ص 77 : عن أبي هريرة رضياللهعنه عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : إن الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال :
إعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا اللفظ
على اليقين ( إن الله اطلع عليهم فغفر لهم ) إنما أخرجاه على الظن وما يدريك لعل
الله تعالى اطلع على أهل بدر . انتهى .
وروى مفاده في دلائل النبوة للبيهقي ج 3 ص 153 قال : عن جابر بن عبد الله : أن
عبداً لحاطب بن بلتعة جاء إلى رسول الله يشكو حاطباً فقال : يا رسول الله ليدخلن
حاطب النار ! فقال رسول الله ( ص ) : جُذِبْت ، لا يدخلها فإنه شهد بدراً والحديبية ! .
انتهى .
ولكن هذه الأحاديث الصحيحة عندهم بمقاييس الجرح والتعديل وأحكامه ،
يواجهها حكم العقل وآيات القرآن وأحاديث النبي صلىاللهعليهوآله القطعية المتفق عليها عند
الجميع ! إذ لا يمكن لعاقل أن يقبل أن الصحابة من أهل بدر أو كل الصحابة كما تقول
روايات أخرى . . مبشرون بالجنة ، وأعمالهم مغفورة مهما كانت ، وولايتهم فريضة
من الله تعالى على المسلمين بعد ولاية الله تعالى وولاية رسوله صلىاللهعليهوآله ! وأن من
لا يتولاهم أو ينتقصهم فهو في النار محروم من الشفاعة والجنة ورائحة الجنة ،
وخارج عن ربقة الإسلام . . . إلى آخر الأحكام التي ذكروها للصحابة ، وجعلوها جزء
من شريعة الإسلام المقدسة ، بل جزء من عقائده الأساسية ! !
تقول لهم : يا إخواننا إن الصحابة أنفسهم قد سبَّ بعضهم بعضاً ، وتبرأ بعضهم من
بعضهم ، وكفَّر بعضهم بعضاً ، وقاتل بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضاً ! فمن المحق
ومن المبطل ؟ ومن المظلوم ومن الظالم ؟ ومن يستحق الشفاعة منهم ومن يستحق
الحرمان ؟
فيقولون : لا تخوضوا في موضوع الصحابة ، فكلهم عدول وكلهم في الجنة !
تقول لهم : لقد علَّمنا النبي صلىاللهعليهوآله أن نخوض في أمرهم ، فقد ثبت في الصحاح
أنه صلىاللهعليهوآله أخبر بأن بعضهم يدخل النار وأنهم لا يرونه ولا يراهم في الآخرة ، وأن
بعضهم يردون عليه الحوض ، فيذودهم عنه ويطردهم كما تطرد الأباعر الغريبة ! !
فيقولون : لا تخوضوا في موضوع الصحابة ، فكلهم عدول وكلهم في الجنة !
وترجمة كلامهم : أنك يجب عليك في موضوع الصحابة أن تعطل عقلك ،
وتعطل آيات القرآن وأحاديث الرسول صلىاللهعليهوآله حتى تحافظ على إيمانك بالصحابة
وتتمسك بهم !
ولكن التناقض لا فرق فيه بين صغير وكبير ، فإذا قبلنا به لحل مشكلة الصحابة ،
فلنقبل به لحل مشكلة الأديان ، ولنقل بصحة التثليث والتوحيد ، والإيمان والكفر ،
والوثنية والإسلام . . ولنحلَّ به مشكلة إبليس ونقول إنه عدو الله وولي الله معاً ! !
العقل يقول : إذا تناقض أمران أو شخصان في القول ولم يمكن الجمع بين
قوليهما ، فلا يمكن أن يكون كلا القولين حقاً ، لأنه تناقض مستحيل .
وإذا تناقضا في الفعل واقتتلا فلا يمكن أن يكون كل منهما على الحق ، لأنه
تناقض مستحيل . . ولا معنى للقبول بالتناقض إلا تعطيل العقل والتنازل عن قوانين
العلية والبدهيات ! وإذا عطلنا العقل ، فلا يبقى إيمان بالله ورسله وكتبه ، ولا صحابة
ولا مصحوبون !
إن ما ننعاه على اليهود والنصارى بأن عندهم عقائد لا يقبلها العقل ، وأنهم يقبلون
ما يناقض عقولهم من أجلها . . يجب أن ننعاه على أنفسنا ، لأننا نزعم أن الله تعالى
أمرنا بإطاعة صحابة نبينا المتناقضين في أقوالهم وأفعالهم ، إلى حد كسر العظم
وقطع الرقاب !
ولأننا نقرأ قول الله تعالى ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا
لِّرَجُلٍ . . ) ثم ندعي أن الله تعالى قد سلَّمَ أمة نبيه صلىاللهعليهوآله من بعده الى صحابة
متشاكسين في الفقه والعقائد والسياسة الى حد التناقض والتكفير والحرب ! !
ـ قال المفيد في الإفصاح ص 49
فإن قال : أليس قد روى أصحاب الحديث عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال : خير القرون
القرن الذي أنا فيه ، ثم الذين يلونه (1) .
وقال عليهالسلام : إن الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال : إعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم (2) .
وقال عليهالسلام : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم (3) .
فكيف يصح مع هذه الأحاديث أن يقترف أصحابه السيئات أو يقيموا على
الذنوب والكبائر الموبقات ؟ !
قيل له : هذه أحاديث آحاد ، وهي مضطربة الطرق والإسناد ، والخلل ظاهر في
معانيها والفساد ، وما كان بهذه الصورة لم يعارض الإجماع ، ولا يقابل حجج الله
تعالى وبيناته الواضحات ، مع أنه قد عارضها من الأخبار التي جاءت بالصحيح من
الإسناد ، ورواها الثقات عند أصحاب الآثار ، وأطبق على نقلها الفريقان من الشيعة
والناصبة على الإتفاق ، ما ضمن خلاف ما انطوت عليه فأبطلها على البيان :
فمنها : ما روي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال : لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر
وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم . فقالوا يا رسول الله اليهود
والنصارى ؟ قال : فمن إذن ؟ ! (4) .
وقال صلىاللهعليهوآله في مرضه الذي توفي فيه : أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها
أولها ، الآخرة شر من الأولى (5) .
وقال صلىاللهعليهوآله في حجة الوداع لأصحابه : ألا وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم
حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا ليبلغ الشاهد منكم
الغائب ، ألا لأعرفنكم ترتدون بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، ألا إني قد
شهدت وغبتم (6) .
وقال عليهالسلام لأصحابه أيضاً : إنكم محشورون إلى الله تعالى يوم القيامة حفاة عراة ،
وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : يا رب أصحابي ؟ فيقال :
إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم (7) .
وقال عليهالسلام : أيها الناس بينا أنا على الحوض إذ مُرَّ بكم زمراً ، فتفرق بكم الطرق
فأناديكم : ألا هلموا إلى الطريق ، فيناديني مناد من ورائي : إنهم بدلوا بعدك ،
فأقول : ألا سحقاً ألا سحقاً (
.
وقال عليهالسلام : ما بال أقوام يقولون : إن رحم رسول الله صلىاللهعليهوآله لا تنفع يوم القيامة ؟ بلى
والله إن رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة ، وإني أيها الناس فرطكم على الحوض ،
فإذا جئتم قال الرجل منكم : يا رسول الله أنا فلان بن فلان ، وقال الآخر : أنا فلان بن
فلان ، فأقول : أما النسب فقد عرفته ، ولكنكم أحدثتم بعدي فارتددتم القهقرى (9) .
وقال عليهالسلام وقد ذكر عنده الدجال : أنا لفتنة بعضكم أخوف مني لفتنة الدجال (10) .
وقال عليهالسلام : إن من أصحابي من لا يراني بعد أن يفارقني (11) .
في أحاديث من هذا الجنس يطول شرحها ، وأمرها في الكتب عند أصحاب الحديث
أشهر من أن يحتاج فيه إلى برهان ، على أن كتاب الله عز وجل شاهدٌ بما ذكرناه ، ولو لم
يأت حديث فيه لكفى في بيان ما وصفناه : قال الله سبحانه وتعالى : وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ
قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ
فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ، فأخبر تعالى عن ردتهم بعد نبيه صلىاللهعليهوآله على
القطع والثبات ، وقال جل اسمه : وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ، فأنذرهم الله سبحانه من الفتنة في الدين ، وأعلمهم أنها تشملهم
على العموم إلا من خرج بعصمة الله من الذنوب .
وقال سبحانه وتعالى : الم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا
يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ . أَمْ
حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ . وهذا صريح في الخبر
عن فتنتهم بعد النبي صلىاللهعليهوآله بالإختبار ، وتمييزهم بالأعمال .
وقوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ
يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ . . إلى آخر الآية ، دليل على ما ذكرناه .
وقوله تعالى : أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ، يزيد
ما شرحناه .
ولو ذهبنا إلى استقصاء ما في هذا الباب من آيات القرآن والأخبار عن رسول
الله صلىاللهعليهوآله لانتشر القول فيه ، وطال به الكتاب .
وفي قول أنس بن مالك : دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله المدينة فأضاء منها كل شيء ، فلما
مات عليهالسلام أظلم منها كل شيء ، وما نفضنا عن النبي صلىاللهعليهوآله الأيدي ونحن في دفنه
حتى أنكرنا قلوبنا . (12) شاهد عدل على القوم بما بيناه .
مع أنا نقول لهذا السائل المتعلق بالأخبار الشواذ المتناقضة ما قدمنا حكايته
وأثبتنا أن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله الذين توهمت أنهم لا يقارفون الذنوب ولا
يكتسبون السيئات ، هم الذين حصروا عثمان بن عفان وشهدوا عليه بالردة عن
الإسلام وخلعوه عن إمامة الأنام . . . إلى آخر كلامه المفيد رحمهالله .
وقال في هامشه :
(1) مسند أحمد 2 : 228 سنن أبي داود 4 : 214 / 4657 صحيح مسلم 4 : 1962 / 210
وفيها : خير أمتي القرن . .
(2) مسند أحمد 1 : 80 و 2 : 295 صحيح مسلم 4 : 1941 / 161 صحيح البخاري 6 :
363 / 383 سنن الدرامي 2 : 313
(3) لسان الميزان 2 : 137 تفسير البحر المحيط 5 : 528 أعلام الموقعين 2 : 223 كنز
العمال 1 : 199 / 1002 كشف الخفاء ومزيل الألباس 1 / 132 . وانظر تلخيص الشافي 2 : 246
(4) مسند أحمد 2 : 511 سنن ابن ماجة 2 : 1322 / 3994 صحيح البخاري 4 : 326 /
249
(5) مسند أحمد 3 : 489 مجمع الزوائد 9 : 24 سنن ابن ماجة 2 : 1310 / 3961 .
(6) الجامع الصحيح للترمذي 4 : 461 / 2159 و 486 / 2193 صحيح البخاري 7 :
182 و 8 : 285 / 14 و 9 : 90 / 27 صحيح مسلم 3 : 1305 / 29 ـ 31 سنن أبي داود 4 :
221 / 4686 قطعة منه مسند أحمد 1 : 230 سنن النسائي 7 : 127 قطعة منه سنن الدارمي
2 : 69 قطعة منه .
(7) صحيح البخاري 6 : 108 صحيح مسلم 4 : 2194 / 58 الجامع الصحيح للترمذي 4 :
615 / 2423 سنن النسائي 4 : 117
(
مسند أحمد 6 : 297 .
(9) مسند أحمد 3 : 18 و 62 قطعة منه .
(10) كنز العمال 14 : 322 / 28812
(11) مسند أحمد 6 : 307 .
(12) الجامع الصحيح للترمذي 5 : 588 / 3618 مسند أحمد بن حنبل 3 : 221 / 268
سنن ابن ماجة 1 : 522 / 1631 . انتهى .
النوع الخامس : حرمان من سب الصحابة من الشفاعة
ـ روى الديلمي في فردوس الأخبار ج 2 ص 498 ح 3398
عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال : شفاعتي مباحة إلا لمن سب
أصحابي .
ـ وفي ج 1 ص 98 ح 196
عن عبد الرحمن بن عوف أيضاً وفيه : فشفاعتي محرمة على من شتم أصحابي .
ورواه أبو نعيم في حلية الأولياء كما ذكر في كنز العمال ج 14 ص 398
ـ وروى الشيرازي في الألقاب وابن النجار كما ذكر كنز العمال ج 14 ص 635 :
عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم الرجل أنا لشرار
أمتي ! فقال له رجل من مزينة : يا رسول الله أنت لشرارهم فكيف لخيارهم ؟ قال :
خيار أمتي يدخلون الجنة بأعمالهم ، وشرار أمتي ينتظرون شفاعتي . ألا إنها مباحةٌ
يوم القيامة لجميع أمتي إلا رجل ينتقص أصحابي ! ونقله كاندهلوي في حياة الصحابة ج
3 ص 45
ولا نقصد بنقد هذه الروايات الدفاع عن الذين يسبون بعض الصحابة ، فالسب
والشتم وكل أنواع البذاءة في المنطق لا يمكن لعاقل أن يدافع عنها ، بل لا يرتكبها
عاقل في حالة سيطرة عقله على منطقه ، فضلاً عن الأتقياء الأبرار .
وإنما غرضنا بيان تهافت منطق هذه الأحاديث في منح الشفاعة والحرمان منها !
فهذا المنطق يقول : يجوز للصحابي أن يحكم بفسق الصحابي الآخر أو كفره ، وأن
يسبه ويهينه ويضربه ويحبسه ويشهر عليه سيفه ويقتله ، أو يكيد به ويقتله بالسم أو
بالإغتيال ، ويجوز له أن يستعمل كل أساليب السياسة والمناورة والمخادعة ضده ،
وأن يجمع حوله الناس بالرشوة والتهديد . . وأن يخرج على إمام زمانه ويسبب
انشقاقاً في الأمة وحروبا يقتل فيها عشرات ألوف المسلمين ، وأن يرتكب كل
المحرمات . . ولا بأس بذلك كله ، لأنه مغفورٌ له مشمولٌ بشفاعة رسول الله صلىاللهعليهوآله أو
مستحق للجنة بدون شفاعة ! !
أما غير الصحابة من المسلمين فلو انتقد صحابياً ولو انتقاداً صغيراً . . فقد شمله
مرسوم الحرمان النبوي من الشفاعة وصار مخلداً في النار ! !
إنه منطق يستشكل في الحبة ويأكل القبة ! ولا يمكن أن يكون مما أنزله الله تعالى
على رسوله صلىاللهعليهوآله !
بل إن صيغة الحديث ( لا تسبوا أصحابي ) وأمثاله يصعب تعقل صدورها عن
النبي صلىاللهعليهوآله لأن مخاطبيه هم أصحابه ، فكيف يقول لهم : لا تسبوا أصحابي أو اقتدوا
بأصحابي !
وأخيراً ، فإن أحاديث فضل الصحابة ووجوب مودتهم وموالاتهم وحرمة بغضهم
وانتقاصهم وانتفادهم . . يصعب فهمها بل لا يمكن فهمها إلا بالمقارنة مع الآيات
والأحاديث المشابهة الواردة في حق أهل بيت النبي صلىاللهعليهوآله مثل قوله تعالى : قُل لَّا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ، وقوله : إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ
أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا . . وأحاديث : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي
أهل بيتي ، وأهل بيتي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ، ولا يؤمن أحدكم حتى
يحبهم لحبي ، وعشرات غيرها متفق على صدورها عن النبي صلىاللهعليهوآله وقد ركز فيها
الإسلام مكانة عترة النبي من بعده حتى أنه حرم عليهم الصرف من المصارف العامة
وجعل لهم مالية خاصة هي الخمس !
والباحث المتتبع يجد أن كل حديث قاله النبي صلىاللهعليهوآله في أهل بيته . . نبت مقابله
حديث في أصحابه ! حتى أن حديث الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ،
نبت مقابله : أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة ، وحديث إحفظوني في أهل بيتي
نبت مقابله : إحفظوني في أصحابي . .
وقانون الحرمان من الشفاعة لمن ينتقص الصحابة ، ما هو إلا نبتةٌ قريشية مقابل
قانون حرمان النواصب من الشفاعة الذي ثبت عند الجميع ، كما سيأتي إن شاء الله
تعالى .
النوع السادس : الدخول الى جهنم
لتحليل القسم الإلۤهي بأن يملأها
ـ روى البخاري في صحيحه ج 2 ص 72
عن أبي هريرة رضياللهعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يموت لمسلم ثلاثة من
الولد فيلج النار ، إلا تحلة القسم . ورواه أيضاً في ج 7 ص 224
ورواه مسلم ج 8 ص 39 وفيه ( فتمسه النار )
ورواه ابن ماجة ج 1 ص 512 والنسائي ج 4 ص 22 و 25 بعدة روايات وفي بعضها : فتمسه
النار . . والترمذي ج 2 ص 262 وأحمد ج 2 ص 240 وص 276 وص 473 وص 479
والبيهقي في سننه ج 4 ص 67 وج 7 ص 78 والهيثمي في مجمع الزوائد ج 1 ص 163 وج 5
ص 287 والهندي في كنز العمال ج 3 ص 284 وص 293 وج 4 ص 323 وج 10 ص 216
والسيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 280 وفي عدد من رواياته : تمسه النار . وفي عدد آخر :
يلج النار وفي أكثرها ( تحلة القسم ) .
ورغم التفاوت في صيغ هذه الروايات إلا أنها تتفق على أن هذا الوالد الذي
تحمل ألم خسارة أولاده الثلاثة يستحق الجنة حتى لو كان مذنباً ، لكن يجب على
هذا المسكين أن يدفع ضريبة يمين الله تعالى ، ويدخل النار مدة قليلة تحلةً لقسم الله
تعالى حتى لا يكون الله حانثاً بقسمه ، ثم له من الله تعالى وَعْدُ شَرفٍ أن ينقله الى
الجنة ! !
فما هي قصة هذا القسم ؟ وما ذنب هذا الوالد وغيره من المساكين الذين
أدخلتهم صحاح السنيين في جهنم لا لشيء إلا لتحليل يمين الله تعالى !
حاولت بعض الروايات أن تجعل القسم قوله تعالى ( وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ
عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ) مريم 70 ـ 71
وقالوا إن هذا القضاء الإلۤهي الحتمي هو القسم وهو عام للجميع .
ولكنه تفسير من الرواة لأن الصحاح لم ترو حديثاً يفسر القسم بذلك !
ـ قال البيهقي في سننه ج 10 ص 64 :
قال أبو عبيد : نرى قوله تحلة القسم يعني قول الله تبارك وتعالى : وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا
وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ، يقول فلا يردها إلا بقدر ما يبر الله قسمه فيه .
وفيه : أنه أحل للرجل يحلف ليفعلن كذا وكذا ثم يفعل منه شيئاً دون شيء ، يبري في
يمينه . انتهى .
ولكن تفسيرهم هذا لا يصح :
أولاً ، لما ذكره البيهقي من أنه يفتح الباب للناس للتلاعب بأيمانهم ، ولا تبقى
قيمة ليمين ! فإذا كان الله تعالى يستعمل الحيلة الشرعية للتحلل من يمينه ويسميها (
تحلة القسم ) فلا حرج على عباده أن يلعبوا بأيمانهم ! !
وثانياً ، لا يوجد في آية الورود قسم ، بينما ورد في كل روايات الصحاح أن سبب
دخول هذا الأب ( تحلَّةَ القسم ) .
وثالثاً ، إن المؤمنين الذين يردون جهنم ويشرفون عليها في طريق عبورهم الى الجنة
لا تمسهم نارها ، بينما ورد في عدد من صيغ الحديث التعبير بتمسه النار تحلة القسم .
ورابعاً ، أن الورود المذكور في الآية أمرٌ عامٌ شاملٌ ، وليس من البلاغة استثناء هذا
الوالد من استحقاق الجنة ، مع أن حال في الورود حال غيره ! !
وخامساً ، ورد في صيغة البخاري وغيره تعبير بالولوج وهو الدخول المحقق في
النار ، بينما الورود أعم من الدخول في النار والإشراف عليها عند المرور على
الصراط .
ـ قال في تفسير التبيان ج 7 ص 143
واختلفوا في كيفية ورودهم اليها فقال قوم وهو الصحيح : إن ورودهم هو
وصولهم إليها وإشرافهم عليها من غير دخول منهم فيها ، لأن الورود في اللغة هو
الوصول إلى المكان ، وأصله ورود الماء وهو خلاف الصدور عنه . ويقال : ورد الخبر
بكذا تشبيهاً بذلك .
ويدل على أن الورود هو الوصول إلى الشيء من غير دخول فيه قوله تعالى : وَلَمَّا
وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ ، وأراد وصل اليه . وقال زهير :
فلما وردنَ الماء زرقاً جمامَه
وضعنَ عِصِيَّ الحاضرِ المتخيمِ
وقال قتادة وعبد الله بن مسعود : ورودهم إليها هو ممرهم عليها .
وقال عكرمة : يردها الكافر دون المؤمن ، فخص الآية بالكافرين .
وقال قوم شذاذ : ورودهم إليها دخولهم فيها ولو تحلة القسم . روي ذلك عن ابن
عباس وكان من دعائه : اللهم أزحني من النار سالماً وأدخلني الجنة غانماً . وهذا
الوجه بعيد ، لأن الله قال : إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ،
فبين تعالى أن من سبقت له الحسنى من الله يكون بعيداً من النار ، فيكف يكون
مبعداً منها مع أنه يدخلها وذلك متناقض . فإذاً المعني بورودهم : إشرافهم عليها
ووصولهم إليها . انتهى .
وعلى هذا يتعين أن يكون المقصود بتحلة القسم في هذه الأحاديث المزعومة :
قسمه تعالى بأن يملأ جهنم من الجنة والناس في قوله تعالى : وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ
النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ . إلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ
رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ . هود 118 ـ 119 ويكون معنى الحديث :
أن هذا الوالد يستحق الجنة ، ولكن بما أن الله تعالى أقسم أن يملأ النار ، وليس عنده
ما يكفي لملئها ، فإن على هذا الوالد المسكين أن يدفع الضريبة من جلده ! !
إن منطق هذا الحديث يصور الله تعالى كأنه حاكم دنيوي بنى سجناً وأقسم أن
يملأه من المجرمين ، وعندما وجد أن السجن كبيرٌ لم يمتليء بالمجرمين الموجودين ،
أمر شرطته أن يقبضوا على الناس من الشارع ويضعوهم في السجن حتى يملأوه
ويفي حضرة الحاكم بيمينه ، ولا يكون كاذباً !
وهو تصورٌ نجده عن الله تعالى في التوراة ولا نجده في القرآن . . الأمر الذي
يجعلنا نطمئن بأن فكرة إدخال الناس إلى النار لتحلة القسم فكرة توراتية أخذها
المسلمون من اليهود ففي تفسير كنز الدقائق ج 2 ص 47 ، جاء في رد مقولات اليهود
التي منها ( أنه تعالى وعد يعقوب أن لا يعذب أولاده إلا تحلة القسم ) ! !
ولكن أين هذا المنطق من قوانين الحق والعدل الإلۤهي التي أقام الله تعالى عليها
الكون والحياة ، وأنزلها في كتابه وأوحى بها إلى رسوله صلىاللهعليهوآله فخضع لها العلماء
والفلاسفة والمفكرون !
النوع السابع : حرمان من الشفاعة بسبب صبغ الشعر
يمكن للباحث أن يتفهم أحاديث الحرمان من الشفاعة لمن ينتقد الصحابة ،
ويفسرها بأنها محاولة لتسكيت المسلمين عن الصحابي الحاكم وجماعته . ولكن
بعض الحرمانات الواردة في الصحاح لا يستطيع أن يفهم لها علة ولا معنى ، إلا بعد
جهد جهيد ، مثل حرمانهم الذي يصبغ شعره ولحيته بالسواد من الشفاعة والجنة !
فقد روت ذلك الصحاح كما في النسائي ج 8 ص 138 قال : عن ابن عباس رفعه
أنه قال قوم يخضبون بهذا السواد آخر الزمان كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة .
انتهى .
ورواه أبو داود في ج 2 ص 291
وأحمد في ج 1 ص 273
والبيهقي في سننه ج 7 ص 311
ـ وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 5 ص 163 روايةً شديدةً على المجرم الذي
يصبغ شعره ولحيته بالسواد ، وقال إنها موثقة عند ابن حنبل وابن معين وابن حبان
قال : عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من خضب بالسواد
سوَّد الله وجهه يوم القيامة . رواه الطبراني وفيه الوضين بن عطاء وثقه أحمد وابن
معين وابن حبان ، وضعفه من هو دونهم في المنزلة وبقية رجاله ثقات . انتهى .
وقد تحير في ذلك بعض أصحاب الصحاح . . ومن حقهم أن يتحيروا . . فمع أنهم
عاشوا في القرن الثالث ولم يشهدوا القرن الأول ولا الثاني ، ولكن عهدهم كان قريباً
نسبياً ، والمسألة واضحةٌ وضوح اللحى ! ومع ذلك وصلت اليهم أحاديث متناقضة
فيها ! فمنها أحاديث تقول إن النبي صلىاللهعليهوآله أمر بتغيير الشيب ومخالفة اليهود الذين
يحرمون صبغ الشيب ، وأحاديث تقول إنه أمر بصبغه بالحناء ، أي باللون الأحمر
الذي تصبغ به العرب ونهى عن السواد لأنه خضاب الكفار ! وأخرى تقول إنه أمر
بالسواد ، وأخرى تقول بالكتم والوسم الأصفر . . . !
واختلفت رواياتهم في أن النبي صلىاللهعليهوآله هل صبع شيبه أم لا ، فروايةٌ تقول إنه صبغه
بالحناء ، ولكنهم رجحوا أخرى تقول لم يدركه الشيب إلا شعرات قليلة ولم يصبغها ،
ـ قال مسلم في صحيحه ج 7 ص 84 و 85 : قال سئل أنس بن مالك عن خضاب النبي
صلى الله عليه وسلم فقال : لو شئت أن أعد شمطات كن في رأسه فعلت وقال : لم
يختضب وقد اختضب أبو بكر وعمر بالحناء والكتم واختضب عمر بالحناء بحتا . انتهى .
ـ وقد روى الجميع خضاب أبي بكر وعمر بالحناء والكتم كما في مسند أحمد ج 3 ص 100
وج 3 ص 108 وص 160 وص 178
ولكن تحير أصحاب الصحاح كان على مستوى الرواية فقط ، أما الرأي
السائد المتبع عندهم فهو النهي المشدد عن الخضاب بالسواد ، لأنه رأي الدولة من
زمن أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية . . إلى آخر الخلافة الأموية !
ولذا جعل النسائي عنوان المسألة : النهي عن الخضاب بالسواد وقال في ج 8 ص 38
عن ابن عباس رفعه أنه قال : قوم يخضبون بهذا السواد آخر الزمان كحواصل الحمام
لا يريحون رائحة الجنة .
عن أبي الزبير عن جابر قال أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ، ورأسه ولحيته كالثغامة
بياضاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد . . . ثم
قال النسائي : والناس في ذلك مختلفون ، والله تعالى أعلم ، لعل المراد الخالص ،
وفيه أن الخضاب بالسواد حرامٌ أو مكروهٌ ، وللعلماء فيه كلام ، وقد مال بعض إلى
جوازه للغزاة ، ليكون أهيب في عين العدو ، والله تعالى أعلم .
أما الفقهاء فقد قننوا المسألة وأعطوها صيغتها الشرعية ، وأجمعوا على ذم
الخضاب بالسواد ، ذمَّ تحريمٍ ، وربما وجد فيهم نادرٌ يقول بأنه ذم تنزيه !
ـ قال النووي في المجموع ج 1 ص 294
( فرع ) اتفقوا على ذم خضاب الرأس أو اللحية بالسواد ، ثم قال الغزالي في
الإحياء والبغوي في التهذيب وآخرون من الأصحاب هو مكروه ، وظاهر عباراتهم
أنه كراهة تنزيه ، والصحيح بل الصواب أنه حرام . وممن صرح بتحريمه صاحب
الحاوي في باب الصلاة بالنجاسة ، قال إلا أن يكون في الجهاد ، وقال في آخر كتابه
الأحكام السلطانية : يمنع المحتسب الناس من خضاب الشيب بالسواد إلا المجاهد .
ودليل تحريمه حديث جابر رضياللهعنه قال : أتي بأبي قحافة والد أبي بكر الصديق
رضي الله عنهما يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً ، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : غيروا هذا واجتنبوا السواد . رواه مسلم في صحيحه ، والثغامة بفتح
الثاء المثلثة وتخفيف الغين المعجمة نبات له ثمر أبيض . وعن ابن عباس رضياللهعنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد
كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة . رواه أبو داود والنسائي وغيرهما ، ولا فرق
في المنع من الخضاب بالسواد بين الرجل والمرأة ، هذا مذهبنا . انتهى .
ـ وقال ابن قدامة في المغني ج 1 ص 76
وعن الحكم بن عمر الغفاري قال : دخلت أنا وأخي رافع على أمير المؤمنين عمر
وأنا مخضوب بالحناء وأخي مخضوب بالصفرة ، فقال عمر بن الخطاب : هذا
خضاب الإسلام ، وقال لأخي رافع : هذا خضاب الإيمان . ويكره ( وكره ) الخضاب
بالسواد . قيل لأبي عبد الله تكره الخضاب بالسواد قال إي والله . . . ! انتهى .
ـ وروى الحاكم قصة أخرى مشابهة وجعل رأي الخليفة عمر حديثاً مسنداً قال في المستدرك
ج 3 ص 526 قال :
دخل عبد الله بن عمر على عبد الله بن عمرو وقد سوَّدَ لحيته ، فقال عبد الله بن
عمر : السلام عليك أيها الشويب ! فقال له ابن عمرو : أما تعرفني يا أبا عبد الرحمن ؟
قال بلى أعرفك شيخاً فأنت اليوم شاب ! إني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : الصفرة
خضاب المؤمن ، والحمرة خضاب المسلم ، والسواد خضاب الكافر . انتهى .
وقال عنه في مجمع الزوائد ج 5 ص 163 : رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه . انتهى .
ـ وقد سئل الشيخ ابن باز في كما في فتاويه ج 4 ص 58 طبعة مكتبة المعارف بالرياض :
ـ ما مدى صحة الأحاديث التي وردت في صبغ اللحية بالسواد ، فقد انتشر صبغ
اللحية بالسواد عند كثير ممن ينتسبون الى العلم ؟
فقال في جوابه : في هذا الباب أحاديث صحيحة كثيرة ، وذكر حديث حواصل
الحمام ، وقال بعده : وهذا وعيدٌ شديد ، وفي ذلك أحاديث أخرى ، كلها تدل على
تحريم الخضاب بالسواد ، وعلى شرعية الخضاب بغيره . انتهى .
والمتتبع لنصوص المسألة يصل إلى قناعة بأن مرسوم الحرمان من الجنة مرسومٌ
قرشي . . وسببه أن العرب ومنهم قريش كانوا يصبغون شيبهم بالحناء الذي يأتيهم من
الهند ، وبعضهم يصبغونه بالورس والزعفران الذي يأتيهم من اليمن وإيران ( لاحظ
مغني ابن قدامة ج 1 ص 76 )
وأول من خضب بالسواد من العرب عبد المطلب كما نص السهيلي في الروض
الأنف ج 1 ص 7 ونقله عنه النووي في المجموع ج 18 ص 254
ولا يبعد أنه صار بعد عبد المطلب رمزاً لبني هاشم . وسيأتي أن الإسلام أقر عدة
تشريعات سنَّها عبد المطلب بإلهامٍ من الله تعالى مثل : الطواف سبعاً ، والدية ، ومنها
سنَّة الخضاب بالوسم .
ماذا يصنع رواة الخلافة القرشية بهذه الأحاديث
تدل الأحاديث من مصادر الجميع على أن الإسلام أقر سنَّة عبد المطلب في
صبغ الشيب بالسواد فقد روى ابن ماجة في سننه ج 2 ص 1197 عن صهيب قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أحسن ما اختضبتم به لَهَذَا السواد ، أرغب
لنسائكم فيكم ، وأهيب لكم في صدور عدوكم . انتهى .
وقالوا بعده : هذا الحديث معارض لحديث النهي عن السواد ، وهو أقوى إسناداً
وأيضاً النهي يقدم عند المعارضة ، وفي الزوائد : إسناده حسن . انتهى .
وإذا صح ما ذكره رواة قريش من أن النهي دائماً أقوى من الرخصة ، وأن الخضاب
بالسواد حرام وصاحبه لا يشم رائحة الجنة ! فهل يلتزمون بأن الإمام الحسين عليهالسلام
سيد شباب أهل الجنة لا يشم رائحتها !
ـ فقد روى البخاري في صحيحه ج 4 ص 216
عن أنس بن مالك رضياللهعنه : أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي فجعل في
طست فجعل ينكته وقال في حسنه شيئاً فقال أنس : كان أشبههم برسول الله صلى
الله عليه وسلم وكان مخضوباً بالوسمة ! انتهى . والوسمة هي السواد .
ـ وفي مجمع الزوائد ج 5 ص 162
عن محمد بن علي أنه رأى الحسن بن علي رضياللهعنه مخضوباً بالسواد على فرس
ذنوب . رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ، خلا محمد بن إسماعيل بن رجاء وهو
ثقة . وعن سليم قال : رأيت جرير بن عبد الله يخضب رأسه ولحيته بالسواد . رواه
الطبراني وسليم والراوي عنه لم أعرفهما .
وعن محمد بن علي أن الحسين بن علي رضياللهعنه كان يخضب بالسواد . رواه الطبراني
ورجاله رجال الذي قبله ، وقد روى عنهما من طرق وهذه أصحها ورجالها رجال
الصحيح .
وعن عبد الرحمن بن بزرج قال : رأيت الحسن والحسين ابني فاطمة يخضبان
بالسواد ، وكان الحسين يدع العنفقة . رواه الطبراني وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن
وفيه ضعف ، وبقية رجاله ثقات .
وعن عبد الله بن أبي زهير قال : رأيت الحسين بن علي يخضب بالوسمة . رواه
الطبراني وعبد الله بن أبي زهير لم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات . انتهى .
وجرير بن عبد الله المذكور هو البجلي من كبار أصحاب علي عليهالسلام ومن قادة جيشه
وقد حمل عدداً من رسائله إلى معاوية .
فيتضح من ذلك أن أهل البيت عليهمالسلام وشيعتهم كانوا يخضبون شيبهم بالسواد . وأن
النهي عن السواد نهي قرشي لا نبوي ، وغرضه إبعاد الناس عن التشبه ببني هاشم
المعارضين للدولة !
بل ماذا يصنع الشيخ ابن باز بإمامه الزهري الذي روى عنه البخاري نحو 1200 رواية
في صحيحه ، فقد كان ـ بعد أن خفَّت حدة المسألة في القرن الثاني ـ يصبغ شيبه
بالسواد ، ويقول إن النبي أمر بتغيير الشيب ولم يحدد لون الصبغ !
ـ قال أحمد في مسنده ج 2 ص 309 :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن اليهود والنصارى لا يصبعون فخالفوهم . قال
عبد الرزاق في حديثه : قال الزهري : والأمر بالإصباغ ، فأحلكها أحب الينا . قال معمر :
وكان الزهري يخضب بالسواد . انتهى .
رأي أهل البيت عليهمالسلام
ـ روى الكليني في الكافي ج 6 ص 481
عن : أحمد بن محمد ، عن سعيد بن جناح ، عن أبي خالد الزيدي ، عن جابر ،
عن أبي جعفر عليهالسلام قال : دخل قوم على الحسين بن علي صلوات الله عليهما فرأوه
مختضباً بالسواد فسألوه عن ذلك ، فمد يده إلى لحيته ثم قال : أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله في
غزاة غزاها أن يختضبوا بالسواد ، ليقووا به على المشركين .
ـ وفي الكافي ج 6 ص 483
عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عدة من أصحابه ، عن علي بن
أسباط ، عن عمه يعقوب بن سالم قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : قتل الحسين صلوات الله
عليه وهو مختضب بالوسمة .
ـ وفي الكافي ج 6 ص 480
محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن مسكين بن أبي
الحكم ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوآله فنظر إلى
الشيب في لحيته فقال النبي صلىاللهعليهوآله : نورٌ ، ثم قال : من شاب شيبةً في الإسلام كانت له
نوراً يوم القيامة . قال فخضب الرجل بالحناء ثم جاء إلى النبي صلىاللهعليهوآله فلما رأى
الخضاب قال : نورٌ وإسلامٌ ، فخضب الرجل بالسواد ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله : نورٌ وإسلامٌ
وإيمانٌ ، ومحبةٌ إلى نسائكم ، ورهبةٌ في قلوب عدوكم .
ـ وفي الكافي ج 6 ص 480
محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن الجهم
قال : دخلت على أبي الحسن ( الرضا ) عليهالسلام وقد اختضب بالسواد فقلت : أراك قد
اختضبت بالسواد ؟ فقال : إن في الخضاب أجراً ، والخضاب والتهيئة مما يزيد الله
عز وجل في عفة النساء ، ولقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن لهن التهيئة !
ـ وفي من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 122
قال الصادق عليهالسلام : الخضاب بالسواد أنسٌ للنساء ، ومهابةٌ للعدو .
ـ وفي وسائل الشيعة ج 1 ص 403
محمد بن الحسين الرضي الموسوي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنه
سئل عن قول رسول الله صلىاللهعليهوآله : غيروا الشيب ، ولا تشبهوا باليهود فقال : إنما قال ذلك
والدين قلٌّ ، وأما الآن وقد اتسع نطاقه ، وضرب بجرانه فامرؤٌ وما اختار . انتهى .
ويفهم من هذا الحديث أن الأمر بتغيير الشيب ليس للوجوب ، بل هو لإثبات
الرخصة في مورد توهم الحظر والتحريم ، كما يعتقد اليهود .