الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
اهل البيت
المواضيع الأخيرة
» المحكم في أصول الفقه [ ج2
ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyاليوم في 10:46 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» المحكم في اصول الفقه ج3
ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyاليوم في 8:41 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» المحكم في أصول الفقه [ ج4
ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyاليوم في 7:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» الصحيفه السجاديه كامله
ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyأمس في 9:49 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد [ ج ١ ]
ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyأمس في 3:11 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه
ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyأمس في 2:36 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» قاعدة لا ضرر ولا ضرار
ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyأمس في 8:51 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول المبين
ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:46 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» ------التقيه
ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:37 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     ترجمة بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Empty
    مُساهمةموضوع: ترجمة بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري   ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyالثلاثاء أكتوبر 15, 2024 11:11 pm

    بسم الله الرّحمن الرّحيم
    ترجمة السبكي
    هو : علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري الخزرجي أبو الحسن تقي الدين شيخ الإسلام في عصره ، وأحد الحفّاظ المفسرين المناظرين ، وهو والد التاج السبكي صاحب الطبقات.
    مولده : ولد في «سبك من أعمال المنوفية» سنة 683 ه‍ ـ 1284 م.
    رحلاته العلمية : انتقل من سبك إلى القاهرة ، ثم إلى الشام وولي قضاء الشام سنة 739 ه‍ واعتل فعاد إلى القاهرة فتوفي فيها.
    من تصانيفه : «الدر النظيم في التفسير ـ لم يكمله» ، «مختصر طبقات الفقهاء» ، «إحياء النفوس في صنعه إلقاء الدروس» ، «الإغريض في الحقيقة والمجاز والكنية والتعريض» ، «التمهيد فيما يجب فيه التحديد ـ ط. في المبايعات والمقاسمات والتمليكات وغيرها» ، «السيف الصقيل ـ ط. رأيته بخطه في 25 ورقة في المكتبة الخالدية بالقدس في الرد على قصيدة نونية تسمى الكافية في الاعتقاد منسوبة إلى ابن القيم» ، «المسائل الحلبية وأجوبتها ـ خ. في فقه الشافعية» ، «السيف المسلول على من سبّ الرسول ـ خ» ، «مجموع فتاوى ـ ط» ، «شفاء السقام في زيارة خير الأنام ـ ط» ، و «الابتهاج في شرح المنهاج ـ فقه». ورأيت مجموعة ـ خ ـ بخطه في مجلد ضخم تشتمل على رسائل كثيرة له ، منها : الأدلة في إثبات الأهلة ، والاعتبار ببقاء الجنة والنار ، وفتاوى وغير ذلك. ورأيت مجموعة أخرى كلها بخطه «في الرباط 6 ، 3 أوقاف» تشتمل على تسع رسائل منها : المجاورة والنشاط في المجاورة والرباط .. الخ وقد استوفي ابنه تاج الدين أسماء كتبه ، وأورد ما قاله العلماء في وصف أخلاقه ، وسعة علمه.
    وفاته : توفي بالقاهرة سنة 56 / 1 ه‍ ـ 1355 م (1).
    __________________
    (1) انظر : الأعلام للزركلي 4 / 2 ، 3 طبعة : دار العلم للملايين ـ بيروت ، الخطط التوفيقية لابن المبارك 12 / 7 طبعة : الأميرية ببولاق سنة 1305 ه‍ ، غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري 1 / 551 طبعة : السعادة بمصر سنة 1933 ، الدرر الكامنة 3 / 63 ـ 64 الطبعة الأولى ـ الهند سنة 1349 ه‍ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6 / 42 ـ 44 طبعة عيسى الحلبي الأولى سنة 1386 ه‍ ـ سنة 1967 م ، 5 / 366 ـ 368 نفس الطبعة.


    التعريف بكتاب
    «السيف الصقيل»
    في أثناء القرن السابع الهجري رحل من حران إلى الشام بيت علم وفضل ، خوفا على أنفسهم من التتر واستوطنوا دمشق. وكان منهم طفل صغير من مواليد حران حمله أبوه معه فيما حمل من أهله ، فألحقه بمدرسة من مدارس دمشق. ذلك الصغير ، هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام المعروف بابن تيمية. وعبد السلام كان من خيرة العلماء ، له في مذهب أحمد تصانيف ، وله منتقى الأخبار الذي شرحه الشوكاني وأسماه : نيل الأوطار. فأقبل ذلك الصغير على العلم وظهرت عليه مخايل الذكاء ، وتفقه في مذهب أحمد كأسرته الحنابلة ، وقرأ في كثير من الفنون والعلوم ، وظهرت عليه مخايل الذكاء ، واشتهر بجودة الحفظ وقوة الذاكرة ، وتصدّر للفتيا وإلقاء الدروس في سن مبكرة ، وظهرت عليه آثار النسك والعبادة ، فأحبته العامة وأثنت عليه الخاصة ، وبالغ في الدعاء إلى السنة ومجانبة البدعة. وقد آنس من نفسه قوة ذهن وشدة عارضة فلم يحفل بالرجوع إلى شيوخ الوقت وأكابره ، ورفعت إليه الأسئلة والاستفتاءات ، فأجاب وأفتى ، وهو مرموق في كل ذلك بعين التجلّة من الجميع. حتى إذا قارب سن الأربعين سن الكمال عادة ، بدأ النقص يظهر فيه ، فبدأ يسير على طريق الكرامية والحشوية (1) ، ويحيي بدعة القول بالجهة والمكان والأجزاء لله.
    __________________
    (1) وهناك صورة مجملة عن الكرامة والحشوية ، حتى تستبطن حقيقتها ، وتختبر عودها ، وتنظر في أصلهما فيحكي لنا الإيجي أنهما فرعان لشجرة حنظل واحدة ، هي شجرة التشبيه. تشبيه الخالق بالمخلوق. وإن اختلفوا في طريقته فمنهم مشبهة غلاة الشيعة ومنهم مشبهة الحشوية كمضر وكهمس والهجيمي ومنهم مشبهة الكرامية أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام. ويؤكد الرازي على أن اليهود أكثرهم مشبهة. وأن ظهور التشبيه في الإسلام قد بدأ من الروافض مثل بيان بن سمعان الذي كان يثبت لله تعالى الأعضاء والجوارح ، وهشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقي ، ويونس بن عبد الرّحمن القمي ، وأبو جعفر الأحوال الذي كان يدعى شيطان الطاق. وهؤلاء رؤساء علماء الروافض ، ثم تهافت في ذلك المحدثون ممن لم يكن لهم نصيب من علم المعقولات.

    وقيام الحوادث من الصوت وغيره بذاته تعالى. وأخذ يشيع أن القول بذلك هو الإسلام والإيمان والدين والتوحيد ، وأن ذلك هو مذهب أحمد بن حنبل (1) وأن من
    __________________
    ـ ويصور لنا الشهرستاني بعض معتقداتهم ، وبعد أن يورد أصولهم فيقول : إن جماعة من الشيعة الغالية ، وجماعة من أصحاب الحديث الحشوية صرحوا بالتشبيه مثل : الهشاميين من الشيعة. ومثل مضر ، وكهمس ، وأحمد الهجمي وغيرهم من الحشوية. قالوا : معبودهم على صورة ذات أعضاء وأبعاض ويجوز عليه الانتقال والنزول والصعود والاستقرار والتمكن. وأما مشبهة الحشوية ، فحكى الأشعري عن محمد بن عيسى أنه حكى عن مضر ، وكهمس ، وأحمد الهجيمي : أنهم أجازوا على ربهم الملامسة والمصافحة. وأن المسلمين المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة. وحكى عن داود الجواربي أنه قال : اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك. وقد أورد كثيرا من هذه المعتقدات الفاسدة الأشعري في مقالاته ، وكذا البغدادي في فرقه ... ثم إن الإمام الرازي رتب فرقهم الخمسة هكذا : 1 ـ الحكمية : وهم أصحاب هشام بن الحكم. 2 ـ الجواليقية : أتباع هشام بن سالم الجواليقي الرافضي. 3 ـ اليونسية : أتباع يونس بن عبد الرّحمن القمي. 4 ـ الشيطانية : أتباع شيطان الطاق. 5 ـ الحوارية أصحاب داود الحواري. وكذا أورد طوائف الكرامية وقال : وأقربهم الهيصمية وفي الجملة ، فهم كلهم يعتقدون أن الله تعالى جسم وجوهر ومحل للحوادث ، ويثبتون له جهة ومكانا. ونقول : والحشوية ـ كما سبق ـ من أهل الحديث الذين تمسكوا بظواهر الأحاديث التي تشعر بالتشبيه ، وسبب تسميتهم بهذا الاسم كما يقول الكوثري ـ في مقدمته على تبين كذب المفتري ـ : أن الحسن البصري كان يلازم مجلسه نبلاء أهل العلم ، وقد حضر مجلسه يوما أناس من رعاع الرواة. ولما تكلموا بالسقط عنده قال : ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة أي جانبها ، فسموا الحشوية. ومنهم أصناف المجسمة والمشبهة. والحشوية بفتح الشين ويصح إسكانها ، لقولهم بالتجسيم ، لأن الجسم محشو.
    انظر : مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري ، الملل والنحل للشهرستاني ج 1 / 105 ، الفرق بين الفرق للبغدادي ص 65 ، والموافق للإيجي ص 429 ، اعتقاد فرق المسلمين والمشركين للفخر الرازي ص 97 ـ 101 ، تبين كذب المفتري لابن عساكر الدمشقي ص 11.
    (1) يقول الرازي : اعلم أن جماعة من المعتزلة ينسبون التشبيه إلى الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين. وهذا خطأ. فإنهم منزهون في اعتقادهم عن التشبيه والتعطيل ، ولكنهم كانوا لا يتكلمون في المتشابهان مع جزمهم بأن الله تعالى لا تشبيه له وليس كمثله شيء. وأقول بعد ذلك : فلا يخدعنك عن دينك قول من يقول : إن كل حنبلي مجسم ، فتظن أن الإمام أحمد كان هو أو فقهاء أتباعه كذلك ـ فالمجسمة إن كانوا حنابلة ففي الفروع لا في الأصول ـ وقد روى الإمام أبو الفضل التميمي شيخ الحنابلة ، والحافظ ابن الجوزي وغيرهما من أعيان المذهب عن الإمام أحمد ما عليه الجماعة من تنزه الحق عن الجسمية ولوازمها. روى البيهقي في مناقب الإمام أحمد بسنده عن أبي الفضل أنه قال : «أنكر أحمد على من قال بالجسم وقال : إن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة. وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف. والله تعالى خارج عن ذلك كله فلم يجز أن يسمى جسما لخروجه عن معنى الجسمية. ولم يجيء في الشريعة ذلك فبطل».

    خالف ذلك فهو معطل ملحد عدو للدين منابذ للإسلام والمسلمين ، فأحيا بذلك بدعة الحشو بعد ما ماتت أو كادت ، حتى لقد رآه ابن بطوطة ـ في بعض رحلاته ـ يخطب على المنبر ، وتلا حديث النزول ثم قال : ينزل كنزولي هذه ونزل درجة ، فأنكر عليه بعض الحاضرين ، فهاج العامة على المنكر وضربوه ضربا شديدا. بل لقد تعصب له بعض الحنابلة أولا ، حتى إذا استطار ، في الناس ضرره جعلوا يوجهون إليه النصائح بالمشافهة والمكاتبة. وحسبك نصحة الحافظ الذهبي له ـ وهي مثبتة في ذيل تكملة السيف الصقيل الذي بين يديك ـ وهو شيخ الحنابلة والحديث ـ وكان قبل ذلك يكثر الثناء عليه بل يطريه ـ فيقول : «كان سيف الحجاج ولسان ابن حزم شقيقين فواخيتهما» ثم قال : إن سلم لك إيمانك بالشهادتين فأنت سعيد ... الخ وستأتيك بتمامها». ونقول : لقد برع في الاحتيال لنشر آرائه المخالفة للمعقول والمنقول ، وبرز في نصر بدع الكرامية ، وإحياء ما اندرس من شبههم وشبه غيرهم ، وترى ذلك في منهاجه الذي يرد به على الروافض وفي الحقيقة لقد خالف فيه منهاج السنة ، فأثبت بأنه لا أول للحوادث وأنه لا ابتداء لها ، وأن ذلك هو مذهب الصحابة والتابعين ، وتراه مع ذلك .. في تناقض واضح ـ ينقل خلاف الصحابة والتابعين في أول مخلوق ، هل هو العرش أو القلم أو الماء؟!! وفي صفحة واحدة دون خالجة من الخجل!!
    وله في ثلب الكرام طريق غريبة ماكرة ، تجد ذلك في كيديه للانتصار للأئمة الأربعة وإن حفل نصفه الأول بالثناء عليهم فقد انسرب مكره بهم في النصف الثاني تمهيدا لجرأة العامة عليهم وكذلك كان صنيعه مع إمامي أهل السنة أبي الحسم الأشعري وأبي منصور الماتريدي. ولا عليك فإن جاءك خلاف بين الأشاعرة والحنابلة فلا تشك أنه هو وأتباعه فقط. ولم يسلم من لسانه إمام من أئمة أهل السنة فارجع إلى موافقة معقولة تجده قد وقع في إمام الحرمين وحجة الإسلام الغزالي ووصفهما بأنهما أشد كفرا من اليهود والنصارى!! .. ولكن هل تركه علماء عصره على هذه الضلالات؟ ونبادر إلى القول بأن علماء عصره على اختلاف مذاهبهم قد تصدوا له ، فهذا هو علامة عصره تقي الدين الحصني في كتابه «دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى الإمام أحمد» يقول : أخبرنا أبو الحسن على الدمشقي عن أبيه قال : «كنا جلوسا في مجلس ابن تيمية ، فذكر ووعظ وتعرض لآيات الاستواء ثم قال : واستوى الله على عرشه كاستوائي هذا : قال : فوثب الناس عليه وثبة واحدة وأنزلوه من الكرسي ، وبادروا إليه ضربا باللكم والنعال .. حتى أوصلوا إلى بعض الحكام واجتمع

    في ذلك المجلس العلماء فشرع يناظرهم فقالوا : ما الدليل على ما صدر منك؟ فذكر آية الاستواء فضحكوا منه ، وعرفوا أنه جاهل ...» وكان الإمام العلامة شيخ الإسلام في زمانه أبو الحسن علي بن إسماعيل القونوي يصرح بأنه من الجهلة بحيث لا يعقل ما يقول. ونقل عن صلاح الدين الكتبي ويعرف بالتريكي في الجزء العشرين من تاريخه ما قام به العلماء في جهاد هذا الرجل. وذكر قبل ذلك صورة المرسوم الذي أصدره السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، وذكره أيضا العلامة الكوثري بنصه. ناقلا له مما رآه بنفسه من خط ابن طولون في تكملته للسيف الصقيل. ومع هذا فقد ترك بعد موته أئمة ابتداع عبّوا من حياضه الآسنة وعلى رأسهم الإمام ابن رفيل الشهير بابن القيم ـ وكان أبوه قيم المدرسة الجوزية ولذلك يقولون أحيانا : ابن قيم الجوزية ، يعنون بها تلك المدرسة ـ كان أتبع لشيخه ابن تيمية من ظله ، وقد أفنى عمره في خدمة بدع أستاذه بفنون من التلبيس ، فيؤلف في السيرة النبوية ، وفي الفوائد الصوفية وفي المواعظ ، ويدس في خلال ذلك من حشو شيخه وأضاليله ما استطاع ثم يعود إلى ما يعرفه العلماء ، وكثيرا ما يحكي المسألة المجمع عليها بين العلماء إجماعا ظاهرا فيذكر فيها خلافا فيقول : قالت طائفة بذلك ويحتج لها ويطيل الاحتجاج. وقالت طائفة أخرى ويطول الاحتجاج بما يظنه حجة من أوهام شيخه. كما وقوع الطلاق الثلاث المجموع ثلاثا وغيرهما كثير وقلما يسلم له كتاب من تشعيب ودس وتهويش ، وقد جمع شواذ شيخه في قصيدة سخيفة نونية بلغها ستة آلاف بيت تقريبا (1). وكان إخوانه وتلاميذه يخفونها خوفا من أهل العلم وأهله ، حتى وقعت في يد شيخ الإسلام تقي الدين أبي الحسن علي السبكي ، فكتب عليها كتابة سماها : السيف الصقيل في الرد على ابن رفيل ـ وقد وضع العلامة الكوثري تكملة لهذا السيف وأجاد كل الإجادة ـ وهو الكتاب الذي بين يديك أيها القارئ الكريم ـ ومن قرأ هذه المنظومة النونية وقرأ كتب ابن تيمية ـ وهو من أهل العلم ـ لا يرتاب في أنه نسخة منه ، فإنه يرمي من تقدمه من محققي أهل العلم وأكابر العلماء بأنهم أعداء الإسلام ، وذلك لأنهم لم يقولوا بما قال به ابن تيمية من التجسيم والتشبيه ، وإن كان ابن الجوزي قد أثخن أهل التجسيم والتشبيه بالجراح في كتابه القيم : دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه في الرد على المجسمة والمشبهة بتحقيق : محمد زاهد الكوثري وتصدير العلامة محمد أبي زهرة وتقديم الدكتور : جمعه الخولي بما يشفي الصدر ويثلج
    __________________
    (1) وعدد أبياتها على التحقيق ستة آلاف بيت إلا واحدا وخمسين بيتا.

    النفس. وكذلك فإن العلامة ابن زاهد الكوثري قد أنصف أهل السنة من هذا وشيخه ومن تبعهما في كتابه : التكملة وهو ضميمة للسيف الصقيل بما يبهج الخاطر ويرد الظلامة ويسفر بنور الإصباح. ولا يغرنك كتاب ابن القيم : «غزو الجيوش الإسلامية ، للمعطلة والجهمية» فإنه جمع فيه ما تشابه من الآيات والأحاديث ، لا فرق بين صحيحها وسقمها وموضوعها ليثبت بذلك ـ في زعمه ـ الجهة لله تعالى عما يقول. وقد عنى بالمعطلة والجهمية كل من نزّه الله تعالى عن الجهة وغيرها. من لوازم الأجسام!!
    ولا يقع في وهمك أن ابن القيم قد رجع عن هذه الأباطيل ، كما تأكد لديك ثبات شيخه عليها إلى وفاته فإن ابن رجب ـ في طبقات الحنابلة ـ سمعها أي هذه المنظومة من لفظ ابن القيم عام وفاته أي أنه استمر على هذا العقد الباطل إلى أواخر عمره.
    والله ولي التوفيق.


    بسم الله الرّحمن الرّحيم
    التقديم للكتاب
    الحمد لله القدوس المتعال ، المنزّه عن النظير والمثال ، جلّت ذاته وعلت صفاته عن أن يحوم حول اكتناهها وهم أو خيال ، والعقول عن إدراك تلك المطالب في عقال ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث لتتميم مكارم الخلال ، منقذا لهذه الأمة من مخالب الوثنية وصنوف الضلال ، وهاديا إلى مراضي مولاه ذي الجلال والجمال ، وعلى آله خير الآل وأصحابه أصحاب كرائم الخصال.
    انقشاع ظلمات الجاهلية بمبعثه صلى‌الله‌عليه‌وسلم
    وبعد ، فلا يخفى على من درس تاريخ الدين الإسلامي أن الله سبحانه بعث خاتم رسله في بيئة عريقة في الوثنية ، وقد أحدقت بتلك البيئة أمم يدينون بالإشراك والتشبيه وأنواع من التخريف والتمويه ، فبمبعثه صلى‌الله‌عليه‌وسلم انقشعت تلك الظلمات الجاهلية ، واستنارت بصائر الذين آمنوا به بأنوار التعاليم الإسلامية ، حتى داسوا تحت أرجلهم تقاليد الوثنية ونبذوا تلك الأساطير الهمجية وخمدت عزائم أعداء الدين ، وفترت مواصلتهم العداء إلى حين.
    تحين الأعداء الفرص للكيد بالمسلمين
    لكنهم كانوا يتحينون الفرص لتفريق كلمة المسلمين ، وتشويه تعاليم هذا الدين في الأخلاق والعمل والاعتقاد ، حتى تذرعوا بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشتى الوسائل إلى بذر بذور الفساد كلما ظنوا أن الفرصة سانحة ، يلبسون في كل عصر ما يرونه أنجع في مخادعة الجمهور ، وأغشى على بصائر الخاصة والدهماء وأشد فتكا بهم في صميم دينهم. إلى أن تمكنوا من إضلال طوائف في الأطراف ورغم هذا بقيت بيضة الإسلام ـ بحمد الله جلّ شأنه ـ مصونة الجانب تحت كلاءة الله سبحانه ورعايته ، حيث لم يمكنهم من إبادة خضراء الملة ، ولا من إحداث أحداث جوهرية في صميم الدين

    الإسلامي تشتت شمل الجماعة ، بل بقي الإسلام في جوهره ـ بفضل الله جلّ جلاله ـ وضّاء المنار واضح المنهاج ، نيّر الطريقة ، بادي المعالم لمن ألقى إلى تعاليمه السمع وهو شهيد.
    وغاية ما تخيل الأعداء أن يتمكنوا منه أن يوقفوا نموه العظيم الذي كان ظهر في الصدر الأول ، ويعرقلوا رقى معتنقيه السريع بعد أن بهر أبصار أولي الأبصار في أوائل انتشاره ، لكن أبى الله إلا أن يتم نوره.
    وكان أخطر هؤلاء الأعداء على الدهماء وأبعدهم غورا في الإغواء أناسا ظهروا بأزياء الصالحين بعيون دامعة كحيلة ، ولحي مسرحة طويلة ، وعمائم كالأبراج ، وأكمام كالأخراج ، يحملون سبحات كبيرة الحبات ، ويتظاهرون بمظهر الدعوة إلى سنة سيد السادات مع انطوائهم على مخاز ورثوها عن الأديان الباطلة ، والنحل الآفلة ، وكان من مكرهم الماكر أن خلطوا الكذب المباشر بالتزيد في تفسير مأثور أو في حديث صحّ أصله عند الجمهور ، باعتبارهم ذلك أنجع في إفساد دلالة كتاب الله وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أفهام أناس قرب عهدهم من الجاهلية ولم تتكامل بعد عقولهم ولا نضجت أفكارهم.
    وكم أضلّ رواة من هذا القبيل طوائف من سذج المسلمين منذ عهد التابعين حيث اندسوا بين الصالحين من رواة الأعراب ومواليهم لإدخال ما اختلقوه من الأخبار بين مرويات هؤلاء الأخيار ، حتى يتم إفساد دين المسلمين عليهم ، ولكن أبى الله إلا أن يرد كيدهم في نحرهم حيث أقام جهابذة يسعون في إبعاد مختلقاتهم عن مرتبة الاعتداد في جميع الطبقات ، على أن في عقول الذين أسلموا إسلاما صحيحا من النور ما يشق لهم الطريق إلى تعرف دخائل المرويات من نفس تلك الروايات ، وإن لم تخل طبقة من طبقات الرواة من أغرار انخدعوا بها وتعصبوا لها ، لأن الفاتنين كانوا راعوا في رواياتهم عقول هؤلاء ومداركهم في جاهليتهم تيسيرا لزلل أقدامهم وتدهورهم في هاوية إغوائهم.
    انخداع سذج الرواة
    فالرواة السذج إذا انخدعوا بمثل هذا التمويه يكون عندهم بعض عذر ، ومن الذي لا ينخلع قلبه؟ إذا سمع السنة والدعوة إلى السنة من متقشف متظاهر بالورع الكاذب على تقدير جهل السامع بما وراء الأكمة؟ فيجب أخذ هؤلاء بالرفق لتدريجهم إلى الحق من باطل تورطوا فيه باسم السنة.
    ومن محققي أهل السنة من يشير إلى أن العامي إذا بدر منه ما يوهم ظاهره التشبيه يرجي من فضل الله أن يسامحه حيث يعلو التنزيه من الجهة ونحوها عن

    مداركه. وأما من جمع بين الرواية والدراية على زعمه وألف في ذات الله وصفاته ، وصدر منه مثل هذا فلا يوجد بين علماء أهل السنة من يعذر مثله بل أطبقت كلماتهم على إلزامه مقتضى كلامه ، وليس لعالم عذر في الميل إلى شيء من التشبيه والقرمطة لظهور سقوطهما لكل ناظر. قال القاضي أبو بكر بن العربي في القواصم والعواصم : «ما لقيت طائفة إلا وكانت لي معهم وقفة عصمني الله منها بالنظر ـ بتوفيقه ـ إلا الباطنية والمشبهة فإنهما زعنفة تحققت أنه ليس وراءهما معرفة فقذفت نفسي كلامهما من أول مرة» اه. بل لا يتصور أن يميل إلى أحدهما عاقل إلا إذا كان له غاية إلحادية ، وأنى يستعجم على عالم باللسان العربي المبين ما في كتاب الله وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الدلالة على تنزيه الله جلّ شأنه من الجسمية والجسمانيات والمادة والماديات ، بخلاف العامي الذي هو قريب العهد من الجاهلية.
    فضل علماء أصول الدين في حراسة الدين
    جزى الله علماء أصول الدين عن الإسلام خيرا ، فإن لهم فضلا جسيما في صيانة عقائد المسلمين بأدلة ناهضة مدى القرون أمام كل فرقة زائغة ، وإنما يكون التعويل في كل علم على أئمته دون من سواهم ، لأن من يكون إماما في علم كثيرا ما يكون بمنزلة العامي في علم آخر ، فإذا لا يعول في العقائد إلا على أئمة أصول الدين لا على الرواة البعيدين عن النظر ، وكم بينهم من يرثي لمداركه حيث يقل عقله عن عقول الأطفال وإن بلغ في السن مبلغ الرجال. ومن طالع ما ألفه بعض الرواة على طول القرون من كتب في التوحيد والصفات والسنة والردود على أهل النظر يشكر الله سبحانه على النور الذي أفاضه على عقله حتى نبذ مثل تلك الطامات بأول نظرة.
    محاولة ابن تيمية بعث الحشوية من مرقدها
    وقد استمرت فتن المخدوعين من الرواة على طول القرون مجلبة لسخط الله تعالى ولاستسخاف العقلاء من غير أن يخطر ببال عاقل أن يناضل عن سخافات هؤلاء ، إلى أن نبغ في أواخر القرن السابع بدمشق حراني تجرد للدعوة إلى مذهب هؤلاء الحشوية السخفاء متظاهرا بالجمع بين العقل والنقل على حسب فهمه من الكتب بدون أستاذ يرشده في مواطن الزلل ، وحاشا العقل الناهض والنقل الصحيح أن يتضافرا في الدفاع عن تخريف السخفاء إلا إذا كان العقل عقل صابئ والنقل نقل صبي ، وكم انخدع بخزعبلاته أناس ليسوا من التأهل للجمع بين الرواية والدراية في شيء وله مع خلطائه هؤلاء موقف في يوم القيامة لا يغبط عليه. ومن درس حياته

    يجدها كلها فتنا لا يثيرها حاظ بعقله غير مصاب في دينه ، وأنّى يوجد نص صريح منقول أو برهان صحيح معقول يثبت الجهة والحركة والثقل والمكان ونحوها لله سبحانه؟ وسيمر بك سرد بعض مخازيه مع نقضها إن شاء الله تعالى.
    وكل ما في الرجل أنه كان له لسان طلق ، وقلم سيّال ، وحافظة جيدة ، قلب ـ بنفسه بدون أستاذ رشيد ـ صفحات كتب كثيرة جدا من كتب النّحل التي كانت دمشق امتلأت بها بواسطة الجوافل من استيلاء المغول على بلاد الشرق ، فاغترّ بما فهمه من تلك الكتب من الوساوس والهواجس ، حتى طمحت نفسه إلى أن تكون قدوة في المعتقد والأحكام العملية فوفاه في القبيلين بما لم يفه به أحد من العالمين مما هو وصمة عار وأمارة مروق في نظر الناظرين فانفضّ من حوله أناس كانوا تعجلوا في اطرائه بادئ بدء قبل تجريبه وتخلوا عنه واحدا إثر واحد على تعاقب فتنه المدونة في كتب التاريخ ولم يبق (1) معه إلا أهل مذهبه في الحشو من جهلة المقلدة ، ومن ظن أن علماء عصره صاروا كلهم إلبا واحدا ضده حسدا من عند أنفسهم فليتهم عقله وإدراكه قبل اتهام الآخرين ، بعد أن درس مبلغ بشاعة شواذه في الاعتقاد والعمل وهو لم يزل يستتاب استتابة إثر استتابة ، وينقل من سجن إلى سجن إلى أن أفضى إلى ما عمل وهو مسجون فقبر هو وأهواؤه في البابين بموته وبردود العلماء عليه وما هي ببعيدة عن متناول رواد الحقائق.
    مسايرة ابن القيم لابن تيمية في فتنته
    وكان ابن زفيل الزرعي المعروف بابن القيم يسايره في شواذه كلها حيا وميتا ، ويقلده فيها تقليدا أعمى في الحق والباطل ، وإن كان يتظاهر بمظهر الاستدلال لكن لم يكن استدلاله المصطنع سوى ترديد منه لتشغيب قدوته دائبا على إذاعة شواذ شيخه ، متوخيا في غالب مؤلفاته تلطيف لهجة أستاذه في تلك الشواذ ، لتنطلي وتنفق على الضعفاء ، وعمله كله التلبيس والمخادعة والنضال عن تلك الأهواء المخزية حتى أفنى عمره بالدندنة حول مفردات الشيخ الحراني. تراه يثرثر في كل واد ، ويخطب بكل ناد بكلام لا محصل له عند أهل التحصيل ، ولم يكن له حظ من المعقول ، وإن كان كثير السرد لآراء أهل النظر. ويظهر مبلغ تهافته واضطرابه لمن طالع (شفاء العليل) له بتبصر ، ونونيته وعزوه من الدلائل على أنه لم يكن ممن له علم بالرجال ولا ينقد الحديث حيث
    __________________
    (1) وثناء بعض المتأخرين عليه لم يكن إلا عن جهل بمضلات الفتن في كلامه ووجوه الزيغ في مؤلفاته ومنهم من ظن أنه دام على توبته بعد ما استتيب فدام على الثناء ولا حجة في مثل تلك الأثنية ، وأقواله الماثلة أمامنا في كتبه لا يؤيدها إلا غاو غوى ، نسأل الله السلامة.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ترجمة بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري   ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyالثلاثاء أكتوبر 15, 2024 11:13 pm

    أثنى فيهما على أناس هلكى ، واستدل فيهما بأخبار غير صحيحة على صفات الله سبحانه. وقد ذكره الذهبي في المعجم المختص بما فيه عبرة ، ولم يترجم له الحسيني ولا ابن فهد ولا السيوطي في عداد الحفاظ في ذيولهم على طبقات الحفاظ ، وما يقع من القارئ بموقع الإعجاب من أبحاثه الحديثية في زاد المعاد وغيره فمختزل مأخوذ مما عنده من كتب قيمة لأهل العلم بالحديث «كالمورد الهني شرح سير عبد الغني للقطب الحلبي» ونحوه ولو لا محلى ابن حزم وإحكامه ومصنف ابن أبي شيبة وتمهيد ابن عبد البر لما تمكن من مغالطاته وتهويلاته في أعلام الموقعين. وكم استتيب وعزر مع شيخه وبعده على مخاز في الاعتقاد والعمل تستبين منها ما ينطوي عليه من المضي على صنوف الزيغ تقليدا لشيخه الزائغ وسيلقى جزاء عمله هذا في الآخرة ـ إن لم يكن ختم له بالتوبة والإنابة ـ كما لقي بعض ذلك في الدنيا.
    نماذج من أقوال أصحاب
    ابن القيم وأضداده والمتحايدين
    قال الذهبي في المعجم المختص عن ابن القيم هذا : عنى بالحديث بمتونه وبعض رجاله وكان يشتغل في الفقه ويجيد تقريره ، وفي النحو ويدريه ، وفي الأصلين. وقد حبس مدة لإنكاره على شد الرحيل لزيارة قبر الخليل (إبراهيم عليه‌السلام) ثم تصدر للاشتغال ونشر العلم لكنه معجب برأيه جريء على الأمور اه.
    قال ابن حجر في الدرر الكامنة : غلب عليه حب ابن تيمية حتى كان لا يخرج عن شيء من أقواله بل ينتصر له في جميع ذلك ، وهو الذي هذّب كتبه ونشر علمه .. واعتقل مع ابن تيمية بالقلع بعد أن أهين وطيف به على جمل مضروبا بالدرة ، فلما مات أفرج عنه وامتحن مرة أخرى بسبب فتاوى ابن تيمية وكان ينال من علماء عصره وينالون منه اه.
    قال ابن كثير كان يقصد للإفتاء بمسألة الطلاق حتى جرت له بسببها أمور يطول بسطها مع ابن السبكي وغيره .. وكان جمّاعا للكتب فحصل منها ما لا يحصر حتى كان أولاده يبيعون منها بعد موته دهرا طويلا سوى ما اصطفوه منها لأنفسهم .. وهو طويل النفس في مصنفاته يتعانى الإيضاح جهده ، فيسهب (1) جدا ، ومعظمها من كلام شيخه يتصرف في ذلك ، وله في ذلك ملكة قوية ، ولا يزال يدندن حول مفرداته وينصرها ويحتج لها .. وجرت له محن مع القضاة منها في
    __________________
    (1) الإسهاب : الإطناب ، وهو عكس الإيجاز.

    ربيع الأول طلبه السبكي بسبب فتواه بجواز المسابقة بغير محلل فأنكر عليه وآل الأمر إلى أنه رجع عما كان يفتي به من ذلك اه. وقال : التقى الحصني : كان ابن تيمية ممن يعتقد ويفتي بأن شد الرحال إلى قبور الأنبياء حرام لا تقصر فيه الصلاة ، ويصرح بقبر الخليل وقبر النبي صلى الله عليهما وسلم. وكان على هذا الاعتقاد تلميذه ابن قيم الجوزية الزرعي وإسماعيل بن كثير الشركويني ، فاتفق أن ابن قيم الجوزية سافر إلى القدس الشريف ورقى على منبر في الحرم ووعظ وقال في أثناء وعظه بعد أن ذكر المسألة : وها أنا راجع ولا أزور الخليل. ثم جاء إلى نابلس وعمل له مجلس وعظ وذكر المسألة بعينها حتى قال فلا يزور قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقام إليه الناس وأرادوا قتله فحماه منهم والي نابلس ، وكتب أهل القدس وأهل نابلس إلى دمشق يعرفون صورة ما وقع منه فطلبه القاضي المالكي فتردد وصعد إلى الصالحية إلى القاضي شمس الدين بن مسلم الحنبلي وأسلم على يديه فقبل توبته وحكم بإسلامه وحقن دمه ولم يعزره لأجل ابن تيمية .. ثم أحضر ابن قيم الجوزية وادعى عليه بما قاله في القدس الشريف وفي نابلس فأنكر ، فقامت عليه البينة بما قاله فأدب وحمل على جمل ثم أعيد في السجن ثم أحضر إلى مجلس شمس الدين المالكي وأرادوا ضرب عنقه فما كان جوابه إلا أن قال إن القاضي الحنبلي حكم بحقن دمي وبإسلامي وقبول توبتي ، فأعيد إلى الحبس إلى أن أحضر الحنبلي فأخبر بما قاله فأحضر وعزر وضرب بالدرة وأركب حمارا وطيف به في البلد والصالحية وردوه إلى الحبس ـ وجرسوا ابن القيم وابن كثير وطيف بهما في البلد وعلى باب الجوزية لفتواهم في مسألة الطلاق اه.
    قال ابن رجب : قد امتحن وأوذي مرات وحبس مع الشيخ تقي الدين في المدة الأخيرة بالقلعة منفردا ولم يفرج عنه إلا بعد موت الشيخ اه.
    وقد سقت هنا نماذج من كلمات أصحابه وأضداده والمتحايدين في حقه في هذا الكتاب ، وأرجو أن الحق لا يتعدى ما دللت عليه في حقه فيما كتبناه.
    أحق الناس بالرثاء
    وأحق الناس بالرثاء وأجدرهم بالترحم من أفنى عمره في سبيل العلم منصاعا لمبتدع يرديه من غير أن يتخير أستاذا رشيدا يهديه ، ومثله إذا دوّن أسفارا لا يزداد بها إلا بعدا عن الله وأوزارا ، وهو الذي يصبح متفانيا في شيخه الزائغ بحيث لا يسمع إلا بسمعه ولا يبصر إلا ببصره في جميع شئونه ، ويبقى في أحط دركات الجهل من

    التقليد الأعمى ، ولو فكر قليلا لكان أدرك أن من السخف بمكان وضعه لشيخه في إحدى كفتي الميزان ليوازن به جميع العلماء والفقهاء من هذه الأمة في كفته الأخرى فيزنهم ويغالبهم به فيغلبهم في علومهم! وهذا ما لا يصدر من حاظ بعقله ، ولا سيما بعد التفكير في تلك المخازي من شواذه. نعم يمكن أن يكون عنده أو عند شيخه بعض تفوق في بعض العلوم على بعض مشايخ حارته أو أهل خطه أو قريته أو مضرب خيام عشيرته ، لكن لا يوجب هذا أن يصدق في ظنه في حق نفسه أن جو هذه الأرض يضيق عن واسع فهومه ، وعرض هذه البحار لا يتسع لزاخر علومه.
    أخطر ما يطغى من صنوف الاستغناء
    ومن الآفات المردية التي تعتري الإنسان وتقذف به إلى هاوية الخسران طغيانه حينما يرى نفسه على شيء من الاستغناء بمال أو جاه أو علم ، لكن المال عرض زائل ، والجاه الدنيوي قلما يدوم على حال ، وعلم الإنسان مهما اتسع فما أوتي من العلم إلا قليلا ، وتلك الخلال لو روعيت حدودها لكانت أكبر عون للمرء على إحراز مرضاة الله سبحانه ، وأما إذا اتخذها أداة طغيان فإذ ذاك تنقلب تلك النعم مجلبة لسخط الله عزوجل ومقت الخلق ، فيصبح ذلك الطاغي من الأخسرين أعمالا في الدارين ، وليعلم أن ضرر العلم ـ إذا زاغ صاحبه ـ دونه كل ضرر ، فإن الطاغي بالمال يزول ضرره بزوال ماله ، كصاحب الجاه الذي لا يدوم جاهه ، وأما صاحب العلم الذي لعب به الشيطان وخلّد كتبا فيما طغى به فهمه وطاش قلمه ، فيدوم ضرره ويتضاعف وزره ما دامت آثاره دارجة يضل بها أناس ، فإذا هي أخطر تلك الآفات ، ولا يخفف عن مؤلفها العذاب إلا بإعراض الناس عن كتبه المغوية بتنبيه أهل العلم المهتدين على ما حوته من صنوف الزيغ والضلال ، فيكون في الكشف عن مواطن الغواية من أمثال تلك الكتب تخفيف لعذاب مؤلفيها ، وصون للأمة عن الوقوع في مهاويها. وقد عنى الموفقون من علماء هذه الأمة بنقض أمثال تلك الكتب لتلك الغاية النبيلة قديما وحديثا ومن هلك بعد ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
    ردود السبكي على ابن تيمية
    والكلام في رده على نونية ابن القيم
    وللحافظ التقي السبكي فضل مشكور وعمل مبرور في الرد على ابن زفيل وشيخه في شواذهما المردية ، ومن جملة مؤلفاته في هذا الصدد «رده على نونية ابن القيم» وقد نقل السيد محمد المرتضى الزبيدي في شرح الإحياء عند الكلام على

    إمامي أهل السنة عن هذا الرد المسمى «السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل» جملة نافعة من مقدمته. والتقي السبكي أوجز في رده مكتفيا بلفت النظر إلى كلمات الناظم الخطرة في الغالب بدون أن يناقشه فيها كثيرا ، باعتبار أن الاطلاع عليها يكفي بمجرده في نبذها وتضليل قائلها ، ولو كان السبكي يرى ابن القيم يستأهل المناقشة لأوسع في الرد عليه ، لأنه كان أنظر أهل عصره ـ كما قال الإسنوي وغيره من المحققين ـ لكنه كان يعده في غاية من الغباوة فاكتفى في غالب الأبحاث بلفت نظر عامة العلماء إلى أهوائه البشعة ، والتقي السبكي من ألطف أهل العلم لهجة وأنزههم لسانا مع من يرد عليهم. لكن حيث إن الناظم أسرف في ضلاله وإضلاله اضطر التقي في رده عليه إلى بعض إغلاظ في حقه صونا لمن عسى أن يندع بتلبيساته ، وقرعا للعبد بالعصا ، وهو معذور في ذلك بل إغلاظه ليس بشيء في جنب ما تقول به ابن القيم في حق جمهور أهل الحق.
    ودونك نونيته التي ردّ عليها السبكي وهي أصدق شاهد لما قلنا.
    ونونية ابن القيم هذه من أبشع كتبه وأبعدها غورا في الضلال وأشنعها إغراء للحشوية ضد أهل السنة ، وأوقحها في الكذب على العلماء كما ترى إيضاح ذلك في مقدمة «السيف الصقيل» فلا نزاحم السبكي في شرح بشاعة طريقته فيها إلا أنا نشير هنا إلى أن ابن القيم كلما تراه يزداد تهويلا وصراخا باسم السنة في كتابه هذا يجب أن تعلم أنه في تلك الحالة متلبس بجريمة خداع خبيث وأنه في تلك الحالة نفسها في صدد تلبيس ودس شنيعين ، وإنما تلك التهويلات منه لتخدير العقول عن الانتباه لما يريد أن يدسه في غضون كلامه من بدعه المخزية كما يظهر من مطالعة النونية بتبصر ويقظة.
    وإنما اختار طريق النظم في ذلك ليسهل عليه أن يهيم في كل واد ، ولو لا أنها طبعت مرارا وتكرارا ممن لا بغية له من طبعها غير عدد من القرش يملأ به الكرش. قام بذلك الدين أم قعد ، بدون أن يقوم أحد من العلماء المعاصرين بالرد عليها ، لكان إهمال الرد عليها أنسب ، لكن لم يبق بعد تكرر طبعها مع تقاعس أهل العلم عن ردها مساغ للإهمال ، فوجب تقويض دعائهما بنشر كتاب السبكي مع تعليق كلمات عليه في مواضع رأيناها في حاجة إلى التعليق ، وقد سميت ما علقته «تكملة الرد على نونية ابن القيم».
    والله سبحانه ولي النفع وعليه توكلت وإليه أنيب ..
    محمد زاهد بن الحسن الكوثري
    عفا عنهما

    بسم الله الرّحمن الرّحيم
    مقدمة الكتاب للمؤلف
    قال الإمام الحجة أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي رضي الله عنه :
    يا عالما بكل شيء ، قادرا على كل شيء ، ارحم عبدا جاهلا بكل شيء ، عاجزا عن كل شيء ، خلق ضعيفا تنتوشه الآفات من جميع الجهات ويستغرقه احتياجه على ممر الأنفاس واللحظات ، مدته في الدنيا قصيرة لو صرفها كلها في طاعة ربه ، وعلم نافع به سلامة قلبه كان موفقا يقتصر على خويصة نفسه وهذا يحتاج إلى مدد إلهي في دنياه في صحة جسمه وكفايته وكفاية من يتعلق به في القوت وما يتعلق به ودفع الأذى عنه ، وفي دينه بسلامة قلبه من العقائد الفاسدة ، وإقباله على الله تعالى وسلامة جوارحه من المعاصي وقيامها بما افترض الله عليها ، وسلامته في قلبه وجسمه من شياطين الإنس والجن ونفسه وهواه وفي علمه فلا يشتغل من العلوم إلا بما ينفع وهو القرآن والسنة والفقه وأصول الفقه والنحو ويأخذها عن شيخ سالم العقيدة ويتجنب علم الكلام والحكمة اليونانية ، والاجتماع بمن هو فاسد العقيدة أو النظر في كلامه.
    وليس على العقائد أضر من شيئين : علم الكلام والحكمة اليونانية ، وهما في الحقيقة علم واحد ، وهو العلم الإلهي لكن اليونان طلبوه بمجرد عقولهم ، والمتكلمون طلبوه بالعقل والنقل معا وافترقوا ثلاث فرق إحداها غلب عليها جانب العقل وهم المعتزلة (1) والثانية غلب عليها جانب النقل
    __________________
    قول أبي الحسن الطرائفي في المعتزلة :
    (1) وعنهم يقول أبو الحسين محمد بن أحمد الطرائفي الشافعي المتوفى سنة 377 ه‍ في كتاب الرد على أهل الأهواء والبدع : «وهم أرباب أنواع الكلام وأصحاب الجدل والتمييز والنظر والاستنباط والحجج على من خالفهم ، والمفرقون بين علم السمع وعلم العقل والمنصفون في مناظرة الخصوم ، وهم عشرون فرقة يجتمعون على أصل واحد لا يفارقونه وعليه يتولون وبه يتعادون وإنما اختلفوا في الفروع وهم سمّوا أنفسهم معتزلة ، وذلك عند ما بايع الحسن بن علي

    وهم الحشوية (1) والثالثة ما غلب عليها أحدهما بل بقي الأمران مرعيين عندها على حد سواء وهم الأشعرية وجميع الفرق الثلاث في كلامها مخاطرة إما خطأ في بعضه وإما سقوط هيبة ، والسالم من ذلك كله ما كان عليه الصحابة والتابعون وعموم الناس
    __________________
    ـ عليه‌السلام معاوية وسلّم إليه الأمر اعتزلوا الحسن ومعاوية وجميع الناس ـ وذلك أنهم كانوا من أصحاب علي ـ ولزموا منازلهم ومساجدهم ، وقالوا نشتغل بالعلم والعبادة فسموا بذلك معتزلة» اه ثم ذكر أئمتهم من البصريين والبغداديين وسرد بعض آرائهم في عدة أوراق. وهو من محفوظات الظاهرية بدمشق تحت رقم 59 في التوحيد ولتقديمهم فضل الدفاع عن الدين الإسلامي والرد على الزنادقة والنصارى واليهود ، لكن تحكيمهم للعقل وكثرة احتكاكهم بفرق الزيغ أديا بكثير منهم ولا سيما المتأخرين إلى صنوف من البدع الرديئة كما أشرت إلى ذلك في مقدمة ما كتبته على «تبيين كذب المفتري».
    (1) ومنهم أصناف المشبهة والمجسمة ، وسبب تسميتهم حشوية أن طائفة منهم حضروا مجلس الحسن البصري بالبصرة وتكلموا بالسقط عنده فقال : ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة ـ أي جانبها ـ فتسامع الناس ذلك وسموهم الحشوية بفتح الشين ، ويصح إسكانها ـ لقولهم بالتجسيم لأن الجسم محشو ـ راجع شفاء الغليل للشهاب الخفاجي ، وذيل لب اللباب في تحرير الأنساب للشيخ المحدث أبي العباس أحمد العجمي ، ومقدمة ما كتبنا ، على تبيين كذب المفتري. والحشوية هم الذين حادوا عن التنزيه وتقوّلوا في الله بأفهامهم المعوجة وأوهامهم الممجوجة ، وهم مهما تظاهروا باتباع السلف إنما يتابعون السلف الطالح دون السلف الصالح ولا سبيل إلى استنكار ما كان عليه السلف الصالح من إجراء ما ورد في الكتاب والسنة المشهورة في صفات الله سبحانه على اللسان ، مع القول بتنزيه الله سبحانه تنزيها عاما بموجب قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : 11] بدون خوض في المعنى ولا زيادة على الوارد ولا إبدال ما ورد بما لم يرد. وفي ذلك تأويل إجمالي بصرف الوارد في ذات الله سبحانه عن سمات الحدوث من غير تعيين المراد وهم لم يخالفوا في أصل التنزيه الخلف الذين يعينون معنى موافقا للتنزيه بما يرشدهم إليه استعمالات العرب وأدلة المقام وقرائن الحال على أن الخلف يفوضون علم ما لم يظهر لهم وجهه كوضح الصبح إلى الله سبحانه.
    فالخلاف بين الفريقين هين يسير وكلاهما منزّه ، وإنما السبيل على الذين يحملون تلك الألفاظ على المعاني المتعارفة بينهم عند إطلاقها على الخلق ويستبدلون بها ألفاظا يظنونها مرادفة لها ويستدلون بالمفاريد والمناكير والشواذ والموضوعات من الروايات. ويزيدون في الكتاب والسنة أشياء من عند أنفسهم ويجعلون الفعل الوارد صفة إلى نحو ذلك فهؤلاء يلزمون مقتضى كلامهم وهم الحشوية. فمن قال إنه استقر بذاته على العرش وينزل بذاته من العرش ، ويقعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على العرش معه في جنبه وإن كلامه القائم بذاته صوت وإن نزوله بالحركة والنقلة وبالذات وإن له ثقلا يثقل على حملة العرش ، وأنه متمكن بالسماء أو العرش ، وأن له جهة وحدا وغاية ومكانا ، وأن الحوادث تقوم به وأنه يماس العرش أو أحدا من خلقه ونحو ذلك من المخازي فلا نشك في زيغه وخروجه وبعده عما يجوز في الله سبحانه. وهذا مكشوف جدا فلا يمكن ستر مثل تلك المخازي بدعوى السلفية ، والذين يدينون بها هم الذين نستنكر عقائدهم ونستسخف أحلامهم ، ونذكرهم بأنهم نوابت حشوية.

    الباقون على الفطرة السليمة. ولهذا كان الشافعي رضي الله عنه ينهى عن الاشتغال بعلم الكلام ويأمر بالاشتغال بالفقه فهو طريق السلامة ، ولو بقي الناس على ما كانوا عليه في زمن الصحابة كان الأولى للعلماء تجنب النظر في علم الكلام جملة ، لكن حدثت بدع أوجبت للعلماء النظر فيه لمقاومة المبتدعين ودفع شبههم حذرا من أن تزيغ بها قلوب المهتدين.
    الأشعرية أعدل الفرق
    والفرقة الأشعرية هم المتوسطون في ذلك وهم الغالبون من الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة وسائر الناس.
    وأما المعتزلة فكانت لهم دولة في أوائل المائة الثالثة ساعدهم بعض الخلفاء ثم انخذلوا وكفى الله شرهم.
    وهاتان الطائفتان الأشعرية والمعتزلة هما المتقاومتان وهما فحولة المتكلمين من أهل الإسلام ، والأشعرية أعدلهما لأنها بنت أصولها على الكتاب والسنة والعقل الصحيح.
    وأما الحكمة اليونانية فالناس مكفيون شرها ، لأن أهل الإسلام كلهم يعرفون فسادها ومجانبتها للإسلام.
    وأما الحشوية فهي طائفة رذيلة جهال (1) ينتسبون إلى أحمد وأحمد مبرّأ منهم. وسبب نسبتهم إليه أنه قام في دفع المعتزلة وثبت في المحنة رضي الله عنه ، نقلت عنه كليمات ما فهمها هؤلاء الجهال فاعتقدوا هذا الاعتقاد السيئ وصار المتأخر منهم يتبع المتقدم ، إلا من عصمه الله وما زالوا من حين نبغوا مستذلين ليس لهم رأس ولا من يناظر وإنما كانت لهم في كل وقت ثورات ويتعلقون ببعض أتباع الدول ويكفي الله شرهم ، وما تعلقوا بأحد إلا كانت عاقبته إلى سوء وأفسدوا اعتقاد جماعة شذوذ من الشافعية (2) وغيرهم ولا سيما بعض المحدثين الذين نقصت عقولهم أو غلب عليها من
    __________________
    (1) وهم طوائف كالكرامية والبربهارية والسالمية ولابن الجوزي كتاب (منهاج الوصول إلى علم الأصول) وكتاب (دفع شبه التشبيه بكف التنزيه) أجاد الرد عليهم فيهما ، وسبق أن نشر الثاني ، ومن جملة ما يقوله ابن الجوزي فيه :
    فقد فضحوا ذاك الإمام بجهلهم
    ومذهبه التنزيه لكن هم اختلوا

    وهو بديع في بابه حجة على من سايرهم من الحنابلة.
    (2) على طول القرون لكن كفى شرهم نظار أهل الحق من الشافعية ولسنا في صدد سرد أسمائهم هنا ونشير عرضا إلى بعضهم فيما نعلق على هذا الكتاب.

    أضلهم فاعتقدوا أنهم يقولون بالحديث. ولقد كان أفضل المحدثين في زمانه بدمشق ابن عساكر (1) يمتنع من تحديثهم ولا يمكنهم أن يحضروا مجلسه وكان ذلك أيام نور الدين الشهيد وكانوا مستذلين غاية الذلة.
    ثم جاء في أواخر المائة السابعة رجل له فضل ذكاء واطلاع ولم يجد شيخا يهديه وهو على مذهبهم وهو جسور متجرد لتقرير مذهبه ويجد أمورا بعيدة فبجسارته يلتزمها فقال بقيام الحوادث بذات الرب سبحانه وتعالى (2) وأن الله سبحانه ما زال فاعلا وأن التسلسل ليس بمحال فيما مضى كما هو فيما سيأتي وشق العصا ، وشوش عقائد المسلمين وأغرى بينهم ولم يقتصر ضرره على العقائد في علم الكلام حتى تعدى وقال إن السفر لزيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم معصية (3) وقال إن الطلاق الثلاث لا يقع وإن
    __________________
    (1) وقد سبق أن نشر «تبيين كذب المفتري في الذبّ عن الأشعري» له مع مقدمة لنا عليه في بيان الحالة العامة عند البعثة النبوية ولمعة في نشأة الفرق وتعليقات على مواضع من الكتاب كنت كتبتها ففيها وفي الكتاب كثير مما يتعلق بالحشوية ، ولابن عساكر أيضا مجلس في إثبات التنزيه وآخر في نفي التشبيه ، وكتاب في (بيان وجوه التخليط في حديث الأطيط) وكتاب في (سرد الأسانيد في حديث يوم المزيد) يبين فيها وجوه الضعف في أحاديث الأطيط وروايات يوم المزيد.
    (2) اتفقت فرق المسلمين سوى الكرامية وصنوف المجسمة على أن الله سبحانه منزّه من أن تقوم به الحوادث وأن تحل به الحوادث وأن يحل في شيء من الحوادث بل ذلك مما علم من الدين بالضرورة ، ودعوى أن الله لم يزل فاعلا متابعة منه للفلاسفة القائلين بسلب الاختيار عن الله سبحانه ، وبصدور العالم منه بالإيجاب ، ونسبة ذلك إلى أحمد والبخاري وغيرهما من السلف كذب صريح وتقوّل قبيح ، ودعوى أن تسلسل الحوادث في جانب الماضي غير محال لا تصدر ممن يعي ما يقول فمن تصور حوادث لا أول لها تصور أنه ما من حادث محقق ، وأن ما دخل بالفعل تحت العد والإحصاء غير متناه ، وأما من قال بحوادث لا آخر لها فهو قائل بأن حوادث المستقبل لا تنتهي إلى حادث محقق إلا وبعده حادث مقدر ، فأين دعوى عدم تناهي ما دخل تحت الوجود في جانب الماضي من دعوى عدم تناهي ما لم يدخل تحت الوجود في المستقبل؟ على أن القول بالقدم النوعي في العالم من لازمه البين عدم تناهي عدد الأرواح المكلفة فأنى يمكن حشر غير المتناهي من الأرواح وأشباحها في سطح متناه محدود على هذا التقدير؟ فيكون القائل بعدم تناهي عدد المكلّفين قائلا بنفي الحشر الجسماني بل بنفي الحشر الروحاني أيضا حيث إن هذا القائل لا يعترف بتجرد الروح فيكون أسوأ حالا من غلاة الفلاسفة النافين للحشر الجسماني وفي شواذ ذلك الزائغ كتب خاصة ترد عليه في بدعه الأصلية والفرعية ، ولاستقصاء ذلك موضع آخر.
    (3) وضبطت فتواه بخطه بهذا المعنى وثبت ذلك ثبوتا شرعيا وشهد بذلك الإمام جلال الدين القزويني صاحب التلخيص والإيضاح وألّف قاضي قضاة المالكية تقي الدين أبو عبد الله محمد الإخنائي في الرد عليه (المقالة المرضية في الرد على من ينكر الزيارة المحمدية) كما ألّف في

    من حلف بطلاق امرأته وحنث لا يقع عليه طلاق. واتفق العلماء على حبسه الحبس الطويل فحبسه السلطان (1) ومنع من الكتابة في الحبس وأن يدخل إليه أحد بدواة ومات في الحبس. ثم حدث من أصحابه من يشيع عقائده ويعلم مسائله ويلقي ذلك إلى الناس سرا ويكتمه (2) جهرا فعمّ الضرر بذلك حتى وقفت في هذا الزمان على قصيدة نحو ستة آلاف بيت يذكر ناظمها فيها عقائده وعقائد غيره ويزعم بجهله أن عقائده عقائد أهل الحديث (3). فوجدت هذه القصيدة تصنيفا في علم الكلام الذي نهى العلماء عن النظر فيه لو كان حقا ، فكيف وهي تقرير للعقائد الباطلة وبوح بها وزيادة على ذلك وهي حمل العوام على تكفير كل من سواه وسوى طائفته فهذه ثلاثة أمور هي مجامع ما تضمنته هذه القصيدة.
    فالأول من الثلاثة حرام لأن النهي عن علم الكلام إن كان نهي تنزيه فيما تدعو
    __________________
    ـ الرد عليه مؤلف شفاء السقام في تلك المسألة بل جمع الحافظ الصلاح العلائي طرق حديث الزيارة في الرد عليه أيضا بطلب ابن الفركاح ولم يستمر على مشايعته بعد ذلك إلا مكسرو الحشوية تحت الخفاء ، وكم استتيب وأخذ خطه بالتوبة ثم نقض مواثيقه. راجع (نجم المهتدي) و (دفع الشبه) و (الدرر الكامنة).
    (1) الملك الناصر محمد بن قلاوون ولم يكن له عداء شخصي نحو ابن تيمية أصلا كما اعترف بذلك أشياع ابن تيمية لكن لما رأى توالى فتنه واتفق علماء المذاهب ضده ومعهم قاضي قضاة الحنابلة لم يسعه إلا أن يصدر مرسوما لأهل دمشق ومرسوما لسائر البلدان أسوة بما أصدره بمصر ضد هذا الزائغ. ونصوص تلك المراسيم مدوّنة في (نجم المهتدي) و (عيون التواريخ) و (دفع الشبه) بألفاظ متقاربة في المعنى وفي الاطلاع عليها عبرة بالغة. وقد تليت تلك المراسيم على المنابر نصحا للأمة وإفهاما لها أن ذلك الرجل مجسم زائغ اعتقادا وعملا فلا يجوز الاغترار به.
    (2) ويظهر من ذلك أن نونية ابن القيم لم تكن تذاع في ذلك العهد إلا سرا وكفى هذا سعيا بالفساد ولا يحسبن القارئ أن ابن القيم ربما يكون تاب وأناب عن هذه العقيدة الزائغة التي احتوتها تلك القصيدة فإنه يرى في ترجمته من طبقات الحنابلة لابن رجب أن ابن رجب سمعها من لفظ ابن القيم عام وفاته وهذا من الدليل على أنه استمر على هذا المعتقد الباطل إلى أواخر عمره. وعدد أبياتها ستة آلاف بيت إلا واحدا وخمسين بيتا.
    (3) وبيّن أهل الحديث من القدرية والخوارج وصنوف الشيعة والمجسمة من كرامية وبربهارية وسالمية رجال لا يحصيهم العد كما لا يخفى على من له إلمام بعلم الرجال فليس لهم عقيدة جامعة فيكون عزو عقيدة إلى جماعة الحديث مخادعة وتمويها على العقول ، فإن كان يريد تخصيص هذا الاسم بصنوف المجسمة فهذه التسمية إنما تكون تسمية ما أنزل الله بها من سلطان ، وإنما التعويل على أهل الحديث في روايتهم الحديث فقط فيما لا يتهمون به ، وأما علم أصول الدين فله أئمة معروفون وبراهين مدوّنة في كتبهم ، وأهل الحديث المبرءون من البدع يسيرون سيرهم.

    الحاجة إلى الرد على المبتدعة فيه فهو نهي تحريم فيما لا تدعو الحاجة إليه فكيف فيما هو باطل.
    والثاني من الثلاثة : العلماء مختلفون في التكفير به إذا لم ينته إلى هذا الحد أما مع هذه المبالغة ففي بقاء الخلاف فيه نظر.
    وأما الثالث فنحن نعلم بالقطع أن هؤلاء الطوائف الثلاثة الشافعية والمالكية والحنفية وموافقيهم من الحنابلة مسلمون ليسوا بكافرين ، فالقول بأن جميعهم كفار وحمل الناس على ذلك كيف لا يكون كفرا وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا قال المسلم لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما». فالضرورة أوجبت العلم بأن بعض من كفرهم مسلم والحديث اقتضى أن يبوء بها أحدهما فيكون القائل هو الذي باء بها.
    مجامع الزيغ في نونية ابن القيم
    وها أنا أذكر مجامع ما تضمنته القصيدة ملخصا من غير نظم وناظمها (1) أقل من أن أذكر كلامه لكني تأسيت في ذلك بإمام الحرمين في كتابه المسمى بنقض كتاب السجزي ، والسجزي هذا كان محدثا له كتاب مترجم بمختصر البيان وجده إمام الحرمين حين جاور بمكة شرّفها الله ، اشتمل كتاب السجزي هذا على أمور منها أن القرآن حروف وأصوات. قال إمام الحرمين : وأبدى من غمرات جهله فصولا وسوى على قصبة سخافة عقله نصولا ، ومخايل الحمق في تضاعيفها مصقولة وبعثات الحقائق دونها معقولة. وقال إمام الحرمين أيضا : وهذا الجاهل الغر المتمادي في الجهل المصر ، يتطلع إلى الرتب الرفيعة بالدأب في المطاعن في الأئمة والوقيعة. وقال إمام الحرمين أيضا : صدر هذا الأحمق الباب بالمعهود من شتمه فأفّ له ولخرقه فقد والله سئمت البحث عن عواره وإبداء شناره. وقال الإمام أيضا : وقد كسا هذا التيس الأئمة صفاته. وقال الإمام أيضا : أبدى هذا الأحمق كلاما ينقض آخره أوله في الصفات وما ينبغي لمثله أن يتكلم في صفات الله تعالى على جهله وسخافة عقله. وقال الإمام أيضا : قد ذكر هذا اللعين الطريد المهين الشريد ، فصولا وزعم أن الأشعرية يكفرون
    __________________
    (1) وهو ابن زفيل الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية كان بمتناول يده من كتب الفرق التي كانت دمشق امتلأت بها بعد نكبة بغداد ونكبة البلاد الشرقية باستيلاء المغول عليها ما يزداد به غواية إلى غوايته وقد حشر في مؤلفاته ما لم يفهمه ولم يهضمه من أقوال ارباب النحل شأن من خاض في المسائل النظرية الخطرة من غير أستاذ رشيد فحصل في تفكيره ما يحصل في معذة الشره المتخوم فأصبحت مؤلفاته محشر الأقوال المتناقضة ولم ينخدع بها إلا من ظن أن العلم هو حشد المصطلحات من غير نظام يربط بعضها ببعض وبدون تمحيص الحق من الباطل.

    بها فعليه لعائن الله تترى ، واحدة بعد أخرى ، وما رأيت جاهلا أجسر على التكفير وأسرع إلى التحكم على الأئمة من هذا الأخرق ، وتكلم السجزي في النزول والانتقال والزوال والانفصال والذهاب والمجيء فقال الإمام : ومن قال بذلك حلّ دمه وتبرّم الإمام كثيرا من كلامه معه (1).
    تأسي السبكي بإمام الحرمين
    في الرد على بعض جهلة أهل الحديث
    وها أنا أيضا أقتدي بالإمام في كلامي مع هذا الجاهل متبرما لكن خشية على عقائد العوام تكلمت.
    والسجزي الذي ردّ عليه الإمام أعرف ترجمته محدث (2) لا يصل ناظم هذه القصيدة إلى عشرة في الحديث ولكن الإنسان يضطر إلى الكلام مع الجهّال والمبتدعين صيانة لعقائد المسلمين وليت كلامي كان مع عالم أو مع زاهد أو متحفظ في دينه صين في عرضه قاصد للحق ولكنها بلوى نسأل الله حسن عاقبتها وبعد أن كنت قصدت الاقتصار على اختصار مجامعها عنّ لي هنا أن أستوعب كلماتها لأطفئ جمراتها.
    __________________
    (1) وعن هذا السجزي يقول أبو جعفر اللبلي الأندلسي في فهرسته : وكذلك اللعين المعروف بالسجزي فإنه تصدّى أيضا للوقوع في أعيان الأئمة وسرج الأمة بتأليف تالف وهو على قلة مقداره وكثرة عواره ينسب أئمة الحقائق وأحبار الأمة وبحور العلوم إلى التلبيس والمراوغة والتدليس وهذا الرذل الخسيس أحقر من أن يكترث به ذما ولا يضر البحر الخضم ولغة كلب.
    ما يضر البحر أمسى زاخرا
    أن رمى فيه غلام بحجر

    فمما ذكر هذا المنافق الحائد بجهله عن الحقائق أن من ذهب الأشعرية أن النبوة عرض من الأعراض والعرض لا يبقى زمانين وإذا مات النبي زالت نبوته وانقطعت دعوته ، وهذه من جملة حكاياته وتقولاته المستبعدة اه وسيأتي الرد على هذا الهذيان. وقد وفاه اللبلي الكيل صاعا بصاع.
    (2) ومن الغريب أن السجزيين مهما علت منزلتهم في الرواية يقل بينهم جدا من يكون طاهر الذيل ناصع الجبين من فحش التشبيه ووصمة التجسيم كما لا يخفى على من بحث مؤلفاتهم بتبصر وأرى ذلك من عدوى مرض شيخ المجسمة أبي عبد الله محمد بن كرام السجزي الذي بتقشفه كان سحر ألباب أهل سجستان وتاريخه في غاية من الشهرة. وهذا السجزي هو أبو نصر الوائلي. مؤلف الإبانة المتوفى سنة 444 وصاحبه السعد الزنجاني بمكة مثله في التشبيه مع أنهما ينتحلان مذهب الشافعي. ومن هذا الطراز الآجري صاحب كتاب الشريعة قبلهما ويرثي لحال من يميل إلى التشبيه مع جلالة مقداره في الحديث ونحن لا نعول على الرجل إلا في العلم الذي يتقنه دون سائر العلوم فكم بين أهل الحديث من هو أنزل منزلة من العامي في علم أصول الدين والفقه وكذلك سائر العلماء في غير علومهم.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ترجمة بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري   ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyالثلاثاء أكتوبر 15, 2024 11:14 pm

    مناظرة خيالية بين المشبه والمنزه ... إلخ
    قال : «جمع مجلس المذاكرة بين مثبت للصفات والعلو ومعطل» إلى أن قال : «من كلام المثبت أن كهيعص وحمعسق وق ون كلام الله حقيقة وأن الله تكلم بالقرآن العربي الذي سمعه الصحابة».
    مراده بذلك أن كلام الله حرف وصوت وهذا الجاهل لا يفرق بين كلام الله واللفظ الدال عليه (1).
    ثم قال : «ومن قال ليس لله في الأرض كلام فقد جحد رسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم» هذا الكلام يحتمل وجهين (2) لا نطول بهما ، ثم قال : «إن الله فوق سماواته». يقول له : أين قال الله أو رسوله إنه فوق سماواته؟ وأنت قلت في صدر كلامك
    __________________
    (1) بل بين الكلام اللفظي والكلام النفسي وفي أوائل تفسير (روح المعاني) بسط لطيف في الكلام النفسي بحيث لا يدع شكا لمرتاب. وبعد أن انتهى الألوسي فيه من الكلام في الكلام النفسي قال : ومن أحاط بذلك اندفع عنه كل إشكال في هذا الباب ورأى أن تشنيع ابن تيمية وابن القيم وابن قدامة (الموفق) وابن قاضي الجبل والطوفي (سليمان بن عبد القوي) وأبي نصر (السجزي) وأمثالهم صرير باب أو طنين ذباب ... وقد انحرفت أفكارهم واختلطت أنظارهم فوقعوا في علماء الأمة وأكابر الأئمة وبالغوا في التعنيف والتشنيع وتجاوزوا في التسخيف والتفظيع ولو لا الخروج عن الصدد لوفيتهم الكيل صاعا بصاع ولتقدمت إليهم بما قدموا باعا بباع ولعلمتهم كيف يكون الهجاء بحروف الهجاء ولعرفتهم إلام ينتهي المراء بلا مراء :
    ولي فرس للحلم بالحلم ملجم
    ولي فرس للجهل بالجهل مسرج

    فمن رام تقويمي فإني مقوّم
    ومن رام تعويجي فإني معوج

    على أن العفو أقرب للتقوى والإغضاء مبنى الفتوة وعليه الفتوى والسادة الذين تكلم فيهم هؤلاء إذا مروا باللغو مروا كراما وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما اه.
    (2) لعله يريد وجود الكلام النفسي ووجود الكلام اللفظي فنفي وجود الثاني في الأرض نفي لوجود كتاب الله وشرعه في الأرض وهو كفر صراح ولا قائل بذلك من فرق المسلمين. وأما زعم وجود الكلام النفسي القائم بالله في الأرض فقول بالحلول كقول النصارى في الكلمة ، وقد كفر غير واحد من أئمة السنة ، السالمية على قولهم بأنه تعالى يقرأ على لسان كل قارئ ، تعالى الله عما يأفكون. وقد ذكرنا ما يتعلق بذلك بنوع من البسط فيما علقناه على التبيين وفي (لفت اللحظ إلى ما في الاختلاف في اللفظ).

    «نقول ما قاله ربنا» وأين قال ربنا : إنه بائن من خلقه. ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ولا في ذاته شيء من مخلوقاته ، فقد نسبت إلى قول الله ما لم يقله ، ومن هو المعطل الذي عنيته فإنا لا نعرف اليوم أحدا معطلا يتظاهر بين المسلمين بل ولا معتزليا ولا فيلسوفا يتظاهر بقول الفلاسفة (1) فلعلك عنيت الأشعرية فإنهم القائمون اليوم من أكثر المذاهب ثم قال (2) : «فلما سمع المعطل منه ذلك أمسك ثم أسرها في نفسه وخلا بشياطينه وبنى جنسه وأوحى بعضهم إلى بعض أصناف المكر والاحتيال وراموا أمرا يستحمدون به إلى نظرائهم من أهل البدع والضلال وعقدوا مجلسا بيتوا فيه ما لا يرضاه الله من القول وراموا استدعاء المثبت ليجعلوا نزله ما لفقوه من الكذب وتمموه فلم يتجاسروا وخذلهم المطاع فمزق ما كتبوه من المحاضر ، فسعى في عقد مجلس عند السلطان فلم يذعنوا فطالبهم بإحدى ثلاث : مناظرة فأبوا ، فدعاهم إلى مكاتبة فأبوا ، فدعاهم إلى المباهلة (3) بين الركن والمقام فلم يجيبوا فحينئذ عقد المثبت لله مجلسا بينه وبين خصمه وما كان أهل التعطيل أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون».
    هذا كله مقصوده به والله أعلم طوائف الأشعرية الشافعية والمالكية والحنفية الذين كانوا مقاومين لابن تيمية فهم الذين يسميهم المعطلة ، وكان مراده بالمثبت ابن تيمية والعاقد للمجلس فيما بينه وبين خصمه إما ابن تيمية وإما هذا النحس المتشبع بما لم يعط.
    __________________
    (1) هذا بالنظر إلى عهد المؤلف ، فإن العلماء كانوا قائمين بواجبهم إذ ذاك يوقفون المبتدعة الذين يحاولون الاعتداء على حريم قدس الدين عند حدهم وما ألف في الرد على هذا الزائغ وشيخه من الكتب في ذلك العصر يعد بالعشرات فضلا عن باقي أهل الضلالة. وأما اليوم فقلّما تجد بين العلماء من يسهر على السنة النقية البيضاء والدين الحنيف فاتسع المجال لتمويه الضلال. وأدعو الله سبحانه أن يوقظ أهل الشأن من سباتهم العميق ويرشدهم إلى حراسة الشرع من اعتداء المعتدين.
    (2) مما اختص به ناظم القصيدة من بين دعاة الحشوية تصوير مناظرات في مسائل يدس في غضون كلام الطرفين ما يشاء من وسائل استدراج الضعفاء إلى ضلاله وهذه طريقة الأقدمين من أعداء الدين بعثها من مرقدها هذا الناظم ليصل إلى إضلالهم بطريقة روائية خيالية فمن مشى على الاستسلام له فيما يراه من مناظراته الخيالية في هذا الكتاب وفي شفاء العليل وأعلام الموقعين ونحوها فإنه معرّض للانحلال وسنكشف الستار عن وجوه تضليله وتدجيله بحول الله وتوفيقه.
    (3) راجع الآية 61 من سورة آل عمران.

    فصل
    أمثال مضروبة للمعطل والمشبه والموحد
    قال : «وهذه أمثال حسان مضروبة للمعطل والمشبه والموحد».
    مقصوده بالمعطل الجماعة الأشعرية ، وبالموحد نفسه وطائفته ، والمشبه لا وجود له عنده. ومقصود غرمائه بالمشبه هو وطائفته وبالموحد أنفسهم ، والمعطل لا وجود له الآن عندهم ، لأن المعطل هو المنكر للصانع ، والمشبه هو الذي شبهه بخلقه وهذا على ظاهره لا يوجد من يقول به لكن بما يلزم عنه ، ولا شك أن لزوم التشبيه له أظهر من لزوم التعطيل لغرمائه ، وإذا امتحن الإنسان نفسه قطع بأن الأشعري ليس بمعطل وأن هذا النحس مشبه ولا ينجيه إنكاره باللسان وقد اعترف على نفسه بأن من شبه الله بخلقه فقد كفر. واندفع في ضرب الأمثلة بما لا نطول به.
    فصل
    من قصيدته النونية
    قال في قصيدته التي أهدت الجري إليه وفرقت سهام النبال عليه :
    «إن كنت كاذبة الذي حدثتني
    فعليك إثم الكاذب الفتان

    جهم بن (1) صفوان وشيعته الألى
    جحدوا صفات الخالق الديان

    بل عطلوا منه السماوات العلى
    والعرش أخلوه من الرّحمن»

    أما جهم فمضى من سنين كثيرة ولا يعرف اليوم أحد على مذهبه فعلم أن مراد هذا الناظم بالجهمية الأشعرية من الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة فليعلم
    __________________
    (1) جهم بن صفوان زائغ باتفاق بين أهل السنة والمعتزلة ، يقول بنفي الخلود في الجنة وفي النار ، وتابعه ناظم القصيدة في شطر هذا المعتقد حيث يقول : لا خلود للكفار في النار تبعا لشيخه وهو كفر عند جمهور أهل الحق. وكان جهم منبوذا لم يبق بعد قتله من تابعه أصلا ومن يقال فيه من المتكلمين إنه جهمي من قبيل النبز بالألقاب ، وقد توسعت في بيان ذلك بعض توسع فيما علقته على الاختلاف في اللفظ لابن قتيبة وليس بين المعتزلة فضلا عن الأشاعرة من ينفي أن الله سبحانه عالم قدير سميع بصير ... إلى آخر تلك الصفات الواردة في الكتاب والسنة المشهورة حتى يصح رميهم بجحد الصفات وجل الإله سبحانه من أن يكون له مكان يحويه فلا يقال إن السماء ظرف له ولا إن العرش مستقر ذاته فأين في كتاب الله مثل ذلك أو تفسير الاستواء بالاستقرار إنما هو قول مقاتل بن سليمان شيخ المجسمة وقول الكلبي الزائغ.

    اصطلاحه وكل ما ينسبه إلى الجهمية فمراده بها هؤلاء ، والمعتزلة يشاركون الأشعرية في ذلك لكن ما منهم أحد موجود في هذه البلاد وإن كان موجودا فلا ظهور له ، فكل ما قال هذا الناظم عن جهم في هذه القصيدة فمراده ، الذي مذهبه مذهب الأشعري.
    فصل
    تخيل الناظم في أفعال العباد ... الخ
    قال :
    والعبد عندهم فليس بفاعل
    بل فعله كتحرك الرجفان

    كذب هذا الجاهل في قوله : إن العبد عندهم ليس بفاعل. ولكن مراده بذلك قولهم : إنه لا يخلق فعله. وليس بخالق والله سبحانه هو خالق أفعال العباد ، فاعتقد هذا الجاهل (1) بسبب ذلك أنهم يقولون إنه ليس بفاعل. وكون العبد ليس بخالق حق ، وكونه ليس بفاعل باطل ، والفاعل من قام به الفعل والفعل قائم بذات العبد ، والخالق من أوجد الفعل ولا يوجده إلا الله. وقوله : كتحرك الرجفان جهل منه فإنه لم يفرق بين الجبر ومذهب الأشعري ثم قال :
    والله يصليه على ما ليس من
    أفعاله حر الحميم الآن

    استمر هذا الجاهل على جهله وكذبه. وكذلك قوله : «ولكن يعاقبه على أفعاله» ثم قال : «والظلم عندهم المحال لذاته» نعم إن الله لا يظلم مثقال ذرة (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصّلت : 46] وكيف يتصور الظلم والكل ملكه ثم قال : «أنى ينزه عنه ويكون
    __________________
    (1) أقل ما يقال في هذا الناظم أنه جاهل ، فإذا طالعت ما ذكره في شفاء العليل عن كسب العبد تجده ينقل عن نظامية إمام الحرمين قوله في أفعال العباد فيسايره إلى أبعد حد ثم يتراجع فيقع في أحط دركات الجبر ثم يقع في المعتزلة وقيعة لا مزيد عليها ثم تجده يسبقهم في التجرؤ. والحاصل أنه جمّاع لآراء الناس من غير أن يعقلها على وجوهها فيتخبط تخبط من به مس ، وهو يصور مناظرات خيالية بين سني وجبري وأخرى بين سني وقدر ، في شفاء العليل يدس في خلالها أمورا ينقض بعضها بعضا وذلك كله من سوء فهمه وضغطه لذهنه بشتى الأنظار التي هو غير مستأهل لتحقيقها وتمحيص الحق من بينها فتتشوه الحقائق في ذهنه وتكتسي أسمج الصور كما هو شأن ما ينعكس في المرايا المحدبة والمقعرة وشأن من اختلت بصيرته ، نسأل الله العافية.

    مدحا ذلك التنزيه» قلنا : يا جاهل اجترأت على الله وعلى عباده فلم تفرق بين الفعل والخلق وظننت بجهلك أنهما سواء وأنه لا يعاقب على فعله ، وقلت : «ما هذا بمعقول لذي الأذهان» وأي ذهن لك حتى تعقل به وأنت عن تعقّل أحكام الربوبية بمعزل؟ وهل مثلك ومثل من هو أكبر منك إلا كمثل الخفاش بالنسبة إلى ضوء النهار؟.
    فصل
    قال :
    وكذاك قالوا ما له من حكمة (1)
    هي غاية للأمر والإتقان

    انظر هذه الجراءة والكذب والبهت على العلماء وما قال إنهم نسبوه إلى الله ثم قال :
    «ما ثم غير مشيئة قد رجحت
    مثلا على مثل بلا رجحان»

    أبصر هذا الفدم البليد الفهم ساء سمعا فساء إجابة كأنه سمع كلام الأشعرية فما فهمه وظن أنهم يقولون إن الأفعال كلها سواء بالنسبة إلى كل شيء وإن المشيئة رجحت بعضها على بعض مع تساويها وإنه ما ثم غير المشيئة وجعل المشيئة هي المرجحة ولم يذكر القدرة والتبس عليه الرجحان الحاصل في الفعل بالرجحان الذي هو موجب للفعل أو باعث عليه ، ومن لا يكون اشتغل بشيء من العلوم كيف يتكلم في هذه الحقائق؟ ثم قال :
    «هذا وما تلك المشيئة وصفه
    بل ذاته أو فعله قولان»

    __________________
    (1) ولا قائل بذلك مطلقا بين فرق المسلمين ، الذين علموا من الدين بالضرورة أن الله عزيز حكيم ، وأما كون أفعال الله سبحانه غير معلّلة بالأغراض فليس من نفي الحكمة في شيء بل من قبيل التهيب والاحتراز من القول بأن هناك غرضا يحمل الله سبحانه على الفعل استحصالا لذلك الغرض الذي لا يحصل إلا بذلك الفعل. ولا يخفى أن هذا مما يجب الاحتراز منه لعدم ورود إطلاق مثل ذلك في الكتاب والسنة ولما في ذلك من الاستكمال بالغير. وأما قول محققي أهل الفقه بوجود حكم ، مصالح فيها ترجع إلى العباد سواء عقلناها أو لم نعقلها فليس فيه ما يوجب التهيب بل هو محض الصواب هذا عند القائلين بأن الله فاعل بالاختيار كما هو الحق وأما الذين يعدونه فاعلا بالإيجاب كالفلاسفة فلا يتصورون هناك لا غرضا ولا حكمة وليس المراد هنا بالوجوب الضرورة بشرط المحمول. ومن الغريب أن ابن القيم قائل بالإيجاب حتى تراه يدافع عن أن الحوادث لا أول لها ومع ذلك يرى أنها معللة بالأغراض وما هذا إلا تهاتر.

    ليتني ما شرعت في الكلام مع هذا ... ينبغي أن يطالب بالقولين على هذه الصورة وبالقول بأنه ما تلك المشيئة وصفه وإنما سمع كلاما إمام من كلامهم وإما من شيخه فما فهمه هو أو ما فهمه شيخه وعبّر عنه بهذه العبارة الرديئة ، وإن أراد بهذا البيت المعتزلة فقد خلط كلام المعتزلة بكلام الأشعرية.
    ثم قال :
    وكلامه مذ كان غيرا كان مخلوقا له
    هذا بالنسبة إلى المعتزلة ثم قال :
    «قالوا وإقرار العباد بأنه
    خلاقهم هو منتهى الإيمان»

    لم يقولوا كذلك ، أما أولا فلأنه لا بد من الشهادتين ، وأما ثانيا فمنتهى الإيمان يشعر بالإيمان الكامل ولم يقل بهذا أحد ، وأما ثالثا فقوله «فالناس في الإيمان شيء واحد» ليس مما يحسن (1) وأما رابعا فكما ذكره عن أبي جهل وغيره (2) أنه لم يكن فيهم منكر للخالق ، يكفي في الرد عليه أن كل من سمعه يتخذه ضحكة.
    __________________
    (1) لأنه إن أراد أن الناس متساوون في الإيمان فهذا باطل لأن من الناس من هو مؤمن ومن هو كافر وإن أراد أن المؤمنين متساوون في الإيمان فلا يصح ذلك أيضا فإن منهم من هو كامل الإيمان باستكمال العمل ومنهم من هو غير كامل الإيمان بإخلاله بالعمل وإن كانوا متساوين في المؤمن به وفي الجزم المنافي لتجويز النقيض ، على أن طريق حصول هذا الجزم مختلف في المؤمنين فيتفاوت إيمانهم باعتبار عدم قبوله الزوال أصلا أو قبوله الزوال ببطء أو بسرعة ، فالعامي الجازم معرّض لزوال الإيمان بأدنى تشكيك والعالم الجازم بالبراهين يمكن زوال إيمانه بطروء شبهة ، وإيمان الأنبياء لا يحتمل الزوال أصلا لأن طريق حصوله الوحي والمشاهدة.
    (2) من عبدة الأوثان واليهود والنصارى وفرعون وقارون وهامان ونحوهم. ولو تذكر ابن القيم قول يوسف عليه‌السلام ـ كما حكى القرآن الكريم ـ (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) [يوسف : 39] وقول إبراهيم عليه‌السلام ـ كما حكى القرآن الكريم ـ : (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ (86)) [الصافات : 86] وقول الكفار حينما دعاهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى كلمة التوحيد ـ كما حكى القرآن الكريم ـ : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) [ص : 5] وقولهم في التلبية (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك) لا ستحيا أن يفوه بذلك وبقوله :
    هل كان فيهم منكر للخالق ال
    رب العظيم مكون الأكوان

    فليبشروا ما فيهم من كافر
    هم عند جهم كاملو الإيمان

    فأين توحيد الربوبية والألوهية من توحيد الخالقية والرازقية؟ على تقدير تسليم شمول آية توحيد الخالقية لهم بل الضمير في (ولئن سألتهم) بعيد عن العموم. ومعتقد المؤمنين : أنه لا رب ولا إله ولا خالق ولا رازق سوى الله عزوجل. وهذا هو إيمان المؤمنين على رغم تقول الزائغين المائلين إلى الخوارج المستهجنين لمعتقد المؤمنين.

    فصل
    قال : «وقضى ـ يعني جهما ـ وشيعته الذين هم الأشعرية بزعمه بأن الله كان معطلا ، والفعل ممتنع بلا إمكان ثم استحال وصار مقدورا له من غير أمر قام بالديان» مقصوده أن الله ما زال يفعل وهذا يستوجب (1) القول بقدم العالم وهو كفر.
    فصل
    استنكار الناظم إعادة المعدوم ... إلخ
    قال : «وقضى الله بأن يجعل خلقه عدما ويقلبه وجودا ويعيد ذا المعدوم. هذا المعاد وذلك المبدأ لذي جهم وقد نسبوه للقرآن هذا الذي قاد ابن سينا والألى قالوا مقالته إلى الكفران لم تقبل الأذهان ذا ، وتوهموا أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عناه بالإيمان ، هذا كتاب الله أنى قاله أو عبده أو صحبه أو تابع ، بل صرح الوحي بأنه مغير الأكوان وتحدث الأرض وتشهد أفيشهد العدم».
    أجمع المسلمون على أن الله قادر على أن يعدم الخلق ثم يعيده وعلى أن إنكار ذلك كفر وجمهور المسلمين على أن الواقع ذلك لقوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (26)) [الرّحمن : 26] و (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : 88] وقيل إن الأجسام تتفرق ثم تعاد وقوله (أفيشهد العدم) أنحن قلنا تشهد وهي عدم إنما تشهد بعد الإعادة فانظر كلام هذا الجاهل وقوله (لم تقبل الأذهان ذا) إن كان ينكر إمكانه (وكونه مقدورا لله) فهو كافر وإن لم ينكر إلا وقوعه فهو مذهب ضعيف. ثم قال «هذا الذي جاء الكتاب وسنة الهادي به ، ما قال إن الله يعدم خلقه طرا كقول الجاهل الحيران» أقول : قد قال تعالى : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) [الأنبياء : 104] ولو كانت الإعادة جمع الأجزاء بعد تفريقها أو الإتيان بغيرها لم تنطبق على الآية فإن الآية تقتضي أن جميع ما بدأ به الخلق يعيده وإنما يكون كذلك إذ أعدمه ثم أعاده بعينه ، والله قادر على ذلك. وقال تعالى : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الرّوم : 27] وإنما كان أهون بالنسبة إلى الشاهد
    __________________
    (1) وهذا الاستلزام بيّن وما يقال من أن لازم المذهب ليس بمذهب إنما هو فيما إذا كان اللزوم غير بيّن ، فاللازم البيّن لمذهب العاقل مذهب له وأما من يقول بملزوم مع نفيه للازمه البيّن فلا يعد هذا اللازم مذهبا له لكن يسقطه هذا النفي من مرتبة العقلاء إلى درك الأنعام وهذا هو التحقيق في لازم المذهب فيدور أمر القائل بما يستلزم الكفر لزوما بيّنا بين أن يكون كافرا أو حمارا.

    لأن الإعادة في الشاهد فعل على مثال وهو أهون من الابتداء لأنه فعل على غير مثال مع اشتراكهما في الإخراج من العدم إلى الوجود. وعند هذا المتخلف ما أخرج المعاد من العدم إلى الوجود بل من صفة إلى صفة يتعالى الله عن قوله فهذا القول منه بما دلّ عليه من أن الإبراز من العدم إلى الوجود في الإعادة غير مقدور ، كفر إلا إذا تأول على الوقوع مع الموافقة على الإمكان وليس ظاهر الكلام ففي قبول قوله إذا ادعاه نظر لأن هذا يتكرر وتكرير هذه الأمور يشبه الزندقة.
    فصل
    زعم الناظم قيام الله بالحوادث
    قال : «وقضى بأن الله ليس بفاعل فعلا يقوم (1) به بلا برهان» مقصود الناظم أن الله يفعل فعلا في ذاته فيكون محلا للحوادث ، تعالى الله عن قوله ، فنسب إلى جهم خلاف قوله وأنه قول بلا برهان. وهذا الناظم لا يعرف حقيقة البرهان ثم قال : «والجبر مذهبه» إن أراد نفس جهم فهو ليس بموجود والكلام معه ضياع ، وإن أراد الأشعري فقد كذب في قوله (إن الجبر مذهبه) ثم قال : «لكنهم حملوا ذنوبهم على رب العباد» هذا كذب أيضا عليهم فإن الجبرية يقولون إن الله تعالى يعذب من يشاء بذنب وبغير ذنب ، له ذلك (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) [الأنبياء : 23] وقوله :
    «وتبدءوا منها وقالوا إنها
    أفعاله ما حيلة الإنسان»

    __________________
    (1) قال الأستاذ أبو منصور عبد القاهر البغدادي في كتاب (الأسماء والصفات) : إن الأشعري وأكثر المتكلمين قالوا بتكفير كل مبتدع كانت بدعته كفرا أو أدّت إلى كفر ، كمن زعم أن لمعبوده صورة أو أن له حدّا ونهاية أو أنه يجوز عليه الحركة والسكون ... ولا إشكال لذي لب في تكفير الكرامية مجسمة خراسان في قولهم إنه تعالى جسم له حد ونهاية من تحته وأنه مماس لعرشه وأنه محل الحوادث وأنه يحدث فيه قوله وإرادته اه (راجع الفتاوى الحلبيات في أجوبة المؤلف عن 64 مسألة سأله عنها الشهاب الأذرعي) وكثيرا ما ترى الناظم يلهج بقيام الأفعال الحادثة بالله تعالى وينطق بلوازم الجسمية والتشبيه بكل صراحة وفي مثله قال القائل :
    كم تزرع التشبيه في
    سنخ القلوب فما انزرع

    فاهجر دمشق وأهلها
    واسكن ببصرى أو زرع

    فهناك يمكن أن يص
    دق ما تقول ويستمع

    وحق أمصار المسلمين أن لا تروج فيها أمثال تلك الأباطيل ، وإن ترج فإنما تروج في مثل بصرى بلد ابن زكنون أو زرع بلد الناظم أو تلك القفار التي لا يشع فيها نور غير نور الشمس.

    ما يتبرأ منها على هذه الصورة إلا ملحد ، والذي يعتقد ذلك يقول إنه تعالى يفعل ما يشاء وأطال الناظم في هذا كثيرا بجهل وصبية أو تقليد لمن هو مثله ثم قال :
    «وكذاك أفعال المهيمن لم تقم
    أيضا به خوفا من الحدثان

    فإذا جمعت مقالتيه أنتجا
    كذبا (وزورا واضح البهتان)»

    يعني أن فعل العبد فعل الله وفعل الله ما هو في ذاته إنتاجا بجهله ما يقوله وهو قوله :
    «فهناك لا خلق ولا أمر ولا
    وحي ولا تكليف عبد فان»

    ما هذه إلا قحة وبلادة يأخذ ما يتوهمه لازما فيستنتج وينكر على الناس إلزامه التجسيم اللازم ، ثم قال :
    «فانظر إلى تعطيله الأوصاف (1) وال
    أفعال والأسماء للرحمن»

    يا جاهل من قال بحدوث الأفعال كيف يلزمه التعطيل؟ ثم قال :
    «ما ذا الذي في ضمن ذا التعطيل
    نفى ومن جحد ومن كفران»

    إذا رجعنا إلى الخلاف بينك وبينه وجدناك كاذبا عليه ليس في القول بحدوث الأفعال لا نفي ولا جحود ولا كفران ، ثم قال :
    «لكنه أبدى المقالة هكذا
    في قالب التنزيه للرحمن»

    «وأتى إلى الكفر العظيم فصاغه
    عجلا ليفتن أمة الثيران»

    الله عند لسان كل قائل. الرجل إنما قال ذلك في قالب التنزيه ولم نعلم نحن باطنه فمن أين لك أنه قصد خلافه وصاغ الكفر عجلا ثم قال :
    «فرآه ثيران الورى فأصابهم
    كمصاب إخوتهم قديم زمان»

    __________________
    (1) والناظم المسكين قائل بحوادث لا أول لها انخداعا منه بشبه أوردها الفلاسفة في بحث الحدوث غير متصور اتصاف الله سبحانه بصفاته العليا قبل صدور الأفعال منه تعالى. واستنكار شيخه «كان الله ولم يكن معه شيء» مما استبشعه ابن حجر في فتح الباري جد الاستبشاع. وحدوث الأفعال فيما لا يزال لا يلزم منه تعطيل الصفات أصلا لا في زمن حدوث الأفعال ولا في غيره وهو تعالى سريع الحساب وشديد العقاب قبل خلق الكون وقبل النشور وهل يتصور عاقل أن يحاسب الله خلقه أو يعاقبه قبل أن يخلقهم؟ وهذا يهد مزاعم الناظم الذي يجري الصفات على مجرى واحد ، فالله القادر مختار يفعل ما يشاء متى شاء.

    إن أراد طائفة لا وجود لها فما في ذكرها من فائدة ، وإن أراد خصماءه من الأشعرية ونحوهم فيا لها من مصيبة جعلهم ثيرانا إخوة اليهود ثم قال :
    «عجلان قد فتنا العباد بصوته
    إحداهما وبحرفه ذا الثاني»

    وذكر أبياتا إلى آخرها ، والله أعلم أنه يقصد بها ربط قلوب الناس على أنه لا مسلم إلا هو وطائفته وسائر الناس كفار كاليهود الذين عبدوا العجل فيا ترى من أحق بشبه من عبد العجل؟ المجسم أم غيره؟
    فصل
    ثم قال :
    «يا أيها الرجل المريد نجاته
    (اسمع مقالة ناصح معوان)

    واضرب بسيف الوحي كل معطل
    ضرب المجاهد فوق كل بنان

    «من ذا يبارز فليقدم نفسه
    أو من يسابق يبد في الميدان»

    ويلك من أنت؟ أو أنت تعرف المبارزة أو حضرت قط مبارزة أو ميدانا؟ ثم قال :
    «لا تخش من كيد العدو ومكرهم
    فقتالهم بالكذب والبهتان

    فجنود أتباع الرسول ملائك
    وجنودهم فعساكر الشيطان»

    انظر كيف يقول عن خصومه وهم هداة العالم إنهم عساكر الشيطان وإن قتالهم بالكذب والبهتان ثم قال : «فإذا رأيت عصابة الإسلام قد وافت» يعني عصابة طائفته فانظر دلالته على كفر غيره «فإذا دعوك لغير حكمهما» يعني الكتاب والسنة «فلا سمعا لداعي الكفر والعصيان» فانظر إلى إيهامه العوام أن خصومه يدعون إلى غير الكتاب والسنة. ثم قال :
    «واسمع نصيحة من له خبر بما
    عند الورى من كثرة الجولان

    ما عندهم والله خير غير ما
    أخذوه عمن جاء بالقرآن»

    نعم ولكنهم فهموه وأنت ما فهمته ثم قال :
    «والكل بعد فبدعة أو فرية
    أو بحث تشكيك ورأي فلان»

    كأنه يصف طائفته.

    فصل
    عقد مجلس خيالي .. كلامه في وحدة الوجود
    وهذا أول عقد مجلس التحكيم. قال :
    واحكم إذا في رفقة قد سافروا
    يبغون فاطر هذه الأكوان

    فترافقوا في سيرهم وتفارقوا
    عند افتراق الطرق بالحيران

    فأتى فريق ثم قال وجدته
    هذا الوجود بعينه وعيان

    فهو السماء بعينها وهو الغمام بعينه وهو الهواء بعينه ، هذي بسائطه ومنه تركبت هذي المظاهر (1) يلبسها ويخلعها وتكثر الموجود كالأعضاء في المحسوس أو كالقوى في النفس. هذه مقالة ، أو كتكثر الأنواع في جنس فيكون كليا وجزئياته هذا الوجود (2)
    __________________
    (1) فتكون المظاهر على ما صوّره الناظم محلا له تعالى ، تعالى الله عن ذلك ، وأما كون الشيء مجلى لشيء فلا يفيد كونه محلا له ، فإن الظاهر في المرآة مثلا خارج عنها بذاته قطعا بخلاف الحال في محل ، فإنه حاصل فيه فالظهور غير الحلول فإن الظهور يجامع التنزيه بخلاف الحلول عند أشياع الشيخ الأكبر ، وأما كونه كلّا والكون جزءا له على ما ذكره الناظم فعلى خلاف ما اشتهر عنهم أن العالم أعراض مجتمعة في عين واحد كالثلج مع الماء ، تعالى الله عما يأفكون ، والواجب تعالى عندهم هو الوجود المحض المجرد عن الماهية القائم بذاته المتعين بذاته المطلق حتى عن قيد الإطلاق بمعنى أنه واحد شخصي موجود بوجود هو نفسه فلا يكون المطلق عندهم بمعنى الكلي حتى يرد على ذلك ما أورده السعد في شرح المقاصد من تسعة أوجه ، وأول من نطق بوحدة الوجود في الإسلام ـ فيما نعلم ـ هو جهم بن صفوان ، ولذلك ذهب إلى الجبر ، فكم فتح هذا الرأي من أبواب للإباحة والزندقة على شرار الخلق ، وإما القول بأن الممكن الوجود كلا موجود بالنظر إلى واجب الوجود لاحتياجه إليه بدءا ودواما فليس من الخطر في شيء كالقول بأن ذلك حالة خيالية تطرأ للسالك المقبل إلى الله بكليته ثم تنجلي كما ذكره السعد في شرح النسفية والناظم في كثير من كتبه ومن الصوفية من يتصور مسألة الوجود بحيث لا يخل بالتكليف والتنزيه ويقول إنه طور وراء طور العقل ولا كلام لنا فيما هو وراء طور العقل.
    (2) ولا وجود للكلي إلا في ضمن جزئياته فيكون الواجب هو العالم وهو عين مذهب الطبيعيين على تصوير الناظم خذلهم الله. على أن هذا التصوير يخالف ما قرره ابن سبعين في بدء العرف فليراجع. وترى شيخ الناظم ينسب إلى الصدر القونوي القول بأنه الموجود المطلق لا بشرط شيء وإلى ابن سينا القول بأنه الوجود المطلق بشرط الإطلاق فيعده نافيا للصانع باعتبار أن ما هو بشرط الإطلاق لا وجود له إلا في الأذهان ، لكن الفلاسفة ، ومنهم ابن سينا ، يرون أن الواجب هو الوجود المقيد بقيد التجرد ، بمعنى اللاعروض ، وهو مبدأ الكون كله ، فعلم أن شيخ الناظم لم يحك كلام ابن سينا على الوجه ، وتغابى عن فهمه كما سبق مثل ذلك. ورأى الصدر القونوي يظهر من مفتاحه. والحاصل أن بحث وحدة الوجود بحث خطر متشعب والموفق من وقاه الله شره ، وممن توسع في رد ذلك القاضي عضد الدين في المواقف.

    فهذان قولان الأول نص الفصوص وما بعده قول ابن سبعين وما القولان عند العفيف التلمساني الذي هو غاية في الكفر إلا من الأغلاط في حس وفي وهم وتلك طبيعة الإنسان والكل شيء واحد» وأطال في أقوالهم.
    فصل
    قال :
    «وأتى فريق ثم قال وجدته
    بالذات موجودا بكل (1) مكان

    هو كالهواء بعينه لا عينه
    ملأ الخلاء ولا يرى بعيان

    والقوم ما صانوه عن بئر ولا
    قبر ولا حش ولا أعطان

    وعليهم رد الأئمة أحمد
    وصحابه من كل ذي عرفان

    فهم الخصوم لكل صاحب سنة
    وهم الخصوم لمنزل القرآن»

    هؤلاء أيضا ليس علينا منهم.
    فصل
    ثم قال :
    «وأتى فريق (2) ثم قارب وصفه
    هذا ولكن جد في الكفران

    فأسر قول معطل ومكذب
    في قالب التنزيه للرحمن

    __________________
    (1) وهذا بظاهره قول بالتجسيم كقول من يقول إنه مستقر على العرش ، وإن كان مراده أنه لا يوصف بمكان دون مكان ، بل نسبته إلى الأمكنة على حد سواء لتعاليه عن الجهات ، فهو قول متكلمي أهل السنة والمعتزلة ، ولعل هذا اللفظ لفظ من حكى هذا المذهب تشنيعا ، وأما إن كان بيانا لمذهب جهم على خلل في اللفظ فهو داخل في الفريق القائل بوحدة الوجود ، فلا وجه لإفراده بكل حال. ونسبة كتاب (الرد على الجهمية) الذي فيه الرد على هؤلاء إلى أحمد نسبة كاذبة ، وراويه الخضر بن المثنى مجهول ، وقد أنصف الذهبي حيث قال : وفي النفس شيء من صحة هذه النسبة. ويقول الناظم في عزوه : إن الخضر المذكور عرفه الخلال. لكن لو كان بمثل هذا القول تزول الجهالة لما وجد بين الرواة مجهول أصلا ، على أن نظرنا إلى الخلال وغلامه ليس كنظر الناظم وشيخه إليهما فضلا عمن دونهما في السند من مقلدة الحشوية بل في متن (الرد على الجهمية) ما يجل مقدار أحمد عن أن يفوه بمثله جزما.
    (2) وهم أهل السنة خصوم كل مجسم وزائغ ، وهم يقولون إنه لا يقال إن الله في داخل العالم ، كما لا يقال إنه في خارج العالم ، ولا إنه مستقر على العرش لأن ذلك لم يرد في الكتاب ولا في السنة ، ولأن ذلك شأن الأجسام ، ومن جوّز في معبوده الدخول والخروج والاستقرار فهو عابد وثن ، ويؤيدهم البراهين والآيات الواردة في التنزيه. وليس للمشبهة شبه شبهة في ذلك كما سيأتي رغم أنف هذا الناظم الزائغ.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ترجمة بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري   ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyالثلاثاء أكتوبر 15, 2024 11:16 pm


    إذا قال ليس بداخل فينا ولا
    هو خارج عن جملة الأكوان

    بل قال ليس ببائن عنها ولا
    فيها ولا هو عينها ببيان

    كلا ولا فوق السماوات العلى
    والعرش من رب ولا رحمان

    والعرش ليس عليه معبود سوى
    العدم الذي لا شيء في الأعيان

    بل حظه من ربه حظ الثرى
    منه وحظ قواعد البنيان

    لو كان فوق العرش كان كهذه ال
    أجسام سبحان العظيم الشأن»

    يعني أن هذا من قولهم ، ثم قال :
    «ولقد وجدت لفاضل منهم مقا
    ما قامه في الناس منذ زمان»

    في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تفضلوني على يونس» قد كان يونس في قرار البحر ومحمد صعد السماء وجاوز السبع الطباق ، وكلاهما في قربه من ربه سبحانه إذ ذاك مستويان.
    فاحمد إلهك أيها السني إذ
    عافاك من تحريف ذي بهتان

    والله ما يرضى بهذا خائف
    من ربه أمسى على الإيمان

    هذا هو الإلحاد حقا بل
    هو التحريف محضا أبرد الهذيان

    والله ما بلى المجسم قط ذي ال
    بلوى ولا أمسي بذي الخذلان

    أمثال ذا التأويل أفسد هذه ال
    أديان حين سرى إلى الأديان

    والفاضل الذي أشار إليه (1) .... وتفسيره للحديث المذكور بما قاله صحيح ،
    __________________
    (1) وهنا بياض في أصل المؤلف والمراد بذلك الفاضل هو إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني ، وقد ذكر غير واحد من أهل العلم منهم ابن فرح القرطبي في تذكرته رواية عن القاضي أبي بكر بن العربي عن غير واحد من أصحاب إمام الحرمين عنه ما معناه : أن ذا حاجة حضر عنده وشكا من دين ركبه فأشار إليه بالمكث لعل الله يفرج عنه وفي أثناء ذلك حضر غني يسأله عن الحجة في تنزه الله سبحانه عن الجهة فقال إمام الحرمين : الأدلة على هذا كثيرة جدا ، منها نهيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن تفضيله على يونس عليه‌السلام. فصعب فهم وجه دلالة ذلك على الحضور ، فسأله السائل عن وجه الدلالة فقال إمام الحرمين : حتى تقضي حاجة هذا ـ مشيرا إلى صاحب الدين ـ فتولى قضاء دينه ، ثم أجاب الإمام قائلا : إن هذا الحديث يدل على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو عند سدرة المنتهى لم يكن بأقرب إلى الله من يونس عليه‌السلام وهو في بطن الحوت في قعر البحر ، فدل ذلك على أنه تعالى منزّه عن الجهات. وإلا لما صحّ النهي عن التفضيل ، فاستحسنه الحاضرون غاية الاستحسان ولفظ البخاري «لا يقولن أحدكم إني خير من يونس بن متى» والمعنى واحد وذكره القاضي عياض في الشفاء على لفظ المؤلف ، ومن أطلق الكفر على إثبات الجهة في غاية من الكثرة بين الأئمة ، ومن الدليل على تنزه الله سبحانه عن الجهة حديث «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» أخرجه النسائي وغيره.

    وقد سبقه إليه إمام دار الهجرة نجم العلماء أمير المؤمنين في الحديث ، عالم المدينة أبو عبد الله مالك بن أنس حكى ذلك الفقيه الإمام العلامة قاضي قضاة الإسكندرية ناصر الدين بن المنير المالكي (1) الفقيه المفسر النحوي الأصولي الخطيب الأديب البارع في علوم كثيرة في كتابه (المقتفي في شرف المصطفى) لما تكلم على الجهة وقرر نفيها ، قال : ولهذا المعنى أشار مالك رحمه‌الله في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تفضلوني على يونس بن متى» فقال مالك : إنما خص يونس للتنبيه على التنزيه لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم رفع إلى العرش ، ويونس عليه‌السلام هبط إلى قابوس البحر ، ونسبتهما مع ذلك من حيث الجهة إلى الحق جلّ جلاله نسبة واحدة! ولو كان الفضل بالمكان لكان عليه الصلاة والسلام أقرب من يونس بن متى وأفضل مكانا ، ولما نهى عن ذلك. ثم أخذ الفقيه ناصر الدين يبدي أن الفضل بالمكانة لأن العرش في الرفيق الأعلى ، فهو أفضل من السفل ، فالفضل بالمكانة لا بالمكان ، فانظر أن مالكا رضي الله عنه ـ وناهيك به ـ قد فسر الحديث بما قال هذا المتخلف النحس ، إنه إلحاد ، فهو الملحد عليه لعنة الله (2) ما أوقحه وما أكثر تجرأه؟! أخزاه الله.
    فصل
    الفوقية الحسية ... إلخ
    ثم قال :
    وأتى فريق ثم قارب وصفه
    هذا وزاد عليه في الميزان

    قال اسمعوا يا قوم لا تلهيكم
    هذي الأماني هن شر أماني

    أتعبت راحلتي وفتشت ، ما دلني أحد عليه إلا طوائف بالحديث تمسكت تعزى
    __________________
    (1) صاحب «البحر الكبير في نخب التفسير» الذي يقول عنه بعض المحققين إنه لم يؤلف في التفسير مثله وهو من مفاخر المالكية في القرن السابع بل من مفاخر علماء الإسلام طرا ، ويوجد بدار الكتب المصرية جزء من هذا التفسير وكتابه المقتفي يتوسع في بيان الإسراء.
    (2) ترى المؤلف على ورعه البالغ يستنزل اللعنات على الناظم في كثير من مواضع هذا الكتاب ، وهو يستحق تلك اللعنات من حيث خروجه على معتقد المسلمين بتلك المخازي ، لكن الخاتمة مجهولة ، فالأولى كف اللسان الآن عن اللعن. وأما استنزل المؤلف اللعنة عليه فكان في حياة الناظم وهو يمضي على زيغه وإضلاله عامله الله بعدله.

    مذاهبها إلى القرآن ، قالوا : الذي تبغيه فوق عباده (1) فوق السماء وفوق كل مكان وهو الذي حقا على العرش استوى وإليه يصعد كل قول طيب وإليه يرفع سعي ذي الشكران ، والروح والأملاك منه تنزلت وإليه تعرج وإليه أيدي السائلين توجهت ، وإليه قد عرج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإليك قد رفع المسيح حقيقة وإليه يصعد روح كل مصدق ، لكن أولو التعطيل منهم أصبحوا مرضى بداء الجهل والخذلان.
    تسمية الناظم أهل الحق بحزب جنكز خان
    فسألت عنهم رفقتي أصحاب جهم حزب (2) جنكسخان. من هؤلاء؟ قال مشبهة
    __________________
    (1) والوارد في القرآن الكريم (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) [الأنعام : 18] ومن الخرق أن يظن من قوله تعالى عن القبط : (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) [الأعراف : 127] ركوب القبط على أكتاف بني إسرائيل مع إمكان ركوب جسم على جسم ، وكيف يتصور ذلك في الله تعالى المنزّه عن الجسم ولوازم الجسمية واعتبار ذات الله فوق عباده فوقية مكانية إلحاد ليس من مدلول الآية في شيء وكون ذاته جلّ جلاله فوق إحدى السماوات فوقية مكانية وفوق كل مكان فوقية مكانية مثل ما سبق في الزيغ ، وأين في القرآن ما يوهم ذلك؟ على أن القول الأخير موافقة منه لمن يقول إن ذاته جلّ شأنه بكل مكان وكفى هذا تهاترا. وإن كان يريد بالاستواء الاستقرار تبعا لمقاتل بن سليمان شيخ المجسمة فقد استعجمت عليه الآية الكريمة وتباعد عن بلاغتها أيما تباعد وقد أوضحت ذلك في (لفت اللحظ إلى ما في الاختلاف في اللفظ) ونسبة الصعود إلى الأعراض والمعاني من الدليل في أول نظر على أنه مجاز من القبول وما ذا من نزول الملائكة من السماوات وعروجهم إليها. وإليه تعالى قصد السائلين ، لكن رفعهم الأيدي إلى السماء ليس في شيء من الدلالة على استقرار وجود ذاته في السماء وإنما ذلك لمجرد أن السماء قبلة الدعاء ومنزل الأنوار والأمطار والخيرات والبركات (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) [الذّاريات : 22] وسمت الرأس مما يتبدل آنا فآنا كما يعرف ذلك صغار التلاميذ في المدارس ، فهل ذات معبود الناظم في تنقل دائم لا يبرح سمت رأسه؟! وما حال سائر الداعين في أقطار الأرض؟ وهذا هو الجهل المطبق. لم يكن إسراء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليغشى مكان الله ـ سبحانه عن المكان ـ بل أسرى به ربه ليريه من آياته الكبرى كما نصّ على ذلك القرآن ومقام عيسى عليه‌السلام يظهر من حديث المعراج ، فويح الناظم ما أجهله بالسنة ، نعم يوجد بين النصارى من يزعم أن الابن رفع إلى السماء وجلس في جنب أبيه ، تعالى الله عما يقول المجسمة وإخوانهم النصارى واليهود علوا كبيرا ، وصعود الأرواح إلى السماء من الذي يراه صالحا لاتخاذه دليلا على التجسيم؟.
    (2) انظر هذا الحشوي كيف يجعل أهل السنة المنزّهين لله عن الجسم والجسمانيات من حزب جنكزخان الذي اكتسح معالم الإسلام من بلاد الصين إلى حدود الشام غربا وإلى نهر ولجا وما والاها من بلاد البلغار القديم شمالا ذلك الكافر العريق في الكفر ، المسود لتاريخ البشرية بعظائمه الهمجية. ولم تزل أعين المسلمين تفيض دما على تلك الكوارث التي قضت على تلك العلوم الزاهرة وعلى هؤلاء العلماء النبهاء حرّاس الشريعة الغرّاء ، حتى أصبح مثل النظام يجد

    مجسمة (1) فلا تسمع ترابهم والعنهم واحكم بسفك دمائهم فهم أضل من اليهود والنصارى ، واحذر تجادلهم ب «قال الله وقال الرسول» وهم أولى به ، فإذا ابتليت بهم فغالطهم على التأويل للأخبار والقرآن ، وعلى التكذيب للآحاد.
    هذان أصلان أوصى بهما أشياخنا أشياخهم ، وإذا اجتمعت بهم في مجلس فابدأ بإيراد وشغل زمان لا يملكوه عليك بالآثار وتفسير القرآن ، فإن وافقت صرت مثلهم ، وإن عارضت صرت زنديقا كافرا ، وإن سكت يقال جاهل ، فابدأ ولو بالفشر والهذيان
    __________________
    ـ مجالا للكلام ، بمثل هذه المخازي ، كأنه وشيخه كانا يحاولان القضاء على البقية الباقية من الإسلام ، ومن علوم الإسلام ، إتماما لما لم يتم بأيدي المغول ، لكنهما قضيا على أنفسهما ومداركهما قبل أن يقضيا على السنة باسم السنة وعلى عقول الناس باسم النظر عاملهما الله سبحانه بعدله.
    (1) يسعى الناظم بكل قواه في تهوين أمر التجسيم أسوة بشيخه ، لكن القائلين بقدم الجسم طائفتان ليس بين طوائف البشر أسخف أحلاما من كلتا الطائفتين. إحداهما الطبيعيون وقد تسمى الملاحدة والزنادقة والدهرية والمعطلة وهم القائلون بنفي الصانع ، وهم كما يقول المطهر المقدسي أقل الناس عددا وأفيلهم رأيا ، وأشرهم حالا وأوضعهم منزلة ، يقولون بقدم أعيان العالم والأجسام وتولد النبات والحيوان من الطبائع باختلاف الأزمنة والثانية المجسمة وقد تسمى الحشوية والمشبهة على اختلاف بينهم فيما يختلقونه في الله من السخافات والحماقات ، تعالى الله عما يصفون ، وهم مشاركون لهؤلاء في القول بجسم قديم قدما ذاتيا إلا أنهم يؤلهونه ويتعبدونه بخلاف هؤلاء ، سواء أطلقوا لفظ الجسم عليه أم لم يطلقوا بعد أن قالوا بمعنى الجسم الشاغل للفراغ ، الذاهب في الجهات ، حيث خاضوا في ذات الله سبحانه بعقولهم الضئيلة التي تعجز عن اكتناه ذوات المخلوقات وإنما علمهم بالمخلوقات عبارة عما تخيلوه بشأنها من إحساسهم بأغراضها ، فكيف يجترءون على تخيل الحوم حول حمى الخالق جلّ وعلا.
    قال ابن تيمية في التأسيس في رد أساس التقديس المحفوظ في ظاهرية دمشق في ضمن المجلد رقم 25 من الكواكب الدراري ، وهذا الكتاب مخبأة ووكر لكتبهم في التجسيم وقد بينت ذلك فيما علقته على المصعد الأحمد (ص 31) : «فمن المعلوم أن الكتاب والسنة والإجماع لم ينطق بأن الأجسام كلها محدثة وأن الله ليس بجسم ولا قال ذلك إمام من أئمة المسلمين فليس في تركي لهذا القول خروج عن الفطرة ولا عن الشريعة اه».
    وقال في موضع آخر منه : «قلتم ليس هو بجسم ، ولا جوهر ولا متحيز ولا في جهة ولا يشار إليه بحس ولا يتميز منه شيء وعبرتم عن ذلك بأنه تعالى ليس بمنقسم ولا مركب وأنه لا حد له ولا غاية ، تريدون بذلك أنه يمتنع عليه أن يكون له حد وقدر أو يكون له قدر لا يتناهى ... فكيف ساغ لكم هذا النفي بلا كتاب ولا سنة اه». وفي ذلك عبر للمعتبر ، وهل يتصور لمارق أن يكون أصرح من هذا بين قوم مسلمين؟.

    هذا الذي ـ والله (1) ـ وصانا به أشياخنا فرجعت عن سفري وقلت لصاحبي : عطّل ركابك ما ثمّ شيء غير ذي الأكوان ، لو كان للأكوان رب خالق كان المجسم صاحب البرهان أو كان رب بائن عن ذا الورى ، كان المجسم صاحب الإيمان. فدع التكاليف واخلع عذارك ما ثم فوق العرش من رب ، ولم يتكلم الرّحمن بالقرآن لو كان فوق العرش رب لزم التحيز ولو كان القرآن عين كلامه حرفا وصوتا (2) كان ذا جثمان ، فإذا
    __________________
    (1) ثم انظر كيف يحلف كذبا على هذه المحاورة الخيالية فهل يتصور أن يصدر منه مثل ذلك لو كان يخاف مقام ربه في ذلك اليوم الرهيب ، وسيأتي ما يقضي على مزاعمه في استقرار معبوده على العرش ـ جلّ إله المسلمين عن مثل هذه الوثنية ـ كما سيأتي القضاء على مزاعمه في الحرف والصوت قضاء لا نهوض لها بعده إن شاء الله تعالى.
    (2) واعتقاد الصوت في كلام الله خطر جدا ، وكان الإمام عز الدين بن عبد السلام ابتلي بالمبتدعة الصوتية في عهد الملك الأشرف موسى ابن الملك العادل الأيوبي ، وكان الملك الأشرف هذا يميل إليهم ويعتقد فيهم أنهم على صواب حيث كان يخالطهم منذ صغره حتى منع العز المذكور من الإفتاء بسبب هذه المسألة كما هو مشروح ، مفصّل في مطلب الأديب لأبي بكر بن علي الحسيني السيوطي ، وفي طبقات التاج ابن السبكي وطبقات التقي التميمي ، وفي خلاصة الكلام في مسألة الكلام للشيخ محمد عبد اللطيف بن العز المذكور ـ وقد نقلت الرسالة الأخيرة من خط المؤلف ـ واستمر منعه من الإفتاء إلى أن ركب الإمام الكبير جمال الدين الحصيري ـ شارح الجامع الكبير ، وشيخ الفقهاء في عصره ـ وتوجه إلى الملك الأشرف وأفهمه أن الحق مع العز وقال له إن ما في فتياه هو اعتقاد المسلمين وكل ما فيها صحيح ومن خالف ذلك فهو حمار. وكان الجمال الحصيري عظيم المنزلة عند الملك لجلالة قدره عند جماهير أهل العلم ، فأطلق الإفتاء للعز ومنع الصوتية من مزاعم الحرف والصوت في كلام الله سبحانه.
    فتاوى في الرد على القائلين بالحرف والصوت
    وأرى من النصح للمسلمين أن أنقل هنا أجوبة الإمام العز بن عبد السلام والإمام جمال الدين أبي عمرو عثمان بن الحاجب المالكي ، والإمام علم الدين أبي الحسن علي بن محمد السخاوي مؤلف «جمال القراء وكمال الإقراء» حينما استفتوا في هذه المسألة. ومكانتهم السامية في العلم معروفة.
    ونص السؤال والأجوبة كما هو مدوّن في «نجم المهتدي ورجم المعتدي» للفخر بن المعلم القرشي ، كالآتي :
    صورة السؤال : ما يقول السادة الفقهاء رضي الله عنهم في كلام الله القديم القائم بذاته؟ هل يجوز أن يقال إنه عين صوت القارئ وحروفه المقطعة ، وعين الأشكال التي يصورها الكاتب في المصحف؟ وهل يجوز أن يقال إن كلام الله القديم القائم بذاته حروف وأصوات على المعنى الظاهر فيها وإنه عين ما جعله الله معجزة لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ وما الذي يجب على من اعتقد جميع ذلك وأذاعه وغربه ضعفاء المسلمين وهل يحل للعلماء المعتبرين إذا علموا أن ذلك قد ـ

    __________________
    ـ شاع أن يسكتوا عن بيان الحق في ذلك وإظهاره والرد على من أظهر ذلك واعتقده؟ أفتونا مأجورين.
    صورة جواب الإمام عز الدين بن عبد السلام رحمه‌الله :
    القرآن كلام الله صفة من صفاته قديم بقدمه ، ليس بحروف ولا أصوات ومن زعم أن الوصف القديم هو عين أصوت القارئين وكتابة الكاتبين فقد ألحد في الدين وخالف إجماع المسلمين ، بل إجماع العقلاء من غير أهل الدين ولا يحل للعلماء كتمان الحق ولا ترك البدع سارية في المسلمين ، ويجب على ولاة الأمر إعانة العلماء المنزهين الموحدين ، وقمع المبتدعة المشبهين المجسمين ، ومن زعم أن المعجزة قديمة فقد جهل حقيقتها ، ولا يحل لولاة الأمر تمكين أمثال هؤلاء من إفساد عقائد المسلمين ، ويجب عليهم أن يلزمهم بتصحيح عقائدهم بمباحثة العلماء المعتبرين ، فإن لم يفعلوا ألجئوا إلى ذلك بالحبس والضرب والتعزير ، والله أعلم.
    كتبه عبد العزيز بن عبد السلام
    وصورة جواب الإمام جمال الذين أبي عمرو عثمان بن الحاجب المالكي :
    من زعم أن أصوات القارئ وحروفه المتقطعة والأشكال التي يصورها الكاتب في المصحف هي نفس كلام الله تعالى القديم فقد ارتكب بدعة عظيمة وخالف الضرورة وسقطت مكالمته في المناظرة فيه ، ولا يستقيم أن يقال إن كلام الله تعالى القديم القائم بذاته هو الذي جعله الله معجزة لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإن ذلك يعلم بأدنى نظر ، وإذا شاع ذلك أو سئل عنه العلماء وجب عليهم بيان الحق في ذلك وإظهاره ويجب على من له الأمر وفقه الله أخذ من يعتقد ذلك ويغريه ضعفاء المسلمين وزجره وتأديبه وحبسه عن مخالطة من يخاف منه إضلاله إلى أن يظهر توبته عن اعتقاد مثل هذه الخرافات التي تأباها العقول السليمة ، والله أعلم.
    كتبه عثمان بن أبي بكر الحاجب
    وصورة جواب الإمام علم الدين أبي الحسن علي السخاوي :
    كلام الله عزوجل قديم صفة من صفاته ليس بمخلوق ؛ وأصوات القراء وحروف المصاحف أمر خارج عن ذلك ، ولهذا يقال صوت قبيح وقراءة غير حسنة وخط قبيح غير جيد ، ولو كان ذلك كلام الله لم يجز ذمه على ما ذكر لأن أصوات القراء به تختلف باختلاف مخارجها والله تعالى منزّه عن ذلك ، والقرآن عندنا مكتوب في المصاحف متلو في المحاريب محفوظ في الصدور غير حالّ في شيء من ذلك ، والمصحف عندنا معظّم محترم لا يجوز للمحدث مسه ، ومن استخفّ به أو ازدراه فهو كافر مباح الدم ، والصفة القديمة القائمة بذاته سبحانه وتعالى ليست المعجزة ، لأن المعجزة ما تحدّى به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وطالب بالإتيان بمثله ومعلوم أنه لم يتحدهم بصفة الباري القديمة ، ولا طالبهم بالإتيان بمثلها ، ومن اعتقد ذلك وصرّح به أو دعا إليه فهو ضال مبتدع ، بل خارج عما عليه العقلاء إلى تخليط المجانين ، والواجب على علماء المسلمين إذا ظهرت هذه البدعة إخمادها وتبيين الحق والله أعلم.
    علي السخاوي
    انظر يا رعاك الله كيف كان العلماء يتكاتفون في قمع البدع وإحقاق الحق على اختلاف مذاهبهم في تلك العصور الزاهرة بخلاف غالب أهل العلم في زماننا هذا فإن لهم منازع وراء اختلاف

    __________________
    ـ المذاهب لا يهمهم ذيوع الباطل وقد خانوا دينهم الذي ائتمنهم الله عليه ، وبه يعيشون ، ويوم الخائنين يوم رهيب.
    وكانت تلك الفتنة بالشام في النصف الأول من القرن السابع الهجري ، وقد وقع مثلها في النصف الأخير من القرن السادس بمصر ، وفتنة القاهرة معروفة بفتنة ابن مرزوق وابن الكيزاني وكلاهما من حشوية الحنابلة ، وظن التاج ابن السبكي بن الكيزاني من الشافعية فترجم له في طبقاته تبعا لابن خلكان ، فلا بأس في الإشارة هنا إلى فتاوى علماء ذلك العصر في حقهما.
    وصورة الاستفتاء في شأنهما :
    ما قولكم في الحشوية الذين على مذهب ابن مرزوق وابن الكيزاني اللذين يعتقدان أن الله سبحانه يتكلم بحرف وصوت ، تعالى الله عن ذلك ، وأن أفعال العباد قديمة ، هل تنفذ أحكامهم على أهل التوحيد وعامة المسلمين وهل تقبل شهاداتهم على المسلمين أم لا؟.
    جواب الإمام شهاب الدين أبي الفتح محمد بن محمود الطوسي الشافعي (صاحب الوقائع مع ابن نجية الحنبلي):
    تقبل شهادة عدولهم على أصحابهم ولا تسمع شهاداتهم على أهل الحق من الموحدين ولا ينفذ حكم قاضيهم على الموحدين فإنهم أعداء الحق ، والله أعلم.
    كتبه محمد الطوسي
    وجواب الإمام يوسف الأرموي :
    ما نصّ عليهم أعلاه اقترفوا حوبة عظيمة يجب عليهم القفول عما اعتقدوه وهم كفار عند أكثر المتكلمين وكيف يسوغ قبول أقوالهم؟ ويجب على من إليه الأمر إحضارهم واستتابتهم عما هم عليه ، فإن تابوا وإلا قتلوا ، وحكمهم في الاستتابة حكم المرتد في إمهاله ثلاثة أيام ولا يقتل في الحال.
    كتبه يوسف الأرموي
    وجواب الخطيب أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الحموي :
    من اعتقد أن أفعال العباد قديمة فقد قال قولا يلزم منه القول بقدم العالم ومن قال بقدم العالم فهو كافر لا تصح ولايته ولا تقبل شهادته والله أعلم.
    كتبه محمد بن إبراهيم الحموي
    واستفتاء آخر صورته :
    ما قول الفقهاء الأئمة قادة علماء هذه الأمة أدام الله إرشادهم ووفق إصدارهم وإيرادهم في الحشوية الذين على مذهب ابن مرزوق وابن الكيزاني. اللذين يعتقدان أن الله سبحانه متكلم بحرف وصوت ، وأن أفعال العباد قديمة ، هل تقبل شهاداتهم على أهل الحق الموحدين الأشعرية ، وهل تنفذ أحكام قضاتهم على الأشعرية أم لا؟
    جواب الإمام أبي المنصور ظافر بن الحسين الأزدي المالكي :
    لا تقبل شهادة من يقول إن الله تعالى يتكلم بحرف وصوت لأنهم مرتكبون كبيرة هي أعظم من سائر المعاصي كالزنى وشرب الخمر لأنها كبيرة تتعلق بأصل من أصول الدين.
    كتبه ظافر بن حسين الأزدي

    __________________
    ـ وجواب شارح المهذب أبي إسحاق إبراهيم العراقي :
    جوابي كذلك.
    كتبه إبراهيم العراقي
    وجواب الخطيب محمد بن إبراهيم الحموي :
    من قال إن الله متكلم بحرف وصوت فقد قال قولا يلزم منه أن الله جسم ومن قال إنه جسم فقد قال بحدوثه ومن قال بحدوثه فقد كفر ، والكافر لا تصح ولا تقبل شهادته ، والله أعلم.
    كتبه محمد بن إبراهيم الحموي
    وجواب الشيخ جمال الدين بن رشيق المالكي :
    لا تقبل شهادتهم ولا يجوز أن يولوا الحكم ولا غيره من المناصب الدينية لأنهم بين جاهل يصر على جهله بما يتعين عليه اعتقاده من صفات الله سبحانه وبين عالم معاند للحق ، ومن هذه صفته يتعين تأديبه وزجره عما صار إليه بأبلغ الأدب ، ومن جملته رد الشهادة وبالله التوفيق.
    كتب حسين بن عتيق بن رشيق
    وجواب الشيخ محيي الدين محمد بن أبي بكر الفارسي :
    من قال إن الله سبحانه متكلم بالصوت والحرف فقد أثبت الجسمية وصار بقوله مجسما ، والمجسم كافر ، ومن قال إن أفعال العباد قديمة فقد كذب الله تعالى في قوله : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (96)) [الصّافات : 96] ومكذب الله بصفة الإصرار كافر ولا تثبت عدالتهم ولا تقبل شهادتهم ولا تجوز الصلاة خلفهم ، ويجب على الإمام وعلى نوابه في الأقاليم استتابتهم ، فإن لم يرجعوا عما هم فيه من الكفر يعاقبهم على كفرهم أو يقبل الجزية منهم أذلاء لا كاليهود والنصارى بل كفرهم أشنع وأبشع من مقالة النصارى واليهود ، أما اليهود فشبهوه بالحادث صفة ، وأما النصارى فقالوا إنه جوهر شريف والمجسمة يثبتون الجسم لله ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
    وكتب محمد الفارسي :
    وفي تلك الفتاوى ما ينزجر به من يخاف مقام ربه من تلك البدع الشنيعة وبها يعلم أيضا أن أبا عمرو عثمان بن مرزوق الحنبلي وأبا عبد الله الكيزاني الحنبلي مشتركان في إثارة البدع المذكورة بمصر ولا مانع من أن يكون بينهما بعض اختلاف في فرع من فروع تلك البدع ، ومن حاول تبرئة أحدهما منها فلا حجة عنده أصلا ، وقد تكلف ابن رجب في طبقاته تبرئة ابن مرزوق عن ذلك بدون جدوى بعد أن أقرّ بذلك الناصح الحنبلي وابن القطيعي الحنبلي ، ولو كان ابن رجب رأى تلك النصوص من فتاوى علماء عصر ابن مرزوق وابن الكيزاني المنقولة عن خطوطهم المحفوظة في خزانة الملك الظاهر بيبرس لما سعى في تبرئة ساحته من تلك البدعة الشنيعة.
    ونسبة القول بتلك البدعة إلى ابن الكيزاني في مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي لا تبرئ ابن مرزوق منها على أن ابن رجب قال بعد ذلك : ثم وجدت لأبي عمرو بن مرزوق مصنفا في أصول الدين ، ورأيته يقول فيه إن الإيمان غير مخلوق ، أقواله وأفعاله وإن حركات العباد مخلوقة ، لكن القديم يظهر فيها كظهور الكلام في ألفاظ العباد اه.

    انتفيا ما الذي يبقى من إيمان؟ فدع الحلال مع الحرام لأهله ، فهما السياج فاخرقه ثم ادخل واقطع علائقك التي قد قيدت هذا الورى لتصير حرا (1) لست تحت
    __________________
    ـ هذا طراز آخر في التخريف يدل على أنه قائل بالحلول على مذهب السالمية ، ومثله لا يمكن ترقيع كلامه. ووقعت بين الفتنتين فتنة عبد الغني المقدسي الحنبلي في الصوت ونحوه كما في ذيل الروضتين لأبي شامة فليراجع هناك ، وما حدث في القرن الخامس ببغداد في عهد أبي نصر بن القشيري من فتنة الحشوية فمشهور جدا. والمحضر الذي رفعه أبو إسحاق الشيرازي والحسين بن محمد الطبري ومحمد بن أحمد الشاشي والحسين بن أحمد البغدادي وعزيزي بن عبد الملك شيذلة ، وغيرهم من أئمة ذلك العصر عن تلك الفتنة بخطوطهم إلى نظام الملك ، مسجل في تبيين كذب المفتري لابن عساكر (ص 310) فيراجع هناك ليعلم مبلغ سعي الحشوية في إثارة الفتن في كل قرن وذلك مما يعرق به جبين الدهر خجلا من تخريفاتهم التي يتبرأ منها العقلاء كلهم. وأما ما أحدثوه من الفتن في أوائل القرن الرابع من الدعوة إلى القول بإجلاس محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم على العرش في جنبه تعالى فمدوّن في كتب التاريخ. والمرسوم الذي أصدره الراضي العباسي ضد البربهاري الداعي إلى تلك البدعة مسجل في تاريخ ابن الأثير بنصه وفصه فليراجع القارئ الكريم هذا وذاك ليعلم نصيب الحشوية من العقل والدين وكلا الكتابين بمتناول الأيدي فنستغني عن نقل نصوص عنهما ، وفي كل ما تقدم عبر ، ويا لها من عبر ، والله سبحانه هو الهادي إلى سواء السبيل.
    رد حديث الأوعال
    (1) انظر هذا الخبث المضاعف ، يصور الناظم أن القول بعدم استقرار الإله جلّ شأنه على العرش استقرار تمكن وبعدم كون كلام الله القائم بذاته حرفا وصوتا حادثين في ذاته تعالى يكون انحلالا عن الدين وانسلاخا من التكاليف ، ولست أشك أن من يجترئ على هذا التصوير ويدور في خلده مثل هذا التفكير أمام جماهير أهل الحق المعتقدين للتنزيه من فجر الإسلام إلى اليوم في مشارق الأرض ومغاربها على طول القرون لا يكون إلا منطويا على الانسلاخ الذي يرمي به أهل الحق ، قاتله الله ما أجرأه على الله وما أوقحه! فمن الذي نفى أن للعالم مدبرا وأن القرآن كلام الله أنزل به الروح الأمين على قلب رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ ومن الذي يجهل أن الملء والتخلية من شأن الأجسام نفيا وإثباتا ولم يرد الملء في سنة صحيحة حتى يجوز إطلاقه عليه سبحانه ، على أن تنزهه سبحانه عن الجسمية ولوازم الجسمية مما أجمع عليه أهل الحق ، ولم يشك فيه سوى من عنده نزعة الوثنية ، ولفظ بائن من خلقه لم يرد في كتاب ولا سنة ، وإنما أطلق من أطلق من السلف بمعنى نفي الممازجة ردا على جهم لا بمعنى الابتعاد بالمسافة ، تعالى الله عن ذلك. كما صرح بذلك البيهقي في الأسماء والصفات ، وأما لفظ أنه فوق العرش فلم يرد مرفوعا إلا في بعض طرق حديث الأوعال ـ من رواية ابن منده من التوحيد ـ وعبد الله بن عميرة في سنده مجهول الحال ، ولم يدرك الأحنف فضلا عن العباس. وسماك انفرد به عن عبد الله هذا ، في جميع الطرق ، ويحيى بن العلاء في رواية عبد الرزاق عن سماك يقول عنه أحمد : كذاب يضع الحديث. وتصحيح بعض الحشوية لبعض طرق حديث الأوعال لا يزيل ما به سندا ومتنا ، بل خبر الأوعال ملفق من الإسرائيليات كما نصّ عليه أبو بكر بن

    أوامر ولا نهي ولا فرقانا ، لكن جعلت حجاب نفسك إذا تى ، فوق السماء من ديان ، لو قلت ما فوق السماء مدبر والعرش تخليه من الرّحمن ، والله ليس متكلما بالقرآن لحللت طلسمه وفزت بكنزه وعلمت أن الناس في هذيان ، لكن زعمت أن ربك بائن من خلقه وأنه فوق العرش والكرسي وفوقه القدمان وأنه يسمع خلقه ويراهم من فوق وأن كلامه منه بدا وإليه (1) يعود ووصفته بالسمع والبصر والإرادة والقدرة وكراهة ومحبة وحنان ، وأنه يعلم كل ما في الكون ، وأنه كلم موسى ، والنداء صوت بإجماع النحاة ، وأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسرى به (ليلا إليه) فهو منه داني وأنه يدنيه يوم القيامة حتى يرى قاعدا معه على العرش وأن لعرشه أطيطا (2) وأن الله أبدى بعضه للطور ، وأن له وجها وله يمين ، بل زعمت يدان ، وأن يديه للسبع العلى والأرض (يوم الحشر) قابضتان (3) وأن يمينه ملأى من الخير ، وأن العدل في الأخرى وأن الخلق طرا عنده
    __________________
    ـ العربي في شرح سنن الترمذي وأنت تعرف مبلغ براعته في الحديث ونقده وتحسين الترمذي بالنظر إلى تعدد طرقه بعد سماك ، وهذا مصطلح له وقوله : غريب إشارة إلى انفراد سماك عن ذلك المجهول ولا شأن للمجاهيل والوحدان والمنقطعات في إثبات الصفات أصلا ولم يثبت عن القدمين حديث مرفوع ، وقول ابن عباس لإفادة أن الكرسي صغير بالنسبة إلى العرش ككرسي قد وضع لقدمي القاعد على السرير كما قال ابن الجوزي. ورواية من رواه بلفظ (قدميه) تحريف للرواية وتقييد الرؤية بلفظ (من فوق) من كيس المجسم بدون كتاب ولا سنة. ووصفه سبحانه بالصفات الواردة في الكتاب والسنة لم ينفه أحد من أهل الحق ، كما لم ينف أحد منهم كلام الله لموسى بلا كيف. والإقعاد معه على العرش يروى عن مجاهد بطريق ضعيفة وتفسير المقام المحمود بالشفاعة متواتر تواترا معنويا وأنى ما ينسب إلى مجاهد من ذاك؟ وقد صرح غير واحد من الأئمة ببطلان ما يروى عن مجاهد ، ويرى بعض النصارى رفع عيسى عليه‌السلام وإقعاده في جنب أبيه وهذا هو مصدر هذا التخريف.
    (1) قال ابن المعلم القرشي : وهذا الحديث أوردوه بإسناد فيه محمد بن يحيى بن رزين ، قال أبو حاتم البستي كان كذابا دجالا يضع الأحاديث اه. وزيادة على ما سبق سيأتي الكلام على الصوت فانتظره ، ودعوى الإجماع في أن النداء صوت كذب كما سيأتي.
    (2) ويغنينا عن إبداء وجوه التخليط في حديث الأطيط ما ألفه الحافظ ابن عساكر في ذلك ، وإبداء بعضه للطور بمعنى إبداء بعض آيه على أنه مما أدخل على حماد بن سلمة ، تعالى الله سبحانه عن الأبعاض والأجزاء رغم أنف المجسمة. ويأتي الكلام على قبض السماوات.
    قبض السماوات والأرض
    (3) قال البخاري في تفسير قوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الزّمر : 67] إن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «يقبض الله الأرض ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول : أنا الملك أين ملوك الأرض» اه. وهذا هو أصل الحديث وهو مروي بأسانيد كثيرة جدا وهو الموافق لكتاب الله سبحانه ، واليمين : القدرة كما هو مبسوط في أساس التقديس ، وحاشا

    يهتز فوق أصابع (1) الرّحمن وأن قلب العبد بين اثنتين من أصابعه ، وأنه يضحك عند
    __________________
    ـ أن يكون قبض الله من قبيل احتواء الأنامل على شيء ، وما زاد على ذلك في الروايات من أنه يأخذ السماوات بيده اليمنى ويأخذ الأرض بشماله ـ وحاشا أن يكون له شمال وكلتا يديه يمين ـ فمن تصرفات الرواة أثناء النقل بالمعنى كما لا يخفى على أهل هذه الصناعة المستحضرين لأحاديث الباب ومبلغ اضطرابها سندا ومتنا.
    وأما حديث الحبر اليهودي فيوضع أجزاء الكون على إصبع فضحك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه لا يدل على تصديق ذلك وإن ظنه بعض الرواة تصديقا ـ في بعض الطرق ـ بل يدل على الإنكار والاستهجان. وقد برهن ابن الجوزي في دفع الشبه وابن حجر في الفتح على أن ذلك إنكار لا تصديق رغم توهم ابن خزيمة كونه تصديقا لزيغ مشهور في معتقده ، كما سيأتي بيانه ، بل نزول قوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الزّمر : 67] أي تحت تصرف مالك يوم الدين لا يجري لأحد سواه حكم في ذلك اليوم (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزّمر : 67] أي بقدرته لا حساب على سكانها بخلاف أهل الأرض فإنهم محاسبون (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [يونس : 18] عقب حديث حبر اليهود دليل واضح على الإنكار على أن إثباتهم الأصابع الحسية بالوجه السابق إشراك. قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) [فاطر : 41] فمن الذي يظن أن ذلك بالمماسة؟ وكذلك القبض ، وإن هذى الشيخ محمد المنبجي الحنبلي تلميذ ، الناظم في جزء (إثبات المماسة) بما شاء من صنوف الهذيان ، وكل ذلك من بلايا ابن تيمية حيث لفق الروايات في هذا الصدد وقال ما شاء أن يقوله في الأجوبة المصرية وذكر ما ورد في بعض طرق الحديث وهو (قبض كفيه فجعل يقبضهما ويبسطهما) ثم قال : «وهنا شبه القبض والبسط بقبضه وبسطه» اه. وهذا تشبيه صريح من ابن تيمية (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) [النّحل : 17] ومغالطة مكشوفة ، واللفظ المذكور لم يقع إلا في بعض الروايات ، والاضطراب في الحديث سندا ومتنا زيادة ونقصا ظاهر جدا لمن اطلع على طرقه بحيث لا يصح الاستدلال به ولا سيما في مثل هذا المطلب وعلى فرض ثبوت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبض كفيه وبسطهما أثناء الخطبة لم ينسب إليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حديث أنه قال : هكذا يقبض ويبسط حتى يصح كلام ابن تيمية ، بل البسط غير موجود فيما يروى عما يفعله سبحانه عند قيام الساعة حتى يظن به صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا قبض كفيه وبسطهما أنه أراد تشبيههما بقبض الله وبسطه ، على أن الخطيب كثيرا ما تصدر منه حركات وإشارات أثناء الخطبة ، وحملها على معان لم ينطق هو بها تقويل للخطيب ما لم يقله ، ومن الظاهر جدا أن الأرض تحتوي على الأنجاس والأرجاس فكيف يتصور أن يكون قبض الله كقبض أحد من خلقه حقيقة بحيث يستلزم ذلك القبض على الأخباث والأرواث ، تعالى الله عن ذلك. وهذا مما لا يتصوره من يخاف مقام ربه ولو كان جاهلا باستحالة الجسمية على الله سبحانه. ولا نتعرض هنا لرواية كاتب الليث في الخبزة ولعل فيما ذكرنا كفاية.
    الأصابع في كلام الجبر
    (1) لم يرد في حديث وضع السماوات على إصبع إضافة الأصابع إلى الرّحمن أصلا وهذا كذب وتصرف في الحديث بالتحريف والتغيير قال القاضي أبو بكر بن العربي في القواصم والعواصم :

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ترجمة بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري   ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyالثلاثاء أكتوبر 15, 2024 11:17 pm

    تقابل الصفين من عبده يأتي فيبدي نحره لعدوه ، ويضحك عند ما يثب الفتى من فرشه لقراءة القرآن ، ومن قنوط عباده إذا جدبوا ، وأنه يرضى ويغضب ، وأنه يسمع صوته (1)
    __________________
    ـ وأما ذكر الأصابع فصحيح ولكن لم ترد مضافة إليه تعالى وإنما ورد أنه يضع السماوات على إصبع والأرضين على إصبع ثم يهزهن ... الحديث ، ومن أين لهم أن أصابع الوضع المطلقة هي أصابع التقليب المضافة إليه؟ اه على أن قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد أن قال الحبر ذلك (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) [الأنعام : 91] يدل على إنكار ما قاله الحبر كما قال ابن حجر في شرح البخاري ردا على ابن خزيمة ـ وتوحيد ابن خزيمة من أهيف الكتب ، راجع تفسير (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : 11] من تفسير الفخر الرازي ـ وما أخرجه الضياء الحنبلي من حديث الخنصر فباطل بالمرة وفيه من العلل ما بين في موضعه وليس في حديث الترمذي رفع حديث طرف الإبهام إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على انفراد حماد بن سلمة به ، بل نسبة ذلك إلى سليمان بن حرب أو حماد ، قال ابن العربي : وتمثيل سليمان بن حرب وأمثاله ما تجلّى للجبل بالأنملة لا ينظر إليه لأنه كلام غير معصوم ولا واجب الاتباع فالأمر هين والمخرج عنه سهل بيّن اه. فيا سبحان الله ما أجهل هذا الناظم بلسان قومه كيف يفهم من اليد معنى الجارحة ومن الضحك إبداء النواجذ ، راجع القواصم لابن العربي ، ودفع الشبه لابن الجوزي ، والأسماء والصفات للبيهقي ، وقد روى القاضي أبو بكر بن العربي في العارضة والقاضي عياض في الشفاء عن الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه أنه كان يرى قطع يد من أشار بيده إلى عضو من أعضائه عند ذكر شيء ورد في الله سبحانه حيث إن الإشارة إلى عضو عند ذاك تشبيه ، تعالى الله عن ذلك ، وأما ما وقع في صحيح مسلم من حديث القبض باليمين والشمال فلم يخرجه البخاري لاضطراب عبد العزيز بن سلمة في سنده لأنه يرويه مرة عن أبيه عن ابن مقسم عن ابن عمر كما وقع في رواية سعيد بن منصور وأخرى عن أبيه عن عبيد بن عمير عن ابن عمر ، كما في رواية القعنبي ، وتارة أخرى عن أبيه عن عبيد بن عمير عن عبد الله بن عمرو بن العاص كما في رواية يحيى بن بكير ، فدلت تلك الأسانيد المختلفة على أن عبد العزيز لم يضبط السند كما يجب ، وحال المتن توازي حال السند ومسلم حيث ترجح عنده روايته بطريق ابن مقسم بالنظر إلى متابعة يعقوب بن عبد الرّحمن القاري لعبد العزيز في روايته عن سلمة عن ابن مقسم خرجه في صحيحه ، لكن ما يحتاج إلى متابع يكون منحط الرتبة في الصحة بل من أحاط بأسانيد هذا الخبر في توحيد ابن خزيمة وحلية أبي نعيم يعده مضطرب السند والمتن معا. على أن ما يقع في المنبر أمام الجمهور تتوفر فيه الدواعي إلى روايته فكيف ينفرد برواية مثله راو واحد ، وإن صح الاحتجاج بمثل ذلك فإنما يصح عند ـ عدم المعارض ـ في الأعمال فقط دون الاعتقاد على أن تلاوته صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) [الأنعام : 91] عند ذكر حديث الحبر في الصحيح تعارضه إذا لم يحمل خبر مسلم على المجاز فيوجد بين أهل العلم من لا يستدل بمثله في الأعمال فضلا عن الاعتقاد ومع هذا كله لا يحتج بما دون المشهور من الأحاديث في ذات الله وصفاته عند جمهور أهل الحق فكيف يحتج بذلك الحديث في باب الاعتقاد وقد بيّنّا بعض ما فيه.
    (1) وحديث جابر المعلق في صحيح البخاري مع ضعفه في سياق ما بعده من حديث أبي سعيد ما يدل على أن المنادي غير الله حيث يقول «... فينادي بصوت إن الله يأمرك ...» فيكون الإسناد مجازيا عل أن الناظم ساق في حادي الأرواح بطريق الدار قطني حديثا فيه «يبعث الله يوم

    ويشرق نوره يوم الفصل ويكشف ساقه (1) ويبسط كفه ويمينه تطوى السماء وينزل (2) في الدجى في الثلث الأخير والثلث الثاني وأن له نزولا (3) ثانيا يوم القيامة للقضاء وأنه يبدو جهرة لعباده حتى يرونه ويسمعون كلامه وأن له قدما (4) وأنه واضعها على النيران وأن الناس كل منهم يخاصر (5) ربه ، بالخاء والصاد والحاء والضاد وجهان محفوظان
    __________________
    ـ القيامة مناديا بصوت ...» وهذا نص من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أن الإسناد في الحديث السابق مجازي وهكذا يخرب الناظم بيته بيده وبأيدي المسلمين وللحافظ أبي الحسن المقدسي جزء في تبيين وجوه الضعف في أحاديث الصوت فليراجع ثمت.
    الكلام على الساق والنزول والمجيء ووضع القدم
    (1) وفي القرآن (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) [القلم : 42] بدون ضمير وذلك استعارة عن الشدة كما ذكره الفراء وابن قتيبة وابن الجوزي ، وذكر الإسماعيلي في مستخرجه أن رواية حفص بن ميسرة «يكشف ربنا عن ساق» بدون ضمير وروايته بالضمير منكرة. راجع ما كتبناه على دفع الشبه لابن الجوزي ، ومن عادة الحشوية حمل المجاز المشهور على الحقيقة باختلاق رواية حول ذلك وإلقائها على ألسنة الرواة. وتصرفات المجسمة هنا من هذا القبيل.
    وإني أنقل للقارئ بلية من بلايا المجسمة تفهمه إلى أي حد يصل جنون هؤلاء ، وقد رأينا في بعض كتب روافضهم أن فاطمة رضي الله عنها تحمل قميص حسين عليه‌السلام في يوم القيامة وتقول لله سبحانه وهو جالس على عرشه هذا ما فعلته الأمة بابني سبط الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويكشف الله سبحانه إذ ذاك عن ساقه فإذا هي مربوطة برباط ويقول ما ذا أنا فاعل إزاء هذا وهم قد فعلوا بي ما ترونه؟ ويعللون هذا بما فعله نمروذ من توجيهه الرمي إلى السماء ليقتل إله إبراهيم عليه‌السلام فاهمين أن سهمه أصاب ساق الله فبقيت مربوطة من أثر الجرح في ذلك اليوم. فهل رأى القارئ كفرا أشنع من هذا وأبعد من هيبة الرب سبحانه وتقديره حق قدره وأدل على ذهاب العقول؟ قاتلهم الله.
    (2) قال ابن حزم في الفصل : إن ثلث الليل مختلف في البلاد باختلاف المطالع والمغارب يعلم ذلك ضرورة من بحث عنه فصحّ ضرورة أنه فعل يفعله ربنا في ذلك الوقت لأهل كل أفق وأما جعل ذلك نقلة فقد قدمنا بطلان قوله في إبطال القول بالتجسيم اه وفي بعض طرق الحديث ما يعين أنه إسناد مجازي ، ففي سنن النسائي «إن الله يأمر ملكا ينادي ...» وفي شرحي البدر العيني وابن حجر على البخاري بسط واف في المسألة.
    (3) ولفظ التنزيل (وَجاءَ رَبُّكَ) [الفجر : 22] قال أحمد : أمره ، وقد بيّنه في قوله تعالى : (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) [النّحل : 33] رواه ابن حزم وأبو يعلى وابن الجوزي. قال الخلال في السنة بسنده إلى حنبل عن عمه الإمام أحمد أنه سئل عن أحاديث النزول والرؤية ووضع القدم ونحوها فقال : «نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى».
    (4) وضع القدم مجاز مشهور عن التسكين وعن الردع والقمع. راجع أساس البلاغة والفائق ودفع شبه التشبيه وأساس التقديس. والأخيران مهمان جدا في الرد على الحشوية ، وهما مطبوعان يسهل تناولهما ففيهما غنية عن التوسع بأكثر مما ذكر.
    (5) قال ابن العربي : أما حديث المخاصرة فضعيف ، راجع العواصم ، فكم في سنن الترمذي ومسند ـ

    في الترمذي والمسند وغيرهما من كتب التجسيم ، ووصفته بصفات حي فاعل بالاختيار ، وذلك الأصلان أصل التفرق في الباري فكن في النفي غير جبان أو لا فلا تلعب بدينك تثبت بعض الصفات وتنفي بعضها فأنكر الجميع أو فرّق بين ما أثبته ونفيته ، فذروا المراء وصرحوا بمذاهب القدماء وانسلخوا من الإيمان أو قاتلوا مع أمة التشبيه والتجسيم تحت لواء ذي القرآن أو لا فلا تتلاعبوا بعقولكم وكتابكم وبسائر الأديان ، فجميعها قد صرحت بصفاته وكلامه وعلوه والناس بين مصدق أو جاحد أو بين ذلك أو حمار ، فنزّه وأنف الجميع ولقب مذهب الإثبات بالتجسيم وأحمل على الأقران ، فمتى سمحت لهم بوصف واحد حملوا عليك فصرعت فلذاك أنكرنا الجميع مخافة التجسيم إن صرنا إلى القرآن ولذا خلعنا ربقة الأديان من أعناقنا ولنا ملوك قاوموا الرسل في آل فرعون وقارون وهامان ونمروذ وجنكسخان ولنا الأئمة أرسطو وشيعته ما فيهم من قال : إن الله فوق العرش ، ولا إن الله يتكلم بالوحي ، ولهذا رد فرعون على موسى إذ قال موسى ربنا متكلم فوق السماء وأنه ناداني ، وكذا ابن سينا لم يكن منكم ولا الطوسي قتل الخليفة والقضاة والفقهاء إذ هم مجسمة ، ولنا الملاحدة الفحول أئمة التعطيل ولنا تصانيف مثل الشفاء ورسائل إخوان الصفاء والإشارات قد صرحت بالضد مما جاء في التوراة والإنجيل والفرقان ، وإذا تحاكمنا فإليهم لا إلى القرآن ، يا ويح جهم وابن درهم ومن قال بقولهما ، بقيت من التشبيه فيه بقية ينفي الصفات مخافة التجسيم ويقال : إن الله يسمع ويرى ويعلم ويشاء وإن الفعل مقدور له والكون ينسبه إلى الحدوث ويصرخ بنفي التجسيم والله ما هذان متفقان ، لكننا قلنا محال كل ذا حذرا من التجسيم والإمكان» اه.
    تصوير الناظم أهل الحق أسوأ تصوير
    انتهى كلام هذا الملحد تبا له وقطع الله دابر كلامه. انظر هذا الملعون كيف أقام طوائف الشافعية والمالكية والحنفية الذين هم قدوة الإسلام وهداة الأنام في صورة الملاحدة الزنادقة المقرين على أنفسهم باتباع فرعون وهامان وأرسطو وابن سينا ، المقدمين كلامهم على القرآن ، وأنهم أتباع أصحاب جنكسخان ، وأن رائده ، لعنه الله ولعنه ، سألهم عما يقوله أهل الحديث فنسبوهم إلى ما نسبوهم إليه ، وأنه لذلك انحلّ
    __________________
    ـ أحمد من أحاديث ضعيفة والناظم هو الذي يسميهما بالتجسيم ، قال ابن الجوزي هذا يرويه يوسف بن عبد الله وهو خطأ.

    عن الأديان وخلع ربقة الإيمان وأبرز ذلك في صورة مقامة وخيال ليرتسم به في ذهن من يقف عليه من العوام والجهّال أن الطوائف المذكورة ، على هذه الصفة.
    وإذا كانت علماء الشريعة وقادة الأمة بهذه الصفة كيف يقبل قولهم في الدين؟ أو ما ذا تكون قيمة فتاويهم عند المسلمين؟ فما أراد هذا إلا أن يقرر عند العوام أنه لا مسلم إلا هو وطائفته التي ما برحت ذليلة حقيرة ، وما أدري ما يكون وراء ذلك من قصده الخبيث ، فإن الطعن في أئمة الدين طعن في الدين وقد يكون هذا فتح باب الزندقة ونقض الشريعة ويأبى الله ذلك والمؤمنون.
    وجماعة من الزنادقة يكون مبدأ أمرهم خفيا حتى تنتشر ناره ويشتعل شناره ، نسأل الله العافية.
    فينبغي لأئمة المسلمين وولاة أمورهم أن يأخذوا بالحزم ويحسموا مادة الشر في مبدئه قبل أن يستحكم فيصعب عليهم رفعه. ثم إن هذا الوقح لا يستحي من الله ولا من الناس ، ينسب إلى طوائف المسلمين ما لم يقولوه فيه وفي طائفته ، وأن شيوخهم وصوهم بذلك ، وهو يزعم بكذبه أنه متمسك بالقرآن وأين قال الله في القرآن (إنه فوق السماء) وأين قال (إنه بائن من خلقه) وأين قال (إنه فوق العرش) بهذا اللفظ وأين قال (إن القدمين فوق الكرسي) وأين قال (إنه يسمع خلقه ويراهم من فوق) وأين قال (إن محمدا قاعد معه على العرش) إلى بقية ما ذكره جميعه.
    والمتبع للقرآن لا يغيره ولا يغير لفظه بل يتمسك به من غير زيادة ولا نقصان ، وكذلك الأحاديث الصحيحة يقف عند ألفاظها ولا يزيد في معناها ولا ينقص.
    كذب الناظم على الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم
    وهكذا أكثر ما ذكره لم يجئ لفظه في قرآن ولا سنة ، بل هو زيادة من عنده قد كذب فيها على الله (1) وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفهمها على خلاف الحق ونسب إلى علماء
    __________________
    (1) جرت سنة العلماء في تصانيفهم أن أحدهم إذا نقل عن أحد العلماء نقلا ينص على أنه نقله بنصه أو مع شيء من التصرف بالزيادة فيه أو النقص منه ، يفعلون ذلك حرصا على صفة الأمانة التي يهوي إلى الدرك الأسفل من الحقارة والصغار من حفظ عنه أنه أخلّ بها في تافه من الأمور ، فهم يحرصون على تلك الصفة صفة الأمانة في النقل عن العلماء إخوانهم فاهمين أنهم لو خانوا في النقل عنهم (وهم ينقلون عنهم دينا يدين به العباد) لهووا في هاوية من النقص لا قرار لها ولا تقوم لهم قائمة بعدها ، وهم إذا حفظوا عن واحد مما ينتسب إلى العلم شيئا من

    المسلمين البرآء من السوء كل قبيح ، وجعل ذلك طريقا للخروج من الدين والانسلاخ من الإيمان وانتهاك الحرام ، وعدم اعتقاد شيء فهل وصلت الزنادقة والملاحدة والطاعنون في الشريعة إلى أكثر من هذا؟ بل هذا ، وإيهامه الجهال أنه هو المتمسك بالقرآن والسنة ، لينفق عندهم كلامه ويخفي عنهم سقامه.
    __________________
    ـ الإخلال بتلك الأمانة سقط من نظرهم وأكنّوا له في صدورهم من الازدراء به كعالم ما يجعله في نظرهم كأنه مسخت إنسانيته وأصبح مخلوقا آخر من المخلوقات التي لا يقع في النفوس أنها تكون في وقت من الأوقات مصدرا لأي معنى ينتفع به بنو الإنسان من الناحية الأدبية ، هذا نظرهم لمن يخون في النقل عن رجل مثلهم ما قال الله ولا رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنه معصوم.
    وإذا كان الأمر كذلك في هذا فليقل لي حضرات إخواننا المساكين المغرورين بابن القيم كيف يدومون على غرورهم به وإمام عظيم من أئمة المسلمين يقول عنه بعبارة صريحة فصيحة بيّنة لا تحتمل التأويل ، لا يقولها فقط بلسانه بل يكتبها في كتاب تبقى فيه على ممر الدهور يقرؤها البعيد والقريب والصغير والكبير والعالم والجاهل والمؤمن والكافر يقول تلك الكلمة هذا الإمام النادر المثال في فضله وزهده وورعه وعلمه وهو يعلم أنه مسئول عنها عند ربه ولي أمره في دنياه وفي أخراه ، وأي كلمة هذه الكلمة هي قوله : إن ابن القيم كذب على الله ورسوله ـ ليقل لي حضرات المغرورين بابن القيم كيف يكون نظرهم إليه في الحقارة والصغار وهم يسمعون إماما كبيرا لا ينسب إمامهم إلى الخيانة في النقل عن فريق العلماء جميعا بل ينسبه إلى الخيانة في النقل عن الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول عنه إنه يكذب عليهما ويسند إليهما ما لم يقله كتاب ولا سنة أمع هذا يبقون على غرورهم وإفراطهم في تعظيم ذلك الرجل الذي يقول عنه الإمام السبكي بحق : إنه ما زاد عنه الزنادقة والملاحدة والطاعنون في الشريعة في الخروج على الإسلام والمسلمين ، أنا لا أتوهم بعد اطلاع هؤلاء المساكين على حال هذا الرجل أن يبقى في قلوبهم مثقال ذرة من التعظيم له والعطف عليه ، كيف لا وهم مؤمنون والله يقول في كتابه الكريم عن كل من اتصف بالإيمان : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة : 22] وإني أعيذهم بالله من احترام رجل لا يزيد عنه في الخروج على الإسلام والمسلمين لا الزنادقة ولا الملاحدة ولا الطاعنون في الشريعة ، إني أرجو إخواننا المغرورين بابن القيم أن يفهموا أن كذب صاحبهم على الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أصول الإسلام ليعلموا هذا جيدا ثم ليوقنوا أن الذي يكذب في الأصول هين جدا عنده أن يكذب في الفروع وإذن ترتفع بكل معناها عن ابن القيم فلا يجوز لمسلم أن يعتمد عليه في نقل لا في أصول ديننا ولا في فروعه وهو على هذه الحالة سيئة واحدة من سيئات شيخه الكبير إمامكم العظيم لا في هذا ولا عشر نظركم ابن تيمية. ما ثبت له يثبت لشيخه بالأولى ثم بالأولى. وبناء على هذا أؤكد عليكم أن تنظروا إلى كل كتاب خطته براعة هذا الرجل وشيخه نظر من لا أثر للثقة في قلبه بهما وبما يكتبانه وإلا فمثلكم حينئذ مثل من يرى اللص بعينه يسرق العظائم من أموال الناس ثم في الوقت عينه يقول ما أصلحه وما أجله وما أوثق دينه.

    فصل
    قال : «في قدوم ركب الإيمان وعسكر القرآن» قال :
    «وأتى فريق ثم قال : ألا اسمعوا قد جئتكم من مطلع الإيمان :
    من أرض طيبة ، من مهاجر أحمد. سافرت في طلب الإله فدلني الهادي عليه ، ومحكم القرآن مع فطرة الرّحمن وصريح عقل شهدوا بأن الله منفرد بالملك والسلطان وهو الإله الحق».
    هذا صحيح.
    ثم قال : «لا معبود إلا وجهه» هذا عندنا صحيح وأما عنده فالوجه غير الذات فكيف يصح؟
    ثم قال : «والناس بعد فمشرك أو مبتدع وكذلك شهدوا بأن الله ذو سمع وذو بصر هما صفتان».
    هذا نحن نقوله لكن لو طولب بالشهادة بأنه ذو سمع وذو بصر أين يجدها (1) في ألفاظ القرآن والسنة ولو كان كذلك لم يكن بيننا وبين المعتزلة نزاع فيه.
    قال : «وعموم قدرته (2) يدل بأنه هو خالق الأفعال للحيوان».
    اعتقادنا أنه سبحانه خالق أفعال الحيوان ولكن كيف يدل عموم القدرة على ذلك بل لذلك أدلة أخر. واستدلال هذا القدم بعموم القدرة من عدم شعوره.
    ثم قال : «هي خلقه حقا وأفعال لهم حقا ولا يتناقض الأمران!».
    __________________
    (1) بل الواجب على من يهاب مقام ربه أن لا يطلق عليه تعالى ما لم يرد إطلاقه عليه في الكتاب والسنة المشهورة مع الاقتصار على الوارد فعلا كان أو صفة أو مفردا أو مجموعا ، فلا يقال له عينان ولا هو مستو. فإبدال الفعل صفة ، والمجموع مثنى ، وإبدال اللفظ بما يظن مرادفا له مما يجب أن يتهيبه كل مسلم. بل قال إمام الحرمين : أجمع المسلمون على منع تقدير صفة مجتهد فيها لله عزوجل لا يتوصل فيها إلى قطع بعقل أو سمع وأجمع المحققون على أن الظواهر يصح تخصيصها أو تركها بما لا يقطع به من أخبار الآحاد والأقيسة وما يترك بما لا يقطع به كيف يقطع به؟ اه.
    (2) وكم من شيء مقدور عليه لم يدخل في حيز الوجود فمن أين يدل عموم القدرة على أنه خالق أفعال الحيوان؟ بل الدليل على ذلك قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (96)) [الصّافات : 96] وقوله تعالى : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الرّعد : 16] وكم لنا من براهين عقلية على ذلك لكن الناظم بالغ الجهل ظاهر البلادة حتى في مثل هذه المسائل الظاهرة لصغار المتعلمين وحق مثله أن يقرع إيقافا له عند حده فالمصنف معذور إذا قال عنه إنه حمار أو تيس.

    عجب قد تقدم إنكاره على جهم وشيعته قولهم : إن العبد ليس بفاعل فما هذا التناقض (1) ولعله نقل الكلامين تقليدا ولم يفهم معناهما فلذلك وقع التناقض بينهما ويكونان من كلامين.
    ثم قال : فحقيقة القدر الذي حار الورى في شأنه هو قدرة الرّحمن ، واستحسن ابن عقيل ذا من أحمد وقال شفى القلوب بلفظه».
    وقال الناظم : «إن الجبرية والمكذبين بالقدر نظروا نظر الأعور» والكلام في ذلك يطول وليس هذا من أهله (2) ولا هو متعلق به بل كلامه فيه فضول فيما لا يعنيه.
    فصل
    قال : «أيكون أعطي الكمال وما له ذاك الكمال أيكون (3) إنسان سميع مبصر متكلم وله الحياة والقدرة والإرادة والعلم والله قد أعطاه ذاك وليس وصفه فأعجب من البهتان بخلاف نوم العبد وجماعه وأكله وحاجة بدنه إذ تلك ملزومات كون العبد محتاجا وتلك لوازم النقصان وكذا لوازم كونه جسدا نعم ، ولوازم الأحداث والإمكان يتقدس عنها وعن أعضاء ذي جثمان».
    __________________
    (1) نفى عن العبد كونه فاعلا في مذهب الجهمية يعني الأشاعرة فيما سبق وأثبته هنا مذهبا لهم ، وعدّ اعتبار العبد فاعلا مناقضا لاعتبار أن الله خالق لفعل العبد! مع أن التناقض في كلامه نفسه كما شرحنا حيث نفى عنهم سابقا ما أثبته لهم هنا ، وأين التناقض بين كون الله خالقا وبين كون العبد فاعلا؟ فتدبر.
    (2) نرجو حضرات المغترين بهذا الناظم ونلح في الرجاء أن يقفوا هنا طويلا ليفهموا مقدار قدوتهم الذي لا يرضون أن يكون بجانبه أحد من علماء الأمة في العلم ، فها هم أولاء يسمعون الشيخ السبكي وهو الإمام الجليل في تقواه وفضله يقرر بصراحة أن ابن القيم ليس بأهل للكلام معه في مسألة من المسائل العادية ، وإني أعود فأرجوهم أن يتأملوا طويلا في كلمة هذا الإمام الكبير رضي الله عنه.
    (3) دليل اتصاف الله سبحانه بصفات الكمال من الكتاب والسنة والمعقول معروف عند أهله ، وأما الطريق الذي سلكه الناظم في ذلك فليس في شيء من الأداء إلى ما يتوخاه ، وإنما سلك هذا الطريق الغير النافذ ليخيل إلى العامة أن صفات الله من قبيل صفات العبد فلا مانع من أن يكون الباري ينظر بعين ويسمع بأذن ... إلى آخر تلك المخازي كما هو مذهبه في إثبات الصورة له تعالى مع أن تلك الصفات في العبد بآلات وجوارح فهي في العبد مقرونة بالنقائص والاحتياج ، تعالى الله عن ذلك ، فليتنبه إلى دسائس الناظم.

    عدم تمييز الناظم بين اللازم والملزوم
    الجسدية والحدوث والإمكان يلزم منها ثلاثتها الاحتياج والنقص ، فالنوم والجماع والأكل لوازم لذلك لا ملزومات (1) وتقديسه عن الأعضاء مع إثباته قدمين كيف يجتمعان.
    تخبط الناظم في الصوت
    قال : «والله ربي لم يزل متكلما ، هو قول ربي كله لا بعضه لفظا ومعنى ، ما هما خلقان».
    أما كونه لم يزل متكلما وقوله مع ذلك إنه لفظ وإنه غير مخلوق فكلام من لا يدري ما يقول (2).
    قال : «لكن أصوات العباد مخلوقة ، فإذا انتفت الوساطة كتكلم الله لموسى فالمخلوق نفس السمع (3) إلا المسموع ، هذي مقالة أحمد ـ يعني ابن حنبل ـ ومحمد ـ يعني البخاري ـ».
    __________________
    (1) يا حضرات المغترين بابن القيم ، اعملوا معروفا مع أنفسكم وانظروا كيف لا يميز صاحبكم اللازم من الملزوم ، أيكون حاله هكذا في الجهل ويصل غروركم به إلى أن تعتقدوا أنه الإمام الذي لا يساميه بل لا يدانيه إمام.
    (2) لأن اللفظ لا بد من أن يكون باعتبار وجوده الخارجي متعاقب الحروف فلا يتصور العاقل في مثله قدما ، نعم ليس للفظ باعتبار وجوده العلمي والنفسي تعاقب فيكون قديما كما قال بذلك أحمد وتابعه ابن حزم ، وهو الموافق لتحقيق القوم في الكلام النفسي ، إلا أن وجوده أصلي بخلاف العلم فإنه بالإضافة إلى المعلوم. والناظم ليس بقائل بما قال به أحمد كما يظهر من مواضع من نظمه فيكون قائلا بما هو غير معقول.
    (3) لا فرق بين موسى عليه‌السلام وبين غيره في خلق السمع فيهما ، وأما المسموع فإن كان يريد به الصوت المكيف فكذلك ، وإن كان يريد ما هو قائم بالله فجلّ الإله أن يقوم به عرض سيّال. والوارد في الكتاب أنه تعالى كلّم موسى ـ بدون ذكر الصوت أصلا ـ والتكلم لا يستلزم الصوت قال تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) [الشورى : 51] إذ لا صوت في الوحي إلى القلب والصوت في الثالث صوت الرسول دون المكلم فليكن الكلام من وراء حجاب كذلك وهو الذي حصل لموسى ، فمهما كان النبي بسماعه صوت الرسول إليه يعد أن الله كلمه فلا يكون أي مانع من أن يعد موسى كلمه ربه إذ نودي من الشجرة ، فأي زائغ يتصور حلول الله في الشجرة حتى يقول : إن الذي سمعه صوت الله؟ تعالى الله أن يكون كلامه صوتا ، والآية قاضية على جميع الأوهام في هذا البحث لمن أحسن التدبر فيها.

    قلنا نعم نوافقه على ذلك على قول الأشعري إن الكلام النفسي يسمع ولا يلزم أن يكون هناك حرف وصوت ومن اعترف بكلام الله تعالى وأن موسى سمعه ولم يقل إنه حرف أو صوت أو غير ذلك بل وقف عند حده وعجزه وجهله ونزّه الله تعالى عن صفات خلقه ، سلم.
    ثم قال في بيت الأخطل :
    يا قوم قد غلط النصارى في الكلمة
    ونظير هذا من يقول كلامه معنى قديم غير محدث والشطر مخلوق وتلك حروفه ناسوته (1).
    أبصر هذه الجراءة وتشبيهه أقوال العلماء بأقوال النصارى وجهله وكذبه بأن الحروف كالناسوت. والمعنى قائم بذات الرب سبحانه وتعالى والألفاظ بالقارئ لا يتحد أحدهما بالآخر ولا يحل فيه كما يقول النصارى تعالى الله عن قولهم.
    فصل
    قال : «الكلام قيل بغير مشيئة ، وإنه معنى إما واحد وإما خمسة معان ، وقيل : إنه لفظ مقترن فالسين مع الباء ، والذين قالوا بمشيئة صنفان أحدهما جعله خارج ذاته وهو قول الجهمية ومتأخري المعتزلة والثانية في ذاته وهم الكرامية ، وهم نوعان أحدهما جعله مبدوءا به حذرا من التسلسل فلذلك قالوا له أول والآخرون كأحمد ومحمد قالوا : لم يزل متكلما (2) بمشيئة وإرادة.
    __________________
    (1) لم يفهم الناظم كلام القوم فشنع كما شاء ، قاتل الله البلادة ما أفتكها.
    ظنّ الناظم أن المراد بالمعنى معنى النظم فبنى عليه ما شاء ، مع أن مرادهم بالمعنى هنا هو القائم بالله الشامل للدال ومدلوله باعتبار وجودهما العلمي كما نصّ عليه أحمد في رده على ابن أبي دؤاد ، كما ذكر في كتاب السنة وغيره ، فلا يكون للفظ الخارجي دخل أصلا في القدم على مذهب إمامه نفسه ، نعم يوجد من يسير سير النصارى في الحلول بين الذين تكلموا في القرآن وهو من يقول إن الصوت من المصوت قديم وإن الله تعالى قرأ على لسان كل قارئ كما ذهب إلى ذلك السالمية ، تعالى الله عما يقول الظالمون. والناظم من أقرب المبتدعة إليهم.
    (2) افترى الناظم عليهما تمويها وتحميلا على لفظ مجمل ما لا يحتمله وهما كباقي أهل السنة يقولان : إن الله متصف بصفة الكلام أزلا كاتصافه بباقي صفاته الأزلية وهو يتكلم متى شاء ، وهما بعيدان من المماحكات الزائفة ، والله سبحانه سريع الحساب وشديد العقاب أزلا ولا يستلزم ذلك قدم البعث وهو سبحانه لم تحدث له صفة بخلق الخلق وهو خالق أزلا قبل أن يخلق الخلق.

    وتعاقب (1) الكلمات».
    هذا هو الذي ابتدعه ابن تيمية والتزم به حوادث لا أول لها ، والعجب قوله مع ذلك إنه قديم ، وحين النطق بالباء لم تكن السين موجودة ، فإن قال النوع قديم وكل واحد من الحروف حادث عدنا إلى الكلام في كل واحد من حروف القرآن ، فيلزم حدوثها وحدوثه ، فالذي التزمه من قيام الحوادث بذات الرب لا ينجيه بل يرديه ، وهذا آفة التخليط والتطفل على العلوم وعدم الأخذ عن الشيوخ.
    كلام واف في أحاديث الصوت
    ثم قال : «واذكر حديثا في صحيح محمد ذاك البخاري فيه نداء الله (2) يوم معادنا بالصوت».
    __________________
    (1) فيكون محلا للحوادث ، تعالى الله عن ذلك ، وابن تيمية تابع الكرامية في ذلك وأربى عليهم في الزيغ بدعوى القدم النوعي في الكلام ، مع أنه لا وجود للكلي إلا في ضمن الأفراد ، فلا معنى لوصف النوع بالقدم بعد الاعتراف بحدوث كل فرد من أفراده وقد أطال العلامة قاسم بن قطلوبغا الحافظ فيما كتبه على المسايرة الكلام في ذلك فلا نطيل الكلام بما هو في متناول أيدي صغار التلاميذ. والناظم من أتبع الناس لابن تيمية في سخافاته ، وقد نقل ابن رجب في طبقاته عن الذهبي في حق ابن تيمية أنه أطلق عبارات أحجم عنها الأولون والآخرون وهابوا وجسر هو عليها اه ، فيدور أمره بين أن يكون مصابا في عقله أو دينه ، فتبا لمن يتخذ مثله قدوة.
    (2) إن كان يريد حديث جابر عن عبد الله بن أنيس «يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب ...» الحديث ، فهو حديث ضعيف علقه البخاري بقوله ويذكر عن جابر دلالة على أنه ليس من شرطه ومداره على عبد الله بن محمد بن عقيل وهو ضعيف باتفاق ، وقد انفرد عنه القاسم بن عبد الواحد وعنه قالوا إنه ممن لا يحتج به. وللحافظ أبي الحسن المقدسي جزء في تبيين وجوه الضعف في الحديث المذكور ، وأما إن كان يريد حديث أبي سعيد الخدري «يقول الله يا آدم يقول لبيك وسعديك فينادي بصوت إن الله يأمرك ...» الحديث ، فلفظ ينادي فيه على صيغة المفعول جزما بدليل «إن الله يأمرك» ولو كان على صيغة الفاعل لكان إني آمرك كما لا يخفى على أن لفظ (صوت) انفرد به حفص بن غياث وخالفه وكيع وجرير وغيرهما فلم يذكروا الصوت ، وسئل أحمد عن حفص هذا فقال كان يخلط في حديثه كما ذكره ابن الجوزي ، فأين الحجة للناظم في مثله؟ على أن الناظم نفسه خرج في حادي الأرواح ـ وفي هامشه إعلام الموقعين ـ (2 ـ 97) عن الدار قطني من حديث أبي موسى «يبعث الله يوم القيامة مناديا بصوت يسمعه أوله وآخرهم إن الله وعدهم ...» الحديث ، وهذا يعين أن الإسناد مجازى على تقدير ثبوت الحديثين فظهر بذلك أن الناظم متمسك في ذلك بالسراب والمؤلف تساهل في الرد عليه وفي (القواصم والعواصم) لابن العربي ما يقصم ظهر الناظم في (2 ـ 29) منه.

    اللفظ الذي في البخاري (فينادي بصوت) وهذا محتمل لأن يكون الدال مفتوحة والفعل لم يسم فاعله وأن يكون مكسورة فيكون المنادي هو الله تعالى فنقله عن البخاري نداء الله ليس بصحيح ، والعدالة في النقل أن ينقل المحتمل محتملا ، وإذا ثبت أن الدال مكسورة فلم يقول إن الصوت منه؟ فقد يكون من بعض ملائكته أو من يشاء الله.
    ثم قال : «أيصح في عقل وفي نقل (1) نداء ليس مسموعا لنا».
    أما العقل فلا مدخل له في ذلك وأما النقل فقد قال تعالى : (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (3)) [مريم : 3].
    ثم قال : «والله موصوف بذاك حقيقة هذا الحديث ومحكم القرآن».
    ليس في الحديث ومحكم القرآن أنه حقيقة.
    قال : «ورواه عندكم البخاري المجسم بل رواه مجسم فوقاني».
    هذا بهت لنا في أن البخاري مجسم عندنا والله ما اعتقدنا فيه ذلك ولا في أحمد الذي عناه بالفوقاني ولكن هذا بهت لنا وإساءة على البخاري ومن فوقه.
    ثم قال : «واذكر حديثا لابن مسعود صريحا إنه ذو أحرف».
    هو حديث في الترمذي : من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة وقال حسن صحيح ووقفه بعضهم على ابن مسعود ، وعلى كل تقدير الحرف في قراءة القارئ ، وقد تقدم من هذا الناظم أن الصوت فعل القارئ فلا وجه لاحتجاجه هنا ، ولابن مسعود حديث آخر أنه على سبعة أحرف ، والمراد نزوله بها ثم قال : «وانظر إلى السور التي افتتحت بأحرفها لم يأت قط بسورة إلا أتى في أثرها خبر عن القرآن».
    هذا منتقض بسورة «كهيعص» والعنكبوت والروم و «ن».
    فصل
    قال : «إنه يلزم من نفي صفة الكلام نفي الرسالة» (2).
    __________________
    (1) النداء طلب الإقبال عند النحاة واللغويين فيجري مجرى القول وكم في الكتاب والسنة مما يدل على القول والكلام بدون صوت كما نسرد بعض ذلك عند التدليل على الكلام النفسي وقول صاحب القاموس : النداء الصوت تسامح منه ، وكم له من مسامحات معروفة عند أهل العلم.
    (2) وقد نصّ الله سبحانه على أن تكليم الله سبحانه منحصر في الوحي إلى القلب وإرسال ملك يبلغ كلامه ، والكلام وراء حجاب وليس في واحد منها صوت للمكلم سبحانه فمن أين يلزم

    وهو جهل منه وإن كنا لا ننفي صفة الكلام.
    فصل
    وقال : «إنه يلزمهم تشبيه الرب بالجماد الناقص».
    وهذا بلادة (1).
    فصل
    قال : في إلزامهم (2) أن كلام الخلق حقه وباطله عين كلام الله سبحانه بخلقه أفعال العباد.
    ما هذا إلا ...
    فصل
    في التفريق بين الخلق والأمر قال : «وكلاهما عند المنازع واحد».
    المنازع هم المعتزلة ، ولسنا منهم ، لكن قوله : إنهما عندهم (3) واحد ليس بصحيح.
    __________________
    ـ من نفي ما أثبته المجسمة من حرف وصوت في الرسالة بل عدّ الإله سبحانه محلا للأعراض هو المستلزم لنفي الصانع فضلا عن الرسالة ، قاتل الله هذه الفئة السخيفة ، ما أجهلهم بما يجوز في الله وما لا يجوز.
    (1) اكتفى بوصفه بالبلادة لئلا يوقع عليه الحكم بالكفر لو كان يعقل ما يقول ، لأن إثبات الحرف والصوت لله تشبيه له بالإنسان وتشبيه الله بمخلوق كفر والصوت عرض سيّال محال أن يقوم بالله سبحانه بل هو متكلم بكلام نفسي ليس له صوت.
    (2) وجه هذا الإلزام لا يظهر إلا لمن هو على شاكلة الناظم في تخيل ما هو غير معقول ولو ألزم القائلين بالحرف والصوت أن التالي قد يكون لاحنا قبيح الأداء فلا يتصور في صفة الله سبحانه مثل ذلك فيبطل القول بأن كلام الله حرف وصوت لكان قوله هذا ملزما حقيقة وأما إلزام الناظم هنا فقلب للحقيقة بل هذيان ظاهر وأمام هذا لم يسع المصنف إلا أن يخرج الناظم من عداد العقلاء ومن الصعب جدا على العالم خطاب من لا يفهم.
    (3) وهم يفرقون بين الأمر التكليفي والأمر التكويني ، وقد ذكروا فيما ألّفوه في أصول الفقه ما هو موجب الأمر التكليفي. وقوله تعالى : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف : 54] يحتمل معاني ومن أجلاها أنه هو الذي خلق الخلق وإليه فقط أن يأمرهم بما يشاء وأولو الأمر إنما يستمدون الأمر من أمره تعالى فلا يكون للآية دخل في هذا البحث أصلا وإن كان بعضهم يلهج بذلك.

    فصل
    قال : «والله أخبر في الكتاب بأنه منه».
    قلنا : الذي في الكتاب (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ) [الزّمر : 1] ... ، ونحوه وليس فيها الكتاب منه.
    ثم قال : «والمجرور ب (من) (1) نوعان : عين ووصف قائم بالعين ، فالعين خلقه والوصف قام بالمجرور».
    قوله قائم بالعين ليس بصحيح فقد يكون قائما بنفسه (؟).
    فصل
    وقيعة الناظم وشيخه في ابن حزم
    قال : «وأتى ابن حزم فقال ما للناس قرآن ولا اثنان بل أربع كل يسمى بالقرآن وذاك قول بين البطلان. هذا الذي يتلى والمرسوم والمحفوظ والمعنى القديم فالشيء شيء واحد لا أربع فدهى ابن حزم (2) ملة القرآن».
    هذا لم يفهم كلام ابن حزم ، مراد ابن حزم أن القرآن هو المعنى وهو واحد له وجود في نفسه ويتلى ويرسم ويحفظ فيوجد في اللفظ والخط والصدر ويطلق على الثلاثة أيضا قرآن فاللفظ مشترك بين الأربعة.
    __________________
    (1) يريد أن ما سبق على المجرور ب «من» إما أن يكون عينا أو وصفا ، فالعين مخلوقه تعالى ، قال : والوصف قائم به تعالى لكن في العبارة ارتباك ، وكذا عبارة المصنف فليحرر.
    (2) ومن المضحك المبكي وقيعة الناظم وشيخه في ابن حزم وهو إمامهما في غالب المسائل الفرعية التي شذّا بها عن الجماعة وأنت تراهما يطعنان فيه طعنا مرا في المسائل الاعتقادية ، وهو أقرب إلى الحق منهما في غالب تلك المسائل ولا سيما في مسألة القرآن وهو من المنزهين دونهما وهو عدو لدود للمجسمة حتى إنهم تراهم ينبزون هذا الظاهري بالقرمطة ، وفي الفصل أبحاث جيدة تتعلق بقمع أهل التجسيم لعلها تكون كفارة عن بعض قسوته وشذوذه ومخالفاته لجمهور العلماء وقول ابن حزم بكون القرآن مشتركا بين تلك الأربعة موافق لكتاب الله ، قال الله تعالى : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) [العنكبوت : 49] وقال تعالى : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)) [البروج : 21 ، 22] وقال تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) [الأحقاف : 29] فصدور العلماء واللوح المحفوظ ولسان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مخلوقة مع ما فيها ، فالقديم هو ما قام بالله سبحانه دون ما في الصدور والألواح والألسنة ، وهذا في غاية من الظهور. وغلط ابن حزم إنما هو في قوله بعموم المشترك هنا.

    ثم قال ما معناه : «إن اللفظ يطلق على المصدر ويطلق على الملفوظ وألفاظ العباد كذلك ، فالأول مخلوق والثاني (1) غير مخلوق وهو القرآن وعلى ذلك حمل كلام أحمد (2) والبخاري».
    الكلام اللفظي
    قلنا أما المصدر فمخلوق بلا شك (3) وهو فعل العبد وأما الملفوظ من فم العبد فهو الصوت الخارج منه ، المخلوق لله تعالى ، وقولنا له كلام الله كما يقال إذا قرأ المحدث (إنما الأعمال بالنيات) هذا كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإذ قرئ كتاب ملك علينا نقول هذا كتاب الملك.
    فصل
    قال : في مقالة الفلاسفة والقرامطة :
    هذا لا يتعلق بنا فعليهم غضب الله ، ولكن غرضه أن يخلط الحق بالباطل حتى يروج (4) الباطل.
    __________________
    (1) يعني الملفوظ ، فإن كان يريد وجوده العلمي في علم الله فقدمه بهذا الاعتبار موضع اتفاق ، وإن كان يريد الصوت الصادر من فم اللافظ فهو حادث قطعا ، وأنى يتصور القدم لعرض محسوس المبدأ والمقطع ومذهب الناظم اعتبار كلام الله صوتا صادرا من الله حادثا شخصا قديما نوعا ، تعالى الله عن ذلك. ولم يقل به أحد قبل شيخ الناظم وتابعه الناظم المسكين كما يظهر من مواضع في هذا الكتاب فقوله (والثاني غير مخلوق) لا يصح بالنظر إلى الصوت وهو ظاهر والله سبحانه هو الهادي.
    الخلاف بين أحمد والبخاري في اللفظ
    (2) والمعروف بين أهل العلم أن البخاري كان يقول بحدوث اللفظ ـ يعني لفظ التالي الدال دون تعرض للمعنى المدلول عليه وضعا أو عقلا ـ وأحمد يبدع من يقول ذلك وتبديع هذا وقول ذاك متواردان على شيء واحد ، والحق مع البخاري في تلك المسألة وإن كان الذهلي وأصحابه جميعا هجروه على ذلك ، راجع كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم وليس بقليل بين أهل العلم الذين يقولون بأن المعنى المصدري أمر نسبي من قبيل الحال فعندهم أن اللافظ هو العبد وهو مخلوق الله والملفوظ هو الصوت المكيف الخارج من فم العبد وهو مخلوق الله تعالى أيضا واللفظ بالمعنى المصدري نسبة بين اللافظ والملفوظ فلا يتعلق به الخلق عندهم وقول الناظم والمصنف بخلقه على مذهب نفاة الحال. وتفصيل هذا البحث فيما كتبناه على الاختلاف في اللفظ.
    (3) يعني عند نفاة الحال ، راجع شرح المواقف.
    (4) هل يعد من علماء الإسلام بل من عامة المسلمين من يروج الباطل هو يعلم أنه باطل؟.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ترجمة بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري   ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyالثلاثاء أكتوبر 15, 2024 11:18 pm

    فصل
    قال : في الاتحادية :
    هو من النمط الذي قبله.
    ثم قال : «هذي مقالات الطوائف كلها فاعطف على الجهمية المغل الذين خرقوا سياج العقل والقرآن شرد (1) بهم من خلفهم واكسرهم». ثم ذكر مذاهب المعتزلة ومذاهب الأشعرية وهما اللذان يسميهما الجهمية.
    ثم قال : هذا الذي قد خالف المعقول والمنقول والفطرات للإنسان ، أما الذي قد قال إن كلامه ذو أحرف قد رتبت ببيان وكلامه بمشيئة وإرادة كالفعل منه كلاهما (2) سيان فهو الذي قد قال قولا يعلم العقلاء صحته بلا نكران ، فلأي شيء كان ما قلتم أولى؟ ولأي شيء كفرتم أصحاب هذا القول؟ فدعوا الدعاوى وابحثوا معنا وارفوا مذاهبكم إن أمكن».
    ليت شعري من هو الذي من العقلاء يعلم صحة كلام ذي أحرف مترتبة مفعول قديم ولكن هذا صبي العقل غره ، هجام على الحقائق بهواه.
    __________________
    (1) التشريد المذكور في الآية مأمور أن يوقعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالكفار. ولينظر القارئ كيف يأمره حضرة الناظم أن يوقعه بجماعة المسلمين الأشاعرة وغيرهم من أجل أنهم لا يوافقونه في ضلاله.
    (2) هذا إنما يصح في الكلام اللفظي الحادث باعتبار وجوده الخارجي وأما باعتبار وجوده العلمي فقديم ، كما سبق ، قال أبو بكر الباقلاني في النقض الكبير : «من زعم أن السين من باسم الله بعد الباء والميم بعد السين الواقعة بعد الباء لا أول له فقد خرج عن المعقول وجحد الضرورة وأنكر البديهة ، فإن اعترف بوقوع شيء فقد اعترف بأوليته ، فإذا ادعى أنه لا أول له فقد سقطت محاجته وتعين لحوقه بالسفسطة ، وكيف يرجى أن يرشد الدليل من يتواقح في جحد الضروري اه» راجع الشامل لإمام الحرمين ونجم المهتدي لابن المعلم القرشي. وفي شعب الإيمان للحليمي «ومن زعم أن حركة شفتيه أو صوته أو كتابته بيده في الورقة هو عين كلام الله القائم بذاته فقد زعم أن صفة الله قد حلّت بذاته ومسّت جوارحه وسكنت قلبه ، وأي فرق بين من يقول هذا وبين من يزعم من النصارى أن الكلمة اتحدت بعيسى عليه الصلاة والسلام اه» ليحفظ القارئ هذا ثم أرجوه أن يقرأ قول الموفق الحنبلي صاحب المغني في مناظرته المسجلة في المجموعة المحفوظة تحت رقم 116 بظاهرية دمشق ونصه «قال أهل الحق : القرآن كلام الله غير مخلوق ، وقالت المعتزلة هو مخلوق ، ولم يكن اختلافهم إلا في هذا الموجود دون ما في نفس الباري مما لا ندري ما هو ولا نعرفه».
    وعن الموفق هذا يقول شيخ الناظم : ما حلّ دمشق مثله بعد الأوزاعي وأنت ترى كلامه في المسألة وإذا كان هذا حال الموفق فما ذا تكون حال الناظم وشيخه؟.

    ثم قال : «فاحكم ـ هداك الله ـ بينهم لا تنصرن سوى الحديث وأهله هم عسكر القرآن. فنقول هذا القدر قد أعيا على أهل الكلام وقاده أصلان ، أحدهما : هل فعله (1) مفعوله أو غيره ، قولان والقائلون بأنه عينه فروا من الحدث في الصفات وحقيقة قولهم تعطيل الخالق عن فعله إذ فعله مفعوله لكنه ما قام به فعلى الحقيقة ما له فعل إذا المفعول منفصل عنه. والقائلون بأنه غيره طائفتان : إحداهما قالت قديم قائم بالذات ، سموه تكوينا ، وهم الحنفية. والآخرون رأوه حادثا قام بالذات ، وهم نوعان : أحدهما جعله مفتتحا به حذرا من التسلسل وهو قول الكرامية ، والآخرون أهل الحديث كأحمد (2) بن حنبل قال : إن الله لم يزل متكلما إن شاء ، جعل الكلام صفة فعل قائمة بالذات لم يفقد من الرّحمن ، وكذاك نص على دوام الفعل وكذا ابن عباس وجعفر الصادق و (عثمان بن سعيد) الدارمي وصدق فالحياة والفعل متلازمان
    __________________
    (1) إن كان المراد بالفعل ما هو بالمعنى المصدري من قوله تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : 107] فليس في فرق الإسلام من ينفي الفعل بهذا المعنى عن الله سبحانه بل إثباته موضع اتفاق بين الفرق كلها وإن كان يريد ما هو مبدأ هذا المعنى فهو صفة قديمة غير الإرادة والقدرة عند طوائف من أهل الحق وهي المسماة عندهم بصفة التكوين ، وأما الأشاعرة فيرجعونها إلى القدرة وللقولين حظ من النظر وأما إن كان المراد بالفعل الفعل الحاصل بالمصدر أعني الأثر المترتب على التكوين أو القدرة فلا شك أنه مفعول الله ومخلوقه وغير قائم به أصلا ، فأفعال الله بهذا المعنى هي مخلوقاته حتما ، ودعوى قيامها بالله لا تصدر ممن يعي ما يقول ومن المجسمة أناس يظنون أن أفعال الله تكون بالحركة كأفعال العباد وتصدر منه بالعلاج والمزاولة مع أن الجوارح والآلات إنما وضعت للعباد ليتوصلوا بها إلى قصدهم وهي كلها نقص وآفات ، وأما من له الحول والقوة جلّ جلاله فإنما هو إذا أراد شيئا قال له كن فيكون بدون آلة ولا جارحة ولا علاج ولا مزاولة. يريد الشيء فيحدث. وبهذا البيان ظهر ما في كلام الناظم من الاختلال ووجوه الضلال.
    (2) نسبة القول بقيام الفعل الحادث بالله سبحانه إلى أحمد وجعفر الصادق وابن عباس رضي الله عنهم نسبة كاذبة وفرية مكشوفة. وقول أحمد (إن الله لم يزل متكلما إن شاء) بمعنى أن الكلام صفة قديمة وأنه تعالى يكلم أنبياءه متى شاء بدون حرف ولا صوت بالوحي ومن وراء حجاب أو بإرسال رسول «وهو متكلم خالق قبل أن يكلم الرسل ويخلق الخلق» كما صرح بذلك غلام الخلال من قدماء الحنابلة في المقنع ، وأما عثمان بن سعيد الدارمي السجزي مؤلف النقض على المريسي فكان فيما سبق لا يخوض في صفات الله سبحانه كما هو طريقة السلف ، ثم انخدع بالكرامية وأصبح مجسما مختل العقل عند تأليفه النقض المذكور ، وهو حقيق بأن يكون قدوة للناظم ونسجل هنا على الناظم اعتقاده قيام الحوادث بذات الله سبحانه وتعالى واعتقاده أن هذه الحوادث لا أول لها ، وإني ألفت نظر حضرة القارئ إلى هذه العقيدة وهل تتفق مع دعوى أنه إمام دونه كل إمام؟ بل هل تتفق هذه العقيدة مع دعوى أنه في عداد المسلمين فقط؟.

    وكل حي (1) فعال إلا إذا عرضت آفة أو قسر ، أولست تسمع قول كل موحد (يا دائم المعروف قديم الإحسان) أوليس فعل الرب تابع وصفه وكماله؟ أفذاك ذو حدثان؟ وكماله سبب الفعال وخلقه أفعالهم سبب الكمال الثاني ، أوما فعال الرب عين كماله؟ أفذاك ممتنع على المنان أزلا إلى أن صار فيما لم يزل ممكنا؟ تالله قد ضلّت عقول القوم إذ قالوا بهذا ، وتخلف التأثير بعد تمام موجبه محال والله ربي لم يزل ذا قدرة ومشيئة وعلم وحياة وبهذه الأوصاف تمام الفعل فلأي شيء تأخر فعله مع موجب (2) قد تم والله عاب على المشركين عبادتهم ما ليس بخالق ولا ينطق ، والله إله حق دائما ، أفعنه الوصفان (3) مسلوبان أزلا ، هذا المحال إن كان رب العرش لم يزل إله الخلق ، فكذا لم يزل متكلما فاعلا ـ والله ـ ما في العقل ما يقضي لذا بالرد بل ليس في المعقول غير ثبوته ، وما دون المهيمن حادث ليس القديم سواه والله سابق كل شيء ما ربنا والخلق مقترنان والله كان وليس شيء (4) غيره لسنا نقول كما يقول
    __________________
    الرد على عثمان بن سعيد في إثباته الحركة
    (1) ليست حياة الله كحياة العباد ولا فعله تعالى كأفعالهم ، وإدخال الله سبحانه في مثل هذه الكلية لا يصدر إلا ممن هو مريض القلب بمرض التشبيه ، وعثمان بن سعيد هذا يصرح في نقضه المنقوض بأن كل حي فعّال متحرك ويثبت لله الحركة ويظهر من ذلك كيف يتصور فعل الله ، والناظم يقتدي بمثل هذا المحذوف ، ولعل القارئ ازداد بصيرة وعلم من هذا الكلام بأن الحوادث لا أول لها في نظر هذا الناظم لأن حياة الله لا أول لها فيكون فعله لا أول له ، وهذه المسألة من المسائل التي كفّر علماء الإسلام الفلاسفة بها فليعرفه المغرورون بابن القيم ثم ليعرفوه.
    الرد على قول الناظم بالإيجاب
    (2) وهذا تصريح منه بأن الله سبحانه فاعل بالإيجاب انخداعا منه بقول الفلاسفة القائلين بقدم العالم وقد أتى أهل الحق بنيانهم من القواعد ، وإن كان الناظم المسكين بعيدا عن فهم أقوال هؤلاء وأقوال هؤلاء. ثم يناقض الناظم نفسه ويثبت لله الاختيار وهو في الحالتين غير شاعر بما يقول ، تعالى الله عما يقول. وأرجو أن يفهم القارئ هنا معنى لا بد من اعتقاده وهو أن القائل بأن الله فاعل بالإيجاب في ناحية ودين الإسلام كله في ناحية ، وأي مسلم يستطيع أن يقول إن ربنا مرغم على فعل ما يفعله.
    (3) ليس منذ خلق الخلق استفاد اسم الخالق ولا بإحداثه البرية استفاد اسم الباري له معنى الربوبية ولا مربوب ومعنى الخالق ولا مخلوق وهكذا كما نقله الطحاوي عن فقهاء الملة لكن أين للمجسم المسكين أن يفهم هذه الحقائق.
    (4) والمسلمون جميعهم يعتقدون أن حياة الله لا افتتاح لها ، وقد تقدم للناظم أنه يقول : إن كل حي فعال وإن الحياة والفعل متلازمان. ومعنى هذا أن الفعل لا افتتاح له أيضا فإذن كيف يتفق قوله هذا السابق مع قوله هنا : «كان الله وليس شيء غيره» فليعرف ذلك أهل الغرور بابن القيم ثم ليعرفوه.

    اليوناني بدوام هذا العالم المشهود والأرواح في أزل وليس بفان ، واندفع في ذكر النصير الطوسي لعنه الله فهو معذور فيه ، لكنه لا فرق بينه وبين القائلين بقدم العالم إلا أنه لا يقول بقدم هذه الأجسام المشاهدة والأرواح وهذه الأجسام والأرواح كالحوادث اليومية التي أجمع كل عاقل على حدوثها ، فلو جاء زنديق وقال إنه لم يزل أجسام وأرواح خلقا من قبل خلق وإنه كان قبل هذه السماوات سماوات غيرها لا إلى نهاية ، وأرواح غير هذه الأرواح لا إلى نهاية لم يكن بينه وبين هذا الناظم فرق إلا أن هذه في غير ذاته تعالى ، وما قاله الناظم ، بحدوثه في ذاته سبحانه وتعالى والتسلسل عنده جائز فبم ينكر على الزنديق الذي يدعي ذلك؟ وأي فرق بين قوله وقوله؟ فإن التزم جوازهما فأي فرق بينهما وبين جرم هذه السماء (1)؟ وقوله (تخلف التأثير بعد تمام موجبه) ففيه اعتراضان : أحدها أن المؤثر خلاف الفاعل بالاختيار والله تعالى فاعل بالاختيار والثاني قوله (بعد تمام موجبه) إن أراد الإيجاب الذاتي فهو قول الفلاسفة والله فاعل بالاختيار ، ومن ضرورة الفعل بالاختيار تأخر الفعل عن الاختيار ، والتأخر يقتضي الحدوث فكيف يتخلص عن هذه اللكنة. [وإن أراد الوجوب عن الله فسياق العبارة ينافيه].
    فصل
    القول في تجويز التسلسل في الماضي
    قال : «فلئن زعمتم أن ذاك تسلسل قلنا صدقتم وهو ذو إمكان كتسلسل التأثير في مستقبل ، وهل بينهما (2) فرق؟ وأبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم والأشعري وابن الطيب الباقلاني وجميع أرباب الكلام الباطل فرقوا وقالوا ذلك فيما لا يزال حق وفي الأزل ممتنع لأجل تناقض الأزلي والأحداث ، فانظر إلى التلبيس في ذا الفرق ترويجا على العوران والعميان ما قال ذو عقل بأن ذا أزلي لذي ذهن ولا أعيان بل كل فرد فهو مسبوق بفرد ونظيره كل فرد ملحوق بفرد فالآحاد تفنى والنوع (3) لا يفنى أزلا
    __________________
    (1) ولعل المصنف لم ير جزء (حوادث لا أول لها) لابن تيمية إذ قوله فيه خطر جدا.
    (2) لو كان الناظم سعى في تعلم أصول الدين عند أهل العلم قبل أن يحاول الإمامة في الدين لبان له الفرق بين الماضي والمستقبل في ذلك ، ولعلم أن كل ما دخل في الوجود من الحوادث متناه محصور وأما المستقبل فلا يحدث فيه حادث محقق إلا وبعده حادث مقدر لا إلى غير نهاية بخلاف الماضي كما سبق وسيأتي كلام أبي يعلى وغيره في ذلك.
    (3) عدم فناء النوع في الأزل بمعنى قدمه ، وأين قدم النوع مع حدوث أفراده؟ وهذا لا يصدر إلا

    وأبدا وتعاقب الآنات ثابت في الذهن كذا في العين ، فإن قلتم الآنات حادثة فيقال ما ذا تعنون بالآنات؟ هل تعنون مدة من حين إحداث السماوات؟ ونظنكم تعنون ذاك ولم يكن قبلها شيء من الأكوان ، هل جاءكم في ذاك من أثر ومن نص ومن نظر ومن برهان؟ إنا نحاكمكم إلى ما شئتم منها أوليس خلق الكون في الأيام أوليس ذلكم الزمان بمدة ، فحقيقة الأزمان (1) نسبة حادث لسواه ، واذكر حديث السبق بخمسين ألف سنة سابقة ، وعرش الرب فوق الماء من قبل السنين بمدة وزمان والحق أن العرش كان قبل القلم والذين لم يقولوا بدوام فعله (2) عموا عن القرآن والحديث ومقتضى العقول وفطرة الرّحمن والبرهان وأسسوا أصل الكلام وبنوا قواعدهم عليه وقادهم قسرا إلى التعطيل ، نفى القيام لكل أمر حادث بالرب خوف تسلسل الأعيان
    __________________
    ـ ممن به مس بخلاف المستقبل وقد سبق بيان ذلك ، وقال أبو يعلى الحنبلي في المعتمد : «والحوادث لها أول ابتدأت منه خلافا للملحدة اه». وهو من أئمة الناظم فيكون هو وشيخه من الملاحدة على رأي أبي يعلى هذا فيكونان أسوأ حالا منه في الزيغ نسأل الله السلامة.
    الرد على كلام الناظم في الزمان
    (1) بل الزمان متجدد معلوم يقدر به متجدد مبهم إزالة لإبهامه عند المتكلمين ، وجوهر مجرد عند بعض الفلاسفة ، وعرض غير قار الذات عند جمهورهم أو هو الفلك الأعظم أو حركته أو مقدار تلك الحركة عند طوائف منهم ، وقول الناظم لا يطابق واحدا منها والكلام في الزمان والمكان طويل الذيل مبسوط في موضعه ، فكأن الناظم يريد أن يقول : إن الزمان كان موجودا قبل هذه السماوات بدليل تلك الأحاديث فلا مانع من وجود حوادث لا أول لها متعاقبة في الماضي في آنات متعاقبة لا أول لها ، وهو قول الدهرية نفاة الصانع. فيا ترى ما ذا يريد من كون العرش قبل القلم فإن كان أراد أن يجعل لله عرشا يستقر عليه أزلا إما بقدم العرش قدما نوعيا ، كما روى الدواني عن ابن تيمية أو قدما شخصيا لورود «أول ما خلق الله القلم» فحاشاه أن يستقر على عرش استقرار تمكن حادثا كان العرش أو غير حادث. تعالى الله عن هذا وذاك. ولأهل العلم كلام واف في الأحاديث الواردة في أول ما خلق الله تعالى ولا غرض لنا يتعلق بذلك هنا. والعرش هو المخلوق الثالث عند محققي أهل العلم بالحديث.
    (2) القول بدوام فعله تعالى في جانب الماضي قول بحوادث لا أول لها ، وقد سبق تسخيف ذلك مرات ، قال القاضي أبو يعلى الحنبلي : «لا يجوز وجود موجدات لا نهاية لعددها سواء كانت قديمة أو محدثة خلافا للملحدة ، والدلالة عليه أن كل جملة لو ضممنا إليها خمسة أجزاء مثلا لعلم ضرورة أنها زادت ، وكذلك عند النقص ، وإذا كان كذلك وجب أن تكون متناهية بجواز قبول الزيادة والنقصان عليها ، لأن كل ما يأتي فيه الزيادة والنقصان وجب أن يكون متناهيا من جهة العدد اه» راجع المعتمد المحفوظ تحت رقم 45 من التوحيد في ظاهرية دمشق وهذا بالنظر إلى الماضي كما سبق فتبا لمن يكون أسوأ حالا في هذه المباحث من أبي يعلى المذكور حاله في دفع شبه التشبيه لابن الجوزي.

    فيسد ذاك عليهم بزعمهم إثبات الصانع إذا أثبتوه بخلاف الأجسام ، هذي نهايات أقدام الورى في ذا المقام الضيق فمن يأتي بفتح ينجي الورى من الحيرة» انتهى كلامه في هذا الفصل.
    وقد صرح بقبائح منها إمكان التسلسل ومنها نسبة أكابر علماء الأشعرية إلى التلبيس ومنها نسبة ذلك إلى القرآن والسنة وأنه لم يجيء أثر ينص على العدم المتقدم وقد جاء (كان (1) الله ولا شيء معه) والشيء يشمل الجسم والفعل والنوع والآحاد.
    فصل
    قال : «هذا (2) الدليل هو الذي أرادهم ما زال أمر الناس معتدلا إلى أن دار في الأوراق فرفعت لوازمه قواعد الإيمان وتركوا حق الأدلة وهي في القرآن ودليلهم لم يأت به الله ولا رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بل حدث على لسان جهم وحزبه».
    ينبغي أن يقال لهذا الردى انتصب للدليل حتى يرى ما عنده.
    فصل
    قال في الرد على الجهمية المعطلة القائلين بأنه ليس على العرش إله يعبد ولا فوق السماوات إله يصلّى له ويسجد.
    هذا المدبر يأخذ الكلام يقلبه كما يقلب الحقائق ، فإنه جعل مصب كلام خصومه إلى نفي الإله وهم أثبتوا الإله ونفوا كونه فوق العرش وقوله (المعطلة) يوهم به أنهم معطلة العالم من الصانع وهو يريد به معطلة الخالق من قيام الفعل الحادث به فما أكثر تلبيسه (3) وتدليسه ومراده بالجهمية (المعتزلة والأشعرية) وليس أحد من
    __________________
    (1) أخرجه ابن حبان والحاكم وابن أبي شيبة عن بريدة وفي رواية ولا شيء غيره.
    (2) وهو القول بأن الجسم لا يخلو من حادث في الاحتجاج على حدوث العالم وانتهائه إلى محدث واجب الوجود منزّه عن الجسمية والجسمانيات ، وهو حجة الله التي آتاها إبراهيم مهما تقولت المجسمة وهذت في ذلك ، وقد اعترف بتلك الحجة مثل ابن حزم مع كونه ظاهريا فما للناظم لا يتابعه في ذلك وهو يتابعه في شواذه الباطلة؟ فلعله اتخذه قدوة في الباطل دون الحق.
    (3) وكيف يرضى العقال أن يعد من العلماء ـ وهم أمناء الله في أرضه ـ رجلا كثير الغش لأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كثرة يتعجب منها أئمة الإسلام وليس هذا الغش في أمر من أمور الدنيا ولو كان هذا لهان الأمر ولكنه غش في صميم الإسلام فليعرف ذلك المغرورون بابن القيم ثم ليعرفوه.

    المعتزلة اليوم عندنا ظاهرا فلا كلام له إلا مع الأشعرية الذين أكثر الخلق يقتدون بهم ، يريد تنقيصهم والطعن فيهم ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
    قال : «والله كان وليس شيء (1) غيره وخلق البرية ، فسل المعطل هل هي خارج ذاته أو فيها أو هو عينها لا رابع ، ولذلك قال محقق القوم الذي رفع القواعد هو عين الكون فهو الوجود بعينه إن لم يكن فوق الخلائق إذ ليس يعقل بعد إلا أنه فيها كمقالة النصراني فاحكم على من قال ليس بخارج ولا داخل بأنه أوقع عليه (2) حد المعدوم ، فإن زعم أن ذاك في الجسم ، والرب ليس كذا فيقال هذا دعوى واصطلاح اليونان».
    إن أراد بالدعوى نفي الجسمية عن الرب وبالاصطلاح ذلك فقد أظهر ما في نفسه ، وإن أراد أن النفي إنما يصدق في الأجسام والظاهر أنه مراده فلا يقال فيه اصطلاح.
    قال : «والشيء يصدق نفيه عن قابل وسواه ولذا ينفي عنه الظلم المحال والنوم والسنة والطعم والولادة والزوجة ، والله وصف الجماد بأنه ميت أصم ، ونفى عنه الشعور والنطق والخلق وهو لا يقبل ، ولو سلم أن هذا شرط كان في الضدين لا في النقيضين ونفيكم لقبولهما يزيل الإمكان وهو كنفي قيامه بالنفس أو بالغير فإذا المعطل
    __________________
    (1) وهذا يناقض القول بحوادث لا أول لها ودوام الفعل في جانب الماضي ، والناظم كم ينقض غزله وله هوى في إكفار الأمة بكل وسيلة ، ولا أدري ما ذا يكسب هذا المتهوس إذا لم يبق من الأمة مسلم سوى مكسري الحشوية. وبين الصوفية أتقياء أبرار يراعون أدق أوامر الشرع في جميع شئونهم ويرون في الوجود ما لا يتنافى مع التكاليف الشرعية كما أن بين المتصوفة زنادقة إباحية ، وإجراء الكلام في حق الفريقين بمجرى واحد ليس من الإنصاف في شيء وكفى أن ينسب إليهم بعض بدع بدون تسرع في إكفارهم ، وقال العلامة يوسف البحري من أجلّة أصحاب السيد مرتضى الزبيدي فيما علقه على (المجموع في المشهود والمسموع) : إن الواجب له عز الوجوب والعظمة والكبرياء فهو منزّه عن اللواحق المادية والتعطيلات الإلحادية وإن الممكن له ذل الإمكان وحقارة الاحتياج إليه محقور مقهور محتاج إليه تعالى في وجوده وبقائه وجميع أطواره فلا ينقلب الواجب ممكنا ولا الممكن واجبا ، بل الواجب خالق قادر غني والممكن مخلوق عاجز محتاج ، فلا يكون أحدهما عين الآخر ، وهذا بديهي وبه نزلت الكتب السماوية وجاء به الأنبياء والمرسلون ودعوا الناس إلى اعتقاده وقامت عليه البراهين واتحدت كشوف الأولياء مع طريق النظر في هذا المطلب اه ثم شرح كيف يضمحل الوجود الإمكاني في نظر المقبل إلى الله بكليته.
    (2) من يعلم هذا البجباج النفاج أنواع التقابل والفرق بين الضدين والنقيضين؟ ومن يفهمه أن الخروج والدخول ضدان لا نقيضان قد يرتفعان عما ليس بجسم بخلاف النقيضين؟.

    قال إن قيامه بالنفس أو بالغير باطل إذ ليس يقبلهما إلا جسم أو عرض فكلاكما ينفي الإله حقيقة ما ذا يرد عليه من هو مثله في النفي صرفا والفرق ليس بممكن لك والخصم يزعم أن ما هو قابل لهما كقابل لمكان فافرق أو أعط القوس باريها وخل الفشرة وكثرة الهذيان».
    فهذا فشار كبير ممن لا يعرف الضدين ولا النقيضين ولا الإمكان ولا الامتناع ، يا سبحان الله الدخول والخروج نقيضان أو نفي الوصف بهما يزيل الإمكان أو ينفي الإله؟ هذا خلط.
    فصل
    قال : في سياق هذا الدليل على وجه آخر إن نفي المعطل كون الإله خارج الأذهان بالغ في الكفر وإن أقر ، فإن قال إنه عين الأكوان قال بالاتحاد وجحد ربه ، وإن قال غيرها ، فإن قال الخلق في ذاته أو ذاته فيهم فهو قول النصارى ، وإن قال قائم بنفسه فهو وغيره مثلان أو ضدان أو غيران وعلى التقادير (1) الثلاثة لو لا التباين لم يكن شيئان فلذا قلنا إنكم باب من الاتحاد».
    أسمع جعجعة ولا أرى طحنا آخره مطالبة بأن ما ليس في حيز كيف يكون موجودا.
    __________________
    (1) يلوك لسانه مصطلحات أهل المعقول من غير أن يفهم مرادهم ليظهر عند الحمقى بأنه جامع بين المعقول والمنقول ، فالغيران إذا اشتركا في تمام الماهية فهما مثلان ، وإلا فإن كانا وجوديين أمكن تعقل أحدهما مع الذهول عن الآخر فهما ضدان ، والتباين عندهم باعتبار الصدق أو التحقق لا بمعنى البينونة المفيدة إشغال هذا حيزا غير حيز ذاك ، والحاصل أنه جعل القسم قسيما وحمل التباين على التباعد بالمسافة وإشغال كل حيزا غير حيز الآخر ، وحاول أن يستنتج من الدعوى المجردة ما يدعيه ، ولو كان المسكين درس الطوالع مثلا قبل أن يخوض في هذه المباحث عند عالم كالأصبهاني لما فضح نفسه بهذيان المحمومين ، وحق للمصنف أن يقول في ثرثرة الناظم أسمع جعجعة ولا أرى طحنا. لأن معنى كلام الناظم : إن نفى المعطل الإله في خارج الأذهان فهو كافر ، وإن أقر بوجوده بأن قال إنه عين الكون فهو اتحادي ملحد ، وإن قال إنهما مثلان أو ضدان أو غيران بدون اختلاف في الجهات فهو قائل بالاتحاد أيضا. فيا ترى هل لهذا التخريف من معنى عند أهل البصيرة؟

    فصل
    نصوص عن ابن تيمية في الفوقية الحسية
    قال : «ولقد أتانا عشرة أنواع من المنقول في فوقية (1) الرّحمن مع مثلها أيضا يزيد بواحد ، ها نحن نسردها بلا كتمان».
    أخذ هذا الخلف السوء يذكر ما قاله شيخه في كتاب العرش وكأنه المقصود بهذا النظم فإنه أطال فيه.
    قال : «هذا ومن عشرين وجها يبطل التفسير ب (استولى) لذي العرفان قد أفردت بمصنف لإمام هذا الشأن بحر العالم (2) الحراني».
    __________________
    (1) شيخ الناظم يريد بالفوقية الفوقية الحسية كما صرح به فيما رد به على الرازي حيث قال : «إن العرش في اللغة السرير وذلك بالنسبة إلى ما فوقه كالسقف بالنسبة إلى ما تحته ، فإذا كان القرآن جعل لله عرشا وليس هو بالنسبة إليه كالسقف علم أنه بالنسبة إليه كالسرير بالنسبة إلى غيره وذلك يقتضي أنه فوق العرش اه». ومثل هذه الفوقية لا يقول به إلا مجسم ، ونقل البيهقي في مناقب أحمد عن رئيس الحنابلة وابن رئيسها أبي الفضل التميمي أنه قال : «أنكر أحمد على من قال بالجسم وقال : إن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف والله تعالى خارج عن ذلك كله فلم يجز أن يسمى جسما لخروجه عن معنى الجسمية ولم يجيء في الشريعة ذلك فبطل» انتهى.
    فالناظم وشيخه متقولان على الشرع وعلى اللغة وعلى إمامهما فضلا عن باقي الأئمة ، عاملهما الله بعدله.
    (2) بل هو وارث علوم صابئة حران حقا ، والمستلف من السلف ما يكسوها كسوة الخيانة والتلبيس. وعن هذا الحراني ـ الذي اتخذه الناظم إماما ـ يقول ابن حجر في الدرر الكامنة في ترجمته : «واستشعر أنه مجتهد فصار يرد على صغير العلماء وكبيرهم ، قديمهم وحديثهم ، حتى انتهى إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فخطأ في شيء فبلغ الشيخ إبراهيم الرقى الحنبلي فأنكر عليه فذهب إليه واعتذر واستغفر وقال في حق عليّ كرّم الله وجهه أخطأ في سبعة عشر شيئا ثم خالف فيها نص الكتاب ، منها اعتداد المتوفى عنها زوجها أطول الأجلين ، وكان لتعصبه لمذهب الحنابلة يقع في الأشاعرة حتى إنه سبّ الغزالي فقام عليه قوم كادوا يقتلونه. وذكروا أنه ذكر حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين فقال : كنزولي هذا ، فنسب إلى التجسيم. وافترق الناس فيه شيعا ، منهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكر في العقيدة الحموية التي ردّ عليها ابن جهبل والواسطية وغيرهما من ذلك ، كقوله : إن اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقية لله وإنه مستو على العرش بذاته فقيل له يلزم من ذلك التحيز والانقسام فقال : أنا لا أسلم أن التحيز والانقسام من خواص الأجسام فألزم بأنه يقول بالتحيز في ذات الله تعالى ، ومنهم من ينسبه إلى الزندقة لقوله : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يستغاث به. لأن في ذلك تنقيصا ومنعا من تعظيم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان أشد الناس عليه في ذلك النور البكري ، فإنه لما عقد له المجلس

    __________________
    ـ بسبب ذلك ، قال بعض الحاضرين : يعزر فقال البكري : لا معنى لهذا القول فإنه إن كان تنقيصا يقتل وإن لم يكن تنقيصا لا يعزر ، ومنهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في علي كرّم الله وجهه ما تقدم ، ولقوله إنه كان مخذولا حيثما توجه وإنه حاول الخلافة مرارا فلم ينلها وإنما قاتل دون الرئاسة لا للديانة ، وأن عثمان رضي الله عنه كان يحب المال. ولقوله أبو بكر رضي الله عنه أسلم شيخا لا يدري ما يقول وعليّ كرّم الله وجهه أسلم صبيا والصبي لا يصح إسلامه على قول. ونسب قوم إلى أنه كان يسعى في الإمامة الكبرى فإنه كان يلهج بذكر تومرت ويطريه فكان ذلك مؤكدا لطول سجنه وله وقائع شهيرة ، وكان إذا حوقق وألزم يقول لم أرد هذا إنما أردت كذا فيذكر احتمالا بعيدا اه».
    والدرر الكامنة من محفوظات دار الكتب المصرية وقد طبعت حديثا بمعرفة دائرة المعارف بحيدرآباد الدكن وليس بين هؤلاء من ذكره بالإمامة والقدوة في الدين ومن اتخذه إماما إنما اتخذه إماما في الزيغ والشذوذ من غير أن يتهيب ذلك اليوم الذي يدعى فيه كل أناس بإمامهم ، فليعتبر بذلك من ظن أن ابن حجر العسقلاني في صف المثنين على إمامته على الإطلاق. وهذا كلام ابن حجر في هذا الزائغ مع أنه لم يطلع على جميع مخازيه. ومن أثنى عليه من أهل السنة في مبدأ أمره قبل انكشاف الستر عن بدعه الطامة إنما أثنى عليه تشجيعا له على العلم لما كانوا يرون فيه في مبدأ نشأته من القابلية للعلم كما كانوا يفعلون مثل ذلك مع كل ناشئ لكن لما تشعبت هموم ابن تيمية وتوزعت مواهبه في مختلف الأهواء وضاع صوابه بين أمواج البدع التي ارتضاها لنفسه تراجع كل من أثنى عليه من هؤلاء على توالي فتنه بين الأمة وتعاقب أهوائه المخزية وانقلبوا ضده ، ولو لا مغامراته في شتى العلوم التي يكفي واحد منها ليختص فيه أذكى العلماء لربما برع في علم يتفرغ له بعزيمة صادقة لكن جنى على نفسه بتشتيت مساعيه وراء أهواء بشعة فأصبح في موضع هزء البارعين كلما اختبروه في علم من العلوم التي يدعي الإمامة فيها ومن أمثلة ذلك أن صفي الدين الأرموي المشهور كان طويل النفس في التقرير إذا شرع في وجه يقرره لا يدع شبهة ولا اعتراضا إلا وقد أشار إليه في التقرير بحيث لا يتم التقرير إلا ويعز على المعترض مقاومته ، وكان حضر حينما جمعت العلماء لأجل النظر في المسألة الحموية ، ولما عقد المجلس لأجل امتحان ابن تيمية عما أورده في الحموية أخذ الصفي الأرموي يقرر المسألة على طريقته البارعة ليقطع الطرق على ابن تيمية من جميع الوجوه فبدأ ابن تيمية يعجل عليه على عادته ويخرج من شيء إلى شيء على أمل أن ينفق عليه تشغيبه لكن سقط في يده حيث قال له الصفي الأرموي : ما أراك يا بن تيمية إلا كالعصفور حيث أردت أن أقبضه من مكان يفر إلى مكان آخر اه. وما ابن تيمية في نظر مثل الأرموي إلا كعصفورة في العلم وإن اتخذه الجهلة الأغرار إماما بأن نبذوا الأئمة المتبوعين وراء ظهورهم حيث راجت عليهم ثرثرته الفارغة ، ولا غرو فإن كل ساقطة لاقطة والطير على أشكالها تقع.
    والمسألة الحموية هذه تتضمن القول بالجهة وحبس ابن تيمية بعد هذا المجلس بسبب هذه المسألة ونودي عليه في البلد وعلى أصحابه وعزلوا من وظائفهم ، وهذه المسألة هي التي ردّ عليها العلامة ابن جهبل ردا مشبعا ، وقد علمت بذلك قيمة علم ابن تيمية عند البارعين من أهل العلم. وهاهنا لا بد من التنبيه على شيء وهو أني كنت كتبت فيما علقت على دفع الشبه لابن

    قول أبي حيان في ابن تيمية
    المصنف المذكور هو كتاب العرش لابن تيمية (1) وهو من أقبح كتبه ، ولما
    __________________
    ـ الجوزي في (ص 47) : (بل يروي عن نفسه أعني ابن تيمية) أنه نزل درجة وهو يخطب على المنبر في دمشق وقال : «ينزل الله كنزولي هذا» على ما أثبته ابن بطوطة من مشاهداته في رحلته. وقال الحافظ ابن حجر في (الدرر الكامنة) : ذكروا أنه ذكر حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين فقال : «كنزولي هذا» فنسب إلى التجسيم اه. وهنا انتهى ما علقته على الموضع المذكور.
    وأما ما زاد على ذلك وهو : «ويقول بعض علماء دمشق بأنه رأى هذه الخطبة في مخطوط قديم بزيادة (لا) قبل (كنزولي) والله أعلم. فزيادة منة الأستاذ الناشر اعتمادا على ما سمعه من الشيخ بدران الدوماني كأنه لم يكن يعرف مبلغ اجترائه على المجازفات وإرسال الكلام بدون ميزان ولم تكن الجماعة تعتقد أن نزول الله كنزول ابن تيمية حتى يكون لهذا الكلام معنى ما ولأجل ما زيد في كلامي هنا نكت الشيخ خضر الشنقيطي رحمه‌الله على في (استحالة المعية) وأنا بريء من تلك الزيادة ، سامحه الله.
    صيغة استتابة ابن تيمية في الاستواء والصوت
    وخطوط كبار العلماء
    (1) وقد استتيب مرات في أمور خطرة وهو ينقض مواثيقه وعهوده في كل مرة وأوردت هنا صورة من صيغ استتابته كما هي مسجلة في (نجم المهتدي) لتكون عبرة للمعتبر وهي هذه :
    «الحمد لله. الذي أعتقده أن القرآن معنى قائم بذات الله وهو صفة من صفات ذاته القديمة الأزلية وهو غير مخلوق وليس بحرف ولا صوت وليس هو حالا في مخلوق أصلا ، لا ورق ولا حبر ولا غير ذلك ، والذي أعتقده في قوله تعالى (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5)) [طه : 5] أنه على ما قال الجماعة الحاضرون وليس على حقيقته وظاهره ، ولا أعلم كنه المراد به ، بل لا يعلم ذلك إلا الله ، والقول في النزول كالقول في الاستواء أقول فيه ما أقول فيه ، لا أعرف كنه المراد به بل لا يعلم ذلك إلا الله وليس على حقيقته وظاهره كما قال الجماعة الحاضرون ، وكل ما يخالف هذا الاعتقاد فهو باطل ، وكل ما في خطي أو لفظي مما يخالف ذلك فهو باطل ، وكل ما في ذلك مما فيه إضلال الخلق أو نسبة ما لا يليق بالله إليه فأنا بريء منه ، فقد برئت منه وتائب إلى الله من كل ما يخالفه. كتبه أحمد بن تيمية ، وذلك يوم الخميس سادس شهر ربيع الآخر سنة سبع وسبعمائة.
    وكل ما كتبته وقلته في هذه الورقة فأنا مختار في ذلك غير مكره. كتبه أحمد بن تيمية حسبنا الله ونعم الوكيل».
    وبأعلى ذلك بخط قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة ما صورته : اعترف عندي بكل ما كتبه بخطه في التاريخ المذكور ، كتبه محمد بن إبراهيم الشافعي. وبحاشية الخط : أعترف بكل ما كتب بخطه ، كتبه عبد الغني بن محمد الحنبلي ، وبآخر خط ابن تيمية رسوم شهادات هذه صورتها : كتب المذكور بخطه أعلاه بحضوري واعترف بمضمونه ، كتبه أحمد بن الرفعة.

    وقف عليه الشيخ أبو حيان (1) ما زال يلعنه حتى مات بعد أن كان يعظمه. قال :
    __________________
    ـ صورة خط آخر : أقر بذلك ، كتبه عبد العزيز النمراوي.
    صورة خط آخر : أقر بذلك كله بتاريخه ، علي بن محمد بن خطاب الباجي الشافعي.
    صورة خط آخر : جرى ذلك بحضوري في تاريخه ، كتبه الحسن بن أحمد بن محمد الحسيني.
    وبالحاشية أيضا ما مثاله : كتب المذكور أعلاه بخطه واعترف به ، كتبه عبد الله بن جماعة.
    مثال خط آخر : أقر بذلك وكتبه بحضوري ، محمد بن عثمان البوريجي.
    وكل هؤلاء من كبار أهل العلم في ذلك العصر ، وابن الرفعة وحده له (المطلب العالي في شرح وسيط الغزالي) في أربعين مجلدا وفي ذلك عبر. ولو لا أن ابن تيمية كان يدعو العامة إلى اعتقاد ضد ما في صيغة الاستتابة هذه بكل ما أوتي من حول وحيلة لما استتابه أهل العلم بتلك الصيغة وما اقترحوا عليه أن يكتب بخطه ما يؤاخذ به إن لم يقف عند شرطه ، وبعد أن كتب تلك الصيغة بخطه توج خطه قاضي القضاة البدر ابن جماعة بالعلامة الشريفة وشهد على ذلك جماعة من العلماء كما ذكرنا ، وحفظت تلك الوثيقة بالخزانة الملكية الناصرية ، لكن لم تمض مدة على ذلك حتى نقض ابن تيمية عهوده ومواثيقه ، كما هي عادة أئمة الضلال ، وعاد إلى دعوته الضالة ورجع إلى عادته القديمة في الإضلال وكم له من فتن في مختلف التواريخ في سني 698 و 705 و 718 و 721 و 722 و 726 وهي مدوّنة في كتب التواريخ وفي كتب خاصة ، ومجرد تصور شواذه التي ألممنا ببعضها في هذا الكتاب يدل المسترشد المنصف على ما ينطوي عليه من الزيغ وإضلال الأمة ، والله سبحانه ينتقم منه.
    والغريب أن أتباع هذا الرجل يسيرون وراءه ويتشبهون به في إثارة القلاقل والفتن بين الأمة بمواجهتها بالحكم على أفرادها بالشرك والزيغ والكفر وعبادة الأوثان والطواغيت ، يعنون أحباب الله الأنبياء والأولياء يقولون إن من يزورهم يكون عابد الأوثان والطواغيت ومن هذا الطراز في زمننا كثير نراهم بأعيننا ونسمعهم بآذاننا ، طهّر الله الأرض منهم وأراح العباد من شرهم.
    (1) قال أبو حيان الأندلسي الحافظ في تفسير قوله تعالى (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [البقرة : 255] وقد قرأت في كتاب لأحمد بن تيمية هذا الذي عاصرناه وهو بخطه سماه كتاب العرش «إن الله يجلس على الكرسي وقد أخلى مكانا يقعد معه فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تحيل عليه محمد بن عبد الحق وكان من تحيله أنه أظهر أنه داعية له حتى أخذ منه الكتاب وقرأنا ذلك فيه» كما ترى في النسخ المخطوطة من تفسير أبي حيان وليست هذه الجملة بموجودة في تفسير الحبر المطبوع ، وقد أخبرني مصحح طبعه بمطبعة السعادة أنه استفظعها جدا وأكبر أن ينسب مثلها إلى مسلم فحذفها عند الطبع لئلا يستغلها أعداء الدين ، ورجاني أن أسجل ذلك هنا استدراكا لما كان منه ونصيحة للمسلمين.
    وقد علمت العواتق في خدورهن حكاية هجر أبي حيان لابن تيمية لهذا السبب بعد أن كان تسرع في إطرائه ، وإطراؤه مدوّن في الرد الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي وأما تقول بعض المداهنين بأنه إنما كان هجره لوقوعه في سيبويه حيث قال : أكان سيبويه نبي النحو وقد غلط في كيت وكيت. فرجم بالغيب أما تصريح أبي حيان صاحب القصة ، نعم هذا تهور وقلة أدب من ابن تيمية وما هي قيمة نحوه في جانب استبحار سيبويه وأبي حيان في النحو ، وإن كان لكل إمام غلطات معدودة في علمه لكن وقوعه في سيبويه في جنب الوقوع في الله سبحانه ليس

    «منها استوى (1) في سبع آيات بغير لام ولو كانت بمعنى استولى لجاءت في موضع».
    وهذا الذي قاله ليس بلازم فالمجاز قد يطرد وحسنه أن لفظ استوى أعذب وأخصر وليس هذا من الاطراد الذي يجعله بعض الأصوليين من علامة الحقيقة ، فإن ذلك هو الاطراد في جميع موارد الاستعمال والذي حصل هنا اطراد استعمالها في آيات فأين أحدهما من الآخر ، ثم إنّ استوى وزنه افتعل فالسين فيه أصلية واستولى وزنه استفعل فالسين فيه زائدة ومعناه من الولاية فهما مادتان متغايرتان في اللفظ والمعنى ، والاستيلاء قد يكون بحق وقد يكون بباطل والاستواء لا يكون إلا بحق والاستواء صفة للمستوي في نفسه بالكمال والاعتدال ، والاستيلاء صفة متعدية إلى غيره فلا يصح أن يقال استولى حتى يقول على كذا ، ويصح أن يقول استوى ويتم الكلام ، فلو قال استولى لم يحصل المقصود ، ومراد المتكلم الذي يفسر الاستواء بالاستيلاء التنبيه على صرف اللفظ عن الظاهر الموهم للتشبيه واللفظ قد يستعمل مجازا في معنى لفظ آخر ويلاحظ معه معنى آخر في لفظ المجاز لو عبر عنه باللفظ الحقيقي لاختل المعنى وقد يريد المتكلم أن الاستواء من صفات الأفعال كالاستيلاء المتمحض للفعل من كل وجه ويكون السبب في لفظة الاستواء عذوبتها واختصارها فقط دون ما ذكرناه ولكن ما ذكرناه أحسن وأمكن مع مراعاة معنى الاستيلاء. وانظر قول الشاعر :
    قد استوى قيس على العراق
    من غير سيف ودم مهراق

    __________________
    ـ بشيء مذكور فحمل هجره الدائم على خلاف ما ذكره الهاجر ليس شأن من يخاف الله ، ويتوخى مراضيه. بل ذلك شأن المخدوعين المفتونين.
    (1) ويقال لهذا المتعلم بل لو كان (استوى) بمعنى (جلس) لأتى لفظ (جلس) في أحد المواضع السبعة.
    ومما يقصر المسافة في الرد على الحشوية التي تدعي التمسك بالظاهر أن قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى) [البقرة : 29] صيغة فعل مقرونة بما يدل على التراخي وذلك يدل على أن الاستواء فعل له تعالى متقيد بالزمن وبالتراخي شأن سائر الأفعال وعدّ ذلك صفة إخراج للكلام عن ظاهره وهذا ظاهر جدا ولم يرد (المستوى) في عداد أسماء الله الحسنى لا في الكتاب ولا في السنة حتى يصح إطلاقه على الذات العلية على أن يكون صفة أو علما. وقد أجمعت الأمة على أن الله تعالى لا تحدث له صفة فلا مجال لعد ذلك صفة وقد ذكرت وجه حسن الاستعارة التمثيلية في الآية (في لفت اللحظ إلى ما في الاختلاف في اللفظ) ولعل القارئ المنصف يكاد يعد ذلك متعينا ولا حاجة إلى إعادة من هناك ، فليراجع ثمت.

    ولو أتى بالاستيلاء لم يكن له هذه الطلاوة والحسن ، والمراد بالاستواء كمال الملك هو مراد القائلين بالاستيلاء ، ولفظ الاستيلاء قاصر عن تأدية هذا المعنى ، فالاستواء في اللغة له معنيان أحدهما استيلاء بحق وكمال فيفيد ثلاثة معان ولفظ الاستيلاء لا يفيد إلا معنى واحدا ، فإذا قال المتكلم في تفسير الاستواء الاستيلاء مراده المعاني الثلاثة وهو أمر يمكن في حق الله سبحانه وتعالى فالمقدم على هذا التأويل لم يرتكب محذورا ولا وصف الله تعالى بما لا يجوز عليه والمفروض المنزه لا يقدم على التفسير بذلك لاحتمال أن يكون المراد خلافه وقصور أفهامنا عن وصف الحق سبحانه وتعالى مع تنزيهه عن صفات الأجسام قطعا ، والمعنى الثاني للاستيلاء في اللغة الجلوس والقعود ، ومعناه مفهوم من صفات الأجسام لا يعقل منه في اللغة غير ذلك والله تعالى منزّه عنها ، ومن أطلق القعود وقال إنه لم يرد صفات الأجسام قال شيئا لم تشهد به اللغة فيكون باطلا وهو كالمقر بالتجسم (1) المنكر له فيؤاخذ بإقراره ولا يفيد إنكاره واعلم أن الله تعالى كامل الملك أزلا وأبدا ، ولكن العرش وما تحته حادث ، فإن قوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الأعراف : 54] لحدوث العرش لا لحدوث الاستواء.
    فصل
    قال : «وثانيها لفظ العلي والأعلى (2) والعلو بمطلقه عام ونفيه نقص وعلوه فوق
    __________________
    (1) والإقرار بتجويز الجسمية بكل صراحة موجود في كلام شيخه فيما ردّ به على الفخر الرازي كما سبق ، بل لصاحب الفرج بعد الشدة الشيخ محمد المنبجي الحنبلي من أخص تلاميذ الناظم رسالة في الرد على من ينفي المماسة بكل وقاحة ، وما تخفي صدور هؤلاء أكبر فالمؤمن الرشيد يجب عليه أن يتوقى من الوقوع في هاويتهم والمسألة مسألة كفر وإيمان وسننقل نصوصا من الكتابين المذكورين في مواضع تحذيرا للمغترين.
    (2) العلو ومشتقاته من صفات التنزيه تعالى الله عما يصف به المجسمة ، والحمل على علو المكان نزعة وثنية ، قال ابن تيمية في التأسيس : «والباري سبحانه وتعالى فوق العالم فوقية حقيقية ليست فوقية الرتبة كما أن التقدم على الشيء قد يقال إنه بمجرد الرتبة كما يكون بالمكان مثل تقدم العالم على الجاهل وتقدم الإمام على المأموم فتقدم الله على العالم ليس بمجرد ذلك بل هو قبلية حقيقية وكذلك العلو على العالم قد يقال إنه يكون بمجرد الرتبة كما يقال العالم فوق الجاهل وعلو الله على العالم ليس بمجرد ذلك بل هو عال عليه علوا حقيقيا وهو العلو المعروف والتقدم المعروف اه». فهل يشك عاقل أن ابن تيمية يريد بذلك الفوقية الحسية والعلو الحسي ، تعالى الله عما يأفكون ، واستعمال العلو ومشتقاته في اللغة العربية بمعنى علو الشأن في غاية من الشهرة رغم تقول المجسمة.

    الخليقة كلها فطرت عليه الخلق» فيقال أسماء الله قديمة فإن لزم من العلى والأعلى كونه فوق جسم لزم قدم العالم والذي فطرت عليه والبديهة التعظيم إلى أعلى غاية.
    فصل
    كلمة ابن تيمية في العلو والفوقية والرد عليه
    قال : «وثالثها صريح الفوق (1) مصحوبا بمن وبدونها أحدهما قابل للتأويل والأصل الحقيقة والمجرور لا يقبل التأويل وأصح لفائدة جليل قدرها إن الكلام إذا أتى بسياقه يبدي المراد أضحى كنص قاطع».
    فيقال المجرور أولى بالتأويل لأن قوله تعالى : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) [النّحل :
    50] يحتمل أن المراد خوفا من فوقهم وليس في سياق الكلام ما يبدي المراد الذي ادعاه فأين الفائدة؟ والفوقية بمعنى القهر وعلو القدر متفق عليها والجهة هي عين النزاع ويلزم منها قدم الجهة.
    فصل
    قال : «ورابعها عروج الروح والملائكة في سورتي السجدة والمعارج قالوا هما بزمان وعندي يوم واحد عروجهم فيه إلى الديّان فالألف مسافة نزولهم وصعودهم إلى السماء الدنيا والخمسون ألف من العرش إلى الحضيض الأسفل».
    فيقال له في الآيتين (إِلَيْهِ) [البقرة : 178] فعلى قوله يكون الله في مكانين أحدهما في السطح التحتاني من السماء الدنيا لأنه نهاية الألف والثاني في العرش ثم إن المسافة
    __________________
    (1) ينص شيخه في كتابه المذكور على أن المراد بالفوقية الفوقية الحسية فكأنه لم يتل في كتاب الله (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح : 10] و (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) [يوسف : 76] والمراد بالفوقية فوقية العزة والقهر والتنزه. «والله فوق ذلك» في حديث الترمذي بمعنى أنه يعلو عن مدارك البشر بدليل ما في سنن الترمذي أيضا من حديث «لو دليتم» قال ابن جهبل : الفوقية ترد لمعنيين : أحدهما نسبة جسم إلى جسم بأن يكون أحدهما أعلى والآخر أسفل بمعنى أن أسفل الأعلى من جانب رأس الأسفل ، وهذا لا يقول به من لا يجسم ، وثانيهما بمعنى المرتبة كما يقال الخليفة فوق السلطان والسلطان فوق الأمير ، وكما يقال : جلس فلان فوق فلان والعلم فوق العمل والصياغة فوق الدباغة. قال تعالى : (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) [الزّخرف : 32] ولم يطلع أحدهم فوق أكتاف الآخر وقال تعالى عن القبط : (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) [الأعراف : 127] وما ركبت القبط أكتاف بني إسرائيل ولا ظهورهم اه. فظهر بذلك بطلان التمسك بكلمة فوق في الآيات والأحاديث في إثبات الجهة له تعالى الله عن مزاعم المجسمة.

    إذا فصلت على أن بين السماء والأرض خمسمائة عام وكذا ثخانة كل سماء وما بين كل سماء وسماء لا يبلغ هذا المقدار وهذا لا يتعلق بغرضنا ، والمتعلق بغرضنا إلزامه بظاهر قوله : (إِلَيْهِ) [البقرة : 178] مع التزامه أن الغاية في المكان وكون ما بين السماء والأرض خمسمائة عام روي بطرق ضعيفة وفي الترمذي من رواية العباس في حديث الأوعال إما واحدة وإما اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة وهو يوافق قول أهل الهيئة وهذا يرجح أنهما يومان : أحدهما في الدنيا إلى العرش ألف سنة والثاني يوم القيامة خمسون ألف سنة من الشدة وقد جاء أن في الجنة مائة درجة بين كل درجتين مائة عام في رواية وفي رواية كما بين السماء والأرض (وكلاهما في الترمذي والفردوس أعلى الجنة وفوقه العرش فهذه المسافة أكثر من عشرة آلاف سنة) (1).
    فصل
    قال : «وخامسها صعود كلامنا (2) والصدقة والحفظة والسعي والمعراج (3) وعيسى وروح المؤمنين ودعاء المضطر ودعاء المظلوم».
    وقال في المعراج : «وقد دنا منه إلى أن قدرت قوسان».
    وقد علم كل واحد اختلاف المفسرين في قوله تعالى : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (Cool) [النّجم : 8] فكيف يستدل به وعيسى في السماء الرابعة ليس على العرش ، ورفع الصدقة والكلام وشبههما من المعاني ليس بالانتقال من مكان إلى مكان لأن المعاني لا تنتقل.
    فصل
    حديث النزول
    قال : «وسادسها وسابعها النزول (4) والتنزيل».
    __________________
    (1) ما بين القوسين في هامش الأصل.
    (2) قال ابن جهبل : الصعود كيف يكون حقيقة في الكلام؟ مع أن الصعود في الحقيقة من صفات الأجسام فليس المراد إلا القبول اه وهذا ظاهر جدا.
    (3) قال ابن جهبل : لم يرد في حديث المعراج أن الله فوق السماء أو فوق العرش حقيقة ولا كلمة واحدة من ذلك وهو لم يسرد حديث المعراج ولا بين وجه الدلالة منه حتى نجيب عنه فلو بين وجه الدلالة لعرفنا كيف الجواب اه.
    (4) قاتل الله الجهل ، ما أفتكه ، فمن الذي يجهل استمرار الثلث الأخير من الليل في البلاد باختلاف

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ترجمة بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري   ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyالثلاثاء أكتوبر 15, 2024 11:20 pm

    وتنزيل القرآن لنزول جبريل به من جهة العلو.
    فصل
    قال : «وثامنها رفيع الدرجات وفعيل بمعنى المفعول».
    ما بقي من تخلف هذا النحس إلا أن يجعل لله سلما يصعد وينزل في درجاته ، تعالى الله عما يقول. يحمل على اللفظ فوق ما يحتمله ويفهم منه غير مراده فسحقا له.
    فصل
    «وتاسعها فوق السماء (1)».
    فصل
    قال : «وعاشرها الملائكة الذين هم عند الرّحمن وكتّاب رحمته عنده فوق العرش وسائر الأشياء ليست كذلك».
    من هم الملائكة الذين هم معه في المكان وجبريل يتأخر عن المكان الذي وصل إليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟.
    فصل
    الإشارة إلى رفع الأيدي إلى السماء
    قال : «وحادي عشرها إشارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإصبعه في الموقف لله (2)».
    __________________
    ـ المطالع حتى يحمل النزول إلى السماء الدنيا على النزول الحسي ، وقد حمل حماد بن زيد النزول في الحديث على معنى الإقبال ومن أهل العلم من حمل الحديث على أن الإسناد فيه مجازي من قبيل الإسناد إلى السبب الآمر ويؤيده حديث أبي هريرة في سنن النسائي وفيه «ثم يأمر مناديا يقول هل من داع فيستجاب له». وليس في استطاعة من يخاف الله غير أن يفوض معنى النزول إلى الله مع التنزيه أو أن يحمل الحديث على المجاز في الطرف أو في الإسناد ، بل الأخير هو المتعين لحديث النسائي المذكور فيخرج حديث النزول من عداد أحاديث الصفات بالمرة عند من فكر وتدبر تعالى الله عن النقلة التي يقول بها المجسمة.
    (1) يريد حديث الرقية وفي لفظ الناظم تغيير للفظ الحديث وسيأتي بيان ذلك والرد عليه.
    (2) أين في الحديث ذكر الإشارة إلى الله؟ وهكذا تكون أمانة مثل الناظم وشيخه في النقل؟ وهل صدر منه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في خطبة عرفات سوى أن رفع إصبعه ثم نكبها إليهم وهل في ذلك دلالة على أن رفعه كان ليشير به إلى جهة الله سبحانه؟ تعالى الله عن ذلك. والخطيب يرفع يده وينكبها

    جوابه : إن القلب متوجه إلى الرب العالي قدرا وقهرا على كل شيء والإشارة إلى جهة العلو التي هي محل ملكه وسلطانه وملائكته والعليين عن خلقه ، وقبلة دعائه ومنزل وحيه وهكذا رفع (1) الأيدي في الدعاء.
    فصل
    قال : «وثاني عشرها وصفه تعالى بالظاهر وفسر في الحديث (أنت الظاهر فليس فوقك شيء)».
    يقال لهذا المدبر إن كان الظاهر يقتضي الفوقية الحسية فاسم الباطن يقتضي التحتية الحسية ـ تعالى الله.
    فصل
    دعوى الناظم في الرؤية بدون مقابلة
    قال : «وثالث عشرها إخباره أنا نراه في الجنة وهل نراه إلا من فوقنا (2) ودعوى
    __________________
    ـ كيف يشاء في أثناء خطبته. وجعل ذلك حجة في شيء لا يصدر إلا ممن في قلبه مرض على أن الأرض كرية فالواقف في شرق الأرض تكون أخمصه في مقابلة أخمص الواقف في غرب الأرض ، ومن ضرورة ذلك أن يكون سمتا رأسيهما إلى جهتين متعاكستين فتكون إشارة أحدهما إلى جهة تعاكس الجهة التي يشير إليها الآخر ، وهكذا ، وكرية الأرض منصوصة في الكتاب والسنة كما في فصل ابن حزم والمنكر لذلك ليس بمنكر لقول أهل الهيئة فقط ، ولا للمحسوس فقط. ونسي الناظم الاستدلال في هذا الصدد بالإشارة في التشهد؟!
    (1) ورفع الأيدي إلى السماء لأجل أن السماء منزل البركات والخيرات لأن الأنوار إنما تنزل منها والأمطار ، وإذا ألف الإنسان حصول الخيرات من جانب مال طبعه إليه فهذا المعنى هو الذي أوجب رفع الأيدي إلى السماء وقال الله تعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (22)) [الذّاريات : 22] ذكره ابن جهبل فيما رد به على العقيدة الحموية لابن تيمية وهذا الرد يحق أن يكتب بماء الذهب ، ومن حاول الرد عليه من الحشوية فقد وقع على أم رأسه وكتاب ابن جهبل حقه أن يفرد بالطبع من طبقات ابن السبكي ـ ونسخة مخطوطة من كتاب ابن جهبل هذا توجد بمكتبة (لاله لى) باسطنبول.
    (2) قال : «إذ رؤية لا في مقابلة من الرائي محال ليس في الإمكان». وهذا صريح في أنه لا يرى رؤية لا يكون المرئي فيها في مقابلة الرائي فلا يكون أصرح من هذا في القول بالتجسيم ومن جملة ما يهذي به الناظم في شفاء العليل (159) : «كيف يصح عند ذي عقل ، مرئي يرى بالأبصار عيانا لا فوق الرائي ولا تحته ولا عن يمينه ولا عن شماله ولا خلفه ولا أمامه» اه وهذا مثل ما هنا وهو من أبعد الناس عن نفي الرؤية فيكون مجسما صريحا ، ورؤية الله كما يرى القمر في ليلة البدر يقول عنها ابن قتيبة في (الاختلاف في اللفظ) لم يقع التشبيه فيها على

    سواها مكابرة ولذا قال محقق منكم للمعتزلة ما بيننا خلف فاحملوا معنا على المجسمة إذ قالوا يرى كما يرى القمران فيلزمهم العلو وليس فوق العرش رب هذا الذي والله مودع كتبهم».
    ينبغي أن يحضر هذا النحس ويلزم بأن يخرج من كتبهم أنه ليس فوق العرش رب ولن يجده في كتبهم أبدا وتوهمه أنه لا يرى إلا من فوق لقصور عقله. ونقله اتفاقنا مع المعتزلة لعدم فهمه بل بيننا وبينهم وفاق وخلاف فقوله : ما بيننا وبينكم خلف كذب علينا.
    فصل
    بسط الكلام في السؤال ب «أين» في حديث الجارية
    قال : «ورابع عشرها أين الله في كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حديث معاوية بن الحكم وفي تقريره لمن سأله رواه أبو رزين».
    أقول : أما القول فقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للجارية «أين (1) الله؟ قالت : في السماء» وقد تكلم
    __________________
    ـ حالات القمر من التدوير والمسير والحدود وغير ذلك وإنما وقع التشبيه في أن إدراكه يوم القيامة كإدراكنا القمر ليلة البدر لا يختلف في ذلك كما لا يختلف في هذا ، والعرب تضرب بالقمر المثل في الشهرة والظهور اه فعار على الناظم وشيخه أن يغيب عنهما ما لم يغب عن مثل ابن قتيبة ، لكن الهوى يعمي ويصم ، وكلامهما ينبئ عن تشبيه المرئي بالمرئي بل عادة ابن تيمية تهوين شأن التشبيه حتى تجده يقول فيما ردّ به على الرازي (24 ـ الكواكب) «ليس في كتاب الله ولا سنّة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا كلام أحد من الصحابة والتابعين ولا الأكابر من أتباع التابعين ذم المشبهة وذم التشبيه ونفي مذهب التشبيه ونحو ذلك وإنما اشتهر ذم هذا من جهة الجهمية اه» كأنه لم يتل قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : 11] وقوله تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) [النّحل : 17] وهو الذي يروي عن ابن راهويه في موضع آخر من ذلك الكتاب «من وصف الله فشبّه صفاته بصفات أحد من خلقه فهو كافر بالله العظيم» ويروى أيضا مثله عن نعيم بن حماد في موضع آخر وهو من أئمتهم بل يروى عن الإمام أحمد نفسه «لا يشبهه شيء من خلقه» في موضع آخر من كتابه المذكور وهذا مما يدل على وقاحته البالغة وقلة دينه ، وهل أدل على قلة عقل الرجل من تناقضه في كتاب واحد؟ والله ينتقم منه.
    (1) وراوي هذا الحديث عن ابن الحكم هو عطاء بن يسار وقد اختلفت ألفاظه فيه ففي لفظ له «فمدّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده إليها وأشار إليها مستفهما من في السماء ...» الحديث ، فتكون المحادثة بالإشارة على أن اللفظ يكون ضائعا مع الخرساء الصماء فيكون اللفظ الذي أشار إليه الناظم والمؤلف لفظ أحد الرواة على حسب فهمه لا لفظ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ومثل هذا الحديث يصح الأخذ به فيما يتعلق بالعمل دون الاعتقاد ، ولذا أخرجه مسلم في باب تحريم الكلام في الصلاة ـ

    __________________
    ـ دون كتاب الإيمان ـ حيث اشتمل على تشميت العاطس في الصلاة ومنع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك ، ولم يخرجه البخاري في صحيحه وأخرج في جزء خلق الأفعال ما يتعلق بتشميت العاطس من هذا الحديث مقتصرا عليه دون ما يتعلق بكون الله في السماء بدون أي إشارة إلى أنه اختصر الحديث وليس في رواية الليثي عن مالك لفظ «فإنها مؤمنة». وأما عدم صحة الاحتجاج به في إثبات المكان له تعالى فللبراهين القائمة في تنزه الله سبحانه عن المكان والمكانيات والزمان والزمانيات ، قال الله تعالى : (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ) [الأنعام : 12] وهذا مشعر بأن المكان وكل ما فيه ملك لله تعالى ، وقال تعالى : (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [الأنعام : 13] وذلك يدل على أن الزمان وكل ما فيه ملك لله تعالى ، فهاتان الآيتان تدلان على أن المكان والمكانيات والزمان والزمانيات كلها ملك لله تعالى وذلك يدل على تنزيه سبحانه عن المكان والزمان ، كما في أساس التقديس للفخر الرازي ، ولأن الحديث فيه اضطراب سندا ومتنا رغم تصحيح الذهبي وتهويله راجع طرقه في كتاب العلو للذهبي وشروح الموطأ وتوحيد ابن خزيمة حتى تعلم مبلغ الاضطراب فيه سندا ومتنا ، وحمل ذلك على تعدد القصة لا يرضاه أهل الغوص في الحديث والنظر معا في مثل هذا المطلب. فالروايات على رجل مبهم محمولة على ابن الحكم ، ولم يصح حديث كعب بن مالك ولا حديث يروى عن امرأة ، فمالك يرويه عن عمر بن الحكم غير مقر بأن يكون غلطا فيه ، ومسلم عن معاوية بن الحكم ولفظهما كما سبقت الإشارة إليه مع نقص لفظ «فإنها مؤمنة» في رواية مالك. ولفظ ابن شهاب في موطأ مالك عن أنصاري ـ وهو صاحب القصة في الرواية الأولى ـ (فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ قالت : نعم ، قال : أتشهدين أن محمدا رسول الله؟ قالت : نعم) وأين هذا من ذاك؟ وستعرف حال الذهبي في أواخر الكتاب فلا تلتفت إلى تهويله وتحريفه في هذا الباب فلعل لفظ (أين الله) تغيير بعض الرواة على حسب فهمه. والرواية بالمعنى شائعة في الطبقات كلها وإذا وقعت الرواية بالمعنى من غير فقيه فهناك الطامة ، وصاحب القصة لم يكن من فقهاء الصحابة ولا له سوى هذا الحديث في التحقيق ، بل كان أعرابيا يتكلم في الصلاة. على أن (أين) تكون للسؤال عن المكان وللسؤال عن المكانة حقيقة في الأول ومجازا في الثاني أو حقيقة فيهما ، قال أبو بكر ابن العربي في شرح حديث أبي رزين في العارضة : المراد بالسؤال بأين عنه تعالى المكانة ، فإن المكان يستحيل عليه ، وأين مستعملة فيه ، وقيل إن استعمالها في المكان حقيقة وفي المكانة مجاز وقيل هما حقيقتان ، وكل جار على أصل التحقيق مستعمل على كل لسان وعند كل فريق اه. وقال أبو الوليد الباجي في المنتقى : يقال مكان فلان في السماء بمعنى علو حاله ورفعته وشرفه ، فلعل الجارية تريد وصفه بالعلو ، وبذلك يوصف كل من شأنه العلو اه فيكون معنى «أين الله» ما هي مكانة الله عندك ومعنى «في السماء» أنه تعالى في غاية من علو الشأن ، يتحد هذا المعنى مع معنى «أتشهدين أن لا إله إلا الله قالت نعم» فإن قيل فليكن لفظ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو «أين الله ولفظ الراوي هو «أتشهدين ...» رواية بالمعنى على الصورة السابقة فالجواب أنه لم يصح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في تلقين الإيمان طول أداء رسالته السؤال بأين أو ذكر ما يوهم المكان ولا مرة واحدة في غير هذه القصة المضطربة بل الثابت هو تلقين كلمة الشهادة ، فاللفظ الجاري على الجادة أجدر بأن يكون لفظ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على أن المحقق

    الناس عليه قديما وحديثا والكلام عليه معروف ولا يقبله ذهن هذا الرجل لأنهم شاء على بدعة لا يقبل غيرها؟ وأما حديث أبي رزين (1) ففي سنن الترمذي عنه قال :
    __________________
    ـ السيد الشريف الجرجاني أجاز في شرح المواقف أن يكون السؤال للاستكشاف عن معتقد الجارية هل هي عابدة وثن أرضي أم هي مؤمنة بالله رب السماوات.
    ومن أهل العلم من يعد العامي معذورا في اللفظ الموهم اعتدادا بأصل اعتقاده بالله سبحانه وإن أوهم بعض إيهام في وصفه تعالى ، وإليه يشير القرطبي في المفهم في شرح حديث الجارية في صحيح مسلم ، قال ابن الجوزي : قد ثبت عند العلماء أن الله لا تحويه السماء ولا الأرض ، ولا تضمه الأقطار ، وإنما عرف بإشارتها تعظيم الخالق جلّ جلاله عندها اه وعلى تقدير ثبوت لفظ «أين» فالمعنى الذي ذكره الباجي وابن العربي معنى لا حيدة عنه أصلا وجلالة مقدار هذين الإمامين في الحديث واللغة وأصول الدين والفقه لا يجحدها إلا الجاهلون وقول ذلك الصحابي الذي كان يبغي فوق السماء مظهرا ، من الأدلة على ما أشار إليه الباجي.
    توهين حديث أبي رزين
    (1) وأما حديث أبي رزين ففي سنده حماد بن سلمة مختلط ، وكان يدخل في حديثه ربيباه ما شاءا وليس في استطاعة ابن عدي ولا غيره إبعاد هذه الوصمة عنه ، ويعلى بن عطاء تفرّد به عن وكيع بن حدس أو عدس ، وهو مجهول الصفة ، وهو تفرد عن أبي رزين ، ولا شأن للمنفردات والوحدان في إثبات الصفات فضلا عن المجاهيل وعمن به اختلاط ، فليتق الله من يحاول أن يثبت به صفة لله. وقد سئم أهل العلم من كثرة ما يرد بطريق حماد بن سلمة من الروايات الساقطة في صفات الله سبحانه ، وقد روى أبو بشر الدولابي الحافظ عن ابن شجاع عن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن مهدي أنه قال : «كان حماد بن سلمة لا يعرف بهذه الأحاديث حتى خرج خرجة إلى عبدان فجاء وهو يرويها ، فلا أحسب إلا شيطانا خرج إليه في البحر فألقاها إليه اه». وما ذا يجدي تحمس ابن عدي في الدفاع عنه والرد على محمد بن شجاع الإمام افتراء منه عليه؟ وابن شجاع هذا مات في صلاة العصر وهو ساجد ولا مغمز في علمه وثقته وورعه إلا أنه كان يقف في القرآن ولا يقول إنه مخلوق أو غير مخلوق لعدم ورود هذا وذاك نصا في الكتاب والسنة ، وألّف كتابا في الرد على المشبهة وهذا ذنب لا يغتفر عندهم. وإنما يدل هذا التحمس على خبيء لابن عدي الذي لم يتعلم من العربية ما يقوم به لسانه ويصونه من اللحون الفاضحة ، وأنّى لمثله أن يقوم فكره حتى يتخذ قدوة؟ وكان ابن شجاع يحذر الرواة من الأخذ بروايات تالفة أدخلها الوضّاعون على بعض شيوخ الرواية فيرد عليه عثمان بن سعيد الدارمي المجسم قائلا كيف يجد الوضّاعون سبيلا إلى الإدخال على شيوخ في الرواية؟ وابن عدي يعكس الأمر ويجعل الذي يدخل عليهم هو ابن شجاع بدون أي دليل وبدون سوق أي سند كما هو شأن المتقولين وله مع ثقات الرواة وأئمة الأمة في الفقه الذين تكلم فيهم موقف في يوم القيامة ، لا يغبط عليه ، والعقيلي على تعنته لم يذكره في كتابه ـ وحديث إجراء الخيل كان ذائعا بين شيوخ الرواية من الحشوية حتى يشكو من ذلك ابن قتيبة مر الشكوى في (الاختلاف في اللفظ) وهو معاصر لابن شجاع ، وكذلك خرجه أبو علي الأهوازي بسنده بطريق حماد بن سلمة. وقول الحاكم (أنبأنا إسماعيل بن محمد الشعراني أنه قال : بلغت عن محمد بن شجاع

    قلت : يا رسول الله ، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال : «كان في عماء ما تحته
    __________________
    ـ عن حبان بن هلال عن حماد بن سلمة) لا يمكن اتخاذه حجة في كون هذا الخبر مرويا عن حماد بن سلمة بطريق ابن شجاع منفردا به لأن بين الشعراني وبين ابن شجاع نحو مائة سنة فلا يقل الساقط من الرجال من بينهم عن نحو ثلاثة ، هكذا يفضح الله من يتطاول على الأئمة. راجع ما علقناه على تبيين كذب المفتري في (ص 369) ومن اطلع على كتاب (نقض عثمان بن سعيد على الجهمي العنيد) الجاري طبعه يعرف سبب مقت الحشوية لهذا الإمام الجليل ، بل يكفي في معرفة حال حماد ابن سلمة الاطلاع على كتب الموضوعات المبسوطة ، في باب التوحيد منها خاصة فيرى فيها القارئ أخبارا تالفة رويت بطريقه بكثرة بل ما سرده ابن عدي نفسه في الكامل في ترجمة حماد هذا من الأحاديث التالفة المروية بطريقه كاف في معرفة سقوط ما يروى بطريقه في الصفات بل سقوط ابن عدي المتحمس دونه.
    منها روايته عن قتادة عن عكرمة ... أن محمدا رأى به في صورة شاب أمرد ...) وفي لفظ (... جعدا أمرد عليه حلة خضراء ...) إلى غير ذلك من الألفاظ الفاضحة ، وقد روى ابن عساكر بطريق أبي القاسم السمرقندي عن قتادة (الأعمى) : إني ما حفظت عن عكرمة إلا بيت شعر ، وهذا دليل على أنه لم يرض روايته الحديث ، وأما ما يروى عن أحمد من سماع قتادة عن عكرمة عدة أحاديث فلا يثبت عن أحمد لأنه بطريق رواة من المجسمة القائلين بإقعاد الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في جنبه على العرش ، تعالى الله عن ذلك ، وقد توسع الفخر بن المعلم القرشي في رد ما يروى عن عكرمة في هذا الصدد ثم قال «فمعاذ الله أن يرى ربه على صورة أصلا فكيف على صورة قد ذكر مثلها أو أكثرها عن المسيح الدجال» اه.
    فمن التهور البالغ قول ابن صدقة «من لم يؤمن بحديث عكرمة فهو زنديق» بل من يقول به هو الزنديق ، ويأسف المرء أن يرى بعض تلك الروايات التالفة مدونا في كتاب (أخبار الصفات) للدارقطني. وابن المعلم القرشي يؤكد أنه مدسوس في كتاب الدارقطني وليس ببعيد بالنظر إلى أن راويه عنه العشاري والراوي عنه ابن كادش ، وستعرف قيمتهما في أواخر ما علقناه على هذا الكتاب. ويظهر مما رفعه أبو إسحاق الشيرازي وأصحابه إلى نظام الملك من المحضر ـ في فتنة الحشوية ببغداد ضد ابن القشيري ـ اتخاذ رواية حماد هذه دينا فليراجع المحضر المذكور في (تبيين كذب المفتري) لابن عساكر (ص 310) وفيه ما نصه «... وأبوا إلا التصريح بأن المعبود ذو قدم وأضراس ولهوات وأنامل ، وأنه ينزل بذاته ويتردد على حمار في صورة شاب أمرد بشعر قطط وعليه تاج يلمع وفي رجليه نعلان من ذهب ...» تعالى الله عما يشركون. وفي مرسوم الخليفة العباسي الراضي الذي أصدره في فتنة البربهاري ما نصه «... وتارة إنكم تزعمون أن صورة وجوهكم القبيحة السمجة على مثال رب العالمين وهيئتكم الرذلة على هيئته وتذكرون الكف والأصابع والرجل والنعلين المذهبين والشعر القطط والصعود إلى السماء والنزول إلى الدنيا ، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا ...» كما في الكامل لابن الأثير (8 ـ 98) إلى غير ذلك من الفضائح المكشوفة ، وحديث أم الطفيل أنكره أحمد والنسائي فلا يمكن أن يصح مثل تلك الرواية لا يقظة ولا مناما ، راجع دفع الشبه لابن الجوزي و (نجم المهتدي) والله ولي الهداية.

    هواء وما فوقه هواء وخلق عرشه (1) على الماء» قال الترمذي قال أحمد يعني ابن منيع راوي الحديث قال يزيد يعني ابن هارون شيخ أحمد : العماء أي ليس معه شيء. انتهى كلام الترمذي.
    وفي رواية (كان في عما) بالقصر ومعناه ليس معه شيء وقيل هو كل أمر لا يدركه عقول بني آدم ولا يبلغ كنهه الوصف والفطن ، قال ابن الأثير : ولا بد في قوله (أين كان ربنا) من مضاف محذوف فيكون التقدير أين كان عرش ربنا ويدل عليه قوله تعالى : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) [هود : 7] قال الأزهري : نحن نؤمن به ولا نكيفه بصفة أي نجري اللفظ على ظاهره من غير تأويل ، وقوله من غير أن نكيفه بصفة صريح في التنزيه والعلماء في المتشابهات يؤمنون بها إما بأن يتأولوها وإما بأن يسكتوا مع التنزيه وهذا المدبر يصدق بعضها ببعض ليقوي الشبهة ويمكن الريبة من قلوب الناس لعنه الله (2).
    فصل
    قال : «وخامس عشرها الإجماع من (3) رسل الله ، حكى إجماعهم عبد القادر
    __________________
    (1) قال أبو بكر ابن العربي في العارضة : والذي عندي أنه أراد بالعرش الخلق كله و (على الماء) بمعنى يمسكه بقدرته لا بعمد ترافده ولا أساس يعاضده ، فإنها كانت تكون مفتقرة إلى أمثالها إلى غير نهاية وذلك غير محصول فترده أدلة العقول اه وهو معنى بديع جدا لمن ألقى السمع وهو شهيد. واستعمال العرش بمعنى الملك شائع ، راجع كتاب أصول الدين لعبد القاهر البغدادي.
    (2) ولعن كل من اتبع المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وأنت قد جربت أن الإمام السبكي رحمه‌الله لا يستنزل اللعنات على الناظم إلا عند كلماته الخطرة جدا ، عامله الله بعدله.
    تفنيد زعم الإجماع على الفوقية الحسية
    (3) فيا للعار والشنار على من يهون إجماع المسلمين فيما يستدلون به عليه من المسائل الفرعية كيف يزعم إجماع رسل الله على محال؟ وتجد في الكتب المنسوبة إلى الشيخ عبد القادر كثيرا مما يرده علماء أصول الدين في الاعتقاد كما تجد فيها كثيرا من الأحاديث الملفقة الموضوعة فلا يعول على مثل تلك الكتب في مثل هذا المطلب ، وقد قال ابن حجر المكي في فتاويه إن ذكر الجهة ونحوها مدسوس في كتب الشيخ عبد القادر ، وذكر مثله اليافعي قبله في نشر المحاسن ، وكذلك النجم الأصفهاني قبل اليافعي ، وهم لا يعتدون بروايات أمثال الذهبي والناظم وشيخه وابن رجب عنه في هذا الصدد لأنهم أظناء عندهم فيما يتعلق بالجهة ، ومن المقرر عند أهل السنة أن أهل البدع لا تقبل رواياتهم فيما يؤيدون به بدعهم ، فالقائلون بصلاح

    __________________
    ـ الشيخ عبد القادر ـ وهم الجمهور ـ يبرءونه من تلك البدع ويعدونها مدسوسة في كتبه ولا يوجد بين أهل الحق من يعترف له بالصلاح مع فرض ثبوت تلك المخازي عنه ، فعلى فرض ثبوتها عنه فلا حب ولا كرامة ، ومخارق حفيده عبد السلام المتربي لديه تدعو الباحث إلى غاية من الاحتياط في حقه ، وقد أشار الحافظ أبو شامة المقدسي في ذيل الروضتين إلى ما جرى بينه وبين أبي الفرج ابن الجوزي الحنبلي والوزير العالم ابن يونس الحنبلي نسأل الله السلامة. وبين المتصوفة من يلهج كثيرا بمرتبة الإطلاق ومراتب التنزل في المظاهر أخذا من مذهب السالمية لكن أئمة أصول الدين ليسوا على تصديق التجلي في الصور الذي يقول به هؤلاء بل يعدون ذلك والحلول على حد سواء ، فمن حاول الجمع بين أقوال المتكلمين والمتصوفة والحكماء والحشوية في ذلك كالبرهان الكوراني فإنما حاول المحال والانسلاخ من قيد العقل والنقل معا ، نسأل الله العافية ، وليس بقليل بين الأئمة من جاهر بإكفار القائلين بالجهة كما نقلت نص ذلك من شرح مشكاة المصابيح للعلامة ناصر السنة علي القاري فيما علقته على «دفع شبه التشبيه» لابن الجوزي (ص 57) وشأن من يخاف الله سبحانه أن ترتعد فرائصه في موطن جاهر فيه بعض الأئمة المتبوعين في أصول الدين ؛ بالإكفار.
    بسط الكلام في رد القول بالجهة
    ولم يرد لفظ الجهة في حديث ما بل قال أبو يعلى الحنبلي في «المعتمد في المعتقد» : ولا يجوز عليه الحد ولا النهاية ولا قبل ولا بعد ولا تحت ولا قدّام ولا خلف لأنها صفات لم يرد الشرع بها وهي صفات توجب المكان اه ولعله آخر مؤلفاته بدليل أن امتحانه في الصفات كان سنة 429 قبل وفاته بنحو ثلاثين سنة فمن أثبت له تعالى جهة فقد أثبت له أمثالا وأشباها مع أنه لا مثل له ولا شبيه له تعالى ، قال الله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : 11] وقال تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) [النّحل : 17] فلعائن الله على من يثبت له تعالى ما لم يثبت له الكتاب ولا السنة من الجهة ونحوها ، وأما ابن رشد الحفيد ففيلسوف ظنّين يسعى في إثارة وجوه من التشكيك حول آراء المتكلمين من أهل السنة لينتقم منهم بسبب ردودهم على الفلاسفة إخوانه ولا سيما من أبي المعالي الجويني وأبي حامد الغزالي ، فمن طالع فصل المقال ومناهج الأدلة لابن رشد وخاصة في بحث قدم العالم قدما زمانيا وعلم الله بالجزئيات والبعث الجسماني يتيقن ما قلنا في حقه على أنه يقول في فصل المقال (ص 13) : إن هاهنا ظاهرا من الشرع لا يجوز تأويله ، فإن كان تأويله في المبادي فهو بدعة ، وهاهنا أيضا ظاهر يجب على أهل البرهان تأويله وحملهم إياه على ظاهره كفر في حقهم ، وتأويل غير أهل البرهان له وإخراجه عن ظاهره كفر في حقهم. ومن هذا الصنف آية الاستواء وحديث النزول اه.
    وهذا الكلام يهد على رأس ابن تيمية وتلميذه ما يريدان أن يبنيا على كلامه ولو علما مغزى كلامه لأبيا كلا الإباء أن يحوما حول كلامه في مثل هذه الأبحاث. فما يكون كفرا في حق طائفة عند ابن رشد يكون إيمانا في حق طائفة أخرى عنده وبالعكس وهذا هو الذي يحتج ابن تيمية في التأسيس وغيره بقوله في الجهة من غير أن يعقل مغزى كلامه الطويل في مناهج الأدلة. وأما ما وقع في كلام ابن أبي زيد وابن عبد البر مما يوهم ذلك فمؤول عند محققي

    __________________
    ـ المالكية ولو كان ابن عبد البر لم يكتف بالطلمنكي في أصول الدين ورحل إلى الشرق كالباجي لم يقع في كلامه ما يوهم ولم يقع ذكر الجهة في حق الله سبحانه في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا في لفظ صحابي أو تابعي ولا في كلام أحد ممن تكلم في ذات الله وصفاته من الفرق سوى أقحاح المجسمة وأتحدى من يدعي خلاف ذلك أن يسند هذا اللفظ إلى أحد منهم بسند صحيح فلن يجد إلى ذلك سبيلا فضلا عن أن يتمكن من إسناده إلى الجمهور بأسانيد صحيحة ، وأول من وقع ذلك في كلامه ممن يدعي الانتماء إلى أحد الأئمة المتبوعين ـ فيما أعلم ـ هو أبو يعلى الحنبلي المتوفى سنة 458 حيث قال عند إثباته الحد له تعالى في كتابه (إبطال التأويلات لأحاديث الصفات) : «إن جهة التحت تحاذي العرش بما قد ثبت من الدليل والعرش محدود فجاز أن يوصف ما حاذاه من الذات أنه حد وجهة له وليس كذلك فيما عداه لأنه لا يحاذي ما هو محدود بل هو مار في اليمنة واليسرة والفوق والأمام والخلف إلى غير غاية فلذلك لم يوصف واحد من ذلك بالحد والجهة وجهة العرش تحاذي ما قابله من جهة الذات ولم تحاذ جميع الذات لأنه لا نهاية لها اه». تعالى الله عما يقول المجسمة علوا كبيرا وهو عين ما ينسب إلى المانوية الحرانية من تلاقي النور من جهة الأسفل مع الظلمة وعدم تناهيه من الجهات الخمس ـ سبحانك ما أحلمك ـ ثم تابعه أناس من الحنابلة في نسبة الجهة إلى الله سبحانه منهم أبو الحسن علي بن عبيد الله الزاغوني الحنبلي المتوفى سنة 527 ووقع بعده في غنية الشيخ عبد القادر وقد سبق رده ، وإثبات ذلك له تعالى ليس بالأمر الهين عند جمهور أهل الحق بل قال جمع من الأئمة إن معتقد الجهة كافر كما صرح به العلم العراقي ، وقال إنه قول أبي حنيفة ومالك والشافعي والأشعري والباقلاني اه فانظر قول ابن تيمية في التسعينية (ص 3) : أما قول القائل ، الذي نطلب منه أن ينفي الجهة عن الله والتحيز فليس في كلامي إثبات لهذا اللفظ لأن إطلاق هذا اللفظ نفيا وإثباتا بدعة اه ، وهذه مغالطة ، فإن ما لم يثبته الشرع في الله فهو منفي قطعا ، لأن الشرع لا يسكت عما يجب اعتقاده في الله ، وقوله سبحانه : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : 11] نص في نفي الجهة عنه تعالى إذ لو لم تنف عنه الجهة لكانت له أمثال لا تحصى ، تعالى الله عن ذلك ـ ثم انظر قوله في منهاجه (1 ـ 264) : فثبت أنه في الجهة على التقديرين اه» لتعلم كيف رماه الله بقلة الدين وقلة الحياء في آن واحد. وأما ما ينقله الذهبي وغيره من الحشوية من تفسير القرطبي في قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الأعراف : 54] من أنه قال : وقد كان السلف الأول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله فتساهل منه في العبارة ، فإنه لم يرد لفظ الجهة في عبارة السلف ولا في كتاب الله ، ولو أراد ورود هذا اللفظ لكذبه كتاب الله وسنّة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والآثار المروية عن السلف لأن الوارد لفظ (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) [الأنعام : 18] و (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الأعراف : 54] ونحو ذلك بدون تعرض للتكييف بالجهة ، وهكذا الوارد في السنة وآثار السلف ويعين قوله «كما نطق به كتابه» أن مراده الفوقية والعلو بلا كيف وذكر الجهة سبق قلم منه فلا يكون متمسك للحشوية فيما ذكره القرطبي في تفسيره كيف وهو القائل فيه : ـ

    __________________
    ـ «متى اختص بجهة يكون في مكان وحيز فيلزم الحركة والسكون اه» وهو القائل أيضا في (التذكار في أفضل الأذكار) ص 13 : «يستحيل على الله أن يكون في السماء أو في الأرض إذ لو كان في شيء لكان محصورا أو محدودا ولو كان ذلك لكان محدثا وهذا مذهب أهل الحق والتحقيق اه».
    تناقض ابن تيمية في الجهة وكذبه
    وفي (ص 207) من الكتاب المذكور : «ثم متبعو المتشابه لا يخلو اتباعهم من أن يكون لاعتقاد ظواهر المتشابه كما فعلته المجسمة الذين جمعوا ما في الكتاب والسنة مما يوهم ظاهره الجسمية حتى اعتقدوا أن البارئ تعالى جسم مجسّم وصورة مصوّرة ذات وجه وغير ذلك من يد وعين وجنب وإصبع ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، والصحيح القول بتكفيرهم إذ لا فرق بينهم وبين عبّاد الأصنام والصور ، ويستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا كما يفعل بمن ارتد. اه». فبذلك تبين أن تمسك الحشوية بقول القرطبي السابق من قبيل الاستجارة من الرمضاء بالنار وبه يظهر مذهب المالكية فيمن يقول بذلك كما يظهر قول الشافعية فيه من كفاية الأخيار للتقي الحصني ، حيث قال فيها بعد أن أشار إلى كلام الرافعي في كتاب الشهادات : «جزم النووي في صفة الصلاة من شرح المهذب بتكفير المجسمة.
    قلت : وهو الصواب الذي لا محيد عنه اه».
    ومن حذّاق النظار من استدل على بطلان القول بالجهة بقوله تعالى : (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) [المؤمنون : 91] باعتبار أن فيه استدلالا على بطلان التعدد ببطلان لازمه الذي هو انحياز الإله إلى جهة. راجع شعب الإيمان للحليمي. وفي الإكمال شرح مسلم للقاضي عياض «ثم من صار من دهماء الفقهاء والمحدثين وبعض متكلمي الأشعرية وكافة الكرامية إلى الجهة أول (في) ب (على). ومن أحال ذلك ـ وهم الأكثر ـ فلهم فيها تأويلات ... وقد أجمع أهل السنة على تصويب القول بالوقف من التفكر في ذاته تعالى لحيرة العقل هنالك ، وحرمة التكييف. والوقف في ذلك غير شك في الوجود ولا جهل بالموجود فلا يقدح في التوحيد بل هو حقيقته. وقد تسامح بعضهم في إثبات جهة تخصه تعالى أو أشار إليه بحيز يحاذيه ، وهل بين التكييفين ـ أي التكييف المحرم إجماعا والتكييف بالجهة ـ فرق؟! وبين التحديد في الذات والجهة فرق؟! وقد أطلق الشرع أنه القاهر فوق عباده وأنه استوى على العرش فالتمسك بالآية الجامعة للتنزيه الكلي الذي لا يصح في العقل غيره وهي قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : 11] «عصمة لمن وفقه الله تعالى» اه. وقد تعقبه الأبي تعقبا شديدا ، وقال ما نسب من القول بالجهة إلى الدهماء ومن بعدهم من الفقهاء والمتكلمين لا يصح ولم يقع إلا لأبي عمر في الاستذكار والتمهيد ولابن أبي زيد في الرسالة وهو عنهما متأول. ثم نقل عن الفقهاء التونسيين كابن عبد السلام وابن هارون والفاسيين كالسطي وابن الصباغ اتفاقهم على إنكار ذلك في مجلس الأمير أبي الحسن ملك المغرب. راجع شرح مسلم (2 ـ 241) للأبي.
    أقول : إنما ذكر القاضي عياض من صار من الدهماء إلى القول بالجهة وأين في ذلك نسبة ذلك

    وأبو الوليد [ابن رشد الفيلسوف] وأبو العباس (1) الحراني [ابن تيمية] وله اطلاع ، لم
    __________________
    ـ إلى الدهماء على أن لفظ الجهة لم يقع في كلام أبي عمر ولا في كلام ابن أبي زيد وإن كان ظاهر كلامهما يوهم ذلك وقد تأول كلامهما المالكية ليكونا مع الجمهور في هذه المسألة الخطرة ولو ترك كلامهما على الظاهر لهويا في هاوية التجسيم وذلك عزيز عليهم أيضا ، وقول القاضي عياض ليس يشمل المشارقة حيث لم يرحل إلى الشرق وإنما قوله بالنظر إلى معنى كلام بعض الفقهاء والمحدثين والمتكلمين من أهل بلاده من أصحاب الطلمنكي وابن أبي زيد وأبي عمر بل لا أذكر وقوع لفظ الجهة في كلام أحد منهم ، وإنما جرى ابن رشد الفيلسوف في المناهج على التساهل بذكر ما لم يجر على لسانهم باعتباره معنى كلامهم كما سبق ، والحاصل أن التكييف غير جائز إجماعا ـ ويمكن جمع جزء في الآثار الواردة في المنع من التكييف والتشبيه ـ ولا شك أن القول بالجهة تكييف لم يقع إلا في عبارات أناس هلكى ، وأما تأويل القائلين بالجهة ما يوهم كونه في السماء بمعنى على السماء ، كما ذكر القاضي عياض ، فلا ينجيهم من ورطة التجسيم لأن (في) في قوله تعالى : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طه : 71] لم تزل تفيد تمكين المصلوب في الجذع كتمكين المظروف في الظرف ، وكذلك قوله تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) [الأنعام : 11] فحمل لفظ (في) على معنى (على) لا يجدي في الإبعاد عن التمكن وإنما التأويل الصحيح ما أشار إليه الباجي من استعمال العرب لفظ «هو في السماء» يعنون علو شأنه ورفعة منزلته بدون ملاحظة كونه في السماء أصلا كقول الشاعر :
    علونا السماء مجدنا وجدودنا
    وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرا

    وظاهر أنه لم يرد إلا علو الشأن. وليس قوله تعالى : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) [الملك : 16] من هذا القبيل بل الظاهر أن المراد خاسف سدوم وعد «في السماء» بمعنى على السماء ثم جعل على السماء بمعنى «على العرش» باعتبار أن السماء مأخوذة من السمو ، غفلة عن شمولها للسقف والسحاب على هذا التقدير غير المتبادر وتخصيصها بالعرش عن هوى مجرد كما لا يخفى. وفيما ذكرناه كفاية لأهل التبصر.
    مخالفات ابن تيمية
    (1) يوجد من يذكره بلقب شيخ الإسلام ـ وللمبتدعة افتتان بهذا التلقيب لزعمائهم ـ إيهاما للضعفاء في العلم أن ما يدعو إليه هذا الزائغ هو الإسلام الصحيح ويخاف على من يستمر على تلقيبه به بعد أن عرف مخالفاته لشرع الإسلام ومن ذكره بهذا اللقب من أهل السنة إنما ذكره قبل أن يجاهر ذلك المبتدع ببدعه المعروفة ، وأما من استمر على هذا التلقيب من المتأخرين فإنما استمر جهلا ببدعه التي نقلناها من أوثق المصادر أو ظنا من أنه تاب وأناب وحافظ على عهوده وقد توسعنا في بيان ذلك فيما علقناه على ذيول طبقات الحفاظ. على ترجمة العلاء البخاري فليراجع هناك ، ولعل في كتبنا ولا سيما في هذا الكتاب ما يقنع المنصف في أمر هذا الزائغ.
    ومما قال المصنف في حقه في فتاويه (2 ـ 210) في أثناء رده على فتيا له في الوقف : «وهذا الرجل كنت رددت عليه في حياته في إنكاره السفر لزيارة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي إنكاره وقوع الطلاق إذا حلف به ثم ظهر لي من حاله ما يقتضي أنه ليس ممن يعتمد عليه في نقل ينفرد به لمسارعته إلى النقل لفهمه ـ كما في هذه المسألة ـ ولا في بحث ينشئه لخلطه المقصود بغيره ـ

    يكن من قبله لسواه من متكلم».
    ونحن نقطع أيضا بإجماعهم (على التنزيه) أما يستحي من ينقل إجماع الرسل على إثبات الجهة والفوقية الحسية لله تعالى؟ وعلماء الشريعة ينكرونها؟ أما تخاف منهم أن يقولوا له إنك كذبت على الرسل؟.
    فصل
    قال : «وسادس عشرها إجماع أهل العلم (1) ابن عباس ومجاهد ومقاتل والكلبي
    __________________
    ـ وخروجه عن الحد جدا ، وهو كان مكثرا من الحفظ ولم يتهذّب بشيخ ولم يرتض في العلوم بل يأخذها بذهنه مع جسارة واتساع خيال وشغب كثير ، ثم بلغني من حاله ما يقتضي الإعراض عن النظر في كلامه جملة ، وكان الناس في حياته ابتلوا بالكلام معه للرد عليه ، وحبس بإجماع العلماء وولاة الأمور على ذلك ولم يكن لنا غرض في ذكره بعد موته لأن تلك أمة قد خلت ولكن له أتباع ينعقون ولا يعون ونحن نتبرم بالكلام معهم ومع أمثالهم ولكن للناس ضرورات إلى الجواب في بعض المسائل كهذه المسألة ...» اه. وهذا مما يزيدك معرفة بالرجل ، ومن جملة هذيانات هذا الزائغ قوله في (المحصل) للفخر الرازي :
    محصل في أصول الدين حاصله
    من بعد تحصيله أصل بلا دين

    أصل الضلالات والشك المبين فما
    فيه فأكثره وحي الشياطين

    هذا رأي الرجل في معتقد أهل السنة ولأهل العلم ردود عليه وكنت قلت في معارضته :
    محصل في أصول الدين حصله
    من اهتدى فغدا محصن الدين

    أس الهداية والحق الصراح فمن
    يرتاب فيه قفا إثر الشياطين

    كما قلت فيما سبق في معارضة بعضهم :
    إن كان تنزيه الإله تجهّما
    فالمؤمنون جميعهم جهمى

    جلّ الإله عن الحوادث أن تح
    ل به وعن جهة وعن كم

    بخلاف زعم زعيمكم سفها فإن
    تابعتموه فكلكم تيمى

    والله سبحانه ولي الهداية.
    الرد على الناظم في دعوى الإجماع على الفوقية المكانية
    (1) الناظم يروي عن إمامه أحمد بن حنبل في أعلام الموقعين أن من ادعى الإجماع فهو كاذب. فكيف ساغ له أن يروي هنا الإجماع على الفوقية على خلاف البراهين العقلية والنقلية القائمة. فابن عباس ومجاهد لم يرو عنهما ما يوهم ذلك إلا أناس هلكى لا تقبل أقوالهم في حيض النساء فضلا عن المسائل الاعتقادية ، ومقاتل بن سليمان المروزي شيخ أهل التجسيم في عصره وقد أفسد جماعة من المراوزة. والكلبي هالك عند أهل النقد ، وأبو العالية رفيع الرياحي فسر الاستواء بالارتفاع ، كما ذكره ابن جرير بطريق أبي جعفر الرازي ، وهو متكلم فيه حتى عند الناظم. وروى الفريابي عن مجاهد تفسير استوى بقوله : علا بطريق ورقاء عن ابن أبي نجيح

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ترجمة بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري   ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyالثلاثاء أكتوبر 15, 2024 11:22 pm

    ورفيع وأبو عبيدة والأشعري والبغوي ومالك والشافعي والنعمان ويعقوب وأحمد وابن المبارك وابن خزيمة وقال يقتل من ينكره وحكى ابن عبد البر إجماع أهل العلم أن الله فوق العرش وابن وهب وحرب الكرماني وحكى الإجماع ابن أبي زيد والكرجي في التصنيف الذي شرحه وتفسير عبد بن حميد والنسائي وعثمان الدارمي وابن أصرم وعبد الله بن أحمد والأثرم (وأبو حاتم وابنه ومحمد بن أبي شيبة) وابن أبي داود وابن أسباط وسفيان وحماد بن زيد وحماد بن سلمة والبخاري والطبري اللالكائي الشافعي وإسماعيل التيمي والطبراني والطلمنكي والطحاوي والباقلاني وابن كلاب والطبري في التفسير والداني وابن سريج وأبو الخير العمراني صاحب البيان وسواهم والله قطاع الطريق أئمة تدعو إلى النيران ما في الذين حكيت عنهم آنفا من حنبلي واحد بضمان ، بل كلهم والله شيعة أحمد ، فأصوله وأصولهم سيان ، أتظنهم لفظية جهلية هم أهل العقول فتقذفون أولاء بل أضعافهم من سادة العلماء كل زمان بالجهل والتشبيه والتجسيم والتبديع والتضليل والبهتان ، يا قومنا الله في إسلامكم لا تفسدوه لنخوة الشيطان ، يا قومنا اعتبروا بمصارع من مضى في هذه الأزمان لم يغن عنهم كذبهم ومحالهم وقتالهم بالزور والتدليس عند الناس والحكام والسلطان وبدا لهم أنهم على البطلان ما عندهم شكاية ما يشتكي إلا عاجز ، لبستم معنى النصوص وقولنا أسأتم الظن بأئمة الإسلام ما ذنبهم ما الذنب إلا للنصوص لديكم إذا جسمت».
    انتهى كلام هذا المدبر ، وقد تقدم النقل عن مالك رحمه‌الله بخلاف ما قاله ولكنه اغترّ هنا بما رواه الحسن بن إسماعيل الضراب (1) في كتابه الذي صنفه في فضائل مالك رضي الله عنه بأسانيده إلى مالك رضي الله عنه أنه أتاه رجل فقال يا أبا
    __________________
    ـ يحكي عنه فيه أنه ليس بحجة وفي هذه الحكاية عنه نظر ظاهر جدا اه». ثم ذكر وجه النظر. وهذا القول هو الصواب لكن الناظم يناقض هذا حينما يؤول كلام أحمد المذكور على خلاف تأويل الجمهور في (1 ـ 33) من إعلام الموقعين وعند ما يشذ عن الجماعة في مسائل كالطلاق ونحوه في كثير من كتبه ويهون أمر الإجماع بل ينكره ويتابعه الجهلة الأغرار من أبناء الزمن وفي ذلك عبرة بالغة نلفت إليها أنظار المنصفين والحق أن الناظم ليس له أصل يبني عليه وإنما يلبس لكل ساعة لبوسها كما هو شأن أصحاب الأهواء والله ولي الهداية. والحق أن تكذيب أحمد لمن يدعي الإجماع على تقدير ثبوته عنه لا بد من حمله على ادعاء من لم يتأهل لنقل الإجماع في مسألة وإلا لتناقض كلامه وعمله.
    (1) هو أبو محمد محدث مصر المتوفى سنة 392 ، راجع إكمال ابن مأكولا ، وأنساب ابن السمعاني ، وحسن المحاضرة ، والشذرات.

    عبد الله ، الرّحمن على العرش استوى ، كيف استوى (1) فأمسك عنه مالك حتى علاه الرحضاء ثم قال : الكيف منه غير معقول والاستواء فيه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وإني لأحسبك ضالا ، ثم أمر به فأخرج. وفي رواية : فإني أخاف أن يكون شيطانا.
    رد المصنف على الناظم في الفوقية
    وهذا الكلام صحيح إن صحّ عن مالك ، فإنه ليس فيه إلا الإيمان بآية استوى على العرش كما نطق به القرآن وأن كيفيته غير معقولة ، والسائل عنها ضال مبتدع شيطان ، وفي ذلك قطع بأن الاستواء على ظاهره المعلوم عند الناس من أنه القعود ، فإن ذلك معقول وليس فيه تصريح بفوقية الذات ولا يلزم من قولنا استوى على العرش أن يكون هو على العرش إلا بعد أن نثبت أن الاستواء هو القعود والجلوس كما في المخلوق ، وجلّ الله عن ذلك ، فهذا الرجل لم يفهم كلام مالك ولا كلام غيره من العلماء الكثيرين الذين حكى عنهم كلهم. وإنما يؤثر عنهم كلام مقتد بالكتاب يراد به معنى صحيح مع التنزيه ، وما لا يوهم التشبيه ولا يقتضيه.
    روايات الضراب عن مالك
    وقد روى الضراب في هذا الكتاب قال : حدثنا عمر بن الربيع حدثنا أبو أسامة حدثنا ابن أبي زيد عن أبيه عن حبيب (2) كاتب مالك قال : سئل مالك بن أنس عن قول
    __________________
    (1) قال أبو بكر بن العربي في القواصم والعواصم : المطلوب هنا ثلاثة معان : معنى الرّحمن ومعنى استوى ومعنى العرش ، فالرحمن معلوم والعرش في العربية جاء لمعان ولفظ استوى معه محتمل خمسة عشر معنى في اللغة ، فأيها تريدون أو أيها تدعون ظاهرا منها ، ولم قلتم إن العرش هاهنا المراد به مخلوق مخصوص فادعيتموه على العربية والشريعة ... فقوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5)) [طه : 5] إن علمنا معناه آمنا قولا ومعنى ، وإن لم نعلم معناه قلنا كما قال مالك : الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة ، فكيف لو رأى من يفسر تعلقه بالله لا يقال إنه بدعة بل أشد من البدعة عنده ، فكيف لو سمع من يقول : إن الله فوقه ، فكيف بمن يعين فوقية الذات فكيف بمن يقول إنه يحاذيه ويليه تبا له اه راجع (24 ـ 26) في الجزء الثاني من الكتاب المذكور. وقد توسع ابن المعلم المحدث في (نجم المهتدي) في بيان محتملات الآية الخمسة عشرة التي أشار إليها أبو بكر ابن العربي فليراجع هناك.
    (2) وعلى روايته في تفسير النزول عن مالك عوّل القاضي عياض في المشارق ، وقد تكلم في حبيب هذا أهل النقد إلا أن مالكا رضي الله عنه كان شديد الانتقاد للرجال وقوله هو القول

    النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة» قال : ينزل أمره كل سحر وأما هو فهو دائم لا يزول وهو بكل (1) مكان. وروى الضراب أيضا في هذا الكتاب بإسناده إلى عبد الرّحمن بن القاسم قال : سئل مالك عمن يحدث الحديث الذي قالوا : إن الله خلق آدم على صورته ، وإن الله يكشف عن ساقه يوم القيامة ، وإنه يدخل يده في جهنم حتى يخرج من أراد ، فأنكر ذلك إنكارا شديدا ونهى أن يتحدث بها أحد ، فقيل له : إن ناسا من أهل العلم يتحدثون بها ، فقال : من هم؟ قيل : ابن عجلان عن أبي الزناد ، فقال : لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء ولم يكن عالما وذكر أبا الزناد فقال : لم يزل عاملا لهؤلاء حتى مات وكان صاحب عمل يتبعهم ، ورواه الضراب أيضا من طريق ابن وهب عن مالك. وروي أيضا عن طريق الوليد بن مسلم قال : سألت مالكا والأوزاعي وسفيان وليثا عن هذه الأحاديث التي فيها ذكر الرؤية فقالوا : ارووها كما جاءت؟ فانظر كلام مالك وكلام غيره ، لم يصرحوا ولم يبيحوا إلا روايتها لا اعتقاد ظاهرها الموهم للتشبيه ومالك شدد (2) في روايتها إلا ما يعلم صحته فيروى مع التنزيه كالقرآن ، وهذا النحس وأمثاله يروون في ذلك الجفلاء
    __________________
    ـ الفصل في رجال المدينة فلا يطمئن القلب إلى إن يكون كاتبه وقارئ موطئه على جمهور المتلقين من مالك غير مرضي عنده.
    (1) وظاهر هذا الكلام غير مراد قطعا ، بل المراد أنه لا يوصف بمكان دون مكان حيث تنزه عن الأمكنة ، ومن هذا القبيل ما يروى عن بعضهم أن علمه بكل مكان ، وحاشا أن يكون المراد بهما حلول ذاته أو صفته في الأمكنة ، تعالى الله عما يظن به الجاهلون. وأما قول الترمذي في حديث لهبط على الله (وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقالوا : إنما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه ، وقدرته وسلطانه في كل مكان وهو على العرش كما وصف في كتابه) فقد تعقبه ابن العربي في العارضة وقال : إن علم الله لا يحل في مكان ولا ينتسب إلى جهة ، كما أنه سبحانه كذلك لكنه يعلم كل شيء في كل موضع وعلى كل حال فما كان فهو بعلم الله لا يشذ عنه شيء ولا يعزب عن علمه موجود ولا معدوم ، والمقصود من الخبر أن نسبة الباري من الجهات إلى فوق كنسبته إل تحت إذ لا ينسب إلى الكون في واحدة منهما بذاته اه.
    وما يرويه سريج بن النعمان عن عبد الله بن نافع عن مالك أنه كان يقول : الله في السماء وعلمه في كل مكان. لا يثبت ، قال أحمد : عبد الله بن نافع الصائغ لم يكن صاحب حديث وكان ضعيفا فيه ، قال ابن عدي : يروي غرائب عن مالك ، قال ابن فرحون : كان أصم أميالا يكتب. راجع ترجمة سريج وابن نافع في كتب الضعفاء وبمثل هذا السند لا ينسب إلى مثل مالك مثل هذا ، وقد تواتر عنه عدم الخوض في الصفات وفيما ليس تحته عمل كما كان عليه عمل أهل المدينة على ما في شرح السنة للالكائي وغيره.
    (2) بل قال أبو بكر ابن العربي في العارضة : روى عن مالك وغيره أنه إذا روى هذه الأحاديث (أحاديث القبض ونحوه) لو أحد مثل بجارحة قطعت اه.

    لأن لهم بدعة لا يبغون عنها حولا ، وكل هؤلاء الذين نقل عنهم كلامه إما متأول أراد به قائله معنى صحيحا غير ما أراده هذا المبتدع ، وإما مختلق عليه وحقه أن يسبر ، فمن سمي من المتأخرين لم يكن له بصر بالحقائق فزلّ كما زلّ شيوخ (1) هذا المبتدع وقادته ممن لم يكن قدوة.
    فصل
    قال : «وسابع عشرها إخباره سبحانه في القرآن عن موسى ، وفرعون أنكر التكليم والفوقية العليا. ولنا مائتا دليل على أنه فوق السماء (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) [النّساء : 65] ـ بالله ـ هل حدثتكم قط أنفسكم بذا فسلوا أنفسكم عن الإيمان ، لكن رب العالمين وجنده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المبعوث بالفرقان هم يشهدون بأنكم أعداء من ذا شأنه أبدا بكل زمان ولأي شيء كان أحمد (2) خصكم أعني
    __________________
    قول اليافعي في الحشوية
    (1) من حشوية الحنابلة قال العفيف اليافعي في (مرهم العلل المعضلة في دفع الشبه والرد على المعتزلة) في الجزء الثالث منه : «ومتأخرو الحنابلة غلوا في دينهم غلوا فاحشا وتسفهوا سفها عظيما وجسموا تجسيما قبيحا وشبهوا الله بخلقه تشبيها شنيعا وجعلوا له من عباده أمثالا كثيرة حتى قال أبو بكر بن العربي في العواصم : أخبرني من أثق به من مشيختي أن القاضي أبا يعلى الحنبلي كان إذا ذكر الله سبحانه يقول فيما ورد من هذه الظواهر في صفاته تعالى : «ألزموني ما شئتم ، فإني ألتزمه إلا اللحية والعورة». قال بعض أئمة أهل الحق وهذا كفر قبيح واستهزاء بالله تعالى شنيع وقائله جاهل به تعالى لا يقتدي به ولا يلتفت إليه ولا متبع لإمامه الذي ينتسب إليه ويتستر به بل هو شريك للمشركين في عبادة الأصنام ، فإنه ما عبد الله ولا عرفه ، وإنما صوّر صنما في نفسه ، فتعالى الله عما يقول الملحدون والجاحدون علوا كبيرا اه».
    ومثل ما نقله ابن العربي عن أبي يعلى هذا منقول في كتب الملل والنحل عن داود الجواربي ، تعالى الله عن ذلك. ثم قال اليافعي : «ولقد أحسن ابن الجوزي من الحنابلة حيث صنّف كتابا في الرد عليهم ، ونقل عنهم أنهم أثبتوا لله صورة كصورة الآدمي في أبعاضها ، وقال في كتابه هؤلاء قد كسوا هذا المذهب شيئا قبيحا حتى صار لا يقال عن حنبلي إلا مجسم ، قال : وهؤلاء متلاعبون وما عرفوا الله ولا عندهم من الإسلام خبر ولا يحدثون ، فإنهم يكابرون العقول وكأنهم يحدثون الصبيان والأطفال ، قال : وكلامهم صريح في التشبيه وقد تبعهم خلق من العوام وفضحوا التابع والمتبوع .. انتهى». والكتاب الذي أشار إليه اليافعي هو (دفع شبه التشبيه) وهو مطبوع فليراجع.
    (2) وإنما خصوم أحمد هم الذين انتموا إليه كذبا وخالفوه في التنزيه ، وقال الحافظ ابن شاهين (رجلان صالحان بليا بأصحاب سوء : جعفر بن محمد الصادق وأحمد بن حنبل) رواه ابن عساكر بطريق أبي ذر الهروي راوية الجامع الصحيح يريد الروافض والمجسمة.

    ابن حنبل الرضى الشيباني ولأي شيء كان أيضا خصمكم شيخ الوجود العالم الحراني (1)».
    __________________
    (1) ونحن معاشر أهل الحق لا نبالي بعداء مثله من المبطلين ولا تزال تطن في آذان رواد الحقائق شواذ ابن تيمية السخيفة باطلاعهم عليها في مؤلفاته نفسه وفيما رواه ثقات أهل العلم عنه وكلمته فيما رد به على الرازي في المجلد رقم 25 من الكواكب الدراري بظاهرية دمشق حيث قال : «لو شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته فكيف على عرش عظيم» آية من آيات خرقه وحمقه فليصادق من شاء من الخرقى مثله على عدائه لأهل الحق والمراسيم الملكية الصادرة في حقه بعد محاكمته أمام جماعة كبار العلماء في عصره مسجلة في كتب التاريخ وكتب خاصة مثل عيون التواريخ ونجم المهتدي ودفع الشبه وغيرها ، ولا بأس أن أسجل هنا صورة منها بالنقل من خط الحافظ شمس الدين بن طولون وهي كما رأيتها بخطه رحمه‌الله : «نسخة مثال شريف سلطاني ملكي تاريخه ثامن عشري رمضان سنة 705.
    أحد المراسيم الصادرة في حق ابن تيمية
    الحمد لله الذي تنزّه عن الشبيه والنظير ، وتعالى عن المثال فقال : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشّورى : 11] نحمده على أن ألهمنا العمل بالسنة والكتاب ورفع في أيامنا أسباب الشك والارتياب ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من يرجو بإخلاصه حسن العقبى والمصير ونزّه خالقه عن التحيز في جهة لقوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الحديد : 4] ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي نهج سبيل النجاة بما سلك طريق مرضاته وأمر بالتفكر في آلائه ونهى عن التفكر في ذاته ـ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين علا بهم منار الإيمان ـ ورفع وشيد بهم قواعد الشرع وما شرع ، وأحمد بهم كلمة من حاد عن الحق ومال إلى البدع. وبعد ، فن العقائد الشرعية وقواعد الإسلام المرعية وأركان الإيمان العلية ومذاهب الدين المرضية هي الأساس الذي يبنى عليه والموئل الذي يرجع كل أحد إليه والطريق الذي من سلكها فقد فاز فوزا عظيما ، ومن زاغ عنها فقد استوجب عذابا أليما ، فلهذا يجب أن تنفذ أحكامها ويؤكد دوامها وتصان عقائد هذه الملة عن الاختلاف وتزان بالائتلاف وتخمد نوائر البدع ويفرق من فرقها ما اجتمع ، وكان التقي ابن تيمية في هذه المدة قد بسط لسان قلمه ومدّ عنان كلمه وتحدث في مسائل الصفات والذات ، ونص في كلامه على أمور منكرات وتكلم فيما سكت عنه الصحابة والتابعون وفاه بما تجنبه السلف الصالحون وأتى في ذلك بما أنكره أئمة الإسلام وانعقد على خلافه إجماع العلماء والحكام ، وشهر من فتاويه ما استخف به عقول العباد وخالف في ذلك فقهاء عصره وعلماء شامه ومصره وبعث برسائل إلى كل مكان وسمّى فتاواه بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان فلما اتصل بنا أنه صرح في حق الله بالحرف والصوت والتجسيم ، قمنا في الله مشفقين من هذا النبأ العظيم. وأنكرنا هذه البدعة وعزّ علينا أن يشيع عمن تضم ممالكنا هذه السمعة ، وكرهنا ما فاه به المبطلون ، وتلونا قوله سبحانه وتعالى عما يصفون ، فإنه جلّ جلاله تنزّه في ذاته وصفاته عن العديل والنظير (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)) [الأنعام : 103] وتقدمت مراسيمنا باستدعاء التقي ابن تيمية إلى أبوابنا عند ما سارت فتاواه في شامنا ومصرنا ، وصرّح فيها بألفاظ

    __________________
    ـ ما سمعها ذو فهم إلا وتلا (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) [الكهف : 74] ولما وصل إلينا تقدمنا بجمع أولي العقد والحل وذوي التحقيق والنقل وحضر قضاة الإسلام وحكام الأنام وعلماء الدين ، وفقهاء المسلمين وعقدوا له مجلس شرع في ملأ من الأئمة وجمع ، فثبت عند ذلك جميع ما نسب إليه بمقتضى خط يده الدال على سوء معتقده ، وانفصل ذلك الجمع وهم عليه وعلى عقيدته منكرون وآخذوه بما شهد به قلمه قائلين (سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ) [الزّخرف : 19] وبلغنا أنه استتيب مرارا فيما تقدم وأخره الشرع لما تعرض إليه وأقدم ثم عاد بعد منعه ولم تدخل تلك النواهي في سمعه ولما ثبت عليه ذلك في مجلس الحكم العزيز المالكي حكم الشرع الشريف أنه يسجن هذا المذكور ويمنع من التصرف والظهور ، ومن يومنا هذا نأمر بأن لا يسلك أحد مسلك المذكور من المسالك ، وننهي عن التشبه به في اعتقاده مثل ذلك ، أو يعود له في هذا القول متبعا أو لهذه الألفاظ مستمعا ، وأن يسري في التجسيم مسراه ، أو يفوه بحد العلو مخصصا كما فاه أو يتحدث إنسان في صوت أو حرف أو يوسع القول في ذات أو وصف أو ينطق بتجسيم أو يحيد عن الصراط المستقيم أو يخرج عن رأي الأئمة وينفرد به عن علماء الأمة أو يحيز الله تعالى في جهة أو يتعرض إلى حيث وكيف ، فليس لمن يعتقد هذا المجموع عندنا إلا السيف ، فليقف كل واحد على هذا الحد ، ولله الأمر من قبل ومن بعد ، وليلزم كل الحنابلة بالرجوع عما أنكره الأئمة من هذه العقيدة والخروج من هذه التشبهات الشريدة ولزوم ما أمر الله به والتمسك بأهل المذاهب الحميدة ، فإنه من خرج عن أمر الله فقد ضلّ سواء السبيل ، وليس له غير السجن الطويل مستقرا ومقيلا ، فقد رسمنا أن ينادي في دمشق المحروسة والبلاد الشامية وتلك الجهات مع النهي الشديد والتخويف والتهديد أن لا يتبع التقي ابن تيمية في هذا الأمر الذي أوضحناه ، ومن تابعه منهم تركناه في مثل مكانه وأحللناه ووضعناه عن عيون الأمة كما وضعناه ، ومن أعرض عن الامتناع وأبى إلا الدفاع أمرنا بعزلهم من مدارسهم ومناصبهم وإسقاطهم من مراتبهم ، وأن لا يكون لهم في بلادنا حكم ولا قضاء ولا إمامة ولا شهادة ولا ولاية ولا إقامة ، فإننا أزلنا دعوة هذا المبتدع من البلاد وأبطلنا عقيدته التي ضلّ بها العباد أو كاد ، ولتثبت المحاضر الشرعية على الحنابلة بالرجوع عن ذلك ولتسير إلينا المحاضر بعد إثباتها على قضاة الممالك ، فقد أعذرنا حيث أنذرنا ، وأنصفنا حيث حذرنا ، وليقرأ مرسومنا هذا على المنابر ليكون أبلغ واعظ وزاجر وأجمل ناه وآمر ، والاعتماد على الخط الشريف أعلاه ، الحمد لله ، صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم».
    انتهى ما رأيته بخط الحافظ ابن طولون في المجموعة الحسبية التي كان فيها الدرة المضية والمقالة في الرد على من ينكر الزيارة المحمدية للتقي الأخنائي والاعتبار في بقاء الجنة والنار ودفع شبه من شبه وتمرد وغيرها ، ونص المرسوم المقروء على الجمهور على منبر جامع القاهرة بعد صلاة الجمعة وعلى منبر جامع الفسطاط بعد العصر سلخ رمضان مدوّن في نجم المهتدي لابن المعلم القرشي. وما قرئ على منبر جامع دمشق بعد وصول ابن صصرى القاضي من مصر به في اليوم السادس عشر من شهر ذي القعدة سنة سبعمائة وخمس مدوّن في دفع الشبه للتقي الحصني وما نقلناه هنا من المراسيم التي قرئت على منابر البلاد الشامية وألفاظ تلك المراسيم كلها متقاربة في المعنى وفي ذلك كله عبر بالغة ، فما ذا علينا من عداء مثل هذا

    وبالغ هذا الخبيث في الأقذاع والسفاهة بما هو صفته ونسي قول فرعون كما حكى القرآن الكريم : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) [القصص : 38] وتجرأ على علماء المسلمين بما لو نقلناه لطال ولا يحتمل الإبطال.
    فصل
    قال : «وثامن عشرها تنزيهه سبحانه عن موجب النقصان ، فلأي شيء لم ينزه نفسه عن الفوقية».
    فنقول قد قال : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : 11].
    فصل
    قال : «وتاسع عشرها إلزام المعطل لأي شيء لم يصرح النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنفي هذا (1)».
    ثم استمر هذا السفيه على سفهه.
    فصل
    قال : «والعشرون نصوص الاستواء (2) سبع والفوق ثلاث والعلو خمسة والنزول
    __________________
    ـ الفاتن المفتون ، ومن أحاط علما بما نقلناه في هذا الكتاب وغيره من نصوص عباراته وتأكد من الأصول صدق النقل واستمر على مشايعته وعلى عده شيخ الإسلام فعليه مقت الله وغضبه ، ومن اشتبه في شيء مما نقلناه فنحن على استعداد أن نسهل عليه سبيل الاطلاع على الأصول إن كان لا يكفيه ما يراه بنفسه في منهاجه ومعقوله ونحوهما من كتبه المطبوعة والله سبحانه هو الهادي إلى سواء السبيل.
    (1) ما للنقائص من آخر ، فهل تدون مجلدات في نفي كل نقيصة عنه تعالى بالرواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكفى قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : 11] والمحتاج إلى الإثبات هو المثبت دون المنفي ، وكلمة هذا الرجل هذه تقول إن الله تعالى مثبت له من النقائص ملايين الملايين مما لم ينص النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على نفيه بلفظ خاص ، وهل يقول هذا عاقل فضلا عن فاضل فضلا عن إمام يعتقد تابعوه أنه وحيد الأمة فضلا وعلما.
    (2) ألفت نظر القارئ الكريم إلى أن الاستواء لم يذكر في تلك الآيات إلا بصيغة الفعل المقرونة بأداة التراخي في بعضها ، وذلك نص على أن الاستواء فعل من أفعال الله سبحانه لا صفة ذات له تعالى ، وجلّ الإله أن تحدث له صفة بعد أن لم تكن ومن قال إنه مستو نطق بما لم يأذن الله به كائنا من كان ومن زاد وقال استوى بذاته بمعنى استقر فهو عابد وثن خيالي إن لم يكن عاميا.

    أكثر من سبعين نصا ، والسماء منفطر به لم يسمح المتأخرون بنقله جبنا (1) وضعفا بل قاله المتقدمون».
    هذا الرجل كما قال الله تعالى : (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) [آل عمران : 7].
    فصل
    قال : «والحادي والعشرون إتيان رب العرش ومجيئه (2) من أين يأتي لا يأتي إلا
    __________________
    (1) وروى الحشوية في تفسيره ألفاظا وهي (ممتلئ به) و (مثقلة به) و (مثقلة به موقرة) و (يئط من ثقل الذات) وركبوا لها أسانيد فمن أثبت لله سبحانه ثقلا لم يدع ما لم يفه به في التجسيم ، والناظم استنكر إمساك المتأخرين عن ذلك حتى باح بما في نفسه ، ويحاول شيخه أن يجعل قول كعب الأحبار في ذلك مما يمكن أن يكون سمعه من الصحابة ، فحاشاهم عن ذلك ، وفي جزء المنبجي تلميذ الناظم في هذا الصدد مخاز ، ومن علم الحالة العامة عند مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عراقة البيئة في الوثنية ومنازع الأمم المحدقة بها في التشبيه والتجسيم كما أشرت إلى بعض ذلك في مقدمة تبيين كذب المفتري لا يصعب عليه معرفة وجه اندساس أعداء الدين بين الجمهور من عهد التابعين لبعث ما عندهم من صنوف الزيغ بين أعراب الرواة وبسطاء مواليهم حتى وجدت تلك الأساطير من يذيعها بين الأمة خلفا عن سلف ، قاتلهم الله ، ولو لا قيام علماء أصول الدين في كل قرن بكشف الستار عن وجوه هؤلاء المخذولين لاستفحل أمرهم وله الحمد في الآخرة والأولى ، وهذا الناظم وشيخه قد جددا الكرة بسلاح جديد بتلبيس معتقدهما الزائغ بلباس النظر والتفلسف تارة على طريقة صاحب المعتبر أبي البركات البغدادي اليهودي وبلباس الرواية والأثر تارة أخرى وأمرهما كما ترى مكشوف مفضوح في الحالتين بفضل الله وتوفيقه ولا عذر للمنخدعين بهما بعد ما سردناه في هذا الكتاب.
    نص أحمد في المجيء
    (2) قال ابن حزم : روينا عن الإمام أحمد في قوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ) [الفجر : 22] إنما معناه وجاء أمر ربك كقوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) [النّحل : 33] والقرآن يفسر بعضه بعضا. وهكذا نقله ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير ، وقال البيهقي في مناقب أحمد أنبأنا الحاكم قال حدثنا أبو عمرو بن السماك قال حدثنا حنبل بن إسحاق قال سمعت عمي أبا عبد الله يعني أحمد يقول : احتجوا علي يومئذ ـ يعني يوم نوظر في دار أمير المؤمنين ـ فقالوا تجيء سورة البقرة يوم القيامة وتجيء سورة تبارك فقلت لهم إنما هو الثواب قال الله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ) [الفجر : 22] إنما تأتي قدرته ، وإنما القرآن أمثال ومواعظ.
    قال البيهقي وفيه دليل على أنه كان لا يعتقد في المجيء الذي ورد به الكتاب والنزول الذي وردت به السنة انتقالا من مكان إلى مكان كمجيء ذوات الأجسام ونزولها ، وإنما هو عبارة عن ظهور آيات قدرته ، فإنهم لما زعموا أن القرآن لو كان كلام الله وصفة من صفات ذاته لم يجز عليه المجيء والإتيان فأجابهم أبو عبد الله بأنه إنما يجيء ثواب قراءته التي يريد إظهارها يومئذ ، فعبّر عن إظهاره إياها بمجيئه اه.

    من العلو».
    ما كفاه إثبات الفوقية حتى أثبت الحركة في الإتيان.
    فصل
    في الإشارة إلى ذلك من (1) السنة».
    قال :
    «لما قضى الله ربنا الخليقة
    كتبت يداه كتاب ذي إحسان»

    أين لفظ كتبت يداه؟
    قال :
    «ولقد أشار نبينا في خطبة
    نحو السماء بإصبع وبنان»

    __________________
    ـ وقال اليافعي بعد أن ساق ذلك : قال العلماء وقد يقتضي الحذف من التعظيم والتفخيم ما لا يقتضيه الذكر ، وشواهده من الكتاب كثيرة كقوله تعالى : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [المائدة : 33] و (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [الأحزاب : 57] وقد أجمع المسلمون على تقدسه تعالى عن التأذي والضرر ، أي يحاربون عباد الله وأولياءه ويوضحه قوله تعالى : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ) [النّحل : 26] ليس المراد الإتيان بذاته بالاتفاق وإنما هو أمره ويشهد له قوله تعالى : (أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً) [يونس : 24] اه. والناظم وشيخه يدعيان الانتماء إلى أحمد ولا يتابعانه في التنزيه كما رأيت نصوص أهل العلم عن أحمد فلا ينخدعن الموفق بثرثرتهما المفضوحة وتهويلهما المصطنع وإنما ذلك وقاحة منهما قاتلهما الله ، ما أجرأهما على الله تعالى.
    معنى كتب ربكم على نفسه بيده
    (1) قد أجمع أهل الحق على أنه لا يجوز إثبات صفة الله سبحانه بدون دليل يفيد العلم ولهم في ذلك أدلة ناصعة قال أبو سليمان الخطابي في (الناصحة) لا يجوز أن يعتمد في الصفات إلا على الأحاديث المشهورة التي قد ثبتت صحة أسانيدها وعدالة ناقليها اه. ثم أقام النكير على قوم من أهل الحديث تعلقوا برواية المفاريد والشواذ في الصفات ، ونكتفي بهذه الإشارة هنا. ولم يقع كتبت يداه في الصحيح عند ذكر حديث «سبقت رحمتي غضبي» ، وأما ما في ابن ماجه فبطريق ابن عجلان وقد ضعفه البخاري ولم يكن مالك يرضاه في الصفات فلا حجة في رواية مثله على أن لفظه «كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق رحمتي سبقت غضبي» قال الله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) [الأنعام : 54] فكتب إذا تعدّى بلفظ على يكون بمعنى أوجب ، فيكون معنى الحديث أوجب على نفسه بذاته لا بإيجاب أحد سواه ، واستعمال (بيده) بمعنى بذاته شائع كثير ، والإيجاب على النفس بمعنى الوعد والوجوب عن الله لا الوجوب على الله. فليس هناك خط ولا مخطوط ، ومن الدليل على ما قلنا أن الخط حادث مخلوق فكيف يتصور أن يكون قبل الخلق خلق فلا تغفل مع الغافلين.

    تقدم جوابه.
    قال : «ولقد أتى في رقية المرضى نص بأن الله فوق (1) سمائه وخبر رواه العباس أن الله فوق العرش (2).
    واذكر حديث حصين (3) بن المنذر الثقة الرضى أعني أبا عمران إذ قال : ربي في
    __________________
    (1) ولفظ الحديث «ربنا الله الذي في السماء تقدّس اسمك» يدور هذا اللفظ بين أن يكون بمعنى أنه تقدس اسمه في السماء لأن أهل السماء كلهم منزّهون بخلاف أهل الأرض وبين أن يكون بمعنى أنه في السماء واستحالة الثاني تعين الأول والناظم غير اللفظ وادعى أنه نصّ تحريفا للكلم على أن في سنده زيادة ابن محمد وهو منكر الحديث والناظم يستدل بالمنكر في الصفات مع تغيير نص الرواية والحديث مخرج في سنن أبي داود.
    (2) في رواية عبد الرزاق (والله فوق ذلك) ولفظ فوق العرش إنما وقع في بعض الروايات كما سبق على أن الحديث انفرد به سماك. وشيخه عبد الله بن عميرة لم يدرك الأحنف كما نصّ عليه البخاري فضلا عن أن يدرك عباسا مع كونه مجهول الصفة ، وتحسين الترمذي باعتبار أنه مروي عن سماك بطرق لا بمعنى أنه محتج به حيث قال حسن غريب ثم ذكر وقفه عن شريك عن سماك فتكون في رفعه علة أيضا ، ويحيى بن العلاء في مسند عبد الرزاق متروك ، هكذا تكون حجج الناظم في السنة لا يبالي أن يكون الحديث من المفاريد أو أن يكون فيه منكر أو مجهول أو انقطاع. دعنا من تخريج الضياء وقد عرف الناس مذهبه في الصفات وقال ابن العربي في العارضة عن حديث الأوعال هذا : وروى غير ذلك ولم يصح شيء منه وإنما هي أمور تلفقت من أهل الكتاب ليس لها أصل في الصحة وقد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنشد قول أمية بن أبي الصلت :
    رجل وثور تحت رجل يمينه
    والنسر للأخرى وليث مرصد

    ولم يصح اه.
    سخف عثمان بن سعيد في التمسك بحديث
    حصين في الفوقية
    (3) غلط الناظم في اسم والد حصين كما يظهر من الكتب المؤلفة في الصحابة ، وإسلام حصين صاحب القصة مختلف فيه ووصفه بالثقة الرضى مطلقا مجازفة وأقل ما يقال فيه إنه لم يكن ثقة ولا رضي حين المحادثة على تقدير ثبوت الخبر ولسنا في صدد استقصاء جهالات الناظم ويريد بحديث حصين ما رواه أحمد بن منيع عن أبي معاوية عن شبيب بن شيبة عن الحسن عن عمران بن حصين قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي : «كم تعبد اليوم إلها؟ فقال : ستة في الأرض وواحدا في السماء ، قال : فأيهم تعده لرغبتك ورهبتك؟ قال : الذي في السماء. قال : يا حصين ، أما إنك لو أسلمت علّمتك كلمتين ينفعانك ، فلما أسلم قال : يا رسول الله علّمني الكلمتين ، قال : «قل اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي». وأخرجه عثمان بن سعيد السجزي الدارمي عن ابن منيع إلى «الذي في السماء» فقط في كتاب النقض محتجا به على إثبات الحد والنهاية والمكان له تعالى حتى قال : فلم ينكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الكافر إذ عرف أن إله

    السماء لرغبتي ولرهبتي أدعوه كل أوان ، فأقره الهادي البشير صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يقل أنت المجسم قائل مكان واذكر شهادته لمن قال ربي في السماء (1) بالإيمان وشهادة المعطل له بالكفران ، وحديث (2) الأطيط ، وحديث النزول (3) وحديث (4) ابن رواحة ،
    __________________
    ـ العالمين في السماء فحصين الخزاعي في كفره يومئذ كان أعلم بالله من المريسي وأصحابه ... وقد اتفقت الكلمة من المسلمين والكافرين أن الله في السماء وحدّوه بذلك .. وكل أحد بالله وبمكانه أعلم من الجهمية اه» راجع معقول ابن تيمية في هامش منهاجه (2 ـ 30) تجده ينقل ذلك عنه بنصه وفصه بدون استنكار ، والناظم أتبع له من ظله في كل صغير وكبير (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) [النّور : 40] وعثمان الدارمي هذا مجسم قح كما ترى وهو إمام الناظم وشيخه وإسلام عمران بن حصين أيام خيبر وهذه المحادثة وقعت قبل الهجرة وحصين مشرك ولا يكون من التقرير في شيء ما يشاهده النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المشرك وسكت عليه ، وكيف يتصور عاقل أنه أقره على ما يدّعيه الناظم؟ إذ من المحال أن يقره على ستة في الأرض ، على أن عرضه الإسلام يدل على استنكار ما قاله حصين وعلى أنه كان على شر وضلال فيما قال ، وشبيب بن شيبة ضعفه النسائي وغيره وبمثل هذا السند لا يستدل في الأعمال فضلا عن الاستدلال به في المعتقد ، وأما ما أخرجه ابن خزيمة في التوحيد فبلفظ آخر زيد فيه كلمة إنقاذا للموقف لكن في سنده عمران بن خالد وحاله أسوأ من أن يقال : إنه ضعيف بل هو مكشوف الأمر والروايتان مختلفتان فلا تجمعان ولا تلفقان ولا ينقذ هذا الموقف بمثل ذلك الترقيع ، فليتق الناظم رب العالمين من أن يسوق في صفات الله سبحانه أمثال تلك الروايات.
    (1) وليس في رواية يحيى الليثي عن مالك لفظ «فإنها مؤمنة» في حديث الجارية وقد سبق بيان اضطراب هذا الحديث سندا ومتنا وعدم صلاحية مثله للاحتجاج إلا في الأعمال دون المطالب الاعتقادية وقد حمل الشريف الجرجاني لفظ «أين» في الحديث على السؤال الاستكشافي ، ومن أهل العلم من قال إن العامي الذي يعلو عن مداركه التنزيه عن المكان يؤخذ بالرفق ويعذر لهذا الحديث بخلاف من عنده بعض إلمام بالعلم ، وجعل ابن رشد الحفيد لصاحب البرهان شأنا غير شأن العامي في ذلك ، وقد سبق بسط ذلك كله.
    (2) قال الذهبي في كتاب العلو : لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت اه. وقد ألّف الحافظ أبو القاسم بن عساكر جزءا سماه (بيان التخليط في حديث الأطيط) بيّن فيه وجوه التخليط في روايات الأطيط فلا حاجة لتكلف التأويل بعد ثبوت بطلان تلك الروايات.
    (3) وقد سبق بيان ما فيه كفاية في هذا الصدد فلا نعيد الكلام بدون موجب.
    الشعر المنسوب إلى ابن رواحة
    (4) يشير به إلى ما ينسب إلى عبد الله بن رواحة رضي الله عنه من أنه أنشد :
    شهدت بأنّ وعد الله حقّ
    وأن النار مثوى الكافرينا

    وأنّ العرش فوق الماء طاف
    وفوق العرش رب العالمينا

    إيهاما لامرأته أنه يتلو القرآن دفعا لما اتهمته به من نيله جارية له حتى قالت زوجته آمنت بالله وكذبت عيني اه وهذه قصة تذكر في كتب المحاضرات والمسامرات دون كتب الحديث

    والمعراج (1) وقريظة (2) ، وصعود الروح (3) عند الموت ، وسخط الله (4) على المرأة
    __________________
    ـ المعتمدة ولم ترد في كتب أهل الحديث بسند متصل ولو من وجه واحد وأما ما وقع في الاستيعاب من قول ابن عبد البر (رويناه من وجوه صحاح) فسهو واضح من الناسخ وأصل الكلام (من وجوه غير صحاح) فسقط لفظ (غير) فتتابعت النسخ على السهو إذ لم يجد أهل الاستقصاء سندا واحدا يحتج بمثله في هذه القصة بل كل ما عندهم في هذا الصدد أخبار منقطعة وما يكون في عهد ابن عبد البر مرويا بطرق صحيحة كيف لا يكون مرويا عند من بعده ولو بطريق واحد صحيح؟ وهذا يعين ما قلناه من سقوط لفظ (غير) في الكتاب. ولم يتمكن الذهبي بعد بذل جهده من ذكر سند واحد غير منقطع في القصة وأفعال الصحابة كلها جد ، وجلّ مقدار مثل هذا الصحابي عن أن يوهم صحابية أنه يتلو القرآن بإنشاده الشعر لها. وإيهام كون الشعر من القرآن ليس مما يقر عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمتن الخبر نفسه يدل على البطلان. على أن الحافظ ابن الجوزي ذكر في كتاب الأذكياء أنه قال :
    وفينا رسول الله يتلو كتابه
    كما انشق مرموق من الصبح ساطع

    أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا
    به موقنات أن ما قال واقع

    يبيت يجافي جنبه عن فراشه
    إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

    وأين هذا الشعر من ذاك الشعر والحكاية هي هي. ولا مجال لتعدد القصة لأن المرأة لا تخدع بمثل ذاك مرتين.
    (1) نحيل الناظم في حديث المعراج الذي يريد أن يستدل به هنا على ما كتبه هو نفسه في زاد المعاد في الأوهام الواقعة في حديث شريك في المعراج وقد بسط أهل العلم أغلاطه فيه.
    حديث بني قريظة
    (2) يعني ما يروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لسعد بن معاذ حين حكم في بني قريظة بأن يقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم : «لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبعة أرقعة» وفي سنده النسائي محمد بن صالح التمار ليس بقوي ، قال أبو بكر بن العربي في القواصم : لم يصح اه على أن حكم الله يطلع عليه الملائكة باطلاعهم على اللوح المحفوظ فيكون معنى كون حكمه في السماء كون حكمه في اللوح المحفوظ الذي هو في السماء.
    (3) أخرجه أحمد وابن خزيمة وفيه لفظ «حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الرب». وليس السند إليهما كالسند إلى الأصول الستة ، وقد أعرض عن تخريجه أصحاب الأصول الستة وهذا اللفظ منكر والظاهر أنه من تغيير بعض الرواة وقد أجمع المسلمون على أن الله سبحانه لا تحويه السماء ولا الأرض وأنه منزّه عن المكان ، قال الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه : إذا روى الثقة المأمون خبرا متصل الإسناد ردّ بأمور أحدها أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه لأن الشرع إنما يرد بمجوزات العقول وأما بخلاف العقول فلا اه. وأما هذا فمخالف للكتاب والسنة والمعقول في آن واحد.
    (4) ولفظ مسلم «كان الذي في السماء ساخطا عليها» وليس في هذا اللفظ التصريح بما يرمي إليه الناظم ، ومثل هذا الحديث من أخبار الآحاد يحمل على المحكمات وليس في الحديث. ذكر الرب سبحانه وحمله عليه تقول وعلى فرض حمله عليه ليس معنى كونه في السماء الاستقرار والتمكن فيها باتفاق بل معنى ذلك علو الشأن ، كما سبق.

    التي تهجر زوجها ، وحديث جابر في أهل الجنة إذا بنور (1) ساطع فإذا هو الرّحمن.
    وحديث فضل (2) يوم الجمعة ، وأمين (3) من في السماء ، وأذكر حديث أبي رزين (4) وبطوله ساقه ابن إمامنا والطبراني وأبو بكر بن زهير واذكر كلام مجاهد في قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ) [الإسراء : 78] ... في سبحان في ذكر تفسير المقام
    __________________
    حديث جابر
    (1) أخرجه ابن ماجه بطريق العباداني وهو منكر الحديث وفضل الرقاشي ممن لا يكتب حديثه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وأقرّ الذهبي بكونه ضعيف الإسناد وبمثله يحتج الناظم!.
    (2) غير صالح للاحتجاج بالمرة ولا سيما في مثل هذا المطلب ولابن عساكر الحافظ جزء سماه (القول في جملة الأسانيد الواردة في حديث يوم المزيد) وبيّن فيه وجوه الوهي فيها وقال إن لهذا الحديث عن أنس عدة طرق في جميعها مقال. وفي بعض طرق الحديث ما يخيل إلى الناظر أنه في احتفاء بأحد رجالات العرب تعالى الله عما اختلقه أعداء الدين وركبوا له أسانيد ما أنزل الله بها من سلطان.
    (3) وهو أمين من في الأرض من المؤمنين وأمين سكان السماوات كلهم فما ذا في هذا الحديث مما يرمي إليه الناظم.
    (4) سبق الكلام في حديث أبي رزين ، ونود أن نعلم هل كان الناظم يعتقد صحة جميع ما في كتاب السنة المنسوب إلى عبد الله بن أحمد ، فإذا ذاك يسقط التابع والمتبوع وجلّ مقدار أحمد أن يصح عنه جميع ما في الكتاب المذكور ومن طالعه من أهل العلم لا يتردد أنه ليس بكتاب يحتج بجميع ما فيه ومن جملة ما فيه : رآه على كرسي من ذهب يحمله أربعة : ملك في صورة رجل ، وملك في صورة أسد وملك في صورة ثور وملك في صورة نسر ، في روضة خضراء دونه فراش من ذهب. ومنها : كلمه بصوت يشبه الرعد. ومنها : أوحى الله إلى الجبال إني نازل على جبل منك ، ومنها : أن الرّحمن ليثقل على حملة العرش من أول النهار إذا قام المشركون حتى إذا قام المسبحون خفف عن حملة العرش ومنها (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) [المزمّل : 18] مثقل وممتلئ به. ومنها : أنه ليقعد عليه فما يفضل منه إلا قيد أربع أصابع. ومنها فأصبح ربك يطوف في الأرض ... إلى آخر ما تجده في النسخة المطبوعة من كتاب السنة. وقوله «نازل على جبل منك» يذكرنا ما أخرجه أبو إسماعيل الهروي في الفاروق عن كعب : إن الله نظر إلى الأرض فقال إني واطئ على بعضك فاستبقت له الجبال وتضعضعت الصخرة فشكر لها ذلك فوضع عليها قدمه فقال هذا مقامي ... اه. وهذا الهروي المخرف يروي في ذم الكلام عن بعض قادته أنه لا تحل ذبائح الأشعرية لأنهم ليسوا بمسلمين ولا بأهل كتاب اه ، والله ينتقم منه. وأما الطبراني فمن المعروف عند أهل النقد أنه من الذين يروون الحديث الموضوع والضعيف بدون بيان كونه موضوعا أو ضعيفا بل ينسب إليه تصحيح حديث عكرمة في الرؤية على صورة شاب مرد ... فلا حب ولا كرامة.

    لأحمد (1) إن كان تجسيما ، فإن مجاهدا هو شيخهم بل شيخه الفوقاني ولقد أتى ذكر الجلوس به».
    هذه الأحاديث كلها قد ذكرها الأئمة وذكروا تأويلاتها من قديم الزمان وإلى الآن.
    فصل
    بحث ممتع في التأويل
    في جناية التأويل (2) على ما جاء به الرسول.
    __________________
    (1) مروي عنه بطرق ضعيفة وتفسيره بالشفاعة متواتر معنى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنى يناهضه قول تابعي على تقدير ثبوته عنه؟ ومن يقول إن الله سبحانه قد أخلى مكانا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عرشه فيقعده عليه في جنب ذاته فلا نشك في زيغه وضلاله واختلال عقله رغم تقول جماعة البربهارية من الحشوية وكم آذوا ابن جرير حتى أدخل في تفسيره بعض شيء من ذلك مع أنه القائل :
    سبحان من ليس له أنيس
    ولا له في عرشه جليس

    ولو ورد مثل ذلك بسند صحيح لردّ وعد أن هذا سند مركب فكيف وهو لم يرفع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصلا بل نسب إلى مجاهد بن جبر ، نعم لا مانع من أن يكون الله سبحانه يقعده على عرش أعده لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في القيامة إظهارا لمنزلته لا أنه يقعد ويقعده في جنبه ، تعالى الله عن ذلك. إذ هو محال يرد بمثله خبر الآحاد على تقدير وروده مرفوعا فكيف ولم يرد ذلك في المرفوع حتى قال الذهبي : لم يثبت في قعود نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم على العرش نص بل في الباب حديث واه. وقال أيضا : ويروى مرفوعا وهو باطل. فما ذكره ابن عطية من التأويل وسايره الآلوسي فليس في محله لأن أصحاب الاستقراء لم يجدوه مرفوعا حتى نحتاج إلى محاولة التأويل بما يمجه الذوق ومن ظن أنه يوجد في مسند الفردوس ما يصح في ذلك لم يعرف الديلمي ولا مسنده وأرسل الكلام جزافا. جزى الله الواحدي خيرا حيث ردّ تلك الأخلوقة ردا مشبعا وكذا ابن المعلم القرشي وأما ما يروى عن أبي داود أنه قال من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم. فبطريق النقاش صاحب شفاء الصدور وهو كذاب عند أهل النقد وقال ابن عبد البر إن لمجاهد قولين مهجورين عند أهل العلم أحدهما تأويل المقام المحمود بهذا الإجلاس والثاني تأويل (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (23)) [القيامة : 23] بانتظار الثواب. وفتنة أبي محمد البربهاري ببغداد في الإقعاد وصمة عار يأبى أهل الدين أن يميلوا إليها لاستحالة ذلك وتضافر الأدلة على تفسير المقام المحمود بالشفاعة وإنما هذه الأسطورة تسربت إلى معتقد الحشوية من قول بعض النصارى بأن عيسى عليه‌السلام رفع إلى السماء وقعد في جنب أبيه ، تعالى الله عن ذلك فحاولوا أن يجعلوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل ما جعله النصارى لعيسى عليه‌السلام كسابقة لهم ، تعالى الله عن ذلك ، فعليك أن تتهم من يقول إني أتهم من ينفي حديث الإقعاد في جنب الله عزوجل.
    (2) من كلام العرب ما يفهم منه مراد المتكلم بمجرد سماعه بدون احتياج إلى التدبر ومنه ما لا يفهم المراد منه إلا بعد التأمل فيما يؤول إليه ذلك الكلام والتأويل تبيين ما يؤول إليه الكلام

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ترجمة بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري   ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyالثلاثاء أكتوبر 15, 2024 11:24 pm

    __________________
    ـ بعد التدبر فمن نفى التأويل جملة وتفصيلا فقد جهل الكتاب والسنة ومناحي كلام العرب في التخاطب. وأبو يعلى الحنبلي المسكين ـ من أئمة الناظم ـ ألّف كتابا سماه (إبطال التأويلات في أخبار الصفات) أتى فيه بكل طامة حتى قال عنه أبو محمد رزق الله التميمي الحنبلي : لقد بال أبو يعلى على الحنابلة بولة لا يغسلها ماء البحار. كما ذكره سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان ، ولفظ ابن الأثير في الكامل أفظع وأما لفظ ابن الجوزي في دفع الشبع فرواية بالمعنى ، وقد ذكر أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي في دفع شبه التشبيه كثيرا من مخازيه بل في تأسيس ابن تيمية نقول كثيرة من كتاب (إبطال التأويلات) منها إثبات الحد له تعالى من الجانب الأسفل ، تعالى الله عن ذلك. ويأسف الإنسان كل الأسف أن يضل مثل أبي يعلى هذا الضلال وما ذلك إلا من عدوى خلطائه ، فلو كان والده الذي كان من أخص أصحاب أبي بكر الرازي الجصاص رأى ما آل إليه أمر ابنه اليتيم عنه لبكى بكاء مرا وتبرأ منه ومن عقائده. ومما زاد في ويلات الكتاب اعتداده بكل خبر غير مميز بين المختلق وغيره. ولأبي يعلى هذا كتاب المعتمد في المعتقد وهو قريب إلى السنة ونرجو أن يكون هذا آخر مؤلفاته ليكون قاضيا على ما سلف منه وإلا فيا للعار والنار من مسايرة الأشرار ، فمن أول في كل موضع فهو قرمطي كافر ، ومن أبي التأويل في كل آية وحديث فهو حجري زائغ كابن الفاعوس الحنبلي الذي لقب بالحجري حيث كان يقول إن الحجر الأسود يمين الله حقيقة قال أبو بكر بن العربي عن الظاهرية :
    قالوا الظواهر أصل لا يجوز لنا
    عنها العدول إلى رأي ولا نظر

    بينوا عن الخلق لستم منهم أبدا
    ما للأنام ومعلوف من البقر

    وقد قال ابن عقيل الحنبلي «هلك الإسلام بين طائفتين : الباطنية والظاهرية والحق بين المنزلتين وهو أن نأخذ بالظاهر ما لم يصرفنا عنه دليل ونرفض كل باطن لا يشهد به دليل من أدلة الشرع» وللغزالي جزء لطيف سماه قانون التأويل وهو يقول فيه عند البحث فيما إذا كان بين المعقول والمنقول تصادم في أول النظر وظاهر الفكر : «والخائضون فيه تحزّبوا إلى مفرط بتجريد النظر إلى المنقول وإلى مفرط بتجريد النظر إلى المعقول وإلى متوسط طمع في الجمع والتلفيق والمتوسطون انقسموا إلى من جعل المعقول أصلا والمنقول تابعا وإلى من جعل المنقول أصلا والمعقول تابعا وإلى من جعل كل واحد أصلا» : ثم شرح هؤلاء الأصناف الخمسة شرحا جيدا لا يستغني عنه باحث ، حفظنا الله سبحانه من الإفراط والتفريط وسلك بنا سواء السبيل وفي الاطلاع على جزء الغزالي هذا فوائد في هذا الصدد.
    قول ابن حجر في التأويل
    وأما قول ابن حجر في فتح الباري «إنه لم ينقل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا عن أحد من الصحابة بطريق صحيح التصريح بوجوب تأويل شيء من ذلك ـ يعني المتشابهات ـ ولا المنع من ذكره ومن المحال أن يأمر الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتبليغ ما أنزل إليه ربه وينزل عليه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة : 3] ثم يترك هذا الباب فلا يميز ما يجوز نسبة إليه تعالى وما لا يجوز مع حثه على التبليغ عنه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليبلغ الشاهد الغائب» حتى نقلوا أقواله وأفعاله وأحواله وما فعل بحضرته فدلّ على أنهم اتفقوا على الإيمان بها على الوجه الذي أراده الله تعالى منها ووجب تنزيهه عن

    __________________
    ـ مشابهة المخلوقات بقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : 11] فمن أوجب خلاف ذلك بعدهم فقد خالف سبيلهم وبالله التوفيق اه».
    فليس مما يستطيع الحشوي أن يتخذه سندا في ترويج مزاعم المشبهة ـ رغم محاولة بعضهم ذلك لأن في سياق كلامه ما يحتم التفويض مع التنزيه وهو مذهب جمهور السلف وليس أحد من أهل العلم يمنع من إجراء المتشابه في الكتاب والسنة المشهورة على اللسان بدون خوض في المعنى فمن خاض وحمل على ما ينافي التنزيه فهو الذي خالف سبيلهم ، بل الصحابة كلهم أجمعوا على تنزيه الله سبحانه عن مشابهة المخلوقات في ذاته وصفاته وأفعاله ومن ضرورة ذلك صرف الألفاظ المستعملة في الخلق عن معانيها المتعارفة بينهم إلى معان تتسامى عنها عند نسبة تلك الألفاظ إلى الله سبحانه على مقتضى قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : 11] وهو تأويل إجمالي وأما تعيين تلك المعاني المتسامية تفصيلا بقرائن قائمة فمما يختلف مبلغ انتباه أهل العلم إليه على اختلاف ما آتاهم الله من الفهم فمن بان له وجه الكلام كوضح الصبح يسلك طريق التبيين بل يدخل هذا المتشابه في حقه في عداد المحكم ـ وذلك كالنظري بالنسبة إلى الحدسي وكم من نظري مستصعب عند أناس يكون حدسيا مكشوفا عند أناس آخرين ـ فأحاديث النزول مثلا إبعادها عن معان توجب التشبيه والنقلة موضع اتفاق بين أهل الحق سلفا وخلفا وحملها على المجاز في الطرف أو على الإسناد المجازي استعمال عربي صحيح وموافق للتنزيه وقد يترجح عند بعضهم الأول وعند بعضهم الثاني ، ولكن الذي صحّ عنده رواية الإنزال أو اطلع على صحة حديث أبي هريرة في سنن النسائي «إن الله عزوجل يمهل حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر مناديا يقول هل من داع فيستجاب له» يجزم بإرادة الإسناد المجازي في باقي الروايات فيخرج حديث النزول في نظره من عداد المتشابه ويدخل في عداد المحكم حيث رده إليه.
    تحقيق ابن دقيق العيد
    قال الإمام المجتهد ابن دقيق العيد : «إن كان التأويل من المجاز البين الشائع فالحق سلوكه من غير توقف ، أو من المجاز البعيد الشاذ فالحق تركه ، وإن استوى الأمران فالاختلاف في جوازه وعدم جوازه مسألة فقهية اجتهادية والأمر فيها ليس بالخطر بالنسبة للفريقين اه».
    وهذا كلام نفيس جدا ينبئ عن علم جم ، وصراحة في بيان الحق ، وتوسط حكيم بخلاف كلام الذين يسعون في إرضاء الطوائف بكلام معقد متشابه يفتح باب التقول لمن بعدهم من الزائغين في المتشابهات ، وأين هؤلاء من ابن دقيق العيد في التروي والأمانة والصراحة والتحقيق والجمع بين الأصلين والفقه والحديث؟ وعن ابن دقيق العيد هذا يقول ابن المعلم : (كان مبارزا لأهل البدع من الحشوية والصوتية والقائلين بالجهة ... منكرا عليهم بيده ولسانه ولفظه وجنانه يغري ويؤلب عليهم ولا يدع لهم رأسا قائمة إلا اقتطعها ولا شجرة يخشى شرها إلا اقتلعها) فتبين من ذلك أن المسلم في سعة من التفويض والتأويل فالأول في حينه أسلم والثاني بشرطه أحكم فلا يتصور أن ينقل التصريح بوجوب التأويل التفصيلي عن الصحابة لأنه لو نقل لوجب التأويل التفصيلي على العالم والجاهل على حد سواء وهذا مما يبرأ منه الشرع الحنيف.

    __________________
    صنيع الصحابة في التأويل
    ـ وقد كانت الصحابة رضي الله عنهم لا يخوضون في المعضلات حرصا منهم على معتقد الذين قرب عهدهم بالجاهلية وتدريبا لهم على الأعمال النافعة دون المماحكات الفارغة ، لأن الخوض فيها يضر ولا ينفع في شخص دون شخص وفي وقت دون وقت ـ وعمل الفاروق رضي الله عنه في صبيغ معروف ـ ولم يتقاعس الصحابة عن الإجابة عند حدوث ضرورة كما فعل ابن عباس رضي الله عنهما مع نافع بن الأزرق فلا يكون المؤول بشرطه مخالفا للصحابة رضي الله عنهم بل مقتديا بهم ، وقد سرد المحدث النظار الفخر بن المعلم القرشي الشافعي في (نجم المهتدي) في باب خاص منه نماذج كثيرة من التأويلات المروية عن الصحابة والتابعين وقد اكتظت كتب التفسير بالرواية بما روى عنهم في هذا الصدد ، وكانت الصحابة يفهمون بسليقتهم كلام الله وكلام رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يكن يصعب عليهم فهم ما يستعصي فهمه على كثير ممن تأخر زمنه عن زمن الوحي ، ولم يقع في كلام أحد منهم شيء ينافي التنزيه أصلا وأما ما وقع في بعض الروايات مما يوهم ذلك فمن تغيير أعراب الرواة وأعاجمهم والرواية بالمعنى من غير فقهاء الرواة في حاجة إلى التنقيب والنظر وحيث كان غالب ألفاظ الروايات ألفاظ الرواة ـ على حسب فهمهم المعاني ـ لا يعول محققو علماء العربية في اللغة على ألفاظ الحديث المروي بالمعنى فكيف يتصور أن يتخذ علماء أصول الدين ألفاظ هؤلاء الرواة ـ على حسب أفهامهم ـ حجة في دين الله من غير نظر فيما إذا كان مخالفا للتنزيه والبراهين القائمة؟ والحاصل أن التفويض مع التنزيه مذهب جمهور السلف لانتفاء الضرورة في عهدهم والتأويل مع التنزيه مذهب جمهور الخلف حيث عنّ لهم ضرورة التأويل لكثرة الساعين في الإضلال في زمنهم ، وليس بين الفريقين خلاف حقيقي لأن كليهما منزّه ومن أهل العلم من توسط بين هؤلاء وهؤلاء كما أشرت إليه.
    وأما المشبهة فتراهم يقولون : نحن لا نؤول بل نحمل آيات الصفات وأخبارها على ظاهرها. وهم في قولهم هذا غير منتبهين إلى أن استعمال اللفظ في الله سبحانه بالمعنى المراد عند استعماله في الخلق تشبيه صريح وحمله على معنى سواه تأويل على أن الأخبار المحتج بها في الصفات إنما هي الصحاح المشاهير دون الوحدان والمفاريد والمناكير والمنقطعات والضعاف والموضوعات مع أنهم يسوقون جميعها في مساق واحد في كتب يسمونها التوحيد أو الصفات أو السنة أو العلو أو نحوها.
    اضطراب الحشوية
    ومن الأدلة القاطعة على رد مزاعم الحشوية في دعوى التمسك بالظاهر في اعتقاد الجلوس على العرش خاصة قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) [البقرة : 186] وقوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : 16] وقوله تعالى : (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق : 19] وقوله تعالى : (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) [فصّلت : 54] وقوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) [الحديد : 4] إلى غير ذلك مما لا يحصى في الكتاب والسنة المشهورة مما ينافي الجلوس على العرش وأهل السنة يرونها أدلة على تنزه الله سبحانه عن المكان كما هو الحق فلا يبقى

    __________________
    ـ للحشوية أن يعملوا شيئا إزاء أمثال تلك النصوص غير محاولة تأويلها مجازفة أو العدول عن القول بالاستقرار المكاني فأين التمسك بالظاهر في هاتين الحالتين؟ وهكذا سائر مزاعمهم على أن من عرف أقسام النظم باعتبار الوضوح والخفاء وأقرّ بكون آيات الصفات وأخبارها من المتشابه كيف يتصور في هذا المقام ظاهرا يحمل المتشابه عليه؟ وإنما حقه أن يحمل المتشابه في الصفات على محكم قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : 11] بالتأويل الإجمالي ومن الحشوية من يزعم أن الآية المذكورة متشابهة ليتنكب الحمل المذكور ، بل منهم من بلغ به الكفر إلى حد أن يقول (له ساق كساقي هذه والمراد بالآية نفي المماثلة في الإلهية لا في كل أمر) كما تجد ذلك في ترجمة العبدري الظاهري في تاريخ ابن عساكر. وهذا كفر بواح ، فتلاوة المشبه الآية المذكورة لا تفيد بمجردها التنزيه بالمعنى الذي يفهمه أهل الحق من الآية فلا تغفل ولا تنخدع فمن المضحك المبكي تمسكهم مرة في نفي العلم بالتأويل بقوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) [آل عمران : 7] باعتبار الوقف على الاسم الكريم مع دعوى الحمل على الظاهر ، وزعمهم أخرى أن التأويل بمعنى التفسير مع الوقف على (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) [آل عمران : 7] مدّعين أنهم يعلمون تأويل المتشابه باعتبار أنهم من الراسخين في العلم ومجترئين على النطق بكلمات في المتشابهات لا ينطق بمثلها من يخاف مقام ربه ، وأما أهل الحق فلا يدعون معرفة جميع التأويل بل يفوضون علمه إلى الله ويردون المتشابه إلى المحكم جملة وتفصيلا ولا يحملون لفظ التأويل في تلك الآية على خلاف معناه المعلوم من السياق بل يحمل بعض المحققين منهم النفي في الآية ـ بالوقف على لفظة (اللهُ) كما هو المؤيد دراية ورواية ـ على سلب العموم دون عموم السلب بالنظر إلى أن التأويل مصدر مضاف فيكون من ألفاظ العموم فبانصباب النفي على العموم يكون المعنى : ما يعلم غيره تعالى بنفسه جميع التأويل وهذا لا يمانع معرفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم جميع التأويل بتعليم الله سبحانه وحيا ولا يمنع أهل العلم من الأمة من السعي في معرفة ما دون الجميع من التأويل كما هو حكم رفع الإيجاب الكلي ، ومنهج كثير من السلف الذين اختاروا الوقف على لفظة (اللهُ) فضلا عن الخلف وبهذا تعرف قيمة ما أطال به ابن تيمية الكلام في تفسير سورة الإخلاص متظاهرا بالمسايرة مع الخلف مخادعة منه في صدد توهين الوقف على لفظة (اللهُ) مع إخراج التأويل عن معناه ليتمكن من حمل المتشابهات على معتقد الحشوية ، فإذا تدبرت كلامه الطويل هناك تحت نور هذا البيان تجده يضمحل ويذهب هباء ومن الطريف تأويل التأويل ممن ينكر التأويل ويدعي الأخذ بالظاهر.
    ثم إني أوصي الشحيح بدينه أن لا يلتفت إلى كلام مثل البرهان الكوراني (وله أمثال) ممن ضاع صوابه بين نزعات متضاربة من حشوية وتصوف وفلسفة وكلام حيث أطلق عنان الهذيان في التلفيق بينها من غير أن يستبحر في علم منها والكلام بعد الاستطراف المجرد موقع في التخريف ومصداق ذلك في (الأمم لإيقاظ الهمم) له في (ص 23 ـ 26) منه فما يرويه فيه عن كتب تنسب إلى الأشعري على خلاف ما هو مدوّن في كتب أصحابه وأصحاب أصحابه ليس بموضع تعويل لمنافاته لنقل الكافة ولإبادة الحشوية لكتبه في فتن بغداد ولتصرفهم في البقية الباقية التي يذيعونها بما يخالف نقل الكافة ولعدم روايتها سماعا بطريق أهل السنة ، كما بينت

    فذكر أن التأويل أصل كل بلية ثم قال : «والتأويل الصحيح هو تفسيره وظهور معناه كقول عائشة يتأول القرآن وحقيقة التأويل معناه الرجوع إلى الحقيقة لا خلف بين أئمة التفسير في هذا ، تأويله هو عندهم تفسيره بالظاهر (1) ما قال منهم قط شخص واحد تأويله صرف عن الرجحان ولا نفي الحقيقة».
    __________________
    ـ ذلك في موضع آخر. وأما ما يرويه عن عبد الغني المقدسي بسنده عن الشافعي من الاعتقاد فباطل موضوع وفي سنده العشاري وأبو العز بن كادش وسيأتي حالهما في أواخر الكتاب وعبد الغني نفسه ليس ممن يقبل قوله في الصفات ، راجع ذيل الروضتين. فلا يعول على مثل هذا السند إلا مثل الكوراني.
    التجلي في الصور
    وقول الكوراني بالتجلي في الصور مجون في مجون وجنون ليس فوقه جنون ، وقال أبو بكر ابن العربي في القواصم والعواصم (2 ـ 28) فيمن يحمل حديث «... فيأتيهم في صورة ثم يأتيهم في صورة أخرى ...» على التبدل والانتقال والتحول : إنه ليس من أهل القبلة بل حكم بخروجه أصلا وفرعا من الملة. وحمل الصورة على ظاهرها فضيحة ليس فوقها فضيحة ـ والله هو الهادي.
    (1) وحمل التأويل على معنى التفسير في باب المتشابهات تحريف للكلم عن مواضعه وملاحظة ظاهر للمتشابه جهل يأباه كثير من العامة فضلا عن الخاصة وقد رضي الناظم لنفسه بهذا الجهل وأنى يتصور ظاهر في متشابه؟ فالظاهر في اللغة يقابل الخفي فلا يتصور حيث لا يكون المدلول عليه واضحا فلا يعقل أن يلاحظ هذا المعنى في المتشابه الذي هو غاية في الخفاء ، وأما في أصول الفقه فهو بمعنى الراجح من الاحتمالين بالوضع أو بالدليل وهو من أقسام الوضوح المقابل للخفاء الذي من أقسامه المتشابه فلا يتصور اجتماعهما في لفظ ويطلق الظاهر أيضا على ما يدل على المراد بإحدى الدلالات المعتبرة عند أهل اللسان فيكون مقابلا للباطن الذي ابتدعه القرامطة ، ولا شأن لهذا المعنى في هذا المبحث ، وقد يطلق الظاهر بمعنى المستفيض المشهور وهو مراد من يقول من أهل السنة (بإجراء أخبار الصفات على ظاهرها) حيث يريد إجراء اللفظ المستفيض عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في صفات الله على اللسان كما ورد مع التفويض أو التأويل على ما سبق ، وهذا المعنى هو المراد في قول الفقهاء (هذا ظاهر الرواية) يعنون أنه المروي عن صاحب المذهب بطريق الاستفاضة والشهرة. وفيما علقت على الاختلاف في اللفظ (ص 45) : «أما ما يروى عن بعض السلف من إجراء أحاديث الصفات وإمرارها على ظاهرها فليس بمعنى الظاهر المصطلح في أصول الفقه الذي يبقى حين ترجح الاحتمال الآخر بالدليل كالنجم عند شروق الشمس ولا بمعنى ما يظهر للعامة من اللفظ بل بالمعنى المقابل للغريب الذي ينفرد بلفظه راو في إحدى الطبقات فيكون بمعنى تجويز إمرار اللفظ على اللسان وإجرائه عليه إذا كان اللفظ مرويا بطريق الظهور والشهرة في جميع الطبقات كما وقع إطلاق الظاهر بهذا المعنى في كلام الإمام مالك رضي الله عنه وغيره وقد يغالط بعضهم في ذلك فيضل ويضل فلزم التنبيه على ذلك اه».

    قال الله تعالى في المتشابه : (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) [آل عمران : 7] فكيف يكون تأويله تفسيره بالظاهر والمتشابه لا ظاهر له وقوله ما قال منهم أحد إن التأويل صرف عن الرجحان : كذب بل خلق قالوا ذلك وينطلق التأويل أيضا على تدبر القرآن وتفهم معناه.
    فصل
    فيما يلزم مدعى التأويل.
    ثم قال : «دليل صارف واحتمال اللفظ وتعيين المقصود».
    هذا كثرة كلام في أمر سهل مفروغ منه.
    فصل
    «في طريقة ابن سينا (1) وذويه من الملاحدة في التأويل».
    ذكر ابن سينا والملاحدة هنا للتنفير وإلا لما جاء بابن سينا والملاحدة معنا.
    قال : «ويقول تأويلي كتأويل الفوقية والصفات والعلو تأويله أشد من تأويل القيامة وحدوث العالم».
    ليس مقصود هذا الناظم إلا أن يفظع مقالات خصومه من الفقهاء وأهل العلم ويجعلها في قلوب العامة أقبح من مقالات الفلاسفة لتشتد نفرتهم عنها واندفع في مخارق وسفه ودعاوى لا حقيقة لها.
    __________________
    تبديع الفلاسفة وإكفارهم
    (1) ذكر الغزالي مخالفته لما عليه أهل الحق في نحو عشرين مسألة أكفره بثلاث منها وبدعه في الباقي في كتاب التهافت فقدم العالم وإنكار الحشر الجسماني ومسألة العلم بالجزئيات هي المكفرات عنده لكن الناظم وشيخه قائلان بالقدم النوعي ولا يقولان بإعادة الأجزاء المعدمة بل ولا يجمع الأجزاء المفرقة ـ راجع تفسير سورة الإخلاص لشيخه ـ وقولهما في العلم بالمتجددات معروف ـ راجع ما سننقله من مفردات ابن تيمية من ذخائر القصر ـ فهما من أوقع الناس في شبكة التفلسف عن جهل ، على أن قول ابن رشد في تهافت التهافت ومناهج الأدلة وقول الرازي في المطالب العالية وقول الدواني في شرح العضدية مما يثير اهتمام الباحث بتلك المسائل. وقد صرح ابن سيناء في بعض كتبه بأن العقل لا يدرك غير الحشر الروحاني وأما البعث الجسماني فطريق معرفته وحي الرسل وليس في هذا إنكار للبعث الجسماني.

    فصل
    قال : «هذا وثمّ بلية مستورة ورث المحرف من اليهود وأنى إلى حزب الهدى وأعطاهم شبه اليهود قال استوى استولى وذا من جهله عشرون (1) وجها تبطله أفردت بتصنف تصنيف حبر عالم رباني وشبه النون التي زادتها اليهود في حطة بلام تعطيل الجهمية».
    وهذا من الخرافات.
    فصل
    قال : «ومن العجائب قولهم فرعون مذهبه العلو وفرعون قال إن موسى كاذب إذا ادعى فوقية الرّحمن».
    أين ادعى موسى فوقية الرّحمن؟.
    فصل
    قال : «تركيب استوى مع حرف الاستعلاء نص في العلو بوضع كل لسان».
    نص في العلو أما في الذات فلا ، فقولك : استوى قيس على العراق. لا يستلزم أن يكون إذ ذاك في العراق بل ملكه فيها وعليها.
    فصل
    كله دعاوى وفقاقيع فارغة.
    فصل
    فيه إنكار المجردات (2).
    __________________
    (1) وقد سبق إبطال جميع تلك الوجوه ، والمصنف ذكر فيما سبق وجه حسن استعمال استوى مجازا عن استولى بحيث لا يدع لقائل مقالا ، على أن الاستعارة التمثيلية في هذا المقام أقعد وأوقع فيكون المجاز على هذا التقدير في المركب دون أن يسري في مفرداته كما هو مدوّن في محله وقد أشرت إلى اختيار ذلك فيما علقته على الاختلاف في اللفظ لابن قتيبة (ص 41).
    تجرد الروح
    (2) القول بتجرد الروح مما ذهب إليه إمام الهدى أبو منصور الماتريدي والحليمي والراغب والغزالي والبيضاوي وغيرهم من كبار علماء السنة وبه يزول كثير من الإشكالات ، وإن خفيت أدلة ذلك على جمهور المتكلمين فضلا عن مكسري الحشوية.

    فصل
    سوى فيه بينهم وبين المنافين والقرامطة وجعل المجسمة مقابل الجميع ، وأن ما ثم إلا التجسيم أو التعطيل وقد تقدم مثله ، وإنما زاد التكرير والتفظيع ليزرع الريبة في القلوب.
    فصل
    قال : «الاستواء ونحوه والمشيئة ونحوها كلاهما من صفات الأجسام ـ وطلب الفرق بينهما ـ والله لو نشرت شيوخك كلها لم يقدروا أبدا على فرقان».
    انظر هذا الجلف الجاري على ما لا يعلم ، وكل عاقل يعلم أن الاستواء بمعنى القعود أقرب إلى صفات الأجسام من المشيئة والقدرة.
    قال : «قال زعيمهم في الفرق هذه الصفات بالعقل والقرآن فيقال إن نفي العقل التجسيم فانفوها وانسلخوا من القرآن وإن أثبته فلم الفرار؟ وإن نفاه في وصف وأثبته في وصف فما الفرق؟.
    انظر هل بعد هذا الكلام شيء في التجسيم (1)؟.
    فصل
    كله سفاهة.
    فصل
    حكى مذاهب خصومه بأقبح ما يكون ثم قال : «جربت هذا كله ووقعت في
    __________________
    نص من ابن تيمية في الحد والجسم
    (1) وشيخه أصرح منه وأجهر صوتا في ذلك حيث يقول فيما ردّ به على أساس التقديس : «ومن المعلوم بالاضطرار أن اسم الواحد في كلام الله لم يقصد به سلب الصفات ـ يريد ما يشمل المجيء ونحوه ـ ولا سلب إدراكه بالحواس ولا نفي الحد والقدر ونحو ذلك من المعاني التي ابتدع نفيها الجهمية وأتباعهم ، ولا يوجد نفيها في كتاب ولا سنة اه». وهذا صريح جدا لعلك لا تحوجني إلى شرح ذلك ، راجع الكواكب الدراري لابن زكنون الحنبلي المحفوظ بظاهرية دمشق ففي المجلد رقم 24 و 25 و 26 منه رده على أساس التقديس وفيه فوق ما تقدم التصريح بأنه يمكنه التزام قدم بعض الأجسام يريد الباري سبحانه فهل يتصور أن ينطق مبتدع مارق بأصرح من هذا في وسط المسلمين والناظم متقلد مذهبه بدون تفكير والله سبحانه ينتقم منهما بما أثارا من الفتن بين العوام.

    تلك الشباك وكنت ذا طيران حتى أتاح لي الإله بفضله من ليس تجزيه يدي ولساني حبر أتى من أرض حران فيا أهلا بمن قد جاء من حران» (1).
    __________________
    (1) وكم أضلّ من خلطائه ولهم معه موقف يوم القيامة لا يغبط عليه وهو الذي جاهر بقيام الحوادث بذاته تعالى ـ بعزو ذلك إلى أئمة أبرياء من مثل هذا الإلحاد ـ وبالقدم النوعي ، وبالجهة والحركة والثقل وتجويز الجسمية والاستقرار في جانب الله سبحانه مع التطاول على كثير من الأئمة والشذوذ عما عليه جمهور أهل العلم في كثير من المسائل الفرعية ، والرد على كبير العلماء وصغيرهم حتى الصحابة وتلبيس ذلك بمذهب السلف خيانة وكذبا ، ومما يجب التنبه إليه أن من وجوه تحيل الناظم وشيخه ومن على شاكلتهما من المتشبعين بما لم يعطوا تتبع ما دون ضد الأئمة المتبوعين من مؤاخذات في مسائل واتخاذ تلك المؤاخذات وسيلة للتهجم عليهم كلما شاءوا لأجل أن يظهروا بمظهر أنهم من السعة في العلم بحيث تضيق علوم الأئمة عن علومهم ويجب هجر آراء هؤلاء إلى أهوائهم ، هذا شأنهم في أئمة علوم الشرع وهكذا صنيعهم مع علماء باقي العلوم بدون تفرغ العلم ، ولا شك أن كل عالم مهما علت منزلته في علمه لا بد وأن تقع منه هفوات تكون مدوّنة في كتاب لأحد نقاد هذا العلم المتفرغين للتمحيص فيه خاصة إذ لا عصمة لغير الأنبياء عليهم‌السلام ، فمن تعوّد أن يجمع تلك المؤاخذات من مظانها كالباب الخاص في مصنف أبي شيبة في مخالفات أبي حنيفة لأحاديث صحيحة صريحة في نظر صاحب المصنف ، وكتاب إبراهيم ابن علية في مالك وكتاب محمد بن عبد الحكم في حق الشافعي ، وكتاب الكياهراسي في مفردات أحمد وكتاب الأهوازي في الأشعري ونحوها ، وأخذ يتحامل على الأئمة بتوجيه تلك المؤاخذات إليهم متظاهرا بأنها من بنات أفكاره داسا في غضون كلامه ما شاء من الأباطيل يظن به من لا بصر له بالحقائق من العامة أن له من العلم ما يجعله فوق الأئمة فهما وتحقيقا وإحاطة مع أنه لابس ثوبي زور ، وقد ردّ على غالب تلك المؤاخذات في كتب خاصة بحيث لا تقوم لها قائمة لكن الذي يجهل ذلك ينخدع بخزعبلاته ويقع في المهالك إذا تقاعس علماء أهل الحق عن البحث والتنقيب والرد على الشذاذ بمثل أسلحتهم كما يجب ، والله سبحانه يتولى هدانا بمنّه وكرمه وأيقظنا جميعا من رقدتنا وألهمنا طريق حراسة مذاهب أهل الحق في الأصول والفروع وأشعرنا عظم المسئولية في الآخرة ووقانا شر التساهل في ذلك إنه سميع مجيب.
    قال الحافظ ابن طولون في «ذخائر القصر في تراجم نبلاء العصر» عند ذكره سبب انتقال الشيخ عبد النافع بن عراق من المذهب الحنبلي إلى المذهب الشافعي بعد أن جعله والده حنبليا : «قال الحافظ صلاح الدين العلائي (وقل من أفضله عليه من متأخري الشافعية في الجمع بين الفقه والحديث كما يجب) ذكر المسائل التي خالف فيها ابن تيمية الناس في الأصول والفروع. فمنها ما خالف فيها الإجماع ، ومنها ما خالف الراجح في المذاهب : فمن ذلك يمين الطلاق قال بأنه لا يقع عند وقوع المحلوف عليه بل عليه فيها كفارة يمين ، ولم يقل قبله بالكفارة فيها واحد من فقهاء المسلمين البتة ودام إفتاؤه بذلك زمانا طويلا وعظم الخطب ووقع في تقليده جم غفير من العوام وعمّ البلاء ، وأن طلاق الحائض لا يقع وكذلك الطلاق في طهر جامع فيه زوجته ، وأن الطلاق الثلاث يرد إلى واحدة ، وكان قبل ذلك قد نقل إجماع المسلمين في هذه المسألة على خلاف ذلك ، وإن من خالفه فقد كفر ، ثم إنه أفتى بخلافه وأوقع خلقا

    __________________
    ـ كثيرا من الناس فيه ، وأن الصلاة إذا تركت عمدا لا يشرع قضاؤها ، وأن الحائض تطوف في البيت من غير كفارة وهو مباح لها ، وإن المكوس حلال لمن أقطعها ، وإذا أخذت من التجار أجزأتهم عن الزكاة وإن لم يكن باسم الزكاة ولا على رسمها ، وأن المائعات لا تنجس بموت الفأرة ونحوها فيها ، وأن الجنب يصلي تطوعه بالليل بالتيمم ولا يؤخره إلى أن يغتسل عند الفجر وإن كان بالبلد. وقد رأيت من يفعل ذلك ممن قلده فمنعته منه ، وسمعته حين سئل عن رجل قدّم فراشا لأمير فيجنب بالليل في السفر ويخاف إن اغتسل عند الفجر أن يتهمه أستاذه فأفتاه بصلاة الصبح بالتيمم وهو قادر على الغسل (ومسألة أبي يوسف غير هذه) ، وسئل عن شرط الواقف قال غير معتبر بالكلية بل الوقف على الشافعية يصرف إلى الحنفية وعلى الفقهاء إلى الصوفية وبالعكس ، وكان يفعل هكذا في مدرسته فيعطي منها الجند والعوام ولا يحضر درسا على اصطلاح الفقهاء وشرط الواقف بل يحضر فيها ميعادا يوم الثلاثاء ويحضره العوام ويستغني بذلك عن الدرس ، وسئل عن جواز بيع أمهات الأولاد فرجحه وأفتى به.
    ومن المسائل المنفرد بها في الأصول مسألة الحسن والقبح التي يقول بها المعتزلة (بل أربى عليهم بتحكيم العقل في الخلود راجع المعتمد لأبي الحسين البصري المعتزلي في المسألة وكلام ابن تيمية فيها حتى تعلم مبلغ مجازفته وتهوره) فقال بها ونصرها وصنف فيها وجعلها دين الله بل ألزم كل ما يبنى عليه كالموازنة في الأعمال (فيا ليته حينما حكم العقل حكم العقل السليم ولم يحكم عقل نفسه الظاهر اختلاله جدا بما فاه به في ذات الله وصفاته ، تعالى الله عما يقول الجاهلون).
    وأما مقالاته في أصول الدين فمنها أن الله سبحانه محل للحوادث ، تعالى الله عما يقول علوا كبيرا ، وأنه مركب مفتقر إلى (اليد والعين والوجه والساق ونحوها) افتقار الكل إلى الجزء ، وإن القرآن محدث في ذاته تعالى ، وأن العالم قديم بالنوع ولم يزل مع الله مخلوق دائما فجعله موجبا بالذات لا فاعلا بالاختيار ـ سبحانه ما أحلمه ـ ومنها قوله بالجسمية والجهة والانتقال ـ وهو منزّه عن ذلك ـ وصرح في بعض تصانيفه بأن الله بقدر العرش لا أكبر ولا أصغر تعالى الله عن ذلك ، وصنّف جزءا في أن علم الله لا يتعلق بما لا يتناهى كنعيم أهل الجنّة وأنه لا يحيط بغير المتناهي وهي التي زلق فيها الإمام ـ يعني ابن الجويني في البرهان ـ ومنها أن الأنبياء غير معصومين وأن نبينا عليه وعليهم الصلاة والسلام ليس له جاه ولا يتوسل به أحد إلا وأن يكون مخطئا ، وصنف في ذلك عدة أوراق ، وأن إنشاء السفر لزيارة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم معصية لا تقصر فيها الصلاة وبالغ في ذلك ، ولم يقل به أحد من المسلمين قبله ، وإن عذاب أهل النار ينقطع ولا يتأبد (وجزء التقي السبكي في الرد عليه مطبوع) ومن أفراده أيضا أن التوراة والإنجيل لم تبدل ألفاظهما بل هي باقية على ما أنزلت وإنما وقع التحريف في تأويلهما وله فيه مصنف (هذا يخالف كتاب الله والتاريخ الصحيح ، وما في البخاري عن ابن عباس من الكلام الطويل في ذلك بين صدره وعجزه كلام مدرج ، ما أسنده أحد وفيه الإيهام فلا يصح أن يتمسك به أحد على خلاف كتاب الله وخلاف ما صحّ عن ابن عباس نفسه في البخاري نفسه) آخر ما رأيت وأستغفر الله من كتابة مثل هذا فضلا عن اعتقاده انتهى ما نقله ابن طولون عن الصلاح العلائي». وصاحب هذه الطامات هو الذي يرحب به النظام ويتخذه قدوة فتبا لهذا التابع وهذا

    فصل
    قال : «ومن العجائب قولهم حشوية (1) سمى به ابن عبيد» فيه سفه.
    فصل
    قال : «كم ذا مجسمة ، وإذا سببتم بالمحال فسبنا بأدلة وحجاج ذي برهان فحقيقة التجسيم إن يك عندكم وصف الإله بصفاته العليا فتحملوا عنا الشهادة واشهدوا في كل مجتمع وكل مكان أنا مجسمة بفضل الله وليشهد بذلك معكم الثقلان».
    نقول له : أنت أبديت لنا اعتقادك ووصفت بأمور يمتحن فيها كل عاقل منصف إذا عرضت على خال من الأغراض كلها من امرأة أو صبي أو أعجمي أو عربي عامي وعموم الناس هل يفهمون من الاستواء والقعود والنزول والمجيء والإتيان والوجه (2)
    __________________
    ـ المتبوع. ومما ذكره ابن رجب في مفرداته ارتفاع الحدث بالمياه المعتصرة كماء الورد ونحوه ، وجواز المسح على كل ما يحتاج في نزعه من الرجل إلى معالجة باليد أو بالرجل الأخرى ، وعدم توقيت المسح على الخفين مع الحاجة ، وجواز التيمم خشية فوت الوقت لغير المعذور وفوت الجمعة والعيدين وأنه لا حد لأقل الحيض ولا لأكثره ولا لسن الإياس ، وأن قصر الصلاة يجوز في قصير السفر وطويله ، وأن البكر لا تستبرئ ولو كانت كبيرة وأنه لا يشترط الوضوء لسجود التلاوة ، وأنه يجوز المسابقة بلا محلل ، واستبراء المختلعة بحيضة وكذا الموطوءة بشبهة والمطلقة آخر ثلاث تطليقات وغيرها اه فكم له من شواذ نحو ما تقدم. وقد ذكر ابن حجر الهيثمي في الفتاوى الحديثية كثيرا من شواذ ابن تيمية وقال عنه : «عبد خذله الله وأخزاه وأصمّه وأعماه» وقد حاول الشيخ نعمان الألوسي بإشارة صديق خان الذي كان له به صلة مادية متينة الرد عليه في (جلاء العينين) متوخيا تبرئة ساحة ابن تيمية من غالب تلك الشواذ لكن سقط في يده حيث فضحت هذه المرحلة من الدعاية لابن تيمية بطبع كتب له فيما بعد تصرح بما نفى هو عنه بل ربما تطبع له كتب أخرى مثل (التأسيس في رد أساس التقديس) بالنظر إلى أن بعض صنائع الحشوية نقله حديثا فيخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المسلمين وفيما ذكرناه كفاية في لفت النظر إلى نماذج من مفرداته والشيخ نعمان المذكور ناقض نفسه حيث يناقض كلامه في الكتاب المذكور ما سطره هو في (غالية المواعظ) لكن قاتل الله المادة ما دخلت في شيء إلا أفسدته وهو ليس بأمين على طبع تفسير والده ولو قابله أحدهم بالنسخة المحفوظة اليوم بمكتبة راغب باشا بإصطنبول ـ وهي النسخة التي كان المؤلف أهداها إلى السلطان عبد المجيد خان ـ لوجد ما يطمئن إليه. نسأل الله السلامة.
    (1) فهل تلقيب عمرو بن عبيد لابن عمر رضي الله عنه بالحشوي إفكا وزورا على تقدير ثبوت ذلك عنه يمنع من تلقيب الحسن البصري لطوائف المجسمة حشوية حقا وصدقا ، فاضحك ثم اضحك على عقل من يأبى هذا التلقيب وهو متلبس بهذه الوصمة الشنيعة بشهادة نفسه.
    (2) ليس بخاف على ملم باللغة العربية وبمناحي الكلام في اللسان العربي المبين أن لكل كلمة مع

    واليد والساق والجنب والعين والانتقال في الدرجات وغير ذلك مما قد ذكرته معنى الجسم ويرسم ذلك في نفسه أولا فإن قال إنه لا يفهم منها إلا معنى الجسم فيكفيك إثما عند الله إضلال مثل هؤلاء وحملهم على اعتقاد التجسيم الذي تزعم أنت بلسانك أنك لا تقول به فالمحقق منك إضلال أكثر العالم ، وأما أنت في نفسك فإن كذبت في إنكارك التجسيم فقد جمعت إلى فساد الاعتقاد الكذب ، وإن صدقت في زعمك فقد لبست عليك نفسك وخيلت لك فرقا أو كان عندك فرق الله أعلم به ، هذا في الباطن الذي أمره إلى الله في الآخرة وأما في الدنيا فإن في قبول قولك عندنا نظرا فإن قبل أو لم يقبل ـ وإن كنا لم نقل بالتكفير ولا بالقتل ـ فلا أقل من القدر الذي ينكف به ضررك عن المسلمين. وهذه الأشياء التي ذكرناها هي عند أهل اللغة أجزاء لا أوصاف ، فهي صريحة في التركيب والتركيب للأجسام ، فذكرك لفظ الأوصاف تلبس وكل أهل اللغة لا يفهمون من الوجه والعين (1) والجنب والقدم إلا الأجزاء ولا
    __________________
    ـ صاحبتها شأنا ليس لها مع كلمة أخرى ، فمن جمع ما فرقه الله سبحانه في كتابه من الصفات العليا أو فرق ما جمعه فقد خان الله حيث جعل صفات الله سبحانه عرضة لتقولات المتقولين من أصحاب الأهواء وكذلك ما ورد في السنة من الصفات والأفعال. وكم بين المجسمة من ألّف فيما يسمونه التوحيد أو السنة أو الصفات أبوابا في اليد والعين والساعد والأصبع واليمين والذراع والكف والجنب والقدم والحقو والصدر ونحوها. جمعا لما تفرق في الروايات المختلفة لمختلف الرواة لهوى في نفوسهم ، وليس تفريق المجموع جمع الفرق في هذا الباب من شأن من يخافه سبحانه ، وأنت علمت معاني تلك الصفات على مذهب أهل الحق.
    قول السلف في العين واليد
    (1) ومن ذكر من السلف أن العين واليد صفتان تبرأ بهذا اللفظ عن القول بالجارحة بل يكون قائلا بأن المراد بالعين معنى قائم بالله وكذلك اليد لكن لا أعين ذلك المعنى المراد بأن أقول إنه الرؤية أو الحفظ ، والقدرة أو النعمة أو العناية الخاصة لكون تعيين المراد من بين المحتملات الموافقة للتنزيه تحكما على مراد الله وتسميته لهما صفتين تدل على أنه جازم بأنهما ليستا من قبيل أجزاء الذات تعالى الله عن ذلك ، ومن قال وله يد بها يبطش وعين بها يرى جعلهما من قبيل الجوارح وخالف السلف الصالح. وقد قال الترمذي عند الكلام على حديث «يمين الرّحمن ملأى سخاء ...» وهذا حديث قد روته الأئمة نؤمن به كما جاء من غير أن يفسر أو يتوهم ، هكذا قال غير واحد من الأئمة منهم الثوري ومالك بن أنس وابن عيينة وابن المبارك أنه تروى هذه الأشياء ويؤمن بها فلا يقال كيف اه».
    خداع الناظم وشيخه
    وأين هذا من عمل الناظم وشيخه؟ نعم قد يقع في كلامهما ذكر الوجه والعين واليد وغيرها بأنها صفات لكن السياق والسباق في كلامهما يناديان أنهما أرادا بها أجزاء الذات لا المعاني

    يفهم من الاستواء بمعنى القعود إلا أنه هيئة وضع المتمكن في المكان ولا من المجيء والإتيان والنزول إلا الحركة الخاصة بالجسم ، وأما المشيئة والعلم والقدر ونحوها فهي صفات ذات وهي فينا ذات أمرين أحدهما عرض قائم بالجسم ، والله تعالى منزّه عنه ، والثاني المعاني المتعلقة بالمراد والمعلوم والمقدور وهي الموصوف بها الرب سبحانه وتعالى وليست مختصة بالأجسام فظهر الفرق.
    فصل
    قال : «يا وارد القلوط» (1).
    فأتى ببضعة عشر بيتا من هذا القبيل فهل سمع أحد بأن هذا كلام أهل العلم ، وما دعاني إلى الوقوف على هذا الوسخ؟ ينبغي أن يأتي له (مجلى) مثله يتكلم معه زيبق المشاعلي أو غرير المرقد أو أهل جعفر أو عماد فكيف بابن حجاج؟.
    فصل
    فيه أكثر من تسعين بيتا ... وقال في أواخره :
    من قال بالتعطيل فهو مكذب
    بجميع رسل الله والفرقان

    إن المعطل لا إله له
    سوى المنحوت في الأذهان

    وكذا إله المشركين نحتته الأي
    دي ما في نحتهم سيان

    لكن إله المرسلين هو الذي
    فوق السماء مكون الأكوان

    __________________
    ـ القائمة بالله سبحانه كما يقول السلف ، واصطلحا في الصفة على معنى ، يجامع الجزء على خلاف المعروف بين أهل العلم وإلا لما بقي وجه لتشددهما ضد أهل الحق.
    وشيخ الناظم يقول في الأجوبة المصرية : «إن الله يقبض السماوات والأرض باليدين اللتين هما اليدان» فما ذا يجدي بعد هذا التصريح أن يسميها صفات؟ والله سبحانه هو الهادي.
    معنى القبضة عند الخلف
    وأهل العلم من الخلف يحملون القبض على أنه مجاز عن إخراج السماوات من الإظلال والأرض من الإقلال وإيقافهما عن أن تكونا صالحتين لتناسل المتناسلين كما يشير إلى ذلك البيضاوي وهو القابض الباسط أي الموقف عن المسير متى شاء والمجرى للأمور كما يشاء.
    راجع العارضة في شرح الأسماء الحسنى. والسلف يفوضون مع التنزيه ، وأما حمل القبض على القبض الحسي فقول بالتجسيم والجارحة ، تعالى الله عن ذلك.
    (1) لفظة عامية لا ينطق بها من العوام إلا من هو بالغ الوقاحة فضلا عن أهل العلم فنأبى شرح هذه الكلمة القذرة المنتنة.

    المعطل في الأصل من ينفي الصانع
    وهذا الرجل يسمي خصومه معطلة لأنهم نفوا الصانع الذي يقول هو به ويصفه بتلك الصفات بزعمه ويجعلهم يعبدون إلها آخر ويكفرهم كالمشركين العابدين للأصنام ، فيا خيبة المسلمين إن كان يكفر بعضهم بعضا ، ولم لا يقول هذا الجاهل إن الكل يقرون بالله ووحدانيته ويغلط بعضهم في وصفه ولا يخرجهم ذلك الغلط عن الإسلام؟ وإن كان ولا بد من الإخراج فمن أولى به؟ ومن أولى بعبادة ما نحته ذهنه؟ من ركب أجزاء مقصودة معقولة أو من قال أعبد إلها واحدا أنا عاجز عن معرفته وعن كنه ذاته فهو كما وصف به نفسه ، وفوق ما يصف به عباده ، وعقلي يقصر عن سبحات وجهه وعلمي يضل في علمه ويتضاءل دون عظمته وملكوت سلطانه وقدرته وقهره لا شريك له سبحانه وتعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشّورى : 11] كل ما تصوره الذهن فالله بخلافه لو اجتمعت عقول العالمين كلها لم تبلغ معرفة حقيقة ذاته ولا كنه صفاته ، وإنما علموا منها ما دلهم على التوحيد وأمر السيد العبيد وأنعم عليهم بالرسول أرشدهم إلى ما فيه صلاحهم وأنزل عليهم كتابا كلفهم فيه بتكاليف إن عملوا بها وصلوا إلى دار السلام. فلا ينبغي لهم الاشتغال بغيرها ـ فاشتغالهم بغيرها فضول ـ وإن فكروا فكروا في آلائه لا في ذاته ، فإن هناك تضل العقول ، وانظر إلى هذه الصفات التي يثبتها هذا المبتدع لم تجيء قط في الغالب مقصودة وإنما في ضمن كلام يقصد منه أمر آخر وجاءت لتقرير ذلك الأمر ، وقد فهمها الصحابة ولذلك لم يسألوا عنها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنها كانت معقولة عندهم بوضع اللسان وقرائن الأحوال وسياق الكلام وسبب النزول ومضت الأعصار الثلاثة التي هي خيار القرون على ذلك حتى حدثت البدع والأهواء فيجيء مثل هذا المتخلف يجمع كلمات وقعت في أثناء آيات أو أخبار فهم الموفقون معناها بانضمامها مع الكلام المقصود فجعلها هذا المتخلف في أمثاله مقصودة وبالغ فيها فأورث الريب في قلوب المهتدين ، وانظر إلى أكثرها لا تجده مقصودا بالكلام بل المقصود غيره إما بسياق قبله أو بسياق بعده ، أو بأن يكون المحدث عنه معنى آخر والمحدث به ويكون ذلك مذكورا على جهة الوصف المقوي لمعنى ما سيق الكلام لأجله ، وما مثل المشتغلين بذلك وبالكلام إلا مثل سرية أتاها كتاب السلطان يأمرهم بما يعتمدونه في الغزاة التي ندبهم لها ويوصيهم بأمور مهمة لما بين أيديهم وينهاهم عن أمور وينبههم على مكان لعدوهم وعدوه حتى يحترزوا عن غوائلها فأخذوا يتأملون في ذلك الكتاب ويفكرون فيمن كتبه وفي حروفه ومتى كتب وأين كان السلطان حين كتبه وعلم عليه ، وهل كان

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ترجمة بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري   ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyالثلاثاء أكتوبر 15, 2024 11:26 pm

    في القلعة أو في غبرها وربما كان فيهم من لم ير السلطان قط فصار يسأل عن صفته وشغلوا الزمان بذلك وبسؤال حامل الكتاب عنه وبالفكرة فيه واشتغلوا به عما هم بصدده من الجهاد الذي أمرهم به وعن تلك الأمور التي وصاهم بها في الكتاب وأمرهم بها ونهاهم عنها وما كفاهم ذلك حتى أداهم اختلافهم في صفة السلطان وفي أين كان لما كتب ومن كتب الكتاب عنه إلى أن قال كل فريق منهم عن الآخر الذي وصفه بخلاف ما وصفه به رفيقه إنه أنكر السلطان وقال إنه لا سلطان له فهل يكون لهؤلاء عقل ، اللهم إنا نسألك أن لا تضل عقولنا ولا تزيغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وتحفظ علينا ديننا يا مقلّب القلوب يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك.
    فصل
    أكثر من مائة بيت كلها إغراء بخصومه والله ينتقم لهم منه ثم إنه يناقض قوله فينكر على خصومه تكفيره فلم لا ينكر على نفسه تكفيرهم بعين ما كفروه به.
    فصل
    مختصر في معناه.
    فصل
    قريب منه.
    فصل
    قال :
    اسمع سرا عجيبا كا
    ن مكتوما منذ زمان(1)

    جيم وجيم ثم جيم معها
    مقرونة مع أحرف بوزان

    فيها لدى الأقوام طلسم متى
    تحلله تحلل ذروة العرفان

    فإذا رأيت الثور فيه تقارن ال
    جيمات بالتثليث شر قران

    __________________
    (1) هذا من الدليل على أنه من ورثة علوم الصابئة عبدة الأجرام العلوية كاد أن يبوح بما عنده من عزائم الكواكب كما فعل عبد السلام الجيلي ، راجع ترجمته من طبقات ابن رجب وذيل الروضتين لأبي شامة الحافظ.


    دلت على أن النحوس جميعها سه
    م الذي قد فاز بالخذلان

    جبر وإرجاء وجيم تجهم
    فتأمل المجموع في الميزان

    فاحكم لطالعها لمن حصلت له
    بخلاصه من ربقة الإيمان

    وأخذ يذكر مفاسد المذاهب الثلاثة «وقياد الجبر (1) إلى الكفر والبهتان والإرجاء كذلك بالجد في العصيان وشتم الرسل ومن أتوا من عنده والسجود للصنم ، فإذا أضفت إلى الجيمين جيم تجهم أين الصفات والجهم أصلها جميعا والوارثون له أصحابها لا شيعة الإيمان لكن نجا أهل الحديث المحض أتباع الرسول وتابعوا القرآن».
    فصل
    قال : «وسل المعطل ما ذا يقول لربه».
    وساق ما يقولونه كله بقبح وأنهم يخاطبون به الله يوم القيامة ، وعن طائفته ما يولونه ومخاطبتهم به وهاتان طائفتان من المسلمين يعرفون عظمة الله تعالى ، وكل أحد قد بذل جهده وطاقته فيما اعتقده ويخاف ويفرق ، ويوم القيامة يكون أشد خوفا يوم لا يتكلم إلا الرسل ويود كل من دونهم أن ينجو كفافا ، فتصوير مخاطبة الله تعالى بذلك في ذلك الموقف العظيم إنما يصدر عن قلب فارغ.
    فصل
    في تحميل أهل الإثبات للمعطلين شهادة تؤدى عند رب العالمين.
    قال : «يا أيها الباغي على أتباعه قد حملوك شهادة فاشهد بها إن كنت مقبولا لدى الرّحمن فاشهد عليهم إن سئلت بأنهم قالوا إله العرش والأكوان فوق السماوات
    __________________
    (1) والجبر الذي يريده الناظم هو قول الأشعري إن العبد كاسب والرب سبحانه هو الخالق وحده ، وأين الجبر في ذلك؟ نعم جهم بن صفوان كان يقول بالجبر ، لكن ليس له من يتابعه بعده ، وأما الإرجاء الذي يريده فهو القول بأن الإيمان هو الاعتقاد الجازم كما نص عليه الحديث الصحيح «الإيمان أن تؤمن بالله ...» ومن جعل الأعمال من أركان الإيمان حقيقة فقد تابع الخوارج من حيث يعلم أو لا يعلم ، وأما التجهم الذي يذكره فمراده به نفي حلول الحوادث في الله سبحانه وتنزيهه تعالى عن قيام الحوادث به سبحانه كما هو مذهب أهل الحق فظهر أنه ينبز بتلك الألقاب السيئة جمهور أهل الحق افتراء منه عليهم وإلا فلا وجود للجبرية حقيقة ولا للإرجاء بالمعنى البدعي ولا للجهمية في عصر الناظم والله سبحانه ينتقم منه.

    العلى حقا على العرش استوى والأمر ينزل منه وإليه يصعد ما يشاء وإليه صعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعيسى ابن مريم والأملاك تصعد دائما من هنا إليه وروح العبد بعد الموت وأنه متكلم بالقرآن سمع الأمين كلامه منه هو قول رب العالمين حقيقة لفظا (1) ومعنى وأنهم وصفوا الإله بكل ما جاء في القرآن وأن قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم نص (2) يفيد علم اليقين».
    فمن ينازع في ذلك؟ وإن أراد الآحاد أو الذي جوزت اللغة احتمال لفظه فحكمه عليه بإفادة علم اليقين جهل منه.
    قال : «وإنهم قابلوا التعطيل والتمثيل بالنكران أن المعطل والمثل ما هما متيقنين عبادة الرّحمن ذا عابد المعدوم لا سبحانه أبدا وهذا عابد الأوثان وأنهم يتأولون حقيقة التأويل وأن تأويلاتهم صرف عن المرجوح (3) للرجحان وأنهم حملوا النصوص على
    __________________
    (1) قد سبق إبطال القول بالفوقية الحسية والنزول الحسي والجلوس على العرش ونحوها مما هو معتقد المجسمة إبطالا لا مزيد عليه ، وقوله هنا في الكلام إعادة لزعمه الحرف والصوت في كلام الله وقد سبق إبطال ذلك أيضا ومن الغريب أن يؤلف مثل الموفق بن قدامة (الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم) وكفى ما سبق في إبطاله. وابن بطة صاحب الإبانة فضح نفسه بأن يزيد في رواية حديث موسى عليه‌السلام «من ذا العبراني الذي يكلمني من الشجرة؟» ليجعل كلام الله من قبيل كلام الخلق فجمع بين الاختلاق وسوء المعتقد وابن بطة هذا من أئمة الناظم ولست في صدد استقصاء أهل الكذب والزيغ من أئمته وبين هذا المتأخر زمنا وعلما كلمات جوفاء في تزويق مزاعم الحشوية في تلك المسائل ، ومن ظنّ به أنه أتى بشيء جديد غير الجمع بين الحشوية والتصوف السالمي الهاذي بالتجلي في الصور فقد ولى فهمه وأدبر علمه وكم من مصاب في عقله ودينه يتكلم في هذه الأبحاث بدون علم ولا فهم ولا تقى ، نسأل الله المعافاة.
    (2) قول الرسول القطعي الثبوت والقطعي الدلالة نص يفيد علم اليقين من غير خلاف ، وأما ما هو ظني الدلالة منه فلا ، كما تقرر في الأصول ودعوى إفادة خبر الآحاد العلم من هواجس الظاهرية إلا إذا كان متحفا بقرائن ، وقد بيّنّا الحق في ذلك في تعليقاتنا المهمة على شروط الأئمة فليراجع هناك. والحشوية يحشرون في كتبهم في المعتقد المنقطعات والوحدان وروايات المجاهيل والضعفاء والوضّاعين ويقولون عنها إنها قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع إنها مما لا يحتج به في باب الاعتقاد أصلا بل لا يتمسك بها في باب الأعمال أيضا ، وتوثيق مثل ابن حبان لرجل لا يخرجه من الجهالة عند من يعرف مصطلح ابن حبان في التوثيق. وإنما الحجة في باب الاعتقاد هي الكتاب المنزل والصحاح المشاهير من الحديث.
    (3) صرف اللفظ عن الاحتمال المرجوح إلى الراجح مما لا معنى له لأن اللفظ منصرف بنفسه إلى الراجح من الاحتمالين ، واللفظ ظاهر بالنسبة إلى الراجح مطلقا سواء كان بالوضع أو بالدليل كما ذكره أبو الخطاب في التمهيد في أصول الحنابلة فما يرى مرجوحا بالنظر إلى الوضع فقط

    الحقيقة لا على المجاز إلا إذا اضطروا للمجاز بحس أو برهان وأنهم لا يكفرونكم بما قلتم من الكفران إذ أنتم أهل الجهالة عندهم لستم أولي كفر ولا إيمان» (1).
    فالبالغ المكلف الذي بلغته الدعوة إما كافر وإما مؤمن فكيف ينتفيان عنه والجهل ليس عذرا في ذلك.
    قال : «لا تفرقون حقيقة الكفران بل لا تفرقون حقيقة الإيمان إلا إذا عاندتم ورددتم قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأجل قول فلان فهناك أنتم أكفر الثقلين وأشهد عليهم أنهم فاعلون حقيقة والجبر عندهم محال هكذا نفي القضاء».
    قد أشهد على نفسه بالفوقية وباللفظ والله يعلم ما تصوره قلبه منهما وبمعنى التأويل وأين هذا من التابعين الذين قيل فيهم ما منهم إلا من يخاف النفاق على نفسه كانوا مع صحة الاعتقاد والاجتهاد في العمل يخافون النفاق ، ونحن اليوم مع البعد ـ وشتان ما بيننا وبينهم ـ بيننا من يتجاسر هذه الجسارة ويدل هذا الإدلال.
    فصل
    في عهود المثبتين مع الله رب العالمين
    قال : «يا ناصر الإسلام اشرح لدينك صدر كل موحد وانصر به حزب الهدى فو حق نعمتك التي وليتني وأريتني البدع المضلة لأجاهد لك عداك ما أبقيتني ولأجعلن لحومهم ودماءهم في يوم نصرك أعظم القربان».
    هذا يقتضي أنه يعتقد كفرهم وسفك دمائهم ، وقد حملهم في الفصل الذي قبل هذا شهادة أنه لا يكفرهم فيناقض كلامه وقال هناك إنهم جهال لا كفار ولا مؤمنون فلعله يرى أنهم كالبهائم لكنه صرح هنا بأنهم أعداء الله وغير الكافر ليس عدو الله.
    __________________
    ـ قد يكون راجحا بالنظر إلى الدليل فيكون اللفظ حينذاك ظاهرا في احتمال قد ترجح بالدليل حيث لا يكون هذا الاحتمال مرجوحا عند قيام الدليل على الرجحان فقولهم بالظهور في جانب الوضع إنما هو بالنظر إلى حالة عدم قيام دليل مرجح للاحتمال المقابل. والحاصل أن الظاهر بالوضع هو ما لا يقارنه دليل يرجح الاحتمال الآخر فلا ظاهر بالوضع عند ترجح الاحتمال الثاني بالدليل ، فإطلاق الظاهر على ما بالوضع عند قيام الدليل المرجح للاحتمال الثاني ما هو إلا تسامح فليعرف ذلك.
    (1) وهذا بظاهره قول بالمنزلة بين المنزلتين كما هو معتقد المعتزلة الذين هم من أبغض خلق الله إليه. وإخراج أهل الحق من الإيمان محض هذيان.

    فصل
    افتراؤهم المثلث على الأشعرية
    قال :
    إنا تحملنا الشهادة بالذي
    قلتم نؤديها لدى الرّحمن

    ما عندكم في الأرض (1) قرآن
    كلام الله حقا يا أولي العدوان

    كلا ولا فوق السماوات العلى رب (2) مطاع ولا في القبر (3) عندكم من يرسل فالروح عندكم عرض قائم بجسم الحي ، وكذا صفات الحي قائمة به مشروطة بالحياة ، فإذا انتفت الحياة انتفى مشروطها ورسالة المبعوث مشروطة بها كصفاته بالعلم والإيمان فإذا انتفت تلك الحياة فكل مشروط بها عدم».
    قوله ما في الأرض قرآن شهادة زور ونحن نطلق القرآن على ما في المصحف وهو إن كان لا يطلقه عليه لزمه ما ألزمنا وإن كان يقول إنه في المصحف حقيقة فهو قد قال فيما تقدم إن الصوت من العبد مخلوق فالخط بطريق الأولى وعندنا أن القرآن مكتوب في المصاحف ولهذا يحرم على المحدث حمل المصحف ومتلو بالألسنة ومحفوظ في الصدور.
    __________________
    (1) تلك الثلاثة هي أقانيم اختلاقهم على الأشعري وأصحابه ، لهج بها أبو نصر الوائلي السجزي صاحب الإبانة وابن مت صاحب ذم الكلام ومن تابعهما في البهت على أئمة الدين. ومن قال إن القرآن القائم بالله في الأرض فهو حلولي زائغ وهذا ظاهر جدا.
    (2) نعم هم لا يعتقدون صنما متمكنا بمكان وإنما يؤمنون بإله العالمين الذي ليس كمثله شيء ، وله الأسماء الحسنى ، تعالى الله عما يقول الجاهلون من الجاهلية بعد الإسلام.
    (3) وقال إمام الحرمين فيما ردّ به على السجزي ، السابق ذكره في مقدمة المصنف : ما كنت أظن أن هذا الجاهل يبلغ حمقه وخرقه هذا المبلغ (وهو زعمه أن من مذهب الأشعرية أن النبوة عرض لا يبقى زمانين وإذا مات النبي زالت نبوته (وهذا الذي حكاه لم يقل به قائل ولم ينقله قبله ناقل ولو سئل هذا الأحمق عن النبوة وحقيقتها ومعناها لتبلد في غمه وتردد في غيه ولم يتمسك إلا بدهش الحيرة كما نسب إليها غيره فليست النبوة عرضا من الأعراض باتفاق من المحققين وإطباق من المحصلين ـ ثم ذكر الدليل على أن النبوة ليست عرضا ثم قال ـ فبطل المصير إلى أن النبوة عرض ووجب القضاء بأن النبوة هي حكم الله تعالى برسالة رسول وإخباره عن سفارته وأمره إياه بتبليغ الشرائع وشرع الأحكام وقد حكم الله تعالى بنبوة الأنبياء عليهم‌السلام في حياتهم وبعد مماتهم وكونهم مرسلين ، وعلم ذلك منهم في السابقة والعاقبة فهذا مذهب أهل الحق ودينهم ، فعلى من يصفهم بغير ذلك لعنة الله ولعنة الملائكة والناس أجمعين. انتهى ما ذكره إمام الحرمين وهو نص ما نقله اللبلي عنه.

    فصل
    في حياة الأنبياء
    قال :
    ولأجل هذا رام ناصر قو
    لكم ترقيعه يا كثرة الخلقان

    قال الرسول بقبره حي (1).
    __________________
    (1) الناظم وشيخه ينفيان التوسل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم باعتبار تفرقتهما بين حالتيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم حال حياته وحال وفاته وبإخراجهما للحديث الصحيح في التوسل عن دلالته الصريحة بالرأي عن هوى ، وقد أقام قاضي قضاة الشافعية العلامة علاء الدين القونوي الشافعي النكير على ابن تيمية بعنف في هذه المسألة في كتابه (شرح التعرف) وهو من محفوظات التيمورية ، وعدّ ذلك مأخوذا من اليهود مع أنه كان من المثنين عليه قبل هذه الحادثة ، وفي الاطلاع على شرح التعرف هذا تنوير للمسألة. وقد أغنانا عن بسط ذلك هنا ما نقله التقي الحصني منه في كتاب (دفع الشبه) وهو مطبوع. وفي كتاب الروح للناظم كثير مما ينافي ما ذكره هنا ، والناقض شأن من أصيب في عقله أو دينه ، نسأل الله السلامة والمعافاة. وأما كلمة ابن حزم في الفصل فاغترار منه بتقولات الرواة من الحشوية في حق الأشعري كما بينت ذلك فيما علقته على تبيين كذب المفتري لابن عساكر.
    فتيا الأئمة في إنكاره شد الرحل لزيارته صلى‌الله‌عليه‌وسلم
    وقد بلغ بالناظم وشيخه الغلو في هذا الصدد إلى حد تحريم شد الرحل لزيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعد السفر لأجل ذلك سفر معصية لا تقصر فيه الصلاة فأصدر الشاميون فتيا في ابن تيمية وكتب عليها البرهان ابن الفركاح الفزاري نحو أربعين سطرا بأشياء إلى أن قال بتكفيره ووافقه على ذلك الشهاب بن جهبل ، وكتب تحت خطه كذلك المالكي ، ثم عرضت الفتيا لقاضي قضاة الشافعية بمصر البدر بن جماعة فكتب على ظاهر الفتوى : الحمد لله ، هذا المنقول باطنها جواب عن السؤال عن قوله إن زيارة الأنبياء والصالحين بدعة وما ذكره من نحو ذلك وأنه لا يرخص بالسفر لزيارة الأنبياء باطل مردود عليه ، وقد نقل جماعة من العلماء أن زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فضيلة وسنّة مجمع عليها ، وهذا المفتي المذكور ـ يعني ابن تيمية ـ ينبغي أن يزجر عن مثل هذه الفتاوى الغريبة ، ويحبس إذا لم يمتنع من ذلك ويشهد أمره ليحتفظ الناس من الاقتداء به. وكتبه محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الشافعي.
    وكذلك يقول محمد بن الجريري الأنصاري الحنفي لكن يحبس الآن جزما مطلقا.
    وكذلك يقول محمد بن أبي بكر المالكي ويبالغ في زجره حسبما تندفع تلك المفسدة وغيرها من المفاسد.
    وكذلك يقول أحمد بن عمر المقدسي الحنبلي ، راجع دفع الشبه (45 ـ 47) وهؤلاء الأربعة هم قضاة المذاهب الأربعة بمصر أيام تلك الفتنة في سنة 726 والنهي عن شد الرحل إلى غير المساجد الثلاثة في الحديث باعتبار أنه لا مضاعفة لثواب المصلي في غيرها ولا علاقة له أصلا

    __________________
    ـ بمثل زيارة القبور ، وهذا ظاهر جدا فمعنى الحديث النهي عن شد الرحل إلى مساجد غير المساجد الثلاثة التي يضاعف فيها الثواب حيث لا داعي إلى تجشم المشاق والاستثناء المفرغ بقدر فيه المستثنى منه بقدر أدنى ما يصحح الاستثناء لأن التقدير ضرورة فلا يزيد على القدر الضروري في تصحيح الكلام ـ وما زاد على ذلك ليس مما يعتبره أهل العلم كما لا يخفى على أن شد الرحل لأجل العلم أو الجهاد أو التجارة أو الاعتبار أو استعادة الصحة ونحو هذا لا يتصور أن يتناوله النهي في الحديث فلا يصح تقدير المستثنى منه من أعم ما يتناول المستثنى ومن تصور خلاف ذلك فقد غلط غلطا فاحشا واستعجم عليه الحديث.
    والأحاديث في زيارته صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غاية من الكثرة وقد جمع طرقها الحافظ صلاح الدين العلائي في جزء كما سبق وعلى العمل بموجبها استمرت الأمة إلى أن شذّ ابن تيمية عن جماعة المسلمين في ذلك ، قال علي القاري في شرح الشفا : «وقد فرط ابن تيمية من الحنابلة حيث حرم السفر لزيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما أفرط غيره حيث قال كون الزيارة قربة معلوم من الدين بالضرورة وجاحده محكوم عليه بالكفر ولعل الثاني أقرب إلى الصواب لأن تحريم ما أجمع العلماء فيه بالاستحباب يكون كفرا لأنه فوق تحريم المباح المتفق عليه ... اه».
    فسعيه في منع الناس من زيارته صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدل على ضغينة كامنة فيه نحو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكيف يتصور الإشراك بسبب الزيارة والتوسل في المسلمين الذين يعتقدون في حقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أنه عبده ورسوله» وينطقون بذلك في صلواتهم نحو عشرين مرة في كل يوم على أقل تقدير إدامة لذكرى ذلك. ولم يزل أهل العلم ينهون العوام عن البدع في كل شئونهم ويرشدونهم إلى السنة في الزيارة وغيرها إذا صدرت منهم بدعة في شيء ولم يعدوهم في يوم من الأيام مشركين بسبب الزيارة أو التوسل ، كيف وقد أنقذهم الله من الشرك وأدخل في قلوبهم الإيمان وأول من رماهم بالإشراك بتلك الوسيلة هو ابن تيمية وجرى خلفه من أراد استباحة أموال المسلمين ودماءهم لحاجة في النفس ولم يخف ابن تيمية من الله في رواية عد السفر لزيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سفر معصية لا تقصر فيه الصلاة عن الإمام أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي ، وحاشاه عن ذلك ـ راجع كتاب التذكرة له تجد فيه مبلغ عنايته بزيارة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والتوسل به كما هو مذهب الحنابلة ـ وإنما قوله بذلك في السفر إلى المشاهد المعروفة في العراق لما قارن ذلك من البدع في عهده وفي نظره.
    نص ابن عقيل الحنبلي في تذكرته
    وإليك نص عبارته في التذكرة المحفوظة بظاهرية دمشق تحت رقم 87 في الفقه الحنبلي. «فصل : ويستحب له قدوم مدينة الرسول صلوات الله عليه فيأتي مسجده فيقول عند دخوله باسم الله اللهم صلّ على محمد وآل محمد وافتح لي أبواب رحمتك وكف عني أبواب عذابك ، الحمد لله الذي بلغ بنا هذا المشهد وجعلنا لذلك أهلا ، الحمد لله رب العالمين. ثم تأتي حائط القبر فلا تمسه ولا تلصق به صدرك ، لأن ذلك عادة اليهود واجعل القبر تلقاء وجهك وقم مما يلي المنبر وقل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد ... إلى آخر ما تقوله في التشهد الأخير ، ثم تقول اللهم أعط محمدا الوسيلة والفضيلة

    وذكر أربعين نبيا في إنكار ذلك وقد صنف البيهقي (1) جزءا في حياة الأنبياء ولكن هذا المدبر بعيد عن التوفيق.
    فصل
    قال : «فإن احتججتم بالشهيد».
    وذكر غيره أشياء من حججنا.
    فصل
    قال في الجواب : «إن الشهيد حياته منصوصة مع النهي عن أن ندعوه ميتا ، ونساؤه حل لنا من بعده وما له مقسوم وهو مع ذلك حي فارح قلتم فالرسل أولى».
    فانظر إلى قلب الدليل عليهم ما قلب شيئا قلب الله قلبه.
    قال : «ورؤيته موسى مصليا في قبره في القلب منه حسيكة هل قاله؟ ولذلك
    __________________
    ـ والدرجة الرفيعة والمقام المحمود الذي وعدته ، اللهم صلّ على روحه في الأرواح وجسده في الأجساد كما بلغ رسالاتك وتلا آياتك وصدع بأمرك حتى أتاه اليقين ، اللهم إنك قلت في كتابك لنبيك صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) [النّساء : 64] وإني قد أتيت نبيك تائبا مستغفرا فأسألك أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته ، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك صلى‌الله‌عليه‌وسلم نبي الرحمة ، يا رسول الله إني أتوجه بك إلى ربي ليغفر لي ذنوبي ، اللهم إني أسألك بحقه أن تغفر لي ذنوبي ، اللهم اجعل محمدا أول الشافعين وأنجح السائلين وأكرم الأولين والآخرين اللهم كما آمنا به ولم نره وصدقناه ولم نلقه فأدخلنا مدخله واحشرنا في زمرته وأوردنا حوضه واسقنا بكأسه مشربا صافيا رويا سائغا هنيا لا نظمأ بعده أبدا غير خزايا ولا ناكثين ولا مارقين ولا مغضوبا علينا ولا ضالين واجعلنا من أهل شفاعته. ثم تقدم عن يمينك فقل السلام عليك يا أبا بكر الصديق ، السلام عليك يا عمر الفاروق ، اللهم اجزهما عن نبيهما وعن الإسلام خيرا ، اللهم (اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ ...) [الحشر : 10] وتصلي بين القبر والمنبر في الروضة وإن أحببت تمسح بالمنبر وبالحنانة وهو الجذع الذي كان يخطب عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما اعتزل عنه حنّ إليه كحنين الناقة ، وتأتي مسجد قباء فتصلي لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقصده فيصلي فيه ، وإن أمكنك فأت قبور الشهداء وزرهم وأكثر من الدعاء في تلك المشاهد حتى كأنك تنظر إلى مواقفهم واصنع عند الخروج ما صنعت عند الدخول».
    ويقال عن كتاب الفنون لابن عقيل الحنبلي هذا إنه في ثمانمائة مجلد ويقول الذهبي عنه إنه لم يصنف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب. ومن هو نظير ابن عقيل هذا بين الحنابلة في الجمع والتحقيق؟ وأنت رأيت نص عبارته في المسألة على خلاف ما يعزو إليه ابن تيمية.
    (1) وجزء البيهقي في حياة الأنبياء مطبوع فاستغنينا به عن الكلام في ذلك.

    أعرض البخاري عنه عمدا والدار قطني أعله ورأى أنه موقوف على أنس لكن تقلد مسلما ، لكن هذا ليس مختصا به روى ابن حبان صلاة العصر في قبر الذي مات مؤمنا فتمثل الشمس التي قد كان يرعاها لأجل الصلاة عند الغروب يخاف فوت صلاته فيقول للملكين تدعاني حتى أصلي العصر قالا ستفعل ذلك بعد الآن ، هذا مع الموت المحقق لا الذي حكيت لنا بثبوته القولان.
    وثابت البناني دعا أن لا يزال مصليا في قبره وحديث ذكر حياتهم بقبورهم لما يصح ، وظاهر النكران ونحن نقول إنهم أحياء عند ربهم كالشهيد». يعني وننكر حياتهم في قبورهم.
    قال : «هذي نهايات لأقدام الورى في ذا المقام الضنك والحق فيه ليس تحمله عقول بني الزمان لغلظة الأذهان ولجهلهم بالروح هل في عقولهم أن الروح في أعلى الرفيق مقيمة بجنان ، وترد أوقات السلام عليه وأجواف الطير الخضر مسكنها لدى الجنات ، من ليس يحمل عقله هذا فاعذره على النكران للروح شأن غير ذي الأكوان ، وهو الذي حار الورى فيه فلم يعرفه غير الفرد في الأزمان ، هذا وأمر فوق ذا لو قلته بادرت بالإنكار والعدوان فلذلك أمسكت العنان ولو أرى ذاك الرفيق جريت في الميدان ، وقولي إنها مخلوقة وليست كما قال أهل الإفك لا داخلة فينا ولا خارجة عنا ـ والله ـ لا الرّحمن أثبتم ولا أرواحكم ، عطلتم الأبدان من أرواحها والعرش عطلتم من الرّحمن.
    استشكال معرفة الروح صحيح لكنه ما أظنه يفهمه وإنما قاله تقليدا وإنكاره حياة الأنبياء ليس له عليه حامل صحيح (1).
    __________________
    حياة الأنبياء
    (1) وعن أنس مرفوعا «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون» رواه أبو يعلى الموصلي والبزار قال الهيثمي ورجال أبي يعلى ثقات. والحياة البرزخية الثابتة للأنبياء فوق الحياة الثابتة للشهداء ويغنينا عن الكلام في حياة الأنبياء جزء البيهقي المطبوع ، نعم انقطعت حاجتهم إلى الأكل والشرب من مآكل هذه الدار ومشاربها ، ولذلك صحّ وصفهم بالموت (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)) [الزّمر : 30] وحامل الناظم على إنكار حياتهم البرزخية هو التذرع بذلك إلى تحريم التوسل بهم عن هوى وفي دفع الشبه للتقي الحصني ووفاء الوفاء للنور السمهودي وغيرهما أحاديث وآثار كثيرة في الندب إليه ، وليس هذا موضع سرد لتلك الأحاديث وله موضع آخر وفي المطالب العالية للرازي وفي شرح المقاصد للتفتازاني وفيما علقه الشريف الجرجاني على شرح المطالع ما يسكن إليه صدور المقتدين بأئمة أصول الدني من البيان في هذه المسألة ، وكنت بسطت

    __________________
    ـ المسألة قبل سنين متطاولة في (إرغام المريد) الذي كنت ألفته سنة 1320 ولا بأس في أن أورد هنا بعض ما كنت نقلته فيه ، مما قاله الفخر الرازي والسعد التفتازاني ، والشريف الجرجاني في هذا الصدد فإنهم أئمة في أصول الدين يميزون بين الحق والباطل والتوحيد والإشراك حق التمييز ، ولا يرميهم أحد من أهل الحق بنزعة تخالف مذهب أهل الحق في هذه المسألة ومن الغريب رمي أهل التجسيم لأهل الحق بالإشراك بوسيلة التوسل وفيما ننقله عن أئمة أصول الدين في هذا الصدد قمع من يرمي أهل الحق بدائه وهم من أبعد الناس عن الإشراك بخلاف من يقول بالجهة والتحيز وسائر لوازم الجسمية تعالى الله عن ذلك.
    نصوص من المطالب العالية للفخر الرازي
    قال الإمام فخر الدين الرازي بعد بسط مقدمات في الفصل الثامن عشر من كتابه المطالب العالية وهو من أمتع مؤلفاته في علم أصول الدين : «وإذا عرفت هذه المقدمات فنقول إن الإنسان إذا ذهب إلى قبر إنسان قوي النفس كامل الجوهر شديد التأثير ووقف هناك ساعة وتأثرت نفسه من تلك التربة حصل لنفس الزائر تعلق بتلك التربة وقد عرفت أن لنفس الميت تعلقا بتلك التربة أيضا فحينئذ يحصل لنفس هذا الزائر الحي ولنفس ذلك الإنسان الميت ملاقاة بسبب اجتماعهما على تلك التربة فصارت هاتان النفسان شبيهتين بمرآتين صقيلتين وضعتا بحيث ينعكس الشعاع من واحدة منهما إلى الأخرى فكل ما حصل في نفس هذا الزائر الحي من المعارف البرهانية والعلوم الكسبية والأخلاق الفاضلة من الخضوع لله تعالى والرضى بقضاء الله ، ينعكس منه نور إلى روح ذلك الإنسان الميت وكل ما حصل في نفس ذلك الإنسان الميت من العلوم المشرفة والآثار العلوية الكاملة فإنه ينعكس منه نور إلى روح هذا الزائر الحي ، وبهذا الطريق تصير تلك الزيارة سببا لحصول المنفعة الكبرى والبهجة العظمى لروح الزائر ولروح المزور ، فهذا هو السبب الأصلي في مشروعية الزيارة ، ولا يبعد أن يحصل فيها أسرار أخرى أدق وأحق مما ذكرناه ، وتمام العلم بالحقائق ليس إلا عند الله اه».
    وأما بقاء النفس مدركة لبعض الجزئيات فقد بينها الرازي في الفصل الخامس عشر من الكتاب المذكور. وقال الرازي أيضا في تفسيره : «إن الأرواح البشرية الخالية عن العلائق الجسمانية ، المشتاقة إلى الاتصال بالعالم العلوي ، بعد خروجها من ظلمة الأجساد تذهب إلى عالم الملائكة ومنازل القدس ، ويظهر منها آثار في أحوال هذا العالم فهي المدبرات أمرا ، أليس الإنسان قد يرى أستاذه في المنام ويسأله عن مشكلة فيرشده إليها اه».
    وقال العلامة سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد عند إثبات إدراك بعض الجزئيات للميت ردا على الفلاسفة : «لما كان إدراك الجزئيات مشروطا عند الفلاسفة بحصول الصورة في الآلات فعند مفارقة النفس وبطلان الآلات لا تبقى مدركة للجزئيات ضرورة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط وعندنا لما لم تكن الآلات شرطا في إدراك الجزئيات إما لأنه ليس بحصول الصورة لا في النفس ولا في الحس وإما لأنه لا يمتنع ارتسام صورة الجزئي في النفس بل الظاهر من قواعد الإسلام أنه يكون للنفس بعد المفارقة إدراكات متجددة جزئية واطلاع على بعض جزئيات أحوال الأحياء ، ولا سيما الذين كان بينهم وبين الميت تعارف في الدنيا ، ولهذا

    فصل
    قال : «ما معناه منجنيق المعطلة ما يدعونه من التركيب ، وللتركيب ستة معان أحدها : التركيب من متباين كتركيب الحيوان من هذه الأعضاء وتركيب الأعضاء من الأركان الأربعة ، الثاني : تركيب الجوار من اثنين يفترقان ، الثالث : التركيب من متماثل يدعى الجواهر الفردة ، الرابع : الجسم المركب من هيولى وصورة عند الفيلسوف والجواهر الفرد ليس ممكنا ، الخامس : التركيب من ذات وأوصاف سموه تركيبا وليس بتركيب ، السادس : التركيب من ماهية ووجودها ، واختلفوا هل الذات الوجود أو غيره فيكون تركيبا محالا أو يفرق بين الواجب والممكن حتى أتى من أرض آمد ثور كبير (1) ، بل حقير الشأن قال الصواب الوقف فقصاراه أن شك في الله».
    جوابه أنه لم يشك في الله في الوجود هل هو زائد أو لا ولا يجوز أن يقال له
    __________________
    ـ ينتفع بزيارة القبور والاستغاثة بنفوس الأخيار من الأموات في استنزال الخيرات واستدفاع الملمات ، فإن للنفس بعد المفارقة تعلقا بالبدن وبالتربة التي دفنت فيها ، فإذا زار الحي تلك التربة وتوجهت تلقاء نفس الميت حصل بين النفسين ملاقاة وإفاضات اه».
    وقال العلامة الشريف الجرجاني في أوائل حاشية شرح المطالع معلقا على ما ذكره شارح المطالع في صدد بيان الحكمة في التوصل والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فإن قيل هذا التوسل إنما يتصور إذا كانوا متعلقين بالأبدان وأما إذا تجردوا عنها فلا إذ لا جهة مقتضية للمناسبة ، قلنا يكفيه أنهم كانوا متعلقين بها متوجهين إلى تكميل النفوس الناقصة بهمة عالية فإن أثر ذلك باق فيهم ولذلك كانت زيارة مراقدهم معدة لفيضان أنوار كثيرة منهم على الزائرين كما يشاهده أصحاب البصائر اه». ورأيت بخط الحافظ الضياء المقدسي الحنبلي في كتابه ـ الحكايات المنثورة ـ المحفوظ تحت رقم 98 من المجاميع بظاهرية دمشق أنه سمع الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي يقول إنه خرج في عضده شيء يشبه الدمل فأعيته مداواته ، ثم مسح به قبر أحمد بن حنبل فبرئ ولم يعد إليه ، وفي تاريخ الخطيب (1 ـ 123) بسنده إلى الشافعي رضي الله عنه قال : «إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره كل يوم ـ يعني زائرا ـ فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده فما تبعد عني حتى تقضى اه».
    فمن الذي يستطيع أن يعد هؤلاء قبوريين يتعبدون الضرائح؟!.
    (1) سيف الدين الآمدي المعروف بين الفرق ببالغ الذكاء ذنبه عند الحشوية أنه نشأ حشويا ثم هداه الله إلى مذهب الأشاعرة ولأجل ذلك يرى متقشفو الحشوية من تمام ورعهم اختلاق حكايات في حقه ويسعى ابن تيمية جهده في مناقشته في معقوله ، ويقوم الذهبي بحظه في الاختلاق عليه في ميزانه. وتآليفه الخالدة في أصول الدين وأصول الفقه والجدل هي آية كونه ثورا كبيرا في نظر الناظم فليعتبر.

    ثور ولا أنه حقير الشأن ، وقد اعترف في التركيبين الأخيرين بالامتناع فيسأل من أهل اللغة هل القدم واليد والجنب أعضاء (1) أو صفات.
    فصل
    قال : «ودلالة الأسماء مطابقة وتضمن والتزام فالمطابقة يفهم منها ذات الإله والوصف والتضمن دلالته على أحدهما واللازم دلالته على الصفة التي اشتق الاسم منها كالرحمن ، فالذات والرحمة مدلولاه تضمنا ودلالته على الحياة بالالتزام».
    مقصوده بهذا المبالغة في القول بالتركيب في المعنى (2) وإن أنكره باللفظ فيما تقدم ، ومدلول الرحمن في اللغة ذو الرحمة وهو شيء واحد لا مركب وإن كان
    __________________
    (1) فإن اعترف بعد السؤال من أهل اللغة بأنها أعضاء يكون المركب منها من القسم الأول فيكون عابد جسم ذي أعضاء وإن لم يعترف بأنها أعضاء بل قال إنها مجازات عن صفات ثابتة له تعالى فقد ترك مذهبه وكان جهاده في غير عدو ولكن أنى يعترف بأنها مجازات مع الغلو المشهود في نحلته؟ ومن ألطف النكت الجارية مجرى الإلزامات الظاهرة على المجسمة ما ذكره الفخر الرازي في تفسيره (7 ـ 148) حيث قال : إن من قال إنه مركب من الأعضاء والأجزاء فإما أن يثبت الأعضاء التي ورد ذكرها في القرآن ولا يزيد عليها وإما أن يزيد عليها ، فإن كان الأول لزمه إثبات صورة لا يمكن أن يزاد عليها في القبح لأنه يلزمه إثبات وجه بحيث لا يوجد منه إلا مجرد رقعة الوجه لقوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : 88] ويلزمه أن يثبت في تلك الرقعة عيونا كثيرة لقوله تعالى : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) [القمر : 14] وأن يثبت له جنبا واحدا لقوله تعالى : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) [الزمر : 56] وأن يثبت على ذلك الجنب أيدي كثيرة لقوله تعالى : (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) [يس : 71] وبتقدير أن يكون له يدان فإنه يجب أن يكون كلاهما على جانب واحد لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وكلتا يديه يمين» وأن يثبت له ساقا واحدا لقوله تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) [القلم : 42] فيكون الحاصل من هذه الصورة مجرد رقعة الوجه ويكون عليها عيون كثيرة وجنب واحد ويكون عليه أيد كثيرة وساق واحد ومعلوم أن هذه الصورة أقبح الصور ولو كان هذا عبدا لم يرغب أحد في شرائه فكيف يقول العاقل إن رب العالمين موصوف بهذه الصورة؟! وإن كان الثاني وهو أن لا يقتصر على الأعضاء المذكورة في القرآن بل يزيد وينقص على وفق التأويلات فحينئذ يبطل مذهبه في الحمل على مجرد الظواهر ولا بد له من قبول دلائل العقل اه.
    (2) لأن كلام أهل العربية في الدلالات الثلاث (دلالة اللفظ على تمام ما وضع له مطابقة وعلى جزئه تضمن وعلى الخارج اللازم التزام) والاجتراء على إجراء ذلك في الأسماء المقدسة مبالغة في القول بالتركيب في المعنى بإثبات الجزء في دلالتها كما قال المصنف على أن ابن حزم قطع على الحشوية سيل التقول بالمرة بأن قال إن الأسماء الحسنى أسماء أعلام للذات العلية لا تدل على الصفات باعتبار أن الله سماها أسماء. فضاقوا ذرعا من كلامه هذا جدا وليس هذا موضع توسع لبيان ما له وما عليه ، وكفى للبصير مجرد الإشارة إليه.

    يقتضي أن له رحمة وكذا ضارب ، مدلوله شيء له الضرب ولا نقول بأن الضرب بعض مدلوله وإن كان قاله بعض الأصوليين من جهة تركيب العقل ما دلّ عليه اللفظ لا من جهة أن الواضع وضعه لهما كما أشعر به كلام هذا الفدم ، واستعماله في الأسماء المقدسة جرأة جرأتها عقيدة سوء ميّالة إلى معنى التركيب.
    فصل
    قال : «الملحدون ثلاثة : المشركون وإخوانهم الاتحادية ، والثاني : المعطلة يقولون ما ثم غير الاسم عطل حرف ثم أول وافقها واقذف بتجسيم وبالكفران للمثبتين ، فإن احتجوا عليك فقل مجاز فإن غلبت عن المجاز فقل الألفاظ لا تفيد اليقين فإن غلبت عن تقريره فقل العقل مقدم على النقل ، والثالث : منكر الخالق الصانع لا يوحشنك غربة بين الورى قل لي متى سلم الرسول وصحبه وتظن أنك وارث لهم ولا جاهدت في الله حق جهاده».
    هذا الرجل قال قبل ذلك إنه لم ينكر أحد الخالق وقد ناقض هنا وجعل القسم الثاني من الملحدة خصماءه ووصفهم بما قال ، وهم هداة الأمة.
    فصل
    في النوع الثاني من توحيد المرسلين المخالف لتوحيد المعطلين والمشركين.
    قال : «وهو أن لا تعبد غير الله ، فالمشركون اتخذوا أندادا يحبونهم كحب الله ، ولقد رأينا من فريق يدعي الإسلام شركا جعلوا له شركاء سووهم به في الحب بل زادوا لهم حبا ـ والله ـ ما غضبوا إذا انتهكت محارم ربهم حتى إذا ما قيل في الوثن الذي يدعونه ما فيه من نقصان فأجارك الرحمن من غضب ومن حرب ومن شتم ومن عدوان وضرب وتعزير وسب وتسجان ، قالوا تنقصت الأكابر والأمر ـ والله العظيم ـ يزيد فوق الوصف ، وإذا ذكرت الله توحيدا رأيت وجوههم مكسوفة الألوان ، وإذا ذكرت بمدحة شركاءهم يستبشرون ـ والله ـ ما شمّوا روائح دينه». انتهى ثناؤه على المسلمين قبّحه الله.
    فصل
    في صفة العسكرين وتقابل الصفين واستدارة رحى الحرب العوان وتصاول الأقران.

    أبصر كيف يوقع الملعون العداوة بين المسلمين.
    فذكر جماعة ثم قال : «وخيار عسكرهم فذاك الأشعري الفدم» أو القرم «ذاك مقدم الفرسان».
    سواء أقال الفدم أو القرم قد جعله من عسكر الملحدين.
    قال : «لكنكم ما أنتم على إثباته صفوا الجيوش وعبئوها وابرزوا للحرب واقتربوا من الفرسان فهم إلى لقياكم بالشوق كي يوفوا بنذرهم من القربان ، تبا لكم لو تستحون لكنتم خلف الخدور كأضعف النسوان ، من أين أنتم والحديث وأهله ما عندكم إلا الدعاوى والشكاوى وشهادات على البهتان هذا الذي والله نلنا منكم قبح الإله مناصبا ومآكلا قامت على البهتان والعدوان».
    أيكون أقبح من هذا الإغراء.
    فصل
    في الهدنة بين المعطلة والاتحادية حزب جنكسخان
    قال : «يا قوم صالحتم نفاة الذات ولأجل ذا كنتم مخانيثا لهم».
    ينبغي أن يعرض عن كلام هذا المتخلف.
    فصل
    في مصارع المعطلة بأسنة الموحدين
    قال : «وإذا أردت ترى مصارع من خلا من أمة التعطيل وترى وترى وترى فاقرأ تصانيف الإمام حقيقة شيخ الوجود العالم الرباني أعني أبا العباس (1) واقرأ كتاب
    __________________
    كلمة صاحب الدرة المضيئة في ابن تيمية
    (1) وعن هذا الشيخ الذي يطريه الناظم يقول صاحب الدرة المضيئة : «قد أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد ، بعد أن كان متسترا بتبعية الكتاب والسنة ، مظهرا أنه داع إلى الحق هاد إلى الجنة ، فخرج عن الاتباع إلى الابتداع ، وشذّ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع ، وقال بما يقتضي الجسمية والتراكيب في الذات المقدسة وبأن الافتقار إلى الجزء ليس بمحال وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى وأن القرآن محدث تكلم الله به بعد أن لم يكن وأنه يتكلم ويسكت ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات ، وتعدى في ذلك إلى استلزام قدم العالم بالقول بأنه لا أول للمخلوقات ، فقال

    العقل ، والنقل ، والمنهاج (1) ، والتأسيس وغيرها وقرأت أكثرها عليه فزادني ـ والله ـ في علم وفي إيمان ، هذا ولو حدثت أنه قبلي يموت لكان غير الشأن وله المقامات الشهيرة أبدى فضائحهم (2) وبين جهلهم وأصارهم تحت نعال أهل الحق ، كانت نواصينا بأيديهم فصارت نواصيهم بأيدينا وغدت ملوكهم مماليكا والفدم يوحشنا وليس هنا كم فحضوره ومغيبه سيان».
    وهذا الفصل تسعون بيتا ما ذا تضمن من الكذب الذي يدل على أن قائله خرق جلباب الحياء.
    فصل
    يزيد على مائة وعشرين بيتا مما يهيج ويوقع العداوة وليس فيه قط إفادة.
    __________________
    ـ بحوادث لا أول لها فأثبت الصفة القديمة حادثة والمخلوق الحادث قديما ، ولم يجمع أحد هذين القولين في ملة من الملل ولا نحلة من النحل فلم يدخل في فرقة من الفرق الثلاث والسبعين التي افترقت عليها الأمة وكل ذلك وإن كان كفرا شنيعا مما تقل جملته بالنسبة إلى ما أحدث في الفروع فإن متلقي الأصول عنه وفاهم ذلك منه هم الأقلون والداعي إليه من أصحابه هم الأرذلون ، وإذا حققوا في ذلك أنكروه. وأما ما أحدثه في الفروع فأمر قد عمّت به البلوى .. وقد بثّ دعاته في أقطار الأرض لنشر دعوته الخبيثة وأضل بذلك جماعة من العوام ومن العرب والفلاحين ... ولبس عليهم ... اه».
    والدرة المضية هذه مطبوعة ضمن المجموعة السبكية ونسخة مخطوطة منها موجودة في مكتبة أياصوفيا في إصطنبول. ومثل هذا الضال المضل اتخذه الناظم قدوة في فتنه عاملهما الله تعالى بعدله ولم يكن بغض علماء أهل الحق لهما إلا بغضا في الله شأنهم مع كل زائغ ، ومن حمل ذلك على الحسد لم يعرف سيرة الرادين عليه ولا مبلغ زيغ الناظم وشيخه فمثل هذا القول ينبئ عن جهل قائله أو زيغه.
    (1) مطبوع في هامش منهاجه ، وأما التأسيس في رد أساس التقديس فقد فضح ابن تيمية به نفسه وهو في ضمن الكواكب الدراري لابن زكنون الحنبلي في المجلدات (رقم 24 و 25 و 26) بظاهرية دمشق وقد سبق أن وصفت الكواكب فيما علقته على المصعد الأحمد لابن الجزري فلو قام بطبع التأسيس أحدهما لما بقي من أهل البسيطة أحد لم يعلم دخائل ابن تيمية. وقد نقلت منه نصوصا كثيرة فيما علقت على هذا الكتاب كما سبق في مواضع على أن مبلغ زيفه ظاهر من الكتابين المذكورين لمن ألقى السمع وهو شهيد ، ويتبجح بهما هذا الزائغ كتبجحه بالتأسيس ، هكذا شأن مقلدة الزائغين يثنون على الزيغ ويزدادون غواية. وقد أشرت إلى بعض ما في منهاجه ومعقوله في «الإشفاق على أحكام الطلاق» فليراجع هناك.
    (2) كلا بل فضح نفسه وأذنابه وقادته وأصارهم تحت نعال أهل الحق بجهله وخرقه ولم يزل ينقل من محبس إلى محبس ومن هوان إلى هوان حتى أفضى إلى ما عمل وخلف شواذه وصمة الأبد ، لكن قاتل الله الوقاحة تحاول قلب الحقائق.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ترجمة بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري   ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyالثلاثاء أكتوبر 15, 2024 11:27 pm

    فصل
    في كسر الطاغوت الذي نفوا به الصفات
    ثمانية وثمانون بيتا كلها تهييج وإشلاء وسفاهة.
    من جملتها :
    فتعين الإلزام حينئذ على قو
    ل الرسول ومحكم القرآن

    وجعلتم أتباعه ما نسترا خو
    فا من التصريح بالكفران

    «والله ـ ما قلنا (1) سوى ما قاله فجعلتمونا جنة والقصد مفهوم فنحن وقاية القرآن».
    ما يحس أن يتخيل أحد في مسلم أنه يقصد الرد على القرآن والرسول.
    ثم قال : «والله لو نشرت لكم أشياخكم عجزوا.
    إن كنتم فحولا فابرزوا
    ودعوا الشكاوى حيلة النسوان

    وإذا اشتكيتم فاجعلوا
    الشكوى إلى الوحيين (2) لا القاضي ولا السلطان

    فصل
    في مبدأ العداوة بين الموحدين والمعطلين
    قال : «يا قوم تدرون العداوة بيننا من أجل ما ذا؟ إنا تحيزنا إلى القرآن والنقل
    __________________
    (1) اتق الله لا تحلف به كذبا هذا الكذب المكشوف أين قال الله أو قال رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن الله متمكن على العرش تمكن استقرار أو إن الحوادث تقوم به؟ أو إن الحوادث لا أول لها وإن من لم يقل ذلك معطل ملحد وإنه في جهة العلو من رءوس العباد أو إنه تكلم بحرف وصوت إلى آخر تلك المخازي أو أين قال الله أو قال رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن المنزهين لله من المادة والماديات والجسم والجسمانيات من حزب جنكزخان.
    (2) إن كان يريد بهما الكتاب والسنة فقد ظهر ظهورا لا مزيد عليه بما بسطناه في هذا الكتاب من تحاكمنا إليهما أننا على الحق وخصومنا على الزيغ والضلال المبين ، وإن كان يريد بهما وحي شياطين الجن ووحي شياطين الإنس على ما هو الظاهر من تلبيساته فلسنا نتحاكم معه إلى الطواغيت (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشّعراء : 227] ولا بأس أن أهمس في أذنه وآذان أشياعه أنه لم يبق في غالب البلاد سلطان لأحكام الشرع يخاف الفاتنون جانبه بسبب تلك الفتن الدامية التي كانت الحشوية يثيرونها على طول القرون في أخطر أيام الإسلام حتى تركوا الشرع لا سلطان له إلا على قلوب المسلمين حقا وأصبح الإسلام بالحالة التي نراها والله سبحانه وتعالى ينتقم من هؤلاء الفاتنين الدائبين على السعي في تفريق كلمة المسلمين وتوهين سلطان الدين وأعاد إلى الدين سلطانه ، إنه قريب مجيب.

    الصحيح والعقل الصريح فاشتد ذاك الحرب بين فريقنا وفريقكم وتأصلت تلك العداوة من يوم أمر إبليس بالسجود فأتى التلاميذ الوقاح فانظر إلى ميراثهم ذا الشيخ هذا الذي ألقى العداوة بيننا».
    فصل
    في أن التعطيل أساس الزندقة
    قال : «من قال إن الله ليس بفاعل فعلا يقوم (1) به وليس أمره قائما به وليس فوق عباده ، فثلاثة لا تبقى من الإيمان حبة خردل وقد استراح من القرآن والرسول وشريعة الإسلام وتمام ذاك جحوده للصفات وتمامه الإرجاء وتمامه قوله في المعاد» (2).
    فصل
    في بهت أهل الشرك والتعطيل
    قال : «قالوا تنقصتم رسول الله ، وا عجبا ، ونظيره قول النصارى إنا تنقصنا المسيح».
    هذه الفصول كلها كما ترى.
    __________________
    (1) كم يكرر النظام قيام الفعل به تعالى وهو الذي دعاه وشيخه إلى القول بحوادث لا أول لها وهذا من الخطورة بمكان ، قال الإمام أبو منصور عبد القاهر في أصول الدين : وأما جسمية خراسان من الكرامية فتكفيرهم واجب لقولهم بأن الله له حد ونهاية من جهة السفل ، ومنها يماس عرشه ولقولهم بأن الله محل للحوادث وإنما يرى الشيء برؤية تحدث فيه ويدرك ما يسمعه بإدراك يحدث فيه ولو لا حدوث الإدراك فيه لم يكن مدركا لصوت ولا مدركا لمرئي وقد أفسدوا بإجازة حلول الحوادث في ذات الله تعالى لأنفسهم دلالة الموحدين على حدوث الأجسام بحلول الحوادث اه. وأنت عرفت مذهب الناظم في تلك المسائل.
    (2) ثم قال :
    وتمام هذا قولكم بفناء دا
    ر الخلد فالداران فانيتان

    مع أن الناظم يقول في كثير من كتبه بنفي الخلود للكفار في النار وبهذا حكم على نفسه بالكفر ، انظر كلامه فيمن لا يرى قيام الحوادث بالله والفوقية المكانية له تعالى. وجعل العمل جزءا من الإيمان حقيقة مؤد إلى تكفير مرتكبي الكبائر كما هو مذهب الخوارج. ونفي قيام الأفعال الحادثة به تعالى بعده نفي الصفات والله ينتقم منه.

    فصل
    قال : «ولنا الحقيقة من كلام إلهنا ونصيبكم منه المجاز الثاني وخيامنا مضروبة بمشاعر الوحيين وخيامكم (1) مضروبة في التيه فالمكان كل ملدد حيران ، هذه شهادتهم على محصولهم عند الممات والله يشهد أنهم أيضا كذا ولنا المسانيد والصحاح ولكم تصانيف الكلام ونقول : قال الله قال رسوله في كل تصنيف وكل مكان لكن تقولون : قال أرسطو وقال ابن الخطيب (2) وقال ذو العرفان شيخ لكم يدعى ابن سينا ، وخيار ما تأتون قال : الأشعري وتشهدون (3) عليه بالبهتان ، والكفر عندكم خلاف شيوخكم ووفاقهم فحقيقة الإيمان».
    انتهى ، يكفيه أن ينسب القائلين عند موتهم بالعجز عن حقيقة الإدراك إلى الكفر وهي كلمة الصّدّيق الأكبر (إن العجز عن حقيقة الإدراك إدراك).
    __________________
    (1) بل أهل السنة هم الذين جمعوا بين الكتاب والسنة وآثار السلف والبراهين العقلية التي هي من حجج الله سبحانه ، من غير إهمال شيء منها ، مراعين مراتب الأدلة ووجوه الدلالة وإنما مذهب السلف عدم الخوض في الصفات مع التنزيه العام وهم من أبعد الناس عن حمل ما في كتاب الله وما صحّ في السنة على ما يوهم التشبيه فإذا تكلموا إنما يتكلمون بما يوافق التنزيه وهم الذين يقولون فيما صحّ لفظه : «أمروه كما جاء بدون تفسيره بل تفسيره قراءته بلا كيف ولا معنى» كما تواتر ذلك عن السلف ولا سيما عن أحمد وقد ذكرنا بعض نصوص لهم في ذلك ، وأما أصحاب الناظم فهم الذين جمعوا بين الإسرائيليات والجاهليات وأنواع الخرافات والأخبار الموضوعات كما يظهر من كتبهم في العلو والسنة والتوحيد والنحل أين في الصحاح والسنن (ينزل بذاته) و (يستوي على العرش استواء استقرار وجلوس) و (يتحرك) و (يتكلم بصوت)؟ فلو وقفوا حيث وقف الكتاب والسنة والبرهان العقلي وأبوا الخوض في الصفات بعقولهم الضئيلة لكانوا على الهدى لكنهم حادوا وزادوا ، قاتلهم الله ما أوقحهم وأشنع إفكهم على أهل الحق.
    عظم شأن الفخر الرازي في الرد على الحشوية
    (2) هو الإمام فخر الدين الرازي ، سيف الله المسلول على المجسمة وهو من أبغض أهل العلم إليهم لأنه تمكن ببيانه الواضح وبرهانه الدامغ من إزالة شرور المجسمة من بلاد الشرق كما أجهز على المجسمة الذين أووا إلى الشام بكتابه (أساس التقديس) وهو كتاب يحق أن يكتب بماء الذهب وأن يجعل من كتب الدراسة في بلاد تشيع فيها مخازي المشبهة وهو كاف في قمعهم ، والله سبحانه يكافيه على ذلك ، وتفسيره الكبير من أهم الكتب في الرد على الحشوية وفي ذلك ما يكون كفارة لما بدر منه من بعض أغلاط ، سامحه الله وأعلى منزلته في الجنة.
    (3) ومذهبه هو ما في كتب أصحابه وأصحاب أصحابه كأبي منصور عبد القاهر البغدادي والقشيري وابن الجويني ونحوهم وقد أفنى الحشوية مؤلفات الإمام في فتن بغداد وتصرفوا فيما بالأيدي من كتبه ودسوا ما شاءوا ، قاتلهم الله.

    فصل
    أنكر فيه على خصومه تكفيرهم إياه وقال : «اسمع إذن يا منصفا حكميهما وانظر إذن هل يستوي الحكمان ، هم عندنا قسمان أهل جهالة ومعاند فالمعاند كافر والجاهل نوعان أحدهما متمكن من العلم فهو فاسق وفي كفره قولان ، والوقف عندي فيهم لست الذي بالكفر أنعتهم ولا الإيمان ، والله أعلم بالبطانة منهم لكنهم مستوجبون عقابه قطعا لأجل البغي والعدوان ، النوع الثاني عاجز عن بلوغ الحق مع قصد وإيمان وهم ضربان أحدهما قوم دهاهم حسن ظنهم بشيوخهم فمعذورون إن لم يظلموا أو يكفروا والآخرون طالبون للحق لكن صدهم عن علمه شيئان أحدهما طلب الحقائق من سوى أبوابها فأولاء بين الذنب والأجرين فانظر إلى أحكامنا فيهم وأحكامهم فينا».
    انتهى كلامه ، وهو كلام من يعتقد أن خصومه خارجون بتكفيره وخصومه يقولون لا تكفر أحدا من أهل القبلة.
    فصل
    في أذان أهل السنة بصريحها جهرا على رءوس منابر الإسلام
    قال : «شبهتم الرّحمن بالأوثان (1) في عدم الكلام هم أهل تعطيل وتشبيه معا
    __________________
    (1) ناحت العجل بل من قال إن كلام معبوده حرف وصوت قائمان به فهو الذي نحت عجلا : «لا يحل لمسلم أن يعتقد أن كلام الله صوت وحرف لا من طريق العقل ولا من طريق الشرع ، فأما طريق العقل فلأنه الصوت والحرف مخلوقان محصوران ، وكلام الله يجل عن ذلك كله وأما من طريق الشرع فلأنه لم يرد في كلام الله صوت وحرف من طريق صحيحة ولهذا لم نجد طريقا صحيحة لحديث ابن أنيس وابن مسعود اه».
    وأنت تعلم مبلغ استبحار ابن العربي في الحديث وجزء الصوت للحافظ أبي الحسن المقدسي لا يدع أي متمسك في الروايات في هذا الصدد لهؤلاء الزائغين ومن رأى نصوص فتاوى العز بن عبد السلام وابن الحاجب والجمال الحصيري والعلم السخاوي ومن قبلهم ومن بعدهم من أهل الحق كما هو مدوّن في نجم المهتدي ودفع الشبه وغيرهما يعلم مبلغ الخطورة في دعوى أن كلام الله حرف وصوت قائمان به تعالى وقد سبق نقل بعض النصوص منها ولا تصح نسبة الصوت إلى الله إلا نسبة ملك وخلق لكن هؤلاء السخفاء رغم تضافر البراهين ضدهم ودثور الآثار التي يريدون البناء عليها يعاندون الحق ويظنون أن كلام الله من قبيل كلام البشر الذي هو كيفية اهتزازية تحصل للهواء من ضغطه باللهاة واللسان ، تعالى الله عن ذلك ، ويدور أمرهم بين التشبيه بالصنم أو التشبيه بابن آدم (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) [الأعراف : 179].

    بالجامدات تسعون وجها يبطل المعنى الذي قلتم هو النفس (1) للقرآن».
    ولا وجه واحد. (وتسعون إلى آخره ساقطة من المطبوع).
    قال : «وإليه قد عرج الرسول حقيقة».
    __________________
    الكلام النفسي
    (1) وقد صحّ عن أحمد فيما جاوب به المتوكل وغيره كما هو مذكور في كتاب السنة وعيون التواريخ وغيرهما أنه كان يقول : القرآن من علم الله وعلم الله غير مخلوق فالقرآن غير مخلوق وهذا دليل على أنه كان يريد بالقرآن ما هو قائم بالله ، وتابعه ابن حزم في الفصل. فقوله تعالى : (فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) [يوسف : 77] فقال : إما بدل من أسر أو استئناف بياني وعلى التقديرين تدل الآية على أن للنفس كلاما لقوله في نفسه ـ كما حكى القرآن الكريم ـ (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) [يوسف : 77] وكذلك قوله تعالى : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) [الزّخرف : 80] وفي الحديث السر ما أسرّه ابن آدم في نفسه وقوله تعالى (... يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) [آل عمران : 154] أي يقولون في أنفسهم بدليل السياق وقوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) [الأعراف : 205].
    كل ذلك من أدلة الكلام النفسي وحديث أم سلمة في الطبراني في رجل سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائلا :
    إني لأحدث نفسي بالشيء لو تكلمت به لأحبطت أجري ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يلقي ذلك الكلام إلا مؤمن» وما في الحديث القدسي «فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي» من أدلة الكلام النفسي أيضا وقد أقرّ الذهبي بحجية الأخير في ذلك في كتاب العلو له ، ومن الدليل على ذلك أيضا قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ) [المجادلة : 8] فقوله تعالى (بِأَلْسِنَتِهِمْ) [النّساء : 46] و (بِأَفْواهِهِمْ) [آل عمران : 167] في قوله تعالى : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) [الفتح : 11] و (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) [آل عمران : 167] لم يجعل القول باللسان مجازا حتى يظن المجازية في القول في النفس تمسكا بلفظ (فِي أَنْفُسِهِمْ) [آل عمران : 154] كما توهم بعض أهل الأهواء وقول عمر الفاروق «زورت في نفسي كلاما» أشهر من نار على علم ، فمن ردّ أن يكون كلام في النفس رد على تلك الأدلة الصريحة والحامل لأهل الحق على القول بالكلام النفسي هو إجماع التابعين على القول بأن القرآن كلام الله غير مخلوق فخرّجوا إجماعهم هذا على هذا الوجه المعقول وإلا لما صحّ قولهم. وتسفيه أحلام التابعين جميعا لا يصدر إلا عن مجازف فالفرق بين ما هو قائم بالخلق والمعنى القائم بالله سبحانه هو المخلص الوحيد في هذه المسألة فاللفظي حديث والنفسي قديم كما أشار إلى هذا وإلى ذاك إمام الأئمة أبو حنيفة وتابعه أهل الحق. ويتضح بهذا البيان الواضح أن قول بعض زهّاد الحشوية في هذا البحث : «نحن نستدل في الحرف والصوت بقوله تعالى : (كهيعص (1)) [مريم : 1] ونحوه وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يجمع الله الخلائق يوم القيامة ..» وخصومنا يستدلون بقول الأخطل النصراني «إن البيان لفي الفؤاد» بتحريف البائن إلى الكلام» هواء بعيد عن الحقيقة بعد الأرض عن السماء وهراء لا يصدر إلا من السفهاء ومثل هذا السفه حمل بعض الشافعية أن يشترط في مدرسة بناها بدمشق أن لا يطأ أرضها يهودي ولا نصراني ولا حشوي حنبلي كما في الدارس في تاريخ المدارس وقانا الله شر الغلو.

    جسدا له خوار يحمل أشياعه على تعبده ، قال أبو بكر ابن العربي في العارضة :
    أين في القرآن إليه؟
    «قال والله أكبر من أشار رسوله حقا إليه بإصبع وبنان».
    أين في الحديث إليه؟
    «قال والله فوق العرش والكرسي».
    أين في القرآن إن الله فوق العرش؟.
    فصل
    في تلازم التعطيل والشرك
    «قال : واعلم بأن الشرك والتعطيل مذ كانا هما لا شك مصطحبان أبدا فكل معطل هو مشرك».
    سواء أراد بالتعطيل الإنكار للذات أو إنكار الصفات أو بعضها هو مباين للشرك.
    قال : «والناس في ذا ثلاث طوائف : إحدى الطوائف مشرك بإلهه فإذا دعاه دعا إلها ثاني ، وثانيها : جاحد يدعو سوى الرّحمن ، هو جاحد للرب يدعو غيره شركا وتعطيلا له قدمان».
    هذا ما يستقيم يا هذا.
    قال : «وثالث هذه الأقسام خير الخلق فمعطل الأوصاف ذو شرك كذا ذو الشرك فهو معطل الرّحمن».
    فصل
    قال :
    لكن أخو التعطيل شر من
    أخي الإشراك بالمعقول والبرهان

    والله لا معقول ولا برهان وأخذ يبينه بما لا يصح وإن كان فيه شيء كثير من الصحيح لا يحصل به مقصوده بل يلبس به.
    ثم قال :
    لكن أخو التعطيل ليس لدي
    ه إلا النفي أين النفي من إيمان



    فصل
    في مثل المشرك والمعطل
    قال :
    أين الذين قد قال في ملك عظي
    م لست فينا قط ذا سلطان

    فذكر ثمانية أبيات من هذا الخطاب الذي قد خرق حجاب الهيبة ثم قال : «هذا وثان قال أنت مليكنا إذ حزت أوصاف الكمال ولقد جلست على سرير الملك متصفا بتدبير عظيم الشأن».
    هذا تصريح بالجلوس (1). (وفي المطبوع وقد استويت).
    __________________
    (1) يعجب المصنف كيف يصرح الناظم بالجلوس. ولأحد تلامذته الأخصاء جزء في إثبات المماسة ردا على من ينزه الله سبحانه عن ذلك وما ينطوي عليه هؤلاء أفظع بكثير من فلتات لسانهم فلو كانوا بين قوم على معتقدهم لكنت تراهم يصرحون بكل ما تكن صدورهم. قال ذلك التلميذ ـ أعني محمدا المنبجي ـ صاحب الفرج بعد الشدة في الجزء المذكور : قال الخلال في كتاب السنة : حدثنا أحمد بن الحسين الرقي حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا محمد بن فليح حدثني أي عن سعيد بن الحارث عن عبيد بن حنين قال : بينما أنا جالس في المسجد إذ جاءني قتادة بن النعمان يحدث وثاب إليه الناس ، فقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن الله لما فرغ من خلقه استوى على عرشه واستلقى ووضع إحدى رجليه على الأخرى وقال إنها لا تصلح لبشر». قال الحافظ الذهبي. وغيره إسناده على شرط البخاري ومسلم اه.
    ولعلك علمت بذلك قيمة كتاب السنة للخلال ، وفي ذلك الجزء من المخازي ما يضاهي ما نقلناه آنفا ، ولابن بدران الدشتي جزء في إثبات الحد والجلوس لله سبحانه ويسوق فيه الحديث المذكور بطرق كما ذكرت ذلك فيما علقت على ذيول طبقات الحفاظ قاتلهم الله ما أجرأهم على الله. ولعلك علمت بذلك أيضا قيمة تهويلهم بأنهم يتابعون السنة كما علمت قيمة تصحيحهم للروايات المطابقة لزيغهم.
    تنبيه : الذهبي يبعد عن رشده ويفقد صوابه إذا جاء دور الكلام على أحاديث في الصفات أو في فضائل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو أهل بيته عليهم‌السلام وكذلك حينما يترجم لشافعي من الأشاعرة أو حنفي مطلقا رغم تظاهره بالإنصاف والبعد عن التعصب في كثير من المواضع على سعة علمه في الحديث ورجاله. فهل يتصور من عالم يعقل ما يقول أن يصحح مثل هذا الحديث الذي بطلانه أظهر من الشمس في ضحوة النهار؟ فطالب الحق لا يعير سمعا لأقواله فيما ذكرناه. وهو شافعي الفروع إلا أنه مجسم اعتقادا رغم تبرّيه منه في كثير من المواضع وعنده نزعة خارجية وإن كان أهون شرا بكثير من الناظم وشيخه في ذلك كله ، ومن لا يكون متساهلا في أمر دينه ، لا يثق بكلام مثله فيما ذكرناه بعد أن عرف دخائله. والتاج ابن السبكي أطراه غاية الإطراء حيثما ترجم له في طبقات الشافعية الكبرى أداء لحق التلمذة عليه لكن لم يمنعه ذلك من ـ

    __________________
    ـ الإشارة إلى ما ينطوي عليه من البدع والأهواء في مواضع من كتابه حيث قال في الكتاب المذكور (1 ـ 197) : وأما تاريخ شيخنا الذهبي فإنه على حسنه وجمعه مشحون بالتعصب المفرط ، لا آخذه الله فلقد أكثر الوقيعة في أهل الدين ـ أعني الفقراء الذين هم صفوة الخلق ـ واستطال بلسانه على كثير من أئمة الشافعيين والحنفيين ومال فأفرط على الأشاعرة ومدح فزاد في المجسمة اه حتى عده لا يعول على تراجمه لهؤلاء ، وقال أيضا في حقه (2 ـ 249) من الكتاب المذكور : وتأتي أنت تتسكع. في ظلم التجسيم الذي تدعي أنك بريء منه وأنت من أعظم الدعاة إليه وتزعم أنك تعرف هذا الفن ـ يعني علم أصول الدين ـ وأنت لا تفهم منه نقيرا ولا قطميرا اه.
    حال الذهبي ـ ما له وما عليه
    وقال أيضا في ترجمة ابن جرير ناقلا عن الحافظ صلاح الدين العلائي أنه قال عن الذهبي ما نصه : «لا أشك في دينه وورعه وتحرّيه فيما يقوله عن الناس ولكنه غلب عليه مذهب الإثبات ومنافرة التأويل والغفلة عن التنزيه حتى أثّر ذلك في طبعه انحرافا شديدا عن أهل التنزيه وميلا قويا إلى أهل الإثبات فإذا ترجم واحدا منهم يطنب في وصفه بجميع ما قيل فيه من المحاسن ويبالغ في وصفه ويتغافل عن غلطاته ويتأول له ما أمكن ، وإذا أذكر أحدا من الطرف الآخر كإمام الحرمين والغزالي ونحوهما لا يبالغ في وصفه ويكثر من قول من طعن فيه ويعيد ذلك ويبديه ويعتقده دينا وهو لا يشعر ويعرض عن محاسنهم الطافحة فلا يستوعبها وإذا ظفر لأحد منهم بغلطة ذكرها وكذلك يفعل في أهل عصرنا إذا لم يقدر على أحد منهم بتصريح يقول في ترجمته والله يصلحه ... ونحو ذلك وسببه المخالفة في العقائد ، انتهى».
    قال التاج ابن السبكي عقب ما تقدم ما نصه : «والحال في شيخنا الذهبي أزيد مما وصف وهو شيخنا ومعلمنا غير أن الحق أحق أن يتبع وقد وصل من التعصب المفرط إلى حد يسخر منه وأنا أخشى عليه يوم القيامة عند من لعل أدناه عنده أوجه منه فالله المسئول أن يخفف عنه وأن يلهمهم العفو عنه وأن يشفعهم فيه ، والذي أدركنا عليه المشايخ النهي عن النظر في كلامه وعدم اعتبار قوله ولم يكن يستجري أن يظهر كتبه التاريخية إلا لمن يغلب على ظنه أنه لا ينقل عنه ما يعاب عليه ، وأما قول العلائي عن دينه وورعه وتحرّيه فيما يقوله فقد كنت أعتقد ذلك وأقول عند هذه الأشياء ربما أعتقدها دينا ، ومنها أمور أقطع بأنه يعرف بأنها كذب وأقطع بأنه لا يختلقها وأقطع بأنه يحب وضعها في كتبه لتنشر وأقطع بأنه يحب أن يعتقد سامعها صحتها بغضا للمتحدث فيه وتنفيرا للناس عنه مع قلة معرفته بمدلولات الألفاظ ومع اعتقاده (أن ذلك) مما يوجب نصر العقيدة التي يعتقدها هو حقا ، ومع عدم ممارسته لعلوم الشريعة غير أني لما أكثرت بعد موته النظر في كلامه عند الاحتياج إلى النظر فيه توقفت في تحرّيه فيما يقوله ولا أزيد على هذا غير الإحالة على كلامه» ... إلى آخر ما قاله فليراجع باقي كلامه من أراد المزيد على ما نقلنا.
    وقال التاج أيضا في طبقاته وهو يترجم لإمام الحرمين ما نصه : «وقد كان الذهبي لا يدري شرح البرهان ، ولا هذه الصناعة ، ولكنه يسمع خرافات من طلب الحنابلة فيعتقدها حقا

    __________________
    ـ ويودعها تصانيفه» هذا قدر عقلية الذهبي وقدر تحرّيه عند صاحب الطبقات ، ولعل القارئ يرى هذه العقلية من أسخف العقليات كيف لا وهي عقلية ترى الخرافات حقا تودع في المصنفات ويبني عليها ما يتخذه عباد الله دينا ، ورجل هذا حاله أي قدر يكون قدره عند أولي النهي ، الذين عرفوا دخائله.
    ولسنا نطيل النقل للقارئ في شأن سقوط كلام هذا الرجل في علماء الحنفية والمالكية والشافعية وهم قادة الأمة وأدلاؤها إذا ادلهم ليل المشكلات وكفى القارئ في هذا الرجل قول ابن السبكي السابق (والذي أدركنا عليه المشايخ النهي عن النظر في كلامه وعدم اعتبار قوله) فإن هذا معناه القضاء على الرجل وإسقاطه من عداد العلماء الذين يحترم قولهم ، ليتأمل القارئ طويلا في قول التاج ابن السبكي السابق أيضا (ولم يكن يستجري أن يظهر كتبه التاريخية إلا لمن يغلب على ظنه أن لا ينقل عنه ما يعاب عليه) فإن هذا معناه أن الرجل كان يعلم حق العلم أنه قال في تلك الكتب ما يوقن أنه ليس بحق ، ولذلك كان يحرص على أن لا يطلع الناس عليه لئلا يفتضح بأكاذيبه البعيدة عما عليه العلماء الذين يكتب عنهم ، وأرجو وألح في الرجاء أن لا يغفل القارئ عن قول صاحب الطبقات السابق في هذا الرجل من أنه (كان قليل المعرفة بمدلولات الألفاظ) ومن من العقلاء يرضى أن يسقط نفسه فيعد من زمرة العلماء رجلا يصل به الجهل إلى درجة قلة المعرفة بمدلولات الألفاظ؟ كما أرجو القارئ أيضا وأشدد في هذا الرجاء أن يلتفت لقول صاحب جمع الجوامع (إن الذهبي لم يمارس علوم الشريعة) ومن فقد رشده وضاع صوابه حتى يستطيع أن يعد من العلماء رجلا لم يمارس الشريعة فليعلم حق العلم ليراعي حق الرعاية. ولا ينسى القارئ أن ما تقدم شهادة تلميذ هو إمام فهو أعرف بشيخه ولعل هذا يكفي في دفع ما ربما يقوله بعض المغرورين بالذهبي أو ينقله عن بعض المغرورين.
    وقد أشرت إلى حاله في مواضع مما علقت به على ذيول طبقات الحفاظ وزغل العلم.
    ومما يزيدك بصيرة في هذا الباب اجتراء الذهبي على حذف لفظ «إن صحت الحكاية عنه» من كلام البيهقي في الأسماء والصفات (ص 303) عند ما نقل كلامه في كتاب العلو (ص 126) في صدد نسبة القول بأن الله في السماء ، إلى أبي حنيفة ليخيل إلى السامع أن سند هذه الرواية لا مغمز فيه مع أن نوحا الجامع ربيب مقاتل بن سليمان المجسم ، في السند هالك مثل زوج أمه ، وكذلك نعيم حماد ربيب نوح ، وقد ذكره كثير من أئمة أصول الدين في عداد المجسمة فأين التعويل على رواية مجسم فيما يحتج به لمذهبه؟ وليس بقليل ما ذكره الذهبي في حقهما في ميزان الاعتدال على أنه لو سبق التفاف نحو عشرة آلاف شخص حول بدعه امرأة أتت من ترمذ إلى الكوفة للدعوة إلى مذهب جهم لكان لهذا النبأ شأن عظيم في كتب الأنباء والرواية ولما انفرد بمثل ذلك الخبر يحيى بن يعلى المجهول عن نعيم بن حماد الهالك عن نوح الجامع لكل شيء غير الصدق ولا كان انفرد أحمد بن جعفر بن نصر عن يحيى المذكور ولا أبو الشيخ بن حيان صاحب كتاب العظمة الذي يحوي كل هاتف وقد ضعفه بلديه الحافظ العسال ، وقد أشار البيهقي بقوله «إن صحت الحكاية» إلى ما في الرواية من وجوه الخلل. وعند ما حذف الذهبي هذا اللفظ يظن من لا خبرة عنده بالرجال أن الإله في السماء قول فقيه الملة إمام شطر هذه

    __________________
    ـ الأمة بل ثلثيها في جميع القرون مع بطلان رواية ذلك عنه بالمرة. ولأبي حنيفة كلمة في الفقه الأبسط رواية أبي مطيع عنه وهي «من قال لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض كفر» وعلّل الأصحاب ذلك بأن هذا القائل جوّز المكان في حقه تعالى وهو كفر؟ وما طبع في الهند باسم شرح الفقه الأكبر للماتريدي إنما هو شرح أبي الليث على الفقه الأبسط مع سقم النسخة الهندية ، وبدار الكتب المصرية نسخة خطية جيدة من شرح أبي الليث. وقد زاد أبو إسماعيل الهروي في الفروق على تلك الكلمة ما شاء من كيسه مما يوافق مذهبه في التجسيم كذبا وزورا بسند مركب ، ونقل الذهبي في كتاب العلو جملة ذلك بدون أن يذكر سند الهروي في روايته تعمية وترويجا للباطل ، وكذا فعل الناظم في عزوه ـ راجع شرح أبي الليث وشرح البزدوي وإشارات المرام في عبارات الإمام للبياضي ، ودفع الشبه للتقي الحصني وشرح الفقه الأكبر لعلي القارئ فيما نقله عن ابن عبد السلام ولم يراقب الله من زاد على الكلمة السابقة ما أشرنا إليه كما وقع في بعض نسخ الكتاب المذكور من عهد ذلك الهروي. وقد روى الذهبي في كتاب العلو أيضا عن الدار قطني الأبيات المعروفة عند المجسمة بسند يقول فيه أنبأنا أحمد بن سلامة عن يحيى بن بوش أنبأنا ابن كادش أنشدنا أبو طالب العشاري أنشدنا الدار قطني : حديث الشفاعة في أحمد ، إلى أحمد المصطفى بسنده الأبيات (وآخرها كما في بدائع الفوائد لابن القيم 4 ـ 39) :
    فلا تنكروا أنه قاعد
    ولا تجحدوا أنه يقعد

    فأحمد بن سلامة الحنبلي شيخ الذهبي مات سنة 678 والذهبي ابن خمس ، ويحيى بن أسعد بن بوش الحنبلي الخباز المتوفى سنة 593 وأحمد بن سلامة ابن أربع كان أميا لا يكتب ، وأبو العز بن كادش أحمد بن عبيد الله المتوفى سنة 526 من أصحاب العشاري اعترف بالوضع ويقال ثم تاب ، راجع الميزان. وحكم مثله عند أهل النقد معروف ، وأبو طالب محمد بن علي العشاري الحنبلي المتوفى سنة 452 مغفل يتقن ما يلقن ، وقد راجت عليه العقيدة المنسوبة إلى الشافعي كذبا ، وكل ذلك باعتراف الذهبي نفسه في الميزان وغيره ، فهل يصح عزو تلك الأبيات إلى الدار قطني بمثل هذا السند؟ وقال الذهبي أيضا في العبر في ترجمة أبي يعلى الحنبلي : (صاحب التصانيف وفقيه العصر كان إماما لا يدرك قراره ولا يشق غباره وجميع الطائفة معترفون بفضله ومغترفون من بحره). وأنت علمت حال أبي يعلى مما ذكره ابن الجوزي في دفع الشبه ، ومما نقلناه عن كتبه في هذا الكتاب ومما ذكره ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة 429 ، وترى الذهبي كثيرا ما يقول في رد ما أخرجه الحاكم في المستدرك في فضائله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام : أظنه باطلا. بدون ذكر أي حجة ، وقد ذكر ابن الوردي في تاريخه أنه آذى كثيرا من الأحياء بتدوين ما كان يسمعه من أحداث يجتمعون به.
    وفيما ذكرنا كفاية في معرفة حال الذهبي نسأل الله السلامة ، ومع ذلك هو أهون شرا من الناظم وشيخه كما سبق ، وله رسالة إلى ابن تيمية ينصحه فيها ويمنعه من المغالاة ، وسبق نشرها مع زغل العلم له. وترى الذهبي مع ثنائه البالغ في حق ابن تيمية في كثير من كتبه يقول عنه : «وقد أوذيت من الفريقين من أصحابه وأضداده وأنا مخالف له في مسائل أصلية وفرعية اه كما في الدرر الكامنة ، ويقول عنه أيضا : إنه أطلق عبارات أحجم عنها الأولون والآخرون وهابوا وجسر هو عليها اه» نقله ابن رجب عنه في طبقاته. ويقول عنه أيضا في زغل العلم

    قال :
    «إن المعطل بالعداوة معلن
    والمشركون أخف في الكفران»

    ما لمن يعتقد في المسلمين هذا إلا السيف (1).
    فصل
    في أسبق الناس دخولا إلى الجنة
    قال : «وروى ابن ماجه أن أولهم يصافحه (2) إله العرش ذو الإحسان فاروق دين الله».
    __________________
    ـ (ص 17) ... وقد تعبت في وزنه وتفتيشه حتى مللت في سنين متطاولة ، فما وجدت الذي أخره بين أهل مصر والشام ومقتته نفوسهم وازدروا به وكذبوه وكفروه إلا الكبر والعجب وفرط الغرام في رئاسة المشيخة والازدراء بالكبار ، فانظر كيف وبال الدعاوى ومحبة الظهور ... وما دفع الله عنه وعن أتباعه أكثر ، وما جرى عليهم إلا بعض ما يستحقون فلا تكن في ريب من ذلك اه».
    ويقول عنه أيضا في (ص 23) من زغل العلم : «... وقد رأيت ما آل أمره إليه من الحط عليه والهجر والتضليل والتكفير والتكذيب بحق وبباطل فقد كان قبل أن يدخل في هذه الصناعة منورا مضيئا على محياه سيما السلف ثم صار مظلما مكسوفا عليه قتمة عند خلائق من الناس ، ودجالا أفّاكا كافرا عند أعدائه ، ومبتدعا مضلا محققا بارعا عند طوائف من عقلاء الفضلاء ، وحامل راية الإسلام ، وحامي حوزة الدين ومحيي السنة عند عموم عوام أصحابه اه». وهذه الكلمات نقلها السخاوي عنه أيضا في (الإعلان بالتوبيخ) ومن الخطأ الفاحش عزوها إلى (قمع المعارض) للسيوطي اغترارا بوضع رقم التعليق في (القول الجلي) غلطا عند كلمة (قمع المعارض) مع تصحيف (زغل العلم) إلى (رجل العلم) بعد أسطر في الطبعتين مع أن أصل التعليق كان على (زغل العلم) المصحف إلى (رجل العلم) كما نبهت على ذلك فيما علقته على الزغل المطبوع وإن لم ينفع تنبيهي عند أناس لا يوقظهم من سباتهم العميق غير نفخة الصور ونسبة (زغل العلم) إلى الذهبي ليست بموضع ريبة أصلا ، وهو من المخطوطات المحفوظة في التيمورية بدار الكتب المصرية وسنأتي إن شاء الله تعالى في آخر الكتاب بصورة رسالة الذهبي التي بعث بها إلى ابن تيمية ينصحه في شواذه ويكفي ما ذكرناه هنا في تبيين نظر الذهبي لابن تيمية مع أنه من أهل مذهبه المنخدعين به فنسجل للذهبي هذه الحسنات كتسجيلنا لسيئاته المذكورة مراعاة للعدل فيما له وفيما عليه وإيقاظا للمغترين به ، والله ولي الهداية.
    (1) لأن ذلك زندقة مكشوفة ومروق ظاهر وإصرار على اعتقاد الإيمان كفرا قبحه الله كيف يعتقد في المشركين أنهم أخف في الكفر من المؤمنين المنزّهين والشيخ الإمام المصنف رضي الله عنه رجل معروف بالورع البالغ واللسان العفيف والقول النزيه لا تكاد تسمع منه في مصنفاته كلمة تشم منها رائحة الشدة ، ولينظر القارئ حاله هذا مع قوله في ابن القيم «ما له إلا السيف» إنه إن فكر في هذا قليلا علم العلم القاطع أن هذا الناظم بلغ في كفره مبلغا لا يجوز السكوت عليه ولا يحسن لمؤمن أن يغضي عنه ولا أن يتساهل فيه.
    (2) قاتله الله ، حديث موضوع يستدل به وشأن هذا الخبر في السقوط فوق أن يقال بين رجاله

    فصل
    في عدد الجنات
    قال : «سبحان من غرست يداه (1) جنة الفردوس ويداه أيضا أتقنت لبنائها ، هي في الجنان كآدم لكنما الجهمي ليس لديه من ذا الفضل شيء فهو ذو نكران». إنما ينكر العضو والجارحة فإن كنت أنت تثبتها فاعرف.
    قال : «ولد عقوق عقّ والده ولم يثبت بذا فضلا عن الشيطان».
    ما يستحيي يكذب على الناس.
    قال : «ولقد روى حقا أبو الدرداء ذاك عويمر أثرا عظيم الشأن يهتز قلب العبد عند سماعه طربا بقدر حلاوة الإيمان ما مثله أبدا يقال برأيه فيه النزول (2). ثلاث ساعات : فإحداهن ينظر في الكتاب ، الثاني : يمحو ويثبت ما يشاء بحكمة ، والساعة الأخرى إلى عدن أهله هم صفوة الرّحمن والساعة الأخرى إلى هذه السماء يقول هل من تائب ندمان».
    الظاهر أنه ما ساق أبوابا في صفة الجنة إلا ليذكر هذا الحديث وأيضا ليسكت الناس بسماع صفات الجنة فيقبلون على هذه القصيدة ويعكفون عليها فيفتنهم ، أسأل الله العافية ويحق له اسم الحشوي لأن الباطل محشو في هذه القصيدة اللحناء.
    قال : «وروى ابن ماجه مسندا عن جابر بينا هم في عيشهم إذا بنور ساطع رفعوا رءوسهم فرأوه نور الواحد وإذا بربهم تعالى فوقهم (3) قد جاء للتسليم وقال السلام
    __________________
    ـ ضعيف بل بينهم ضعيف ومنكر الحديث وآخر قدري خلا استحالة المتن وابن كثير أهون شرا من الناظم حيث أنكره جدا في جامع المسانيد (قال المنبجي الحنبلي في إثبات المماسة) : قال ابن تيمية والمعروف عند أئمة أهل السنة وعلماء أهل الحديث أنهم لا يمتنعون عن وصف الله أنه يمس ما شاء من خلقه بل يروون في ذلك الآثار ويردون على من نفاه. انتهى ذكره في الأجوبة المصرية). قاتله الله ، ما أجرأه على الله.
    (1) خلق الله آدم بعناية خاصة وبدون سببية والد وأم هذا المعنى المجازي يعقله كل من عنده ذوق العربية وأما الخبر الذي يشير إليها الناظم ففي سنده ابن علي زيد بن جدعان لا يحتج به.
    (2) هذا الخبر الموقوف ليس بثابت عن أبي الدرداء فضلا عن ثبوت رفعه إليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وفي سنده زيادة بن محمد الأنصاري ، قال البخاري : هو منكر الحديث وقال ابن حبان يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك ، نقله ابن الجوزي ، ولعلك علمت بذلك مبلغ قيمة ما يحتج به هذا البجباج النفاج.
    (3) قال الذهبي : إسناده ضعيف ، وقال ابن الجوزي : موضوع ، وقال العقيلي : أبو عاصم العباداني ـ في سنده ـ منكر الحديث لا يتابع عليه. وأما فضل الرقاشي في السند فممن لا يكتب حديثه وبمثل هذا الخبر يحتج الناظم في تكييف الرؤية.

    عليكم جهرا ومصداقه (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)) [يس : 58] من رد ذا فعلى رسول الله رد». الذي يحمله على محمل صحيح لا يرده والذي يحمله على صفات الأجسام هو الذي يرد ما يجب.
    فصل
    في يوم المزيد (1)
    قال : «فيرون ربهم تعالى جهرة ويحاضر الرّحمن واحدهم محاضرة الحبيب يقول يا ابن فلان ، هل تذكر اليوم الذي قد كنت فيه مبارزا بالذنب قالوا يحق لنا وقد كنا إذا جلساء رب العرش».
    فصل
    كله فيما للعبد عند ربه في الآخرة ولو كان مفردا بالتصنيف كان حسنا ، ولكن إدخاله في قصيدة انتصب فيها للحكم بين الحشوي وخصومه وإسعار الحرب بينهم لأي معنى؟.
    فصل
    رجع فيه إلى ما كان عليه مما في نفسه وذكر خصومه وفصول معه ذكر فيها فرق المعادين له.
    فصل
    ختم به الكتاب فيه شيء يسير ولكن هذا آخر كلامنا في ذلك والله المستعان.
    قال المؤلف : شرعت فيه يوم السبت الرابع والعشرين من صفر سنة 749 وفرغت منه يوم السبت مستهل ربيع الأول من السنة (2) والحمد لله وحده
    __________________
    (1) جمع طرقه أبو بكر بن أبي داود ذلك الكذاب الزائغ وسبق بيان أن ابن عساكر ألّف جزءا في توهين طرقه فتذكر. ولفظ الجلساء لم يقع إلا في بعض الطرق الواهية لحديث يوم المزيد ، راجع جزء ابن عساكر.
    خاتمة السيف الصقيل
    (2) فيكون تأليف السبكي لهذا الكتاب قبل وفاة ابن القيم بنحو سنتين. هذا وكنا وعدنا عند الكلام على الذهبي أن نأتي في آخر الكتاب بصورة رسالة بعث بها الذهبي إلى ابن تيمية يحذره فيها عواقب إصراره على الشذوذ عن جمهور العلماء في مسائل أصلية وفرعية وقد ظفرنا بها بخط

    وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
    حسبنا الله ونعم الوكيل.
    تمّ السيف الصقيل
    __________________
    ـ التقي ابن قاضي شهبة منقولا عن خط البرهان ابن جماعة المنقول من خط الحافظ أبي سعيد الصلاح العلائي المنسوخ من خط الشمس الذهبي نفسه ، وخط التقي ابن قاضي شهبة معروف وتوجد كتب بخطه في دار الكتب المصرية والخزانة الظاهرية بدمشق منها قطعة من طبقات الشافعية بدار الكتب المصرية ، ومنها ما انتقاه من التاريخ الكبير للذهبي مما يتعلق بتراجم الشافعية بالخزانة الظاهرية ففي إمكان الباحث الذي لا يعرف خط ابن قاضي شهبة أن يتأكد من خطه المقارنة بين الصورة الزنكوغرافية المنشورة هنا ، المأخوذة عن الرسالة المذكورة المحفوظة بدار الكتب المصرية وبين خطه المحفوظ في الدار والخزانة المذكورتين وإلى تلك الرسالة أشار السخاوي حيث قال في الإعلان بالتوبيخ : «ورأيت له رسالة كتبها لابن تيمية هي في دفع نسبته لمزيد تعصبه مفيدة» وذلك في صدد الدفاع عن الذهبي ردا على من ينسبه لفرط التعصب كما ذكرت في صدر الرسالة عند نشرها مع الزغل قبل سنين.
    مقدمة رسالة الذهبي إلى ابن تيمية
    وقبل الرسالة لا بد من ذكر مقدمة هنا ليكون القارئ على بينة من أمر ابن تيمية وهي أن ابن تيمية هذا ولد بحران ببيت علم من الحنابلة وقد أتى به والده الشيخ عبد الحليم مع ذويه من هناك إلى الشام خوفا من المغول ، وكان أبوه رجلا هادئا أكرمه علماء الشام ورجال الحكومة حتى ولّوه عدة وظائف علمية مساعدة له ، وبعد أن مات والده ولّوا ابن تيمية هذا وظائف والده بل حضروا درسه تشجيعا له على المضي في وظائف والده وأثنوا عليه خيرا كما هو شأنهم مع كل ناشئ حقيق بالرعاية. وعطفهم هذا كان ناشئا من مهاجرة ذويه من وجه المغول يصحبهم أحد بني العباس ـ وهو الذي تولى الخلافة بمصر فيما بعد ـ ومن وفاة والده بدون مال ولا تراث بحيث لو عيّن الآخرون في وظائفه للقي عياله البؤس والشقاء ، وكان في جملة المثنين عليه التاج الفزاري المعروف بالفركاح وابنه البرهان والجلال القزويني والكمال الزملكاني ومحمد بن الجريري الأنصاري والعلاء القونوي وغيرهم ، لكن ثناء هؤلاء غرّ ابن تيمية ـ ولم ينتبه إلى الباعث على ثنائهم ـ فبدأ يذيع بدعا بين حين وآخر وأهل العلم يتسامحون معه في الأوائل باعتبار أن تلك الكلمات ربما تكون فلتات لا ينطوي هو عليها ، لكن خاب ظنهم وعلموا أنه فاتن بالمعنى الصحيح فتخلوا عنه واحد إثر واحد على توالي فتنه ، كما سبق. والذهبي كان من أشياعه ومتابعيه إلا في مسائل ، لكنه لما وجد أن فتنه تأخذ كل مأخذ ولم يبق معه سوى مقلدة الحشوية والمنخدعين به وهم شباب بدأ يسعى في تهدئة الفتنة ، مرة يكتب إلى أضداده لأجل أن يخففوا لهجتهم معه ـ كما فعل مع السبكي على رواية ابن رجب ولم نطلع على غير صدر الجواب على تقدير صحة ذلك الصدر ـ ومرة يكتب هذه الرسالة إلى ابن تيمية نفسه.


    نص رسالة الامام الذهبي
    إلى شيخ الإسلام ابن تيمية


    نص الرسالة
    ولا تخلو قراءة هذا الخط من بعض صعوبة على بعض القراء فإليك الرسالة بالحروف المعتادة مع عنوانها :
    رسالة كتب (1) بها الشيخ شمس الدين أبو عبد الله الذهبي إلى الشيخ تقي الدين ابن تيمية كتبتها (2) من خط قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة رحمه‌الله وكتبها هو من خط الشيخ الحافظ أبي سعيد بن العلائي وهو كتبها من خط مرسلها الشيخ شمس الدين.
    الحمد لله على ذلتي ، يا رب ارحمني وأقلني عثرتي. واحفظ عليّ إيماني. وا حزناه على قلة حزني ، وا أسفاه على السنة وذهاب أهلها. وا شوقاه إلى إخوان مؤمنين يعاونونني على البكاء. وا حزناه على فقد أناس كانوا مصابيح العلم وأهل التقوى وكنوز الخيرات. آه على وجود درهم حلال وأخ مونس ، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس. وتبا لمن شغله عيوب الناس عن عيبه. إلى كم ترى القذاة في عين أخيك وتنسى الجذع في عينك! إلى كم تمدح نفسك وشقاشقك وعباراتك وتذم العلماء وتتبع عورات الناس مع علمك بنهي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا تذكروا موتاكم إلا بخير ، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا» بلى أعرف أنك تقول لي لتنصر نفسك : إنما الوقيعة في هؤلاء الذين ما شمّوا رائحة الإسلام ولا عرفوا ما جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو جهاد. بلى والله عرفوا خيرا كثيرا مما إذا عمل به العبد فقد فاز وجهلوا شيئا كثيرا مما لا يعنيهم ، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. يا رجل بالله عليك كف عنا فإنك محجاج عليم اللسان لا تقر ولا تنام. إياكم والغلوطات في الدين كره نبيك صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسائل وعابها ونهى عن كثرة السؤال وقال : «إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان» وكثرة
    __________________
    (1) بتضمين (بعث).
    (2) والكاتب هو التقي ابن قاضي شهبة وقد ذكر في طبقات الشافعية أنه اطلع على مجاميع وفوائد بخط البرهان ابن جماعة.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ترجمة بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري   ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyالثلاثاء أكتوبر 15, 2024 11:28 pm

    الكلام بغير زلل تقسي القلوب إذا كان في الحلال والحرام ، فكيف إذا كان في عبارات اليونسية والفلاسفة وتلك الكفريات التي تعمي القلوب. والله قد صرنا ضحكة في الوجود فإلى كم تنبش دقائق الكفريات الفلسفية لنرد بعقولنا ، يا رجل قد بلعت (سموم) الفلاسفة وتصنيفاتهم مرات. وكثرة استعمال السموم يدمن عليه الجسم وتكمن والله في البدن. وا شوقاه إلى مجلس فيه تلاوة بتدبر وخشية بتذكر وصمت بتفكر. وآها لمجلس يذكر فيه الأبرار فعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة. بلى عند ذكر الصالحين يذكرون بالازدراء واللعنة. كان سيف الحجاج ولسان ابن حزم شقيقين فواخيتهما بالله خلونا من ذكر بدعة الخميس وأكل الحبوب وجدّوا في ذكر بدع كنا نعدها من أساس الضلال قد صارت هي محض السنة وأساس التوحيد ومن لم يعرفها فهو كافر أو حمار ، ومن لم يكفر فهو أكفر من فرعون. وتعد النصارى مثلنا ، والله في القلوب شكرك إن سلم لك إيمانك بالشهادتين فأنت سعيد. يا خيبة من اتبعك فإنه معرض للزندقة والانحلال لا سيما إذا كان قليل العلم والدين باطوليا شهوانيا. لكنه ينفعك ويجاهد عندك بيده ولسانه وفي الباطن عدو لك بحاله وقلبه فهل معظم أتباعك إلا قعيد مربوط خفيف العقل أو عامي كذاب بليد الذهن أو غريب واجم قوي المكر أو ناشف صالح عديم الفهم ، فإن لم تصدقني ففتشهم وزنهم بالعدل ، يا مسلم أقدم حمار شهوتك لمدح نفسك. إلى كم تصادقها وتعادي الأخيار. إلى كم تصادقها وتزدري الأبرار. إلى كم تعظمها وتصغر العباد إلى متى تخاللها وتمقت الزهاد. إلى متى تمدح كلامك بكيفية لا تمدح ـ والله ـ بها أحاديث الصحيحين. يا ليت أحاديث الصحيحين تسلم منك بل في كل وقت تغير عليها بالتضعيف والإهدار أو بالتأويل والإنكار. أما آن لك أن ترعوي؟ أما حان لك أن تتوب وتنيب؟ أما أنت في عشر السبعين وقد قرب الرحيل. بلى ـ والله ـ ما أذكر أنك تذكر الموت بل يزدري بمن يذكر الموت فما أظنك تقبل على قولي ولا تصغي إلى وعظي بل لك همة كبيرة في نقض هذه الورقة بمجلدات وتقطع لي أذناب الكلام ولا تزال تنتصر حتى أقول : والبتة سكت. فإذا كان هذا حالك عندي وأنا الشفوق المحب الواد فكيف حالك عند أعدائك وأعداؤك ـ والله ـ فيهم صلحاء وعقلاء وفضلاء كما أن أولياءك فيهم فجرة وكذبة وجهلة وبطلة وعور وبقر. قد رضيت منك بأن تسبني علانية وتنتفع بمقالتي سرا (فرحم الله امرأ أهدى إليّ عيوبي) فإني كثير العيوب عزيز الذنوب. الويل لي إن أنا لا أتوب ، ووا فضيحتي من علّام الغيوب ودوائي عفو الله ومسامحته وتوفيقه وهدايته والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وهنا انتهت صورة رسالة الذهبي إلى ابن تيمية وفيها عبر بالغة. وليكن هذا آخر تكملة الرد على نونية ابن القيم وبها يكون إن شاء الله تعالى (تبديد الظلام المخيم من نونية ابن القيم).
    لما ذا يقال للناظم ابن القيم
    وقد عرف الناظم بابن القيم حيث كان أبوه قيم المدرسة الجوزية الحنبلية التي أنشأها محيي الدين ابن الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي الحنبلي بسوق القمح المعروفة اليوم بالبزورية بدمشق ، والغالب أن يقال له ابن قيم الجوزية لئلا يلتبس بابن القيم الكبير المصري الراوي عن الفخر الفارسي فإنه معمر مقدم ، وبذلك يعلم أن من يقول عنه (ابن القيم الجوزي) واهم وهما قبيحا وإنما هو (ابن قيم الجوزية) كما قلنا ـ ويجد القارئ الكريم في كتابنا هذا الرد على ابن تيمية كما يجد فيه الرد على ابن القيم باعتبار أن الثاني إنما يردد صدى الأول في أبحاثه كلها دون أن تكون له شخصية خاصة بل هو ظل الأول في كل آرائه وجميع أهوائه فانتظمهما الرد ولعل فيما رددنا به عليهما كفاية للمنصف وقطعا لعذر كل متعسف. وأما من تعوّد أن يقول : (عنزة وإن طارت).
    خاتمة تكملة الرد
    فليس خطابي معه (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) [الأحزاب : 4] وكان فراغي من إعادة النظر في الكتاب بمنزلي في آخر العباسية بمصر القاهرة ـ حرسها الله تعالى ـ ضحوة يوم الخميس المصادف لليوم الثالث من رجب سنة 1356 وأسأل الله سبحانه أن ينفع به المسلمين وأن يجعله ذخرا لي يوم الدين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم إنه المجيب البر التوّاب الرّحيم ، وأنا الفقير إلى عفو الله ومسامحته «محمد زاهد بن الحسن بن علي الكوثري» خادم العلم بدار السلطنة العثمانية سابقا عفا الله عن سيئاته ورفع منزلته ومنازل ذويه في الآخرة وأغدق عليه وعلى قرابته ومشايخه سحب رحمته ورضوانه وغفر لهم ولسائر المسلمين أجمعين.
    وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.





    بسم الله الرّحمن الرّحيم
    كلمة عن العالم والمتعلم
    ورسالة أبي حنيفة إلى البتيّ
    والفقه الأبسط ورواتها
    الحمد لله ، وصلاة الله وسلامه على سيدنا محمد رسول الله ، وآله وصحبه وكل من هدى هديه وتابع نور هداه. أما بعد فإن (العالم والمتعلم) رواية أبي مقاتل حفص بن سلم السمرقندي عن الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان ، والرسالة التي بعث بها أبو حنيفة إلى عالم البصرة عثمان بن مسلم البتي المتوفى سنة 143 ه‍ رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة ، والفقه الأكبر رواية أبي مطيع عن أبي حنيفة المعروف عند أصحابنا بالفقه الأبسط ، والفقه الأكبر رواية حماد بن أبي حنيفة عن أبيه ، والوصية في عقيدة أهل السنة رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة فتلك الرسائل هي العمد عند أصحابنا في معرفة العقيدة الصحيحة التي كان عليها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه الغر الميامين ، ومن بعدهم من أهل السنة على توالي السنين.
    وإمام الهدى أبو منصور الماتريدي رضي الله عنه وعن سائر الأئمة بني توضيح الدلائل ، على مسائل تلك الرسائل ، كما جرى على ذلك الإمام المجتهد أبو جعفر الطحاوي في كتابه «بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن» رضي الله عنهم المعروف بعقيدة الطحاوي ، فيتبين من ذلك مبلغ أهمية تلك الرسائل عند الباحثين ، وتوجد نسخ مخطوطة منها في مكتبة الفاتح بالآستانة ودار الكتب الملكية بالقاهرة ، وسبق أن نشرت كلها في مجموعة بالآستانة قبل مدة أكثر من قرن كامل فأصبحت تلك الطبعة بنفاد نسخها في حكم ما لم يطبع ، وطبعت الوصية مع شروحها مرات ، وكذلك الفقه الأكبر رواية حماد وشروحه.

    وسبق أن طبع (العالم والمتعلم) رواية أبي مقاتل في الهند قبل نحو عشر سنين بمعرفة إخواننا الأعزاء هناك لكنه خلو من السند مع بعض مخالفة لما عندنا من النسخ ، وطبع في الهند وفي مصر شرح الفقه الأكبر رواية أبي مطيع ـ وهو المعروف بالفقه الأبسط تمييزا له عن رواية حماد بن أبي حنيفة ـ لكن نسب الناشر هذا الشرح سهوا إلى الإمام أبي منصور الماتريدي مع ظهور أن الشرح ليس له ، بما جرى من نقول عن كثير ممن تأخر زمنه عن زمنه ، وهو توفي سنة 332 ه‍ في رواية قطب الدين الحلبي الحافظ.
    والواقع أن هذا الشرح لأبي الليث السمرقندي المتوفى سنة 373 ه‍. والطابع لم يتحر صحة الأصل ، فلعل أحد الطابعين يتولى إعادة نشر الشرح من أصل وثيق فيعيد الحق إلى نصابه. وعدة نسخ مخطوطة من الشرح باسم أبي الليث موجودة في دار الكتب المصرية. راجع المجموعتين 349 ، 393 ورقم 195 في علم الكلام بدار الكتب المصرية ففيها التصريح بنسبته إلى أبي الليث السمرقندي.
    وحيث مسّت الحاجة إلى تحقيق ونشر الثلاثة الأول : العالم والمتعلم ، ورسالة أبي حنيفة إلى البتي في الإرجاء ، والفقه الأبسط ، تقديما للأهم على المهم ، فإني أتحدث أولا عن أسانيد تلك الكتب عند أصحابنا فأقول :
    أما كتاب العالم والمتعلم رواية أبي مقاتل عن أبي حنيفة فيرويه الموفق المكي في المناقب (1 ـ 84 و 97) : كتابة عن أبي حفص عمر بن محمد النسفي عن أبي علي الحسن بن عبد الملك النسفي عن جعفر بن محمد المستغفري عن أبي عمرو محمد بن أحمد النسفي عن الإمام أبي محمد الحارثي البخاري عن محمد بن يزيد عن الحسن بن صالح عن ابن مقاتل عن أبي حنيفة (ح) (1) وعن أبي حامد محمد بن أبي الربيع المازني المقري. قراءة عن أبي العلاء حامد بن إدريس عن أبي المعين ميمون بن محمد النسفي ، عن أبي طاهر المهدي بن محمد الحسيني ، عن أبي يعقوب يوسف بن منصور اليساري ، عن أبي الفضل أحمد بن علي السليماني البيكندي ، عن أبي سعيد حاتم بن عقيل الجوهري ، عن الفتح بن أبي علوان ومحمد بن يزيد قالا أنبأنا الحسن بن صالح عن أبي مقاتل عن أبي حنيفة «ح» وبعلو عن أبي حفص
    __________________
    (1) علامة تحول السند إلى سند آخر.

    النسفي عن أبي يعقوب السياري بسنده. وفي نسخة دار الكتب المصرية يرويه ابن قاضي العسكر أبو الحسن علي بن خليل الدمشقي عن أبي الحسن برهان الدين علي بن الحسن البلخي ، عن أبي المعين النسفي ، عن أبيه محمد النسفي ، عن عبد الكريم بن موسى البزدوي النسفي ، عن أبي منصور الماتريدي عن أبي بكر أحمد بن إسحاق الجوزجاني عن أبي سليمان موسى بن سليمان الجوزجاني وعن محمد بن مقاتل الرازي وهما عن أبي مطيع الحكم بن عبد الله وأبي عصمة عصام بن يوسف البلخيين وهما عن أبي مقاتل حفص بن سلم السمرقندي عن الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عن الجميع.
    وقد طالت ألسنة بعض النقلة على أبي مقاتل كطول لسانهم على أبي حنيفة وأصحابه متذرعين في ذلك برميهم إياه بالرأي والإرجاء والتجهم ونحو ذلك مما يعلو تحقيق الحق والباطل منه على مداركهم حتى تراهم يرمونه بالكذب من غير حجة ، وكل من قال بخلاف رأيهم فهو كذاب لقوله بما هو خلاف الواقع في نظرهم على جلالة قدره عند أصحابنا رضي الله عنهم. لا آخذ الله المخلفين على هذا العدوان الصارخ ، فإن كان لا بد من النقل عن غير أصحابنا في التعويل على المرء ، فدونك كلام أبي يعلى الخليلي في (الإرشاد) في أبي مقاتل : (مشهور بالصدق غير مخرج في الصحيح وكان يفتي وله في الفقه محل وتعنى بجمع حديثه خلف بن يحيى قاضي الري) ، عمّر كثيرا وعاش إلى أن مات سنة ثمان ومائتين وما وقع في اللسان من سنة 258 ه‍ كتاريخ لوفاته فسبق قلم ، وإقامة ل (5) بدل الصفر.
    وأما رسالة أبي حنيفة إلى الإمام عثمان البتي عالم البصرة فسندها في نسخة دار الكتب المصرية برواية الإمام حسام الدين حسين بن علي بن الحجاج السغناقي ـ شارح الهداية ـ عن حافظ الدين محمد بن محمد بن نصر البخاري عن شمس الأئمة محمد ابن عبد الستار الكردري عن برهان الدين المرغيناني ـ صاحب الهداية ـ عن ضياء الدين محمد بن الحسين بن ناصر الدين اليرسوخي عن علاء الدين أبي بكر محمد بن أحمد السمرقندي ـ صاحب تحفة الفقهاء ـ عن أبي المعين النسفي عن أبي زكريا يحيى بن مطرف البلخي عن أبي صالح محمد بن الحسين السمرقندي عن أبي سعيد سعدان بن محمد بن بكر البستي عن أبي الحسن علي بن أحمد الفارسي عن نصير بن يحيى البلخي عن محمد بن سماعة التميمي عن أبي يوسف عن الإمام الأعظم رضي الله عنهم.

    وأما الفقه الأبسط فسنده في نسخة دار الكتب المصرية (1) برواية أبي بكر الكاساني ـ صاحب البدائع عن العلاء السمرقندي ـ صاحب تحفة الفقهاء ، عن أبي المعين النسفي ـ صاحب تبصرة الأدلة ، عن أبي عبد الله الحسين بن علي المعروف بالفضل ـ وله نحو مائة وعشرين مؤلفا إلا أنه متكلم فيه ، عن ابن مالك نصران بن نصر الختلي عن أبي الحسن علي بن أحمد الفارسي عن نصير بن يحيى عن أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي عن الإمام الأعظم. وفي مشتبه الذهبي رواية نصران الختلي عن علي بن الحسن الغزال. (ح) وروى أبو المعين أيضا عن يحيى بن مطرف عن أبي صالح محمد بن الحسين عن أبي سعيد سعدان بن محمد بن بكر بن عبد الله البستي الجرمقي عن علي بن أحمد الفارسي السابق ذكر سنده ، رضي الله عن الجميع ، وأبو مطيع : تكلموا فيه على عادتهم ورموه بالتجهم والإرجاء والرأي قال الذهبي : كان ابن المبارك يعظمه ويبجله لدينه وعلمه. تفقه به أهل تلك الديار. كان بصيرا بالرأي علامة كبير الشأن اه. قال ابن حجر : روى عنه محمد بن مقاتل وموسى بن نصر وكانا يبجلانه اه. وكانت وفاته سنة 199 ه‍ عن 84 سنة رحمه‌الله. واختلاف المذاهب يؤدي في بعض النفوس إلى اختلاف القول في المرء وهذا مما يوسف له نسأل الله السلامة.
    وأما الفقه الأكبر رواية حماد بن أبي حنيفة عن أبيه فله شروح كثيرة. وقد طبع مرات في كثير من العواصم كما طبع كثير من شروحه ، وأما سنده ففي النسخة الخطية المحفوظة ضمن المجموعة رقم (226) بمكتبة شيخ الإسلام العلامة عارف حكمت بالمدينة المنورة زادها الله تكريما ، ففي أولها شد الشيخ إبراهيم الكوراني في الكتاب إلى علي بن أحمد الفارسي عن نصير بن يحيى عن ابن مقاتل (محمد بن مقاتل الرازي) عن عصام بن يوسف عن حماد بن أبي حنيفة عن أبيه رضي الله عن الجميع ، وفي مكتبة شيخ الإسلام هذه نسختان من الفقه الأكبر رواية حماد قديمتان وصحيحتان فيا ليت بعض الطابعين قام بإعادة طبع الفقه الأكبر من هاتين النسختين مع المقابلة بنسخ دار الكتب المصرية.
    __________________
    (1) راجع المجموعتين «64 م» و «215 م» بدار الكتب المصرية ، وأما رواية عبد الله الأنصاري الهروي الفقه الأكبر هذا ، في كتابه الفاروق ففيها تزيد وتحريف الكلمة للإمام الأعظم على هوى الحشوية ومخالفة لروايات الآخرين فسنفضح دخيلة هذه الخيانة في موضعها إن شاء الله تعالى (ز).

    ففي بعض تلك النسخ : وأبوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ماتا على الفطرة ، و (الفطرة) سهلة التحريف إلى (الكفر) في الخط الكوفي ، وفي أكثرها. (ما ماتا على الكفر) ، كان الإمام الأعظم يريد به الرد على من يروي حديث (أبي وأبوك في النار) ويرى كونهما من أهل النار. لأن إنزال المرء في النار لا يكون إلا بدليل يقيني وهذا الموضوع ليس بموضوع عملي حتى يكفي فيه بالدليل الظني.
    ويقول الحافظ محمد المرتضى الزبيدي شارح الإحياء والقاموس في رسالته (الانتصار لوالدي النبي المختار). وكنت رأيتها بخطه عند شيخنا أحمد بن مصطفى العمري الحلبي مفتي العسكر العالم المعمر. ما معناه : إن الناسخ لما رأى تكرر (ما) في (ما ماتا) ظنّ أن إحداهما زائدة فحذفها فذاعت نسخته الخاطئة ، ومن الدليل على ذلك سياق الخبر لأن أبا طالب والأبوين لو كانوا جميعا على حلة واحدة لجميع الثلاثة في الحكم بجملة واحدة لا بجملتين مع عدم التخالف بينهم في الحكم. وهذا رأي وجيه من الحافظ الزبيدي إلا أنه لم يكن رأى النسخة التي فيها (ما ماتا) وإنما حكى ذلك عمن رآها ، وإني بحمد الله رأيت لفظ (ما ماتا) في نسختين بدار الكتب المصرية قديمتين كما رأى بعض أصدقائي لفظي (ما ماتا) و (على الفطرة) في نسختين قديمتين بمكتبة شيخ الإسلام المذكورة. وعلي القاري بنى شرحه على النسخة الخاطئة وأساء الأدب سامحه الله. وكتب الرجال شحيحة في ذكر بعض الوفيات ، فعلي بن أحمد الفارسي توفي عن سن عالية سنة 335 ه‍ ونصير بن يحيى البلخي من أصحاب أبي سليمان الجوزجاني وأبي مطيع توفي سنة 268 ه‍ وقد ناهز التسعين ، ومحمد بن مقاتل الرازي من أصحاب محمد بن الحسن توفي سنة 248 ه‍ وعصام بن يوسف توفي سنة 210 ه‍ عن 84 سنة ، ووفيات بعض هؤلاء في نوازل أبي الليث السمرقندي ، وقد وقع في بعض النسخ المطبوعة والمخطوطة وفي بعض ما طبع لي (أبو مقاتل) و (نصر) بدل (ابن مقاتل) و (نصير) غلطا فوجبت الإشارة إلى ذلك ، وهذا ما عنّ لي ذكره قبل تلك الرسائل المروية عن فقيه الملة أبي حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه وعن أصحابه وسائر أئمة الفقه وعلماء هذه الأمة أجمعين.
    محمد زاهد الكوثري


    العالم والمتعلم
    رواية أبي مقاتل عن أبي حنيفة
    رضي الله عنهما
    بتحقيق
    محمد زاهد الكوثري


    بسم الله الرّحمن الرّحيم
    قال أبو الحسن علي (1) بن خليل الدمشقي المعروف بابن قاضي العسكر أنبأنا أبو الحسن برهان الدين علي بن الحسن البلخي عن أبي المعين ميمون بن محمد المكحولي النسفي عن أبيه عن عبد الكريم بن موسى البزدوي عن أبي منصور محمد الماتريدي عن أبي بكر أحمد بن إسحاق الجوزجاني ، عن أبي سليمان موسى الجوزجاني وعن محمد بن مقاتل الرازي كلاهما عن أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي وعصام بن يوسف البلخي وهما عن أبي مقاتل حفص بن سلم السمرقندي عن الإمام أبي حنيفة فيما أجابه على أسئلته أنه قال :
    * * *
    بسم الله الرّحمن الرّحيم
    الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمد سيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، وعلى عباد الله الصالحين ، أما بعد فأوصيك بتقوى الله وطاعته ، وكفى بالله حسيبا وجازيا. ورزقنا الله حياة طيبة ومنقلبا كريما ، وقد أجبتك فيما سألت عنه ولو لا كراهية التطويل وأن يكثر لك شرحت لك الأمور التي أجبتك بها. ثمّ لا آلوك ونفسي خيرا والله المستعان وعليه التكلان.
    قال المتعلم ـ وهو أبو مقاتل ـ : أتيتك أيها العالم ـ وهو أبو حنيفة ـ لانتفع بمجالستك لما أتيقن من فضلك ، وأرجو أن ينفعني الله تعالى بك. فأفتني عافاك الله إن أنا سألتك ، لتستحق بذلك الثواب من الله سبحانه إنّي ابتليت بأصناف من الناس وسألوني عن أشياء لم أهتد لجوابها ، ولم أترك الحق الذي بيدي. وإن عجزت عن
    __________________
    (1) روى عنه الحافظ الشريف الدمياطي. وعنه الحافظ عبد القادر القرشي وأسانيد أصحاب الإثبات إليه معروفة (ز).

    جوابهم ، وعرفت أنّ للحق من يعبر عنه ، وليس الحق بمنقوض والباطل مزهوق به ، وكرهت أيضا لنفسي الجهالة بأصل الدين وما انتحل من الحق وأن تكون منزلتي في أصل ما أدعي كمنزلة الصبي المتعلم الذي لا علم له بأصل ما يتكلم به ، أو كمنزلة المبرسم أو المجنون الذي يهذي بما ينقض على نفسه ويشين به نفسه ، فأجبت أصلحك الله تعالى أن أكون عالما بأصل ما انتحل من الحق وأتكلم به حتى إذا جاءني مارد يتمرد علي ، أو يريد أن يزيلني عن الحق لم يطق ، وإن جاءني متعلم أوضحت له وأكون على بصيرة من أمري.
    وقال العالم : نعم ما رأيت في ابتحاثك عما يغنيك ، واعلم أن العمل تبع للعلم كما أن الأعضاء تبع للبصر ، فالعلم مع العمل اليسير أنفع من الجهل مع العمل الكثير ، ومثل ذلك الزاد القليل الذي لا بد منه في المفازة مع الهداية بها أنفع من الجهل مع الزاد الكثير ، ولذلك قال الله تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزّمر : 9] و (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) [الرّعد : 19].
    قال المتعلم : لقد زدتني في طلب العلم رغبة ، فأما قول الأصناف فإني سأبدأ بأدناهم منزلة عندي إن شاء الله تعالى ، فأخبرني بالحجج عليهم رأيت أقواما يقولون لا تدخلن هذه المداخل فإن أصحاب نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يدخلوا في شيء من هذه الأمور وقد يسعك ما وسعهم. وأن هؤلاء زادوني غما ، ووجدت مثلهم كمثل رجل في نهر عظيم كثير الماء كاد أن يغرق من قبل جهله بالمخاضة فيقول له آخر : اثبت مكانك ولا تطلبن المخاضة.
    قال العالم رحمه‌الله : أراك قد أبصرت بعض عيوبهم والحجة عليهم ، ولكن قل لهم إذا قالوا ألا يسعك ما وسع أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بلى يسعني ما وسعهم لو كنت بمنزلتهم ، وليس بحضرتي مثل الذي كان بحضرتهم ، وقد ابتلينا بمن يطعن علينا ويستحل الدماء منا ، فلا يسعنا أن لا نعلم من المخطئ منا والمصيب؟ وأن لا نذب عن أنفسنا وحرمنا. فمثل أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كقوم ليس بحضرتهم من يقاتلهم فلا يتكلفون السلاح ، ونحن قد ابتلينا بمن يطعن علينا ويستحل الدماء منا ، مع أن الرجل إذا كفّ لسانه عن الكلام فيما اختلف فيه الناس وقد سمع ذلك لم يطق أن يكف قلبه ، لأنه لا بد للقلب من أن يكره أحد الأمرين أو الأمرين جميعا. فأما إن يحبهما وهما مختلفان فهذا لا يكون ، فإذا مال القلب إلى الجور أحبّ أهله. وإذا أحبّ القوم كان منهم ، وإذا مال القلب إلى الحق وأهله كان لهم وليا ، وذلك بأن تحقيق الأعمال والكلام لا يكون إلا من قبل القلب ، وذلك أن من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه لم يكن عند الله مؤمنا. ومن آمن بقلبه ولم يتكلم بلسانه كان عند الله مؤمنا.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ترجمة بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري   ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyالثلاثاء أكتوبر 15, 2024 11:30 pm

    قال المتعلم : هو كما قلت ولكن بين لي هل يضرني إذا لم أعرف المخطئ من المصيب؟.
    قال العالم رحمه‌الله : لا يضرك في خصلة ، ويضرك بعد في خصال غير واحدة فأما الخصلة التي لا تضرك فإنها أنك لا تؤاخذ بعمل المخطئ ، وأما الخصال التي تضرك فواحدة منها اسم الجهالة يقع عليك لأنك لا تعرف الخطأ من الصواب ، والثانية عسى أن ينزل بك من الشبهة ما نزل بغيرك ولا تدري ما المخرج منها لأنك لا تدري أمصيب أنت أم مخطئ فلا تنزع عنها ، والثالثة لا تدري من تحب في الله ومن تبغض فيه لأنك لا تدري المخطئ من المصيب.
    قال المتعلم : لقد كشفت عني الغطاء وجعلت أرى البرة في مذاكرتك : ولكن أرأيت إن كان رجل يصف عدلا ، ولا يعرف جور من يخالف ولا عدله أيسعه ذلك وأن يقال إنه عارف بالحق أو هو من أهله؟.
    قال العالم رحمه‌الله : إذا وصف عدلا ، ولا يعرف جور من يخالفه فإنه جاهل بالجور والعدل. واعلم يا أخي أن أجهل الأصناف كلها وأرداهم منزلة عندي لهؤلاء ، لأن مثلهم كمثل أربعة نفر يؤتون بثوب أبيض فيسألون جميعا عن لون ذلك الثوب فيقول واحد من هؤلاء الأربعة : هذا ثوب أحمر ، ويقول الآخر هذا ثوب أصفر ، ويقول الثالث ثوب أسود ، ويقول الرابع ثوب أبيض فيقال له ما تقول في هؤلاء الثلاثة أصابوا أم أخطئوا؟ فيقول : أما أنا فقد أعلم أن الثوب أبيض وعسى أن يكون هؤلاء قد صدقوا ، وكذلك هذا الصنف من الناس يقولون إنا نعلم أن الزاني ليس بكافر. وعسى أن يكون الذين يرون أن الزاني إذا زنى نزع منه الإيمان كما ينزع السربال كان صادقا ولا تكذبه. ويقولون إن من مات ولم يحج فقد أطاق الحج فنحن نسميه مؤمنا ونصلي عليه ونستغفر له ونقضي عنه حجه ولا نكذب من يقول : مات يهوديا أو نصرانيا ، ينكرون قول الشيعة ويقولون قولهم ، وينكرون قول الخوارج ويقولون قولهم. وينكرون قول المرجئة ويقولون قولهم ويرون تحقيق ذلك وتزييف أقوال هؤلاء الأصناف الثلاثة ، ويروون في ذلك روايات يزعمون أن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالها. وقد علمنا أن الله عزوجل إنما بعث رسوله رحمة ليجمع به الفرقة ، وليزيد الألفة. ولم يبعثه ليفرق الكلمة ، يحرش المسلمين بعضهم على بعض. ويزعمون أنه إنما جاء الاختلاف بهذه الروايات لأن منها ناسخا ومنسوخا فنحن نروي كما سمعناه. فويح لهم ما أقل اهتمامهم بأمر عاقبتهم حيث ينتصبون للناس فيحدثونهم بما قد علموا أن بعضه منسوخ ، والعمل بالمنسوخ اليوم ضلالة. فيأخذ به الناس فيضلون. وقد نعلم أن

    رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن ليفسر الآية الواحدة على نوعين فما كان من القرآن ناسخا فسره لجميع الناس ناسخا ، وكذلك المنسوخ فسره لجميع الناس منسوخا. وأما الأخبار والصفات التي قد كانت فإنه ليس في شيء منها منسوخ ، وإنما دخل الناسخ والمنسوخ في الأمر والنهي.
    قال المتعلم : جزاك الله عني الجنة ، فنعم المعلم أنت إنك فتحت لي بابا من العلم لم أهتد له. وقد بيّنت لي من أقاويل هؤلاء القوم ما لا أبالي أن لا أزداد بصيرة في ضعف قولهم وعجز رأيهم. ولكن أخبرني بالرد على الصنف الثاني في قولهم إن دين الله كثير ، وهو العمل بجميع ما افترض الله والكف عن جميع ما حرم الله.
    قال العالم رضي الله عنه : ألست تعلم أن رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لم يكونوا على أديان مختلفة لم يكن كل رسول منهم يأمر قومه بترك دين الرسول الذي كان قبله لأن دينهم كان واحدا. وكان كل رسول يدعو إلى شريعة نفسه وينهى عن شريعة الرسول الذي قبله لأن شرائعهم كثيرة مختلفة. ولذلك قال الله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) [المائدة : 48]. وأوصاهم جميعا بإقامة الدين وهو التوحيد وأن لا يتفرقوا لأنه جعل دينهم واحدا فقال : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) (1) وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشّورى : 13].
    وقال سبحانه : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)) [الأنبياء : 25]. وقال جلّ وعلا : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) [الرّوم : 30]. أي لا تبديل لدينه. فالدين لم يبدل ولم يحول ولم يغير ، والشرائع قد غيرت وبدلت لأنه رب شيء قد كان حلالا لأناس قد حرمه الله عزوجل على آخرين. ورب أمر أمر الله به أناسا ونهى عنه آخرين. فالشرائع كثيرة مختلفة. والشرائع هي الفرائض مع أنه لو كان العمل بجميع ما أمر الله به والكف عن جميع ما نهى الله عنه دينه لكان كل من ترك شيئا مما أمر الله تعالى به أو ركب شيئا مما نهى الله عنه تاركا لدينه ولكان كافرا. وإذا صار كافرا ذهب الذي بينه وبين المسلمين من
    __________________
    (1) وللدين إطلاق يشمل الأحكام العلمية كقوله تعالى : (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) [التّوبة : 122] وقوله عليه‌السلام : «إذا أراد الله بعبد خيرا فقّهه في الدين» فالدين الاستسلام لحكم الدليل القائم. فدليل الاعتقاد قائم دائما فيستسلم له دائما ودليل الأحكام العملية قابل للنسخ فما لم يقم دليل للنسخ فهو قائم الحكم وكذا الناسخ (ز).

    المناكحة والموارثة واتباع الجنائز وأكل الذبائح وأشباه هذا لأن الله تعالى أوجب ذلك كله بين المؤمنين من أجل الإيمان الذي به حرم الله تعالى دماءهم وأموالهم إلا بحدث. وإنما أمر الله تعالى المؤمنين بالفرائض بعد ما أقروا بالدين فقال سبحانه : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) [إبراهيم : 31]. وقال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) [البقرة : 178] ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ) [الأحزاب : 41] وأشباه هذا. فلو كانت هذه الفرائض هي الإيمان لم يسمهم مؤمنين حتى يعملوا بها وقد فصل الله تعالى الإيمان من العمل فقال تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [البقرة : 25]. وقال : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) [البقرة : 112] أي مع إيمانه. وقال : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ) [الإسراء : 19] فجعل الإيمان غير العمل. فالمؤمنون من قبل إيمانهم بالله يصلون ويزكون ويصومون ويحجون ويذكرون الله وليس من قبل صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم بالله يؤمنون. وذلك بأنهم آمنوا ثم عملوا فكان عملهم بالفرائض من قبل إيمانهم بالله. ولم يكن إيمانهم من قبل عملهم بالفرائض. ومثل ذلك أن الرجل إذا كان عليه الدين وهو يقر بالدين ثم يؤدي. وليس يؤدي ثم يقر بالدين. وليس إقراره من قبل أدائه ولكن أداؤه من قبل إقراره. والعبيد من قبل إقرارهم لمواليهم بالعبودية يعملون لهم. وليس من قبل عملهم يقرون لهم بالعبودية. وذلك أنه كم من إنسان يعمل لآخر. ولا يكون بذلك مقرا له بالعبودية. ولا يقع عليه اسم الإقرار بالعبودية. وآخر قد يكون مقرا بالعبودية ولا يعمل فلا يذهب عنه اسم إقراره بالعبودية.
    قال المتعلم : لحسن ما فسرت ولكن أخبرني ما الإيمان؟
    قال العالم رضي الله عنه : الإيمان هو التصديق والمعرفة واليقين والإقرار والإسلام ، والناس في التصديق على ثلاثة منازل ، فمنهم من يصدق بالله وبما جاء منه بقلبه ولسانه ومنهم من يصدق بلسانه ويكذب بقلبه ومنهم من يصدق بقلبه ويكذب بلسانه.
    قال المتعلم : لقد فتحت لي مسألة لم أهتد إليها فأخبروني عن أهل هذه المنازل أهم عند الله مؤمنون؟
    قال العالم رحمه‌الله : من صدق بالله وبما جاء من عند الله بقلبه ولسانه فهو عند الله وعند الناس مؤمن. ومن صدق بلسانه وكذب بقلبه كان عند الله كافرا وعند الناس مؤمنا ، لأن الناس لا يعلمون ما في قلبه. وعليهم أن يسموه مؤمنا بما ظهر لهم من

    الإقرار بهذه الشهادة وليس لهم أن يتكلفوا علم ما في القلوب. ومنهم من يكون عند الله مؤمنا وعند الناس كافرا وذلك بأن الرجل يكون مؤمنا بالله ويظهر الكفر في حالة التقية بلسانه فيسميه من لا يعرف أنه يتقي كافرا وهو عند الله مؤمن.
    قال المتعلم : لقد وضحت عدلا. ولكن أراك قد كثرت الإيمان في قولك إن الإيمان هو التصديق والمعرفة والإقرار والإسلام واليقين.
    قال العالم رحمه‌الله : أصلحت الله لا تكونن منك العجلة ، وتثبت في الفتيا وإن أنكرت شيئا مما أذكره لك فسل عن تفسيره إن كنت مناصحا. فربّ كلمة يسمعها الإنسان فيكرهها فإذا أخبر بتفسيرها رضي بها. ولا تكونن كالذي يسمع الكلمة فيكرهها ثم يتفوه بها إرادة الشين فيذيعها بين الناس. ولا يقول عسى أن يكون لهذه الكلمة تفسير ووجه هو عدل ولا أعلمه أفلا أسأل صاحبي عن تفسيرها أو لعلها كلمة جرت على لسانه ولم يتعمد لها فينبغي لي أن أتثبت ولا أفضح صاحبي ولا أشينه حتى أعلم ما وجه كلامه.
    قال المتعلم : ثبّتك الله ووفقك وأدام لك صالح الذي أعطاك قد عرفت الذي قلت : فلا تؤاخذني بما كان مني إني متعلم ولكن أخبرني عما وصفت من التصديق والمعرفة والإقرار والإسلام واليقين ما منزلتهن وتفسيرهن عندك؟.
    قال العالم رحمه‌الله : إن هذه أسماء مختلفة ومعناها واحد هو الإيمان وحده وذلك بأن يقر بأن الله ربه ويصدق بأن الله ربه ويتيقن بأن الله ربه ويعرف بأن الله ربه فهذه أسماء مختلفة ومعناها واحد كالرجل يقال له يا إنسان ويا رجل ويا فلان وإنما يعني القائل بها واحدا وقد دعاه بأسماء مختلفة.
    قال المتعلم : رحمك الله لو لا ما أعرف من نفسي من قلة العلم وعجز الرأي لم أقصد إليك. فإن رأيت مني ما تكره ودخلت عليك مئونة فلا تلمني. فإن مئونة معالجة مرض المريض على الطبيب ومئونة عمى الأعمى على البصير كذلك ينبغي للعالم أن يحتمل مئونة الجاهل. وقد عرفت أن من الكلام كلاما يفزع منه الجاهل إذا سمعه فإذا فسر له اطمأن. ولحسن ما فسرت الإيمان والتصديق واليقين والإخلاص ولكن أخبرني من أين ينبغي لنا أن نقول : إن إيماننا مثل إيمان الملائكة والرسل. وقد نعلم أنهم كانوا أطوع لله عزوجل منا.
    قال العالم رضي الله عنه : قد علمت أنهم كانوا أطوع لله منا وقد حدثتك أن الإيمان غير العمل فإيماننا مثل إيمانهم لأن صدقنا من وحدانية الرب وربوبيته وقدرته

    وبما جاء من عنده بمثل ما أقرت به الملائكة وصدقت به الأنبياء والرسل فمن هاهنا زعمنا أن إيماننا مثل إيمان الملائكة لأننا آمنا بكل شيء آمنت به الملائكة مما عاينته الملائكة من عجائب آيات الله ولم نعاينه نحن.
    قال المتعلم : جعلك الله من الفائزين ما أحسن ما وصفت وقد عرفت الآن أن إيماننا مثل إيمان الملائكة وتصديقنا مثل تصديقهم ويقيننا مثل يقينهم ولكن أخبرني من أين هم أشد خوفا وأطوع لله منا؟ ومن أين قالت الجهال إذا رأوا من إنسان زلة أو جزعا عند مصيبة أو جبنا من عدو أو حرصا على الهوى هذا من ضعف اليقين.
    قال العالم رحمه‌الله : أما قول الجهّال هذا من ضعف اليقين فإنما قالوا ذلك لجهالتهم بتفسير اليقين. واليقين بالشيء هو العلم بالشيء حتى لا يشك فيه فليس أحد من أهل الشهادة يشك في الله وكتبه ورسله ، وإن ركب ما ركب وإنما نقيس أمر الناس بأمر أنفسنا. لأنه ربما كانت منا الزلة أو الجزع عند المصيبة أوجبن من عدو فلا يدخل علينا شك في الله ولا في شيء مما جاء من عند الله فغيرنا عندنا بمنزلة أنفسنا. وأما قولك من أين هم أشد خوفا أو أطوع لله منا فذلك لخصال فواحدة منها أنهم كما فضلوا بالنبوة والرسالة فضلوا كذلك بالخوف والرعبة وجميع مكارم الأخلاق على من سواهم ، والخصلة الأخرى أنهم عاينوا من الملائكة والعجائب ما لم نعاين ، والخصلة الثالثة أنهم كانوا لا يجزعون عند المصيبة ، والرابعة أنهم كانوا يعاينون ما ينزل بغيرهم من العقوبة على المعصية وكان ذلك أيضا مما يحجزهم عن المعاصي.
    قال المتعلم : لقد وقفت على ما وصفت فلم تزل تصف عدلا وتقول عرفا ولكن أحب أن تأتيني بقياس فيما وصفت من يقيننا ويقينهم وخوفنا وخوفهم وجرأتنا وجرأتهم كيف ذلك؟ فإن الجاهل إذا كان مهتما بأمر عاقبته ويريد أن يتعلم ووصفت له أمرا لم يفطن له فأثبته لقياس كان أجدر أن يفطن له.
    قال العالم رحمه‌الله : نعم ما رأيت في طلب القياس ، وهكذا يصنع من أراد أن ينتفع بالمذاكرة فيما بينه وبين صاحبه إذا لم يعرف ما قيل له التمس القياس ، واعلم أن القياس الصواب يحقق لطالب الحق حقه ، ومثل القياس مثل الشهوة العدول لصاحب الحق على ما يدعي من الحق ولو لا إنكار الجهال للحق لم يتكلف العلماء القياس والمقايسة. فأما ما طلبت من القياس في أن يقيننا ويقين الملائكة واحد وخوفهم أشد من خوفنا بأنه كيف يكون ذلك؟ فأخبرك أن القياس في ذلك كرجلين عالمين بالسباحة لا يفوق أحدهما صاحبه في شيء من الأمور فانتهيا إلى نهر كثير

    الماء شديد الجرية فأحدهما على دخوله أجرأ والآخر أجبن أو كرجلين بهما مرض واحد وأتيا بدواء واحد شديد المرارة فأحدهما على شربة أجرأ والآخر أجبن.
    قال المتعلم : لحسن ما فسرت لكن أخبرني إن كان إيماننا مثل إيمان الرسل أليس ثواب إيماننا مثل ثواب إيمانهم ، فإن كان ثواب إيماننا مثل ثواب إيمانهم فما فضلهم علينا؟ وقد استوينا في الدنيا بالإيمان واستوينا في الآخرة في ثواب الإيمان فإن كان ثواب إيماننا دون ثواب إيمانهم أليس هذا ظلما ، إذ كان إيماننا مثل إيمانهم ولم يجعل لنا من الثواب ما جعل لهم.
    قال العالم رضي الله عنه : لقد أعظمت المسألة ، ولكن تثبت في الفتيا ألست تعلم أن إيماننا مثل إيمانهم ، لأنا آمنا بكل شيء آمنت به الرسل؟ ولهم بعد علينا الفضل في الثواب على الإيمان وجميع العبادة. لأن الله تعالى كما فضّلهم بالنبوة على الناس كذلك فضّل كلامهم وصلاتهم وبيوتهم ومساكنهم وجميع أمورهم على غيرها من الأشياء ، ولم يظلمنا ربنا إذ لم يجعل ثوابنا مثل ثوابهم وذلك أنه كان إنما يكون الظلم لو نقصنا حقنا فأسخطنا. فأما إذا زاد أولئك ولم ينقصنا حقنا وأعطانا حتى أرضينا ، فإنّ ذلك ليس بظلم ، والأنبياء والرسل لهم الفضل في الدنيا على جميع الناس. لأنهم هم القادة ، وهم أمناء الرّحمن. ولا يدانيهم أحد من الناس. في عيادتهم وخوفهم وخشوعهم وتحملهم المؤنات في ذات الله تعالى وكذلك إنما أدرك الناس بإذن الله الفضل بهم. فلهم مثل أجور من يدخل الجنة بدعائهم.
    قال المتعلم : لقد وصفت العدل فأوضحت فجزاك الله الجنة ولكن أخبرني هل تعلم من المعاصي شيئا يعذب الله عليه (البتة) غير الشرك أو تزعم أنها كلها مغفورة فإن زعمت أن بعضها مغفور فما المغفور منها؟.
    قال العالم رضي الله عنه : ما أعلم شيئا من المعاصي يعذب الله عليه غير الشرك وما أستطيع الشهادة على أحد من أهل المعاصي من أهل القبلة أن الله يعذبه البتة عليها غير الإشراك بالله. وقد علمت أن بعضها مغفور ، ولا أعرفها لقول الله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) [النّساء : 31] فلست أعرف جميع الكبائر ولا السيئات التي تغفر والتي لا تغفر لأني لا أدري لعل الله يغفر ما دون الشرك من المعاصي كلها لأنه قال : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النّساء : 48]. فلست أدري لمن يشاء المغفرة منهم ولمن لا يشاء.

    قال المتعلم : ألست تدري أنه لعل الله يغفر للقاتل ويعذب صاحب النظرة أو ليسا عندك بمنزلة واحدة في الرجاء لهما؟.
    قال العالم رحمه‌الله : قد أعلم أنه إن كان الله يغفر للقاتل فإنّ صاحب النظرة أجدر أن يغفر له ، وإن عذب على النظرة فهو على القتل أجدر أن يعذّب ، لأنه تعالى قال : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات : 13] وصاحب النظرة إذا لم يقتل كان أتقى من القاتل ، وأما ما ذكرت من الرجاء لهما فإنّهما لا يستويان عندي لأني لصاحب الذنب الصغير أرجى مني لصاحب الذنب الكبير ، والقياس في ذلك رجلان ركب أحدهما البحر والآخر ركب نهرا صغيرا ، وأنا أتخوف عليهما الغرق ، وأرجو لهما النجاة جميعا غير أني على صاحب البحر أخوف أن يغرق مني على صاحب النهر الصغير ، وأنا لصاحب النهر الصغير أرجى بالنجاة مني لصاحب البحر ، وكذلك أنا على صاحب الذنب الكبير أخوف مني لصاحب الذنب الصغير ، وأنا لصاحب الذنب الصغير أرجى مني لصاحب الذنب الكبير وأنا في ذلك أرجو لهما وأخاف عليهما على قدر أعمالهما.
    قال المتعلم : ما أحسن ما تقيس ولكن أخبرني عن الاستغفار لصاحب الكبيرة أفضل أو الدعاء عليه أو أنت بالخيار فيما بين الدعاء عليه باللعنة والاستغفار فبيّن لي هذا كله.
    قال العالم رضي الله عنه : الذنب على منزلتين غير الإشراك بالله تعالى فأي الذنبين ركب هذا العبد فإنّ الدعاء له بالاستغفار أفضل وإن دعوت عليه باللعنة لم تأثم ، وذلك بأنه إذا ركب ذنبا منك وعفوت عنه ولم تدع عليه كان أفضل وإن ركب ذنبا فيما بينه وبين خالقه بعد أن كان لم يشرك بالله فرحمته ودعوت له بالمغفرة لحرمة الشهادة كان هذا أفضل وإن دعوت عليه بالهلاك لم تأثم. وذلك بأنك تقول يا رب خذه بذنبه ، وإنما تكون آثما إذا أنت قلت يا رب خذه بغير ذنب ، فالاستغفار أفضل لخصلتين أما إحداهما فلأنه مؤمن ، والأخرى لأنك لا تستيقن أنّ الله معذبه ، ولو استيقنت أن الله معذبه لكان حراما عليك الاستغفار له ، وقد نهى الله عزوجل أن يستغفر لمن أوجب له النار ، والذي يستغفر الله لمن قال الله أنه يعذبه فيسأل ربه أن يخلف قوله كالذي يقول : يا رب لا تمتني واحدة ، وقد قال الله عزوجل : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران : 185] فالدعاء لأهل هذه الشهادة بالمغفرة أفضل لحرمة هذه الشهادة والإقرار بها ، لأنه ليس بشيء يطاع الله فيه أفضل من الإقرار بهذه الشهادة ، وجميع ما أمر الله تعالى به من فرائضه في جنب الإقرار بهذه الشهادة أصغر من البيضة

    في جنب السماوات السبع والأرضين السبع وما بينهنّ. فكما أن ذنب الإشراك أعظم كذلك أجر الشهادة أعظم ، وقد ذكر الله عزوجل في تعظيم ذنب الإشراك ما لم يذكره في تعظيم شيء من الأعمال السيئة ، فإنه قال : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : 13]. ولم يقل مثل ذلك في شيء من الأعمال السيئة. وقال تعالى : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) [الحجّ : 31] وقال تعالى : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (91)) [مريم : 90 ، 91] ولم يقل شيئا من هذه الآيات في القتل وما هو دونه.
    قال المتعلم : ما تزيدني إلا رغبة في مذاكرتك فجزاك الله عن جميع المؤمنين خيرا ما أحسن قولك ورأيك وسيرتك في محسنهم ومسيئهم! وأعرفك بفضلهم وأرحمك بهم! ولكن أخبرني هل يفضل أهل العدل بعضهم بعضا في قولهم في أهل القبلة؟
    قال العالم رضي الله عنه : أما أهل العدل فقولهم في تعظيم حرمات الله واحد غير أن بعضهم أفضل من بعض في العلم والحجج في تعظيم حرمات الله تعالى والدعاء إليه وتحمل المؤنات فيه وشدة الاهتمام بفساد الأمة والبحث عن تعظيم حرماتهم والذب عنهم كمثل عسكر بحضرة العدو ، وقد اجتمعت كلمتهم وأيديهم على عدوهم غير أن بعضهم يفوق بعضا في العلم بالقتال والحروب والمكايدة وبذل السلاح والمال والتحريض للأصحاب على القتال.
    قال المتعلم : لعمري ما أعرف من القياس (أوضح من هذا) ولكن أخبرني هل يكون المؤمن إذا ارتكب الكبائر لله عدوا؟.
    قال العالم رضي الله عنه : إن المؤمن لا يكون لله عدوا وإن ركب جميع الذنوب بعد أن لا يدع التوحيد. وذلك بأن العدو يبغض عدوه ويتناول عدوه بالمنقصة والمؤمن قد يرتكب العظيم من الذنب. والله مع ذلك أحب إليه مما سواه وذلك أنه لو خيّر بين أن يحرق بالنار أو يفتري على الله من قلبه لكان الإحراق بالنار أحب إليه من ذلك.
    قال المتعلم : إن كان الله أحب إليه مما سواه فلم يعصيه؟ وهل يكون أحد يحب أحدا فيعصيه فيما يأمره؟.

    قال العالم رحمه‌الله : نعم قد يحب الولد والده وربما عصاه ، وهذا المؤمن : الله أحب إليه مما سواه وإن عصاه ، وإنما يعصيه لأنّ الشهوة ظاهرة غالبة ، وإنما تغلب عليه الشهوات فإنه ربما كان الرجل عاملا لسلطان فينزع عن عمله فيعذب بأنواع من العذاب ثم إذا ترك رجع إلى عمله إن قدر عليه ، والمرأة تلقى ما تلقى في نفسها ثم إذا قامت طلبت الولد.
    قال المتعلم : قلت ما يعرف من غلبة الشهوة لأنه كم من عابد صرعته الشهوة وآدم وداود عليهما‌السلام منهم (1) ولكن أخبرني عن هذا المؤمن أيركب المعصية وهو يعلم أنه يعذب عليها؟.
    قال العالم رحمه‌الله : ما يركبها وهو يعلم أنه يعذب عليها لكنه يركبها لخصلتين أما إحداهما فإنه يرجو المغفرة ، وأما الأخرى فإنه يأمل التوبة قبل المرض والموت. قال المتعلم : أو يقدم الرجل على ما يخاف أن يعذب عليه؟
    قال العالم رحمه‌الله : نعم ربما يقدم الرجل على ما يخاف أن يضره من طعام أو شراب أو قتال أو ركوب بحر ، ولو لا ما يرجوه من النجاة من الغرق إذا ركب البحر ، والظفر إذا قاتل ما أقدم على القتال ولا ركب البحر.
    قال المتعلم : قد صدقت لأني أعرف من نفسي أني ربما أكلت الطعام يؤذيني فإذا فرغت ندمت ووطنت نفسي على أن لا أعود إليه. فإذا رأيته لم أصبر عنه ، ولكن أخبرني عن الكفر ، فإنّ الكفر له اسم وله تفسير.
    قال العالم رحمه‌الله : إن الكفر له اسم وله تفسير وتفسيره الإنكار والجحود والتكذيب. وذلك أن الكفر بالعربية ، والعرب وضعوا اسم الكفر على الإنكار ، والله تعالى إنما أنزل الكتاب بلسان عربي ، ومثل ذلك أنه إذا كان للرجل على آخر دراهم وقد حلّت فتقاضاها فإن أقرّ بالحق ولم يقضه قال صاحبه ماطلني ولا يقول كافرني ، وإن هو أنكرها وجحدها قال كافرني ولم يقل ماطلني ، وكذلك المؤمن إذا ترك فريضة من غير أن يكفر بها سمي مسيئا ؛ وإن تركها كفرا بها سمي كافرا جاحدا بفرائض الله تعالى.
    قال المتعلم رحمه‌الله : هذا عدل معروف أن يسمى الرجل جاحدا بما يجحد ومصدقا بما يصدق ، ومسيئا بما يسيء ، ومحسنا بما يحسن. ولكن أخبرني عمن يصف التوحيد غير أنه يقول أنا كافر بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.
    __________________
    (1) هكذا في الأصل ولو كان المتعلم أرعى للأدب لكان أنسب (ز).

    قال العالم رضي الله عنه : هذا لا يكون (1) وإن كان سميناه كافرا بالله كاذبا بما يقول أنه يعرف الله تعالى ويستدل على كفره بالله بكفره بمحمد لأن من كفر بالله كفر بمحمد. وليس من قبل كفره بمحمد كفره بالله كما أن النصارى من كفرهم بالواحد الذي ليس له ولد زعموا أن الله تعالى ثالث ثلاثة. وكذلك اليهود من كفرهم بالغني الذي لا يفتقر والجواد الذي لا يبخل والرب الذي ليس له ولد والملك الذي ليس له شبيه زعموا أنّ الله فقير ويد الله مغلولة وعزير ابن الله والله تعالى على مثال صورة ابن آدم ؛ وكذلك الذين اتخذوا النيران وسجدوا للشمس والقمر. وقد قال الله تعالى : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ) [العنكبوت : 47] وقال : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65)) [النّساء : 65] فمن زعم أنه يعرف الله ويكفر بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم استدللنا على إنكاره للرب بكفره بمحمد. ومثل ذلك لو أن رجلا زعم أنه يطيق أن يحمل عشرين قفيزا. ونحن نراه يعجز عن حمل القفيزين عرفنا أنه إذا عجز عن حمل القفيزين فهو في العشرين أعجز ومثل هذا لو أن رجلا قال : إني أعرف أن الله تعالى حق غير أني لا أقر بأن هذا الإنسان مخلوقه لعرفنا أنه كاذب فيما يزعم لأنه لو كان يعرف الله لعرف أن كل شيء سواه مخلوقه. ومثل ذلك رجل بحضرته السراج ونار ضخمة وهما عنده بمنزلة واحدة في الدنو فزعم أنه يبصر السراج ولا يبصر النار المشتعلة في الحطب الضخم لعرفت أنه كاذب لأنه لو كان يبصر السراج لكان لتلك النار الضخمة أبصر.
    قال المتعلم رحمه‌الله : قد فرجت عني ولكن أخبرني عمن يزعم لرسول الله أنا أعرف أنك رسول الله ولكن أشتهي أن أقتلك.
    قال العالم رضي الله عنه : هذه من مسائل المتعنتين. وهذا محال لو كان يعرف أنه رسول الله لم يشته قتله ولا موته ولا أذاه. ومثل ذلك كالرجل الذي يزعم لآخر أنك أحب إلي من جميع الناس. ولكن أشتهي أن أقتلك بيدي وآكل لحمك. وليس أحد من الناس يزعم أنه يوحد الله تعالى ويؤمن بمحمد ويتناول رسول الله بمنقصة كأن يزعم أنه كان أعرابيا وكان فقيرا يريد به عيبه وانتقاصه فلو كان يعرف الله ويعرف أن محمدا رسوله لكان الله ورسوله أجل في عينيه من أن يتناول رسوله بذكر شيء يريد به عيبه وانتقاصه. وقد قال الله عزوجل في تعظيم منزلة الرسول : (مَنْ يُطِعِ
    __________________
    (1) يعني هذا لا يقع ، وإن وقع سميناه كافرا (ز).

    الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النّساء : 80] لأنه جعل الرسول قائدا لجميع خلقه من الجنّ. والإنس. وأمينا على فرائضه وسننه. ولذلك قال الله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر : 7].
    قال المتعلم رحمه‌الله : لقد أتيتني بالنور فنوّر الله طريقك يوم القيامة ولكن أخبرني عمن يزعم أنه يعرف الله ويقول أنا أشتهي أن أزعم أن لله ولدا.
    قال العالم رضي الله عنه : سبحان الله فهل كان هذا وذا إلا واحدا. هذا رأسا ما سألت من قبل من مسائل المتعنتين. ولكن كيف تقول في ميت إنه يحتلم فكم لا يكون ميت يحتلم. فكذلك لا يكون موحد يشتهي أن يقول لله ولد.
    قال المتعلم رحمه‌الله : هذا لعمري كما قلت إنه من مسائل المتعنتين. وهذا محال من الكلام. ولكن أخبرني عن النفاق اليوم. أليس هو النفاق الأول والكفر اليوم هو الكفر الأول. وكيف النفاق الأول؟.
    قال العالم رضي الله عنه : نعم النفاق اليوم هو النفاق الأول والكفر اليوم هو الكفر الأول. كما أن الإسلام اليوم هو الإسلام الأول. فأخبرك عن ذلك النفاق الأول إنما كان التكذيب والجحود بالقلب وإظهار التصديق والإقرار باللسان. وكذلك هو اليوم فيمن كان وقد نعتهم عزوجل في كتابه فقال : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) [المنافقون : 1] فقال الله عزوجل ردا عليهم وتكذيبا لهم : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) [المنافقون : 1] وليس تكذيبهم بأن ما قالوا كذب. ولكن إنما كذبهم بأنهم ليسوا في الإقرار والتصديق كما يظهرون بألسنتهم.
    وفيهم قال الله عزوجل : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14)) [البقرة : 14] أي بمحمد وأصحابه بما نظهر لهم بألسنتنا من الإقرار والتصديق.
    قال المتعلم رحمه‌الله : هذا لعمري عدل معروف ولكن أخبرني من أين سمى الله الناس مؤمنين وكفارا. ومن أين نحن نسميهم مؤمنين وكفارا؟.
    قال العالم رضي الله عنه : سماهم مؤمنين وكفارا بما في القلوب لأنه تعالى يعلم ما في القلوب ، ونحن نسميهم مؤمنين وكفارا بما يظهر لنا من ألسنتهم من التصديق والتكذيب والزي والعبادة ، وذلك بأنا لو انتهينا إلى قوم لا نعرفهم غير أنهم في المساجد ، مستقبلين إلى القبلة يصلون سميناهم مؤمنين ، وسلمنا عليهم وعسى أن

    يكونوا يهودا أو نصارى ، وكذلك كان المنافقون على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان المسلمون يسمونهم مؤمنين بما يظهرون لهم من الإقرار ، وهم عند الله كفار بما في القلوب من التكذيب ، فمن هاهنا أنا نسمي أناسا مؤمنين بما يظهر لنا منهم ، وعسى أن يكونوا عند الله كفارا ، وآخرين نسميهم كفارا بما يظهرون لنا من زي الكفار من غير أن يكون فيهم شيء من زي المؤمنين وعسى أن يكونوا عند الله تعالى مؤمنين من قبل إيمانهم بالله ، ويصلون من غير أن نعلم ذلك منهم. فلا يؤاخذنا الله سبحانه وتعالى بذلك ؛ لأنه لم يكلفنا علم القلوب والسرائر ، وإنما كلفنا ربنا أن نسمي الناس مؤمنين ونحبهم ونبغضهم على ما يظهر لنا منهم ، والله أعلم بالسرائر ، وهكذا أمر الكرام الكاتبين أن يكتبوا ما يظهر لهم من الناس ، وليسوا من القلوب بسبيل لأن ما في القلوب لا يعلمه أحد إلا الله أو رسول يوحى إليه فمن ادعى علم ما في القلوب بغير وحي فقد ادعى علم رب العالمين ، ومن زعم أنه يعلم بما في القلوب وغير القلوب ما يعلم رب العالمين فقد أتى بعظيمة واستوجب النار والكفر.
    قال المتعلم رحمه‌الله : قد وصفت العدل. ولكن أخبرني من أين جاء أصل الإرجاء وما تفسيره ومن الذي يؤخر ويرجأ أمره؟.
    قال العالم رضي الله عنه : جاء أصل الإرجاء من قبل الملائكة حيث عرض الله عليهم الأسماء ثم قال لهم : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) [البقرة : 31] فخافت الملائكة الخطأ إن تكلموا بغير علم تعسفا فوقفت وقالت : (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) [البقرة : 32] ولم يبتدعوا. كالرجل الذي يسأل عن الأمر الذي هو به جاهل ، فيتكلم فيه ولا يبالي ، فإن لم يصب فهو مخطئ ، وإن أصاب فهو غير محمود ، لأنه قال تعسفا بغير علم. ولذلك قال الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [الإسراء : 36]. أي لا تقل ما لم تعلمه يقينا وقال : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) [الإسراء : 36]. فلم يرخص لرسوله أن يتكلم أو يعادي أو يقذف إنسانا بالبهتان بالظن من غير يقين. فكيف يصنع أناس يعادون ويعيبون آخرين ، بالظن من غير يقين ، وتفسير الوقوف أنه إذا سئلت عن أمر لا تعلمه من حرام أو حلال أو أنباء من كان قبلنا قلت : الله أعلم به. إذا جاء ثلاثة نفر بحديث لا نعلمه ولا نطيق علم ذلك بالتجارب والمقاييس ترد علم ذلك إلى الله تعالى وتقف. ومن تفسير الإرجاء أنه إذا كنت في قوم على أمر حسن جميل وفارقتهم على ذلك ثم بلغك أنهم صاروا فريقين يقاتل بعضهم بعضا فانتهيت إليهم ، وهم على الأصل الذي فارقتهم عليه وقتل بعضهم بعضا فتسألهم فيقول كل واحد من الفريقين إنه هو المظلوم ، وليس

    عليهم ولا لهم شهود من غيرهم ، وقد ترى القتل بينهم وليس المظلوم والظالم منهم يبين ، وهما خصمان لا تجوز شهادة بعضهم على بعض فينبغي لك أن تعلم أنهما ليسا كلاهما بمصيبين ، وقد قتل بعضهم بعضا ، فإما أن يكونا مخطئين أو أحدهما مخطئ والآخر مصيب ، ومن الإرجاء أن ترجئ أهل الذنوب ولا تقول إنهم من أهل النار أو من أهل الجنة فإنّ الناس عندنا على ثلاثة منازل : الأنبياء من أهل الجنة ومن قالت الأنبياء إنه من أهل الجنة فهو من أهل الجنة ، والمنزلة الأخرى للمشركين نشهد عليهم أنهم من أهل النار ، والمنزلة الثالثة للموحدين نقف عليهم فلا نشهد أنهم من أهل النار ولا من أهل الجنة ، ولكنا نرجو لهم ونخاف عليهم ونقول كما قال الله تعالى : (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) [التّوبة : 102] فنرجو لهم لأن الله تعالى قال : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النّساء : 48] ونخاف عليهم بذنوبهم وخطاياهم.
    قال المتعلم رحمه‌الله : ما أعدل هذا القول وأبينه وأقربه من الحق ولكن أخبرني هل أحد من الناس توجب له الجنة إن رأيته صوّاما قوّاما غير الأنبياء صلوات الله على نبينا وعليهم ومن قالت له الأنبياء؟.
    قال العالم رضي الله عنه : لا أوجب الجنة إلا لمن أوجبه النص ، وكذلك النار.
    قال المتعلم رحمه‌الله : فما قولك في أناس رووا : (إن المؤمن إذا زنى خلع الإيمان من رأسه كما يخلع القميص ثم إذا تاب أعيد إليه إيمانه (1) أتشك في قولهم أو تصدقهم. فإن صدقت قولهم دخلت في قول الخوارج وإن شككت في قولهم شككت
    __________________
    (1) أخرجه الحاكم بلفظ قريب من هذا لكن في سنده عبد الله بن الوليد التجيبي وقد ضعفه الدار قطني وقال لا يعتبر بحديثه ، وليّنه ابن حجر ، ولم يدرك ابن حجيرة الكبير ففيه انقطاع ، ولم يشر إلى ذلك الذهبي ، وليس التجيبي ولا ابن حجيرة الصغير بشاميين كما توهم الحاكم على أن حديث أبي ذر «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق» وحديث عبادة في المبايعة. وآخره «... ومن فعل شيئا من ذلك ـ أي الزنى والسرقة ـ فعوقب به في الدنيا فهو كفارة ومن لم يعاقب فهو إلى الله إن شاء عفا وإن شاء عذّبه) في غاية الصحة فلا يناهضهما حديث الحاكم وأما حديث «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» عن أبي هريرة فمؤول عند الجمهور لمخالفة ظاهر معناه للإجماع والكتاب والسنة على ما في فتح الباري (12 ـ 47) على أن في سنده يحيى بن عبد الله بن بكير وهو ممن لا يحتج به أبو حاتم وقد ضعفه النسائي فلا يناهض ما سبق بل أنكر بعض أهل العلم من السلف أن يكون صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاله كما حكى ابن حجر رواية عن ابن جرير الطبري. وأما حديث عكرمة فحديث خارجي فلا يقبل فيما يؤيد به مذهبه (ز).

    في أمر الخوارج ، ورجعت عن العدل الذي وصفت وإن كذبت قولهم قالوا أنت تكذب بقول نبي الله عليه الصلاة والسلام فإنهم رووا ذلك عن رجال حتى ينتهي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    قال العالم رضي الله عنه : أكذب هؤلاء ولا يكون تكذيبي لهؤلاء ردي عليهم تكذيبا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إنما يكون التكذيب لقول النبي عليه‌السلام أن يقول الرجل أنا مكذب لقول نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأما إذا قال الرجل : أنا مؤمن بكلّ شيء تكلم به النبي عليه الصلاة والسلام غير أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يتكلم بالجور ولم يخالف القرآن ، فإن هذا القول منه هو التصديق بالنبي وبالقرآن وتنزيه له من الخلاف على القرآن ، ولو خالف النبي القرآن ، وتقول على الله غير الحق لم يدعه الله حتى يأخذه باليمين ، ويقطع منه الوتين ، كما قال الله عزوجل في القرآن : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (47)) [الحاقّة : 44 ـ 47] ونبي الله لا يخالف كتاب الله تعالى ، ومخالف كتاب الله لا يكون نبي الله.
    وهذا الذي رووه خلاف القرآن (1) لأنه قال الله تعالى في القرآن : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) [النّور : 2] ولم ينف عنهما اسم الإيمان. وقال الله تعالى : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) [النّساء : 16]. فقوله منكم لم يعن به اليهود ولا النصارى وإنما عنى به المسلمين. فرد كل رجل يحدث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخلاف القرآن ليس ردا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا تكذيبا له. ولكن رد على من يحدث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالباطل. والتهمة دخلت عليه ليس على نبي الله عليه‌السلام وكذلك كل شيء تكلم به نبي الله عليه الصلاة والسلام سمعناه أو لم نسمعه فعلى الرأس والعينين. قد آمنا به ونشهد أنه كما قال نبي الله. ونشهد أيضا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه لم يأمر بشيء نهى الله عنه ، ولم يقطع شيئا وصله الله. ولا وصف أمرا وصف الله ذلك الأمر بغير ما وصف به النبيّ. ونشهد أنه كان موافقا لله في جميع الأمور. لم يبتدع ولم يتقول على الله غير ما قال تعالى ولا كان من المتكلفين. ولذا قال الله تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النّساء : 80].
    __________________
    (1) قال الخطيب في (الفقيه والمتفقه) : إذا روى الثقة المأمون خبرا متصل الإسناد رد بأمور. أحدها أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه لأن الشرع إنما يرد بمجوزات العقول وأما خلاف العقول فلا. والثاني أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة فيعلم أنه لا أصل له أو منسوخ والثالث ... (ز).

    قال المتعلم رحمه‌الله : لحسن ما فسرت. ولكن أخبرني عمن يزعم أن شارب الخمر لا يقبل منه صلاة أربعين ليلة أو أربعين يوما. وبيّن لي ما هذا الذي يبطل الحسنات ويهدمها؟.
    قال العالم رضي الله عنه : إني لست أدري تفسير الذي يقولون إنّ الله لا يقبل من شارب الخمر صلاة أربعين ليلة أو يوما ، فلست أكذبهم ما داموا لا يفسرونه تفسيرا لا نعرفه مخالفا للعدل. لأنا قد نعرف أن من عدل الله أن يأخذ العبد بما ركب من الذنب أو يعفو عنه. ولا يأخذه بما لم يرتكب من الذنب ، وأن يحسب له ما أدى إليه من الفرائض ويكتب عليه ذنبه. ومثل ذلك لو أن رجلا أدّى من زكاة ماله خمسين درهما. وقد كان عليه أكثر من ذلك فإنما يؤاخذه الله بما لم يؤد ويحسب له ما قد أدى. وكذلك إذا صام وصلّى وحجّ وقتل فإنه يحسب له حسناته ويكتب عليه سيئاته ولذلك قال الله عزوجل : (لَها ما كَسَبَتْ) [البقرة : 134] يعني من الخبر (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة : 286] يعني من الشر. وقال : (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) [آل عمران : 195] وقال : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) [الكهف : 30] وقال : (وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [يس : 54] وقال : (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الطّور : 16] وقال : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (Cool) [الزّلزلة : 7 ، 8] وقال : (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)) [القمر : 53]. فهو تبارك وتعالى يكتب الصغير من الحسنات والسيئات ، وقال تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (47)) [الأنبياء : 47]. فمن قال لا ، بهذا القول فإنه يصف الله تبارك وتعالى بالجور وقد أمن الله الناس من الظلم حيث قال : (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) [الأنبياء : 47](وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [يس : 54] وقال : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (Cool) [الزّلزلة : 7 ، 8] ، وقد سمّى نفسه شكورا لأنه يشكر الحسنة. وهو أرحم الراحمين. وأما الحسنات فإنه لا يهدمها شيء غير ثلاث خصال. أما الواحد فالشرك بالله لأن الله تعالى قال : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) [المائدة : 5] والأخرى أن يعمل الإنسان فيعتق نسما أو يصل رحما أو يتصدق بمال يريد بهذا كله وجه الله. ثم إذا غضب أو قال في غير الغضب امتنانا على صاحبه الذي كان المعروف منه إليه : ألم أعتق رقبتك؟ أو يقول لمن وصله : ألم أصلك؟ وفي أشباه هذا يضرب به على رأسه. ولذلك قال الله عزوجل : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) [البقرة : 264] والثالثة ما

    كان من عمل يرائي به الناس فإن ذلك العمل الصالح الذي راءى به لا يتقبله الله منه فما كان سوى هذا من السيئات فإنه لا يهدم الحسنات.
    قال المتعلم رحمه‌الله : لقد وصفت الذي هو العدل ولكن أخبرني عمن يشهد عليك بالكفر ما شهادتك عليه؟
    فقال العالم رضي الله عنه : شهادتي عليه أنه كاذب : ولا أسميه بذلك كافرا ؛ ولكن أسميه كاذبا ؛ لأن الحرمة حرمتان حرمة تنتهك من الله تعالى ؛ وحرمة تنتهك من عبيد الله سبحانه : فالحرمة التي تنتهك من الله عزوجل هي الإشراك بالله والتكذيب والكفر ؛ والحرمة التي تنتهك من عبيد الله ؛ فذلك ما يكون بينهم من المظالم. ولا ينبغي أن يكون الذي يكذب على الله وعلى رسوله كالذي يكذب عليّ لأن الذي يكذب على الله وعلى رسوله ذنبه أعظم من أن لو كذب على جميع الناس ، فالذي شهد علي بالكفر ، فهو عندي كاذب ، ولا يحل لي أن أكذب عليه لكذبه علي ؛ لأن الله تعالى قال : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : 8] قال لا يحملنكم عداوة قوم أن تتركوا العدل فيهم.
    قال المتعلم رحمه‌الله : هذه صفة معروفة ولكن كيف تقول في رجل يشهد على نفسه بالكفر؟.
    قال العالم رضي الله عنه : إني أقول ليس ينبغي لي أن أحقق كذبه على نفسه وذلك لأنه لو قال لنفسه إنه حمار لا ينبغي لي أن أقول صدق غير أنه إن قال : إنه بريء من الله أو قال : لا أومن بالله ولا برسوله سميته كافرا وإن سمّى نفسه مؤمنا.
    وكذلك إذا وحّد الله وآمن بما جاء من عند الله سميته مؤمنا وإن سمّى نفسه كافرا.
    قال المتعلم رحمه‌الله : أراك فيه أحسن قولا منه في نفسه. وأنت أحق بذلك ولكن أخبرني أرأيت إن قال لي : إني بريء من دينك أو مما تعبد؟.
    قال العالم رضي الله عنه : إن قال لي هذا لم أعجل ولكني أسأله عند ذلك أتبرأ من دين الله؟ أو تبرأ من الله فأي القولين قاله سميته كافرا مشركا. فإن قال : لا أبرأ من الله ولا أبرأ من دين الله ولكن أبرأ من دينك لأن دينك هو الكفر بالله وأبرأ مما تعبد لأنك تعبد الشيطان. فإني لا أسميه كافرا. لأنه إنما يكذب علي.
    قال المتعلم رحمه‌الله : هذا لعمري هو قول أهل الورع والتثبت. ولكن أخبرني أليس من أطاع الشيطان وطلب مرضاته فهو كافر وعابد الشيطان؟.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ترجمة بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري   ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyالثلاثاء أكتوبر 15, 2024 11:31 pm

    قال العالم رضي الله عنه : أو علمت ما أردت بهذه المسألة أن المؤمن إذا عصى الله تعالى ليس يكون بمعصيته تلك مطيعا للشيطان طالبا لمرضاته يتعمد ذلك وإن وافق عمله للشيطان طاعة ورضا.
    قال المتعلم رحمه‌الله : أخبرني عن العبادة ما تفسيرها؟
    قال العالم رضي الله عنه : اسم العبادة اسم جامع يجتمع فيه الطاعة والرغبة والإقرار بالربوبية. وذلك أنه إذا أطاع الله العبد في الإيمان به دخل عليه الرجاء والخوف من الله فإذا دخل عليه هذه الخصال الثلاث فقد عبده ولا يكون مؤمنا بغير رجاء ولا خوف ولكنه رب مؤمن يكون خوفه من الله أشد وآخر يكون خوفه أقل. وكذلك من أطاع أحدا رجاء ثوابه أو مخافة عقابه من دون الله فقد عبده. ولو كان العمل بالطاعة وحدها في كل شيء عبادة لكان كل من أطاع غير الله تعالى فقد عبده.
    قال المتعلم رحمه‌الله : ما أحسن ما قلت ولكن أخبرني أرأيت من خاف شيئا أو رجا منفعة شيء هل يدخل عليه الكفر؟.
    قال العالم رضي الله عنه : الخوف والرجاء على منزلتين وإحدى المنزلتين من كان يرجو أحدا أو يخافه يرى أنه يملك له من دون الله ضرا أو نفعا فهو كافر. والمنزلة الأخرى من كان يرجو أحدا أو يخافه لرجائه الخير أو مخافة البلاء من الله تعالى عسى الله أن ينزل به على يدي آخر أو من سبب شيء فإن هذا لا يكون كافرا لأن الوالد يرجو ولده أن ينفعه ويرجو الرجل دابته أن تحمل له. ويرجو جاره أن يحسن إليه ويرجو السلطان أن يدفع عنه ، فلا يدخل عليه الكفر. لأنه إنما رجاؤه من الله عسى أن يرزقه من ولده أو من جاره ويشرب الدواء عسى الله أن ينفعه به فلا يكون كافرا ، وقد يخاف الشر ويفر منه مخافة أن يبتليه الله به. والقياس في ذلك موسى عليه الصلاة والسلام الذي اصطفاه الله تعالى برسالته وخصه بكلامه إياه حيث لم يجعل بينه وبين موسى رسولا قال : (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) [الشّعراء : 14] وسيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث فرّ إلى الغار فلم يدخل عليهم الكفر. وكذلك أيضا يخاف الرجل من السبع أو الحية أو العقرب أو هدم بيت أو سيل أو أذى طعام يأكله ، أو شراب يشربه ، فلا يدخل عليه الكفر ولا الشك ولكن إنما يدخل الجبن.
    قال المتعلم رحمه‌الله : لقد قلت ما نعرف ، ولكن أخبرني عن المؤمن ما شأنه يهاب هذا المخلوق ما لا يهاب الله؟.

    قال العالم رضي الله عنه : ليس شيء أهيب إلى المؤمن من الله ، وذلك لأنه ينزل به المرض الشديد في جسمه أو تنزل به المصيبة الموجعة من الله تعالى ، فلا يقول في سر وعلانية بئس ما صنعت يا رب ، ولا يحدث نفسه بذلك ولا يزداد له إلا ذكرا ، ولو نزل عشر عشير ذلك ، من بعض ملوك الدنيا لتناوله وجوّره بقلبه ولسانه عند أهل ثقته ، حيث لا يسمع ذلك الملك كلامه ، فالمؤمن يراقب الله تعالى في السر والعلانية وفي الحر والبرد ، وملوك الدنيا لا يراقبون في السر والعلانية ، ولا في الكره والرضا ، ولأنه ربما أصابته الجنابة في ليلة باردة فهو يقوم على كره منه حيث لا يعلم أحد ما نزل به غير الله تعالى فيغتسل مخافة من الله أو يصوم في الحر الشديد وقد أصابه الجهد الشديد من العطش وليس بحضرته أحد فهو يراقب الله تعالى ويتصبر ولا يجزع لمخالفته ، والرجل إنما يهاب الملك ما دام بحضرته ، فإذا توارى عنه لم يهبه فمن هاهنا عرفنا بأنه ليس شيء بأهيب إلى المؤمن من الله تعالى.
    قال المتعلم رحمه‌الله : قلت لعمري هذا ما نعرفه من أنفسنا. ولكن أخبرني عمن جهل الإيمان والكفر ما هو؟.
    قال العالم رضي الله عنه : إن الناس إنما يكونون مؤمنين بمعرفتهم وتصديقهم بالرب جلّ وعلا. ويكونون كفارا بإنكارهم بالرب تعالى. فأما إذا أقروا للرب بالعبودية وصدقوا بوحدانيته وبما جاء منه ولم يعلموا ما اسم الإيمان واسم الكفر لا يكونون بهذا كفارا بعد أن علموا أن الإيمان خير ، والكفر شر ، كالرجل الذي يؤتى بالعسل والصبر. فيذوق منهما ويعلم أن العسل حلو. والصبر مر من غير أن يعلم ما اسم العسل؟ وما اسم الصبر؟ ولا يقال له جاهل بالحلاوة والمرارة. ولكن يقال له جاهل باسمهما. كذلك الذي لا يعلم ما اسم الإيمان والكفر. غير أنه يعلم أن الإيمان خير والكفر شر. فلا يقال له : إنه جاهل بالله ولكن يقال له : إنه جاهل باسم الإيمان والكفر.
    قال المتعلم رحمه‌الله : أخبرني عن المؤمن إن عذّب هل ينفعه إيمانه؟ وهل يعذّب بعد إيمانه وفيه الإيمان؟.
    قال العالم رضي الله عنه : سألت عن مسائل لم تسأل مثلهن في مسألتك. وأنا أفتيك فيهن إن شاء الله. أما قولك إن عذّب المؤمن فهل ينفعه إيمانه وفيه الإيمان إن عذّب؟ نعم ينفعه إيمانه لأنه يرفع عنه أشد العذاب. وأشد العذاب إنما يكون على الكافر. لأنه لا ذنب أعظم من الكفر. وهذا المؤمن لم يكفر بالله ولكن عصاه في

    بعض ما أمر به فيعذّب إن عذّب على ما عمل. ولا يعذّب على ما لم يعمل كالرجل الذي قتل ولم يسرق إنما يؤاخذ بالقتل. ولا يؤاخذ بالسرقة. وكذلك قال الله تعالى : (وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [يس : 54]. والمريض ما كان مرضه أقل كان أهون عليه. والذي يعذّب في الدنيا ويرفع عنه أشد العذاب ويعذّب بلون واحد فهو أهون عليه من أن يعذّب بلونين. وكذلك المؤمن إن عذّب على ذنب واحد فهو أهون من أن يعذّب على ذنبين.
    قال المتعلم رحمه‌الله : هذا لعمري ما نعرف من العدل ولكن أخبرني من أين صار كفر الكفار واحدا وعبادتهم كثيرة مختلفة من حيث صار إيمان أهل السماء ومن آمن من أهل الأرض إيمانا واحدا وفرائضهم كثيرة مختلفة.
    قال العالم رضي الله عنه : وذلك لأن فرائض الملائكة غير فرائضنا. وفرائضهم وفرائض الأولين غير فرائضنا. وإيمان أهل السماء وإيمان الأولين وإيماننا واحد لأننا آمنا وعبدنا الرب عزوجل وحده وصدقنا جميعا ، فكذلك الكفار كفرهم وإنكارهم واحد وعبادتهم مختلفة ، وذلك لأنك لو سألت اليهودي من تعبد؟ يقول الله أعبد وإذا سألته عن الله قال هو الذي عزير ولده وهو الذي على مثال البشر ، ومن كان بهذه الصفة لم يكن مؤمنا بالله. وإذا سألت النصراني من تعبد؟ قال الله الله أعبد. وإذا سألته عن الله قال هو الذي في جسد عيسى وفي بطن مريم. يجتن في شيء ويحيط به شيء ، ويلج في شيء ، ومن كان بهذه الصفة لم يكن مؤمنا بالله. وإذا سألت المجوسي من تعبد؟ يقول الله أعبد فإذا سألته عن الله؟ قال هو الذي له الشريك والولد والصاحبة ومن كان بهذه الصفة لم يكن مؤمنا بالله فجهالة هؤلاء كلهم بالرب جلّ وعز وإنكارهم واحد. ونعوتهم وصفاتهم وعبادتهم كثيرة مختلفة. كمثل ثلاثة نفر قال أحدهم : إن عندي لؤلؤة بيضاء ليس في العالم مثلها ، فأخرج حبة من عنب سوداء فحلف أنها لؤلؤة. وخاصم الناس في ذلك. وقال آخر : عندي اللؤلؤة المرتفعة التي ليس في العالم مثلها ، فأخرج سفر جلة فحلف على ذلك وخاصم الناس أنها لؤلؤة. وقال الثالث : اللؤلؤة اليتيمة هي التي عندي ، وأخرج قطعة من مدر فجعل يحلف على ذلك ، ويخاصم الناس عليها أنها لؤلؤة ، وكل هؤلاء اجتمعت جهالتهم باللؤلؤة لأنه ليس أحد منهم يعرف اللؤلؤة ، وصفاتهم كثيرة مختلفة ، فتعرف بذلك أنك لا تعبد موصوفهم ولا معبودهم لأنهم يصفون الثلاثة والاثنين وإنما يعبدون الذي يصفونه ، وأنت تصف الواحد فمعبودك غير معبودهم ، ومعبودهم غير معبودك ولذلك قال الله عزوجل : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3)) [الكافرون : 1 ـ 3].

    قال المتعلم رحمه‌الله : لقد عرفت الذي وصفت أنه كما وصفت ولكن أخبرني من أين يكون هؤلاء جهّالا بالرب لا يعرفونه وهم يقولون الله ربنا؟.
    قال العالم رضي الله عنه : قد أعرف الذي يقولون ، إنهم يقولون إن الله ربنا وهم في ذلك لا يعرفونه لقوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (25)) [لقمان : 25] يقول تعالى : أكثرهم يقول هذا القول بغير علم كالصبي الذي ولدته أمه أعمى فيذكر الليل والنهار والصفرة والحمرة من غير أن يعرف شيئا من ذلك. وكذلك الكفار قد سمعوا اسم الله تعالى من المؤمنين وهم يقولون ما سمعوا من غير أن يعرفوه ، ولذلك قال الله تعالى : (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) [النّحل : 22].
    قال المتعلم رحمه‌الله : هو كما وصفت لكن أخبرني عن الرسول أمن قبل الله تعالى عرفته. أو تعرف الله من قبل الرسول. فإن زعمت أنك إنما تعرف الرسول من قبل الله فكيف يكون ذلك؟ والرسول هو الذي يدعوك إلى الله تعالى.
    قال العالم رضي الله عنه : نعم نعرف الرسول من الله تعالى لأن الرسول وإن كان يدعو إلى الله تعالى ، ولم يكن أحد يعلم بأن الذي يقول الرسول حق يقذف الله في قلبه التصديق والعلم بالرسول ، ولذلك قال الله عزوجل : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [القصص : 56] ولو كانت معرفة الله من قبل الرسول لكانت المنّة على الناس في معرفة الله من قبل الرسول لا من قبل الله ولكن المنّة من الله على الرسول في معرفة الرب عزوجل والمنّة لله على الناس بما عرفهم الله من التصديق بالرسول بل ينبغي أن نقول إن العبد لا يعرف شيئا من الخير إلا من قبل الله.
    قال المتعلم رحمه‌الله : قد فرجت عني ولكن أخبرني عن تفسير الولاية والبراءة هل يجتمعان في إنسان واحد.
    قال العالم رضي الله عنه : الولاية هي الرضا بالعمل الحسن ، والبراءة هي الكراهية على العمل السيئ ، وربما اجتمعا في إنسان واحد ، وربما لم يجتمعا فيه فهو المؤمن الذي يعمل صالحا وسيئا ، وأنت تجامعه وتوافقه على العمل الصالح وتحبه عليه وتخالفه وتفارقه على ما يعمل من السيئ وتكره له ذلك ، فهذا ما سألت عن الولاية والبراءة يجتمعان في إنسان واحد. والذي فيه الكفر ليس فيه شيء من الصالحات ، وأنك تبغضه وتفارقه في جميع ذلك والذي تحبه ولا تكره منه شيئا فهو الرجل المؤمن الذي قد عمل بجميع الصالحات واجتنب القبيح فأنت تحب كل شيء منه ، ولا تكره منه شيئا.

    قال المتعلم رحمه‌الله : ما أحسن ما قلت. ولكن أخبرني عن كفر النعم ما هو.
    قال العالم رضي الله عنه : كفر النعم أن ينكر الرجل أن تكون النعم من الله ، فإن أنكر شيئا من النعم فزعم أنها ليست من الله فهو كافر بالله ، لأن من كفر بالله كفر بالنعم ، قال الله تعالى : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها) [النّحل : 83] يقول إن الكفار يعرفون أن الليل ليل ، والنهار نهار ، ويعرفون الصحة والغنى ، وجميع ما يتقلبون فيه من السعة والراحة أنها نعمة غير أنهم ينسبون ذلك إلى معبودهم الذي يعبدونه ، ولا ينسبونه إلى الله الذي منه النعم ، ولذلك قال الله تعالى : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها) [النّحل : 83] أي ينكرون أن تكون من الله الواحد الذي ليس كمثله شيء.
    والله المستعان وحسبنا الله ونعم الوكيل. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
    تمّ العالم والمتعلم ولله الحمد





    رواية أبي مطيع عن أبي حنيفة
    رضي الله عنهما
    هو الفقه الأكبر رواية أبي مطيع عرف بالفقه الأبسط تمييزا له عن الفقه الأكبر رواية حماد بن أبي حنيفة عن أبيه ، وراويه أبو مطيع هو الحكم بن عبد الله البلخي صاحب أبي حنيفة حدّث عن ابن عون وهشام بن حسان وعنه أحمد بن منيع وخالد بن سالم الصفار وجماعة تفقه به أهل تلك الديار ، قال الذهبي : كان بصيرا بالرأي علامة كبير الشأن ولكنه واه في ضبط الأثر وكان ابن المبارك يعظمه ويجله لدينه وعلمه اه. وطال كلام النقلة فيه يرمونه بالإرجاء والتجهم والرأي راجع الميزان.
    توفي سنة 199 ه‍ عن أربع وثمانين سنة تغمده الله برضوانه (ز).


    بسم الله الرّحمن الرّحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. روى الإمام أبو بكر محمد بن محمد الكاساني. عن أبي بكر علاء الدين محمد بن أحمد السمرقندي. قال : أخبرنا أبو المعين ميمون بن محمد المكحولي النسفي أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن علي الكاشغري الملقب بالفضل. قال : أخبرنا أبو مالك نصران بن نصر الختلي عن علي بن الحسن بن محمد الغزالي عن أبي الحسن علي بن أحمد الفارسي حدثنا نصير بن يحيى الفقيه. قال : سمعت أبا مطيع الحكم بن عبد الله البلخي يقول :
    سألت أبا حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله تعالى عنه وعنهم عن الفقه الأكبر (1) فقال : أن لا تكفر أحدا من أهل القبلة بذنب. ولا تنفي أحدا من الإيمان. وأن تأمر بالمعروف. وتنهى عن المنكر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وأنّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك. ولا تتبرأ من أحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا توالي أحدا دون أحد ، وأن ترد أمر عثمان وعلي إلى الله تعالى.
    وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : الفقه في الدين أفضل من الفقه في الأحكام ولأن يتفقه الرجل كيف يعبد ربه خير له من أن يجمع العلم الكثير.
    قال أبو مطيع : قلت : فأخبرني عن أفضل الفقه. قال أبو حنيفة : أن يتعلم الرجل الإيمان بالله تعالى والشرائع والسنن والحدود واختلاف الأمة واتفاقها. قال : فأخبرني عن الإيمان. فقال (2) : حدثني علقمة بن مرثد عن يحيى بن يعمر قال : قلت
    __________________
    (1) يريد به العلم المتعلق بتصحيح الاعتقاد. وهو أفضل الفقه عنده ، والفقه على إطلاقه يشمل ما يقوّم الاعتقاد والعمل والخلق عند أبي حنيفة ، ولذا يعرف الفقه بأنه معرفة النفس ما لها وما عليها (ز).
    (2) ولأبي حنيفة أسانيد في هذا الحديث منها روايته عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود (ز).

    لابن عمر رضي الله عنهما أخبرني عن الدين ما هو؟ قال : عليك بالإيمان فتعلمه. قلت : فأخبرني عن الإيمان ما هو؟ قال : فأخذ بيدي فانطلق بي إلى شيخ فأقعدني إلى جنبه فقال : إن هذا يسألني عن الإيمان كيف هو؟ فقال : والشيخ كان ممن شهد بدرا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال ابن عمر : كنت إلى جنب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهذا الشيخ معي إذ دخل علينا رجل حسن اللمة متعمما نحسبه من رجال البادية فتخطى رقاب الناس فوقف بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله ما الإيمان؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وتؤمن بملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله تعالى. فقال : صدقت ، فتعجبنا من تصديقه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع جهل أهل البادية. فقال : يا رسول الله ، ما شرائع الإسلام؟ فقال : إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا والاغتسال من الجنابة. فقال : صدقت. فتعجبنا لقوله بتصديقه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كأنه يعلمه. فقال : يا رسول الله وما الإحسان؟ قال : أن تعمل لله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. فقال : صدقت. فقال : يا رسول الله متى الساعة؟ فقال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل. ثم مضى فلما توسط الناس لم نره.
    فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن هذا جبريل أتاكم ليعلمكم معالم دينكم» (1).
    قال أبو مطيع : قلت لأبي حنيفة رحمه‌الله : فإذا استيقن بهذا وأقرّ به فهو مؤمن؟ قال : نعم إذا أقرّ بهذا فقد أقرّ بجملة الإسلام وهو مؤمن. فقلت : إذا أنكر بشيء من خلقه فقال : لا أدري من خالق هذا؟ قال : فإنه كفر لقوله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام : 102]. فكأنه قال : له خالق غير الله ، وكذلك لو قال : لا أعلم أن الله فرض علي الصلاة والصيام والزكاة فإنه قد كفر. لقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) [البقرة : 43] ولقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) [البقرة : 183] ولقوله تعالى : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)) [الرّوم : 17 ، 18] فإن قال : أؤمن بهذه الآية ، ولا أعلم تأويلها ولا أعلم تفسيرها فإنه لا يكفر ، لأنه مؤمن بالتنزيل ومخطئ في التفسير. قلت له : لو أقرّ بجملة الإسلام في أرض الشرك ولا يعلم شيئا من الفرائض والشرائع ولا يقر بالكتاب ولا بشيء من شرائع الإسلام إلا أنه مقر بالله تعالى
    __________________
    (1) ورد حديث جبريل على ألفاظ مختلفة متقاربة في المعنى وليس هذا.

    وبالإيمان ولا يقر بشيء من شرائع الإيمان فمات أهو مؤمن؟ قال : نعم (1) قلت له : ولو لم يعلم شيئا ولم يعمل به إلا أنه مقر بالإيمان فمات. قال : هو مؤمن. قلت لأبي حنيفة : أخبرني عن الإيمان. قال : أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وتشهد بملائكته وكتبه ورسله وجنته وناره وقيامته وخيره وشره وتشهد أنه لم يفوض الأعمال إلى أحد.
    والناس صائرون إلى ما خلقوا له ، وإلى ما جرت به المقادير فقلت له : أرأيت إن أقر بهذا كله لكنه قال : المشيئة إلى أن شئت آمنت وإن شئت لم أومن لقوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : 29]. فقال : كذب في زعمه ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (55) وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [المدّثّر : 54 ـ 56]. وقال تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : 30] (2) وقوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : 29] هذا وعيد ، وبهذا لم يكفر ، لأنه لم يرد الآية ، وإنما أخطأ في تأويلها ولم يرد به تنزيلها قلت له إن قال إن أصابتني مصيبة (فسئلت) أي مما ابتلاني الله بها أو هي مما اكتسبت (أجبت قائلا) ليست هي مما ابتلاني الله بها أيكفر؟ قال : لا ، قلت : ولم؟ قال : لأن الله تعالى قال : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النّساء : 79]. أي بذنبك وأنا قدرته عليك. وقال : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشّورى : 30] ـ أي بذنوبكم ـ وقال تعالى : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [النّحل : 93] ، قال : إلا أنه أخطأ في التأويل ، ومعنى قوله : (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [الأنفال : 24] أي بين المؤمن والكفر ، وبين الكافر والإيمان.
    __________________
    (1) يعني حيث لم يبلغه الشرع في دار الشرك ، وأما الإيمان بالله فدليل العقل كاف في وجوبه عنده قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) [النّساء : 48] ولم يقيد ذلك بزمان ولا مكان ، وأما الأحكام فلا يعذب بها إلا بعد تبليغها (ز).
    (2) ومن مقتضى حكمة الحكيم الخبير خلق العبد شائيا مختارا في أفعاله التكليفية ، وشمول المشيئة الأزلية لتلك الأفعال لا يخرجها عن كونها اختيارية لتعذر انقلاب الحقائق وقد دلت النصوص على اختيار العبد وشمول المشيئة الأزلية. قال الله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : 286] وقال : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : 30] وهذا هو الجمع بين النصوص ، وقد سأل أبو حنيفة زيد بن علي الشهيد أقدر الله المعاصي؟ فقال : أفيعصى قهرا؟! والتقدير والمشيئة والعلم متواردة عليها ، والتقدير والمشيئة على وفق العلم (ز).

    قال أبو حنيفة رحمه‌الله : إن الاستطاعة التي يعمل بها العبد المعصية هي بعينها تصلح لأن يعمل بها الطاعة وهو معاقب في صرف (1) الاستطاعة التي أحدثها الله تعالى فيه وأمره أن يستعملها في الطاعة دون المعصية.
    قلت : فإن قال : الله تعالى لم يجبر عباده على ذنب ثم يعذبهم عليه فما ذا نقول له؟ قال : قل له : هل يطيق العبد لنفسه ضرا ونفعا؟ فإن قال : لا لأنهم مجبورون في الضر والنفع ما خلا الطاعة والمعصية. فقل له : هل خلق الله الشر؟ فإن قال : نعم. خرج من قوله وإن قال : لا ، كفر لقوله تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (2)) [الفلق : 1 ، 2]. أخبر أن الله تعالى خلق الشر. قلت : فإن قال : ألستم تقولون إن الله شاء الكفر وشاء الإيمان. فإن قلنا نعم ، يقول : أليس الله تعالى يقول : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) [المدّثّر : 56] نقول : نعم ، فيقول : أهو أهل الكفر؟ فما نقول له؟ قال : نقول : هو أهل لمن يشاء الطاعة وليس بأهل لمن يشاء المعصية. فإن قال : إن الله تعالى لم يشأ أن يقال عليه الكذب. فقل له : الفرية على الله من الكلام والمنطق أم لا؟ فإن قال : نعم ، فقل : من علّم آدم الأسماء كلها؟ فإن قال : الله ، فقل : الكفر من الكلام أم لا؟ فإن قال : نعم ، فقل : من أنطق الكافر؟ فإن قال : الله. خصموا أنفسهم ، لأن الشرك من النطق ، ولو شاء الله لما أنطقهم به. قلت : فإن قال : إن الرجل إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ، وإن شاء أكل وإن شاء لم يأكل ، وإن شاء شرب وإن شاء لم يشرب. قال : فقل له : هل حكم الله على بني إسرائيل أن يعبروا البحر وقدّر على فرعون الغرق؟ فإن قال : نعم ، قل له : فهل يقع من فرعون أن لا يسير في طلب موسى وأن لا يغرق هو وأصحابه؟ فإن قال : نعم فقد كفر ، وإن قال : لا ، نقض قوله السابق.
    __________________
    (1) وصرف الاستطاعة هو منار التكليف وقد جعله الله بيد العبد المكلف فلا جبر عنده (ز).

    باب في القدر
    قال : حدثنا علي (1) بن أحمد عن نصير بن يحيى قال : سمعت أبا مطيع يقول : قال أبو حنيفة رضي الله عنه : حدثنا حماد عن إبراهيم ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم علقة مثل ذلك ثم مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكا يكتب عليه رزقه وأجله وشقي أم سعيد ، والذي لا إله غيره إن الرجل ليعمل عمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجن فيموت فيدخلها ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيعمل بعمل أهل النار فيموت فيدخلها».
    قلت : فما تقول فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيتبعه على ذلك ناس فيخرج على الجماعة هل ترى ذلك؟ قال : لا. قلت : ولم وقد أمر الله تعالى ورسوله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذا فريضة واجبة؟ فقال : هو كذلك لكن ما يفسدون من ذلك يكون أكثر مما يصلحون ، من سفك الدماء واستحلال المحارم وانتهاك الأموال. وقد قال الله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) [الحجرات : 9] قلت : فنقاتل الفئة الباغية بالسيف؟ قال : نعم. تأمر وتنهى فإن قبل وإلا قاتلته ، فتكون مع الفئة العادلة وإن كان الإمام جائرا.
    لقول النبي عليه الصلاة والسلام : «لا يضركم جور من جار ولا عدل من عدل ، لكم أجركم وعليه وزره» (2). قلت له : ما تقول في الخوارج المحكمة؟ قال : هم أخبث الخوارج ، قلت له : أنكفرهم؟ قال : لا. ولكن نقاتلهم على ما قاتلهم الأئمة من أهل الخير : علي وعمر بن عبد العزيز. قلت : فإن الخوارج يكبّرون ويصلّون ويتلون القرآن أما تذكر حديث أبي أمامة رضي الله عنه حين دخل مسجد دمشق فإذا
    __________________
    (1) هو الفارسي شيخ شيخ الختلي في السند (ز).
    (2) وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة لكن هذا اللفظ لم أجده فلعله رواية بالمعنى (ز).

    فيه رءوس ناس من الخوارج فقال لأبي غالب الحمصي : يا أبا غالب هؤلاء ناس من أهل أرضك فأحببت أن أعرفك من هؤلاء ، هؤلاء كلاب أهل النار هؤلاء كلاب أهل النار وهم شر قتلى تحت أديم السماء ـ وأبو أمامة في ذلك يبكي ـ فقال أبو غالب : يا أبا أمامة ما يبكيك؟ إنهم كانوا مسلمين وأنت تقول لهم ما أسمع قال : أولاء ، يقول الله تعالى فيهم : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (107)) [آل عمران : 106 ، 107] قال له : أشيء تقوله برأيك أم سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : إني لو لم أسمعه منه إلا مرة أو مرتين أو ثلاث مرات إلى سبع مرات لما حدثتكموه. فكفر الخوارج كفر انعم ، كفر بما أنعم الله تعالى عليهم. قلت : الخوارج إذا خرجوا وحاربوا وأغاروا ثم صالحوا هل يتبعون بما فعلوا؟ قال : لا غرامة عليهم بعد سكون الحرب ، ولا حد عليهم ، والدم كذلك لا قصاص فيه. قلت : ولم ذلك؟ قال : للحديث الذي جاء أنه لما وقعت الفتنة بين الناس في قتل عثمان رضي الله عنه فاجتمعت الصحابة رضي الله عنهم على أن من أصاب دما بتأويل فلا قود عليه.
    ومن أصاب فرجا حراما بتأويل فلا حد عليه. ومن أصاب مالا بتأويل فلا تبعة عليه إلا أن يوجد المال بعينه فيرد إلى صاحبه. قلت : قال قائل : لا أعرف الكافر كافرا. قال : هو مثله. قلت : فإن قال : لا أدري أين مصير الكافر؟ قال : هو جاحد لكتاب الله تعالى وهو كافر. قلت له : فما تقول لو أن رجلا قيل له : أمؤمن أنت؟ قال : الله أعلم ، قال : هو شاك في إيمانه ، قلت : فهل بين الكفر والإيمان منزلة إلا النفاق وهو أحد الثلاثة ، إما مؤمن أو كافر أو منافق ، قال : لا ، ليس بمنافق من يشك في إيمانه ، قلت : لم؟ قال : لحديث صاحب لمعاذ بن جبل وابن مسعود : حدثني حماد عن حارث بن مالك ـ وكان من أصحاب معاذ بن جبل الأنصاري ـ فلما حضره الموت بكى. قال معاذ : ما يبكيك يا حارث؟ قال : ما يبكيني موتك ، قد علمت أن الآخرة خير لك من الأولى ، لكن من المعلم بعدك؟ ويروى من العالم بعدك؟ قال : مهلا وعليك بعبد الله بن مسعود فقال له : أوصني ، فأوصاه مما شاء الله ثم قال : احذر زلّة العالم ، قال : فمات معاذ وقدم الحارث الكوفة إلى أصحاب عبد الله بن مسعود فنودي بالصلاة فقال الحارث : قوموا إلى هذه الدعوة ، حق لكل مؤمن من سمعه أن يجيبه فنظروا إليه وقالوا : إنك لمؤمن ، قال : نعم إني لمؤمن ، فتغامزوا به ، فلما خرج عبد الله قيل له ذلك ، فقال للحارث مثل قولهم فنكس الحارث رأسه وبكى

    وقال : رحم الله معاذا فأخبر به ابن مسعود ، فقال له : إنك لمؤمن ، قال : نعم ، قال : فتقول إنك من أهل الجنة ، قال : رحم الله معاذا فإنه أوصاني أن أحذر زلّة العالم والأخذ بحكم المنافق ، قال : فهل من زلة رأيت؟ قال : نشدتك بالله أليس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان والناس يومئذ على ثلاث فرق مؤمن في السر والعلانية ، وكافر في السر والعلانية ومنافق في السر ومؤمن في العلانية فمن أي الثلاث أنت؟ قال : أما أنا فإذا ناشدتني بالله فإني مؤمن في السر والعلانية. قال : فلم لمتني حيث قلت : إني لمؤمن؟ قال : أجل هذه زلتي فادفنوها علي فرحم الله معاذا. قلت لأبي حنيفة رحمه‌الله : فمن قال إني من أهل الجنة؟ قال : كذب. لا علم له به. قال : والمؤمن من يدخل الجنة بالإيمان فيعذّب في النار بالأحداث. قلت فإنه قال : إنه من أهل النار؟ قال : كذب لا علم له به قد أيس من رحمة الله تعالى ، قال أبو حنيفة رحمه‌الله : ينبغي أن يقول : أنا مؤمن حقا ، لأنه لا يشك في إيمانه قلت : أيكون إيمانه كإيمان الملائكة؟ قال : نعم (1) قلت وإن قصر عمله فإنه مؤمن حقا قال : فحدثني حديث حارثة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له : «كيف أصبحت؟» قال : أصبحت مؤمنا حقا ، قال : «انظر ما تقول فإن لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك؟» فقال : عزفت نفسي عن الدنيا حتى أظمأت نهاري وأسهرت ليلي. فكأني أنظر إلى عرش ربي ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها ، وكأني أنظر إلى أهل النار حين يتضاغون فيها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أصبت فالزم ، أصبت فالزم» ثم قال : «من سرّه أن ينظر إلى رجل نوّر الله تعالى قلبه فلينظر إلى حارثة» ثم قال : يا رسول الله ادع الله لي بالشهادة فدعا له بها فاستشهد قلت : فما بال أقوام يقولون لا يدخل المؤمن النار؟ قال : «لا يدخل النار إلا كل مؤمن» قلت : والكافر؟ قال : «هم يؤمنون يومئذ» قلت : وكيف ذلك؟ قال : «لقوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) [غافر : 84 ، 85]».
    قال أبو حنيفة رحمه‌الله : من قتل نفسا بغير حق أو سرق أو قطع الطريق أو فجر أو فسق أو زنى أو شرب الخمر أو سكر فهو مؤمن فاسق ، وليس بكافر ، وإنما يعذبهم بالأحداث في النار ويخرجهم منها بالإيمان ، قال أبو حنيفة رحمه‌الله : من آمن
    __________________
    (1) مهما كان الإيمان هو العقد الجازم لا يمكن فيه احتمال للنقيض أصلا فيكون إيمان المؤمنين على حد سواء فالتفاضل بينهم بالأعمال التي هي من كمال الإيمان وأما جعل العمل ركنا من الإيمان فلا يمكنه التملص مما وقع فيه الخوارج أو المعتزلة نعوذ بالله من سوء المنقلب (ز).

    بجميع ما يؤمن به إلا أنه قال : لا أعرف موسى وعيسى أمرسلان هما أم غير مرسلين فهو كافر ، ومن قال لا أدري الكافر أهو في الجنة أو في النار فهو كافر ، لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) [فاطر : 36] وقال : (وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) [البروج : 10] وقال الله تعالى : (وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) [الشّورى : 16]. قال أبو حنيفة رحمه‌الله : بلغني عن سعيد بن المسيب أنه قال : من لم ينزل الكفار منزلهم من النار فهو مثلهم. قلت : فأخبرني عمن يؤمن ولا يصلي ولا يصوم ولا يعمل شيئا من هذه الأعمال هل يغني إيمانه شيئا؟ قال : هو في مشيئة الله تعالى إن شاء عذّبه وإن شاء رحمه. وقال : من لم يجحد شيئا من كتابه فهو مؤمن. قال أبو حنيفة : حدثني بعض أهل العلم أن معاذ بن جبل رضي الله عنه لما قدم مدينة حمص اجتمعوا إليه وسأله شاب فقال : ما تقول فيمن يصلي ويصوم ويحج البيت ويجاهد في سبيل الله تعالى ويعتق ويؤدي زكاته غير أنه يشك في الله ورسوله؟ قال : هذا له النار ، قال : فما تقول فيمن لا يصلي ولا يصوم ولا يحج البيت ولا يؤدي زكاته غير أنه مؤمن بالله ورسوله؟ قال : أرجو له وأخاف عليه. فقال الفتى : يا أبا عبد الرّحمن كما أنه لا ينفع (1) مع الشك عمل. فكذلك لا يضر (2) مع الإيمان شيء. ثم مضى الفتى ، فقال معاذ : ليس في هذا الوادي أحد أفقه من هذا الفتى (3).
    قال أبو حنيفة : فقاتل أهل البغي بالبغي لا بالكفر. وكن مع الفئة العادلة والسلطان الجائر. ولا تكن مع أهل البغي. فإن كان في أهل الجماعة فاسدون
    __________________
    (1) والمنفي النفع الخاص هنا وهو النفع الذي ينقذ من الخلود في النار بدليل السياق فلا ينتفع الشاك في الله ورسوله بعمل من الأعمال في إنقاذه من الخلود في النار. ولذابت في الشاك أنه في النار. والشك اللاحق يهدم الطاعة السابقة (ز).
    (2) وكذا المراد من الضرر المنفي هنا هو الضرر الخاص. وهو الضرر المزيل للرجاء بدليل السياق أيضا فلا يكون المؤمن فاقد الرجاء يائسا من العفو بما اقترف من ذنب ما دام مؤمنا وهو المراد بقول معاذ : (أرجو له وأخاف عليه) حيث لم يبت بدخوله في النار مرجئا أمره إلى الله ولو لم يكن مراد الفتى هذا لما أثنى عليه معاذ رضي الله عنه ، وإلا كان كلامه متناقضا فحاشاه من ذلك ، وتقييد المطلق بقرائن السياق والسباق في غاية الكثرة في اللسان العربي المبين وأما الإيمان اللاحق فيجب العصيان السابق (ز).
    (3) وفي هذا المعنى ما أخرجه الحارثي عن أبي حنيفة عن الحارث بن عبد الرّحمن عن أبي مسلم الخولاني ، عن معاذ رضي الله عنه ، راجع مسند الحارثي في مكتبة الأزهر في الحديث (رقم 1930) في أواخر الكتاب في مرويات أبي حنيفة عن الحارث بن عبد الرّحمن عن شيوخه ومثله في أوائل مختصر مسند الحصكفي لمحمد عابد السندي وهو مطبوع (ز).

    ظالمون. فإن فيهم أيضا صالحين يعينونك عليهم ، وإن كانت الجماعة باغية فاعتزلهم واخرج إلى غيرهم. قال الله تعالى : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) [النّساء : 97] وقال أيضا : (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) [العنكبوت : 56].
    قال أبو حنيفة رحمه‌الله : حدثنا حماد عن إبراهيم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنهم : قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا ظهرت المعاصي في أرض فلم تطق أن تغيرها فتحول عنها إلى غيرها فاعبد بها ربك». وقال : حدثني بعض أهل العلم (1) عن رجل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من تحول من أرض يخاف الفتنة فيها إلى أرض لا يخافها فيها كتب الله له أجر سبعين صدّيقا».
    قال أبو حنيفة : من قال لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض فقد كفر (2) وكذا من قال إنه على العرش. ولا أدري العرش أفي السماء أو في الأرض (3)
    __________________
    (1) فهو مجهول كما أن الصحابي مجهول فليحرر (ز).
    (2) ولم يذكر في المتن وجه كفره فبيّنه الشارح أبو الليث السمرقندي بقوله : (لأنه بهذا القول يوهم أن يكون له تعالى مكان فكان مشركا). ويدل على ذلك ما سيجيء في المتن : (قلت : أرأيت لو قيل أين الله تعالى ؛ يقال له : كان الله تعالى ولا مكان قبل أن يخلق الخلق ، وكان الله تعالى ولم يكن أين ولا خلق ولا شيء ، وهو خالق كل شيء يعني فلا يتصور الأينية إلا في الحادث. ومما يدل على ذلك أيضا قول الطحاوي في كتابه : (بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم‌الله) : (ومن لم يتوق النفي والتشبيه ، زلّ ولم يصب التنزيه. فإن ربنا جلّ وعلا موصوف بصفات الوحدانية. منعوت بنعوت الفردانية. وليس في معناه أحد من البرية ، تعالى عن الحدود والغايات ، والأركان والأعضاء والأدوات ، ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات اه) وهذا جلي واضح مستغن عن الإيضاح وبسط القول في ذلك في كتاب (إشارات المرام من عبارات الإمام) للعلامة كمال الدين البياضي المطبوع حديثا. وهو من أحسن ما نشر إلى الآن في اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب أئمتنا رضي الله عنهم (ز).
    (3) وهذا لفظ نسخة العلامة البياضي. وأما لفظ نسخة أبي الليث فهو (قال الله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5)) [طه : 5] فإن قال أقول بهذه الآية ولكن لا أدري أين العرش في السماء أم في الأرض فقد كفر أيضا). ولم يذكر في المتن هنا أيضا وجه كفر هذا القائل في النسختين فبيّنه البياضي في (ص 200) من إشارات المرام ، وبيّنه أبو الليث بقوله : (وهذا يرجع إلى المعنى الأول في الحقيقة لأنه إذا قال لا أدري أن العرش في السماء أم في الأرض فكأنه قال لا أدري أن الله في السماء أم في الأرض) فلا يكون منزها لله عن المكان مع وجوب تنزيهه عنه. ثم أفاض أبو الليث في الرد على الكرامية وسائر المشبهة القائلين بإثبات المكان له تعالى ، وأبو الليث هذا تخرج على أبي جعفر الهنداوي عن أبي القاسم الصفار عن نصير بن يحيى البلخي راوية هذا الكتاب بسنده المعروف بين أهل العلم سلفا وخلفا. وأبو الليث هذا توفي

    __________________
    ـ سنة 373 ه‍. وبعد مائة سنة من هذا التاريخ ترى ينجم بين الحشوية شخص جريء يلقبه شركاؤه في الضلال بشيخ الإسلام. ويؤلف لهم كتابا سماه «الفاروق» وكتابا سماه «ذم الكلام» وغيرهما. يضمنهما روايات طامة. وآراء سخيفة للغاية يفتن بها كثيرا من الجهال. وهو الذي لا يتحاشى أن يروي عن كعب (أن الله سبحانه قال للجبال إني واطئ على جبل فتطاولت الجبال فتواضع الطور فهبط عليه). وكذا «أطيط العرش من ثقل الذات عليه» والحد ونحو ذلك ومما يقول في ذم الكلام : «أن الأشعرية لا تحل ذبائحهم ولا مناكحتهم لأنهم ليسوا بمسلمين ولا أهل كتاب» باعتبار أنهم لا يقولون إن الله يسكن السماء. وهذا الأفّاك تناول في «الفاروق» لفظ أبي حنيفة السابق. وتزيد فيه ما شاء تزيد شائنا منافيا لنفي الأينية المنصوص عليه في المتن الأصلي السابق ذكره المتداول بين أصحابنا على توالي الطبقات فذاع بعض النسخ من الفقه الأكبر على هذا التزيد والإفك المبين فانخدع به بعض الأغرار ممن لم يؤتوا بصيرة فنسأل الله الصون. وفي نسخة في رجال سندها الكوراني المذكور حاله في أواخر حسن التقاضي ما عبارته : (قال أبو حنيفة : من قال : لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض فقد كفر لأن الله تعالى قال : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5)) [طه : 5] فإن قال : إنه تعالى على العرش استوى. ولكنه يقول : لا أدري العرش في السماء أم في الأرض. قال هو كافر لأنه أنكر كون العرش في السماء لأن العرش في أعلى عليين) ولا وجود لهذين التعليلين في رواية أبي الليث وغيرهما من أصحابنا كما سبق ، على أنه ليس فيهما إثبات مكان له تعالى وإنما فيهما إثبات استوائه تعالى على العرش استواء يليق بجلاله كما هو معتقد أهل الحق ، وأنى ذلك من إثبات الاستقرار المكاني له تعالى على العرش؟ وذلك القائل جوّز إثبات المكان له تعالى فأخذ يتحرى مكانا له في السماء والأرض. وهذا جهل بالله وكفر به عند أبي حنيفة ، لأن التجويز في حكم التنجيز في باب المعتقد ، ومن أثبت له مكانا حسيا فما زال عابدا للصنم تعالى الله عن جهالات الجاهلين ـ راجع الجزء الثاني من العواصم عن القواصم لأبي بكر بن العربي ، وهنا بسط القول في العرش والاستواء عليه عند أهل الحق ، وهذا هو الموافق لنفي الأين والمكان عنه ـ تعالى كما سيأتي في متن هذا الكتاب وللنص المسوق في الوصية لأبي حنيفة ونجد ذلك كله مجموعا في صعيد واحد في (إشارات المرام) ، ولفظ الذهبي في العلو في التعليل الأول (وعرشه فوق سماواته) وفي التعليل الثاني (إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر) نقلا عن فاروق الهروي بإقامة الضمير مقام الظاهر تمهيدا لصرفه إلى معتقد الحشوية. ولفظ ابن القيم في اجتماع الجيوش في التعليل الثاني : (لأنه أنكر أن يكون في السماء لأنه تعالى في أعلى عليين) نقلا عن الهروي بواسطة شيخه فانظر إلى هذا التصرف المعيب والبهت الغريب ، فرأس المصيبة هو الهروي وزاده الشيخان ما شاء من غير ورع ، وأين في الكتاب والسنة تعيين مكان له تعالى في أعلى عليين (*) (ز)
    __________________
    (*) (يناقض نفسه في التزيد مرة يكفر من لا يقول : إنه على العرش فوق السماوات ومرة يكفر من لا يقول إنه في السماء. وأحدهما يناقض الآخر وأبو حنيفة براء من الاثنين (ز).

    الله تعالى من أعلى لا من أسفل (1) لأن الأسفل ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء. وعليه ما روي في الحديث أن رجلا أتى إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأمة سوداء فقال : وجب علي عتق رقبة مؤمنة ، أفتجزئ هذه؟ فقال لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أمؤمنة أنت؟» فقالت : نعم.
    فقال : «أين الله» (2) فأشارت إلى السماء ، فقال : «اعتقها فإنها مؤمنة». قال أبو حنيفة : من قال لا أعرف عذاب القبر فهو من الجهمية الهالكة لأنه أنكر قوله تعالى : (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) [التّوبة : 101] ـ يعني عذاب القبر ـ وقوله تعالى : (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ) [الطّور : 47] ـ يعني في القبر ـ فإن قال : أؤمن بالآية ولا أؤمن بتأويلها وتفسيرها ، قال : هو كافر لأن من القرآن ما هو تنزيله تأويله. فإن جحد بها فقد كفر ، قال أبو حنيفة رحمه‌الله : حدثني رجل عن المنهال بن عمرو عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «شرار أمتي يقولون إنا في الجنة دون النار».
    وحدثت عن أبي ظبيان قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ويل للمتألين (3) من أمتي» قيل : يا رسول الله وما المتألون؟ قال : «الذين يقولون فلان في الجنة وفلان في النار». وحدثت عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تقولوا أمتي في الجنة ولا في النار دعوهم حتى يكون الله يحكم بينهم يوم القيامة». قال : وحدثني أبان عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يقول الله عزوجل : لا تنزلوا عبادي جنة ولا نارا حتى أكون أنا الذي أحكم فيهم يوم القيامة وأنزلهم منازلهم». قلت : فأخبرني عن القاتل والصلاة خلفه؟ فقال : «الصلاة خلف كل بر وفاجر جائزة ، فلك أجرك
    __________________
    (1) يشير إلى أن السماء قبلة الدعاء لا أنها مسكن رب العالمين تعالى شأنه فكيف وسمعت الرأس مما يتبدل كل آن ، وقد بسطنا ذلك فيما علقناه على السيف الصقيل والأسماء والصفات (ز).
    (2) سؤال استكشاف فلا يفيد إثبات المكان له تعالى كما في شرح المواقف ، واستعمال أين للسؤال عن المكانة معروفة كقول عمرو بن العاص
    فأين الثريا وأين الثرير أين معاوية من علي.
    والاعتلاء على السماء قد يراد به مجرد علو الشأن بدون ملاحظة أي مكان. قال الشاعر :
    علونا السماء مجدنا وجدودنا
    وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرا

    وبسط القول في حديث الجارية فيما علقته على الأسماء والصفات للبيهقي. راجع «ص 422» منه (ز).
    (3) أخرجه البخاري في تاريخه. والتألي على الله هو الحالف المتحكم في أنه يدخل فلانا الجنة وفلانا النار (ز).

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ترجمة بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري   ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyالثلاثاء أكتوبر 15, 2024 11:35 pm

    وعليه وزره» قلت : أخبرني عن هؤلاء الذين يخرجون على الناس بسيوفهم فيقاتلون وينالون منهم. قال : هم أصناف شتى وكلهم في النار.
    قال : روى أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «افترقت بنو إسرائيل اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي ثلاثا وسبعين فرقة كلهم في النار إلا السواد الأعظم» قال : وحدثني حماد عن إبراهيم عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أحدث حدثا في الإسلام فقد هلك ومن ابتدع بدعة فقد ضلّ ومن ضلّ ففي النار». حدثنا ميمون عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله علّمني ، قال : «فاذهب فتعلّم القرآن» ثلاثا. ثم قال له في الرابعة : «اقبل الحق ممن جاءك به حبيبا كان أو بغيضا وتعلّم القرآن ومل معه حيث مال».
    قال : وحدثنا حماد عن إبراهيم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول : إن شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. وقال الله تعالى : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (Cool) [الشّمس : 8] وقال الله تعالى لموسى على سيدنا ونبينا عليه الصلاة والسلام : (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) [طه : 85].
    * * *
    باب المشيئة
    قلت : هل أمر الله تعالى بشيء ولم يشأ خلقه وشاء شيئا ولم يأمر به وخلقه؟ قال : نعم. قلت : فما ذاك؟ قال : أمر الكافر بالإسلام ولم يشأ خلقه ، وشاء الكفر للكافر ولم يأمر به وخلقه. قلت : هل رضي الله شيئا ولم يأمر به؟ قال : نعم. كالعبادات النافلة. قلت : هل أمر الله تعالى بشيء ولم يرض به؟ قال : لا. قلت : لم؟ قال : لأن كل شيء أمر به فقد رضيه. قلت : يعذب الله العباد على ما يرضى أو على ما لا يرضى؟ قال : يعذبهم الله على ما لا يرضى لأنه يعذبهم على الكفر والمعاصي ولا يرضى بها. قلت : فيعذبهم على ما يشاء أو على ما لا يشاء؟ قال : بل يعذبهم على ما يشاء لهم ، لأنه يعذبهم على الكفر والمعاصي وشاء للكافر وللمعاصي المعصية. قلت : هل أمرهم بالإسلام ثم شاء لهم الكفر؟ قال : نعم. قلت : سبقت مشيئته أمره أو سبق أمره مشيئته؟ قال : سبقت مشيئته أمره ، قلت : فمشيئة الله رضا له أم لا؟ قال : هو لله رضا ممن عمل بمشيئته وبرضاه وطاعته فيما أمر به ومن عمل خلاف ما أمر به فقد عمل بمشيئته ولم يعمل برضاه لكن عمل معصيته ، ومعصيته غير

    رضاه. قلت : يعذب العباد على ما يرضى؟ قال : يعذبهم على ما لا يرضى من الكفر ولكن يرضى أن يعذبهم وينتقم منهم بتركهم الطاعة وأخذهم بالمعصية. قلت : شاء الله للمؤمنين الكفر؟ قال : لا. ولكن شاء للمؤمنين الإيمان ، كما شاء للكافرين الكفر وكما شاء لأصحاب الزنى الزنى وكما شاء لأصحاب السرقة السرقة وكما شاء لأصحاب العلم العلم وكما شاء لأصحاب الخير الخير ، لأن الله تعالى شاء للكفّار قبل أن يخلقهم أن يكونوا كفارا ضلالا (1). قلت : يعذب الله الكفار على ما يرضى أن يخلق أم على ما لا يرضى أن يخلق؟ قال : بل يعذبهم على ما يرضى أن يخلق. قلت : لم؟ قال : لأنه يعذبهم على الكفر ورضي أن يخلق الكفر ، ولم يرض الكفر بعينه. قلت : قال الله تعالى : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [الزّمر : 7] فكيف يرضى أن يخلق الكفر؟ قال : يشاء لهم ولا يرضى به. قلت : لم؟ قال : لأنه خلق إبليس فرضي أن يخلق إبليس ولم يرض نفس إبليس ، وكذلك الخمر والخنازير فرضي أن يخلقهن ولم يرض أنفسهن. قلت : لم؟ قال : لأنه لو رضي الخمر بعينها لكان من شربها فقد شرب ما رضي الله ، ولكنه لا يرضى الخمر ولا الكفر ولا إبليس ولا أفعاله ولكنه رضي محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قلت : أرأيت اليهود حيث قالوا : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) [المائدة : 64] أرضي الله لهم أن يقولوا ذلك؟ قال : لا.
    * * *
    باب آخر في المشيئة
    إذا قيل له : أرأيت لو شاء الله أن يخلق الخلق كلهم مطيعين مثل الملائكة هل كان قادرا؟ فإن قال لا فقد وصف الله تعالى بغير ما وصف به نفسه ، لقوله تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) [الأنعام : 18] وقوله تعالى : (هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) [الأنعام : 65]. فإن قال : هو قادر ، فقل أرأيت لو شاء الله أن يكون إبليس مثل جبريل في الطاعة أما كان قادرا؟ فإن قال : لا ، فقد ترك قوله ووصف الله تعالى بغير صفته ، فإن قال : لو أنه زنى أو شرب أو قذف أليس هو بمشيئة الله؟ قيل : نعم. فإن قال : فلم تجري عليه الحدود؟ قيل : لا يترك ما أمر الله به لأنه لو قطع غلامه كان بمشيئة الله وذمه الناس ، ولو أعتقه حمدوه عليه ، وكلاهما وجدا
    __________________
    (1) ومشيئة الله في الأزل خلق الكفر والضلال لهم في المستقبل إنما هي من جهة أن العبد يختار ذلك فيخلقه الخالق على جاري عادته الحكيمة ، فليس في الأمر شمة الجبر. (ز).

    بمشيئة الله تعالى ، وقد عمل بمشيئة الله تعالى لكن من عمل بمشيئة المعصية فإنه ليس بها رضا ولا عدل في فعله (1) ، وقوله : فلم تجري عليه الحدود؟ سؤال فاسد على أصلهم ، لأنهم لا يثبتون مشيئة الله تعالى في كثير من المعاصي فلا تلزمه الحدود إلا على فعله مثل شرب الخمر ، وقد فعلها جميعا بمشيئة الله تعالى.
    * * *
    باب الرد على من يكفر بالذنب
    قلت : أرأيت لو أن رجلا قال : من أذنب ذنبا فهو كافر. ما النقض عليه؟ فقال : يقال له : قال الله تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)) [الأنبياء : 87] ، فهو ظالم مؤمن وليس بكافر ولا منافق. وإخوة يوسف قالوا : (يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) [يوسف : 97] وكانوا مذنبين لا كافرين وقال الله تعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : 2] ولم يقل من كفرك. وموسى حين قتل الرجل كان في قتله مذنبا لا كافرا. قال : وإذا قال : أنا مؤمن إن شاء الله تعالى يقال له : قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56)) [الأحزاب : 56] فإن كنت مؤمنا فصلّ عليه وإن كنت غير مؤمن فلا تصلّ عليه. وقال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) [الجمعة : 9] الآية. قال معاذ رضي الله عنه : من شكّ في الله فإن ذلك يبطل جميع حسناته ومن آمن وتعاطى المعاصي يرجى له المغفرة ويخاف عليه العقوبة. قال السائل لمعاذ رضي الله عنه : إذا كان الشك يهدم الحسنات فإن الإيمان أهدم وأهدم للسيئات (2).
    قال معاذ رضي الله عنه : والله ما رأيت رجلا أعجب من هذا الرجل يسأل أمسلم أنت؟ فيقول : لا أدري. فيقال له : قولك لا أدري أعدل أم جور؟ فإن قال
    __________________
    (1) لأن تعلق مشيئة الخالق بخلق معصية العبد عند إرادة العبد فعلها باختياره ، فلا يبرئ ذلك التعلق العبد من المسئولية ، وقد جرت حكمة الحكيم الخبير على خلق ما اختاره العبد من الأفعال التي تحت استطاعته تحقيقا لمسئوليته فمن أراد الهداية واستهداه يهديه ، وفي الحديث القدسي : «كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم». (ز).
    (2) يعني ما سبق من السيئات لأن الإسلام يجب ما قبله ، راجع حديث معاذ السابق (ز).

    عدل فقل : أرأيت ما كان في الدنيا عدلا أليس في الآخرة عدلا؟ فإن قال : نعم ، فقل : أتؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير وبالقدر خيره وشره من الله تعالى؟ فإن قال : نعم ، فقل له : أمؤمن أنت؟ فإن قال : لا أدري. فقل له : لا دريت ولا فهمت ولا أفلحت. قلت : ومن قال : إن الجنة والنار ليستا بمخلوقتين. فقل له : هما شيء أو ليستا بشيء وقد قال الله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام : 102] وقال الله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (49)) [القمر : 49] وقال الله تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) [غافر : 46]. فإن قال : إنهما تفنيان. فقل له : وصف الله نعيمها بقوله : (لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (33)) [الواقعة : 33] ومن قال : هما تفنيان بعد دخول أهلهما فيهما فقد كفر بالله تعالى لأنه أنكر الخلود فيهما.
    قال أبو حنيفة رحمه‌الله تعالى : لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين ، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف وهو قول أهل السنة والجماعة ، وهو يغضب ويرضى ولا يقال غضبه عقوبته ورضاه ثوابه ، ونصفه كما وصف نفسه ، أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد حي قيوم قادر سميع بصير عالم. يد الله فوق أيديهم ليست كأيدي خلقه وليست بجارحة ، وهو خالق الأيدي ، ووجهه ليس كوجوه خلقه. وهو خالق كل الوجوه ، ونفسه ليس كنفس خلقه ، وهو خالق النفوس (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشّورى : 11] قلت : أرأيت لو قيل : أين الله تعالى؟ فقال : يقال له كان الله تعالى ولا مكان قبل أن يخلق الخلق ، وكان الله تعالى ولم يكن أين ولا خلق ولا شيء ، وهو خالق كل شيء. فإن قيل : بأي شيء شاء الشائي المشيء؟ فقل بالصفة ، وهو قادر يقدر بالقدرة وعالم يعلم بالعلم ومالك يملك بالملك. فإن قيل : أشاء بالمشيئة ، وقدر بالمشيئة وشاء بالعلم؟ فقل : نعم (1).
    * * *
    باب في الإيمان
    فإن قيل : أين مستقر الإيمان؟ يقال معدنه ومستقره القلب ، وفرعه في الجسد ، فإن قيل : هو في إصبعك؟ فقيل : نعم. فإن قيل : فإن قطعت أين يذهب الإيمان
    __________________
    (1) فتكون المشيئة تابعة للعلم والعلم تابع للمعلوم فلا يكون العبد مجبورا في فعله الاختياري (ز).

    منها؟ قال : فقل إلى القلب ، فإن قال : هل يطلب الله من العباد شيئا؟ فقل : لا. إنما هم يطلبون منه ، فإن قال : ما حق الله تعالى عليهم؟ فقل : أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، فإذا فعلوا ذلك فحقهم عليه (1) أن يغفر لهم ويثيبهم عليه ، فإن الله تعالى يرضى عن المؤمنين لقوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) [الفتح : 18] ويسخط عن إبليس ، ومعنى قوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) [فصّلت : 40] فهو وعيد منه ، وقوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) [فصّلت : 17] أي بصّرناهم وبيّنّا لهم. وقوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : 29] فهو وعيد ، وقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)) [الذّاريات : 56] أي ليوحدوني ، ولكن كلها بتقدير الله تعالى خيرها وشرها وحلوها ومرها وضرها ونفعها.
    وقال الله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)) [يونس : 99] ، وقال الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الأنعام : 111] ، وقال تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [آل عمران : 145] ، وقال تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) [هود : 118 ، 119] ـ أي بمشيئته ـ (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) [هود : 119] ، وقال تعالى : (اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) [النّحل : 36] ، وقال تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : 30] ـ أي بقدر (2) الله سبحانه ـ وقال شعيب صلوات الله على نبينا وعليه : (قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (89)) [الأعراف : 89] ، وقال نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)) [هود : 34] وقال تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)) [يوسف : 24].
    __________________
    (1) أي وجوبا منه على مقتضى وعده الكريم لا وجوبا عليه وإنما تابع في العبارة الآثار (ز).
    (2) يعني كون العبد شائيا مختارا بقدر الله السابق وهو الحكيم الخبير (ز).

    وقال تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (34)) [ص : 34] والله أعلم (1).
    تمّ الفقه الأبسط لأبي حنيفة رحمه‌الله
    __________________
    (1) هنا انتهى الكتاب في الأصول التي اطلعنا عليها ، وشذّت النسخة السعيدية بالهند على ما نقله مولانا العلامة المحقق أبو الوفاء رئيس جمعية إحياء المعارف النعمانية في حيدرآباد الدكن ، وفيها زيادة : (قال أبو مطيع رحمه‌الله : سألت أبا حنيفة رحمة الله عليه أليس الله تعالى عدلا حكيما في أفعاله بخلقه؟ فقال : بلى ، قلت : قد خلق واحدا أعمى ، وآخر مقعدا ، وآخر غنيا ، وآخر فقيرا ، وآخر أحمق ، وآخر عاقلا ، وآخر أخرس. قال : هذا بفضل منه لبعضهم دون بعض. لأنه لم يجب عليه ذلك ، فأعطى بعضا ، ومنع بعضا ، فهو كمن له عبيد ، فأعطى واحدا ومنع آخر) ، ولا نطمئن إلى هذه الزيادة لعلها مما وجد لأبي مطيع في كتاب له آخر فزادها هنا من زاد ، على أن ذلك خوض في سر القدر. وهذا ما لا يباح لأحد من البشر. وبعد ذلك زيادة أخرى وهي : (حدثنا علي بن أحمد قال : حدثنا إبراهيم بن حمدويه. قال : حدثنا يوسف بن أبان عن ليث بن خزيمة عن قتادة عن عمر رضي الله عنه قال : أيما رجل لا يبتلى في جسده أربعين يوما فليس فيه لله حاجة. وقال مقاتل بن سليمان من أصل الإيمان الذي جاء في القرآن قوله : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) [البقرة : 177] أي صدّق بتوحيده (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ) [البقرة : 177] أي ذلك كله حق. وهي مما زاد مالك النسخة على الأصل كفائدة من عنده ، والسند لأصله له أصلا لا بأبي مطيع ولا بأبي حنيفة ، وفيه رجال مجاهيل ، وقتادة لم يدرك أحدا من الراشدين ، ومقاتل ممن لا يروي عنه في مثل هذا الكتاب ، فالمزيد ينادي أنه مدرج لا صلة له بالكتاب والاعتماد على سائر الأصول. وسند شيخ الإسلام مصطفى عاشر المتوفى سنة 1219 ه‍ في الفقه الأبسط عن الحسين بن محمد بن الحسن المبيمي البصري عن أبي طاهر محمد بن إبراهيم الكوراني عن أبيه عن خير الدين الرملي عن محمد بن السراج عمر الحانوتي عن أبيه عن المحب محمد بن جرباش عن أبي الخير محمد بن محمد الرومي عن أبي الفتح محمد بن محمد الحريري عن أبيه القوام الأتقاني عن الحسين السنغاقي عن محمد بن محمد بن نصر البخاري عن شمس الأئمة الكردي عن صاحب الهداية عن الضياء اليرسوخي عن العلاء السمرقندي عن أبي المعين النسفي عن الحسين بن علي الكاشغري عن نصران بن نصر الختلي عن علي بن الحسن بن محمد الغزال عن علي بن أحمد الفارسي عن نصير بن يحيى عن أبي مطيع عن أبي حنيفة رضي الله عنهم أجمعين. والاعتماد على رواية أصحابنا كما سبق. وسند شيخ الإسلام المذكور في العالم والمتعلم إلى أبي المعين بن محمد النسفي بهذا السند عن أبيه عن عبد الكريم بن موسى البزدوي عن أبي منصور الماتريدي عن أحمد بن إسحاق الجوزجاني عن أبي سليمان الجرجاني وعن محمد بن مقاتل الرازي كلاهما عن أبي مطيع وعصام بن يوسف كلاهما عن أبي مقاتل عن أبي حنيفة رضي الله عنهم. وسنده في الفقه الأكبر رواية حماد بن أبي حنيفة بالسند إلى نصير بن يحيى عن محمد بن مقاتل عن عصام بن يوسف عن حماد بن أبي حنيفة عن أبيه رضي الله عنهم.
    ـ راجع (226) من مكتبة شيخ الإسلام في المدينة المنورة زادها الله تشريفا (ز).





    بسم الله الرّحمن الرّحيم
    أصل التوحيد وما يصح الاعتقاد عليه : يجب أن يقول آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت ، والقدر خيره وشره من الله تعالى ، والحساب والميزان والجنة والنار حق كله.
    والله تعالى واحد لا من طريق العدد ولكن من طريق أنه لا شريك له : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1) اللهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)) [الإخلاص : 1 ـ 4].
    لا يشبه شيئا من الأشياء من خلقه ولا يشبهه شيء من خلقه ، لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته الذاتية والفعلية. أما الذاتية : فالحياة والقدرة والعلم والكلام والسمع والبصر والإرادة. وأما الفعلية : فالتخليق والترزيق والإنشاء والإبداع والصنع وغير ذلك من صفات الفعل.
    لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته لم يحدث له اسم ولا صفة ، لم يزل عالما بعلمه والعلم صفة في الأزل ، وقادرا بقدرته ، والقدرة صفة في الأزل ، ومتكلما بكلامه ، والكلام صفة في الأزل ، وخالق بتخليقه ، والتخليق صفة في الأزل ، وفاعلا بفعله. والفعل صفة في الأزل ، والفاعل هو الله تعالى ، والفعل صفة في الأزل ، والمفعول مخلوق ، وفعل الله تعالى غير مخلوق. وصفاته في الأزل غير محدثة ولا مخلوقة ، فمن قال إنها مخلوقة أو محدثة ، أو وقف أو شكّ فيها فهو كافر بالله تعالى.
    والقرآن كلام الله تعالى ، في المصاحف مكتوب ، وفي القلوب محفوظ ، وعلى الألسن مقروء ، وعلى النبي عليه الصلاة والسلام منزل ، ولفظنا بالقرآن مخلوق ، وكتابتنا له مخلوقة ، وقراءتنا له مخلوقة ، والقرآن غير مخلوق.
    وما ذكر الله تعالى في القرآن حكاية عن موسى وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وعن فرعون وإبليس فإن ذلك كله كلام الله تعالى ، إخبارا عنهم ، وكلام الله تعالى غير مخلوق ، وكلام موسى وغيره من المخلوقين مخلوق ، والقرآن كلام الله تعالى فهو قديم لا كلامهم.

    وسمع موسى عليه‌السلام كلام الله تعالى كما قال الله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النّساء : 164]. وقد كان الله تعالى متكلما ولم يكن كلّم موسى عليه‌السلام ، وقد كان الله تعالى خالقا في الأزل ولم يخلق الخلق ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
    فلما كلّم الله موسى كلّمه بكلامه الذي هو له صفة في الأزل ، وصفاته كلها بخلاف صفات المخلوقين ، يعلم لا كعلمنا ، ويقدر لا كقدرتنا ، ويرى لا كرؤيتنا ، ويسمع لا كسمعنا ، ويتكلم لا ككلامنا.
    ونحن نتكلم بالآلات والحروف ، والله تعالى يتكلم بلا آلة ولا حروف ، والحروف مخلوقة وكلام الله تعالى غير مخلوق.
    وهو شيء لا كالأشياء ، ومعنى الشيء إثباته بلا جسم ولا جوهر ولا عرض ، ولا حد له ولا ضد له ولا ند له ولا مثل له.
    ولا يد ووجه ونفس كما ذكره الله تعالى في القرآن ، فما ذكر الله تعالى في القرآن من ذكر الوجه واليد والنفس فهو له صفات بلا كيف.
    ولا يقال إن يده قدرته أو نعمته ، لأن فيه إبطال الصفة ، وهو قول أهل القدر والاعتزال ولكن يده صفته بلا كيف ، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته تعالى بلا كيف.
    خلق الله تعالى الأشياء لا من شيء ، وكان الله تعالى عالما في الأزل بالأشياء قبل كونها ، وهو الذي قدّر الأشياء وقضاها ، ولا يكون في الدنيا ولا في الآخرة شيء إلا بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره وكتبه في اللوح المحفوظ ، ولكن كتبه بالوصف لا بالحكم.
    والقضاء والقدر والمشيئة صفاته في الأزل بلا كيف ، يعلم الله تعالى المعدوم في حال عدمه معدوما ، ويعلم أنه كيف يكون إذا أوجده ، ويعلم الله تعالى الموجود في حال وجوده موجودا ، ويعلم أنه كيف يكون فناؤه ، ويعلم الله تعالى القائم في حال قيامه قائما وإذا قعد علمه قاعدا في حال قعوده من غير أن يتغير علمه أو يحدث له علم ، ولكن التغير والاختلاف يحدث في المخلوقين.
    خلق الله تعالى الخلق سليما من الكفر والإيمان ، ثم خاطبهم وأمرهم ونهاهم ، فكفر من كفر بفعله وإنكاره وجحوده الحق بخذلان الله تعالى إياه ، وآمن من آمن بفعله وإقراره وتصديقه بتوفيق الله تعالى إياه ونصرته له.

    وأخرج ذرية آدم من صلبه على صور الذر فجعلهم عقلاء ، فخاطبهم وأمرهم بالإيمان ونهاهم عن الكفر ، فأقروا له بالربوبية ، فكان ذلك منهم إيمانا ، فهم يولدون على تلك الفطرة ، ومن كفر بعد ذلك فقد بدّل وغيّر ، ومن آمن وصدق فقد ثبت عليه وداوم.
    ولم يجبر أحدا من خلقه على الكفر ولا على الإيمان ، ولا خلقهم مؤمنا ولا كافرا ، ولكن خلقهم أشخاصا. والإيمان والكفر فعل العباد ، ويعلم الله تعالى من يكفر في حال كفره كافرا. فإذا آمن بعد ذلك علمه مؤمنا في حال إيمانه وأحبه من غير أن يتغير علمه وصفته.
    وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم على الحقيقة ، والله تعالى خالقها ، وهي كلها بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره.
    والطاعة كلها كانت واجبة بأمر الله تعالى وبمحبته وبرضائه وعلمه ومشيئته وقضائه وتقديره والمعاصي كلها بعلمه وقضائه وتقديره ومشيئته ، لا بمحبته ولا برضائه ولا بأمره.
    والأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم منزّهون عن الصغائر والكبائر والكفر والقبائح ، وقد كانت منهم زلات وخطايا. ومحمد عليه الصلاة والسلام حبيبه وعبده ورسوله ونبيه وصفيه ونقيه ، ولم يعبد الصنم ، ولم يشرك بالله تعالى طرفة عين قط ، ولم يرتكب صغيرة ولا كبيرة قط.
    وأفضل الناس بعد النبيين عليهم الصلاة والسلام أبو بكر الصديق ، ثم عمر بن الخطاب الفاروق ، ثم عثمان بن عفان ذو النورين ، ثم علي بن أبي طالب المرتضى رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، عابدين ثابتين على الحق ومع الحق كما كانوا نتولاهم جميعا.
    ولا نذكر أحدا من أصحاب رسول الله إلا بخير.
    ولا نكفر مسلما بذنب من الذنوب وإن كانت كبيرة ، إذا لم يستحلها ، ولا نزيل عنه اسم الإيمان ، ونسميه مؤمنا حقيقة ، ويجوز أن يموت مؤمنا فاسقا غير كافر ، والمسح على الخفين سنّة ، والتراويح في ليالي شهر رمضان سنّة.
    والصلاة خلف كل بر وفاجر من المؤمنين جائزة.
    ولا نقول إن المؤمن لا تضره الذنوب ، ولا نقول إنه لا يدخل النار ، ولا نقول إنه يخلد فيها وإن كان فاسقا ، بعد أن يخرج من الدنيا مؤمنا.

    ولا نقول إن حسناتنا مقبولة وسيئاتنا مغفورة كقول المرجئة ، ولكن نقول من عمل حسنة بجميع شرائطها خالية عن العيوب المفسدة والمعاني المبطلة ولم يبطلها بالكفر والردة حتى خرج من الدنيا مؤمنا ، فإن الله تعالى لا يضيعها بل يقبلها منه ويثيبه عليها.
    وما كان من السيئات دون الشرك والكفر ولم يتب عنها صاحبها حتى مات مؤمنا فإنه في مشيئة الله تعالى ، إن شاء عذّبه بالنار ، وإن شاء عفا عنه ولم يعذبه بالنار أصلا.
    والرياء إذا وقع في عمل من الأعمال فإنه يبطل أجره ، وكذلك العجب.
    والآيات ثابتة للأنبياء ، والكرامات للأولياء حق. وأما التي تكون لأعدائه مثل إبليس وفرعون والدجال مما روي في الأخبار ، أنه كان ويكون لهم ، لا نسميها آيات ولا كرامات ، ولكن نسميها قضاء حاجات لهم. وذلك لأن الله تعالى يقضي حاجات أعدائه استدراجا لهم وعقوبة لهم ، فيغترون به ويزدادون طغيانا وكفرا ، وذلك كله جائز وممكن.
    وكان الله تعالى خالقا قبل أن يخلق ورازقا قبل أن يرزق.
    والله تعالى يرى في الآخرة ويراه المؤمنون وهم في الجنة بأعين رءوسهم ، بلا تشبيه ولا كيفية ، ولا يكون بينه وبين خلقه مسافة.
    والإيمان هو الإقرار والتصديق.
    وإيمان أهل السماء والأرض لا يزيد ولا ينقص من جهة المؤمن به ، ويزيد وينقص من جهة اليقين والتصديق.
    والمؤمنون مستوون في الإيمان والتوحيد ، متفاضلون في الأعمال.
    والإسلام هو التسليم والانقياد لأوامر الله تعالى ، فمن طريق اللغة فرق بين الإيمان والإسلام ، ولكن لا يكون إيمان بلا إسلام ، ولا يوجد إسلام بلا إيمان ، وهما كالظهر مع البطن.
    والدين اسم واقع على الإيمان والإسلام والشرائع كلها.
    نعرف الله تعالى حق معرفته كما وصف الله نفسه في كتابه بجميع صفاته ، وليس يقدر أحد أن يعبد الله تعالى حق عبادته كما هو أهل له ، ولكنه يعبده بأمره كما أمر بكتابه وسنّة رسوله. ويستوي المؤمنون كلهم في المعرفة واليقين والتوكل والمحبة والخوف والرجاء والإيمان ، ويتفاوتون فيما دون الإيمان في ذلك كله.

    والله تعالى متفضل على عباده ، عادل ، قد يعطي من الثواب أضعاف ما يستوجبه العبد تفضلا منه ، وقد يعاقب على الذنب عدلا منه ، وقد يعفو فضلا منه.
    وشفاعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حق ، وشفاعة نبينا عليه الصلاة والسلام للمؤمنين المذنبين ولأهل الكبائر منهم المستوجبين العقاب حق ثابت.
    ووزن الأعمال بالميزان يوم القيامة حق ، وحوض النبي عليه الصلاة والسلام حق ، والقصاص فيما بين الخصوم بالحسنات يوم القيامة حق ، وإن لم تكن لهم الحسنات فطرح السيئات عليهم حق جائز.
    والجنة والنار مخلوقتان اليوم ، لا تفنيان أبدا ، ولا تموت الحور العين أبدا ، ولا يفنى عقاب الله تعالى وثوابه سرمدا.
    والله تعالى يهدي من يشاء فضلا منه ، ويضل من يشاء عدلا منه ، وإضلاله خذلانه ، وتفسير الخذلان : أن لا يوفق العبد إلى ما يرضاه منه ، وهو عدل منه ، وكذا عقوبة المخذول على المعصية.
    ولا يجوز أن نقول إن الشيطان يسلب الإيمان من العبد المؤمن قهرا وجبرا ولكن نقول العبد يدع الإيمان فحينئذ يسلبه منه الشيطان.
    وسؤال منكر ونكير حق كائن في القبر ، وإعادة الروح إلى جسد العبد في قبره حق ، وضغطة القبر وعذابه حق كائن للكفار كلهم ولبعض عصاة المؤمنين.
    وكل شيء ذكره العلماء بالفارسية من صفات الله تعالى عزّ اسمه فجائز القول به. سوى اليد بالفارسية. ويجوز أن يقال «به روى خداى» عزوجل بلا تشبيه ولا كيفية.
    وليس قرب الله تعالى ولا بعده من طريق طول المسافة وقصرها ، ولكن على معنى الكرامة والهوان.
    والمطيع قريب منه بلا كيف ، والعاصي بعيد عنه بلا كيف ، والقرب والبعد والإقبال يقع على المناجي.
    وكذلك جواره في الجنة والوقوف بين يديه بلا كيفية.
    والقرآن منزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو في المصاحف مكتوب ، وآيات القرآن في معنى الكلام كلها مستوية في الفضيلة والعظمة إلا أن لبعضها فضيلة الذكر وفضيلة المذكور ، مثل آية الكرسي لأن المذكور فيها جلال الله تعالى وعظمته وصفاته ،

    فاجتمعت فيها فضيلتان : فضيلة الذكر وفضيلة المذكور ، ولبعضها فضيلة الذكر فحسب مثل قصة الكفار وليس للمذكور فيها فضل وهم الكفار ، وكذلك الأسماء والصفات كلها مستوية في العظمة والفضل لا تفاوت بينهما.
    وقاسم وطاهر وإبراهيم كانوا بني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفاطمة ورقيّة وزينب وأم كلثوم كنّ جميعا بنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورضي عنهن.
    وإذا أشكل على الإنسان شيء من دقائق علم التوحيد فإنه ينبغي له أن يعتقد في الحال ما هو الصواب عند الله تعالى إلى أن يجد عالما فيسأله ، ولا يسعه تأخير الطلب ولا يعذر بالوقف فيه ويكفر إن وقف.
    وخبر المعراج حق ومن رده فهو مبتدع ضال ، وخروج الدجال ويأجوج ومأجوج ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى عليه‌السلام من السماء ، وسائر علامات يوم القيامة على ما وردت به الأخبار الصحيحة حق كائن ، والله تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
    * * *



    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Empty
    مُساهمةموضوع: رد: ترجمة بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري   ترجمة  بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري Emptyالثلاثاء أكتوبر 15, 2024 11:37 pm


    في التبري مما يرمى به من الإرجاء
    كذبا وزورا من جهلة أغرار
    قال ابن قتيبة في المعارف : عثمان البتي ـ بفتح فتشديد ـ هو : عثمان بن سليمان بن جرموز ، وكان من أهل الكوفة فانتقل إلى البصرة ، وهو مولى لبني زهرة وكان يبيع البتوت فنسب إليها اه. وهي الثياب الغليظة. وقال الذهبي في الميزان : عثمان البتي الفقيه هو ابن مسلم ثقة إمام وقيل اسم أبيه أسلم وقيل سليمان اه. وفي المشتبه : فقيه البصرة. زمن أبي حنيفة اه. توفي بالبصرة قبل وفاة أبي حنيفة بسبع سنوات ، وبينهما مكاتبات لم يحفظ لنا التاريخ شيئا منها غير هذه الرسالة ، وكان من عظماء مجتهدي هذه الأمة ، وممن انقرضت مذاهبهم ، وله انفرادات في الفقه ذكرها الطحاوي في (اختلاف العلماء) وأبو بكر الرازي في مختصره وابن المنذر في الأشراف لكن أهملها ابن جرير في اختلاف الفقهاء له ، رضي الله عنه وعن سائر الأئمة ونفعنا ببركات علومهم (ز).
    * * *


    بسم الله الرّحمن الرّحيم
    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، روى الإمام حسام الدين الحسين بن علي الحجاج السنغاقي ، عن حافظ الدين محمد بن محمد بن نصر البخاري ، عن شمس الأئمة محمد بن عبد الستار الكردري ، عن برهان الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني عن ضياء الدين محمد بن الحسين بن ناصر اليرسوخي ، عن علاء الدين أبي بكر محمد بن أحمد السمرقندي ، عن أبي المعين ميمون بن محمد المكحولي النسفي ، عن أبي زكريا يحيى بن مطرف البلخي ، عن أبي صالح محمد بن الحسين السمرقندي عن أبي سعيد محمد بن أبي بكر البستي ، عن أبي الحسن علي بن أحمد الفارسي عن نصير بن يحيى الفقيه ، عن أبي عبد الله محمد بن سماعة التميمي ، عن الإمام أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ، عن الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه وعنهم أنه قال :
    بسم الله الرّحمن الرّحيم
    من أبي حنيفة إلى عثمان البتي : سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله وطاعته وكفى بالله حسيبا وجازيا بلغني كتابك ، وفهمت الذي فيه من نصيحتك ، وقد كتب أنه دعاك إلى الكتاب بما كتبت حرصك على الخير والنصيحة ، وعلى ذلك كان موضعه عندنا ، كتبت تذكر أنه بلغك أني من المرجئة (1) وأني أقول : مؤمن ضال. وأن ذلك يشق عليك ولعمري ما في شيء باعد عن الله تعالى عذر لأهله ، ولا فيما أحدث الناس وابتدعوا أمر يهتدى به ،
    __________________
    (1) وقد عدّ المقبلي من غلطات الخواص جعل المرجئ اسما لمن قال : إن صاحب الكبيرة إذا لم يتب تحت المشيئة ، وصرف أحاديث ذم المرجئة إلى ذلك وإنما هم من قال : لا وعيد لأهل الصلاة فأخرهم عن الوعيد رأسا ، وأما الدخول تحت المشيئة فصريح الكتاب والسنة لفظا ومعلوما تواترا. ذكر ذلك في (الأبحاث) فيكون إرجاء أبي حنيفة محض السنة ، ونبزه به على المعنى البدعي.

    ولا الأمر إلا ما جاء به القرآن ودعا إليه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان عليه أصحابه حتى تفرّق الناس ، وأما ما سوى ذلك فمبتدع ومحدث ، فافهم كتابي إليك ، فاحذر رأيك على نفسك ، وتخوّف أن يدخل الشيطان عليك عصمنا الله وإياك بطاعته ، ونسأله التوفيق لنا ولك برحمته ، ثم أخبرك أن الناس كانوا أهل شرك قبل أن يبعث الله تعالى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبعث محمدا يدعوهم إلى الإسلام ، فدعاهم إلى أن يشهدوا أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، والإقرار بما جاء به من الله تعالى ، وكان الداخل في الإسلام مؤمنا بريئا من الشرك ، حراما ماله ودمه ، له حق المسلمين وحرمتهم ، وكان التارك لذلك حين دعا إليه كافرا بريئا من الإيمان ، حلالا ماله ودمه ، لا يقبل منه إلا الدخول في الإسلام أو القتل. إلا ما ذكر الله سبحانه وتعالى في أهل الكتاب من إعطاء الجزية ، ثم نزلت الفرائض بعد ذلك على أهل التصديق.
    فكان الأخذ بها عملا مع الإيمان ولذلك يقول الله عزوجل : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [البقرة : 25] وقال : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً) [التّغابن : 9] وأشباه ذلك من القرآن. فلم يكن المضيع للعمل مضيعا للتصديق ، وقد أصاب التصديق بغير عمل. ولو كان المضيع للعمل مضيعا للتصديق لانتقل من اسم الإيمان وحرمته بتضييعه العمل كما أن الناس لو ضيّعوا التصديق لانتقلوا بتضييعه من اسم الإيمان وحرمته وحقه ، ورجعوا إلى حالهم التي كانوا عليها من الشرك. ومما يعرف به اختلافهما أن الناس لا يختلفون في التصديق. ولا يتفاضلون فيه. وقد يتفاضلون في العمل. وتختلف فرائضهم. ودين أهل السماء ودين الرسول واحد. فلذلك يقول الله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشّورى : 13]. واعلم أن الهدي في التصديق بالله وبرسوله ليس كالهدي فيما افترض من الأعمال. ومن أين يشكل ذلك عليك؟ وأنت تسميه مؤمنا بتصديقه كما سماه الله تعالى في كتابه وتسميه جاهلا بما لا يعلم من الفرائض. وهو إنما يتعلم ما يجهل. فهل يكون الضال عن معرفة الله تعالى ومعرفة رسوله. كالضال عن معرفة ما يتعلمه الناس وهم مؤمنون؟! وقد قال الله تعالى في تعليمه الفرائض : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [النّساء : 176] وقال : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) [البقرة : 282] ، وقال : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) [الشّعراء : 20] يعني من الجاهلين ، والحجة من كتاب الله تعالى والسنة على تصديق ذلك أبين وأوضح من أن تشكل على مثلك. أولست تقول : مؤمن ظالم ، ومؤمن مذنب ، ومؤمن مخطئ ومؤمن عاص ، ومؤمن جائر؟ هل يكون فيما ظلم وأخطأ مهتديا فيه مع هداه في الإيمان ، أو يكون ضالا عن الحق الذي أخطأه؟ وقول بني يعقوب على نبينا وعليهم‌السلام لأبيهم إنك لفي ضلالك القديم ، أتظن أنهم عنوا أنك لفي كفرك القديم؟ حاشا

    لله أن تفهم هذا ، وأنت بالقرآن عالم. واعلم أن الأمر لو كان كما كتبت به إلينا أن الناس كانوا أهل تصديق قبل الفرائض ثم جاءت الفرائض ، لكان ينبغي لأهل التصديق أن يستحقوا (اسم) التصديق بالعمل حين كلفوا به ، ولم تفسر لي ما هم وما دينهم وما مستقرهم عندك (قبل ذلك)؟ إذا هم لم يستحقوا الاسم إلا بالعمل حين كلفوا فإن زعمت أنهم مؤمنون تجري عليهم أحكام المسلمين وحرمتهم صدقت. وكان صوابا. لما كتبت به إليك. وإن زعمت أنهم كفار فقد ابتدعت وخالفت النبي والقرآن. وإن قلت بقول من تعنت من أهل البدع وزعمت أنه ليس بكافر ولا مؤمن فاعلم أن هذا القول بدعة وخلاف للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه. وقد سمي علي رضي الله عنه أمير المؤمنين وعمر رضي الله عنه أمير المؤمنين. أو أمير المطيعين في الفرائض كلها يعنون؟ وقد سمي علي أهل حربه من أهل الشام مؤمنين في كتاب القضية. أو كانوا مهتدين وهو يقتلهم؟ وقد اقتتل أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم تكن الفئتان مهتديتين جميعا ، فما اسم الباغية عندك؟ فو الله ما أعلم من ذنوب أهل القبلة ذنبا أعظم من القتل ثم دماء أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام خاصة. فما اسم الفريقين عندك؟ وليسا مهتديين جميعا فإن زعمت أنهما مهتديان جميعا ابتدعت. وإن زعمت أنهما ضالان جميعا ابتدعت وإن قلت أن أحدهما مهتد فما الآخر؟ فإن قلت الله أعلم أصبت. تفهم هذا الذي كتبت به إليك.
    واعلم أني أقول : أهل القبلة مؤمنون لست أخرجهم من الإيمان بتضييع شيء من الفرائض. فمن أطاع الله تعالى في الفرائض كلها مع الإيمان كان من أهل الجنة عندنا ، ومن ترك الإيمان والعمل كان كافرا من أهل النار ، ومن أصاب الإيمان وضيّع شيئا من الفرائض كان مؤمنا مذنبا ، وكان لله تعالى فيه المشيئة إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له ، فإن عذّبه على تضييعه شيئا فعلى ذنب يعذبه ، وإن غفر له فذنبا يغفر. وإني أقول فيما مضى من اختلاف أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما كان بينهم ، الله أعلم. ولا أظن هذا إلا رأيك في أهل القبلة لأنه أمر أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمر (حملة) السنة والفقه. زعم (1) أخوك عطاء بن أبي رباح ونحن نصف له هذا : أن هذا أمر أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وزعم أخوك نافع هذا وأنه فارق (ابن عمر) على هذا. وزعم سالم عن سعيد بن جبير ، هذا أمر أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وزعم أخوك نافع أن هذا أمر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وزعم ذلك أيضا عبد الكريم عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن هذا أمره.
    وقد بلغني عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه حين كتب القضية أنه يسمي
    __________________
    (1) والزعم هنا بمعنى القول الحق بقرينة المقام. وهو من الأضداد فيعين المقام المراد. فكل هؤلاء لا يرون نفي الإيمان عن مرتكب الكبيرة (ز).

    الطائفتين مؤمنين جميعا. وزعم ذلك أيضا عمر بن عبد العزيز كما رواه من لقيني من إخوانك فيما بلغني عنك. ثم قال : ضعوا لي في هذا كتابا ثم أنشأ يعلمه ولده. ويأمرهم بتعليمه. علمه جلساؤك رحمك الله تعالى.
    فكان بمكان من المسلمين. واعلم أن أفضل ما علمتم وما تعلمون الناس السنة وأنت ينبغي لك أن تعرف أهلها الذين ينبغي أن يتعلموها.
    وأما ما ذكرت من اسم المرجئة (1) فما ذنب قوم تكلموا بعدل وسماهم أهل البدع بهذا الاسم؟ ولكنهم أهل العدل وأهل السنة ، وإنما هذا اسم سماهم به أهل شنآن ، ولعمري ما يهجن عدلا لو دعوت إليه الناس فوافقوك عليه أن سميتهم أهل شنآن البتة ، فلو فعلوا ذلك كان هذا الاسم بدعة ، فهل يهجن ذلك ما أخذت به من أهل العدل ، ثم إنه لو لا كراهية التطويل وأن يكثر التفسير لشرحت لك الأمور التي أجبتك بها فيما كتبت به ، ثم إن أشكل عليك شيء أو أدخل عليك أهل البدع شيئا فأعلمني أجبك فيه إن شاء الله تعالى ، ثم لا آلوك ونفسي خيرا والله المستعان. لا تدع الكتاب إلا بسلامك وحاجتك ، رزقنا الله منقلبا كريما وحياة طيبة ، وسلام الله عليك ورحمة الله وبركاته والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    تمّ
    __________________
    (1) وعد من جعل مرتكب الكبيرة تحت مشيئة الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه بها من أهل الضلال لا يكون إلا من المعتزلة أو الخوارج أو ممن ساء سيرهم وهو غير شاعر وقد روى ابن أبي العوام الحافظ عن إبراهيم بن أحمد بن سهل الترمذي عن القاسم بن غسان المروزي القاضي عن أبيه عن محمد بن يعلى زنبور عن أبي حنيفة (ح) قال إبراهيم حدثنا عبد الواحد بن أحمد الرازي بمكة حدثنا موسى بن سهل الرازي أنبأنا بشار بن قيراط عن أبي حنيفة ، دخلت أنا وعلقمة بن مرثد على عطاء بن أبي رباح فقلنا له يا أبا محمد إن ببلادنا قوما يكرهون أن يقولوا إنا مؤمنون ثم قالا : قال عطاء : ولم ذاك؟ قال : يقولون إن قلنا نحن مؤمنون قلنا نحن من أهل الجنة فقال عطاء فليقولوا نحن مؤمنون ولا يقولون نحن من أهل الجنة فإنه ليس من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا ولله عزوجل عليه الحجة إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له ثم قال عطاء : يا علقمة إن أصحابك كانوا يسمون أهل الجماعة حتى كان نافع بن الأزرق فهو الذي سماهم المرجئة. قال القاسم : قال أبي : وإنما سماهم المرجئة فيما بلغنا أنه كلّم رجلا من أهل السّنة فقال له : أين تنزل الكفار في الآخرة؟ قال : النار. قال : فأين تنزل المؤمنين؟ قال : المؤمنون على ضربين : مؤمن بر تقي فهو في الجنة. ومؤمن فاجر رديء فأمره إلى الله عزوجل إن شاء عذّبه بذنوبه وإن شاء غفر له بإيمانه. قال : فأين تنزله؟ قال : لا أنزله ولكني أرجئ أمره إلى الله عزوجل. فقال : فأنت مرجئ اه. فمنّ سمى أهل السنة بالمرجئة فقد تابع نافع بن الأزرق الخارجي الذي يرى تخليد مرتكب الكبيرة في النار (ز).




    بسم الله الرّحمن الرّحيم
    قال الإمام أبو حنيفة رحمه‌الله تعالى : الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالجنان والإقرار وحده لا يكون إيمانا لأنه لو كان إيمانا لكان المنافقون كلهم مؤمنين وكذلك المعرفة وحدها لا تكون إيمانا لأنها لو كانت إيمانا لكان أهل الكتاب كلهم مؤمنين. قال الله تعالى في حق المنافقين : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) [المنافقون : 1] وقال الله تعالى في حق أهل الكتاب : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) [البقرة : 146] والإيمان لا يزيد ولا ينقص لأنه لا يتصور نقصانه إلا بزيادة الكفر ولا يتصور زيادته إلا بنقصان الكفر وكيف يجوز أن يكون الشخص الواحد في حالة واحدة مؤمنا وكافرا والمؤمن مؤمن حقا والكافر كافر حقا وليس في الإيمان شك كما أنه ليس في الكفر شك لقوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) [الأنفال : 4] و (أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) [النّساء : 151] والعاصون من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلهم مؤمنون حقا وليسوا بكافرين.
    العمل غير الإيمان والإيمان غير العمل بدليل أن كثيرا من الأوقات يرتفع العمل عن المؤمن ولا يجوز أن يقال ارتفع عنه الإيمان فإن الحائض يرفع الله تعالى عنها الصلاة ولا يجوز أن يقال رفع عنها الإيمان أو أمرها بترك الإيمان وقد قال الشارع دعي الصوم ثم اقضيه ولا يجوز أن يقال دعي الإيمان ثم اقضيه ويجوز أن يقال ليس على الفقير الزكاة ولا يجوز أن يقال ليس على الفقير الإيمان.
    وتقدير الخير والشر كله من الله تعالى لأنه لو زعم أحد أن تقدير الخير والشر من غيره لصار كافرا بالله تعالى وبطل توحيده.
    ونقر بأن الأعمال ثلاثة : فريضة وفضيلة ومعصية. فالفريضة بأمر الله تعالى ومشيئته ومحبته ورضاه وقضائه وقدرته وتخليقه وحكمه وعلمه وتوفيقه وكتابته في اللوح المحفوظ والفضيلة ليست بأمر الله تعالى ولكن بمشيئته ومحبته ورضاه وقضائه وقدره وحكمه وعلمه وتوفيقه وتخليقه وكتابته في اللوح المحفوظ والفضيلة ليست بأمر الله تعالى وإلا كانت فرضة لكنها بمشيئته ومحبته ورضاه وقدره وقضائه وحكمه وعلمه وتوفيقه بإعطاء سلامة الأسباب والاستطاعة المقارنة وتخليقه أي تكوينه لأن الله خالق

    أفعال العباد كما سيجيء البحث في ذلك وكتابته في اللوح المحفوظ والمعصية ليست بأمر الله تعالى ولكن بمشيئته لا بمحبته وبقضائه لا برضاه وبتقديره لا بتوفيقه وبخذلانه وعلمه وكتابته في اللوح المحفوظ.
    ونقر بأن الله سبحانه تعالى على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة واستقر عليه وهو حافظ العرش وغير العرش من غير احتياج فلو كان محتاجا لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوقين ولو كان محتاجا إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
    ونقر بأن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق ووحيه وتنزيله لا هو ولا غيره بل هو صفته على التحقيق مكتوب في المصاحف مقروء ، بالألسنة محفوظ في الصدور غير حال فيها. والحبر والكاغد والكتابة كلها مخلوقة لأنها أفعال العباد وكلام الله تعالى غير مخلوق لأن الكتابة والحروف والكلمات والآيات دلالة القرآن لحاجة العباد إليها وكلام الله تعالى قائم بذاته ومعناه مفهوم بهذه الأشياء فمن قال بأن كلام الله تعالى مخلوق فهو كافر بالله العظيم. والله تعالى معبود لا يزال عما كان وكلامه مقروء ومكتوب ومحفوظ من غير مزايلة عنه.
    ونقر بأن أفضل هذه الأمة بعد نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبو بكر الصديق ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم أجمعين ، لقوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)) [الواقعة : 10 ـ 12] وكل من كان أسبق فهو أفضل ويحبهم كل مؤمن تقي ويبغضهم كل منافق شقي.
    ونقر بأن العبد مع أعماله وإقراره ومعرفته مخلوق فلما كان الفاعل مخلوقا فأفعاله أولى أن تكون مخلوقة وأن الله تعالى خلق الخلق ولم يكن لهم طاقة لأنهم ضعفاء عاجزون والله تعالى خالقهم ورازقهم لقوله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) [الرّوم : 40] والكسب حلال وجمع المال من الحلال حلال وجمع المال من الحرام حرام.
    والناس على ثلاثة أصناف : المؤمن المخلص في إيمانه ، والكافر الجاحد في كفره ، والمنافق المداهن في نفاقه ، والله تعالى فرض على المؤمن العمل وعلى الكافر الإيمان وعلى المنافق الإخلاص لقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) [النّساء : 1] يعني يا أيها المؤمنون أطيعوا ، ويا أيها الكافرون آمنوا ، ويا أيها المنافقون أخلصوا.
    والاستطاعة مع الفعل لا قبل الفعل ولا بعد الفعل لأنه لو كان قبل الفعل لكان العبد مستغنيا عن الله تعالى وقت الحاجة وهذا خلاف حكم النص لقوله تعالى : (وَاللهُ

    الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) [محمد : 38] ولو كان بعد الفعل لكان من المحال لأنه يلزم حصول الفعل بلا استطاعة ولا طاقة.
    ونقر بأن المسح على الخفين واجب للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها لأن الحديث ورد هكذا فمن أنكره فإنه يخشى عليه الكفر لأنه قريب من الخبر المتواتر والقصر (1) والإفطار في السفر رخصة بنص الكتاب لقوله تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) [النّساء : 101] وفي الإفطار قوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة : 184].
    ونقر بأن الله تعالى أمر القلم بأن يكتب فقال القلم ما ذا أكتب يا رب فقال الله تعالى اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة لقوله تعالى : (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)) [القمر : 52 ، 53].
    ونقر بأن عذاب القبر كائن لا محالة وسؤال منكر ونكير حق لورود الأحاديث ، والجنة والنار حق وهما مخلوقتان لأهلهما لقوله تعالى في حق المؤمنين : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران : 133] وفي حق الكفرة : (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) [البقرة : 24] خلقهما الله للثواب والعقاب ، والميزان حق لقوله تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) [الأنبياء : 47] وقراءة الكتب حق لقوله تعالى : (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14)) [الإسراء : 14].
    ونقر بأن الله تعالى يحيي هذه النفوس بعد الموت ويبعثهم في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة للجزاء والثواب وأداء الحقوق لقوله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) [الحجّ : 7] ولقاء الله تعالى لأهل الجنة حق بلا كيفية ولا تشبيه ولا جهة. وشفاعة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم حق لكل من هو مؤمن من أهل الجنة وإن كان صاحب الكبيرة. وعائشة بعد خديجة الكبرى أفضل نساء العالمين وأم المؤمنين ومطهرة من الزنى بريئة عما قالت الروافض فيها فمن شهد عليها الزنى فهو ولد الزنى (2). وأهل الجنة في الجنة خالدون وأهل النار في النار خالدون لقوله تعالى في حق المؤمنين : (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [البقرة : 82] وفي حق الكفار : (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [البقرة : 39].
    تمّ
    __________________
    (1) أي قصر الصلاة الرباعية إلى اثنتين.
    (2) بل من قال ذلك في عائشة بعد نزول القرآن ببراءتها فهو كافر خارج عن الملة بلا شك وليس ولد زنى فقط.


    فهرس المحتويات
    الإمام الكوثري : بقلم الاستاذ الكبير الشيخ محمد ابو زهرة 5
    ترجمة الإمام الكوثري 10
    نظرة عابرة في مزاعم من ينكر نزول عيسى قبل الآخرة 15
    فتوى الشيخ محمود شلتوت في وفاة سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام ، ورفعه ونزوله منقولة عن كتابة (الفتاوي) ص 52 ـ 75 17
    رفع عيسى عليه السلام 17
    مناقشة 22
    مجمل ما تضمنته فتوى الشيخ محمود شلتوت من آراء 35
    تقديم 39
    اما ستموا من النزول؟!! 41
    العقيدة الدينية وطريق ثبوتها 49
    آيات في الرفع والنزول 56
    السنة وثبوت العقيدة 65
    الإجماع ثبوت العقيدة 78
    الإنصاف 89
    تقديم 91
    فصل : وجوب الكف عن ذكر ما جرى بين الصحابة 133
    فصل في الاخبار الواردة عن الفرق بين التلاوة والمتلو والقراءة والمقروء 145
    فصل في بيان الادلة الدالة على ان الحروف والاصوات هي من صفات قراءة القاريء لا انها من كلام الباري 148
    فصل : قراءة القرآن تارة توصف بالصحة والحسن وتارة توصف بالفساد والقبح ، لانها من افعال العباد 160

    فصل في بيان ان الفعل يضاف الى الامر به وان لم يفعله 168
    فصل في بيان ان الله تعالى قد فصل بين الفراءة والمقروء 168
    فصل في بيان انه اذا قرا القاريء القرآن وحصل له الثواب ، احصل له الثواب على فعله او على غير فعله 170
    اختلاف المفسرين في تفسير الحروف المقطعة في اوائل السور على ثمانية اقوال وبيان تلك الاقوال 172
    فصل في ابطال حجج من قال باثبات قدم الحروف 176
    فصل في الرد على من قال ان الله تعالى متكلم بحروف 178
    فصل في الرد على احتج في اثبات الصوت لكلام الله تعالى 178
    معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تسافروا بالقرآن وقوله : لو جعل هذا القرآن في اهاب 184
    تفسير قوله صلى الله عليه وآله وسلم : من حفظ القرآن اختلط بدمه ولحمه 187
    فصل في الرد على من قال اذا كان القديم لا يحل في المصحف فما معنى تعظيمه وتوقيره 188
    فصل فيما بتعلق بمسائل ثلاثة وفروعها : الخلق والارادة والشفاعة والرؤية 189
    قول اهل السنة والجماعة ان الله سبحانه وتعالى هو الخالق وحده 190
    الرد على من احتج على خلق الافعال بالايات القرآنية 194
    وجوب العلم بانه لا يجري في العالم الا مايريده الله تعالى 200
    الرد على من يقول بان شرك المشرك ليس بمشيتة الله 204
    فصل في الشفاعة ـ افتراق المعتزلة في الشفاعة الى فرقتين 209
    فصل في شبه يراد بها دفع الاخبار الصحاح المجمع على صحتها 210
    قول اهل السنة والجماعة بجواز رؤية الله تعالى ـ اختلاف الصحابة في رؤية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لربه ليلة المعراج 215
    دفع شبهة التشبيه 229
    باب ما جاء في القرآن العظيم من ذلك 231
    باب ذكر الاحاديث التي سموها اخبار الصفات 241
    دفع شبه من شبه وتمرد 277
    ترجمة الامام الحصني مؤلف هذا الكتاب 279

    سبب تاليف هذا الكتاب 281
    تقديم 283
    كلام ابن تيمية في الاستواء ووثوب الناس عليه 321
    مبحث الرد على ابن تيمية في قوله بفناء النار 338
    مبحث الرد عليه في القول بقدم العالم 339
    قصة الراهبين مع ابي عبد الله 355
    السيف الصقيل 405
    تقديم 407
    ترجمة السبكي 407
    التعريف بكتاب (السيف الصقيل) 409
    التقديم للكتاب 415
    انقشاع ظلمات الجاهلية بمبعثه صلى الله عليه وآله وسلم 415
    تحين الاعداء الفرص للكيد بالمسلمين 415
    اتخداع سذج الرواة 416
    فضل علماء اصول الدين في حراسة الدين 417
    محاولة ابن تيمية بعث الحشوية من مرقدها 417
    مسايرة ابن القيم لابن تيمية في فتنة 418
    نماذج من اقوال اصحاب ابن القيم واضداده والمتحايدين 419
    احق الناس بالرثاء 420
    اخطر ما يطغى من صوف الاستغناء 421
    ردود السبكي على ابن تيمية والكلام في رده على تونية ابن القيم 421
    مقدمة الكتاب للمؤلف 423
    الاشعرية اعدل الفرق 425
    مجامع الزيغ في توثية ابن القيم 428
    تاسي السبكي بامام الحرمين في الرد على بعض جهلة اهل الحديث 429
    فصل مناظرة خيالية بين المشبه واعنزه ... الخ 430
    فصل امثال مضروبة للمعطل والمشبة والموحد 432
    فصل من قصيدته التوثية 432

    فصل تخيل الناظم في افعال العباد .. الخ 433
    فصل استنكار الناظم اعادة المعدوم .. الخ 436
    فصل زعم الناظم قيام الله بالحوادث 437
    فصل عقد مجلس خيالي .. كلامه في وحدة الوجود 440
    فصل الفوقية الحسية ... الخ 443
    تسمية الناظم اهل الحق بحزب جنكز خان 444
    تصوير الناظم اهل الحق اسوا تصوير 455
    كذب الناظم على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم 456
    فصل في قدوم ركب الايمان وعسكر القرآن 458
    عدم تمييز الناظم بين اللازم والملزوم 460
    تخبط الناظم في الصوت 460
    كلام واف في احاديث الصوت 462
    فصل : قوله : انه يلزم من نفى صفة الكلام نفي الرسالة 463
    فصل وقيعة الناظم وشيخه في اين حزم 465
    الكلام اللفظي 466
    فصل في مقالة الفلاسفة والقرامطة 466
    فصل في الاتحادية 467
    فصل القول في تجويز التسلسل في الماضي 470
    فصل في الرد على الجهمية المعطلة 472
    فصل نصوص عن ابن تيمية في الفوقية الحسية 475
    قول ابي حيان في ابن تيمية 477
    فصل كلمة ابن تيمية في العلو والفوقية والرد عليه 481
    فصل حديث النزول 482
    فصل الاشارة الى رفع الايدي الى السماء 483
    فصل دعوى الناظم في الرؤية بدون مقابلة 484
    فصل بسط الكلام في السؤال ب (أين) في حديث الجارية 485
    توهين سند حديث ابي رزين 487
    تفنيد زعم الاجماع على الفوقية الحسبة 489

    بسط الكلام في رد القول بالجهة 490
    تناقض ابن تيمية في الجهة وكذبه 492
    مخالفات ابن تيمية 493
    رد المصنف على الناظم في الفوقية 498
    روايات الضراب عن مالك في النزول 498
    قول اليافعي في الحشوية 500
    احد المراسيم الصادرة في حق ابن تيمية 501
    نص الامام احمد في المجىء 504
    معنى كتب ربكم على نفسه بيده 505
    سخف عثمان بن سعيد في التمسك بحديث حصين في الفوقية 506
    الشعر المنسوب الى ابن رواحة رضي الله عنه 507
    حديث بني قريظة 508
    حديث جابر رضي الله عنه 509
    فصل : بحث ممتع في التاويل 510
    قول ابن حجر في التاويل 511
    تحقيق ابن دقيق العيد 512
    صنيع الصحابة في التاويل 513
    اضطراب الحشوية 513
    القول بالتجلي في الصور 515
    تبديع الفلاسفة واكفارهم 516
    القول بتجرد الروح 517
    نص من ابن تيمية في الحد والجسم 518
    قول السلف في العين وليد 522
    خداع الناظم وشيخه 522
    معنى القبضة عند الخلف 523
    المعطل في الاصل من ينفي الصانع 524
    فصل : في عهود المثبتين مع الله رب العالمين 528
    فصل : افتراؤهم المثلث على الاشعرية 529
    فصل : في حياة الانبياء 530

    فتيا الائمة في انكاره شد الرحل لزيارته صلى الله عليه وآله وسلم 530
    نص ابن عقيل الحنبلي في تذكرته 531
    نصوص من المطالب العالية للفخر الرازي 534
    فصل في الهدنة بين المعطلة والاتحادية حزب جنكسخان 538
    فصل في مصارع المعطلة باسنة الموحدين 538
    فصل في كسر الطاغوت الذي نقوا به الصفات 540
    فصل في مبدا العداوة بين الموحدين والمعطلين 540
    فصل في ان التعطيل اساس الزندقة 541
    فصل في بهت اهل الشرك والتعطيل 541
    فصل في اذان اهل السنة بصريحها جهرا على رؤوس منابر الاسلام 543
    فصل في تلازم التعطيل والشرك 545
    فصل في مثل المشرك والمعطل 546
    فصل في اسبق الناس دخولا الى الجنة 550
    فصل في عدد الجنات 551
    فصل في يوم المزيد 552
    نص رسالة الامام الذهبي الى شيخ الاسلام ابن تيمية 555
    نص الرسالة 557
    لماذا يقال للناظم ابن القيم 559
    خاتمة تكملة الرد 559
    العالم والمتعلم ، الفقه الابسط ـ الفقه الاكبر ، رسالة ابي حنيفة ـ الوصية 561
    كلمة عن العالم والمتعلم ورسالة ابي حنيفة الى النبي والفقه الابسط ورواتها 563
    العالم والمتعلم رواية ابي مقاتل عن ابي حنيفة رضي الله عنهما 569
    تقديم 571
    رواية ابي مطيع عن ابي حنيفة رضي الله عنهما 597
    تقديم 599
    باب في القدر 603
    باب المشيئة 610
    باب آخر في المشيئة 611

    باب الرد على من يكفر بالذنب 612
    باب في الايمان 613
    الفقه الاكبر 617
    تقديم 619
    رسالة ابي حنيفة الى عثمان البتي عالم اهل البصرة رضي الله عنهما في التبري مما يرمى به من الارجاء كذبا وزورا من جهلة اغرار 627
    تقديم 629
    كتاب وصية الامام ابي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي رضي الله عنه في التوحيد 633
    تقديم 635
    فهرس المحتويات
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    ترجمة بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » الكافي ج1 للكليني
    » الكافي للكليني ج2

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: -27- الكتب الاسلاميه-
    انتقل الى: