفاهيم الماهوية.
    ب ـ المعقولات الثانية الفلسفية.
    ج ـ المعقولات الثانية المنطقية.
    2 ـ مثّل لكل ما تقدّم من المعقولات الثلاثة آنفة الذكر مثالاً ، موضّحا تعريفه الخاصّ به.
    3 ـ ما هو الفرق بين المعقولات الكلية المتقدمة ، بعضها مع البعض الآخر.


    الدرس الثامن عشر
    العلم الحضوري والحصولي
    * العلم الحضوري والحصولي
    * التصور والتصديق
    * الكلي والجزئي
    * المشكك والمتواطئ
    * المشترك اللفظي والمعنوي
    * فكّر وأجب


    العلم الحضوري والحصولي
    قد يعلم الإنسان بشيء علماً مباشراً من دون توسط شيء بينه وبين المعلوم ، الذي يكون حاكياً له ، فلا يحتاج العالم من أجل علمه بالمعلوم إلى حاكي وكاشف يحكي ويكشف عنه لكي يتحقق العلم به. ويُسمى هذا العلم بالعلم الحضوري أو «المعرفة الحضورية» ؛ كما لو علم الإنسان بنفسه أو بالحالات التي تطرأ عليها من حزن وفرح أو جوع وعطش أو حب وبغض ... وسبب تسميتها هكذا هو أن الإنسان يَعلم بالشيء من دون توسط صورة ذهنية بينه وبين الشيء المعلوم ، فالمعلوم حاضر بذاته لدى العالم.
    وقد لا يتحقق علم الإنسان بذات الشيء مباشرة بل بصورته الذهنية الحاكية له ويسمّى هذا العلم بالعلم الحصولي ، من قبيل علمنا بالأشياء الخارجية ، فإنها غير معلومة لنا بذاتها ، وإنما عِلمنا بها عبر صورتها الذهنية. وأما ذات الصورة فإنها معلومة لنا بالعلم الحضوري. وذلك لأنك حينما ترى ناراً مشتعلة في الخارج ، فقد حصل لك العلم بها «علماً حصولياً» ؛ لأن ذات النار لم تحضر عندك في ذهنك حتى يتحقق علمك بها علماً حضورياً ، وإلا لاحترق ذهنك بها وإنما حصل لك العلم بها بتوسط صورتها الموجودة في الذهن ، فصارت الصورة واسطة بينك أنت العالم بالنار وبين النار الموجودة في الخارج ، وأما صورة النار الموجودة في الذهن فمعلومة لك بالعلم الحضوري ، لأنها حاضرة عندك ولا تحتاج إلى توسط شيء

    بينك وبينها كي يتحقق علمك بها.
    فيكون الشيء المعلوم بالعلم الحضوري معلوماً بالذات؛ لأنه معلوم لك بذاته ، بينما المعلوم لك بالعلم الحصولي يكون معلوماً بالعرض؛ لأن العلم لم يتعلق به مباشرة بل تعلق بصورته الموجودة في الذهن وهي بدورها كشفت عنه.
    ومما تجدر الإشارة إليه ، أنّ ما تقدّم من بحث العلم الحضوري والحصولي يختلف عما يذكره علماءُ الكلام من قسمي العلم اللدنّي والكسبي؛ إذ إن مقصودهم من العلم اللدنّي هو ذلك العلم الذي يتوصّل إليه الإنسان أحياناً من دون توسط معلم يعلِّمه بل إنه يُلْهَمُ به إلهاماً ، على خلاف العلم الكسبي الذي لا يحصل عليه الإنسان إلا بتعليم معلّم.
    التصور والتصديق
    ومن جهة أخرى قد يحصل عند الإنسان علم بشيء أو بحكم من الأحكام من دون إذعان بتحققه ، ويسمّى هذا العلم علماً تصورياً ، كما لو شاهد شخص ما تفاحة على الشجرة ، أو طَرَقَ سمعه حكم بأن زيداً عالمٌ ، من دون أن يذعن بوجود التفاحة خارجاً ولا بتحقق نسبة العلم إلى زيد. وعلى خلافه يكون التصديق؛ والفرق بين التصور والتصديق يظهر في أن التصور ليس إلا صورة يستحضرها الإنسان في ذهنه من دون أن يحكم عليها بنفي أو إثبات ، بينما التصديق فعل من أفعال النفس يتمثّل بإذعان النفس بوجود شيء أو نسبة أو عدمهما.
    وبهذا يتّضح زيف ما ذهب إليه بعض الفلاسفة الحسيين كـ «جون‏ستوارت ميل» (1) من إنه لا فرق بين التصور والتصديق إلا في أن التصور عبارة عن العلم
    __________________
    1 ـ «جون‏ستوارت ميل 1806 ـ 1873 م Mill John Stewart» فيلسوف واقتصادي إنجليزي ، من أتباع المدرسة الاختبارية له كتاب في المنطق الاستدلالي والاستنتاجي.

    بصورة واحدة ، بينما التصديق يعني العلم بصور مُتلاحقة ومتعاقبة! محاولة منه لحصر مصدر المعرفة بالجانب الحسي من الإنسان وإقصاء دور العقل أو الفطرة من الميدان.
    الكلّي والجزئي
    إن مفاهيمنا التصورية منها ما هو جزئي ومنها ما هو كليّ؛ ففي جملة «عليٌ إمامٌ» يُلاحظ مفهومان : أحدهما جزئي وهو ما تدل عليه كلمة «عليٌ» والآخر كُلّي ، وهو ما تدل عليه كلمة «إمامٌ» والفارق بينهما يظهر في أن المفهوم الكلي يصح انطباقه على كثيرين ، فإن كلمة إمام تنطبق على كل من تتوفر فيه شرائط الإمامة ، بينما كلمة «علي» لا تنطبق إلا على مسمّاها الخاص بها.
    المشكِّك والمتواطئ
    والمفاهيم الكلية منها ما هو مشكِّك ومنها ما هو متواطئ. والأول وهو المتفاوت ، من قبيل مفهوم النور؛ فإنه يختلف في درجة انطباقه على أفراده شدّةً وضعفاً ، فنور المصباح يختلف عن نور الشمس ، لأنّ الأول ضعيف نسبة إلى الثاني. وأما المفهوم المتواطئ فهو المتساوي النسبة إلى أفراده كمفهوم الإنسان الذي ينطبق وبصورة متساوية على مصاديقه فلا يختلف زيد عن عمر وخالد ..... في انطباق مفهوم الإنسانية عليهم جميعاً بلا تفاوت.

    المشترك اللفظي والمعنوي
    وسواء كان الكلي مشكّكا أو متواطئاً فإنه مشترك بين أفراده ويطلق على هذا الاشتراك اسم الاشتراك المعنوي ، وإلى جانبه يوجد اشتراك آخر يطلقُ عليه اسم الاشتراك اللفظي وهو من قبيل لفظة «جون» ، الصادقة على الأبيض والأسود على حدٍ سواء.
    والفرق بين الاشتراك المعنوي واللفظي يظهرُ في أن الأول يُعَرَّفُ بأنه المفهوم الكلي الذي يصلح للانطباق على أكثر من مصداق واحد ، بينما يُعَرَّفُ الثاني بأنه اللفظ الذي وضع لأكثر من معنى ، فيوضع اللفظ لكل معنى على حِدَة بأوضاع متعددة.

    فكِّر وأجب :
    1 ـ اشرح مع المثال ، العلم الحضوري والحصولي ، وما هو المقصود من المعلوم بالذات والمعلوم بالعرض.
    2 ـ هل إن ما يقصده الفلاسفة من العلم الحضوري والحصولي هو نفس ما يقصده المتكلمون من العلم اللدنّي والكسبي؟ ولماذا؟
    3 ـ اشرح مع المثال الفرق بين التصور والتصديق؟ ثم بيّن رأي «جون‏ستوارت ميل» في التصديق.
    4 ـ ما هو الفرق بين المفاهيم الجزئية والكلية؟ والمفاهيم الكلية المشككة والمتواطئة؟ والمشترك اللفظي والمعنوي؟ بيِّن جوابك لكل مورد بمثال توضيحي؟


    الدرس التاسع عشر
    الإدراك
    * الإدراك
    * خلط ولبس
    * تجرّد المُدْرِك والمُدْرَك
    * فكِّر وأجب


    الإدراك
    ونريد في هذا الدرس أن نطلّ على بحث الإدراك ، ليتبيّن لنا ما إذا كان الإدراك ظاهرة مادية توجد في المادة حين بلوغها مرحلة خاصة من التطور والكمال أو أنها تعبّر عن لون من الوجود ، مجرد عن المادة وظواهرها وقوانينها.
    خلط ولبس :
    لقد أكدت بعض المدارس المادية ومنها الماركسية على المفهوم المادي للفكر ، وهو ما يظهر من آرائهم وتصريحاتهم المأثورة عنهم :
    قال ماركس :
    «لا يمكن فصل الفكر عن المادة المفكرة ، فإنّ هذِهِ المادة هي جوهر كل التغيرات». (1)
    وقال انجلز : (2)
    «إن شعورنا وفكرنا ـ مهما ظهرا لنا متعاليين ـ ليسا سوى نتاج عضوي مادي
    __________________
    1 ـ المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية ، ص 19.
    2 ـ «فريدريك ‏انجلز 1820 ـ 1895 م Engels» اشتراكي وفيلسوف ألماني ، اشترك مع ماركس في وضع «البيان الشيوعي» عام 1848 م.

    جسدي ، هو الدماغ». (1)
    ومما يوهم صواب الماركسية في فهمها للإدراك ما توصل إليه العلم من مكتشفات على مستوى الفيزيولوجيا حيث «استكشفت عدة أحداث وعمليات تقع في أعضاء الحس ، وفي الجهاز العصبي بما فيه الدماغ ، وهي وإن كانت ذات طبيعة فيزيائية كميائية ولكنها تمتاز بكونها أحداثاً تجري في جسم حي فهي ذات صلة بطبيعة الأجسام الحية. وقد استطاعت الفيزيولوجيا بكشوفها تلك أن تحدّد الوظائف الحيوية للجهاز العصبي وما لأجزائه المختلفة من خطوط في عمليات الإدراك. فالمخ مثلاً ينقسم بموجبها إلى أربعة فصوص هي : الفص الجبهي والفص الجداري والفص الصدغي والفص المؤخري؛ ولكل فص وظائفه الفيزيولوجية ، فالمراكز الحركية تقع في الفص الجبهي ، والمراكز الحسية التي تتلقى الرسائل من الجسم تقع في الفص الجداري ، وكذلك حواس اللمس والضغط. أما مراكز الذوق والشم والسمع الخاصة ، فتقوم في الفص الصدغي في حين تقوم المراكز البصرية في الفص المؤخري إلى غير ذلك من التفاصيل». (2)
    وواضح من كلمات أصحاب الاتجاه المادي وأمثالهم الخلط بين الإدراك وبين ما يعتمد عليه من مقدمات ومعدات تمهِّد له ، فالتبس عليهم الأمر فظنّوا أن المقدمة هي بنفسها ذو المقدمة. في حين يرى الفلاسفة الإلهيون أن الروح مركز لكل ألوان الإدراك ، إلا أن كل ما يصدر عنها من نشاط ومنه الإدراك والإحساس لا يتحقق إلا عبر البدن وأجهزته الإدراكية كالباصرة واللامسة والذائقة والشامّة و
    __________________
    1 ـ «لودفيج فيور باخ» ، ص 57.
    2 ـ السيد محمد باقر الصدر ، فلسفتنا ، ص 375 ، دار الكتاب الإسلامي ، إيران ـ قم.

    السامعة ، فالروح تدرك عبرها المبصرات والملموسات والمذوقات والمشمومات والمسموعات كما وإن الروح تدرك عبر المخِ بعض المفاهيم والاستنتاجات الكلية التي لا تمت إلى الحس الخارجي بصلة ، ويكون المخ قناة لوصول الروح إليها. فالإدراك مركزه الروح ، وليس البدن بما فيه من أجهزة حسيّة وعصبية مخيّة ، إلا وسيلة للوصول إليه ، وهذا لا يعني بحال إلغاء دور ما سوى الروح في عملية الإدراك ، بل إنّ له دوراً مهماً وأساسياً في عملية الإدراك ، إذ بدونه لا يتحقق إدراك عند موجود مدرك ، إلا أن دوره لا يتعدى دور المقدمة لتحقق ذلك ، وهو أشبه ما يكون بجهاز الهاتف الناقل للصوت بين متخابرين اثنين ، فلولاه لم يسمع أحدهما صوت الآخر ، إلا أن الذي يسمع الصوت ليس جهاز الهاتف بل الطرفان اللذان يقفان خلف الهاتف.
    وكذلك الحال فيما نحن فيه ، إذ يمكن القول ، أن مركز الإدراك جهة أخرى غير البدن وهي ما يُعَبِّرُ عنها الفلاسفة الإلهيون بالروح ، وهي موجود مجرد عن المادة ولا يخضع لقوانينها وضوابطها.
    تجرد المُدْرِك والمُدْرَك :
    وقد أقام الفلاسفة أدلة كثيرة على أن الإدراك يجري في جهة غير بدننا المادي ، يطلق عليها اسم الروح ، وهي مجردة عن المادة نكتفي بذكر السهل اليسير منها :
    1 ـ يذهل أحدنا بعض الأحيان عن بدنه وآلامه التي يعاني منها ، حينما يشغل نفسه بقضية مهمّة بالنسبة إليه كزيارة صديق عزيز عليه ، وهكذا حينما يسرح الإنسان في تأمّله برؤية منظر طبيعي ، فإن سمعه لا يدرك أحياناً الأصوات المرتفعة إلى جنب أذنيه ....

    والسبب واضح وهو : أن الإنسان لا يتمثّل وجوده ببدنه المادي الترابي فقط ، بل يوجد إلى جانبه موجود آخر لا مادي وهو الروح التي تعتبر مركز إحساسنا والمحل الذي يتحقق فيه إدراكنا.
    2 ـ الأحلام المتمثلة بالأحداث التي يَراها النائم في منامه والتي تجد مصداقيتها في عالم اليقظة بتفاصيلها وأرقامها وجزئياتها ، لا يمكن أن تجد لها تفسيراً مادياً ما لم نفترض وجود شيءٍ لا مادي إلى جانب البدن المادي ، له قدرة على العلم بالمستقبل ، وليس هو سوى الروح ، لأنّ البدن لا يتسنى له الاطلاع إلا على الموارد التي تخضع لحواسه الخمس ، والموجودة في الخارج بالفعل لا تلك التي توجد في المستقبل.
    3 ـ إن ذهننا وخلايانا المخية المحدودة لا يمكنها استيعاب ما هو أكبر منها حجماً وأوسع منها مساحة ، كإدراكنا في رؤيتنا لمنظر تتجاوز مساحته عشرات الكيلومترات ، بلا نقيصة في مساحتهِ ، فلابد وأن يكون مركز إدراكنا هذا في محل آخر كي يصلح أن يكون ظرفاً لمظروفها المُدرَك ، وليس هو إلا روحنا التي بين جنبينا.
    وهكذا اتضح أن المدْرِك لحقائق الأشياء ، إنما هو الروح وهي غير البدن المادي ، فهي مجردة عنه وعن قوانين المادة.
    ومما تقدم يتضح كذلك أنّ الصور المدْرَكة مجرّدة عن المادة أيضاً ، بحكم كونها نتاجا للروح وإدراكها.

    فكِّر وأجب :
    1 ـ ما هو مورد الخلاف بين الماديين والإلهيين فيما يرتبط بالإدراك؟
    2 ـ ما هو دور المخ والأجهزة الحسية في عملية الإدراك؟ مَثّل لجوابك بمثال توضيحي.
    3 ـ ما هو الخلط واللبس الذي وقع فيه الماديون فيما يتعلّق بالإدراك؟
    4 ـ اذكر ما اعتمدناه من براهين على تجرّد المُدْرِك والمُدْرَك.


    الدرس العشرون
    خالق الكون
    على ضوء ما سبق
    * خالق الكون على ضوء ما سبق
    * دليل الإمكان والوجوب
    * خُرافة أزلية المادة وغناها
    * وهمٌ وردٌّ
    * فكِّر وأجب


    خالق الكون
    على ضوء ما سبق
    بعد تطواف سريع حول أُمهات مسائل الإلهيات بالمعنى الأعم المتناولة لأحكام الموجود بما هو موجود ، آن الأوان أن نقطف ثمارها في البحث عن الإلهيات بالمعنى الأخص ، المتناولة لوجود الله‏ وصفاته جل وعلا ، وهي في مسائلها مفصلة نقتصر على النزر اليسير منها تَوَخّيا للاختصار بما يناسب نافذتنا الفلسفية الصغيرة التي بين يديك ، ونوكل تفاصيل البحث فيها إلى دراسات مقبلة إن شاء الله‏ تعالى.
    دليل الإمكان والوجوب
    إنّ الأدلة على وجود الخالق الحق أكثر من أن تُحصى ، فهي بعدد أنفاس الخلائق وذرات الرمل وأوراق الشجر ...
    وفي كلّ شيءٍ له آية
    تدل على أنه واحد

    ونحن نذكر واحداً منها من باب لا يُترك الميسور بالمعسور ، وهو دليل الإمكان والوجوب وإليك بيانه :
    لا شك في أن لكل ممكن علّة ولكل مخلوق خالق ولكل مصنوع صانع و

    لا يختلف في ذلك اثنان ، ويعود السبب إلى أن ما فرض أنه معلول أو مخلوق أو مصنوع يُضمِر في ذاته حاجته وافتقاره إلى علةٍ أو سببٍ أو صانعٍ يمنحه الغنى؛ فلو فرضنا أن عالم الكون في ذاته محتاج وفقير إلى الوجود ، فهو بلا شك معلول ومصنوع ومخلوق يحتاج إلى جهة تغنيه وتمنحه التحقق والوجود ، ولا مناص من إرجاعه إلى علته التي تمنحه ذلك؛ لأن العلاقة القائمة بين المعلول وبين علته تمثّل عين الربط والتعلّق بعلته ، أي إن المعلول في وجوده مفاض من علته ، وبانقطاعه عنها ينقطع الفيض والغنى. وهذِهِ العلة إما أن تكون غنية بذاتها وهي التي يُعبّر عنها في علم الكلام بواجبة الوجود ، وهي التي لا تحتاج في ذاتها إلى أي سبب وعلة ، لفرض أنها غنية مطلقاً؛ في ذاتها وصفاتها. وهذه العلة من شأنها التكفّل بعالم الكون فتمنحه التحقق والوجود. أو أن تكون علة الكون الموجدة له غير غنية بذاتها ممكنة ومحتاجة إلى غيرها ، فلابد حينها من فرض انتهاء هذِهِ العلّة وكل علة مثلها إلى علّة هي في ذاتها غنية وواجبة وإلا سوف نضطر إلى فرضِ علة لهذه العلة هي مثلها في الاحتياج والافتقار ، وهذه العلة إما أن تكون نفس المعلول ـ وهو عالم الكون في المثال ـ الذي كنّا في صدد البحث عن علته ، وهذا هو الدور الواضح في بطلانه ، لأنه مستلزم لتوقف الشيء على نفسِه ، أو تقدم ما هو متأخر وتأخر ما هو متقدم ، فالكون الذي فرض أنه معلول «متأخر» سوف يكون في نهاية المطاف متقدماً ، والعلة للكون التي كانت متقدمة بحكم كونها علة للكون سوف تكون متأخرة ، لأنها سوف تكون في المآل معلولة للكون. فكيف يوجد الشيء نفسه بنفسهِ بعد أن كان عدماً؟! وكيف يكون المتأخر متقدماً والمتقدم متأخراً؟!

    وإما أن نفرض لعلةِ الكون علةً أخرى غير المعلول الأول والعلة الأخرى يفرض لها علة بعدها وهكذا يجري فرض سلسلة علل ومعلولات متصاعدة وبلا توقف ، وهو المعبّر عنه بالتسلسل ، وهو كالدور باطل ويرجع السر في بطلانه إلى أن كل حلقة من هذِهِ السلسلة فقيرة ومحتاجة ، فكيف يمنح بعضها البعض الآخر وجوداً وتحققاً مع فرض أن الجميع مفتقر إلى الوجود والتحقق ، وهل يعقل أن يمنح الفقير في الوجود نفسه أو غيره غنى الوجود؟! فإذا أمكن للصفر أن يمنح نفسه أو غيره عدداً من الأعداد أمكن ذلك أيضاً ، وهو محال كما ترى ، لحكم العقل القطعي بأن فاقد الشيء لا يعطيه.
    خرافة أزلية المادة وغناها
    وقد تقول : لماذا لا نفترض المادة أزلية حتى لا نقع في دوّامة البحث عن خالقها وبارئها ، ومن ثم لا نقع في مشكلة الدور والتسلسل.
    وقد رَدَّ المتكلمون والعلماء على الوهم المزبور بردود شتّى؛ نكتفي منها بما اختاره «فرانك آلن» (1) أستاذ الطبيعة البيولوجية حيث أكّد :
    أن أجزاء العالم تتجه إلى حالة تساوي درجات الحرارة بعد أن تفقد الأجزاء الأكثر حرارة حرارتها لتكون متساوية مع غيرها في درجة واحدة ، وقد استند في ذلك إلى الأصل الثاني من أصول الثرموديناميك ، والذي يعُبّر عنه باصطلاح «انتروبي» أو «الاستنزاف والبلى» فالمادة لو كانت أزلية لتساوت درجة الحرارة
    __________________
    1 ـ فرانك آلن : ماجستير ودكتوراه من جامعة كررلل ، أستاذ الطبيعة الحيوية بجامعة مانيتوبا بكندا من سنة 1904 ـ 1944 ، أخصائي في إبصار الألوان والبصريات الفيسولوجية وإنتاج الهواء السائل وحائز على وسام ترري الذهبي للجمعية الملكية بكندا.

    الموجودة فيها منذ زمن سحيق ، وحيث أنها لم تكن كذلك بل تنتظر يوماً موعوداً ، فالمادة إذاً حادثة وليست قديمة. (1)
    إلاّ أنّ الأولى أن يُقال ، وكما ألمحنا فيما تقدم : (2)
    إن أزلية وقدم موجود ما لا تمنع من حاجته إلى علة توجده وتمنحه الغنى ، لأن السرَ في رجوع المعلول إلى علته إمكانه واحتياجه ، فإذا ثبت لموجود من الموجودات أنه ممكن ـ محتاج ـ ، فلا شك حينئذٍ في لزوم رجوعه إلى علة تمنحه الغنى والتحقق.
    وقد أثبت الفلاسفة من خلال بحوثهم أن المادة العلمية (3) لا يصح أن تكون منشأً لنفسها ولا حتى للظواهر المرتبطة بها لائتلافها من مادة وصورة ، ولا يمكن لكلٍ من المادة والصورة أن توجد مستقلة عن الأخرى ، فيجب أن يوجد فاعل أسبق لعملية التركيب ، تلك التي تحقق للموجودات المادية وجودها ، وذلك لأن المركب الجامع للمادة والصورة محتاج إليهما وكل جزء محتاج إلى الآخر ، (4) فلا يوجد من بينهم ما هو غني بذاته ووجوده ، فيبقى الافتقار حاكماً وقاضياً بوجود علة غنية تُعدُّ محطة تنتهي إليها قافلة الموجودات الإمكانية لتضخها بالوجود والتحقق. «ومثال ذلك : أن العلوم الطبيعية تبرهن على إمكان تحويل
    __________________
    1 ـ المؤلف ، أصول الدين بين السائل والمجيب. ص 28 ـ 29 ، ط أولى.
    2 ـ الدرس السادس عشر.
    3 ـ المقصود من المادة العلمية كل ما يخضع للحس والتجربة ، كما يوجد اصطلاح آخر للمادة ، وهو اصطلاح فلسفي ، والذي يعبّر عنه بالهيولا أو المادة الأولى. وقد تقدم الكلام عن الاصطلاح الفلسفي في الدرس السابع. فراجع.
    4 ـ وبهذا البيان يتضح أن الله‏ تعالى يستحيل أن يكون مركبا؛ للزوم احتياجه إلى أجزائه واحتياج كل جزءٍ إلى الجزء الآخر ، ومن هنا فإنه تعالى مجردٌ لا مادي.

    العناصر بعضها إلى بعض ، وهذه حقيقة علمية تتناولها الفلسفة كمادة لبحثها وتطبق عليها القانون العقلي القائل بأنَّ الوصف الذاتي لا يتخلف عن الشيء ، فنستنتج أن صورة العنصر البسيط كالصورة الذهبية ليست ذاتية لمادة الذهب ، وإلا لما زالت عنها وإنما هي صفة عارضة ، ثم تمضي الفلسفة أكثر من ذلك فتطبق القانون القائل إن لكل صفة عرضية علة خارجية ، فتصل إلى هذه النتيجة أن المادة لكي تكون ذهبا أو نحاساً أو شيئاً آخر ، بحاجة إلى سبب خارجي» ، (1) وذلك السبب هو الأول الذي لا أول قبله ، والآخر الذي لا آخر بعده ، وهو الذي أيَّن الأين إذ لا أين ، وكيّف الكيف إذ لا كيف ، وهو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم‏ يلد ولم ‏يولد ولم ‏يكن له كفواً أحد. ولا غرابة في ذلك ما دام الله‏ غنياً بذاته ، مستغنياً عما سواه ، بل إن كلَّ ما سواه محتاج إليه. ومن كان هذا شأنه وهذِهِ منزلته فإن من العبث السؤال عن موجده وخالقه ، وهو قريب من قول القائل : إن الملح مع كونه ملحاً يحتاج إلى ملح كي يكون مالحاً ، وإن السكر مع كونه سكراً يحتاج إلى سكر حتى يكون حلواً!!
    وهمٌ وردٌ
    وقد تقول : ألا يعني هذا إلا الدور الواضح في بطلانه؛ لأن استغناء الله‏ عن علة توجده موجب للقول بأن الله‏ توقف في وجوده على نفسه ، أي أن الله‏ تعالى هو الذي أوجد نفسه بنفسه!
    «والجواب على ما قيل هو : إن هذا المعنى يصدق فيما لو كان الله‏ فقيراً في وجوده ، أو أن له بداية بدأ بها ، ولكنّا قلنا وأثبتنا بأنه تعالى غني بالذات ، بمعنى إنه لم يكن في زمن من الأزمان بمفتقرٍ إلى الوجود أو معدوماً حتى يحتاج إلى من
    __________________
    1 ـ فلسفتنا ، ص 92 ، محمد باقر الصدر ، المجمع العلمي والثقافي للشهيد الصدر.

    يغنيه أو يخرجه من العدم إلى حَيّز الوجود ، وعلى هذا وكما تقدم فإن الله‏ لا يصدق عليه أنه مخلوق ومعلول ومصنوع حتى نسأل عن خالقه وعلته وصانعه ، أو أن نقول بأنه خلق نفسه بنفسه». (1)
    ومن الغريب جنوح البعض إلى أزلية المادة وغناها وإرجاعه كل ما تحتضنه من أنماط الوجود وصوره البديعة إلى المادة الأولى مع إنها خرساء طرشاء وفاقدة لكل معلم من معالم الفكر والإدراك ، متغافلاً عن دور قوة عظيمة وحكيمة وعقل مدبر وكبير وهو الله‏ جل اسمه ، فلماذا يسمح هؤلاء لأنفسهم إعطاء صفة الأزلية والغنى الذاتي للمادة الأولى ، ولا يسمحوا للموحدين وصف ‏الله‏ بذلك ، بل إن البعض منهم يظهر اشمئزازه وسخطه من ذلك ، مع أن ذات الله‏ القدسية أولى بتلك الأوصاف مما سواها. وعلى أكبر الظن إن من أهمّ الأسباب التي دعت هؤلاء إلى ذلك ، رغبتهم بالتحلل وعدم الالتزام؛ ولا شك أن الإيمان بوجود الله‏ يعني الإيمان بأحكامه ووعده ووعيده ، فمن أجل أن يريح وجدانه من التفكير في يوم موعود ، يعاقب فيه المسيئون أشدَّ العقاب ويجازى فيه المحسنون بأحسن الثواب ، يجحدُ وجود الله‏ ووعده ووعيده.
    (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً) (2)
    ويحاول إنكاره بأدلة واهية إراحة لوجدانه ، وتبريراً لفجوره وفسوقه.
    (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ * بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) (3).
    __________________
    1 ـ أصول الدين بين السائل والمجيب ، ص 27 ـ 28 ، ط أولى ، المؤسسة الإسلامية العامة للتبليغ ، المؤلف.
    2 ـ سورة النمل ، الآية 14.
    3 ـ سورة القيامة ، الآية 3 ـ 5.

    فكِّر وأجب :
    1 ـ وضّح دليل الإمكان والوجوب على وجود الله‏ الخالق الحق ، على ضوء ما تقدم من دروس.
    2 ـ اذكر الدليل الذي اختاره (فرانك آلن) للردِّ على القول بأزلية وغنى المادة. ثم اذكر مختار الفلاسفة للرد على دعوى غنى المادة عن العلة.
    3 ـ كيف استدل الفلاسفة على وجود سبب خارج عن حدود الموجود المادي من خلال اكتشاف العلم لتحول العناصر بعضها إلى البعض الآخر؟ بيِّن جوابك بمثال توضيحي.
    4 ـ ناقش العبارة التالية :
    «إذا كان الله‏ مستغنيا عن غيره في وجوده ، فهذا يعني أنه توقف في وجوده على نفسه ، وهو معنى الدور ، كما تقدم تعريفه».
    5 ـ لماذا يظهر المادي اشمئزازه وسخطه على من ينسب الأزلية والغنى إلى الله‏ ، بينما يرضى لنفسه نسبتها إلى المادة؟

    مصادر البحث
    1 ـ آشنائى با علوم اسلامى ـ منطق وفلسفة ـ بالفارسية مرتضى مطهري
    2 ـ أصول الدين بين السائل والمجيب صادق الساعدي
    3 ـ الإِلهيات جعفر سبحاني
    4 ـ الله‏ يتجلى في عصر العلم جون كلوفر مونسما
    5 ـ الأيدولوجية المقارنة محمد تقي مصباح اليزدي
    6 ـ بداية الحكمة محمد حسين الطباطبائي
    7 ـ تاريخ الفلسفة اليونانية يوسف كرم
    8 ـ تذكرة الأعيان جعفر سبحاني
    9 ـ درآمدى بر آموزش فلسفة «أستاذ محمد تقي مصباح» ـ بالفارسية ـ محسن غرويان
    10 ـ شرح مصطلحات فلسفي «بالفارسية» علي شيرواني
    11 ـ فلسفتنا محمد باقر الصدر
    12 ـ معالم الفلسفة الإسلامية محمد جواد مغنيه
    13 ـ المنجد في الأعلام لويس معلوف
    14 ـ المنطق محمد رضا المظفر
    15 ـ المنهج الجديد في تعليم الفسلفة محمد تقي مصباح اليزدي
    16 ـ الموسوعة الفلسفية عبد الرحمن بدوي


    الفهرس
    كلمة المكتب 5
    المقدمة 9
    الدرس الأول 11
    نبذة تاريخية فلسفية 11
    ولادة الفكر البشري 13
    ولادة الفكر الفلسفي 13
    تيارات الشك والسفسطة 14
    القرون الوسطى 15
    الفجر الجديد 16
    المدرسة المشائية والإشراقية والحكمة المتعالية 17
    فكِّر وأجب 19
    الدرس الثاني 21
    الفلسفة 21
    تعريف الفلسفة 23
    موضوع الفلسفة 25

    أهمية وفائدة الفلسفة 26
    أساليب التحقيق العلمي 28
    فكِّر وأجب 31
    الدرس الثالث 33
    الوجود والماهية 33
    بداهة مفهوم الوجود 35
    معنى الماهية 35
    أصالة الوجود واعتبارية الماهية 36
    تشكك الوجود وتعدد الماهية 39
    فكِّر وأجب 40
    الدرس الرابع 41
    تقسيمات الوجود (1) 41
    الوجود الذهني والخارجي 43
    فكِّر وأجب 48
    الدرس الخامس 49
    تقسيمات الوجود (2) 49
    المادّي والمجرّد 51
    المدارس المادّية والوجود المجرّد 51
    الفرق بين المادي والمجرّد 53
    فكِّر وأجب 54

    الدرس السادس 55
    الواجب والممكن والممتنع 57
    الواجب والممتنع؛ بالذات وبالغير 58
    الإمكان وأقسامه 58
    فكِّر وأجب 62
    الدرس السابع 63
    الجوهر والعرض 65
    الجوهر وأقسامه 66
    1 ـ الجوهر العقلاني 66
    2 ـ الجوهر النفساني 66
    3 ـ الجوهر الجسماني 67
    4 ـ الجوهر المادي أو الهيولى 67
    5 ـ الجوهر الصوري 68
    فكِّر وأجب 69
    الدرس الثامن 71
    الجوهر والعرض (2) 71
    الأعراض 73
    فكِّر وأجب 77
    الدرس التاسع 79
    العليّة 79
    (العلة والمعلول) (1) 79
    مفاد أصل العليَّة 81
    العلاقة بين العلة والمعلول 82

    نظرية الوجود 82
    ـ نظرية الإمكان الوجودي 83
    فكِّر وأجب 85
    الدرس العاشر 87
    العليّة (العلة والمعلول) (2) 87
    التعاصر بين العلة والمعلول 89
    العادة والقصد الضروري والجزاف والصدفة 90
    فكِّر وأجب 93
    الدرس الحادي عشر 95
    العليّة (العلّة والمعلول) (3) 95
    التناسب بين العلة والمعلول (السنخية) 97
    قاعدة الواحد 98
    فكِّر وأجب 99
    الدرس الثاني عشر 101
    العليّة (العلة والمعلول) (4) 101
    أقسام العلّة 103
    1 ـ العلّة الفاعلية والمادية والصورية والغائية 103
    2 ـ العلة التامة والناقصة 103
    3 ـ العلّة المباشرة وغير المباشرة 104
    4 ـ العلة المنحصرة وغير المنحصرة 104
    5 ـ العلة الداخلية والخارجية 104
    6 ـ العلة البسيطة والمركبة 105

    7 ـ العلة الحقيقية والمعِدّة 105
    فكِّر وأجب 106
    الدرس الثالث عشر 107
    الدور والتسلسل 107
    الدَوْر 109
    التسلسل 110
    فكِّر وأجب 112
    الدرس الرابع عشر 113
    الثابت والمتغيِّر (1) 115
    التغيُّر والحركة 115
    القوة والفعل 116
    الحركة العرضية 117
    الحركة الجوهرية 117
    فكِّر وأجب 118
    الدرس الخامس عشر 119
    آراء وأفكار 121
    الحركة ولوازمها 122
    حقيقة الزمان 124
    فكِّر وأجب 125
    الدرس السادس عشر 127

    السبق واللحوق 127
    (التقدم والتأخر) 127
    السبق واللحوق (التقدم والتأخر) 129
    الحادث والقديم 130
    فكِّر وأجب 132
    المعقولات الأولى والثانية 135
    1. المعقولات الأولى أو المفاهيم الماهوية 135
    2. المعقولات الثانية الفلسفية 135
    3. المعقولات الثانية المنطقية 136
    فكِّر وأجب 137
    الدرس الثامن عشر 139
    العلم الحضوري والحصولي 141
    التصور والتصديق 142
    الكلّي والجزئي 143
    المشكِّك والمتواطئ 143
    المشترك اللفظي والمعنوي 144
    فكِّر وأجب 145
    الدرس التاسع عشر 147
    الإدراك 149
    خلط ولبس 149
    الصوت ليس جهاز الهاتف بل الطرفان اللذان يقفان خلف الهاتف. 151
    فكِّر وأجب 153

    الدرس العشرون 155
    خالق الكون 157
    على ضوء ما سبق 157
    دليل الإمكان والوجوب 157
    وهمٌ وردٌ 161
    فكِّر وأجب 163
    مصادر البحث 164
    الفهرس 165

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    نافذه على الفلسفه صادق الساعدي
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » نافذه على الفلسفه

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 46- قائمة الكتب المنوعه الدينيه-
    انتقل الى: