فصل
قال : في الاتحادية :
هو من النمط الذي قبله.
ثم قال : «هذي مقالات الطوائف كلها فاعطف على الجهمية المغل الذين خرقوا سياج العقل والقرآن شرد (1) بهم من خلفهم واكسرهم». ثم ذكر مذاهب المعتزلة ومذاهب الأشعرية وهما اللذان يسميهما الجهمية.
ثم قال : هذا الذي قد خالف المعقول والمنقول والفطرات للإنسان ، أما الذي قد قال إن كلامه ذو أحرف قد رتبت ببيان وكلامه بمشيئة وإرادة كالفعل منه كلاهما (2) سيان فهو الذي قد قال قولا يعلم العقلاء صحته بلا نكران ، فلأي شيء كان ما قلتم أولى؟ ولأي شيء كفرتم أصحاب هذا القول؟ فدعوا الدعاوى وابحثوا معنا وارفوا مذاهبكم إن أمكن».
ليت شعري من هو الذي من العقلاء يعلم صحة كلام ذي أحرف مترتبة مفعول قديم ولكن هذا صبي العقل غره ، هجام على الحقائق بهواه.
__________________
(1) التشريد المذكور في الآية مأمور أن يوقعه النبي صلىاللهعليهوسلم بالكفار. ولينظر القارئ كيف يأمره حضرة الناظم أن يوقعه بجماعة المسلمين الأشاعرة وغيرهم من أجل أنهم لا يوافقونه في ضلاله.
(2) هذا إنما يصح في الكلام اللفظي الحادث باعتبار وجوده الخارجي وأما باعتبار وجوده العلمي فقديم ، كما سبق ، قال أبو بكر الباقلاني في النقض الكبير : «من زعم أن السين من باسم الله بعد الباء والميم بعد السين الواقعة بعد الباء لا أول له فقد خرج عن المعقول وجحد الضرورة وأنكر البديهة ، فإن اعترف بوقوع شيء فقد اعترف بأوليته ، فإذا ادعى أنه لا أول له فقد سقطت محاجته وتعين لحوقه بالسفسطة ، وكيف يرجى أن يرشد الدليل من يتواقح في جحد الضروري اه» راجع الشامل لإمام الحرمين ونجم المهتدي لابن المعلم القرشي. وفي شعب الإيمان للحليمي «ومن زعم أن حركة شفتيه أو صوته أو كتابته بيده في الورقة هو عين كلام الله القائم بذاته فقد زعم أن صفة الله قد حلّت بذاته ومسّت جوارحه وسكنت قلبه ، وأي فرق بين من يقول هذا وبين من يزعم من النصارى أن الكلمة اتحدت بعيسى عليه الصلاة والسلام اه» ليحفظ القارئ هذا ثم أرجوه أن يقرأ قول الموفق الحنبلي صاحب المغني في مناظرته المسجلة في المجموعة المحفوظة تحت رقم 116 بظاهرية دمشق ونصه «قال أهل الحق : القرآن كلام الله غير مخلوق ، وقالت المعتزلة هو مخلوق ، ولم يكن اختلافهم إلا في هذا الموجود دون ما في نفس الباري مما لا ندري ما هو ولا نعرفه».
وعن الموفق هذا يقول شيخ الناظم : ما حلّ دمشق مثله بعد الأوزاعي وأنت ترى كلامه في المسألة وإذا كان هذا حال الموفق فما ذا تكون حال الناظم وشيخه؟.
ثم قال : «فاحكم ـ هداك الله ـ بينهم لا تنصرن سوى الحديث وأهله هم عسكر القرآن. فنقول هذا القدر قد أعيا على أهل الكلام وقاده أصلان ، أحدهما : هل فعله (1) مفعوله أو غيره ، قولان والقائلون بأنه عينه فروا من الحدث في الصفات وحقيقة قولهم تعطيل الخالق عن فعله إذ فعله مفعوله لكنه ما قام به فعلى الحقيقة ما له فعل إذا المفعول منفصل عنه. والقائلون بأنه غيره طائفتان : إحداهما قالت قديم قائم بالذات ، سموه تكوينا ، وهم الحنفية. والآخرون رأوه حادثا قام بالذات ، وهم نوعان : أحدهما جعله مفتتحا به حذرا من التسلسل وهو قول الكرامية ، والآخرون أهل الحديث كأحمد (2) بن حنبل قال : إن الله لم يزل متكلما إن شاء ، جعل الكلام صفة فعل قائمة بالذات لم يفقد من الرّحمن ، وكذاك نص على دوام الفعل وكذا ابن عباس وجعفر الصادق و (عثمان بن سعيد) الدارمي وصدق فالحياة والفعل متلازمان
__________________
(1) إن كان المراد بالفعل ما هو بالمعنى المصدري من قوله تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : 107] فليس في فرق الإسلام من ينفي الفعل بهذا المعنى عن الله سبحانه بل إثباته موضع اتفاق بين الفرق كلها وإن كان يريد ما هو مبدأ هذا المعنى فهو صفة قديمة غير الإرادة والقدرة عند طوائف من أهل الحق وهي المسماة عندهم بصفة التكوين ، وأما الأشاعرة فيرجعونها إلى القدرة وللقولين حظ من النظر وأما إن كان المراد بالفعل الفعل الحاصل بالمصدر أعني الأثر المترتب على التكوين أو القدرة فلا شك أنه مفعول الله ومخلوقه وغير قائم به أصلا ، فأفعال الله بهذا المعنى هي مخلوقاته حتما ، ودعوى قيامها بالله لا تصدر ممن يعي ما يقول ومن المجسمة أناس يظنون أن أفعال الله تكون بالحركة كأفعال العباد وتصدر منه بالعلاج والمزاولة مع أن الجوارح والآلات إنما وضعت للعباد ليتوصلوا بها إلى قصدهم وهي كلها نقص وآفات ، وأما من له الحول والقوة جلّ جلاله فإنما هو إذا أراد شيئا قال له كن فيكون بدون آلة ولا جارحة ولا علاج ولا مزاولة. يريد الشيء فيحدث. وبهذا البيان ظهر ما في كلام الناظم من الاختلال ووجوه الضلال.
(2) نسبة القول بقيام الفعل الحادث بالله سبحانه إلى أحمد وجعفر الصادق وابن عباس رضي الله عنهم نسبة كاذبة وفرية مكشوفة. وقول أحمد (إن الله لم يزل متكلما إن شاء) بمعنى أن الكلام صفة قديمة وأنه تعالى يكلم أنبياءه متى شاء بدون حرف ولا صوت بالوحي ومن وراء حجاب أو بإرسال رسول «وهو متكلم خالق قبل أن يكلم الرسل ويخلق الخلق» كما صرح بذلك غلام الخلال من قدماء الحنابلة في المقنع ، وأما عثمان بن سعيد الدارمي السجزي مؤلف النقض على المريسي فكان فيما سبق لا يخوض في صفات الله سبحانه كما هو طريقة السلف ، ثم انخدع بالكرامية وأصبح مجسما مختل العقل عند تأليفه النقض المذكور ، وهو حقيق بأن يكون قدوة للناظم ونسجل هنا على الناظم اعتقاده قيام الحوادث بذات الله سبحانه وتعالى واعتقاده أن هذه الحوادث لا أول لها ، وإني ألفت نظر حضرة القارئ إلى هذه العقيدة وهل تتفق مع دعوى أنه إمام دونه كل إمام؟ بل هل تتفق هذه العقيدة مع دعوى أنه في عداد المسلمين فقط؟.
وكل حي (1) فعال إلا إذا عرضت آفة أو قسر ، أولست تسمع قول كل موحد (يا دائم المعروف قديم الإحسان) أوليس فعل الرب تابع وصفه وكماله؟ أفذاك ذو حدثان؟ وكماله سبب الفعال وخلقه أفعالهم سبب الكمال الثاني ، أوما فعال الرب عين كماله؟ أفذاك ممتنع على المنان أزلا إلى أن صار فيما لم يزل ممكنا؟ تالله قد ضلّت عقول القوم إذ قالوا بهذا ، وتخلف التأثير بعد تمام موجبه محال والله ربي لم يزل ذا قدرة ومشيئة وعلم وحياة وبهذه الأوصاف تمام الفعل فلأي شيء تأخر فعله مع موجب (2) قد تم والله عاب على المشركين عبادتهم ما ليس بخالق ولا ينطق ، والله إله حق دائما ، أفعنه الوصفان (3) مسلوبان أزلا ، هذا المحال إن كان رب العرش لم يزل إله الخلق ، فكذا لم يزل متكلما فاعلا ـ والله ـ ما في العقل ما يقضي لذا بالرد بل ليس في المعقول غير ثبوته ، وما دون المهيمن حادث ليس القديم سواه والله سابق كل شيء ما ربنا والخلق مقترنان والله كان وليس شيء (4) غيره لسنا نقول كما يقول
__________________
الرد على عثمان بن سعيد في إثباته الحركة
(1) ليست حياة الله كحياة العباد ولا فعله تعالى كأفعالهم ، وإدخال الله سبحانه في مثل هذه الكلية لا يصدر إلا ممن هو مريض القلب بمرض التشبيه ، وعثمان بن سعيد هذا يصرح في نقضه المنقوض بأن كل حي فعّال متحرك ويثبت لله الحركة ويظهر من ذلك كيف يتصور فعل الله ، والناظم يقتدي بمثل هذا المحذوف ، ولعل القارئ ازداد بصيرة وعلم من هذا الكلام بأن الحوادث لا أول لها في نظر هذا الناظم لأن حياة الله لا أول لها فيكون فعله لا أول له ، وهذه المسألة من المسائل التي كفّر علماء الإسلام الفلاسفة بها فليعرفه المغرورون بابن القيم ثم ليعرفوه.
الرد على قول الناظم بالإيجاب
(2) وهذا تصريح منه بأن الله سبحانه فاعل بالإيجاب انخداعا منه بقول الفلاسفة القائلين بقدم العالم وقد أتى أهل الحق بنيانهم من القواعد ، وإن كان الناظم المسكين بعيدا عن فهم أقوال هؤلاء وأقوال هؤلاء. ثم يناقض الناظم نفسه ويثبت لله الاختيار وهو في الحالتين غير شاعر بما يقول ، تعالى الله عما يقول. وأرجو أن يفهم القارئ هنا معنى لا بد من اعتقاده وهو أن القائل بأن الله فاعل بالإيجاب في ناحية ودين الإسلام كله في ناحية ، وأي مسلم يستطيع أن يقول إن ربنا مرغم على فعل ما يفعله.
(3) ليس منذ خلق الخلق استفاد اسم الخالق ولا بإحداثه البرية استفاد اسم الباري له معنى الربوبية ولا مربوب ومعنى الخالق ولا مخلوق وهكذا كما نقله الطحاوي عن فقهاء الملة لكن أين للمجسم المسكين أن يفهم هذه الحقائق.
(4) والمسلمون جميعهم يعتقدون أن حياة الله لا افتتاح لها ، وقد تقدم للناظم أنه يقول : إن كل حي فعال وإن الحياة والفعل متلازمان. ومعنى هذا أن الفعل لا افتتاح له أيضا فإذن كيف يتفق قوله هذا السابق مع قوله هنا : «كان الله وليس شيء غيره» فليعرف ذلك أهل الغرور بابن القيم ثم ليعرفوه.
اليوناني بدوام هذا العالم المشهود والأرواح في أزل وليس بفان ، واندفع في ذكر النصير الطوسي لعنه الله فهو معذور فيه ، لكنه لا فرق بينه وبين القائلين بقدم العالم إلا أنه لا يقول بقدم هذه الأجسام المشاهدة والأرواح وهذه الأجسام والأرواح كالحوادث اليومية التي أجمع كل عاقل على حدوثها ، فلو جاء زنديق وقال إنه لم يزل أجسام وأرواح خلقا من قبل خلق وإنه كان قبل هذه السماوات سماوات غيرها لا إلى نهاية ، وأرواح غير هذه الأرواح لا إلى نهاية لم يكن بينه وبين هذا الناظم فرق إلا أن هذه في غير ذاته تعالى ، وما قاله الناظم ، بحدوثه في ذاته سبحانه وتعالى والتسلسل عنده جائز فبم ينكر على الزنديق الذي يدعي ذلك؟ وأي فرق بين قوله وقوله؟ فإن التزم جوازهما فأي فرق بينهما وبين جرم هذه السماء (1)؟ وقوله (تخلف التأثير بعد تمام موجبه) ففيه اعتراضان : أحدها أن المؤثر خلاف الفاعل بالاختيار والله تعالى فاعل بالاختيار والثاني قوله (بعد تمام موجبه) إن أراد الإيجاب الذاتي فهو قول الفلاسفة والله فاعل بالاختيار ، ومن ضرورة الفعل بالاختيار تأخر الفعل عن الاختيار ، والتأخر يقتضي الحدوث فكيف يتخلص عن هذه اللكنة. [وإن أراد الوجوب عن الله فسياق العبارة ينافيه].
فصل
القول في تجويز التسلسل في الماضي
قال : «فلئن زعمتم أن ذاك تسلسل قلنا صدقتم وهو ذو إمكان كتسلسل التأثير في مستقبل ، وهل بينهما (2) فرق؟ وأبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم والأشعري وابن الطيب الباقلاني وجميع أرباب الكلام الباطل فرقوا وقالوا ذلك فيما لا يزال حق وفي الأزل ممتنع لأجل تناقض الأزلي والأحداث ، فانظر إلى التلبيس في ذا الفرق ترويجا على العوران والعميان ما قال ذو عقل بأن ذا أزلي لذي ذهن ولا أعيان بل كل فرد فهو مسبوق بفرد ونظيره كل فرد ملحوق بفرد فالآحاد تفنى والنوع (3) لا يفنى أزلا
__________________
(1) ولعل المصنف لم ير جزء (حوادث لا أول لها) لابن تيمية إذ قوله فيه خطر جدا.
(2) لو كان الناظم سعى في تعلم أصول الدين عند أهل العلم قبل أن يحاول الإمامة في الدين لبان له الفرق بين الماضي والمستقبل في ذلك ، ولعلم أن كل ما دخل في الوجود من الحوادث متناه محصور وأما المستقبل فلا يحدث فيه حادث محقق إلا وبعده حادث مقدر لا إلى غير نهاية بخلاف الماضي كما سبق وسيأتي كلام أبي يعلى وغيره في ذلك.
(3) عدم فناء النوع في الأزل بمعنى قدمه ، وأين قدم النوع مع حدوث أفراده؟ وهذا لا يصدر إلا
وأبدا وتعاقب الآنات ثابت في الذهن كذا في العين ، فإن قلتم الآنات حادثة فيقال ما ذا تعنون بالآنات؟ هل تعنون مدة من حين إحداث السماوات؟ ونظنكم تعنون ذاك ولم يكن قبلها شيء من الأكوان ، هل جاءكم في ذاك من أثر ومن نص ومن نظر ومن برهان؟ إنا نحاكمكم إلى ما شئتم منها أوليس خلق الكون في الأيام أوليس ذلكم الزمان بمدة ، فحقيقة الأزمان (1) نسبة حادث لسواه ، واذكر حديث السبق بخمسين ألف سنة سابقة ، وعرش الرب فوق الماء من قبل السنين بمدة وزمان والحق أن العرش كان قبل القلم والذين لم يقولوا بدوام فعله (2) عموا عن القرآن والحديث ومقتضى العقول وفطرة الرّحمن والبرهان وأسسوا أصل الكلام وبنوا قواعدهم عليه وقادهم قسرا إلى التعطيل ، نفى القيام لكل أمر حادث بالرب خوف تسلسل الأعيان
__________________
ـ ممن به مس بخلاف المستقبل وقد سبق بيان ذلك ، وقال أبو يعلى الحنبلي في المعتمد : «والحوادث لها أول ابتدأت منه خلافا للملحدة اه». وهو من أئمة الناظم فيكون هو وشيخه من الملاحدة على رأي أبي يعلى هذا فيكونان أسوأ حالا منه في الزيغ نسأل الله السلامة.
الرد على كلام الناظم في الزمان
(1) بل الزمان متجدد معلوم يقدر به متجدد مبهم إزالة لإبهامه عند المتكلمين ، وجوهر مجرد عند بعض الفلاسفة ، وعرض غير قار الذات عند جمهورهم أو هو الفلك الأعظم أو حركته أو مقدار تلك الحركة عند طوائف منهم ، وقول الناظم لا يطابق واحدا منها والكلام في الزمان والمكان طويل الذيل مبسوط في موضعه ، فكأن الناظم يريد أن يقول : إن الزمان كان موجودا قبل هذه السماوات بدليل تلك الأحاديث فلا مانع من وجود حوادث لا أول لها متعاقبة في الماضي في آنات متعاقبة لا أول لها ، وهو قول الدهرية نفاة الصانع. فيا ترى ما ذا يريد من كون العرش قبل القلم فإن كان أراد أن يجعل لله عرشا يستقر عليه أزلا إما بقدم العرش قدما نوعيا ، كما روى الدواني عن ابن تيمية أو قدما شخصيا لورود «أول ما خلق الله القلم» فحاشاه أن يستقر على عرش استقرار تمكن حادثا كان العرش أو غير حادث. تعالى الله عن هذا وذاك. ولأهل العلم كلام واف في الأحاديث الواردة في أول ما خلق الله تعالى ولا غرض لنا يتعلق بذلك هنا. والعرش هو المخلوق الثالث عند محققي أهل العلم بالحديث.
(2) القول بدوام فعله تعالى في جانب الماضي قول بحوادث لا أول لها ، وقد سبق تسخيف ذلك مرات ، قال القاضي أبو يعلى الحنبلي : «لا يجوز وجود موجدات لا نهاية لعددها سواء كانت قديمة أو محدثة خلافا للملحدة ، والدلالة عليه أن كل جملة لو ضممنا إليها خمسة أجزاء مثلا لعلم ضرورة أنها زادت ، وكذلك عند النقص ، وإذا كان كذلك وجب أن تكون متناهية بجواز قبول الزيادة والنقصان عليها ، لأن كل ما يأتي فيه الزيادة والنقصان وجب أن يكون متناهيا من جهة العدد اه» راجع المعتمد المحفوظ تحت رقم 45 من التوحيد في ظاهرية دمشق وهذا بالنظر إلى الماضي كما سبق فتبا لمن يكون أسوأ حالا في هذه المباحث من أبي يعلى المذكور حاله في دفع شبه التشبيه لابن الجوزي.
فيسد ذاك عليهم بزعمهم إثبات الصانع إذا أثبتوه بخلاف الأجسام ، هذي نهايات أقدام الورى في ذا المقام الضيق فمن يأتي بفتح ينجي الورى من الحيرة» انتهى كلامه في هذا الفصل.
وقد صرح بقبائح منها إمكان التسلسل ومنها نسبة أكابر علماء الأشعرية إلى التلبيس ومنها نسبة ذلك إلى القرآن والسنة وأنه لم يجيء أثر ينص على العدم المتقدم وقد جاء (كان (1) الله ولا شيء معه) والشيء يشمل الجسم والفعل والنوع والآحاد.
فصل
قال : «هذا (2) الدليل هو الذي أرادهم ما زال أمر الناس معتدلا إلى أن دار في الأوراق فرفعت لوازمه قواعد الإيمان وتركوا حق الأدلة وهي في القرآن ودليلهم لم يأت به الله ولا رسوله صلىاللهعليهوسلم بل حدث على لسان جهم وحزبه».
ينبغي أن يقال لهذا الردى انتصب للدليل حتى يرى ما عنده.
فصل
قال في الرد على الجهمية المعطلة القائلين بأنه ليس على العرش إله يعبد ولا فوق السماوات إله يصلّى له ويسجد.
هذا المدبر يأخذ الكلام يقلبه كما يقلب الحقائق ، فإنه جعل مصب كلام خصومه إلى نفي الإله وهم أثبتوا الإله ونفوا كونه فوق العرش وقوله (المعطلة) يوهم به أنهم معطلة العالم من الصانع وهو يريد به معطلة الخالق من قيام الفعل الحادث به فما أكثر تلبيسه (3) وتدليسه ومراده بالجهمية (المعتزلة والأشعرية) وليس أحد من
__________________
(1) أخرجه ابن حبان والحاكم وابن أبي شيبة عن بريدة وفي رواية ولا شيء غيره.
(2) وهو القول بأن الجسم لا يخلو من حادث في الاحتجاج على حدوث العالم وانتهائه إلى محدث واجب الوجود منزّه عن الجسمية والجسمانيات ، وهو حجة الله التي آتاها إبراهيم مهما تقولت المجسمة وهذت في ذلك ، وقد اعترف بتلك الحجة مثل ابن حزم مع كونه ظاهريا فما للناظم لا يتابعه في ذلك وهو يتابعه في شواذه الباطلة؟ فلعله اتخذه قدوة في الباطل دون الحق.
(3) وكيف يرضى العقال أن يعد من العلماء ـ وهم أمناء الله في أرضه ـ رجلا كثير الغش لأمة محمد صلىاللهعليهوسلم كثرة يتعجب منها أئمة الإسلام وليس هذا الغش في أمر من أمور الدنيا ولو كان هذا لهان الأمر ولكنه غش في صميم الإسلام فليعرف ذلك المغرورون بابن القيم ثم ليعرفوه.
المعتزلة اليوم عندنا ظاهرا فلا كلام له إلا مع الأشعرية الذين أكثر الخلق يقتدون بهم ، يريد تنقيصهم والطعن فيهم ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
قال : «والله كان وليس شيء (1) غيره وخلق البرية ، فسل المعطل هل هي خارج ذاته أو فيها أو هو عينها لا رابع ، ولذلك قال محقق القوم الذي رفع القواعد هو عين الكون فهو الوجود بعينه إن لم يكن فوق الخلائق إذ ليس يعقل بعد إلا أنه فيها كمقالة النصراني فاحكم على من قال ليس بخارج ولا داخل بأنه أوقع عليه (2) حد المعدوم ، فإن زعم أن ذاك في الجسم ، والرب ليس كذا فيقال هذا دعوى واصطلاح اليونان».
إن أراد بالدعوى نفي الجسمية عن الرب وبالاصطلاح ذلك فقد أظهر ما في نفسه ، وإن أراد أن النفي إنما يصدق في الأجسام والظاهر أنه مراده فلا يقال فيه اصطلاح.
قال : «والشيء يصدق نفيه عن قابل وسواه ولذا ينفي عنه الظلم المحال والنوم والسنة والطعم والولادة والزوجة ، والله وصف الجماد بأنه ميت أصم ، ونفى عنه الشعور والنطق والخلق وهو لا يقبل ، ولو سلم أن هذا شرط كان في الضدين لا في النقيضين ونفيكم لقبولهما يزيل الإمكان وهو كنفي قيامه بالنفس أو بالغير فإذا المعطل
__________________
(1) وهذا يناقض القول بحوادث لا أول لها ودوام الفعل في جانب الماضي ، والناظم كم ينقض غزله وله هوى في إكفار الأمة بكل وسيلة ، ولا أدري ما ذا يكسب هذا المتهوس إذا لم يبق من الأمة مسلم سوى مكسري الحشوية. وبين الصوفية أتقياء أبرار يراعون أدق أوامر الشرع في جميع شئونهم ويرون في الوجود ما لا يتنافى مع التكاليف الشرعية كما أن بين المتصوفة زنادقة إباحية ، وإجراء الكلام في حق الفريقين بمجرى واحد ليس من الإنصاف في شيء وكفى أن ينسب إليهم بعض بدع بدون تسرع في إكفارهم ، وقال العلامة يوسف البحري من أجلّة أصحاب السيد مرتضى الزبيدي فيما علقه على (المجموع في المشهود والمسموع) : إن الواجب له عز الوجوب والعظمة والكبرياء فهو منزّه عن اللواحق المادية والتعطيلات الإلحادية وإن الممكن له ذل الإمكان وحقارة الاحتياج إليه محقور مقهور محتاج إليه تعالى في وجوده وبقائه وجميع أطواره فلا ينقلب الواجب ممكنا ولا الممكن واجبا ، بل الواجب خالق قادر غني والممكن مخلوق عاجز محتاج ، فلا يكون أحدهما عين الآخر ، وهذا بديهي وبه نزلت الكتب السماوية وجاء به الأنبياء والمرسلون ودعوا الناس إلى اعتقاده وقامت عليه البراهين واتحدت كشوف الأولياء مع طريق النظر في هذا المطلب اه ثم شرح كيف يضمحل الوجود الإمكاني في نظر المقبل إلى الله بكليته.
(2) من يعلم هذا البجباج النفاج أنواع التقابل والفرق بين الضدين والنقيضين؟ ومن يفهمه أن الخروج والدخول ضدان لا نقيضان قد يرتفعان عما ليس بجسم بخلاف النقيضين؟.
قال إن قيامه بالنفس أو بالغير باطل إذ ليس يقبلهما إلا جسم أو عرض فكلاكما ينفي الإله حقيقة ما ذا يرد عليه من هو مثله في النفي صرفا والفرق ليس بممكن لك والخصم يزعم أن ما هو قابل لهما كقابل لمكان فافرق أو أعط القوس باريها وخل الفشرة وكثرة الهذيان».
فهذا فشار كبير ممن لا يعرف الضدين ولا النقيضين ولا الإمكان ولا الامتناع ، يا سبحان الله الدخول والخروج نقيضان أو نفي الوصف بهما يزيل الإمكان أو ينفي الإله؟ هذا خلط.
فصل
قال : في سياق هذا الدليل على وجه آخر إن نفي المعطل كون الإله خارج الأذهان بالغ في الكفر وإن أقر ، فإن قال إنه عين الأكوان قال بالاتحاد وجحد ربه ، وإن قال غيرها ، فإن قال الخلق في ذاته أو ذاته فيهم فهو قول النصارى ، وإن قال قائم بنفسه فهو وغيره مثلان أو ضدان أو غيران وعلى التقادير (1) الثلاثة لو لا التباين لم يكن شيئان فلذا قلنا إنكم باب من الاتحاد».
أسمع جعجعة ولا أرى طحنا آخره مطالبة بأن ما ليس في حيز كيف يكون موجودا.
__________________
(1) يلوك لسانه مصطلحات أهل المعقول من غير أن يفهم مرادهم ليظهر عند الحمقى بأنه جامع بين المعقول والمنقول ، فالغيران إذا اشتركا في تمام الماهية فهما مثلان ، وإلا فإن كانا وجوديين أمكن تعقل أحدهما مع الذهول عن الآخر فهما ضدان ، والتباين عندهم باعتبار الصدق أو التحقق لا بمعنى البينونة المفيدة إشغال هذا حيزا غير حيز ذاك ، والحاصل أنه جعل القسم قسيما وحمل التباين على التباعد بالمسافة وإشغال كل حيزا غير حيز الآخر ، وحاول أن يستنتج من الدعوى المجردة ما يدعيه ، ولو كان المسكين درس الطوالع مثلا قبل أن يخوض في هذه المباحث عند عالم كالأصبهاني لما فضح نفسه بهذيان المحمومين ، وحق للمصنف أن يقول في ثرثرة الناظم أسمع جعجعة ولا أرى طحنا. لأن معنى كلام الناظم : إن نفى المعطل الإله في خارج الأذهان فهو كافر ، وإن أقر بوجوده بأن قال إنه عين الكون فهو اتحادي ملحد ، وإن قال إنهما مثلان أو ضدان أو غيران بدون اختلاف في الجهات فهو قائل بالاتحاد أيضا. فيا ترى هل لهذا التخريف من معنى عند أهل البصيرة؟
فصل
نصوص عن ابن تيمية في الفوقية الحسية
قال : «ولقد أتانا عشرة أنواع من المنقول في فوقية (1) الرّحمن مع مثلها أيضا يزيد بواحد ، ها نحن نسردها بلا كتمان».
أخذ هذا الخلف السوء يذكر ما قاله شيخه في كتاب العرش وكأنه المقصود بهذا النظم فإنه أطال فيه.
قال : «هذا ومن عشرين وجها يبطل التفسير ب (استولى) لذي العرفان قد أفردت بمصنف لإمام هذا الشأن بحر العالم (2) الحراني».
__________________
(1) شيخ الناظم يريد بالفوقية الفوقية الحسية كما صرح به فيما رد به على الرازي حيث قال : «إن العرش في اللغة السرير وذلك بالنسبة إلى ما فوقه كالسقف بالنسبة إلى ما تحته ، فإذا كان القرآن جعل لله عرشا وليس هو بالنسبة إليه كالسقف علم أنه بالنسبة إليه كالسرير بالنسبة إلى غيره وذلك يقتضي أنه فوق العرش اه». ومثل هذه الفوقية لا يقول به إلا مجسم ، ونقل البيهقي في مناقب أحمد عن رئيس الحنابلة وابن رئيسها أبي الفضل التميمي أنه قال : «أنكر أحمد على من قال بالجسم وقال : إن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف والله تعالى خارج عن ذلك كله فلم يجز أن يسمى جسما لخروجه عن معنى الجسمية ولم يجيء في الشريعة ذلك فبطل» انتهى.
فالناظم وشيخه متقولان على الشرع وعلى اللغة وعلى إمامهما فضلا عن باقي الأئمة ، عاملهما الله بعدله.
(2) بل هو وارث علوم صابئة حران حقا ، والمستلف من السلف ما يكسوها كسوة الخيانة والتلبيس. وعن هذا الحراني ـ الذي اتخذه الناظم إماما ـ يقول ابن حجر في الدرر الكامنة في ترجمته : «واستشعر أنه مجتهد فصار يرد على صغير العلماء وكبيرهم ، قديمهم وحديثهم ، حتى انتهى إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فخطأ في شيء فبلغ الشيخ إبراهيم الرقى الحنبلي فأنكر عليه فذهب إليه واعتذر واستغفر وقال في حق عليّ كرّم الله وجهه أخطأ في سبعة عشر شيئا ثم خالف فيها نص الكتاب ، منها اعتداد المتوفى عنها زوجها أطول الأجلين ، وكان لتعصبه لمذهب الحنابلة يقع في الأشاعرة حتى إنه سبّ الغزالي فقام عليه قوم كادوا يقتلونه. وذكروا أنه ذكر حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين فقال : كنزولي هذا ، فنسب إلى التجسيم. وافترق الناس فيه شيعا ، منهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكر في العقيدة الحموية التي ردّ عليها ابن جهبل والواسطية وغيرهما من ذلك ، كقوله : إن اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقية لله وإنه مستو على العرش بذاته فقيل له يلزم من ذلك التحيز والانقسام فقال : أنا لا أسلم أن التحيز والانقسام من خواص الأجسام فألزم بأنه يقول بالتحيز في ذات الله تعالى ، ومنهم من ينسبه إلى الزندقة لقوله : إن النبي صلىاللهعليهوسلم لا يستغاث به. لأن في ذلك تنقيصا ومنعا من تعظيم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان أشد الناس عليه في ذلك النور البكري ، فإنه لما عقد له المجلس
__________________
ـ بسبب ذلك ، قال بعض الحاضرين : يعزر فقال البكري : لا معنى لهذا القول فإنه إن كان تنقيصا يقتل وإن لم يكن تنقيصا لا يعزر ، ومنهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في علي كرّم الله وجهه ما تقدم ، ولقوله إنه كان مخذولا حيثما توجه وإنه حاول الخلافة مرارا فلم ينلها وإنما قاتل دون الرئاسة لا للديانة ، وأن عثمان رضي الله عنه كان يحب المال. ولقوله أبو بكر رضي الله عنه أسلم شيخا لا يدري ما يقول وعليّ كرّم الله وجهه أسلم صبيا والصبي لا يصح إسلامه على قول. ونسب قوم إلى أنه كان يسعى في الإمامة الكبرى فإنه كان يلهج بذكر تومرت ويطريه فكان ذلك مؤكدا لطول سجنه وله وقائع شهيرة ، وكان إذا حوقق وألزم يقول لم أرد هذا إنما أردت كذا فيذكر احتمالا بعيدا اه».
والدرر الكامنة من محفوظات دار الكتب المصرية وقد طبعت حديثا بمعرفة دائرة المعارف بحيدرآباد الدكن وليس بين هؤلاء من ذكره بالإمامة والقدوة في الدين ومن اتخذه إماما إنما اتخذه إماما في الزيغ والشذوذ من غير أن يتهيب ذلك اليوم الذي يدعى فيه كل أناس بإمامهم ، فليعتبر بذلك من ظن أن ابن حجر العسقلاني في صف المثنين على إمامته على الإطلاق. وهذا كلام ابن حجر في هذا الزائغ مع أنه لم يطلع على جميع مخازيه. ومن أثنى عليه من أهل السنة في مبدأ أمره قبل انكشاف الستر عن بدعه الطامة إنما أثنى عليه تشجيعا له على العلم لما كانوا يرون فيه في مبدأ نشأته من القابلية للعلم كما كانوا يفعلون مثل ذلك مع كل ناشئ لكن لما تشعبت هموم ابن تيمية وتوزعت مواهبه في مختلف الأهواء وضاع صوابه بين أمواج البدع التي ارتضاها لنفسه تراجع كل من أثنى عليه من هؤلاء على توالي فتنه بين الأمة وتعاقب أهوائه المخزية وانقلبوا ضده ، ولو لا مغامراته في شتى العلوم التي يكفي واحد منها ليختص فيه أذكى العلماء لربما برع في علم يتفرغ له بعزيمة صادقة لكن جنى على نفسه بتشتيت مساعيه وراء أهواء بشعة فأصبح في موضع هزء البارعين كلما اختبروه في علم من العلوم التي يدعي الإمامة فيها ومن أمثلة ذلك أن صفي الدين الأرموي المشهور كان طويل النفس في التقرير إذا شرع في وجه يقرره لا يدع شبهة ولا اعتراضا إلا وقد أشار إليه في التقرير بحيث لا يتم التقرير إلا ويعز على المعترض مقاومته ، وكان حضر حينما جمعت العلماء لأجل النظر في المسألة الحموية ، ولما عقد المجلس لأجل امتحان ابن تيمية عما أورده في الحموية أخذ الصفي الأرموي يقرر المسألة على طريقته البارعة ليقطع الطرق على ابن تيمية من جميع الوجوه فبدأ ابن تيمية يعجل عليه على عادته ويخرج من شيء إلى شيء على أمل أن ينفق عليه تشغيبه لكن سقط في يده حيث قال له الصفي الأرموي : ما أراك يا بن تيمية إلا كالعصفور حيث أردت أن أقبضه من مكان يفر إلى مكان آخر اه. وما ابن تيمية في نظر مثل الأرموي إلا كعصفورة في العلم وإن اتخذه الجهلة الأغرار إماما بأن نبذوا الأئمة المتبوعين وراء ظهورهم حيث راجت عليهم ثرثرته الفارغة ، ولا غرو فإن كل ساقطة لاقطة والطير على أشكالها تقع.
والمسألة الحموية هذه تتضمن القول بالجهة وحبس ابن تيمية بعد هذا المجلس بسبب هذه المسألة ونودي عليه في البلد وعلى أصحابه وعزلوا من وظائفهم ، وهذه المسألة هي التي ردّ عليها العلامة ابن جهبل ردا مشبعا ، وقد علمت بذلك قيمة علم ابن تيمية عند البارعين من أهل العلم. وهاهنا لا بد من التنبيه على شيء وهو أني كنت كتبت فيما علقت على دفع الشبه لابن
قول أبي حيان في ابن تيمية
المصنف المذكور هو كتاب العرش لابن تيمية (1) وهو من أقبح كتبه ، ولما
__________________
ـ الجوزي في (ص 47) : (بل يروي عن نفسه أعني ابن تيمية) أنه نزل درجة وهو يخطب على المنبر في دمشق وقال : «ينزل الله كنزولي هذا» على ما أثبته ابن بطوطة من مشاهداته في رحلته. وقال الحافظ ابن حجر في (الدرر الكامنة) : ذكروا أنه ذكر حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين فقال : «كنزولي هذا» فنسب إلى التجسيم اه. وهنا انتهى ما علقته على الموضع المذكور.
وأما ما زاد على ذلك وهو : «ويقول بعض علماء دمشق بأنه رأى هذه الخطبة في مخطوط قديم بزيادة (لا) قبل (كنزولي) والله أعلم. فزيادة منة الأستاذ الناشر اعتمادا على ما سمعه من الشيخ بدران الدوماني كأنه لم يكن يعرف مبلغ اجترائه على المجازفات وإرسال الكلام بدون ميزان ولم تكن الجماعة تعتقد أن نزول الله كنزول ابن تيمية حتى يكون لهذا الكلام معنى ما ولأجل ما زيد في كلامي هنا نكت الشيخ خضر الشنقيطي رحمهالله على في (استحالة المعية) وأنا بريء من تلك الزيادة ، سامحه الله.
صيغة استتابة ابن تيمية في الاستواء والصوت
وخطوط كبار العلماء
(1) وقد استتيب مرات في أمور خطرة وهو ينقض مواثيقه وعهوده في كل مرة وأوردت هنا صورة من صيغ استتابته كما هي مسجلة في (نجم المهتدي) لتكون عبرة للمعتبر وهي هذه :
«الحمد لله. الذي أعتقده أن القرآن معنى قائم بذات الله وهو صفة من صفات ذاته القديمة الأزلية وهو غير مخلوق وليس بحرف ولا صوت وليس هو حالا في مخلوق أصلا ، لا ورق ولا حبر ولا غير ذلك ، والذي أعتقده في قوله تعالى (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5)) [طه : 5] أنه على ما قال الجماعة الحاضرون وليس على حقيقته وظاهره ، ولا أعلم كنه المراد به ، بل لا يعلم ذلك إلا الله ، والقول في النزول كالقول في الاستواء أقول فيه ما أقول فيه ، لا أعرف كنه المراد به بل لا يعلم ذلك إلا الله وليس على حقيقته وظاهره كما قال الجماعة الحاضرون ، وكل ما يخالف هذا الاعتقاد فهو باطل ، وكل ما في خطي أو لفظي مما يخالف ذلك فهو باطل ، وكل ما في ذلك مما فيه إضلال الخلق أو نسبة ما لا يليق بالله إليه فأنا بريء منه ، فقد برئت منه وتائب إلى الله من كل ما يخالفه. كتبه أحمد بن تيمية ، وذلك يوم الخميس سادس شهر ربيع الآخر سنة سبع وسبعمائة.
وكل ما كتبته وقلته في هذه الورقة فأنا مختار في ذلك غير مكره. كتبه أحمد بن تيمية حسبنا الله ونعم الوكيل».
وبأعلى ذلك بخط قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة ما صورته : اعترف عندي بكل ما كتبه بخطه في التاريخ المذكور ، كتبه محمد بن إبراهيم الشافعي. وبحاشية الخط : أعترف بكل ما كتب بخطه ، كتبه عبد الغني بن محمد الحنبلي ، وبآخر خط ابن تيمية رسوم شهادات هذه صورتها : كتب المذكور بخطه أعلاه بحضوري واعترف بمضمونه ، كتبه أحمد بن الرفعة.
وقف عليه الشيخ أبو حيان (1) ما زال يلعنه حتى مات بعد أن كان يعظمه. قال :
__________________
ـ صورة خط آخر : أقر بذلك ، كتبه عبد العزيز النمراوي.
صورة خط آخر : أقر بذلك كله بتاريخه ، علي بن محمد بن خطاب الباجي الشافعي.
صورة خط آخر : جرى ذلك بحضوري في تاريخه ، كتبه الحسن بن أحمد بن محمد الحسيني.
وبالحاشية أيضا ما مثاله : كتب المذكور أعلاه بخطه واعترف به ، كتبه عبد الله بن جماعة.
مثال خط آخر : أقر بذلك وكتبه بحضوري ، محمد بن عثمان البوريجي.
وكل هؤلاء من كبار أهل العلم في ذلك العصر ، وابن الرفعة وحده له (المطلب العالي في شرح وسيط الغزالي) في أربعين مجلدا وفي ذلك عبر. ولو لا أن ابن تيمية كان يدعو العامة إلى اعتقاد ضد ما في صيغة الاستتابة هذه بكل ما أوتي من حول وحيلة لما استتابه أهل العلم بتلك الصيغة وما اقترحوا عليه أن يكتب بخطه ما يؤاخذ به إن لم يقف عند شرطه ، وبعد أن كتب تلك الصيغة بخطه توج خطه قاضي القضاة البدر ابن جماعة بالعلامة الشريفة وشهد على ذلك جماعة من العلماء كما ذكرنا ، وحفظت تلك الوثيقة بالخزانة الملكية الناصرية ، لكن لم تمض مدة على ذلك حتى نقض ابن تيمية عهوده ومواثيقه ، كما هي عادة أئمة الضلال ، وعاد إلى دعوته الضالة ورجع إلى عادته القديمة في الإضلال وكم له من فتن في مختلف التواريخ في سني 698 و 705 و 718 و 721 و 722 و 726 وهي مدوّنة في كتب التواريخ وفي كتب خاصة ، ومجرد تصور شواذه التي ألممنا ببعضها في هذا الكتاب يدل المسترشد المنصف على ما ينطوي عليه من الزيغ وإضلال الأمة ، والله سبحانه ينتقم منه.
والغريب أن أتباع هذا الرجل يسيرون وراءه ويتشبهون به في إثارة القلاقل والفتن بين الأمة بمواجهتها بالحكم على أفرادها بالشرك والزيغ والكفر وعبادة الأوثان والطواغيت ، يعنون أحباب الله الأنبياء والأولياء يقولون إن من يزورهم يكون عابد الأوثان والطواغيت ومن هذا الطراز في زمننا كثير نراهم بأعيننا ونسمعهم بآذاننا ، طهّر الله الأرض منهم وأراح العباد من شرهم.
(1) قال أبو حيان الأندلسي الحافظ في تفسير قوله تعالى (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [البقرة : 255] وقد قرأت في كتاب لأحمد بن تيمية هذا الذي عاصرناه وهو بخطه سماه كتاب العرش «إن الله يجلس على الكرسي وقد أخلى مكانا يقعد معه فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، تحيل عليه محمد بن عبد الحق وكان من تحيله أنه أظهر أنه داعية له حتى أخذ منه الكتاب وقرأنا ذلك فيه» كما ترى في النسخ المخطوطة من تفسير أبي حيان وليست هذه الجملة بموجودة في تفسير الحبر المطبوع ، وقد أخبرني مصحح طبعه بمطبعة السعادة أنه استفظعها جدا وأكبر أن ينسب مثلها إلى مسلم فحذفها عند الطبع لئلا يستغلها أعداء الدين ، ورجاني أن أسجل ذلك هنا استدراكا لما كان منه ونصيحة للمسلمين.
وقد علمت العواتق في خدورهن حكاية هجر أبي حيان لابن تيمية لهذا السبب بعد أن كان تسرع في إطرائه ، وإطراؤه مدوّن في الرد الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي وأما تقول بعض المداهنين بأنه إنما كان هجره لوقوعه في سيبويه حيث قال : أكان سيبويه نبي النحو وقد غلط في كيت وكيت. فرجم بالغيب أما تصريح أبي حيان صاحب القصة ، نعم هذا تهور وقلة أدب من ابن تيمية وما هي قيمة نحوه في جانب استبحار سيبويه وأبي حيان في النحو ، وإن كان لكل إمام غلطات معدودة في علمه لكن وقوعه في سيبويه في جنب الوقوع في الله سبحانه ليس
«منها استوى (1) في سبع آيات بغير لام ولو كانت بمعنى استولى لجاءت في موضع».
وهذا الذي قاله ليس بلازم فالمجاز قد يطرد وحسنه أن لفظ استوى أعذب وأخصر وليس هذا من الاطراد الذي يجعله بعض الأصوليين من علامة الحقيقة ، فإن ذلك هو الاطراد في جميع موارد الاستعمال والذي حصل هنا اطراد استعمالها في آيات فأين أحدهما من الآخر ، ثم إنّ استوى وزنه افتعل فالسين فيه أصلية واستولى وزنه استفعل فالسين فيه زائدة ومعناه من الولاية فهما مادتان متغايرتان في اللفظ والمعنى ، والاستيلاء قد يكون بحق وقد يكون بباطل والاستواء لا يكون إلا بحق والاستواء صفة للمستوي في نفسه بالكمال والاعتدال ، والاستيلاء صفة متعدية إلى غيره فلا يصح أن يقال استولى حتى يقول على كذا ، ويصح أن يقول استوى ويتم الكلام ، فلو قال استولى لم يحصل المقصود ، ومراد المتكلم الذي يفسر الاستواء بالاستيلاء التنبيه على صرف اللفظ عن الظاهر الموهم للتشبيه واللفظ قد يستعمل مجازا في معنى لفظ آخر ويلاحظ معه معنى آخر في لفظ المجاز لو عبر عنه باللفظ الحقيقي لاختل المعنى وقد يريد المتكلم أن الاستواء من صفات الأفعال كالاستيلاء المتمحض للفعل من كل وجه ويكون السبب في لفظة الاستواء عذوبتها واختصارها فقط دون ما ذكرناه ولكن ما ذكرناه أحسن وأمكن مع مراعاة معنى الاستيلاء. وانظر قول الشاعر :
قد استوى قيس على العراق
من غير سيف ودم مهراق
__________________
ـ بشيء مذكور فحمل هجره الدائم على خلاف ما ذكره الهاجر ليس شأن من يخاف الله ، ويتوخى مراضيه. بل ذلك شأن المخدوعين المفتونين.
(1) ويقال لهذا المتعلم بل لو كان (استوى) بمعنى (جلس) لأتى لفظ (جلس) في أحد المواضع السبعة.
ومما يقصر المسافة في الرد على الحشوية التي تدعي التمسك بالظاهر أن قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى) [البقرة : 29] صيغة فعل مقرونة بما يدل على التراخي وذلك يدل على أن الاستواء فعل له تعالى متقيد بالزمن وبالتراخي شأن سائر الأفعال وعدّ ذلك صفة إخراج للكلام عن ظاهره وهذا ظاهر جدا ولم يرد (المستوى) في عداد أسماء الله الحسنى لا في الكتاب ولا في السنة حتى يصح إطلاقه على الذات العلية على أن يكون صفة أو علما. وقد أجمعت الأمة على أن الله تعالى لا تحدث له صفة فلا مجال لعد ذلك صفة وقد ذكرت وجه حسن الاستعارة التمثيلية في الآية (في لفت اللحظ إلى ما في الاختلاف في اللفظ) ولعل القارئ المنصف يكاد يعد ذلك متعينا ولا حاجة إلى إعادة من هناك ، فليراجع ثمت.
ولو أتى بالاستيلاء لم يكن له هذه الطلاوة والحسن ، والمراد بالاستواء كمال الملك هو مراد القائلين بالاستيلاء ، ولفظ الاستيلاء قاصر عن تأدية هذا المعنى ، فالاستواء في اللغة له معنيان أحدهما استيلاء بحق وكمال فيفيد ثلاثة معان ولفظ الاستيلاء لا يفيد إلا معنى واحدا ، فإذا قال المتكلم في تفسير الاستواء الاستيلاء مراده المعاني الثلاثة وهو أمر يمكن في حق الله سبحانه وتعالى فالمقدم على هذا التأويل لم يرتكب محذورا ولا وصف الله تعالى بما لا يجوز عليه والمفروض المنزه لا يقدم على التفسير بذلك لاحتمال أن يكون المراد خلافه وقصور أفهامنا عن وصف الحق سبحانه وتعالى مع تنزيهه عن صفات الأجسام قطعا ، والمعنى الثاني للاستيلاء في اللغة الجلوس والقعود ، ومعناه مفهوم من صفات الأجسام لا يعقل منه في اللغة غير ذلك والله تعالى منزّه عنها ، ومن أطلق القعود وقال إنه لم يرد صفات الأجسام قال شيئا لم تشهد به اللغة فيكون باطلا وهو كالمقر بالتجسم (1) المنكر له فيؤاخذ بإقراره ولا يفيد إنكاره واعلم أن الله تعالى كامل الملك أزلا وأبدا ، ولكن العرش وما تحته حادث ، فإن قوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الأعراف : 54] لحدوث العرش لا لحدوث الاستواء.
فصل
قال : «وثانيها لفظ العلي والأعلى (2) والعلو بمطلقه عام ونفيه نقص وعلوه فوق
__________________
(1) والإقرار بتجويز الجسمية بكل صراحة موجود في كلام شيخه فيما ردّ به على الفخر الرازي كما سبق ، بل لصاحب الفرج بعد الشدة الشيخ محمد المنبجي الحنبلي من أخص تلاميذ الناظم رسالة في الرد على من ينفي المماسة بكل وقاحة ، وما تخفي صدور هؤلاء أكبر فالمؤمن الرشيد يجب عليه أن يتوقى من الوقوع في هاويتهم والمسألة مسألة كفر وإيمان وسننقل نصوصا من الكتابين المذكورين في مواضع تحذيرا للمغترين.
(2) العلو ومشتقاته من صفات التنزيه تعالى الله عما يصف به المجسمة ، والحمل على علو المكان نزعة وثنية ، قال ابن تيمية في التأسيس : «والباري سبحانه وتعالى فوق العالم فوقية حقيقية ليست فوقية الرتبة كما أن التقدم على الشيء قد يقال إنه بمجرد الرتبة كما يكون بالمكان مثل تقدم العالم على الجاهل وتقدم الإمام على المأموم فتقدم الله على العالم ليس بمجرد ذلك بل هو قبلية حقيقية وكذلك العلو على العالم قد يقال إنه يكون بمجرد الرتبة كما يقال العالم فوق الجاهل وعلو الله على العالم ليس بمجرد ذلك بل هو عال عليه علوا حقيقيا وهو العلو المعروف والتقدم المعروف اه». فهل يشك عاقل أن ابن تيمية يريد بذلك الفوقية الحسية والعلو الحسي ، تعالى الله عما يأفكون ، واستعمال العلو ومشتقاته في اللغة العربية بمعنى علو الشأن في غاية من الشهرة رغم تقول المجسمة.
الخليقة كلها فطرت عليه الخلق» فيقال أسماء الله قديمة فإن لزم من العلى والأعلى كونه فوق جسم لزم قدم العالم والذي فطرت عليه والبديهة التعظيم إلى أعلى غاية.
فصل
كلمة ابن تيمية في العلو والفوقية والرد عليه
قال : «وثالثها صريح الفوق (1) مصحوبا بمن وبدونها أحدهما قابل للتأويل والأصل الحقيقة والمجرور لا يقبل التأويل وأصح لفائدة جليل قدرها إن الكلام إذا أتى بسياقه يبدي المراد أضحى كنص قاطع».
فيقال المجرور أولى بالتأويل لأن قوله تعالى : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) [النّحل :
50] يحتمل أن المراد خوفا من فوقهم وليس في سياق الكلام ما يبدي المراد الذي ادعاه فأين الفائدة؟ والفوقية بمعنى القهر وعلو القدر متفق عليها والجهة هي عين النزاع ويلزم منها قدم الجهة.
فصل
قال : «ورابعها عروج الروح والملائكة في سورتي السجدة والمعارج قالوا هما بزمان وعندي يوم واحد عروجهم فيه إلى الديّان فالألف مسافة نزولهم وصعودهم إلى السماء الدنيا والخمسون ألف من العرش إلى الحضيض الأسفل».
فيقال له في الآيتين (إِلَيْهِ) [البقرة : 178] فعلى قوله يكون الله في مكانين أحدهما في السطح التحتاني من السماء الدنيا لأنه نهاية الألف والثاني في العرش ثم إن المسافة
__________________
(1) ينص شيخه في كتابه المذكور على أن المراد بالفوقية الفوقية الحسية فكأنه لم يتل في كتاب الله (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح : 10] و (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) [يوسف : 76] والمراد بالفوقية فوقية العزة والقهر والتنزه. «والله فوق ذلك» في حديث الترمذي بمعنى أنه يعلو عن مدارك البشر بدليل ما في سنن الترمذي أيضا من حديث «لو دليتم» قال ابن جهبل : الفوقية ترد لمعنيين : أحدهما نسبة جسم إلى جسم بأن يكون أحدهما أعلى والآخر أسفل بمعنى أن أسفل الأعلى من جانب رأس الأسفل ، وهذا لا يقول به من لا يجسم ، وثانيهما بمعنى المرتبة كما يقال الخليفة فوق السلطان والسلطان فوق الأمير ، وكما يقال : جلس فلان فوق فلان والعلم فوق العمل والصياغة فوق الدباغة. قال تعالى : (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) [الزّخرف : 32] ولم يطلع أحدهم فوق أكتاف الآخر وقال تعالى عن القبط : (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) [الأعراف : 127] وما ركبت القبط أكتاف بني إسرائيل ولا ظهورهم اه. فظهر بذلك بطلان التمسك بكلمة فوق في الآيات والأحاديث في إثبات الجهة له تعالى الله عن مزاعم المجسمة.
إذا فصلت على أن بين السماء والأرض خمسمائة عام وكذا ثخانة كل سماء وما بين كل سماء وسماء لا يبلغ هذا المقدار وهذا لا يتعلق بغرضنا ، والمتعلق بغرضنا إلزامه بظاهر قوله : (إِلَيْهِ) [البقرة : 178] مع التزامه أن الغاية في المكان وكون ما بين السماء والأرض خمسمائة عام روي بطرق ضعيفة وفي الترمذي من رواية العباس في حديث الأوعال إما واحدة وإما اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة وهو يوافق قول أهل الهيئة وهذا يرجح أنهما يومان : أحدهما في الدنيا إلى العرش ألف سنة والثاني يوم القيامة خمسون ألف سنة من الشدة وقد جاء أن في الجنة مائة درجة بين كل درجتين مائة عام في رواية وفي رواية كما بين السماء والأرض (وكلاهما في الترمذي والفردوس أعلى الجنة وفوقه العرش فهذه المسافة أكثر من عشرة آلاف سنة) (1).
فصل
قال : «وخامسها صعود كلامنا (2) والصدقة والحفظة والسعي والمعراج (3) وعيسى وروح المؤمنين ودعاء المضطر ودعاء المظلوم».
وقال في المعراج : «وقد دنا منه إلى أن قدرت قوسان».
وقد علم كل واحد اختلاف المفسرين في قوله تعالى : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (
) [النّجم : 8] فكيف يستدل به وعيسى في السماء الرابعة ليس على العرش ، ورفع الصدقة والكلام وشبههما من المعاني ليس بالانتقال من مكان إلى مكان لأن المعاني لا تنتقل.
فصل
حديث النزول
قال : «وسادسها وسابعها النزول (4) والتنزيل».
__________________
(1) ما بين القوسين في هامش الأصل.
(2) قال ابن جهبل : الصعود كيف يكون حقيقة في الكلام؟ مع أن الصعود في الحقيقة من صفات الأجسام فليس المراد إلا القبول اه وهذا ظاهر جدا.
(3) قال ابن جهبل : لم يرد في حديث المعراج أن الله فوق السماء أو فوق العرش حقيقة ولا كلمة واحدة من ذلك وهو لم يسرد حديث المعراج ولا بين وجه الدلالة منه حتى نجيب عنه فلو بين وجه الدلالة لعرفنا كيف الجواب اه.
(4) قاتل الله الجهل ، ما أفتكه ، فمن الذي يجهل استمرار الثلث الأخير من الليل في البلاد باختلاف