الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
البيت اهل
المواضيع الأخيرة
» المحكم في أصول الفقه [ ج2
اخلاق اهل البيت عليهم السلام Emptyاليوم في 10:46 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» المحكم في اصول الفقه ج3
اخلاق اهل البيت عليهم السلام Emptyاليوم في 8:41 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» المحكم في أصول الفقه [ ج4
اخلاق اهل البيت عليهم السلام Emptyاليوم في 7:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» الصحيفه السجاديه كامله
اخلاق اهل البيت عليهم السلام Emptyأمس في 9:49 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد [ ج ١ ]
اخلاق اهل البيت عليهم السلام Emptyأمس في 3:11 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه
اخلاق اهل البيت عليهم السلام Emptyأمس في 2:36 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» قاعدة لا ضرر ولا ضرار
اخلاق اهل البيت عليهم السلام Emptyأمس في 8:51 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول المبين
اخلاق اهل البيت عليهم السلام Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:46 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» ------التقيه
اخلاق اهل البيت عليهم السلام Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:37 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     اخلاق اهل البيت عليهم السلام

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اخلاق اهل البيت عليهم السلام Empty
    مُساهمةموضوع: اخلاق اهل البيت عليهم السلام   اخلاق اهل البيت عليهم السلام Emptyالإثنين أكتوبر 21, 2024 7:22 pm

    1 / المقدّمة :
    بسم الله وله الحمد والمجد
    وصلّى الله على أحبّ خلقه إليه محمّد وآله الطاهرين
    ولعنته على أعدائهم إلى يوم الدِّين
    وبعدُ .. فإنّ علم الأخلاق من أشرف العلوم السامية ، والمعالم الراقية ، التي لها
    من المرتبة ، المكانة المرموقة والمحلّ الرفيع .. من حيث شرافة موضوعه ،
    وعظيم فائدته ، وكبير أثره ، وسموّ شأنه ، وجمال ظاهره وباطنه ، وحسن مآثره .
    والفطرة الإنسانيّة في جميع الطبقات البشريّة ، وكلّ الحضارات السائدة ، وفي
    أيّ زمانٍ ومكان ، تدرك هذا الجمال المستحسَن في الخُلق الحَسن .
    كما تدرك في مقابله بشاعة الخُلق السيء ، وقبح الأخلاق الرذيلة ، وإن كان
    قد يرتكبه الإنسان أحياناً بواسطة ميوله النفسيّة ، وأهوائه الشيطانيّة .. لكنّه
    سرعان ما يعترف بقبحه ، أو يندم على فعله .
    وطبيعة الإنسان بواسطة هذه الميول والأهواء والغرائز تكشف عن احتياجه
    إلى التربية الأخلاقيّة ، والإرشاد الديني ، كي يسير في المسالك الصحيحة ،
    ويجتنب الطرق الفاسدة .


    وقد هداه الله تعالى إلى طريق الرُّشد ، ونصب له القادة الراشدين ، وألهمه
    الهدىٰ ، وحذّره الردىٰ ، وتفضّل عليه بالعقل الفاصل بين الحقّ والباطل .
    إلّا أنّ النفس لأمّارةٌ بالسوء ..
    فلابدّ من هادٍ معصوم يهديه بحقّ ، ويرتقي به من الروح الحيوانيّة إلى الروح
    الملائكيّة ، ويصدّها عن طريق الشرّ ، ويأخذُ بها إلى طريق الخير .
    ففي الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : ـ
    « الشرّ كامنٌ في طبيعة كلّ أحد ، فإن غلبه صاحبُه بَطَن ، وإن لم يغلبه ظهر »(1) .
    وفي حديث الإمام الباقر عليه‌السلام : ـ
    « إنّ طبايع الناس كلّها مركّبة على الشهوة ، والرغبة ، والحرص ، والرهبة ،
    والغضب ، واللّذة .
    إلّا أنّ في الناس من زَمَّ هذه الخلال بالتقوىٰ ، والحياء ، والأنَف .
    فإذا دعتك نفسك إلى كبيرة من الأمر فارمِ ببصرك إلى السماء .
    فإن لم تخف من فيها فانظر إلى مَن في الأرض لعلّك تستحيي ممّن فيها .
    فإن كنت لا ممّن في السماء تخاف ولا ممّن من الأرض تستحي ، فعُدَّ نفسك
    من البهائم »(2) .
    ولذلك حثَّ أولياءُ الله على مكارم الأخلاق ، وأمروا بها ، ورغّبوا الناس فيها ، كي
    يرفعوهم عن الدناءات إلى المحاسن ، ويسعدوهم بالخُلق الطيّب ، والحياة السعيدة .
    فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : ـ
    ( يا معاذ : علّمهم كتاب الله ، وأحسِن أدبهم على الأخلاق الصالحة )(3) .
    __________________________________
    (1) فهرس غرر الحكم / ص 173 .
    (2) مستدرك وسائل الشيعة / ج 11 / ص 212 / ح 4 .
    (3) بحار الأنوار / ج 77 / ص 128 .

    وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ـ
    ( ذلّلوا أخلاقكم بالمحاسن ، وقودوها إلى المكارم )(1) .
    هذا .. وعلم الأخلاق من المفاهيم المتأصّلة الثابتة التي سارت مع سير الاُمم ،
    وواكبت جميع الحضارات .
    لكن لم يكمل ولم يرشد هذا العلم والأدب إلّا في أخلاق الدِّين الإلهي
    الإسلامي من مذهب أهل البيت عليهم‌السلام .
    وقمّة الأخلاق الفاضلة هي أخلاق العترة الطاهرة سلام الله عليهم أجمعين .
    فالمناهج الأخلاقيّة تختلف عند الطوائف والاُمم بين كونها جافّة مرهقة ،
    أو تابعة للأهواء المتحكّمة ، أو سائرة خلف التقاليد والنزعات ، أو غير موجبة
    لتزكية الروح وكمال النفس المطلوب منها ، ممّا يجرّدها عن الأصالة والواقعيّة ،
    ويفصلها عن تربية الإنسان على الخُلق الكريم ، وتهذيبه على الملكات الفاضلة
    والمحاسن الروحيّة .
    حتّى الحضارات المعروفة التي اهتمّت بعلم الأخلاق وكتبت فيه الكتب
    كالمذاهب الفلسفيّة لم تبلغ مفهومه الواقعي ، ولم تصل إلى أثره الروحي .
    فتلاحظ مثلاً أنّ ( سُقراط )(2) يعرّف الأخلاق بأنّه هو : ـ
    ( أن يؤدّي كلّ فردٍ وظيفته بالنسبة إلى الأفراد الاُخرى )(3) .
    وأنت تعرف أنّ هذا شيءٌ حسن ، لكنّه ليس من الأخلاق ، بل هي الحياة
    الاجتماعيّة الطيّبة ، والوظيفة الإنسانيّة المطلوبة ، لا الحقيقة الأخلاقيّة .
    __________________________________
    (1) تحف العقول / ص 226 .
    (2) فيلسوف يوناني من أثينا ، كان في القرن الرابع قبل الميلاد ، استاذ أفلاطون ، قيل عنه أنّه أحكم
    اليونانيّين [ الموسوعة العربيّة الميسرة / ص 985 ] .
    (3) سير حكمت در اوربا / ج 1 / ص 15 .


    فقد يؤدّي الإنسان وظيفته للآخرين ، ويراعي حقوق الآخرين لكن لا يكون
    في نفسه ذا مكرمة أخلاقيّة كالصبر والشجاعة .
    وتلاحظ أيضاً أنّ ( هيجل )(1) يجعل الأخلاق عبارة عن : ـ
    ( اتّباع القوانين وإطاعتها ) بأنّ الإنسان الخلوق هو من كان من نيّته أن
    يطيع القانون .
    وأنت تعرف أنّ هذا المفهوم أيضاً ليس من الأخلاق الكريمة ، بل هو من
    النظام الاجتماعي المتحاشى عن الشرّ والضرر .
    فكم هناك من اُناس يلتزمون بكلّ القوانين والأنظمة لكن تراهم في غاية تكبّر
    النفس ، وخشونة الأخلاق ، وسوء الأدب .
    والقانون لا يجلب حُسن الخُلق ، وإنّما يجلبه ويوجبه تهذيب الروح ، وتزكية
    النفس ، وتربية السجيّة .
    والملحوظ للباحث المنصف ، والمتتبّع الخالي عن التعسّف ، أنّ الأخلاق
    الواقعيّة هي أخلاق الأنبياء والأوصياء المتّصلة بوحي السماء .
    والأكمل الأفضل من الأخلاق الواقعي ، بل الكامل الوحيد من ذلك منحصرٌ في النهج
    الإسلامي ؛ المستمدّ من القرآن الكريم والمتمثِّل في أخلاق أهل البيت عليهم‌السلام ، الذين
    كانوا المَثَل الأعلى والنمط الأرقى للأخلاق الطيّبة ، والسجايا الكريمة ، والشيم الفاضلة .
    وهم الذين كانت سيرتهم الغرّاء ، وتعاليمهم الأخلاقيّة ، متّصفة بأصالة المبدأ ،
    وحكمة التوجيه ، وسموّ الغاية .
    وهم القدوة والاُسوة ، والنموذج الصفوة في محاسن الخُلق ، ومكارم الأخلاق .
    وبالتأسّي بهم ، والتعلّم منهم ، والاستضاءة بأخلاقهم ، يسمو الإنسان فرداً
    __________________________________
    (1) فيلسوف ألماني ، كان في القرن السابع عشر الميلادي ، وعلى أساس فلسفته قام المذهب المادّي
    [ الموسوعة العربيّة الميسّرة / ص 1924 ] .

    ومجتمعاً ، نحو القمّة الشاهقة في الأخلاق والآداب .
    فقد كانوا حقّاً وحقيقةً معلِّمي الأخلاق بالقول والفعل ، والإرشاد والعمل ، كما
    اعترف لهم بذلك الصديق والعدوّ .
    وقد أقرّ ابن أبي الحديد المعتزلي ببلوغهم غاية الفضل ومنتهى الفضيلة في
    السجايا الكريمة ، والأخلاق العظيمة .
    فقال فيما قدّمه في فضل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : ـ
    ( وما أقول في رجلٍ تُعزى إليه كلّ فضيلة ، وتنتهي إليه كلّ فرقة ، وتتجاذبه
    كلّ طائفة .
    فهو رئيس الفضائل وينبوعها ، وأبو عُذرها ، وسابق مضمارها ، ومجلّى
    حلبتها ، كلّ من بزغ فيها بعده فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مثاله احتذى ...
    وأمّا الشجاعة فإنّه أنسى الناس فيها ذكرَ من كان قبله ، ومحا اسم من يأتي بعده .
    ومقاماته في الحرب مشهورة يُضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة .
    وهو الشجاع الذي ما فرَّ قطّ ، ولا ارتاع من كتيبة ، ولا بارز أحداً إلّا قتله ،
    ولا ضرب ضربةً قطّ فاحتاجت الاُولى إلى ثانية ...
    وكانت العرب تفتخر بوقوفها في الحرب في مقابلته ...
    وجملة الأمر أنّ كلّ شجاع في الدُّنيا إليه ينتهي ، وباسمه ينادى في مشارق
    الأرض ومغاربها ...
    وأمّا السخاء والجود فحاله فيه ظاهرة ، وكان يصوم ويطوي ويؤثِر بزاده .
    وفيه أنزل : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ
    لِوَجْهِ اللَّـهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا )(1) .
    __________________________________
    (1) سورة الإنسان : 8 و 9 .


    وقال الشعبي وقد ذكره عليه‌السلام : ـ كان أسخى الناس ، كان على الخلق الذي يحبّه
    الله : السخاء والجود ، ما قال لسائلٍ قطّ .
    وقال عدوّه ومبغضه الذي يجتهد في وصمه وعيبه معاوية بن أبي سفيان
    لمحفن بن أبي محفن الضبيّ لمّا قال له : جئتك من عند أبخل الناس ، فقال :
    ويحك ! كيف تقول إنّه أبخل الناس ، لو ملك بيتاً من تبر وبيتاً من تبن ، لأنفد
    تبره قبل تبنه ...
    وهو الذي لم يخلّف ميراثاً وكانت الدُّنيا كلّها بيده ، إلّا ما كان من الشام .
    وأمّا الحلم والصفح فكان أحلم الناس عن ذنب ، وأصفحهم عن مسيء .
    وقد ظهر صحّة ما قلناه يوم الجمل ، حيث ظفر بمروان بن الحكم ـ وكان
    أعدى الناس له وأشدّهم بغضاً ـ فصفح عنه .
    وكان عبد الله بن الزبير يشتمه على رؤوس الأشهاد ... فظفر به يوم الجمل ،
    فأخذه أسيراً ، فصفح عنه وقال : إذهب فلا أرينّك ، لم يزده على ذلك .
    وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكّة ـ وكان له عدوّاً ـ فأعرض عنه ،
    ولم يقُل له شيئاً .
    وقد علمتم ما كان من عائشة في أمره ، فلمّا ظفر بها أكرمها ، وبعث معها إلى
    المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس ، عمّمهنّ بالعمائم وقلّدهنّ بالسيوف .
    وحاربه أهل البصرة ، وضربوا وجهه ووجوه أولاده بالسيوف ، وشتموه
    ولعنوه ، فلمّا ظفر بهم رفع السيف عنهم ، ونادىٰ مناديه في أقطار العسكر : ألا لا
    يُتبَع مولٍّ ، ولا يُجهز على جريح ، ولا يُقتل مستأسر ، ومن ألقى سلاح فهو آمن ،
    ومن تحيّز إلى عسكر الإمام فهو آمن ، ولم يأخذ أثقالهم ، ولا سبىٰ ذراريهم ، ولا
    غَنِم شيئاً من أموالهم .
    ولو شاء أن يفعل كلّ ذلك لَفعَل ، ولكنّه أبى إلّا الصفح والعفو ، وتقبّل سنّة


    رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم فتح مكّة ، فإنّه عفا والأحقاد لم تبرد ، والإساءة لم تُنسَ ...
    وأمّا سماحة الأخلاق ، وبشر الوجه ، وطلاقة المحيّا والتبسّم ، فهو المضروب
    به المثل فيه ...
    قال صعصعة بن صوحان وغيره من شيعته وأصحابه : كان فينا كأحدنا ، لين
    جانب ، وشدّة تواضع ، وسهولة قياد ، وكنّا نهابه مهابة الأسير المربوط للسيّاف
    الواقف على رأسه ..
    وقد بقى هذا الخُلُق متوارثاً ، متناقلاً في محبّيه وأولياءه إلى الآن ، كما بقى
    الجفاء والخشونة والوعورة في الجانب الآخر .
    ومن له أدنى معرفة بأخلاق الناس وعوائدهم يعرف ذلك )(1) .
    فأهل البيت عليهم‌السلام هم قمّة الأخلاق الكريمة ، وذروة الشيم العظيمة ، بالوجدان
    والعيان ، وبتصديق المؤالف والمخالف .
    فإنّهم هم الذين اهتمّوا بالأخلاق الفاضلة غاية الاهتمام ، حتّى جعلها سيّدهم
    الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غايات البعثة النبويّة الشريفة حيث قال : ـ
    ( بُعثت لاُتمّم مكارم الأخلاق )(2) .
    وجعله وصيّه أمير المؤمنين عليه‌السلام رأس الايمان حيث قال : ـ
    (رأس الإيمان حُسن الخلق ، والتحلّي بالصدق )(3) .
    لذلك تلاحظ أنّه حتّى على الصعيد الإسلامي الذي هو القمّة الشاهقة في حقل
    الأدب الأخلاقي ، يتمثّل المسلك الصحيح والخالص من كلّ شوب في مذهب
    أهل البيت عليهم‌السلام فقط دون سائر المذاهب والفرق الإسلاميّة ، وفي سيرة محمّد
    __________________________________
    (1) شرح نهج البلاغة / ج 1 / ص 17 ـ ص 26 .
    (2) مستدرك الوسائل / ج 11 / ص 187 .
    (3) غرر الحكم / ص 94 .


    وآل محمّد سلام الله عليهم دون سيرة غيرهم ، ومن أحاديث آل الرسول لا من
    أسفار غيرهم التي أدّت إلى الانحراف عن الطريق الحقّ .
    ويكفيك لاتّضاح ذلك وثبوته المقارنة بين الأحاديث الأخلاقيّة لأهل بيت
    العصمة عليهم‌السلام المجموعة في أبواب العِشرة من كتاب بحار الأنوار التي سنذكر
    جملةً منها إن شاء الله تعالى فيما يلي ، وبين كتب الأخلاق لغير مذهب أهل البيت ،
    وأهمّها كتاب إحياء العلوم لأبي حامد الغزالي الشافعي المتوفّى سنة 505 هجريّة .
    فانظر ما فيه من النماذج الأخلاقيّة ، وقارن بينها وبين أخلاق أهل البيت عليهم‌السلام ،
    ثمّ أحكم بما يحكم به العقل السليم والوجدان المستقيم .
    وإنّي أنقل فيما يلي بعض التهذيبات الأخلاقيّة التي استحسنها الغزالي في
    كتابه إحياء العلوم .
    ثمّ أذكر فيما بعده ما ردّ عليه أبو الفرج بن الجوزي الذي هو من علماء أهل
    السنّة أيضاً .
    قال في الاحياء : ـ
    كان بعض الشيوخ في بداية إرادته ـ لقيام الليل ـ يكسل عن القيام فألزم نفسه
    القيام على رأسه طول الليل لتسمح نفسه بالقيام عن طوع ، قال :
    وعالج بعضهم حبّ المال بأن باع جميع ماله ورماه في البحر إذا خاف من
    تفرقته على الناس رعونة الجود والرياء البذل ، قال :
    وكان بعضهم يستأجر من يشتمه علىٰ ملأ من الناس ليعوّد نفسه الحلم ، قال :
    وكان آخر يركب البحر في الشتاء عند اضطراب الموج ليصير شجاعاً .
    وقال قبل أن يورد هذه الحكايات :
    ينبغي للشيخ أن ينظر إلى حالة المبتدئ فإن رأى معه مالاً فاضلاً عن قدر
    حاجته أخذه وصرفه في الخير وفرّغ قلبه منه حتّى لا يلتفت إليه ،


    وإن رأى الكبرياء قد غلب عليه أمَرَهُ أن يخرج إلى السوق للكدّ ويكلّفه
    السؤال والمواظبة على ذلك ،
    وإن رأى الغالب عليه البطالة استخدمه في بيت الماء وتنظيفه وكنس المواضع
    القذرة وملازمة المطبخ ومواضع الدخان ،
    وإن رأى شَرَه الطعام غالباً عليه ألزمه الصوم ،
    وإن رآه عزباً ولم تنكسر شهوته بالصوم أمره أن يفطر ليلةً على الماء دون
    الخبز وليلةً على الخبز دون الماء ويمنعه اللّحم رأساً .
    وعن ابن الكريني أنّه قال : نزلتُ في محلّةٍ فعُرفتُ فيها بالصلاح فدخلتُ
    الحمّام وغيّبتُ عليَّ ثياباً فاخرة فسرقتُها ولبستُها ثمّ لبستُ مرقعتي فوقها
    وخرجتُ فجعلتُ أمشي قليلاً قليلاً فلحقوني فنزعوا مرقعتي وأخذوا الثياب
    وصفّعوني فصرتُ بعد ذلك أُعرف بلصّ الحمّام فسكَنت نفسي .
    قال أبو حامد :
    فهكذا كانوا يروّضون أنفسهم حتّى يخلّصهم الله من النظر إلى الخلق ثمّ من
    النظر إلى النفس(1) .
    وردَّ عليه ابن الجوزي بقوله : ـ
    قلتُ : وإنّي لأتعجّب من أبي حامد كيف يأمر بهذه الأشياء التي تخالف الشريعة ؟
    وكيف يحلّ القيام على الرأس طول الليل فينعكس الدم إلى وجهه ويورثه
    ذلك مرضاً شديداً ؟
    وكيف يحلّ رمي المال في البحر وقد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن إضاعة المال ؟
    وهل يحلّ سبّ مسلم بلا سبب وهل يجوز للمسلم أن يستأجر عن ذلك ؟
    __________________________________
    (1) إحياء العلوم / ج 3 / ص 54 .


    وكيف يجوز ركوب البحر زمان اضطرابه وذلك زمانٌ قد سقط فيه الخطاب
    بأداء الحجّ ؟
    وكيف يحلّ السؤال لمن يقدر أن يكتسب ، فما أرخص ما باع أبو حامد
    الغزالي الفقه بالتصوّف ؟!
    ثمّ قال : سبحان من أخرج أبا حامد من دائرة الفقه بتصنيفه كتاب الإحياء
    فليته لم يحك فيه مثل هذا الذي لا يحلّ ، والعجب أنّه يحكيه ويستحسنه ويسمّي
    أصحابه أرباب أحوال ، وأيّ حالة أقبح وأشدّ من حال من يخالف الشرع ويرى
    المصلحة في المنهيّ عنه ؟!
    وكيف يجوز أن يطلب صلاح القلوب بفعل المعاصي ، أوَقَد عدم في الشريعة
    ما يصلح قلبه حتّى يستعمل ما لا يحلّ فيها ، وكيف يحلّ للمسلم أن يعرّض نفسه
    لأن يُقال عنه سارق وهل يجوز أن يقصد وهن دينه ، ومحو ذلك عند شهداء الله
    في الأرض ، ثمّ كيف يجوز التصرّف في مال الغير بغير إذنه ؟!
    ثمّ في نصّ مذهب أحمد والشافعي أنّ من سرق الحمّام ثياباً عليها حافظ
    وجب قطع يده ، فعجبي من هذا الفقيه المستلب عن الفقه بالتصوّف أكثر من
    تعجّبي من هذا المستلب الثياب ، انتهى(1) .
    هذا ما تلاحظه من المسلك الخشن في الأخلاق الذي يأباه الدِّين والعقل السلم .
    والأعجب من ذلك ما تلاحظه في السيرة الأخلاقيّة التي كانت من كبرائهم ،
    المنقولة في أحاديثهم ، وفي معتبرات كتبهم ، ننقل نموذجاً منها بالنصّ فيما يلي : ـ
    1 / في صحيح البخاري بسنده عن عبد الله بن عمر :
    أنّ عبد الله بن اُبيّ لمّا توفّى جاء ابنه إلى النبيّ ، فقال : يا رسول الله أعطني
    __________________________________
    (1) تلبيس إبليس / ص 597 .

    قميصك أكفّنه فيه ، وصلِّ عليه ، واستغفر له .
    فأعطاه النبيّ قميصه ، فقال : آذنّي اُصلّي عليه .
    فآذنه ، فلمّا أراد أن يصلّي عليه جذبه عمر فقال : أليس الله نهاك أن تصلّي
    على المنافقين ؟
    فقال : أنا بين خيرتين ، قال : ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ
    مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ ) فصلّى عليه(1) .
    2 / في صحيح مسلم بسنده عن عروة بن الزبير :
    أنّ عائشة زوج النبيّ قالت :
    إعتمّ ـ أي أبطأ ـ رسول الله ليلة من الليالي بصلاة العشاء وهي التي تُدعى
    العتمة ، فلم يخرج رسول الله حتّى قال عمر بن الخطّاب نام النساء والصبيان .
    فخرج رسول الله فقال لأهل المسجد حين خرج عليهم : ـ ... وما كان لكم أن
    تتزروا ـ أي تستعجلوا ـ رسول الله على الصلاة ، وذلك حين صاح عمر بن الخطّاب(2) .
    3 / في حلية الأولياء بسنده عن ابن عسيب :
    قال : خرج رسول الله ليلاً فدعاني ، فخرجت إليه ، ثمّ مرّ بأبي بكر ، فدعاه
    فخرج ، ثمّ مرّ بعمر فدعاه فخرج إليه ، فانطلق حتّى دخل حائطاً لبعض الأنصار ،
    فقال لصاحب الحائط : أطعمنا بُسراً . فجاء بعذقٍ ، فوضعه ، فأكلوا ، ثمّ دعا بماءٍ
    فشرب فقال : ـ لتُسئلُنَّ عن هذا يوم القيامة .
    قال : وأخذ عمر العذق ، فضرب به الأرض ، حتّى تناثر البُسر نحو وجه
    __________________________________
    (1) صحيح البخاري / أحكام الجنائز / باب الكفن من القميص ، ورواه الترمذي أيضاً في سننه / ج 2 /
    ص 185 ، والنسائي في سننه / ج 1 / ص 269 ، وابن ماجه في سننه / باب الصلاة على أهل النفاق ،
    وابن عبد البرّ في الاستيعاب / ج 1 / ص 366 .
    (2) صحيح مسلم / كتاب المساجد / باب وقت العشائين وتأخيرها .


    رسول الله ، ثم قال : يا رسول الله ، إنّا لمسؤولون عن هذا يوم القيامة ؟
    قال : نعم(1) .
    هذه نماذج ثلاثة تلاحظ فيها بوضوح سوء الأخلاق وإساءة الأدب مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله
    الذي كان قمّة في الأخلاق ، وصاحب الخلق العظيم ، بشهادة ربّ العالمين .
    لذلك أورد عليه السيّد الفيروزآبادي بقوله : ـ
    ( أقول ) أمّا جذب عمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الرواية الاُولى لمّا أراد أن يصلّي
    علىٰ عبد الله بن اُبيّ وقوله له أليس الله نهاك أن تصلّي على المنافقين ، فهو ما فيه
    دلالة واضحة على تجسّر عمر علىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسوء أدبه معه ، بل يظهر منه
    أنّ عمر كان يرى الصلاة علىٰ عبد الله أمراً حراماً شرعاً وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد ارتكب
    الحرام الشرعي فأراد أن ينهاه عن المنكر .
    ولم يكتف بالنهي عنه بالكلام فقط بل نهاه عنه قولاً وعملاً فجذبه وقال له :
    أليس الله نهاك أن تصلّي على المنافقين . ومن المعلوم أنّ من ينهي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن
    المنكر فهو يرى نفسه أتقى لله وأورع ، وهذا لعمري إن لم يكن كفراً محضاً كما لا
    يبعد فهو ضلال بيِّن لا محالة لا يرتاب فيه إلّا أهل الضلال .
    ولو كان مقصود عمر مجرّد الاستفهام والاطّلاع على السبب الباعث لصلاة
    النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ابن أُبيّ لتقدّم إليه واستفهمه بالكلام الطيّب ، ولم يتجسّر عليه
    بجذبه عن الصلاة وبالقول الخشن المذكور ، وهذا واضح ظاهر .
    ( وأمّا صياح عمر بن الخطّاب ) على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الرواية الثانية حين تأخّر
    في الخروج إلى صلاة العشاء كما يظهر من آخر الرواية حيث قال وذلك حين صاح
    __________________________________
    (1) حلية الأولياء / ج 2 / ص 27 ، وذكره العسقلاني في الإصابة / ج 7 / القسم الأوّل / ص 131 ، ورواه
    أحمد بن حنبل في مسنده / ج 5 / ص 81 ، والطبري في تفسيره / ج 30 / ص 185 ، وابن سلطان في
    المرقاة / ج 4 / ص 397 وقال : إنّه رواه البيهقي أيضاً .

    عمر بن الخطّاب ، فهو تجسّر أوضح من الأوّل ، غير أنّ الأوّل كان نهياً عن المنكر
    بزعمه وهذا أمرٌ بالمعروف حيث حرّض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الخروج إلى صلاة
    العشاء ، وهذا لعمري عجيب من عمر .
    ألم يسمع قول الله تبارك وتعالى في سورة الحجرات : ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ
    الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (٤) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ )(1) .
    ألم يسمع قول الله تبارك وتعالى في أوّل السورة : ( لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ
    النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ )(2) .
    وقد تقدّم في مطاعن أبي بكر في باب رفع أبي بكر وعمر أصواتهما عند
    النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى نزل النهي أنّهما قد رفعا أصواتهما عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حين قدم عليه
    ركب بني تميم ، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أن يستعمله على قومه ،
    وأشار الآخر برجلٍ آخر فتماريا حتّى ارتفعت أصواتهما ونزل النهي .
    ( وأمّا أخذ عمر العذق ) في الرواية الثالثة وضرب به الأرض حتّى تناثر البُسر
    نحو وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقوله له إنّا لمسؤولون عن هذا يوم القيامة ، فهو تجسّر
    على الله ورسوله جميعاً لا على الرسول فقط ، وتحقير لنعمة الله جلّ وعلا ، فكأنّ
    البسر كان في نظره شيئاً حقيراً هيّناً لا يعتدّ به فقالَ في حقّه ما قال .
    وهو ممّا يدلّ على جهله وقلّة علمه مضافاً إلى تجسّره وعدم كونه شاكراً
    خاضعاً لأنعم الله تعالى ( ولكن الذي ) يهوّن الخطب في هذا كلّه أنّ الذي يتجسّر
    على رسول الله ويقول للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مماته حين قال : « ائتوني بكتابٍ أكتب لكم
    كتاباً لا تضلّوا بعده » إنّه يهجر ، أو غلبه الوجع ، وعندنا كتاب الله حسبنا أو حسبنا
    __________________________________
    (1) سورة الحجرات : 4 .
    (2) سورة الحجرات : 2 .


    كتاب الله ، وقد تقدّم التفصيل مشروحاً في باب مستقلّ ، فأمثال هذه الاُمور المذكورة
    هاهنا في هذا الباب هي هيّنة يسيرة جدّاً لا ينبغي التعجّب منها أبداً . انتهى .
    وهذه المقارنة البسيطة تكشف لك الفرق الأقصى بين المذهبين ؛ مذهب أهل
    البيت عليهم‌السلام ومذهب غيرهم .
    وتكشف الطريق الحقّ في السلوك الأخلاقي ، والمسلك الصحيح في الأدب الإلهي .
    وهذا الكتاب محاولة موجزة لبيان جانب قليل ، ونزر يسير من عظمة
    أخلاق أهل البيت عليهم‌السلام ، الذي يتجلّى فيهم ، وسيرة الخلق الطيّب الذي مَنَّ الله
    تعالى به عليهم .
    فجعلهم اُسوة الخُلق الطيّب ، وقدوة الأدب الرفيع ، ونموذج السجايا الكريمة .
    رجاء أن يتفضّل الله تعالى علينا بأشعّةٍ من نورهم ، ولمحةٍ من أخلاقهم .
    إنّه خير هادٍ ودليل ، إلى سواء السبيل .

    2 / أخلاق أهل البيت عليهم‌السلام
    من المباحث الاعتقاديّة والعلميّة معاً مبحث أخلاق أهل البيت عليهم‌السلام .. فإنّه
    يلزم علينا أن نعتقد أنّ النبيّ والعترة صلوات الله عليهم أفضل الناس في مكارم
    الأخلاق ، كما أنّهم الأفضل في محاسن الصفات ، وفضائل الأعمال ، ومراتب
    الكمال .. هذا عقيدةً .
    وأمّا عملاً ؛ فينبغي لنا أن نسعى في الاقتداء بهم والتأسّي بجميعهم في
    الأخلاق الكريمة ، والمكارم الفاضلة .
    لأنّ أهل البيت سلام الله عليهم ـ هم ليس سواهم ـ القدوة الصالحة ، والاُسوة
    الحقّ من الله للخلق ، والطاهرون المطهّرون من كلّ رجسٍ ورذيلة .
    قال تعالى : ( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )(1) .
    وقال عزّ اسمه : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
    تَطْهِيرًا )(2) .
    ولا يحقّ لنا أن نتأسى أو نتمسّك في الأخلاق وفي سواها بغيرهم عليهم‌السلام ،
    __________________________________
    (1) سورة الأحزاب : 21 .
    (2) سورة الأحزاب : 33 .


    أو نقتدي بسواهم .
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اخلاق اهل البيت عليهم السلام Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اخلاق اهل البيت عليهم السلام   اخلاق اهل البيت عليهم السلام Emptyالإثنين أكتوبر 21, 2024 7:24 pm

    أو نقتدي بسواهم .
    لأنّ أهل البيت عليهم‌السلام هم سفينة النجاة ، والمستمسك المنجي الذين اُمرنا بمتابعتهم ،
    وعدل القرآن الذين اُمرنا بالتمسّك بهم في حديث الثقلين ، المتّفق عليه بين الفريقين .
    لذلك يكون مرجعنا في علوم الأخلاق هو القرآن الكريم ، وأحاديث أهل
    البيت عليهم‌السلام وسيرتهم الشريفة .
    فلنتعرّف في البداية على أمرين :
    الأوّل : ما هي الأخلاق ؟
    الثاني : ما هي أخلاق أهل البيت عليهم‌السلام في كتاب الله تعالى وسيرتهم ؟
    فنقول بعونه وتوفيقه : ـ
    الخُلُق : هي السجيّة ، والملكات والصفات الراسخة في النفس ؛ كالسخاء ،
    والشجاعة ، والعفو ، والكرم ، التي هي من السجايا الطيّبة ، والخلق الطيّب .
    وحسن الخُلق : يُطلق غالباً على معاشرة الناس بالمعروف ، ومجاملتهم
    بالبشاشة ، وطيب القول ، ولطف المداراة .
    وأحسن تعريف لحُسن الخلق هو ما عرّفه به الإمام الصادق عليه‌السلام حيث قال : ـ
    ( تُلين جناحَك ، وتطيب كلامك ، وتلقىٰ أخاك ببشرٍ حسن )(1) .
    ومكارم الأخلاق : هي الأعمال الشريفة التي توجب كرامة الإنسان ،
    وشرافته ، وسموّه ، وعزّته ، مثل كظم الغيظ ، وإصلاح ذات البين ، والسبق إلى
    الفضائل ونحوها ممّا يأتي ذكرها .
    وفي حديث الإمام الصادق عليه‌السلام في مكارم الأخلاق ، ذكر منها : ـ
    ( العفو عمّن ظلمك ، وصلة من قطعك ، وإعطاء من حرمك )(2) .
    __________________________________
    (1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 103 .
    (2) بحار الأنوار / ج 69 / ص 368 .

    ومن أبرز مصاديق مكارم الأخلاق هذه التي ذكرها الإمام عليه‌السلام ، وأحسن آثارها
    هي مقابلة الإساءة بالإحسان التي ذكرها وأمر بها الله تعالى في قوله عزّ اسمه : ـ
    ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ )(1) .
    هذا هو : الخُلق الطيّب ، وحُسن الخُلق ، ومكارم الأخلاق .
    وأهل البيت عليهم‌السلام هم المثلُ الأعلى في جميعها ، والبالغون إلى ذروتها .
    وهم لا غيرهم كانوا سماء طيب الأخلاق ، فاستحقّوا أن يكونوا قدوة الخلق .
    وسيّدهم الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أثنى عليه ربّه بقوله عزّ اسمه : ـ ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ
    خُلُقٍ عَظِيمٍ )(2) .
    وكانت مكارم الأخلاق من غايات البعثة النبويّة المباركة ، وخصوصيّات
    الرسالة المحمّديّة الشريفة ، والمزايا العالية التي نالها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .
    ففي الحديث : ـ ( إنّ الله تبارك وتعالى خصّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكارم الأخلاق .
    فامتحنوا أنفسكم ، فإن كانت فيكم فاحمدوا الله جلّ وعزّ ، وارغبوا إليه في
    الزيادة منها )(3) .
    بل فاز صلوات الله عليه وآله بقمّة السجايا الطيّبة والأخلاق الفاضلة ، فوصفه
    أمير المؤمنين عليه‌السلام بقوله بأجمل بيان : ـ
    ( كان أجود الناس كفّاً ، وأجرأ الناس صدراً ، وأصدق الناس لهجةً ، وأوفاهم
    ذمّةً ، وألينَهم عريكةً ، وأكرمهم عِشرةً ، مَن رآه بديهةً هابَه ، ومَن خالطه أحبّه ، لم
    أرَ مثلَه قَبله ولا بَعده )(4) .
    __________________________________
    (1) سورة فصّلت : 34 .
    (2) سورة القلم : 4 .
    (3) بحار الأنوار / ج 69 / ص 368 .
    (4) سفينة البحار / ج 2 / ص 688 .


    وقال عليه‌السلام في خطبته القاصعة : ـ
    ( وَلَقَدْ قَرَنَ اللهُ بِهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِهِ ، يَسْلُكُ بِهِ
    طَرِيقَ الْمَكَارِمِ ، وَمَحَاسِنَ أَخْلاٰقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ .
    وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلاٰقِهِ عَلَماً وَ
    يَأْمُرُنِي بِالْإِقْتِدَاءِ بِهِ )(1) .
    وحقّاً كان صلى‌الله‌عليه‌وآله أعظم الناس في عظيم الأخلاق وكريم الشيَم .
    وحسبُك من ذلك ما أصابه من قريش ..
    فقد تألّبت عليه ، وجرّعته أنواع الغصص ، حتّى ألقَتْ عليه مشيمة الرحم
    القذرة ، وأدمت ساقه الشريف ، وكسرت رباعيّته المباركة ، وضيّقت عليه الحياة
    في شِعب أبي طالب ، وآذته أشدّ إيذاء ، وهجمت على داره لقتله في حرم الله
    تعالى مكّة المكرّمة ، حتّى ألجأته إلى مغادرة بلده وأهله ، وهجرته إلى المدينة .
    ولم تتركه يرتاح حتّى في المدينة ، بل أجّجت عليه كلّ برهة حرباً شعواء ،
    وأرصدت لإيذائه أهل الظلم والجفاء ..
    لكن بالرغم من جميع ذلك لمّا نصره الله تعالى عليهم ، وأظفره بهم في فتح
    مكّة قابلهم بأعظم إحسان وأكبر أمان .
    حيث قال لهم : ـ ما تقولون إنّي فاعلٌ بكم ؟
    قالوا : ـ خيراً ، أخٌ كريم ، وابن أخٍ كريم .
    فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أقول لكم ما قال أخي يوسف عليه‌السلام : لا تثريب عليكم اليوم ـ أي
    لا توبيخ ـ إذهبوا فأنتم الطلقاء .
    حتّى أنّ صفوان بن اُميّة الذي كان من المشركين الذين آذوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هرب إلى
    __________________________________
    (1) نهج البلاغة / الطبعة المصريّة / الخطبة 187 .

    جدّه ليقذف نفسه في البحر ، فراراً من الرسول الأعظم .
    فقال عمير بن وهب : يا رسول الله إنّ صفوان بن اُميّة سيّد قومه قد خرج هارباً
    منك فآمنه .
    قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : هو آمن .
    قال عمير بن وهب : ـ أعطني شيئاً يعرف به أمانك .
    فأعطاه صلى‌الله‌عليه‌وآله عمامته .
    وهذا يكشف عن أعظم سموٍّ أخلاقي وكرَمٍ روحيّ ، في عظيم عفوه حين
    عظيم قدرته .
    ومثله كان خلفاؤه الأئمّة المعصومون من أهل بيته الطاهرين عليهم‌السلام كانوا
    نموذجاً في سموّ الآداب ومكارم الأخلاق ، ومثالاً له في الدعوة إلى حُسن
    الخليقة ، وإنماء الفضيلة ، دعوة صادقة ، وتربيةً رائقة بأعمالهم وأقوالهم .
    نذكر نُبذة منها في هذا الكتاب لتكون دروساً خالدة في الأخلاق الفاضلة
    والمحاسن الكاملة .
    فنستمدّ منها حياةً زكيّة ، وروحاً معنويّة ، لتهذيب ضمائرنا وصلاحها ، وتزكية
    أنفسنا وفلاحها ، فنكون من مصاديق قوله تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا )(1) .
    وعلى هذا الصعيد السامي نتشرّف بذكر الفصول التالية فيما يلي : ـ
    أوّلاً : سيرة أهل البيت عليهم‌السلام الأخلاقيّة في أعمالهم .
    ثانياً : دروسهم الأخلاقيّة في أقوالهم .
    ثالثاً : مدرستهم الأخلاقيّة في الصحيفة المباركة السجّاديّة .
    وكفى بأهل البيت عليهم‌السلام أولياء إلٰهيّين ، ومربّين صالحين ، وقدوة العالمين للأخلاق
    __________________________________
    (1) سورة الشمس : 9 .


    الطيّبة ، والآداب الحسنة ، والدروس التربويّة في الأدب الإلهي ، والخلق الزكيّ .
    ففي وصيّة أمير المؤمينن عليه‌السلام : ـ
    ( يا كميل : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أدّبه الله عزّ وجلّ ، وهو أدّبني ، وأنا أؤدّب
    المؤمنين ، وأورّث الأدب المكرّمين )(1) .
    وفي حديثه عليه‌السلام : ـ
    ( إنّ الله كريمٌ حليمٌ عظيمٌ رحيم ، دلّنا على أخلاقه ، وأمرَنا بالأخذ بها وحَمْل
    الناس عليها .
    فقد أدّيناها غير متخلّفين ، وأرسلناها غير منافقين ، وصدّقناها غير مكذّبين ،
    وقبلناها غير مرتابين )(2) .
    وبحقٍّ قد أدّبوا شيعتهم الأبرار ، وأصحابهم الكُبّار على الآداب الإلهيّة ،
    والمكارم الأخلاقيّة .
    أدّبوهم على مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات ، وعلّموهم مقابلة الإساءة
    بالإحسان والفضائل المزكية للإنسان ، كما تلاحظها في وصاياهم الواقية
    ومواعظهم الشافية ، التي ربَّت جيلاً طيّبين ، وعلماء ربّانيّين ، ورجالاً صالحين .
    وهي ذا شذرات من تلك الأخلاقيّات التي علّمت وهذّبت وربّت اُولئك
    الشيعة الطيّبين : ـ
    1 ـ ما في تعاليم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذرّ الغفاري رضوان الله عليه ، جاء فيه : ـ
    ( ... يا أبا ذرّ احفظ ما أوصيك به تكُن سعيداً في الدُّنيا والآخرة ...
    يا أبا ذرّ إذا أصبحت فلا تحدّث نفسك بالمساء ، وإذا أمسيت فلا تحدّث
    نفسك بالصباح ، وخُذ من صحّتك قبل سُقمك ، وحياتك قبل موتك ، فإنّك
    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 77 / ص 269 .
    (2) بحار الأنوار / ج 77 / ص 418 .

    لا تدري ما اسمك غداً ...
    يا أبا ذرّ إنّ شرّ الناس منزلةً عند الله يوم القيامة عالمٌ لا يَنتَفِع بعلمه ، ومن طلب
    علماً ليصرف به وجوه الناس إليه لم يجد ريح الجنّة ...
    يا أبا ذرّ ... إنّ المؤمن ليرىٰ ذنبه كأنّه تحت صخرةٍ يخاف أن تقع عليه ، وإنّ
    الكافر ليرىٰ ذنبه كأنّه ذبابٌ مرّ على أنفه ...
    يا أبا ذرّ دَع ما لستَ منه في شيء ، ولا تنطق فيما لا يعنيك ، واخزن لسانك
    كما تخزن ورقك ...
    يا أبا ذرّ إخفض صوتك عند الجنائز ، وعند القتال ، وعند القرآن ...
    يا أبا ذرّ الحقّ ثقيلٌ مرّ ، والباطل خفيفٌ حلو ، رُبَّ شهوة ساعةٍ تورث حزناً طويلاً ...
    يا أبا ذرّ حاسِب نفسك قبل أن تُحاسَب فهو أهون لحسابك غداً ، وزِنْ نفسك
    قبلَ أن توزن ، وتجهّز للعرض الأكبر يوم تُعرض لا تخفى على الله خافية ...
    يا أبا ذرّ مَثَلُ الذي يدعو بغير عمل كمثَل الذي يرمي بلا وَتر ..
    يا أبا ذرّ ما من شابٍّ يدع لله الدُّنيا ولهوها ، وأهرم شبابه في طاعة الله إلّا أعطاه
    الله أجر اثنين وسبعين صدِّيقاً ...
    يا أبا ذرّ كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكلّ ما سمع ...
    يا أبا ذرّ لا يزال العبد يزداد من الله بُعداً ما ساء خُلقه ...
    يا أبا ذرّ من لم يبال من أين اكتسب المال ، لم يُبال الله عزّ وجلّ من أين
    أدخله النار ...
    يا أبا ذرّ من لم يأت يوم القيامة بثلاث فقد خسر .
    قلت : وما الثلاث فداك أبي واُمّي ؟
    قال : ورعٌ يحجزه عمّا حرّم الله عزّ وجلّ عليه ، وحلمٌ يردّ به جهل السفيه ،
    وخُلق يداري به الناس .


    يا أبا ذرّ إن سرّك أن تكون أقوى الناس فتوكّل على الله ، وإن سرّك أن تكون
    أكرم الناس فاتّق الله ، وإن سرّك أن تكون أغنى الناس فكُن بما في يد الله عزّ وجلّ
    أوثق منك بما في يديك ...
    يا أبا ذرّ من صمت نجا ، فعليك بالصدق ، ولا تخرجنّ من فيك كذبة أبداً ...
    يا أبا ذرّ سباب المؤمن فُسوق ، وقتاله كفر ، وأكل لحمه من معاصي الله ،
    وحرمة ماله كحرمة دمه ...
    يا أبا ذرّ إيّاك وهجران أخيك ، فإنّ العمل لا يتقبّل من الهجران ...
    يا أبا ذرّ من مات وفي قلبه مثقال ذرّةٍ من كبر لم يجد رائحة الجنّة ...
    يا أبا ذرّ طوبى لمن تواضع لله تعالى من غير منقصة ، وأذلّ نفسه من غير
    مسكنة ، وأنفق مالاً جمَعهُ من غير معصية ، ورحِمَ أهل الذلّ والمسكنة ، وخالط
    أهل الفقه والحكمة .
    طوبى لمن صلحت سريرته ، وحسنت علانيّته ، وعزل عن الناس شرّه .
    طوبى لمن عمل بعلمه ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوله ... )(1) .
    2 ـ ما في وصايا أمير المؤمنين عليه‌السلام لكميل بن زياد النخعي رضوان الله عليه : ـ
    ( يا كميل لا تأخذ إلّا عنّا تكن منّا ...
    يا كميل أحسِن خُلقك ، وابسط جليسك ـ أي سُرّه ـ ، ولا تنهرَنَّ خادمك .
    يا كميل البركة في المال من إيتاء الزكاة ، ومواساة المؤمنين ، وصلة الأقربين
    وهم الأقربون لنا ...
    يا كميل لا تردّ سائلاً ، ولو بشقِّ تمرة ، أو من شطر عنب ...
    يا كميل حُسن خلق المؤمن من التواضع ، وجماله التعفّف ، وشرفه الشفقة ،
    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 77 / ص 74 .

    وعزّه ترك القيل والقال .
    يا كميل إيّاك والمراء ، فإنّك تغري بنفسك السفهاء إذا فعلت ، وتُفسد الإخاء ...
    يا كميل جانب المنافقين ، ولا تصاحب الخائنين ...
    يا كميل لا تُريَنَّ الناس افتقارك واضطرارك ، واصطبر عليه احتساباً بعزٍّ وتستّر ...
    يا كميل ومن أخوك؟
    أخوك الذي لا يخذلك عند الشدّة ، ولا يغفل عنك عند الجريرة ، ولا يخدعك حين
    تسأله ، ولا يتركك وأمرك حتّى تُعلمه فإن كان مميلاً ـ أي صاحب مال ـ أصلحه ...
    يا كميل إنّما المؤمن من قال بقولنا ، فمن تخلّف عنّا قصّر عنّا ، ومن قصّر عنّا لم
    يلحق بنا ، ومن لم يكن معنا ففي الدرك الأسفل من النار ...
    يا كميل قُل عند كلّ شدّةٍ : ( لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ) تكفها .
    وقُل عند كلّ نفحةٍ الحمدُ لله تُزد منها ، وإذا أبطأت عليك الأرزاق فاستغفر الله
    يُوسّع عليك فيها .
    يا كميل إذا وسوس الشيطان في صدرك فقُل : ـ
    ( أعوذ بالله القويّ من الشيطان الغويّ ، وأعوذ بمحمّد الرضيّ من شرّ ما قُدّر
    وقُضي ، وأعوذ بإلٰه الناس من شرّ الجِنّة والناس أجمعين ) ، وسلّم ، تُكفىٰ مؤونة
    إبليس والشياطين معه ، ولو أنّهم كلّهم أبالسة مثله ...
    يا كميل إنّ الأرض مملوّةٌ من فخاخهم ، فلن ينجو منها إلّا مَن تشبّث بنا ..
    يا كميل ليس الشأن أن تصلّي وتصوم وتتصدّق ، إنّما الشأن أن تكون الصلاة
    فُعلَت بقلبٍ نقيّ ، وعملٍ عند الله مرضيّ ، وخشوعٍ سويّ ، وإبقاءٍ للجدّ فيها ...
    يا كميل اُنظر فيمَ تصلّي ، وعلى ما تصلّي ، إن لم تكن من وجهه فلا حِلَّ ولا قبول ...
    يا كميل إنّما يتقبّل الله من المتّقين ...
    يا كميل قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لي قولاً ، والمهاجرون والأنصار متوافرون يوماً بعد



    العصر ، يوم النصف من شهر رمضان ، قائماً على قدميه ، فوق منبره : ـ
    عليٌّ منّي ، وإبناي منه ، والطيّبون منّي وأنا منهم ، وهم الطيّبون بعد اُمّهم ،
    وهم سفينةٌ من ركبها نجىٰ ، ومَن تخلّف عنها هوىٰ ، الناجي في الجنّة ، والهاوي
    في لظىٰ ... )(1) .
    3 ـ ما في تعليم فاطمة الزهراء عليها‌السلام لبعض النساء : ـ
    ( أرضِ أبوَي دينِك محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّاً عليه‌السلام ، بسخطِ أبوي نسبكِ .
    ولا تُرضِ أبوي نسبكِ بسخط أبوَي دينك .
    فإنّ أبوي نسبك إن سخطا أرضاهما محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ عليه‌السلام بثواب جزءٍ من ألف
    ألف جزءٍ من ساعةٍ من طاعاتهما .
    وإنّ أبوَي دينك إن سخطا لم يقدر أبوا نسبك أن يرضياهما ، لأنّ ثواب
    طاعات أهل الدُّنيا كلّهم لا تفي بسخطهما ... ) (2) .
    4 ـ ما في كلام لمولانا الإمام الحسن المجتبىٰ عليه‌السلام : ـ
    ( ياابن آدم عُفّ عن محارم الله تكُن عابداً ، وارضِ بما قسم الله سبحانه تكن
    غنيّاً ، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً ، وصاحِب الناس بمثل ما تحبّ أن
    يصاحبوك به تكن عدلاً .
    إنّهم كان بين أيديكم أقوامٌ يجمعون كثيراً ، ويبنون مشيداً ، ويأملون بعيداً .
    أصبح جمعهم بواراً ، وعملهم غروراً ، ومساكنهم قبوراً .
    ياابن آدم لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن اُمّك ، فخُذ ممّا في يديك
    لما بين يديك ، فإنّ المؤمن يتزوّد ، والكافر يتمتّع .
    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 77 / ص 270 .
    (2) الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء عليها‌السلام / ج 21 / 164 .

    وكان عليه‌السلام يتلو بعد هذه الموعظة : ـ
    ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ) )(1) .
    5 ـ ما في توصية مولانا الإمام الحسين عليه‌السلام لابن عبّاس : ـ
    ( لا تتكلّمنَّ فيما لا يعنيك فإنّي أخاف عليك الوزر .
    ولا تتكلّمنّ فيما يعنيك حتّى ترى للكلام موضعاً ، فرُبّ متكلّمٍ قد تكلّم
    بالحقّ فعيب .
    ولا تمارينَّ حليماً ولا سفيهاً ، فإنّ الحليم يقليك ، والسفيه يؤذيك .
    ولا تقولنّ في أخيك المؤمن إذا توارىٰ عنك إلّا ما تحبّ أن يقول فيك إذا
    تواريت عنه .
    واعمل عمل رجلٍ يعلم أنّه مأخوذٌ بالإجرام ، مجزى بالإحسان ، والسلام )(2) .
    6 ـ ما في وصيّة مولانا الإمام زين العابدين عليه‌السلام لبعض بنيه : ـ
    ( يا بُني اُنظر خمسةٌ فلا تصاحبهم ، ولا تحادثهم ، ولا ترافقهم في طريق .
    فقال : يا أبه مَن هم ؟
    قال عليه‌السلام : ـ إيّاك ومصاحبة الكذّاب فإنّه بمنزلة السراب يقرِّب لك البعيد ، ويبعّد
    لك القريب .
    وإيّاك ومصاحبة الفاسق فإنّه بايعك بأكلة أو أقل من ذلك .
    وإيّاك ومصاحبة البخيل فإنّه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه .
    وإيّاك ومصاحبة الأحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك .
    وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه فإنّي وجدته ملعوناً في كتاب الله )(3) .
    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 78 / ص 112 .
    (2) بحار الأنوار / ج 78 / ص 127 .
    (3) بحار الأنوار / ج 78 / ص 137 .


    7 ـ ما في وصيّة مولانا الإمام الباقر عليه‌السلام لجابر الجعفي وجماعة الشيعة : ـ
    ( قال جابر : دخلنا على أبي جعفر عليه‌السلام ، ونحن جماعة ، بعدما قضينا نسكنا ،
    فودّعناه وقلنا له أوصنا ياابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال :
    ليُعن قويّكم ضعيفكم ، وليعطف غنيّكم على فقيركم ، ولينصح الرجل أخاه كنصحه
    لنفسه ، واكتموا أسرارنا ، ولا تحملوا الناس على أعناقنا ، وانظروا أمرنا وما جاءكم
    عنّا فإن وجدتموه للقرآن موافقاً فخذوا به ، وإن لم تجدوه موافقاً فردّوه ، وإن
    اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردّوه إلينا حتّى نشرح لكم من ذلك ما شُرح لنا .
    فإن كنتم كما أوصيناكم ، لم تعدْوا إلى غيره فمات منكم ميّت قبل أن يخرج
    قائمنا كان شهيداً ، وإن أدرك قائمنا فقُتل معه كان له أجر شهيدين ، ومَن قَتَلَ بين
    يديه عدوّاً لنا كان له أجر عشرين شهيداً )(1) .
    8 ـ ما في وصيّة مولانا الإمام الصادق عليه‌السلام لعبد الله بن جُندَب : ـ
    ( ... ياابن جُندب إنّما المؤمنون الذين يخافون الله ، ويشفقون أن يُسلبوا ما
    أُعطوا من الهدىٰ ، فإذا ذكروا الله ونعماءه وجلوا وأشفقوا ، وإذا تُليت عليهم آياته
    زادتهم إيماناً ممّا أظهره من نفاذ قدرته ، وعلى ربّهم يتوكّلون ...
    ياابن جندب لا تقُل في المذنبين من أهل دعوتكم إلّا خيراً ، واستكينوا إلى الله
    في توفيقهم ، وسلوا التوبة لهم .
    فكلّ من قصدنا ، وتولّانا ، ولم يوال عدوّنا ، وقال ما يعلم ، وسكت عمّا لا يعلم
    أو أشكل عليه فهو في الجنّة ...
    ياابن جندب الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة ، وقاضي
    حاجته كالمتشحّط بدمه في سبيل الله يوم بدرٍ واُحد ، وما عذّب الله اُمّةً إلّا عند
    استهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم ...
    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 78 / ص 182 .

    ياابن جندب إنّما شيعتنا يُعرفون بخصالٍ شتّىٰ :
    بالسخاء ، والبذل للإخوان ، وبأن يصلّوا الخمسين ليلاً نهاراً .
    شيعتنا لا يهرّون هرير الكلب ، ولا يطعمون طمع الغراب ، ولا يجاورون لنا
    عدوّاً ، ولا يسألون لنا مبغضاً ولو ماتوا جوعاً .
    شيعتنا لا يأكلون الجرّي ، ولا يمسحون على الخفّين ، ويحافظون على
    الزوال ، ولا يشربون مسكراً ...
    ياابن جندب صِل من قطعك ، واعط من حرمك ، وأحسن إلى من أساء إليك ، وسلِّم
    على من سبّك ، وأنصف مَن خاصمك ، واعف عمّن ظلمك كما تحبّ أن يُعفى عنك .
    فاعتبر بعفو الله عن ، ألا ترى أنّ شمسه أشرقت على الأبرار والفجّار ، وأنّ
    مطره ينزل على الصالحين والخاطئين ...
    ياابن جندب ... الواجب على من وهب الله له الهدى ، وأكرمه بالإيمان ،
    وألهمه رُشده ، وركّب فيه عقلاً يتعرّف به نعمه ، وآتاه علماً وحكماً يدبّر به أمر
    دينه ودُنياه أن يوجب على نفسه أن يشكر الله ولا يكفره ، وأن يذكر الله ولا
    ينساه ، وأن يطيع الله ولا يعصيه ...
    أما إنّه لو وقعت الواقعة ، وقامت القيامة ، وجاءت الطامّة ، ونصب الجبّار
    الموازين لفصل القضاء ، وبرز الخلائق ليوم الحساب ، أيقنت عند ذلك لمن تكون
    الرفعة والكرامة ، وبمن تحلّ الحسرة والندامة .
    فاعمل اليوم بما ترجو به الفوز في الآخرة )(1) .
    9 ـ ما أوصى به الإمام الكاظم عليه‌السلام هشام بن الحكم ، جاء فيه : ـ
    ( يا هشام إنّ العاقل رضى بالدون من الدُّنيا مع الحكمة ، ولم يرض بالدون
    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 78 / ص 279 .


    من الحكمة مع الدُّنيا ، فلذلك ربحت تجارتهم ...
    يا هشام كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول :
    ما من شيء عُبدَ الله به أفضل من العقل ، وما تمَّ عقل امرءٍ حتّى يكون فيه
    خصالٌ شتّىٰ :
    الكفر والشرّ منه مأمونان ، والرشد والخير منه مأمولان ، وفضل ماله مبذول ،
    وفضل قوله مكفوف ، نصيبه من الدُّنيا القوت ، ولا يشبع من العلم دهره ، الذلّ
    أحبُّ إليه مع الله من العزّ مع غيره ، والتواضع أحبّ إليه من الشرف ، يستكثر قليل
    المعروف من غيره ، ويستقلّ كثير المعروف من نفسه ، ويرى الناس كلّهم خيراً منه
    وأنّه شرّهم في نفسه ، وهو تمام الأمر .
    يا هشام من صدق ليانه زكى عمله ، ومن حسنت نيّته زيدَ في رزقه ، ومن
    حسُن برّه بإخوانه وأهله مُدَّ في عمره ...
    يا هشام رحم الله من استحيا من الله حقّ الحياء ، فحفظ الرأس وما حوىٰ ،
    والبطن وما وعىٰ ، وذكر الموت والبلىٰ ، وعَلِمَ أنّ الجنّة محفوفة بالمكاره ، والنار
    محفوفة بالشهوات .
    يا هشام من كفّ نفسه عن أعراض الناس أقاله الله عثرته يوم القيامة ، ومن
    كفّ غضبه عن الناس كفّ الله عنه غضبه يوم القيامة ...
    يا هشام أفضل ما يتقرّب به العبد إلى الله بعد المعرفة به : الصلاة ، وبرّ الوالدين ،
    وترك الحسد والعجب والفخر .
    يا هشام أصلح أيّامك الذي هو أمامك ، فانظر أيّ يومٍ هو ، وأعدّ له الجواب ،
    فإنّك موقوفٌ ومسؤول ...
    يا هشام قال الله جلّ وعزّ : وعزّتي وجلالي وعظمتي وقدرتي وبهائي وعلوّي
    في مكاني ، لا يُؤثِر عبدٌ هواي على هواه إلّا جعلت الغِنى في نفسه ، وهمّه في


    آخرته ، وكففتُ عليه ضيعته ، وضمّنتُ السماوات والأرض رزقه ، وكنت له من
    وراء تجارة كلّ تاجر .
    يا هشام الغضب مفتاح الشرّ ، وأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً ...
    يا هشام إنّ الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا ، فكذلك تعمر في قلب
    المتواضع ، ولا تعمر في قلب المتكبّر الجبّار ..
    يا هشام أوحى الله تعالى إلى داود عليه‌السلام : قُل لعبادي : ـ
    لا يجعلوا بيني وبينهم عالماً مفتوناً بالدنيا ، فيصدّهم عن ذكري ، وعن طريق
    محبّتي ومناجاتي ، اُولئك قطّاع الطريق من عبادي ، إنّ أدنى ما أنا صانعٌ بهم أن
    أنزع حلاوة محبّتي ومناجاتي من قلوبهم ...
    يا هشام إيّاك والكِبر على أوليائي ، والاستطالة بعلمك ، فيمقتك الله ، فلا تنفعك
    بعد مقته دنياك ولا آخرتك ، وكُن في الدُّنيا كساكن دارٍ ليست له ، إنّما ينتظر الرحيل ...
    يا هشام لو رأيت مسير الأجل لألهاك عن الأمل .
    يا هشام إيّاك والطمع ، وعليك باليأس ممّا في أيدي الناس ، وأمت الطمع
    من المخلوقين .
    فإنّ الطمع مفتاح للذلّ ، واختلاس العقل ، واختلاف المروّات ، وتدنيس
    العرض ، والذهاب بالعلم .
    وعليك بالاعتصام بربّك ، والتوكّل عليه .
    وجاهد نفسك لتردّها عن هواها ، فإنّه واجب عليك كجهاد عدوّك ... )(1) .
    10 ـ ما أوصى به مولانا الإمام الرضا عليه‌السلام شيعته في حديث عبد العظيم الحسني : ـ
    ( يا عبد العظيم ... أبلغ عنّي أوليائي السلام وقُل لهم : ـ
    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 78 / ص 296 .


    أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلاً ، ومُرهم بالصدق في الحديث ،
    وأداء الأمانة .
    ومُرهم بالسكوت وترك الجدال فيما لا يعنيهم ، وإقبال بعضهم على بعض ،
    والمزاورة فإنّ ذلك قربةً إليّ .
    ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضاً ، فإنّي آليتُ على نفسي أنّه من فعل
    ذلك وأسخط وليّاً من أوليائي دعوت الله ليعذّبه في الدُّنيا أشدّ العذاب ، وكان في
    الآخرة من الخاسرين .
    وعرّفهم أنّ الله قد غفر لمحسنهم ، وتجاوز عن مسيئهم ، إلّا من أشرك به ، أو
    آذى وليّاً من أوليائي ، أو أضمر له سوءاً ، فإنّ الله لا يغفر له حتّى يرجع عنه ، فإن
    رجع وإلّا نزع روح الإيمان عن قلبه ، وخرج عن ولايتي ، ولم يكن له نصيبٌ في
    ولايتنا . وأعوذ بالله من ذلك ) (1) .
    11 ـ ما في كتاب مولانا الإمام الجواد عليه‌السلام لسعد الخير : ـ
    ( ... اعلم رحمك الله أنّه لا تنال محبّة الله إلّا ببغض كثير من الناس ، ولا ولايته
    إلّا بمعاداتهم ، وفوت ذلك قليل يسير لدرك ذلك من الله لقوم يعلمون .
    يا أخي إنّ الله عزّ وجلّ جعل في كلّ من الرسل بقايا من أهل العلم ، يدعون
    من ضلَّ إلى الهُدىٰ ، ويصبرون معهم على الأذىٰ ، ويجيبون داعي الله ، ويدعون
    إلى الله .
    فابصرهم رحمك الله فإنّهم في منزلة رفيعة ، وإن أصابتهم في الدُّنيا وضيعة .
    إنّهم يُحيون بكتاب الله الموتىٰ ، ويُبصرون بنور الله من العمىٰ .
    كم من قتيلٍ لإبليس قد أحيوه ، وكم من تائهٍ ضالٍّ قد هدوه .
    __________________________________
    (1) الاختصاص / ص 247 .

    يبذلون دمائهم دون هلكة العباد ، وما أحسن أثرهم على العباد ، وأقبح آثار
    العباد عليهم )(1) .
    12 ـ ما في توصية مولانا الإمام الهادي عليه‌السلام لشخص : ـ
    ( إقبل على ما شأنُك ... وإذا حللت من أخيك محلّ الثقة فاعدل عن الملق إلى
    حُسن النيّة .
    المصيبة للصابر واحدة وللجازع إثنان ، العقوق تكل من لم يتّكل ، الحسد ما حي
    الحسنات ، والدهر جالب المقت ، والعُجب صارفٌ عن طلب العلم ، داع إلى الغمط
    ـ أي احتقار الناس ـ والجهل ، والبُخل أذمّ الأخلاق ، والطمع سجيّة سيّئة ، والهُزء
    فكاهة السفهاء وصناعة الجهّال ، والعقوق تعقّب القلّة وتؤدّي إلى الذلّة )(2) .
    13 ـ ما في وصيّة مولانا الإمام العسكري عليه‌السلام لشيعته : ـ
    ( أوصيكم بتقوى الله ، والورع في دينكم ، والاجتهاد لله ، وصدق الحديث ،
    وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برٍّ أو فاجر ، وطول السجود ، وحسن الجوار ،
    فبهذا جاء محمّدٌ صلّى الله عليه وآله .
    صلّوا في عشائرهم ، واشهدوا جنائزهم ، وعودوا مرضاهم ، وأدّوا حقوقهم ،
    فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه ، وصدَق في حديثه ، وأدّى الأمانة ، وحسّن
    خُلقه مع الناس ، قبل هذا شيعيّ ، فيسرّني ذلك .
    اتّقوا الله وكونوا زيناً لنا ، ولا تكونوا شيناً .
    جرّوا إلينا كلّ مودّةٍ ، وارفعوا عنّا كلّ قبيح ، فإنّه ما قيل فينا من حُسن فنحن
    أهله ، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك .
    __________________________________
    (1) روضة الكافي / ج 8 / ص 56 .
    (2) بحار الأنوار / ج 78 / ص 369 .


    لنا حقٌّ في كتاب الله ، وقرابةٌ من رسول الله ، وتطهيرٌ من الله ، لا يدّعيه أحدٌ
    غيرنا إلّا كذّاب .
    أكثروا ذكرَ الموت ، وتلاوة القرآن ، والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وآله ،
    فإنّ الصلاة على رسول الله عشر حسنات .
    احفظوا ما وصّيتكم به ، وأستودعكم الله ، وأقرأ عليكم السلام ، والسلام )(1) .
    14 ـ ما في توقيع مولانا الإمام المهدي عليه‌السلام للشيخ المفيد جاء فيه : ـ
    ( إنّا غير مهملين لمراعاتكم ، ولا ناسين لذكركم ، ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء
    ـ أي الشدّة وضيق المعيشة ـ ، واصطلمكم ـ أي استأصلكم ـ الأعداء ...
    فليعمل كلٌّ منكم بما يقرب به من محبّتنا ، ويتجنّب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا .
    فإنّ أمرنا بغتةً فجاءة ، حين لا تنفعه توبة ، ولا تُنجيه من عقابنا ندمٌ على حوبة .
    والله يلهمكم الرُّشد ، ويلطف لكم في التوفيق برحمته )(2) .
    هذه شذرات غُرر ، من تعاليمهم الدرر ، التي ربّت وهذّبت كبار شيعتهم ،
    وجهابذة أصحابهم على معالي الصفات وعوالي السجيّات ..
    فقدّمت مثل سلمان وأبي ذرّ والمقداد وعمّار ، ومثل كميل وميثم وصعصعة
    ورُشيد ، وسائر كبار أصحابهم سلام الله عليهم .




    __________________________________
    (1) تحف العقول / ص 487 .
    (2) الاحتجاج / ج 2 / ص 323 .

    3 / السيرة الأخلاقيّة العلميّة لأهل البيت عليهم‌السلام
    هناك دروسٌ بليغة من النبيّ الأعظم وعترته الطاهرة عليهم‌السلام في سيرتهم المثاليّة ،
    وأخلاقهم الفذّة ، التي فيها كلّ العظة النافعة ، وبها الاُسوة الحسنة ، نذكر نبذة منها
    فيما يلي : ـ
    الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله
    من أخلاقه الشريفة ، وآدابه الرفيعة ما جمع من الأحاديث الواصفة له ،
    والمذكورة في مناقبه ، جاء فيها : ـ
    كان النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحكم الناس ، وأحلمهم ، وأشجعهم ، وأعدلهم ،
    وأعطفهم حتّى وصفه الله تعالى بقوله : ( بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ )(1) .
    وكان أسخى الناس ، حتّى وصف بأنّه : ( لا يثبت عنده دينارٌ ولا درهم ) .
    وكان يجلس على الأرض ، وينام عليها ، ويأكل عليها .
    وكان بنفسه يخصف النعل ، ويُرقّع الثوب ، ويفتح الباب ، ويحلب الشاة ،
    __________________________________
    (1) التوبة : 128 .


    ويعقل البعير ، ويطحن مع الخادم إذا تعب ، ويضع طهوره بالليل بيده ، ويخدم في
    أهله ، ويقطع اللّحم لهم .
    وكان لا يجلس متّكئاً ، وإذا جلس على الطعام جلس بتواضع ، ويلطع
    أصابعه ، ولم يتجشّأ قطّ .
    وكان يُجيب دعوة الحرّ والعبد ولو على كراع ، ويقبل الهديّة ولو جُرعةٌ من
    اللّبن ، ولا يأكل الصدقة .
    وكان في معاشراته لا يُثبت بصره في وجه أحد ، ويغضب لربّه ولا يغضب
    لنفسه ، ويوصي بالوالدين إحساناً .
    وكان يلبس الغليظ من القطن والكتّان ، وأكثر ثيابه البيض ، ويلبس القميص
    من قبل ميامنه .
    وكان له عباءٌ يُفرش له حيث ما ينتقل ، ويردف خلفه عبده أو غيره ، ويركب ما
    أمكنه من فرسٍ أو بغلة أو حمار بلا تكبّر .
    وكان يشيّع الجنازة ، ويعود المرضىٰ في أقصى المدينة ، ويجالس الفقراء ،
    ويؤاكل المساكين ، ويناولهم بيده .
    وكان يُكرم أهل الفضل في أخلاقهم ، ويتألّف أهل الشرف بالبرّ لهم ، ويصِل
    رحمه ، ولا يجفو على أحد ، ويقبل معذرة المُعتذر .
    كان أكثر الناس تبسّماً ، وما شتم أحداً بشتمة ، ولا لعن خادماً بلعنة ، ليس بفظٍّ
    ولا غليظ ، ولا يجزي السيّئة بالسيّئة ، بل يغفر ويصفح ، حتّى وصفه ربّه بالخُلق العظيم .
    يبدأ من لقيه بالسلام ، وإذا لقي مسلماً يبدأ بالمصافحة ، وما أخذ أحدٌ يده
    فيرسل يده حتّى يرسلها ذاك ، ولا يقوم ولا يجلس إلّا على ذكر الله تعالى .
    وكان خير الناس لأهله ويقول : خيركم خيركم لأهله وأنا خيرٌ لأهلي ، ويعال
    الرجل أسراؤه ، وأحبّ العباد إلى الله عزّ وجلّ أحسنهم صُنعاً إلى أُسراءه .

    وكان لا يجلس عند أحدٌ وهو يصلّي إلّا خفّف صلاته وأقبل عليه وقال :
    ألكَ حاجة ؟
    وكان يجلس حيث ما ينتهي به المجلس ، وأكثر ما يجلس مستقبل القبلة ،
    ويكرم من دخل عليه حتّى ربما بسط له ثوبه ، ويُؤثِر الداخل بالوسادة .
    قال خادمه : خدمتُ النبيّ تسع سنين ، ما عاب عليَّ شيئاً قطّ .
    أدركه أعرابيّ فأخذ برداءه ، فجذبه جذبةً شديدة ، حتّى نظرت إلى صفحة
    عنقه قد أثّرت به حاشية الرداء من شدّة جذبته ..
    ثمّ قال الأعرابي : مُر لي يا محمّد من المال الذي عندك .
    فالتفت إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فضحك ، وأمر له بعطاء(1) .












    __________________________________
    (1) لاحظ بحار الأنوار / ج 16 / ص 236 عن المناقب لابن شهر آشوب .




    أمير المؤمنين عليه‌السلام
    كان قمّة وقدوةً في حُسن الأخلاق مع الصديق والعدوّ ، وعلى ذلك أدّب
    شيعته ، ودعى إلى الحقّ أعداءه ، حتّى هداهم بهداية الله تعالى بعمله قبل قوله .
    وكان من أخلاقه عليه‌السلام أنّه يرافق في السفر ، ويشايع صاحبه إذا فارقه .
    وفي الحديث عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : ـ
    صاحَبَ عليٌّ رجلاً ذمّيّاً فقال له الذمّي : أين تريد يا عبد الله ؟
    قال عليه‌السلام : اُريد الكوفة .
    فلمّا عَدَلَ الطريق بالذمّي عَدَل معه علي عليه‌السلام .
    فقال له الذمّي : أليس زعمتَ تريد الكوفة ؟
    قال : بلىٰ .
    فقال له الذمّي : فقد تركت الطريق ؟
    فقال : قد علمتُ .
    فقال له : فلِمَ عدلتَ معي وقد علمتَ ذلك ؟
    فقال له عليّ عليه‌السلام : هذا من تمام حُسن الصحبة أن يشيّع الرجل صاحبه هنيئةً إذا
    فارقَه ، وكذلك أمرَنا نبيّنا .


    فقال له : هكذا ؟
    قال : نعم .
    فقال له الذمّي : لا جَرم إنّما تبعه مَن تبعه لأفعاله الكريمة .
    وأنا اُشهدك أنّي علىٰ دينك ، فرجع الذمّي مع عليّ عليه‌السلام ، فلمّا عرفه أسلم(1) .
    ومن مكارم أخلاقه عليه‌السلام وحُسن سيرته ما جمع من أحاديث أحواله جاء فيها : ـ
    كان عليٌّ عليه‌السلام يجلس جلسة العبد ، ويأكل أكل العبد ، ويشتري القميصين فيخيّر
    غلامه خيرهما ، ثمّ يلبس الآخر في أشدّ التواضع .
    وُلّي خمس سنين ما وضع آجرةً على آجرة ، ولا أورثَ بيضاء ولا حمراء .
    وكان يُطعم الناس خُبزَ البُرّ واللّحم ، وينصرف إلى منزله يأكل خبز الشعير
    والملح أو الزيت أو الخلّ .
    وما ورد أمران كلاهما لله تعالى رضاً إلّا أخذ بأشدّهما على بدنه .
    ولقد أعتق ألف مملوك من كدّ يده وعَرَق وجهه ، وتترّب يده من عمله .
    وما كان لباسه إلّا الكرابيس التي هي أوضع الملابس .
    دخل عليه عمرو بن العاص ليلةً وهو في بيت المال ، فأطفأ السراج ، ولم
    يستحلّ أن يجلس في ضوء بيت مال المسلمين بغير استحقاق .
    واُتي بأحمال فاكهةٍ فأمر ببيعها ، وطرح ثمنها في بيت المال .
    وبعث إليه دهقان(2) بثوبٍ منسوج بالذهب ، فابتاعه منه عمرو بن حريث
    بأربعة آلاف درهم إلى العطاء .
    وجاء إليه من همدان وحلوان عسل ، وتين ، فأمر أن يأتوا باليتامى ، فأمكنهم
    __________________________________
    (1) البحار / ج 41 / ص 53 .
    (2) الدهقان : يطلق على رئيس القرية ـ معرّب دهقان ـ ، ويطلق على التاجر ومن له مال وعقار كما في
    مجمع البحرين / ص 430 .

    من رؤوس الأزقاق يلعقونها ، وهو يقسّمها للناس قدحاً قدحاً ، ثمّ ألعقهم هو عليه‌السلام
    بيده المباركة .
    فقيل له : يا أمير المؤمنين ما لهم يلعقونها ؟
    فقال : إنّ الإمام أبو اليتامى ، وإنّما ألعقتهم هذا برعاية الآباء .
    وكان عليه‌السلام بنفسه يستقي ، ويحتطب ، وينقّي العدس في البيت ، وفاطمة
    الزهراء عليها‌السلام تطحن وتعجن وتخبز .
    وما اُصيب بمصيبة إلّا صلّى في ذلك اليوم ألف ركعة ، وتصدّق على ستّين
    مسكيناً ، وصام ثلاثة أيّام .
    وكان إذا صلّى الفجر لم يزل معقّباً إلى أن تطلع الشمس ، فإذا طلعت الشمس
    اجتمع إليه الناس فعلّمهم الفقه والقرآن .
    قال عنه صعصعة بن صوحان العبدي وغيره من شيعته وأصحابه : ـ
    ( كان فينا كأحدنا ، لين جانب ، وشدّة تواضع ، وسهولة قياد . وكنّا نهابه مهابة
    الأسير المربوط للسيّاف الواقف على رأسه )(1) .
    وقال عنه ابن أبي الحديد :
    ( وأمّا سماحة الأخلاق ، وطلاقة المحيّا والتبسّم فهو المضروب به المثل ) .
    وقد شهد عدوّه اللدود معاوية بمكارم أخلاقه ومعالي صفاته التي بيّنها ضرار
    ابن ضمرة الليثي :
    حيث دخل على معاوية فقال له : صِف لي عليّاً .
    فقال ضرار : أوَ تعفيني عن ذلك .
    __________________________________
    (1) هذه هي الهيبة الإلهيّة التي كان يعظم بها عند أولياءه ويخاف منه خصومه ، حتّى ذكروا عنه أنّه كنّا
    نخوّف الأعداء بمجيء عليّ عليه‌السلام .


    فقال معاوية : لا أُعفيك .
    فقال ضرار : ـ
    كان والله بعيد المدىٰ ـ أي عالي الهمّة ـ ، شديد القوى ، يقول فصلاً ،
    ويحكم عدلاً .
    يتفجّر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه .
    يستوحش من الدُّنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل ووحشته .
    كان والله غزير العبرة ، طويل الفكرة ، يقلّب كفّه ، ويخاطب نفسه ، ويناجي ربّه .
    يُعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشُب .
    كان والله فينا كأحدنا ، يدنينا إذا أتيناه ، ويُجيبنا إذا سألناه ، وكنّا مع دنوّه منّا ،
    وقُربنا منه لا نكلّمه لهيبته ، ولا نرفع عيننا إليه لعظمته .
    فإن تبسّم فمن مثل اللؤلؤ المنظوم .
    يعظّم أهل الدَّين ، ويحبّ المساكين .
    لا يطمع القويّ في باطله ، ولا ييأس الفقير من عدله .
    وأشهدُ بالله لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت
    نجومه ، وهو قائمٌ في محرابه ، قابضٌ على لحيته ، يتململ تململ السليم ، ويبكي
    بكاء الحزين ، فكأنّي أسمعه وهو يقول :
    يا دُنيا دنيّة أبيَ تعرّضتِ ؟ أم إليَّ تشوّقتِ ؟ هيهات هيهات غُرّي غيري ،
    لا حاجة لي فيك ، قد طلّقتك ثلاثاً ، لا رجعة لي فيها ، فعُمرك قصير ، وخطرك
    يسير ، وأملك حقير .
    آهٍ آهٍ من قلّة الزاد ، وبُعد السفر ، ووحشة الطريق ، وعِظَم المورد .
    فوكَفَت ـ أي سالت ـ دموع معاوية على لحيته ، فنشّفها بكمّه ، واختنق القوم بالبكاء .
    ثمّ قال معاوية : كان والله أبو الحسن كذلك ، فكيف صبرك عنه يا ضرار ؟

    قال : صبرُ مَن ذُبح واحدُها على صدرها ، فهي لا ترقأ عبرتها ، ولا تسكن حسرتها .
    ثمّ قام ـ ضرار ـ وخرج وهو باكٍ .
    فقال معاوية : أما إنّكم لو فقدتموني لما كان فيكم من يُثني عليَّ هذا الثناء .
    فقال بعض من حضر : الصاحب علىٰ قدر صاحبه(1) .

















    __________________________________
    (1) لاحظ بحار الأنوار / ج 41 / ص 120 / ب 107 / ح 28 .




    الصدِّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها‌السلام
    كانت نموذجاً للأخلاق المرضيّ ، واُسوة للإنسان الزكيّ ، بل هي اُسوة للإمام
    المهدي عليه‌السلام الذي هو اُسوتنا وحجّة الله علينا .
    يقتدي بها الإمام فكيف بسائر الأنام ، كما ورد في التوقيع الشريف : ـ
    « وفي ابنة رسول الله لي اُسوةٌ حسنة »(1) .
    فيلزم أن نتأسّى بها ، ونقتدي بمحاسن صفاتها .
    وهي فخر النساء ، والاُسوة العلياء للمرأة المؤمنة الصالحة .
    ومن خُلقها الطيّب : كرمها وإيثارها المذكور في حديث الإمام الصادق عن
    أبيه عليهما‌السلام ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : ـ
    صلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة العصر فلمّا انفتل جلس في قبلته والناس حوله ،
    فبينا هم كذلك إذ أقبل إليه شيخٌ من مهاجرة العرب عليه سَمِلٌ قد تهلّل وأخلق
    وهو لا يكاد يتمالك كِبَراً وضعفاً ، فأقبل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يستحثّه الخبر فقال
    الشيخ : ( يا نبيّ الله أنا جائع الكبد فأطعمني ، وعاري الجسد فأكسني ، وفقيرٌ فأرشِني ) .
    __________________________________
    (1) الغيبة للشيخ الطوسي / ص 172 ، والاحتجاج للطبرسي / ج 2 / ص 277 ، وذكرنا هذا التوقيع
    بشرحه في الإمام المنتظر / ص 221 .


    فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أجد لك شيئاً ولكنّ الدالّ على الخير كفاعله ، انطلق إلى منزل من
    يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، يؤثِر الله على نفسه ، انطلق إلى حجرة
    فاطمة ، وكان بيتها ملاصق بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه ،
    وقال : يا بلال قُم فقف به على منزل فاطمة ، فانطلق الأعرابيّ مع بلال ، فلمّا وقف
    على باب فاطمة نادىٰ بأعلى صوته : السلام عليكم يا أهلبيت النبوّة ! ومختَلَف
    الملائكة ، ومهبط جبرئيل الرّوح الأمين بالتنزيل ، من عند ربّ العالمين ، فقالت
    فاطمة : وعليكَ السلام ، فمَن أنت يا هذا ؟ قال : شيخٌ من العرب أقبلتُ علىٰ أبيك
    سيّد البشر مهاجراً من شُقّة وأنا يا بنت محمّد عاري الجسد ، جائع الكبد فواسيني
    يرحمك الله ، وكان لفاطمة وعليّ في تلك الحال ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثاً ما طَعِموا
    فيها طعاماً ، وقد علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك من شأنها ...
    فعَمَدَت فاطمة إلى جلد كبش مدبوغ بالقرظ كان ينام عليه الحسن والحسين
    فقالت : خُذ هذا أيّها الطارق ! فعسى الله أن يرتاح لك ما هو خيرٌ منه ، قال
    الأعرابيّ : يا بنت محمّد شكوت إليك الجوع فناوليني جلد كبش ما أنا صانع به
    مع ما أجد من السّغب .
    قال : فعَمَدَت لمّا سَمِعَت هذا من قوله إلى عِقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة
    بنت عمّها حمزة بن عبد المطّلب ، فقطعته من عنقها ونبذته إلى الأعرابي فقالت :
    خُذه وبعه فعسى أن يعوّضك به ما هو خيرٌ منه ، فأخذ الأعرابي العِقد وانطلق
    إلى مسجد رسول الله والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في أصحابه ، فقال : يا رسول الله أعطتني
    فاطمة [ بنت محمّد ] هذا العقد فقالت : بعه فعسى الله أن يصنع لك .
    قال : فبكى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : وكيف لا يصنع الله لك وقد أعطتكه فاطمة بنت
    محمّد سيّدة بنات آدم .
    فقام عمّار بن ياسر رحمة الله عليه فقال : يا رسول الله أتأذن لي بشراء هذا


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اخلاق اهل البيت عليهم السلام Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اخلاق اهل البيت عليهم السلام   اخلاق اهل البيت عليهم السلام Emptyالإثنين أكتوبر 21, 2024 7:26 pm

    العِقد ؟ قال : ( اشترهِ يا عمّار فلو اشترك فيه الثَقَلان ما عذّبهم الله بالنار ) ، فقال
    عمّار : بِكَمْ العِقد يا أعرابيّ ؟ قال : بشَبعةٍ من الخبز واللّحم ، وبردة يمانيّة أستر بها
    عورتي واُصلّي فيها لربيّ ، ودينار يبلّغني إلى أهلي ، وكان عمّار قد باع سهمه ـ
    من الغنيمة ـ الذي نفله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من خبير ولم يُبقِ منه شيئاً ، فقال : لك
    عشرون ديناراً ومأتا درهم هجريّة ، وبُردة يمانيّة ، وراحلتي تبلّغك أهلك ،
    وشَبَعُك من خبز البُرّ واللّحم .
    فقال الأعرابيّ : ما أسخاك بالمال أيّها الرجل ، وانطلق به عمّار فوفّاه ما ضمن له .
    وعاد الأعرابيّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أَشَبِعتَ واكتَسَيت ؟
    قال الأعرابيّ : نعم واستغنيت بأبي أنت واُمّي ، قالْ : فأجْزِ فاطمة بصنيعها ، فقال
    الأعرابيّ : اللَّهُمَّ إنّك إله ما استحدثناك ، ولا إلهٌ لنا نعبده سواك وأنت رازقنا على
    كلّ الجهات ، اللَّهُمَّ أعط فاطمة ما لا عين رأت ولا اُذن سمعت .
    فأمّن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على دعائه وأقبل على أصحابه ، فقال : إنّ الله قد أعطى فاطمة
    في الدُّنيا ذلك : أنا أبوها وما أحدٌ من العالمين مثلي ، وعليٌّ بعلها ولولا عليّ ما
    كان لفاطمة كفو أبداً ، وأعطاها الحسن والحسين وما للعالمين مثلهما سيّدا شباب
    أسباط الأنبياء وسيّدا أهل الجنّة ... ـ وكان بإزائه مقداد وعمّار وسلمان ـ
    فقال : وأزيدكم ؟
    قال : نعم يا رسول الله .
    قال : أتاني الرّوح يعني جبرئيل عليه‌السلام أنّها إذا هي قبضت ودفنت يسألها الملكان
    في قبرها : من ربّك ؟ فتقول : الله ربّي ، فيقولان : فمَن نبيّك؟ فتقول : أبي ،
    فيقولان : فمن وليّك ؟ فتقول : هذا القائم على شفير قبري عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام .
    ألا وأُزيدكم من فضلها : إنّ الله قد وكّل بها رعيلاً من الملائكة يحفظونها من
    بين يديها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها وهم معها في حياتها وعند قبرها



    وعند موتها يكثرون الصلاة عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها .
    فمن زارني بعد وفاتي فكأنّما زارني في حياتي ، ومن زار فاطمة فكأنّما
    زارني ، ومن زار عليّ بن أبي طالب فكأنّما زار فاطمة ، ومن زار الحسن
    والحسين فكأنّما زار عليّاً ، ومن زار ذرّيتهما فكأنّما زارهما .
    فعمد عمّار إلى العقد ، فطيّبه بالمسك ، ولفّه في بردة يمانيّة ، وكان له عبدٌ اسمه
    سَهم ابتاعه من ذلك السّهم الذي أصابه بخبير ، فدفع العقد إلى المملوك وقال له :
    خُذ هذا العقد فادفعه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنت له ، فأخذ المملوك العقد فأتى به
    رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبره بقول عمّار ، فقال النبيّ : انطلق إلى فاطمة فادفع إليها العقد
    وأنت لها ، فجاء المملوك بالعقد وأخبرها بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخَذت فاطمة عليها‌السلام
    العِقد وأعتَقَت المملوك ، فضحك الغلام ، فقالت : ما يضحك يا غلام ؟ فقال :
    أضحكني عِظَمِ بركة هذا العقد ، أشبع جائعاً ، وكسى عرياناً ، وأغنى فقيراً ، وأعتق
    عبداً ، ورجع إلى ربّه(1) .
    ومن مكارم أخلاقها سلام الله عليها دعاؤها في عبادتها للمؤمنين دون نفسها ،
    ففي حديث دلائل الإمامة : ـ
    عن الإمام الحسن عليه‌السلام قال : ـ رأيت اُمّي فاطمة قائمةً في محرابها ليلة الجمعة ،
    فلم تزل راكعةً ساجدة حتّى انفلق عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين
    والمؤمنات وتسمّيهم وتُكثر الدّعاء لهم ، ولا تدعو لنفسها بشيء .
    فقلت : يا اُمّاه لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيركِ ؟
    قالت : يا بُنيّ الجار ثمّ الدار (2) .
    ومن طيب أخلاقها حسن سيرتها مع أمير المؤمنين عليه‌السلام زوجها وابن عمّها ،
    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 43 / ص 56 .
    (2) دلائل الإمامة للطبري / ص 52 .

    ففي حديث البحار : ـ
    قال عليّ عليه‌السلام : ـ ( فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتُها على أمرٍ حتّى قبضها الله عزّ
    وجلّ ولا أغضبني ، ولا عَصَت لي أمراً ، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي
    الهموم والأحزان )(1) .
    ومن لطف أخلاقها مشاطرتها خدمة البيت مع خادمتها فضّة ، وخدمتها
    بنفسها الطاهرة ، ففي حديث من لا يحضره الفقيه : ـ
    أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لرجلٍ من بني سعد : ـ
    ألا أُحدّثك عنّي وعن فاطمة الزهراء سلام الله عليها ؟ إنّها كانت عندي
    فاستقت بالقربة حتّى أثّر في صدرها ، وطحنت بالرّحىٰ حتّى مجلت يداها ،
    وكَسَحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتّى دكَنَت ثيابها ،
    فأصابها من ذلك ضرٌّ شديد ...(2) .
    ومن كريم عشرتها عدم تكليفها أمير المؤمنين عليه‌السلام بما يصعب عليه ، ففي
    حديث البحار : ـ
    عن أبي سعيد الخدري ، قال : أصبح عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ذات يوم ساغباً ،
    فقال : يا فاطمة هل عندكِ شيءٌ تغذّينه ؟
    قالت : لا ، والذي أكرم أبي بالنبوّة ، وأكرمك بالوصيّة ، ما أصبح الغداة عندي
    شيء ، وما كان شيء ، أطعمناه مُذ يومين إلّا شيء كنت أوثرك به على نفسي
    وعلى ابنيّ هذين الحسن والحسين .
    فقال عليّ : يا فاطمة ألا كنتِ أعلمتني فألفيكم شيئاً ؟
    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 43 / ص 134 .
    (2) من لا يحضره الفقيه / ج 1 / ص 32 .


    فقالت : يا أبا الحسن إنّي لأستحي من إلهي أن أكلّف نفسك ما لا تقدر عليه(1) .
    ومن وجودها وكرمها : إنفاقها واردات فدك للفقراء والمساكين في سبيل الله تعالى .
    علماً بأنّ واردات فدك نحلتها من أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله تبلغ في كلّ سنة سبعين ألف دينار ،
    يعني ما يعادل ( 000 / 70 ) مثقال من الذهب(2) .
    ثمّ وصيّتها ببساتينها السبعة : ( العَواف ، والدلال ، والبرقة ، والمثيَب ،
    والحسنى ، والصافية ، وأمّ إبراهيم ) .
    وهي المسمّاة بالحوائط السبعة والعوالي ، وكانت على نصف فرسخ من
    المدينة المنوّرة كما في البهجة(3) .
    ومن طيب سجيّتها حنانها ومحبّتها لأبيها وبعلها وبنيها وذرّيتها وشيعتها حتّى
    لُقّبت بالحانية .
    فتلاحظ في سيرتها المباركة شدّة محبّتها برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى أنّه غُشي إليها
    حينما رأت قميصه بعد شهادته(4) .
    وتلاحظ محبّتها لزوجها وتعبيرها عنه في وصيّتها بقولها :
    ( ثمّ إنّي أوصيك في نفسي وهي أحبّ الأنفس إليَّ بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ... )(5) .
    ولم تتركه في شديد مصابها في يوم الدار ، بل أسرعت إليه لخلاصه من أيدي
    أعدائه كما اتّفقت عليه السِّير .
    وتلاحظ محبّتها لأولادها حتّى في حال آلامها وقرب شهادتها في خدمتها
    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 43 / ص 59 .
    (2) كشف المحجّة للسيّد ابن طاووس / ص 182 .
    (3) بهجة قلب المصطفى / ص 511 .
    (4) أهل البيت ، لتوفيق أبو علم / ص 166 .
    (5) بحار الأنوار / ج 103 / ص 185 .

    لهم حتّى في غسل رؤوسهم .
    وتلاحظ محبّتها لذرّيتها حتّى سلّمت عليهم وعلىٰ من جاء منهم إلى يوم
    القيامة كما في وصيّتها .
    وتلاحظ محبّتها لشيعتها حتّى أنّها تلتقطهم للشفاعة يوم القيامة كما يلتقط
    الطير الحبّ الجيّد من الحبّ الرديء .
    فهي القدوة والاُسوة التي ينبغي أن نتأسّى بها في حياتنا الدينيّة والأخلاقيّة
    حتّى نحصل على السعادة الأبديّة .




    الإمام الحسن المجتبىٰ عليه‌السلام
    كان حَسَناً في صفاته كاسمه ، بل غاية الحُسن في أخلاقه كما نستلهمه من
    سيرته الشريفة في صفاته الغرّاء .
    من ذلك حلمه العظيم مع الرجل الشامي الذي جعل يلعنه والإمام عليه‌السلام لا يردّ
    عليه ، بل أحسن له في الجواب ، كما في الحديث المعروف .
    ومن ذلك جوده وكرمه حيث قاسَمَ ربّه جميع أمواله ثلاث مرّات .
    ومن سخاءه ما روي :
    إنّه سأل الحسن بن علي رجلٌ فأعطاه خمسين ألف درهم ، وخمس
    مائة دينار .
    ثمّ قال له : ائتِ بحمّال ، فأعطى طيلسانه وقال : ـ هذا كرى الحمّال .
    وجاءه بعض الأعراب فقال عليه‌السلام : أعطوه ما في الخزانة ، فوجدن فيها عشرون
    ألف دينار ، فدفعها إلى الأعرابي .
    فقال الأعرابي : يا مولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي ، وأنشر مدحتي .
    فأنشأ الإمام الحسن عليه‌السلام يقول : ـ
    نحنُ اُناسٌ نوالُنا خَضَل
    يرتعُ فيه الرجاءُ والأملُ



    تجودُ قبل السؤالِ أنفسُنا
    خوفاً على ماء وجه من يَسَلُ

    لو عَلِم البحر فضل نائِلنا
    لغاضَ من بعد فيضَه خجلُ (1)



















    __________________________________
    (1) لاحظ بحار الأنوار / ج 43 / ص 340 .

    الإمام الحسين عليه‌السلام
    كان قمّةً في حُسن الأخلاق ، وطيب المعاشرة ، والجود والكرم ، والسجايا العظيمة .
    من ذلك علوّ همّته ، وعالي كرامته ، وشرافة طبعه في إحسانه وإشفاقه حتّى
    على أعدائه ، ومن استعدّ لقتاله .
    كما تلاحظ أخلاقه الكريمة مع الحرّ بن يزيد الرياحي وأصحابه في طريق العراق .
    حيث جاؤوا في حرّ الظهيرة ، ووصلوا إلى منطقة ذي حسم عطاشىٰ ، وهم
    زهاء ألف فارس .
    وقد كان الإمام الحسين عليه‌السلام قد أمر فتيانه بالاستقاء من الماء ، والإكثار منه من
    سَحَر ذلك اليوم في منزل شراف .
    فقال الإمام الحسين عليه‌السلام : اسقوا القوم ، وارووهم من الماء ، ورشفوا الخيل ترشيفاً(1) .
    بالرغم من علمه صلوات الله عليه بأنّهم قتلته ، وأنّهم لا يسقونه قطرةً من الماء .
    لكن مع ذلك حنَّ إليهم في ذلك الصحراء الذي كان وادياً غير ذي زرع ،
    فأنقذهم من الظمأ ، وأرواهم من العطش ، حتّى أروىٰ خيلهم .
    __________________________________
    (1) الترشيف : هو الاستقصاء في الشرب حتّى لا يبقى شيء من الماء ، وترشيف الخيل سقيها وإمهالها
    حتّى ترتوي كاملاً ، لأنّها تشرب الماء بدفعات لا دفعة واحدة .


    فقد أقبل فتيةُ الإمام الحسين عليه‌السلام يملؤون القصاع والطساس من الماء ، ثمّ
    يدنونها من الفرس ، فإذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه ، حتّى سقوا
    خيلهم كلّها .
    قال علي بن طعان المحاربي : كنت مع الحرّ يومئذٍ ، وجئته في آخر من جاء
    من أصحاب الحرّ ، فلمّا رأى الحسين عليه‌السلام ما بي وبفرسي من العطش قال : أنخ
    الراوية ، والراوية عندي السقاء ، وفي لغة الحجاز الجمل .
    ثمّ قال عليه‌السلام : أنخ الجمل ، فأنخته .
    فقال عليه‌السلام : ياابن أخي اشرب ، فجعلت كلّما أشرف سال الماء من السقاء . فقال
    الحسين عليه‌السلام : إخنث السقاء أي اعطفه .
    فلم أدرِ كيف أفعل ، فقام هو عليه‌السلام فخنثه ، فشربت حتّى ارتويت وسقيت
    فرسي(1) .
    ومن معالي سجاياه عطيّته الكريمة للأعرابي مع استحياءه منه ، فقد وَفَدَ
    أعرابيّ إلى المدينة ، فسأل عن أكرم الناس بها ، فدُلّ على الحسين عليه‌السلام ، فدخل
    المسجد فوجده مصلّيّاً فوقف بإزاء وأنشأ : ـ
    لم يخب الآن من رجالك ومن
    حرّكَ من دون بابك الحَلَقة

    أنت جوادٌ وأنت معتمدٌ
    أبوك قد كان قاتلَ الفسقة

    لولا الذي كان من أوائلِكم
    كانت علينا الجحيمُ منطبقة

    فسلّم الحسين عليه‌السلام وقال : يا قنبر هل بقي من مال الحجاز شيء ؟
    قال : نعم أربعة آلاف دينار ، فقال : هاتِها ، قد جاء من هو أحقُّ بها منّا ، ثمّ نزع
    بُرده ولفّ الدنانير فيها ، وأخرج يده من شقِّ الباب حياءً من الأعرابيّ وأنشأ : ـ
    __________________________________
    (1) معالي السبطين / ص 166 .

    خُذها فإنّي إليك معتذرٌ
    واعلم بأنّي ذو شفقة

    لو كان في سيرنا الغَداة عصاً
    أمسَت سمانا عليك مندفقة

    لكنّ ريبَ الزمان ذو غِيَرٍ
    والكفّ منّي قليلةُ النفقة

    فأخذها الأعرابي وبكىٰ ، فقال عليه‌السلام له : لعلّك استقللت ما أعطيناك ، قال :
    لا ولكن كيف يأكل التراب وجودَك(1) .















    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 44 / ص 190 .




    الإمام السجّاد عليه‌السلام
    كان النموذج الأعلى للصفات المحمّديّة ، والسجايا الطيّبة .
    ومن حسن أخلاقه في حلمه وتواضعه كظم غيظه في قضيّة السفود التي
    يأتي ذكرها(1) .
    ونالَ منه الحسن بن الحسن بكلامٍ خشن ، فلم يجبه ، ثمّ أتىٰ منزله فخرج
    الحسن متوثّباً للشرّ .
    فقال عليه‌السلام له : يا أخي إن كنتَ قلتَ ما فيَّ فأستغفر الله منه ، وإن كنتَ قلتَ ما
    ليس فيَّ يغفر الله لك .
    فقبّل الحسن بين عينيه وقال : بل قلتُ ما ليس فيك وأنا أحقّ به .
    وشتمه آخر ، فقال في الجواب :
    يا فتى إنّ بين أيدينا عقبةً كؤوداً ، فإن جزتُ منها فلا اُبالي بما تقول ، وإن
    أتحيّر فيها فأنا شرٌّ ممّا تقول .
    وسبّه رجلٌ آخر ، فسكت عنه .
    __________________________________
    (1) تذكر في فقرة « كظم الغيظ » في الفصل الخامس من الكتاب .


    فقال الرجل : إيّاك أعني .
    فقال عليه‌السلام : وعنك أغضني .
    وكسرت جارية له قصعة فيها طعام فاصفرّ وجهُها ، فقال لها : إذهبي فأنتِ حرّة
    لوجه الله(1) .
















    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 46 / ص 96 .

    الإمام الباقر عليه‌السلام
    كان وريثاً لجدّه الرسول وآبائه الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين في
    الأخلاق والآداب .
    عن عمرو بن دينار وعبيد الله بن عبيد أنّهما قالا :
    ما لقينا أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهما‌السلام إلّا وحمل إلينا النفقة ، والصلة ، والكسوة ،
    ويقول : هذا مَعدٌّ لكم قبل أن تلقوني .
    وعن سليمان بن قرم قال :
    كان أبو جعفر محمّد بن عليّ عليهما‌السلام يجيزنا بالخمسمائة إلى الستّمائة إلى الألف درهم .
    وكان لا يملّ من صلة إخوانه ، وقاصديه ، ومؤمّليه وراجيه(1) .
    وأدبه الرفيع في كلامه ، وعدم مقابلته الإساءة من خصومه ، ولين القول في
    مرامه معروفٌ في سيرته الكريمة .



    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 46 / ص 288 .




    الإمام الصادق عليه‌السلام
    كان صلوات الله عليه سيّداً في حُسن الخُلق ، وعظيماً في تربية الخَلق ،
    ومفخرةً في تعاليمه ، وأحاديثه ، وتهذيب أصحابه ، وتنشأة الناس على الخُلق
    الحسن ، من ذلك :
    حديث زكريّا بن إبراهيم قال : كنت نصرانيّاً فأسلمت وحججتُ فدخلت على
    أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت : إنّي كنتُ على النصرانيّة ، وأنّي أسلمت .
    فقال : وأيّ شيء رأيت في الإسلام ؟
    قلت : قول الله عزّ وجلّ : ( مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا
    نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ )(1) .
    فقال : لقد هداك الله ، ثمّ قال : اللَّهُمَّ أهده ثلاثاً ، سَلْ عمّا شئت يا بُنيّ .
    فقلت : إنّ أبي واُمّي على النصرانيّة ، وأهل بيتي ، واُمّي مكفوفة البصر ، فأكون
    معهم ، وآكل في آنيتهم .
    فقال : يأكلون لحم الخنزير ؟
    __________________________________
    (1) سورة الشورى : الآية 52 .


    فقلت : لا ، ولا يمسّونه .
    فقال : لا بأس ، فانظر اُمّك فبرّها ، فإذا ماتت ، فلا تكلها إلى غيرك ، كُن أنت
    الذي تقوم بشأنها ، ولا تخبرنَّ أحداً أنّك أتيتني ، حتّى تأتيني بمنى إن شاء الله .
    قال : فأتيته بمنى والناس حوله ، كأنّه معلّم صبيان ، هذا يسأله ، وهذا يسأله ،
    فلمّا قدمت الكوفة ، ألطفتُ لاُمّي ، وكنت اُطعمها ، واُفلّي ثوبها ورأسها ، وأخدمها .
    فقالت لي : يا بُنيّ ما كنتَ تصنع بي هذا ، وأنت على ديني ، فما الذي أرى منك
    منذ هاجرتَ ، فدخلتَ في الحنيفيّة ؟
    فقلت : رجلٌ من ولد نبيّنا أمرني بهذا .
    فقالت : هذا الرجل هو نبيٌّ ؟
    فقلت : لا ، ولكنّه ابن نبيّ ، فقالت : يا بُنيّ هذا نبيّ إنّ هذه وصايا الأنبياء .
    فقلت : يا اُمِّ إنّه ليس يكون بعد نبيّنا نبيّ ولكنّه ابنه .
    فقالت : يا بنيّ دينك خير دين ، اعرضه عليَّ فعرضته عليها فدخَلَت في الإسلام ،
    وعلّمتها فصلّت الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء الآخرة ثمّ عرض بها عارض
    في اللّيل فقالت : يا بُنيّ أعد عليَّ ما علّمتني ، فأعدتُه عليها فأقرّت به وماتت .
    فلمّا أصبَحَت كان المسلمون الذين غسّلوها ، وكنت أنا الذي صلّيت عليها
    ونزلت في قبرها(1) .




    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 47 / ص 374 .

    الإمام الكاظم عليه‌السلام
    كان سلام الله عليه مثالاً فذّاً للأخلاق الكريمة ، والشيم العظيمة ، وكظم الغيظ
    في اسمه ووصفه ، من ذلك ما روي :
    أنّ رجلاً من ولد عمر بن الخطّاب كان بالمدينة يؤذي أبا الحسن موسى عليه‌السلام
    ويسبّه إذا رآه ، ويشتم عليّاً فقال له بعض حاشيته يوماً : دعنا نقتل هذا الفاجر ،
    فنهاهم عن ذلك أشدّ النهي ، وزجرهم ، وسأل عن العُمَري فذكر أنّه يزرع بناحيةٍ
    من نواحي المدينة ، فركب إليه ، فوجده في مزرعة له ، فدخل المزرعة بحماره
    فصاح به العُمري : لا توطيء زرعنا ، فتوطّأه عليه‌السلام بالحمار ، حتّى وصل إليه ، ونزل
    وجلس عنده ، وباسطه وضاحكه ، وقال له : كم غرمت على زرعك هذا ؟
    قال : مائة دينار .
    قال : فكم ترجو أن تُصيب ؟ قال : لستُ أعلم الغيب .
    قال له : إنّما قلت كم ترجو أن يجيئك فيه ؟
    قال : أرجوا أن يجيء مائتا دينار .
    قال : فأخرج له أبو الحسن عليه‌السلام صرّة فيها ثلاثمائة دينار ، وقال : هذا زرعك
    على حاله ، والله يرزقك فيه ما ترجو .


    قال : فقام العُمَريّ فقبّل رأسه وسأله أن يصفح عن فارطه ، فتبسّم إليه أبو
    الحسن وانصرف .
    قال : وراح إلى المسجد فوجد العمريّ جالساً فلمّا نظر إليه قال : الله أعلم
    حيث يجعل رسالاته .
    قال : فوثب أصحابه إليه فقالوا له : ما قضيّتك ؟ قد كنت تقول غير هذا ، قال :
    فقال لهم : قد سمعتم ما قلت الآن ، وجعل يدعو لأبي الحسن عليه‌السلام فخاصموه وخاصمهم .
    فلمّا رجع أبو الحسن إلى داره قال لجلسائه الذين سألوه في قتل العمري : أيّما
    كان خيراً ما أردتم ؟ أم ما أردت ؟ إنّني أصلحت أمره بالمقدار الذي عرفتم ،
    وكُفِيتُ به شرّه .
    وذكر جماعة من أهل العلم أنّ أبا الحسن عليه‌السلام كان يصل بالمأتي دينار إلى
    الثلاثمائة وكانت صرار موسى مثلاً(1) .










    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 48 / ص 102 .

    الإمام الرضا عليه‌السلام
    كان صلوات الله عليه المَثَل الأعلى للصفات العُليا ، والمعاشرة الحُسنىٰ ،
    غوث اللّهفان ، ومعدن الرضوان .
    من ذلك ما في حديث الحسن بن حمزة قال : كنت أنا في مجلس أبي الحسن
    الرِّضا عليه‌السلام ـ في المدينة ـ اُحدِّثه وقد اجتمع إليه خلق كثير يسألونه عن الحلال
    والحرام ، إذ دخل عليه رجل طوال أدِم فقال له : السلام عليك ياابن رسول الله
    رجلٌ من محبّيك ومحبّي آبائك وأجدادك عليهم‌السلام ، مصدري من الحجّ وقد افتقدت
    نفقتي وما معي ما أبلغ به مرحلة ، فإن رأيت أن تُنهِضني إلى بلدي ولله عليَّ نعمة ،
    فإذا بلغتُ ببلدي تصدّقت بالذي تولّيني عنك ، فلستُ موضع صدقة ، فقال له :
    اجلس رحمك الله ، وأقبل على الناس يحدِّثهم حتّى تفرّقوا ، وبقي هو وسليمان
    الجعفري وخيثمة وأنا ، فقال : أتأذنون لي في الدخول ؟
    فقال له : يا سليمان قدّم الله أمرك .
    فقام فدخل الحجرة وبقي ساعة ثمّ خرج وردّ الباب وأخرج يده من أعلى
    الباب وقال : أين الخراسانيّ ؟
    فقال : ها أنا ذا .


    فقال : خُذ هذه المأتي دينار واستعن بها في مؤونتك ونفقتك وتبرّك بها ، ولا
    تصدّق بها عنّي ، واخرج فلا أراك ولا تراني .
    ثمّ خرج فقال سليمان : جعلت فداك لقد أجزلت ورحمت ، فلماذا سترت
    وجهك عنه ؟
    فقال : مخافة أن أرى ذلّ السؤال في وجهه لقضائي حاجته ، أما سمعت
    حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « المستتر بالحسنة ، تعدل سبعين حجّة ، والمذيع بالسيّئة
    مخذول ، والمستتر بها مغفور له » أما سمعت قول الأوّل :
    متى آته يوماً لأطلب حاجة
    رجعت إلى أهلي ووجهي بمائة(1).













    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 49 / ص 101 .

    الإمام الجواد عليه‌السلام
    كان في أعلى درجات الجود والكرم ، وطيب الأخلاق والعشرة ، وكرامة
    النفس والسجيّة ، من ذلك : ـ
    روي عن محمّد بن الوليد الكرمانيّ قال : أتيت أبا جعفر ابن الرّضا عليه‌السلام
    فوجدت بالباب الذي في الفناء قوماً كثيراً ، فعدلت إلى سافر فجلست إليه حتّى
    زالت الشمس ، فقمنا للصلاة ، فلمّا صلّينا الظهر وجدت حسّاً من ورائي ، فالتفتُّ
    فإذا أبو جعفر عليه‌السلام فسرت إليه حتّى قبّلت كفّه ، ثمّ جلس وسأل عن مقدمي .
    ثمّ قال : سلّم فقلت : جعلت فداك قد سلّمت .
    فأعاد القول ثلاث مرّات : « سلِّم ! » فتداركتها وقلت : سلّمت ورضيت ياابن
    رسول الله ، فأجلى الله عمّا كان في قلبي حتّى لو جهدت ورمت لنفسي أن أعود
    إلى الشكّ ما وصلت إليه .
    فعُدت من الغد باكراً فارتفعت عن الباب الأوّل وصرت قبل الخيل وما وراي
    أحدٌ أعلمه ، وأنا أتوقّع أن آخذ السبيل إلى الإرشاد إليه ، فلم أجد أحداً أخذ ،
    حتّى اشتدّ الحرُّ والجوع جدّاً ، حتّى جعلت أشرب الماء اُطفىء به حرّ ما أجد من
    الجوع والجوى ، فبينما أنا كذلك إذ أقبل نحوي غلام قد حمل خواناً عليه طعام



    وألوان ، وغلام آخر عليه طست وإبريق ، حتّى وضع بين يدي وقالا أمرك أن
    تأكل فأكلت .
    فلمّا فرغت أقبل فقمت إليه فأمرني بالجلوس وبالأكل ، فأكلت ، فنظر إلى
    الغلام فقال : كُل معه ينشط ! حتّى إذا فرغت ورفع الخوان ، وذهب الغلام ليرفع ما
    وقع من الخوان ، من فتات الطعام ، فقال : مه ومه ما كان في الصحراء فدعه ، ولو
    فخذ شاة ، وما كان في البيت فالقطه ، ثمّ قال : سل !
    قلت : جعلني الله فداك ما تقول في المسك ؟
    فقال : إنَّ أبي أمر أن يعمل له مسك في فارة فكتب إليه الفضل يخبره أنّ الناس
    يعيبون ذلك عليه .
    فكتب : يا فضل أما علمت أنّ يوسف كان يلبس ديباجاً مزروراً بالذّهب
    ويجلس على كراسيّ الذّهب فلم ينتقص من حكمته شيئاً ، وكذلك سليمان ، ثمّ
    أمر أن يعمل له غالية بأربعة آلاف درهم .
    ثمّ قلت : ما لمواليكم في موالاتكم ؟
    فقال : إنّ أبا عبد الله عليه‌السلام كان عنده غلام يمسك بغلته إذا هو دخل المسجد ،
    فبينما هو جالس ومعه بغلة إذ أقبلت رفقة من خراسان ، فقال له رجل من الرفقة :
    هل لك يا غلام أن تسأله أن يجعلني مكانك وأكون له مملوكاً وأجعل لك مالي
    كلّه ؟ فإنّي كثير المال من جميع الصنوف اذهب فاقبضه ، وأنا اُقيم معه مكانك .
    فقال : أسأله ذلك .
    فدخل على أبي عبد الله فقال : جُعلت فداك تعرف خدمتي وطول صحبتي فإن
    ساق الله إليَّ خيراً تمنعينه ؟
    قال : اُعطيك من عندي وأمنعك من غيري ، فحكى له قول الرّجل ، فقال : إن
    زهدت في خدمتنا ورغب الرّجل فينا قبلناه وأرسلناك .

    فلمّا ولّى عنه دعاه ، قال له : أنصحك لطول الصّحبة ، ولك الخيار ، فإذا كان يوم
    القيامة كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متعلّقاً بنور الله ، وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام متعلّقاً برسول
    الله ، وكان الأئمّة متعلّقين بأمير المؤمنين وكان شيعتنا متعلّقين بنا يدخلون
    مدخلنا ، ويردون موردنا .
    فقال الغلام : بل اُقيم في خدمتك واُؤثر الآخرة على الدُّنيا ، وخرج الغلام إلى
    الرجل فقال له الرجل : خرجت إليَّ بغير الوجه الذي دخلت به ، فحكى له قوله
    وأدخله على أبي عبد الله عليه‌السلام فقبل ولاءه ، وأمر بألف دينار ثمّ قام إليه
    فودّعه وسأله أن يدعو له ففعل .
    فقلت : يا سيّدي لولا عيال بمكّة وولدي سرّني أن اُطيل المقام بهذا الباب
    فأذن لي ، وقال لي : توافق غمّاً ، ثمّ وضعت بين يديه حُقّاً كان له فأمرني أن
    أحملها فتأبّيت وظننت أنّ ذلك موجدة .
    فضحك إليَّ وقال : خُذها إليك فإنّك توافق حاجة ، فجئت وقد ذهبت نفقتنا
    شطر منها فاحتجت إليه ساعة قدمت مكّة (1) .







    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 50 / ص 87 .




    الإمام الهادي عليه‌السلام
    كان هادياً إلى الدِّين وشريعة سيّد المرسلين ، ونموذجاً لحسن أخلاق
    الطيّبين ، ومهذّباً لأصحابه على شكر النعم .
    من ذلك ما في حديث أبي هاشم الجعفري قال : ـ
    أصابتني ضيقة شديدة ، فصرت إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهما‌السلام ..
    فأذنَ لي ، فلمّا جلست قال : ـ
    يا أبا هاشم إنّ نِعَم الله عزّ وجلّ عليك ، تريد أن تؤدّي شكرها ؟
    قال أبو هاشم : فوجمتُ ، فلم أدرِ ما أقول له .
    فابتدأ عليه‌السلام فقال :
    رزَقَك الإيمان فحرّم بدنك على النار ، ورزقك العافية فأعانتك على الطاعة ،
    ورزقك القنوع فصانك عن التبذّل .
    يا أبا هاشم : إنّما ابتدأتك بهذا لأنّني ظننتُ أنّك تريد أن تشكو لي من فَعَل بك
    هذا ، وقد أمرتُ لك بمائة دينار فخذها(1) .
    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 50 / ص 129 .



    الإمام العسكري عليه‌السلام
    كان صاحب معالي الأخلاق الطيّبة حتّى مع أعداءه فضلاً عن مواليه ، ففي
    حديث محمّد بن إسماعيل العلوي قال :
    جلس أبو محمّد عليه‌السلام عند عليّ بن أوتاش وكان شديد العداوة لآل محمّد عليهم‌السلام ،
    غليظاً على آل أبي طالب ... فما أقام إلّا يوماً حتّى وضع خدّه له ، وكان لا يرفع
    بصره إليه إجلالاً وإعظاماً ، وخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرةً ، وأحسنهم
    قولاً فيه(1) .
    وهذا يدلّ على أجلّ محاسن الأخلاق التي يكنّ العدوّ له .
    ومن ذلك تلاحظ سيرته الطيّبة حتّى مع أخيه جعفر التوّاب وذلك حين حبسه
    المعتمد العبّاسي ، ففي الحديث أنّه حبسه مع أخيه جعفر عند سجّانه عليّ بن جرين .
    قال : كان المعتمد يسأل عليّاً عن أخباره في كلّ وقت فيخبره أنّه يصوم النهار ،
    ويصلّي الليل .
    فسأله يوماً من الأيّام عن خبره فأخبره بمثل ذلك ، فقال له : امض السّاعة إليه
    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 50 / ص 307 .


    واقرئه منّي السلام ، وقُل له : انصرف إلى منزلك مصاحباً .
    قال عليّ بن جرين : فجئت إلى باب الحبس فوجدت حماراً مسرّجاً فدخلت
    عليه فوجدته جالساً وقد لبس خفّه وطيلسانه وشاشته ـ أي عمامته ـ فلمّا رآني
    نهض فأدّيت إليه الرسالة فركب .
    فلمّا استوى على الحمار وقف .
    فقلت له : ما وقوفك يا سيّدي ؟
    فقال لي : حتّى يجيء جعفر .
    فقلت : إنّما أمرني بإطلاقك دونه .
    فقال لي : ترجع إليه فتقول له : خرجنا من دار واحدة جميعاً فإذا رجعت
    وليس هو معي كان في ذلك ما لا خفاء به عليك فمضى وعاد ، فقال له : يقول لك :
    قد أطلقت جعفراً لك لأنّي حبسته بجنايته على نفسه وعليك ، وما يتكلّم به ،
    وخلّى سبيله فصار معه إلى داره(1) .








    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 50 / ص 314 .

    الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف
    وهو صفوة الصفوة من الاُسوة الباقية من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في طيب الأخلاق ،
    ومحاسن الفعال ، وعظيم السجايا ، مع الأولياء وغير الأولياء .
    ففي قضيّة ياقوت الدهّان نقل المحدّث النوري عن المرحوم الشيخ علي
    الرشتي تلميذ الميرزا الشيرازي قال : ـ
    رجعت مرّة من زيارتي أبي عبد الله عليه‌السلام عازماً للنجف الأشرف من طريق
    الفرات ، فلمّا ركبنا في بعض السفن الصغار التي كانت بين كربلاء وطويريج ،
    رأيت أهلها من أهل الحلّة ، ومن طويريج يفترق ، طريق الحلّة والنجف ، واشتغل
    الجماعة باللّهو واللّعب والمزاح ، رأيت واحداً منهم لا يدخل في عملهم ، عليه
    آثار السكينة والوقار لا يمازح ولا يضاحك ، وكانوا يعيبون على مذهبه
    ويقدحون فيه ، ومع ذلك كان شريكاً في أكلهم وشربهم ، فتعجّبت منه إلى أن
    وصلنا إلى محلّ كان الماء قليلاً فأخرَجنا صاحب السفينة منها فكنّا نمشي على
    شاطئ النهر .
    فاتّفق اجتماعي مع هذا الرجل في الطريق ، فسألته عن سبب مجانبته عن
    أصحابه ، وذمّهم إيّاه ، وقدحهم فيه .


    فقال : هؤلاء من أقاربي من أهل السُّنّة ، وأبي منهم واُمّي من أهل الإيمان ،
    وكنت أيضاً منهم ، ولكنّ الله مَنَّ عَليَّ بالتشيّع ببركة الحجّة صاحب الزمان عليه‌السلام .
    فسألت عن كيفيّة إيمانه .
    فقال : اسمي ياقوت وأنا أبيع الدّهن عند جسر الحلّة ، فخرجت في بعض
    السنين لجلب الدّهن من أهل البراري خارج الحلّة ، فبُعدت عنها بمراحل ، إلى
    أن قضيت وطري من شراء ما كنت اُريده منه ، وحملته على حماري ورجعت مع
    جماعة من أهل الحلّة ، ونزلنا في بعض المنازل ونُمنا ، وانتبهت فما رأيت أحداً
    منهم وقد ذهبوا جميعاً ، وكان طريقنا في بريّة قفر ، ذات سباع كثيرة ، ليس في
    أطرافها معموة إلّا بعد فراسخ كثيرة .
    فقمت وجعلت الحمل على الحمار ، ومشيت خلفهم فضلَّ عنّي الطريق ،
    وبقيت متحيّراً خائفاً من السباع والعطش في يومه ، فأخذت أستغيث بالخلفاء
    والمشايخ وأسألهم الإعانة ، وجعلتهم شفعاء عند الله تعالى ، وتضرّعت كثيراً ، فلم
    يظهر منهم شيء ، فقلت في نفسي : إنّي سمعتُ من اُمّي أنّها كانت تقول : إنّ لنا
    إماماً حيّاً يُكنّى أبا صالح يرشد الضالّ ، ويُغيث الملهوف ، ويُعين الضعيف ،
    فعاهدت الله تعالى إن استغثت به فأغاثني ، أن أدخل في دين اُمّي .
    فناديته واستغثت به ، فإذا بشخص في جنبي ، وهو يمشي معي ، وعليه عمامة
    خضراء ، قال رحمه الله : وأشار حينئذٍ إلى نبات حافّة النهر ، وقال : كانت خضرتها مثل
    خضرة هذا النبات .
    ثمّ دلّني على الطريق وأمرني بالدخول في دين اُمّي ، وذكر كلمات نسيتها ،
    وقال : ستصل عن قريب إلى قرية أهلها جميعاً من الشيعة .
    قال : فقلت : يا سيّدي أنت لا تجيىء معي إلى هذه القرية ؟
    فقال ما معناه : لا ، لأنّه استغاث بي ألف نفس في أطراف البلاد اُريد أن


    أغيثهم ، ثمّ غاب عنّي .
    فما مشيت إلّا قليلاً حتّى وصلت إلى القرية ، وكان في مسافة بعيدة ، ووصل
    الجماعة إليها بعدي بيوم .
    فلمّا دخلت الحلّة ذهبت إلى سيّد الفقهاء السيّد مهدي القزويني طاب ثراه ،
    وذكرت له القصّة ، فعلّمني معالم ديني ، فسألت عنه عملاً أتوصّل به إلى لقائه عليه‌السلام
    مرّةً اُخرى ، فقال : زُر أبا عبد الله عليه‌السلام أربعين ليلة الجمعة .
    قال : فكنت أزوره من الحلّة في ليالي الجُمع إلى أن بقي واحدة ، فذهبت من
    الحلّة في يوم الخميس ، فلمّا وصلت إلى باب البلد ، فإذا جماعة من أعوان
    الظّلَمة يطالبون الواردين التذكرة ، وما كان عندي تذكرة ولا قيمتها ، فبقيت
    متحيّراً والناس متزاحمون على الباب فأردت مراراً أن أتخفّى وأجوز عنهم ، فما
    تيسّر لي ، وإذا بصاحبي صاحب الأمر عليه‌السلام في زيّ لباس طلبة الأعاجم عليه
    عمامة بيضاء في داخل البلد ، فلمّا رأيته استغثت به فخرج وأخذني معه ،
    وأدخلني من الباب فما رآني أحد ، فلمّا دخلت البلد افتقدته من بين الناس(1) .
    هذه نُبذة يسيرة من دروسهم العمليّة في حُسن الخلق وطيب الأخلاق .
    وأمّا دروسهم القوليّة في أحاديثهم السَنيّة ، فقد بيّنوا أروع الدروس ، وأبلغ
    المعالم في الأخلاقيّات ومكارم الصِّفات ، نذكر جملة منها في الفصل القادم .




    __________________________________
    (1) جنّة المأوى المطبوع في بحار الأنوار / ج 53 / ص 294 .


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اخلاق اهل البيت عليهم السلام Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اخلاق اهل البيت عليهم السلام   اخلاق اهل البيت عليهم السلام Emptyالإثنين أكتوبر 21, 2024 7:27 pm

    4 / الدروس الأخلاقيّة القوليّة لأهل البيت عليهم‌السلام
    تظافرت وتواترت أحاديث أهل بيت العصمة عليهم‌السلام في الحثّ والترغيب والأمر
    بحُسن الخلق ، وتهذيب النفوس على مكارم الأخلاق .
    نتبرّك بذكر نُبذة منها ، رُويت في الكتب والمجامع المعتبرة ، وجُمعت في
    ينابيع الحكمة(1) منها : ـ
    1 ـ عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً(2) .
    2 ـ عن الإمام عليّ بن الحسين عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما يوضع في
    ميزان امرئٍ يوم القيامة أفضل من حُسن الخُلق(3) .
    3 ـ عن عنبسة العابد قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : ما يَقدِمُ المؤمن على الله عزّ
    وجلّ بعملٍ بعد الفرائض أحبَّ إلى الله تعالى من أن يسع الناسَ بخُلقه(4) .
    4 ـ عن الإمام أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ صاحب الخُلق
    __________________________________
    (1) ينابيع الحكمة / ج 2 / ص 251 إلى ص 268 .
    (2) اُصول الكافي / ج 2 / ص 81 / ح 1 .
    (3) اُصول الكافي / ج 2 / ص 81 / ح 2 .
    (4) اُصول الكافي / ج 2 / ص 82 / ح 4 .


    الحَسَن له مثل أجر الصائم القائم(1) .
    5 ـ عن الإمام أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أكثر ما ثلج به اُمّتي
    الجنّة تقوى الله وحسن الخُلق(2) .
    6 ـ قال الإمام أبو عبد الله عليه‌السلام : إنّ الخُلق يُميتُ الخطيئة كما تُميت
    الشمسُ الجليد(3) .
    7 ـ عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : البرّ وحُسن الخلق يعمّران الدِّيار ، ويزيدان
    في الأعمار(4) .
    8 ـ قال الإمام أبو عبد الله عليه‌السلام : إنّ الله تبارك وتعالى ليُعطي العبد من الثواب
    على حسن الخُلق كما يُعطي المجاهد في سبيل الله ، يغدو عليه ويروح(5) .
    9 ـ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ سوء الخُلق ليفسد العمل
    كما يفسد الخَلُّ العسل(6) .
    __________________________________
    (1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 82 / ح 5 .
    (2) اُصول الكافي / ج 2 / ص 82 / ح 6 .
    (3) اُصول الكافي / ج 2 / ص 82 / ح 7 .
    (4) اُصول الكافي / ج 2 / ص 82 / ح 8 .
    (5) اُصول الكافي / ج 2 / ص 83 / ح 12 .
    ولا يخفى أنّ الغدوّ هو أوّل النهار ، والرواح آخره .
    وهذا بيان حال المجاهد في سبيل الله ، يستمرّ له الثواب في أوّل النهار وآخره .
    (6) اُصول الكافي / ج 2 / ص 242 / ح 1 . واعلم أنّه ذكر العلّامة المجلسي قدس‌سره في المرآة ج 10 ص 260 :
    أنّ سوء الخُلق وصف للنفس يوجب فسادها وانقباضها وتغيّرها على أهل الخلطة والمعاشرة ،
    وإيذائهم بسببٍ ضعيف أو بلا سبب ، ورفض حقوق المعاشرة وعدم احتمال ما لا يوافق طبعه منهم .
    وقيل : هو كما يكون مع الخلق يكون مع الخالق أيضاً ، بعدم تحمّل ما لا يوافق طبعه من النوائب ،
    والاعتراض عليه .
    ومفاسده وآفاته في الدُّنيا والدِّين كثيرة منها : أنّه يفسد العمل بحيث لا يترتّب عليه ثمرته المطلوبة منه « كما
    يفسد الخلّ العسل » وهو تشبيه المعقول بالمحسوس ، وإذا أفسد العمل أفسد الإيمان .

    10 ـ عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أبىٰ الله عزّ وجلّ لصاحب
    الخُلق السيء بالتوبة .
    قيل : وكيف ذاك يا رسول الله ؟
    قال : لأنّه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه(1) .
    11 ـ قال الإمام أبو عبد الله عليه‌السلام : من ساء خُلقه عذّب نفسه(2) .
    12 ـ قال الإمام أبو عبد الله عليه‌السلام : إنّ سوء الخُلق ليفسد الإيمان كما يفسد
    الخلّ العسل(3) .
    13 ـ في مواعظ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : سوء الخُلق شوم(4) .
    14 ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أفضلكم إيماناً أحسنكم أخلاقاً(5) .
    15 ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : حسن الخُلق يثبت المودّة(6) .
    16 ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : خياركم أحسنكم أخلاقاً ، الذين يألِفون ويُؤلَفون(7) .
    17 ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : حسن الخُلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم .
    فقيل له : ما أفضل ما اُعطي العبد ؟
    قال : حسن الخُلق(Cool .
    18 ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أقربكم منّي غداً في الموقف أصدقكم للحديث ، وآداكم
    للأمانة ، وأوفاكم بالعهد ، وأحسنكم خُلقاً ، وأقربكم من الناس(9) .
    19 ـ في مواعظ أمير المؤمنين عليه‌السلام : حسن الخُلق خيرُ قرين ، وعنوان
    __________________________________
    (1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 242 / ح 2 .
    (2) الكافي ج 2 ص 242 ح 4 .
    (3) الكافي ج 2 ص 242 ح 3 .
    (4) و (5) تحف العقول ص 37 .
    (6) ـ (Cool تحف العقول ص 38 .
    (9) تحف العقول ص 38 .


    صحيفة المؤمن حسن خُلقه(1) .
    20 ـ في مواعظ الإمام الصادق عليه‌السلام : حسن الخُلق من الدِّين ، وهو يزيد في الرزق(2) .
    21 ـ في مواعظ الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام : السخيّ الحسنُ الخُلق في كَنَفِ
    الله ، لا يتخلّى الله عنه حتّى يدخله الجنّة ، وما بعث الله نبيّاً إلّا سخيّاً ، وما زال أبي
    يوصيني بالسخاء وحسن الخُلق حتّى مضىٰ(3) .
    22 ـ عن الإمام الرضا ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليكم بحسن
    الخُلق فإنّ حسن الخُلق في الجنّة لا محالة ، وإيّاكم سوء الخُلق فإنّ سوء الخُلق
    في النار لا محالة(4) .
    23 ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حسن الخُلق نصف الدِّين (5) .
    24 ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اللّحمُ يُنبت اللّحم ، ومن تركه أربعين يوماً ساء
    خُلقه ، ومَن ساء خُلقه فأذّنوا في اُذنه(6) .
    25 ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً .
    وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما عمل أثقل في الميزان من حسن الخُلق ، وإنّ العبد ليدرك بحسن
    الخُلق درجة الصالحين(7) .
    26 ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يلقى الله عبد بمثل خصلتين : طول الصمت ، وحسن الخُلق(Cool .
    __________________________________
    (1) تحف العقول ص 141 .
    (2) تحف العقول : ص 275 .
    (3) تحف العقول ص 304 .
    (4) الوسائل ج 12 ص 152 ب 104 من العشرة ح 17 .
    (5) الوسائل ج 12 ص 154 ح 27 .
    (6) الوسائل ج 24 ص 395 ب 88 من آداب المائدة .
    (7) المستدرك ج 8 ص 447 ب 87 من كتاب العشرة ح 20 .
    (Cool المستدرك / ج 8 / ص 447 / ح 22 .

    27 ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : من سعادة المرء حسن الخُلق ، ومن شقاوته سوء الخُلق(1) .
    28 ـ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنّه سُئل عن أدوم الناس غمّاً ؟
    قال : أسوؤهم خُلقاً(2) .
    29 ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ( في حديث ) : وسوء الخُلق زمامٌ من عذاب الله في
    أنف صاحبه ، والزمام بيد الشيطان يجرّه إلى الشرّ ، والشرّ يجرّه إلى النار(3) .
    30 ـ عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّكم لن تسعوا
    الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم(4) .
    31 ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أفضل الناس إيماناً أحسنهم خلقاً .
    وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام لنوف : يا نوف ، صِل رحمك يزيد الله في عمرك ،
    وحسّن خلقك يخفّف الله حسابك (5) .
    32 ـ عن الإمام جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ
    أحبّكم إليّ وأقربكم منّي يوم القيامة مجلساً أحسنكم خلقاً وأشدّكم تواضعاً ،
    وإنّ أبعدكم منّي يوم القيامة الثرثارون وهم المستكبرون .
    قال : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أوّل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة حسن خُلقه(6) .
    33 ـ عن ابن محبوب عن بعض أصحابنا قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما حدّ
    حسن الخُلق ؟
    __________________________________
    (1) المستدرك / ج 8 / ص 447 / ح 24 .
    (2) المستدرك / ج 12 / ص 76 / ح 12 .
    (3) المستدرك / ج 12 / ص 76 / ح 11 .
    (4) بحار الأنوار / ج 71 / ص 383 / ح 19 .
    (5) بحار الأنوار / ج 71 / ص 383 / ح 20 .
    (6) بحار الأنوار / ج 71 / ص 385 / ح 26 .


    قال : تليّن جانبك وتطيّب كلامك ، وتلقى أخاك ببشرٍ حسن(1) .
    34 ـ ... قيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وهي سيّئة
    الخُلق تُؤذي جيرانها بلسانها .
    فقال : لا خير فيها ، هي من أهل النار(2) .
    35 ـ وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : حسن الخُلق في ثلاث : اجتناب المحارم ،
    وطلب الحلال ، والتوسّع على العيال(3) .
    36 ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا أراد الله بأهل بيتٍ خيراً
    رزقهم الرفق في المعيشة ، وحسن الخُلق(4) .
    37 ـ ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله
    رجلٌ فقال : إنّ فلاناً مات فحفرنا له فامتنعت الأرض .
    فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّه كان سيّىءَ الخُلق(5) .
    38 ـ ... قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ربّ عزيزٍ أذلّه خُلقه ، وذليلٍ أعزّه خُلقه(6) .
    39 ـ عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : خصلتان لا تجتمعان في
    مسلم : البُخل وسوء الخُلق(7) .
    40 ـ من كلم أمير المؤمنين عليه‌السلام : ـ
    في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق(Cool .
    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 71 / ص 389 / ح 42 .
    (2 و 3) بحار الأنوار / ج 71 / ص 394 / ح 63 .
    (4) بحار الأنوار / ج 71 / ص 394 / ح 67 .
    (5) بحار الأنوار / ج 71 / ص 395 / ح 75 .
    (6) بحار الأنوار / ج 71 / ص 396 / ح 79 .
    (7) بحار الأنوار / ج 73 / ص 297 / ح 5 .
    (Cool بحار الأنوار / ج 78 / ص 53 .

    41 ـ عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّا لنحبّ من كان عاقلاً
    فهماً ، حليماً ، مدارياً ، صبوراً ، صدوقاً ، وفيّاً .
    إنّ الله عزّ وجلّ خصّ الأنبياء بمكارم الأخلاق ، فمن كانت فيه فليحمد الله
    على ذلك ، ومَن لم تكن فيه فليتضرّع إلى الله عزّوجلّ وليسأله إيّاها .
    قال : قلت : جُعلت فداك وما هُنّ ؟
    قال : هنّ الورع ، والقناعة ، والصبر ، والشكر ، والحلم ، والحياء ، والسخاء ،
    والشجاعة ، والغيرة ، والبرّ ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة(1) .
    42 ـ عن المفضل الجعفي عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : عليكم بمكارم
    الأخلاق ، فإنّ الله عزّ وجلّ يحبّها .
    وإيّاكم ومذامّ الأفعال فإنّ الله عزّ وجلّ يبغضها(2) .
    43 ـ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال لولده : ـ
    إنّ الله عزّ وجلّ جعل محاسن الأخلاق وُصلةً بينه وبين عباده فنحبّ أحدكم
    أن يمسك بخُلُق متّصلٍ بالله تعالى(3) .
    44 ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :
    الأخلاق منائح ـ أي عطايا ـ من الله عزّ وجلّ .
    فإذا أحبّ عبداً منحه خُلقاً حسناً ، وإذا أبغض عبداً منحه خلقاً سيّئاً(4) .
    45 ـ قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لو كنّا لا نرجو جنّة ولا نخشى ناراً ولا ثواباً ولا
    عقاباً لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق ، فإنّها ممّا تدلّ على سبيل
    __________________________________
    (1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 46 / ح 3 .
    (2) وسائل الشيعة / ج 15 / ص 199 / ح 8 .
    (3) المستدرك / ج 11 / ص 192 / ح 19 .
    (4) المستدرك / ج 11 / ص 193 / ح 20 .


    النجاح ، فقال رجل : فداك أبي وأمّي يا أمير المؤمنين ، سمعتَهُ من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟
    قال : نعم وما هو خيرٌ منه ، لمّا أتانا سبايا طيّ ، فإذا فيها جارية ... فقالت : ... أنا
    ابنة حاتم طيّ ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : خلّوا عنها فإنّ أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق(1) .
    فقام أبو بردة فقال : يا رسول الله ، الله يحبّ مكارم الأخلاق ؟
    فقال : يا أبا بردة ، لا يدخل الجنّة أحدٌ إلّا بحسن الخُلق(2) .
    46 ـ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث الأربعمائة الشريف .
    روّضوا أنفسكم على الأخلاق الحسنة ، فإنّ العبد المسلم يبلغ بحسن خلقه
    درجة الصائم القائم(3) .
    47 ـ في وصيّة أمير المؤمنين عليه‌السلام لابنه الحسن عليه‌السلام :
    وعوّد نفسك السماح ، وتخيّر لها من كلّ خُلق أحسنه ، فإنّ الخير عادة(4) .
    48 ـ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال :
    وعليكم بمكارم الأخلاق فإنّها رفعة ، وإيّاكم والأخلاق الدنيّة فإنّها تضع
    الشريف ، وتهدم المجد(5) .
    49 ـ في حديث المعراج الشريف ، ودخول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الجنّة ، ورؤيته ما كُتب
    على أبوابها قال : ـ
    __________________________________
    (1) وفي بحار الأنوار / ج 21 / ص 366 نقل عن محمّد بن إسحاق أنّه كساها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأعطاها
    نفقة ، فخرجت مع ركب حتّى قدمت الشام ، وأشارت على أخيها بالقدوم ، فقدم وأسلم وأكرمه
    الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأجلسه على وسادةٍ رمىٰ بها إليه بيده .
    (2) المستدرك / ج 11 / ص 193 / ح 21 .
    (3) بحار الأنوار / ج 10 / ص 99 .
    (4) بحار الأنوار / ج 77 / ص 215 .
    (5) بحار الأنوار / ج 78 / ص 53 .

    وعلى الباب الثامن منها مكتوب :
    لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، عليٌّ وليّ الله ، من أراد الدخول من هذه
    الأبواب الثمانية فليتمسّك بأربع خصال :
    بالصدقة ، والسخاء ـ أي الجود والكرم ـ ، وحسن الأخلاق ، وكفّ الأذىٰ عن
    عباد الله(1) .
    50 ـ من كلم أمير المؤمنين عليه‌السلام وحِكَمِهِ في فضل حسن الخلق ، وذمّ سوء
    الأخلاق ، قال : ـ
    أطهر الناس أعراقاً أحسنهم أخلاقاً ( الغرر ج 1 ص 185 ف 8 ح 206 )
    أرضى الناس من كانت أخلاقه رضيّة ( ص 187 ح 246 )
    حسن الخُلق للنفس وحسن الخَلق للبدن ( ص 376 ف 27 ح 6 )
    حسن الخُلق أفضل الدِّين ( ح 7 )
    حسن الخُلق خير قرين ، والعُجب داءٌ دفين ( ص 378 ح 37 )
    حسن الخُلق من أفضل القِسم وأحسن الشيم ( ح 39 )
    حسن الخُلق أحد العطائين ( ص 379 ح 48 )
    حسن الأخلاق برهان كرم الأعراق ( ح 52 )
    حسن الأخلاق يُدِرّ الأرزاق ، ويونس الرفاق ( ح 53 )
    حسن الخُلق رأس كلّ برّ ( ح 54 )
    حسن الخُلق يورث المحبّة ويؤكّد المودّة ( ص 380 ح 61 )
    سوء الخُلق شؤم ، والإسائة إلى المحسن لؤم ( ص 433 ف 39 ح 17 )
    سوء الخُلق شرّ قرين ( الغرر / ج 1 / ص 433 / ف 39 ح 18 ) .
    __________________________________
    (1) مدينة المعاجز / ج 1 / ص 397 .


    سوء الخُلق يُوحش القريب ويُنفِّر البعيد ( ص 435 ح 44 )
    سوء الخُلق نكد العيش ، وعذاب النفس ( ص 439 ح 89 )
    سوء الخُلق يوحش النفس ، ويرفع الاُنس ( ح 90 )
    كلّ داء يداوى إلّا سوء الخُلق ( ج 2 ص 546 ف 62 ح 54 )
    كم من وضيع رفعه حسن خلقه ( ص 552 ف 63 ح 52 )
    من ساء خُلقه عذّب نفسه ( ص 617 ف 77 ح 156 )
    من ساء خُلقه ملّه أهله ( ص 625 ح 307 )
    من ساء خُلقه ضاق رزقه ( ص 629 ح 378 )
    ما أعطى الله سبحانه العبد شيئاً من خير الدُّنيا والآخرة إلّا بحسن خلقه وحسن
    نيّته ( ص 750 ف 79 ح 217 )
    نِعْمَ الإيمان جميل الخُلق ( ص 774 ف 81 ح 67 )
    والله لا يعذّب الله سبحانه مؤمناً إلّا بسوء ظنّه ، وسوء خلقه ( ص 787 ف 83 ح 81 )
    لا يعيش لسيّىء الخلق ( ص 833 ف 86 ح 81 )
    لا قرين كحسن الخلق ( ص 834 ح 113 )
    لا سُؤدد لسيّىء الخلق ( ص 837 ح 161 )
    لا عيش أهنأ من حسن الخلق ( ص 846 ح 329 )
    لا وحشة أوحش من سوء الخلق ( ح 330 )
    الخُلق المحمود من ثمار العقل ( الغرر ج 1 ص 45 ف 1 ح 1327 )
    الخلق المذموم من ثمار الجهل ( ص 46 ح 1328 )
    أحسن شيء الخُلق ( ص 175 ف 8 ح 18 )
    أكبر الحسب الخُلق ( ح 38 )
    أقوى الوسائل حسن الفضائل ( ص 181 ح 153 )

    أسوء الخلائق التحلّي بالرذائل ( ص 182 ح 154 )
    أحسن السناء الخُلق السجيح ( ص 197 ح 379 )
    أحسن الأخلاق ما حملك على المكارم ( ص 206 ح 473 )
    إن كنتم لا محالة متنافسين فتنافسوا في الخصال الرغيبة ، وخلال
    المجد ( ص 277 ف 10 ح 35 )
    إذا رأيت المكارم فاجتنب المحارم ( ص 315 ف 17 ح 95 )
    إذا كانت محاسن الرجل أكثر من مساويه فذلك الكامل ، وإذا كان متساوي
    المحاسن والمساوي فذلك المتماسك ، وإذا زادت مساويه على محاسنه
    فذلك الهالك ( ص 328 ح 202 )
    تنافسوا في الأخلاق الرغيبة ، والأحلام العظيمة ، والأخطار الجليلة يعظم
    لكم الجزاء ( ص 355 ف 22 ح 94 )
    رأس العلم التمييز بين الأخلاق ، وإظهار محمودها ، وقمع مذمومها
    ( ص 413 ف 34 ح 44 )
    هي ذا محاسن أخلاق أهل البيت عليهم‌السلام في حديثهم بعد سيرتهم ..
    أكبر مدرسة إلهيّة لتهذيب النفس ، وتحسين الخلق ، والترغيب إلى كرائم
    السجايا ، وتطهير الطوايا .
    فيلزم علينا أن نستلهم من أعمالهم ، ونستضيء بأقوالهم ، للسير على خُطاهم
    الطيّبة ، وصفاتهم الحسنة .
    ونجتنب عن سوء الأخلاق ، ونسعى لعلاج الأخلاق السيّئة بمثل :
    1 / التفكّر في فضائل الأخلاق الحسنة وآثاره .
    2 / التذكّر بمساوئ سوء الخلق وأضراره .
    3 / ترويض النفس على حُسن الفعال ، وتحسين الأفعال بالأخلاق الطيّبة ،



    فإنّ أفضل الجهاد جهاد النفس .
    وها نحن نستنير بأشعّة من أنوار هداهم ، ولمعة من هدى أخلاقهم ، في
    مدرستهم الأخلاقيّة ، على ضوء الصحيفة المباركة السجّاديّة في دعائها
    الأخلاقي الذي يمثِّل أخلاق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صاحب الخُلق العظيم ، والاُسوة
    والقدوة لجميع المسلمين .

    5 / مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام الأخلاقيّة
    هي المدرسة التربويّة الكبرى ، والجامعة الأخلاقيّة العظمى للخلق الكريم ،
    وكريم الأخلاق ، لكلّ من أراد الاتّصاف بالصفات الحسنة ، والسجايا الطيّبة التي
    يحبّها الله تعالى ، ويندب إليها الإسلام ، ويحكم بحسنها العقل . ممّا تؤدي إلى
    طيب الحياة ، والفوز بالنجاة ، وتثمر شرف النفس ، والضمير النفيس ، وتوفّر خير
    الدُّنيا وسعادة الآخرة .
    ونحن نتشرّف في هذه المدرسة الربّانيّة ، بدراسات نموذجيّة ، من أخلاق
    أهل البيت عليهم‌السلام ، التي بيّنها لسان العصمة بصيغة الدّعاء ، من خلال حديث واحد
    من أحاديثهم الشريفة .
    وهو حديث دعاء مكارم الأخلاق ، الذي هو الدعاء العشرون من أدعية الصحيفة
    الكاملة المباركة السجّاديّة ، الملقّبة بإنجيل أهل البيت ، وزبور آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله .
    لسيّد الساجدين ، وزين العابدين ، وفخر المتهجّدين ، الإمام علي بن الحسين
    بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام .
    ولولاها ولولا أدعية أهل البيت عليهم‌السلام لم نعرف كيف نخاطب ربّنا ، وكيف نناجي
    خالقنا ، وكيف نطلب منه حوائجنا ، وهو ملك الملوك ، وربّ السلاطين .


    نعم ، إنّها كتابٌ رائع ومنشورٌ بارع ، لمعرفة التوحيد والنبوّة والإمامة وسائر
    المعارف الهامّة .
    والصحيفة المباركة السجّاديّة من الكتب الشريفة المعتبرة المشتملة على 54
    دعاءً من أدعية الإمام السجّاد عليه‌السلام ، بسندٍ شريف ينتهي إلى الإمام الباقر عليه‌السلام ، وزيد
    الشهيد رضوان الله عليه .
    وشهد بصحّتها الإمام الصادق عليه‌السلام كما تلاحظه في مقدّمتها .
    وهي من المتواترات عند الأصحاب كما أفاده المحقّق الطهراني قدس‌سره (1) .
    وأضاف الدكتور محفوظ أنّه قد حظى ـ السند ـ بالتواتر حتّى زاد على ستّة
    وخمسين ألفاً ، وما زال العلماء يتلقّونها موصولة الأسناد بالاسناد(2) .
    وأفاد السيّد الأمين أنّه قد تعدّد أسانيدها المتّصلة إلى منشئها صلوات الله عليه
    وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين ، فقد رواها الثقات بأسانيدهم المتعدّدة المتّصلة إلى
    الإمام زين العابدين عليه‌السلام (3) .
    فالسند قطعي علمي لا يقبل الشكّ والترديد .
    هذا ، مضافاً إلى أنّ علوّ متنها ، وفصاحة ألفاظها ، وسموّ مضامينها دالّة على
    صدورها من بحر العصمة ومعدن الإمامة وأهل بيت النبوّة سلام الله عليهم أجمعين .
    لذلك علّق الدكتور محفوظ عليها بقوله : ـ
    ( نثرٌ رائع ، واُسلوبٌ ناصع من أجناس المنثور ، ونمطٌ بديع من أفانين التعبير ،
    وطرف بارعة من أنواع البيان ، ومسلك مُعجب من بلاغات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل
    البيت عليهم‌السلام التي لم يَرْقَ إليها غير طيرهم ، ولم تَسْمُ إليها سوى أقلامهم .
    __________________________________
    (1) الذريعة / ج 15 / ص 18 .
    (2) مجلّة البلاغ / العدد 7 من السنة الاُولى / ص 54 .
    (3) حياة الإمام زين العابدين عليه‌السلام / ج 2 / ص 117 .

    فالدّعاء أدبٌ جميل ، وحديثٌ مبارك ، ولغةٌ غنيّة ، ودينٌ قيّم ، وبلاغةٌ عبقريّة ،
    إلهيّة المسحة ، نبويّة العبقة )(1) .
    وأضاف العلّامة القرشي أنّ الصحيفة المباركة احتوت على حقائق علميّة لم
    تكن معروفة في عصر الإمام عليه‌السلام ، ممّا تشهد بصدورها من أهل بيت وحي السماء عليهم‌السلام .
    نظير قوله عليه‌السلام في الدّعاء على أعداء المسلمين بقوله :
    « اللَّهُمَّ وامزج مياههم وأطعمتهم بالوباء »(2) .
    فهي تشير إلى الحقيقة العلميّة التي اكتشفت في العصور الأخيرة بأنّ جراثيم
    الوباء المعروفة بالكوليرا تأتي عن طريق الماء ، وتنتقل عن طريق الغذاء(3) .
    فالصحيفة المباركة من حيث التقييم السندي في أعلى مراتب الصحّة والاعتبار .
    وأمّا من حيث المتن فهو نورٌ إلهي ، وعلمٌ نبويّ ، وكلامٌ معصوميّ ، ككلام
    جدّه أمير المؤمنين عليه‌السلام .. دون كلام الخالق ، وفوق كلام المخلوق .. والوجدان
    شاهدٌ بالعيان .
    والدّعاء العشرون من هذه الصحيفة الشريفة هو دعاء مكارم الأخلاق ، الذي هو
    قمّة في الأخلاق الكريمة التي تربّي الجيل الصالح ، وتصنع الإنسان المتّقي الخلوق ،
    وتسمو بالإنسان إلى الفضائل النفسيّة ، والمكارم الروحيّة ، والمعالي الأخلاقيّة .
    وترى هذا الدّعاء الشريف قد جمع بين الركيزتين الأساسيّتين في حُسن الأخلاق ..
    جمع بين صفات تهذيب النفس ، إلهاماً من قوله تعالى : ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧)
    فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا )(4) ، وبين
    __________________________________
    (1) مجلّة البلاغ / العدد 6 من السنة الاُولى / ص 56 .
    (2) الصحيفة المباركة السجّاديّة / الدعاء الأوّل .
    (3) حياة الإمام زين العابدين عليه‌السلام / ج 2 / ص 125 .
    (4) سورة الشمس / الآيات 7 ـ 10 .


    صفات حُسن المعاشرة مع الغير ، إقتباساً من قوله عزّ اسمه : ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ
    وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ )(1) .
    فتلاحظ على صعيد تهذيب النفس بدأ بقوله عليه‌السلام : ـ
    ( اللَّهُمَّ صّلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ،
    وَبَلِّغْ بِإِيمَانِي أَكْمَلَ الْإِيمَانِ ،
    وَاجْعَلْ يَقِينِي أَفْضَلَ الْيَقِينِ ،
    وَانْتَهِ بِنِيَّتِي إِلَى أَحْسَنِ النِّيَّاتِ ...
    وَلاٰ تَبْتَلِيَنِّي بِالْكِبْرِ ،
    وَعَبِّدْنِي لَكَ وَلاٰ تُفْسِدْ عِبَادَتِي بِالْعُجْبِ ،
    وَأَجْرِ لِلنَّاسِ عَلَى يَدِيَ الْخَيْرَ وَلاٰ تَمْحَقْهُ بِالْمَنِّ ،
    وَهَبْ لِي مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ ، وَاعْصِمْنِي مِنَ الْفَخْرِ ... ) .
    وتلاحظ على صعيد حُسن المعاشرة يستمرّ الدّعاء إلى قوله عليه‌السلام : ـ
    ( اللَّهُمَّ صّلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَ
    سَدِّدْنِي لِأَنْ أُعَارِضَ مَنْ غَشَّنِي بِالنُّصْحِ ،
    وَأَجْزِيَ مَنْ هَجَرَنِي بِالْبِرِّ ،
    وَأُثِيبَ مَنْ حَرَمَنِي بِالْبَذْلِ ،
    وَأُكَافِيَ مَنْ قَطَعَنِي بِالصِّلَةِ ،
    وَأُخَالِفَ مَنِ اغْتَابَنِي إِلَى حُسْنِ الذِّكْرِ ، وَأَنْ أَشْكُرَ الْحَسَنَةَ ،
    وَأُغْضِيَ عَنِ السَّيِّئَةِ ... ) .
    فأدّبوا عليهم‌السلام أصحابهم وشيعتهم ، وأرشدوا جميع الناس إلى كلا الأدبين : أدب
    __________________________________
    (1) سورة فصّلت : الآية 34 .

    التزكية ، وأدب المعاشرة .
    وهذا الدّعاء المبارك يشتمل على عشرين فقرة .
    وفقراتها تبتدأ بالصلوات على محمّد وآله الطاهرين التي هي وسيلة لاستجابة
    الدّعاء ، وبركة العطاء ، والفوز بأكمل الفضل والفضيلة ، ممّا توجب اقتران هذا
    الدّعاء للداعي بالاستجابة ، وحصول الآثار الطيّبة(1) .
    ونحن نقتطف أزاهير عَطِرة من هذه الروضة الزاهرة ، ونستلهم منها دروساً
    أخلاقيّة ، ومعالم روحيّة .
    فنستعرض كلّ جملةٍ كريمة ، من الفقرة الثامنة التي جمعت بين الركيزتين
    تهذيب النفس ، وحُسن المعاشرة ، واشتملت على عشرين جملة كَمَلا .
    سائلين المولى العليّ القدير توفيق الاهتداء بهُداهم ، والاستنارة بسيرتهم ،
    والاتّصاف بأخلاقهم ، والله تعالى وليّ التوفيق .










    __________________________________
    (1) لاحظ فضل الصلوات في كتاب وصايا الرسول لزوج البتول عليهم‌السلام / ص 124 .




    اللَهُمَّ صّلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَحَلَّنِي بِحِلْيَةِ
    الصَّالِحِينَ ، وَأَلْبِسْنِي زِينَةَ الْمُتَّقِينَ
    هذه إحدى الدروس الأخلاقيّة الرفيعة ، في مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ، التي هي
    مدرسة السماء في الأرض ، وكتابها زبور آل محمّد : الصحيفة السجّاديّة ،
    ومعلّمها حجّة الله وزين العباد الإمام السجّاد عليه‌السلام الذي هو مثال الأخلاق الطيّبة ،
    والصِّفات الكريمة ، ومكارم الأخلاق ، يعلّمنا عليه‌السلام بالدّعاء والعمل أن نتحلّى بحلية
    الصالحين ، ونتزيّن بزينة المتّقين .
    والحلية هي : ما يتزيّن به الإنسان كالخاتم ، والسيف ، والمجوهرات ،
    والذهب والفضّة .
    والصالحون هم : القائمون بما يلزمهم من الحقوق الإلهيّة ، وحقوق الناس ،
    ويتركون المعاصي والمحرّمات .
    إذ العمل الصالح هو أداء الفرائض وحقوق الناس ، ترك المناهي والمحرّمات .
    فالصالح هو من يعمل هذه الأعمال الصالحة .
    وقد بشّرهم الله تعالى في كتابه الكريم بقوله : ـ
    ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ



    أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )(1) .
    والصلاح هذا من أجلّ الصفات الحميدة التي وُصف بها أولياء الله المقرّبون ،
    كما تلاحظه في زيارة سيّدنا أبي الفضل العبّاس عليه‌السلام المرويّ عن مولانا الإمام
    الصادق عليه‌السلام جاء فيها : ـ
    ( السلامُ عليك أيّها العبد الصالح ... ) .
    وفُسّر الذين يعملون الصالحات في تعبير القرآن الكريم بأمير المؤمنين
    والأئمّة المعصومين عليهم‌السلام ، وخواصّ شيعتهم كحمزة ، وجعفر ، وعبيدة ، وسلمان
    رضوان الله عليهم .
    وقد بشَّر الله تعالى المؤمنين العاملين عمل الصالحات بأزهى البشائر ،
    وأعظم الفضائل في الدُّنيا والآخرة ، كما تلاحظها في آيات القرآن الباهرة(2) حتّى
    عرّفهم بأنّهم هم الذين يرثون الأرض ، ونسبهم إلى نفسه ، وشرّفهم بأنّهم عباده
    في قوله تعالى : ـ
    ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ )(3) .
    فيُسأل في هذا الدّعاء الشريف أن يحلينا الله تعالى بحلية الصالحين وزينتهم ،
    ويلبسنا ملبسهم الجميل الذي يسترهم عن العيوب ، حتّى تحصل لنا الأهليّة
    الكاملة ، ويتولّانا الله بولايته العظمى التي وعدها بقوله عزّ اسمه : ـ
    ( إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّـهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ )(4) .
    والزينة : أعمّ من الحلية ، فهي تعمّ الحلية وتشمل حتّى اللّباس .
    __________________________________
    (1) سورة النحل : الآية 97 .
    (2) راجع هذه الآيات المباركة وبشائرها الزاهرة في كتاب شيعة أهل البيت عليهم‌السلام / الفصل الخامس .
    (3) سورة الأنبياء / الآية 105 .
    (4) سورة الأعراف : الآية 196 .

    فتُطلق الزينة على ما يُتزيّن به من حُليّ ولباس غيرهما .
    والمتّقون : هم المتّصفون بالتقوى ،
    وهي في اللّغة بمعنى : الصيانة ، وفي العرف بمعنى فعل الواجبات ، وترك المحرّمات .
    وأحسن تعريف له هو ما في الحديث الصادقي الشريف : ـ
    ( أن لا يفقدك حيث أمَرَك ، ولا يجدك حيث نهاك )(1) .
    ولباس المتّقين هو الذي يزيّنهم ، وهو أحسن لباس ساتر للإنسان ، يستر
    العيوب والعورات ، ويصون عن القبائح والمحرّمات .
    قال تعالى :
    ( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ
    ذَٰلِكَ خَيْرٌ )(2) .
    والتقوى هي تلك الصفة الفُضلى ، والمزيّة الكبرى التي بها النجاة ، في هذه
    الحياة وبعد الممات .
    وقد أكّدت وحثّت عليها آيات الكتاب ، وبيّنت فضلها وأهميّتها أحاديث
    أهل البيت عليهم‌السلام(3) .
    فيُسأل في هذا الدّعاء الشريف أيضاً أن يزيّننا الله تعالى ويُلبسنا زينة المتّقين ،
    بعد سؤال حلية الصالحين .
    وركيزة البحث في هذا الفصل هو أنّه : ـ
    ما هي حليةُ الصالحين وزينةُ المتّقين ؟
    الجواب : هي هذه الصفات العشرون التي ذكرها الإمام عليه‌السلام تلواً يعني : ـ بسط
    __________________________________
    (1) سفينة البحار / ج 8 / ص 558 .
    (2) سورة الأعراف / الآية 26 .
    (3) راجع لمعرفتها كتاب ينابيع الحكمة / ج 5 / ص 273 .


    العدل ، وكظم الغيظ ، وإطفاء النائرة .. إلخ ممّا يأتي ذكرها آتياً .
    فهي الصفات الحسنة ، والقيم المتقنة التي هي ملاكات حلية أهل الصلاح ،
    وزينة أهل التقوى .
    بل هي مقوّمات الصلاح والتقوى .
    فإذا أردنا أن نكون من الصالحين والمتّقين ..
    وأردنا أن نتّصف بحليتهم وزينتهم ..
    يلزم علينا أن نتّصف بهذه الصفات ، ونلتزم بهذه المكرمات .
    فهذه الصفات تجعل الإنسان تقيّاً صالحاً ، ومتحليّاً بزينة المتّقين والصالحين ،
    وأخلاقهم الطيّبة ، ومكارم صفاتهم الحسنة .
    فلنعدّدها ونبيّنها ، آملين توفيق امتثالها بعون الله تعالى .
    وهي في الدعاء الشريف كما يلي : ـ

    (1)
    هي بَسطِ العَدل
    البسط هو : النشر ، واستُعير للشمول المطلق ، وبَثّ العدل في الخلق .
    والعدل هو : الاعتدال ، والتوسّط بين الإفراط والتفريط ، ووضع الشيء في موضعه .
    قال في مجمع البحرين(1) : ـ العدل خلاف الجور ، ولغةً هو : التسوية بين
    الشيئين ، والعدل : القصد في الاُمور .
    وهو صفة جليلة ، توجب مناعة النفس ، والردع عن الظلم ، والتحفيز على أداء
    الحقوق والواجبات .
    والعدل مدار كلّ خير ، وبه قامت السماوات والأرض ، وهو الموجود في كلّ
    شيءٍ من المخلوقات من العالَم العُلوي إلى العالَم السُفلي .
    فمن مجرّات السماء إلى طبقات الأرض كلّها وُضعت على العدل ..
    تلاحظ أنّ عين الشمس التي هي في حجمها ملايين الكيلومترات المكعّبة من
    السماء خُلقت على العدل .
    __________________________________
    (1) مجمع البحرين / ص 483 .


    والسائل النفطي التي هي في مقدارها ملايين الكيلوغرامات تحت الأرض
    خُلقت على العدل .
    وحتّى المكروبات إنّما تضرّ بميزان ، وعلى حساب عدم الإفراط والتفريط ،
    وبمقدار الاحتماء عنها وعدم الاحتماء .
    وبسط العدل هو نشره وإعماله في جميع المجالات ، وفي جميع الأقوال
    والأفعال في الحياة .
    ومن حلية الصالحين وزينة المتّقين عدلهم المبسوط المنتشر ، الموجود في
    جميع اُمورهم وفي كلّ حياتهم .
    وبحقّ هو زينة وجمال ، ورداء محبوبٌ وجميل ، وقد فُطرت النفوس على
    حبّ العدل والإنصاف ، وبغض الظلم والجور ، في جميع الشرائع والاُمم ، وفي
    مختلف الفئات والطبقات .
    وقد نُدب إليه ورغّب فيه بل اُمر به في دين الإسلام ، في كتابه وسنّته .
    ففي القرآن الكريم : ـ
    قال تعالى : ( إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ
    وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )(1) .
    وفي الأحاديث المباركة :
    عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : ( إنّ العدل ميزان الله سبحانه الذي وضعه في
    الخلق ، ونصبه لإقامة الحقّ ، فلا تخالفه في ميزانه ، ولا تعارضه في سلطانه )(2) .
    وفي وصيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ
    يا عليّ ، ما كرهته لنفسك فاكرهه لغيرك ، وما أحببته لنفسِكَ فاحببه لأخيك
    __________________________________
    (1) سورة النحل : الآية 90 .
    (2) غرر الحكم / ص 222 / ح 88 .

    تكُن عادلاً في حكمك ، مقسِطاً في عدلك ، محبوباً في أهل السماء ، مودوداً في
    صدور أهل الأرض )(1) .
    عن الإمام الصادق عليه‌السلام : ـ
    أنّه سُئِلَ عن صفة العدل في الرجل ؟
    فقال : إذا غضَّ طرفَه عن المحارم ، ولسانه عن المآثم ، وكفّه عن المظالم(2) .
    عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال :
    عدلُ ساعة خيرٌ من عبادة ستّين سنة ، قيام ليلها وصيام نهارها ،
    وجور ساعة في حكم أشدّ وأعظم عند الله من معاصي ستّين سنة(3) .
    وجاء أعرابيّ إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يريد بعض غزواته ، فأخذ بغَرزِ راحلته ـ أي
    ركابها ـ فقال : يا رسول الله علّمني عملاً أدخل به الجنّة ؟
    فقال : ـ ما أحببت أن يأتيه الناس إليك فأتهِ إليهم ، وما كرهت أن يأتيه الناس
    إليك فلا تأته إليهم ، خلّ سبيل الراحلة(4) .
    وعن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : ـ
    العدل أحلى من الماء يصيبه الظمآن ، وما أوسع العدل إذا عُدل فيه ـ أي في
    الأمر ـ وإن قلّ(5) .
    وعن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : ـ
    العدل أحلى من الشهد ، وألين من الزَبَد ، وأطيب ريحاً من المسك(6) .
    __________________________________
    (1) تحف العقول / ص 19 .
    (2) مستدرك الوسائل / ج 11 / ص 317 / ح 3 .
    (3) جامع الأخبار / ص 154 / ح 116 .
    (4) اُصول الكافي / ج 2 / ص 146 / ح 10 .
    (5) اُصول الكافي / ج 2 / ص 146 / ح 11 .
    (6) اُصول الكافي / ج 2 / ص 147 / ح 15 .


    هذا ما يستفاد منه منتهى فضيلة العدل ، ومفخرة الاعتدال ، وسموّ هذه
    الصفة الشريفة .
    واعلم أنّ للعدل هذا صدورٌ عديدة أفادها العلماء تتلخّص فيما يلي : ـ
    1) عدل الإنسان مع الله تعالى ..
    وذلك بالإيمان به ، وتوحيده وعدم الشرك به ، والإخلاص له ، وتصديقه ،
    وإطاعته ، وتصديق أنبيائه ، وأوصياء أنبيائه الحجج على خلقه(1) .
    2) عدل الإنسان مع والديه ..
    بأن يطيعهم ويحسن إليهم ، ولا يقول لهم أفٍّ ولا ينهرهما ، ولا يكلّفهما أن
    يسألاه شيئاً ممّا يحتاجان إليه ، ولا يسمّيهما باسمهما ، ولا يمشي أمامهما ، ولا
    يجلس قبلهما ، ولا يستسبّ لهما ، ويصوم ويصلّي ويحجّ عنهما ، ويقضي دينهما ،
    ويستغفر لهما ، ويبرّهما حيّين وميّتين(2) .
    3) عدل الإنسان مع ولده ..
    وذلك بأن يُحسن اسمه وتربيته ، ويرىٰ نفسه مسؤولاً عن حُسن أدبه ،
    والدلالة على ربّه ، والمعونة له على الطاعة ، ويعمل معه عمل من يعلم أنّه مُثاب
    على الإحسان إليه ، ومعاقب على الإساءة إليه(3) .
    4) عدل الإنسان مع زوجته ..
    بأن يعلم أنّ الله عزّ وجلّ جعلها له سَكَناً واُنساً ونعمةً ، فيكرمها ، ويُرفق بها ،
    ويُنفق عليها ، ويطعمها ، ويكسوها ، ويعاشرها بالمعروف(4) .
    __________________________________
    (1) لاحظ حديث الحقوق من البحار / ج 74 / ص 3 .
    (2) لاحظ سفينة البحار / ج 8 / ص 585 .
    (3) لاحظ حديث الحقوق من البحار / ج 74 / ص 15 .
    (4) لاحظ أمالي الشيخ الصدوق / المجلس 95 / ص 370 .

    5) عدل الإنسان مع نفسه ..
    ويكون ذلك بتهيئة الفوز والنجاة لنفسه ، وسوقها إلى الكمالات ، وهدايتها إلى
    الطاعات ، وصونها عن الذنوب والمعاصي ، وتزكيتها بالعمل الإلهي .
    وطريق ذلك الفوز والنجاة الالتزام بالاُمور التالية : ـ
    الأوّل : معرفة اُصول الدِّين وفروعه ، والعلم بالتكاليف : الحلال والحرام(1) .
    الثاني : العمل بالواجبات وترك المحرّمات ليحصل على التقوى(2) .
    الثالث : الاتّصاف بصفات المؤمنين المبشّرين في كتاب الله تعالى في سورة
    المؤمنين بالفلاح(3) .
    فإذا عمل الإنسان مع نفسه بهذه المفاصل كان عادلاً مع نفسه ، هادياً لها إلى
    سعادته ، متحليّاً بحلية الصالحين وزينة المتّقين ، وممّن بشّره الله تعالى بالفوز
    والفلاح بقوله عزّ اسمه في القرآن الكريم(4) : ـ
    ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ
    مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَىٰ
    أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ
    الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (Cool وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ
    يُحَافِظُونَ (9) أُولَـٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )
    6) عدل الإنسان مع المجتمع والآخرين ..
    ويكون ذلك برعاية حقوقهم ، وكفّ الأذىٰ عنهم ، وحسن الأخلاق معهم ،
    __________________________________
    (1) ينابيع الحكمة / ج 4 / ص 191 .
    (2) بحار الأنوار / ج 69 / ص 277 / ح 12 .
    (3) كنز الدقائق / ج 9 / ص 157 .
    (4) سورة المؤمنون / الآيات 1 ـ 11 .


    ومداراتهم ، والعطف عليهم ، وسائر الحقوق الاُخرى التي تلاحظها في رسالة
    الحقوق الجامعة لسيّد الساجدين الإمام عليّ بن الحسين عليهما‌السلام (1) .
    7) عدل الحكّام في أحكامهم ..
    وذلك برعاية الحدود التي عيّنها الله تعالى ، ورسوله ، وخلفاؤه .. ممّا قرّره
    الشارع المقدّس في الحكومة والقضاء .
    والنموذج المثالي منه هو ما عيّنه وطبّقه أقضى الاُمّة وأعدلهم أمير المؤمنين
    عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأمر به في عهده الشريف الجامع إلى الأشتر النخعي
    رضوان الله تعالى عليه حين ولّاه مصر(2) الذي هو أرقىٰ دستور سامي ، وأوفىٰ
    منشورٍ عالمي في الحكومة والقضاء ، والضامن للحياة العادلة والمدنيّة الفاضلة ،
    لجميع الشعوب وكلّ الطبقات .
    هذه أنواع العدل التي برعاياتها تسعد الحياة ، ويحصل الفوز بعد الممات ،
    ويسود السلام ، ويشيع الرخاء في الأنام .
    هذا .. والمثل الأعلى الأوفى لبسط العدل هم أهل البيت عليهم‌السلام ، حيث كان ملأ
    حياتهم ، وفي جميع اُمورهم على أقصى العدل ، وأوفى القسط .
    ومن ذلك ما في حديث المناقب عن عدل أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه : ـ
    قَدِمَ عليه عقيل فقال للحسن : ـ اكسُ عمّك ، فكساه قميصاً من قميصه ورداءً
    من أرديته .
    فلمّا حضر العشاء فإذا هو خبزٌ وملح ، فقال عقيل : ليس إلّا ما أرىٰ ؟
    فقال : أوليسَ هذا من نعمة الله ، وله الحمد كثيراً .
    فقال : أعطني ما أقضي به ديني ، وعجّل سراحي ، حتّى أرحل عنك .
    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 74 / 2 ـ 21 .
    (2) نهج البلاغة / الكتاب رقم 53 / الطبعة المصريّة .

    قال : فكم دَينُك يا أبا يزيد ؟
    قال : مائة ألف درهم .
    فقال : لا والله ما هي عندي ولا أملكها ، ولكن اصبر حتّى يخرج عطائي
    فأواسيكه ، ولولا أنّه لابدّ للعيال من شيء لأعطيتُك كلّه .
    فقال عقيل : بيت المال في يدك ، وأنت تسوّفني إلى عطاءك ؟
    فقال : وما أنا وأنت فيه إلّا بمنزلة رجلٍ من المسلمين ، وكانا يتكلّمان فوق
    قصر الإمارة ، مشرفين على صناديق أهل السوق ، فقال له عليّ عليه‌السلام : إن أبيت يا أبا
    يزيد ما أقول فانزل إلى بعض هذه الصناديق فاكسر أقفاله وخُذ ما فيه .
    فقال : وما في هذه الصناديق ؟
    قال : فيما أموال التجّار .
    قال : أتأمرني أن أكسر صناديق قوم قد توكّلوا على الله وجعلوا فيها أموالهم ؟
    فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين ، وأعطيك أموالهم ... ؟
    وزاد في حديث الصواعق المحرقة أنّه ثمّ قال عقيل : لآتينّ معاوية .
    فقال عليّ عليه‌السلام : أنت وذاك .
    فأتى عقيل معاوية فسأله فأعطاه مائة ألف ، ثمّ قال له : إصعد المنبر فاذكر ما
    أولاك به عليّ وما أوليتك .
    فصعد فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : ـ
    أيّها الناس إنّي اُخبركم إني أردتُ عليّاً عليه علىٰ دينه فاختار دينه ، وإنّي
    أردتُ معاوية علىٰ دينه فاختارني على دينه(1) .
    وعدل أمير المؤمنين عليه‌السلام في جميع حياته ومجالاته ممّا لا يختلف فيه إثنان .
    وهو القائل : ( وَاللَّهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً أَوْ أُجَرَّ فِي الْأَغْلَالِ
    __________________________________
    (1) فضائل الخمسة من الصحاح الستّة / ج 3 / ص 22 .


    مُصَفَّداً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللَهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ ... )(1) .
    وهو القائل أيضاً : ( وَاللَّهَ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ
    أَعْصِيَ اللَهَ فِي نَمْلَةٍ اَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ ) .
    هذه هي الصفة الإلهيّة ، والخُلق الربّاني العدل الذي هو من أشرف الفضائل .
    وهؤلاء أهل البيت عليهم‌السلام الذي هم المَثَل الأعلى لهذه المزيّة ، والصفة السنيّة .
    وعلينا أن نسير في هداههم في جميع أفعالنا وأقوالنا ، وفي جميع اُمور حياتنا .
    أقول : وما أبعد ما بين عدل عليّ عليه‌السلام هذا وبين جشع عثمان واستئثاره بأموال
    المسلمين لنفسه ولقومه يخضم مال الله خضم الإبل نبتة الربيع ، ويتصرّف فيه
    كيف شاء ولمَن شاء بلا رادعٍ ولا مانع حتّى اعترض عليه الناس .
    فقال في جوابهم بلا حياء ولا إباء : ـ ( هذا مال الله أعطيته من شئت وأمنعه من
    شئت )(2) .
    وتلاحظ صورة وافية من قطايعه وما أعطاه من بيت مال المسلمين لمن
    يهواهم من قومه وأتباعه مجموعةً وأتباعه مجموعةً في كتاب الغدير الشريف(3) ، ممّا أثبته نفس
    العامّة في كتبهم .
    وهذه جملةً منها نذكر نصّاً في الجدول التالي ، ليُعرف ماذا حدث في ميزان
    العدل بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويُعرف شيءٌ من عدل عليّ عليه‌السلام وظلم غيره : ـ
    العطايا والمبالغ بدينار ذهب الشخص
    500000 مروان بن الحكم ( صهره )
    100000 عبد الله بن أبي سرح ( أخوه الرضاعي )
    __________________________________
    (1) نهج البلاغة / الخطبة 224 .
    (2) أنساب الأشراف / ج 5 / ص 88 .
    (3) الغدير / ج 8 / ص 286 .

    200000 طلحة
    2560000 عبد الرحمن بن عوف
    500000 يعلى بن اُميّة
    100000 زيد بن ثابت ( مدافعه )
    150000 عطيّة لنفسه
    200000 عطيّة اُخرى لنفسه
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    4310000 دينار المجموع

    العطايا والمبلغ بدرهم فضّة الشخص
    300000 الحكم بن أبي العاص ( عمّه )
    2020000 آل الحكم
    300000 الحارث بن الحكم ( ابن عمّه وصهره )
    100000 سعيد بن العاص
    100000 الوليد بن عُقبة ( أخوه لاُمّه )
    300000 عبد الله بن خالد ( صهره )
    600000 عبد الله بن خالد ( صهره )
    200000 أبو سفيان
    100000 مروان بن الحكم ( صهره )
    2200000 طلحة
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اخلاق اهل البيت عليهم السلام Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اخلاق اهل البيت عليهم السلام   اخلاق اهل البيت عليهم السلام Emptyالإثنين أكتوبر 21, 2024 7:29 pm

    30000000 طلحة أيضاً
    59800000 الزبير


    250000 سعد بن أبي وقّاص
    30500000 عطيّة لنفسه
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    126770000 درهم المجموع

    أموال عثمان حين موته عين المال
    150000 دينار ذهب
    30500000 درهم فضّة
    1000 بعير في الربذة
    200000 دينار صدقات ببراويس وخيبر ووادي القرى
    1000 عبيد
    عدداً كثيراً من الحدائق ، والعيون ، والخيل في المدينة ، وداراً فخمة ، وضياعاً
    في حُنين تقدّر بمائة ألف دينار كما ذكره المؤرّخ المسعودي في مروج الذهب /
    ج 1 / ص 433 .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    350000 دينار المجموع من الدنانير
    30500000 درهم المجموع من الدراهم
    وعلى طبق هذه الجداول يكون ما فرّط فيه عثمان من بيت مال المسلمين
    يساوي : ( 4660000 ) دينار ذهب ، و ( 157270000 ) درهم فضّة .
    فمَن المسؤول ؟ وأين العدل ؟

    (2)
    وكظم الغَيظ
    الكظم هو : الإمساك على ما في النفس ، وعدم إظهاره بقولٍ أو بفعل ..
    وأصله من كَظَمَ القربة : إذا ملأها وشدّ فاها ..
    فيُقال : كَظَم غيظه كأنّه امتلأ غيظاً فأمسكه ، وردّه إلى جوفه .
    قال في المجمع : ( كَظَمَ غيظه كظماً : إذا تجرّعه وحبسه ، وهو قادرُ على
    إمضاءه ، والكظيم : الحابس غيظه )(1) .
    والغيظ هو : هيّجان الطبع عند رؤية الإنسان أو سماعه ما يكرهه من فعلٍ أو
    قولٍ لا يناسبه ولا يلائمه .
    وفُسّر بأنّه هو : الغضب المحيط بالكبد(2) .
    حيث إنّ للنفس عند الغضب نارٌ ولهيب وحرارة تظهر على الأعضاء ، يعني
    على الوجه ، والعين ، واللّسان ، والفم ، واليد .
    فيُرى التغيّر البيِّن على هذه الأعضاء ، وتحرّكها نحو ما أثار الغضب فيها .
    __________________________________
    (1) مجمع البحرين / ص 535 .
    (2) مجمع البحرين / ص 369 .


    والغضب لغير الله تعالى من الصفات المذمومة ..
    ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام : ـ ( الغضب مفتاح كلّ شرّ )(1) .
    وفي الحديث الآخر عن الإمام الباقر عليه‌السلام : ـ ( أيّ شيءٍ أشرّ من الغضب ؟ إنّ
    الرجل إذا غضب يقتل النفس ، ويقذف المحصنة )(2) .
    وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا غضبت عائشة أخذ بأنفها وقال : ( يا عويش قولي :
    اللَّهُمَّ ربّ محمّد ، اغفر لي ذنبي ، وأذهِب غيظ قلبي ، وأجرني من مضلّات الفتن )(3) .
    وضبط النفس في مواضع الغضب من أشرف السجايا ، وأعزّ الخصال ،
    وأسمى آيات العزّة والسموّ التي تربّي الإنسان على عدم إساءة الأخلاق ، والأمن
    من العصيان .
    والذي يحلّي الصالحين ، ويزيّن المتّقين كظمهم هذا الغيظ ، وضبطهم الغضب
    حتّى لا يثور ويحدث ما يحدث من مساوئ ومفاسد ، بل يعفون ويصفحون حتّى
    يفوزوا بدرجة الصائمين القائمين .
    وكظم الغيظ من معالي الأخلاق الطيّبة ، ومكارم الخصال الحسنة ، التي يحبّها
    الله تعالى ، ودعا إليها رسوله وأهل بيته عليهم‌السلام ، كما تلاحظ ذلك في الكتاب والسنّة .
    قال تعالى : ـ
    ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )(4) .
    وفي الحديث : ـ
    عن الإمام الصادق عليه‌السلام : ( ما من عبدٍ كَظَم غيظاً إلّا زاده الله عزّ وجلّ عزّاً
    __________________________________
    (1) سفينة البحار / ج 6 / ص 648 .
    (2) بحار الأنوار / ج 73 / ص 265 .
    (3) بحار الأنوار / ج 73 / ص 272 .
    (4) سورة آل عمران / الآية 134 .

    في الدُّنيا والآخرة ... )(1) .
    وعن الإمام الباقر عليه‌السلام : ـ ( من كَظَم غيظاً وهو يقدر على إمضاءه حشا الله قلبه
    أمناً وإيماناً يوم القيامة )(2) .
    وعن الإمام الصادق عليه‌السلام : ـ ( ما من جرعةٍ يتجرّعها العبد أحبّ إلى الله عزّ وجلّ
    من جرعة غيظٍ يتجرّعها عبد تردّدها في قلبه ، إمّا بصبرٍ وإمّا بحلم )(3) .
    وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ ( مَن كَظَمَ غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ، وحَلُم عنه أعطاه
    الله أجر شهيد )(4) .
    وعن الإمام الصادق عليه‌السلام : ثلاث من كُنّ فيه استكمل خصال الإيمان ( وإذا كمل
    الإيمان حَسُن الأخلاق ) :
    مَن صَبَرَ على الظلم ، وكَظَم غيظه واحتسب ، وعفا وغفر كان ممّن يدخله الله
    عزّ وجلّ الجنّة بغير حساب ، ويشفّعه في مثل ربيعة ومضر(5) .
    وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاثة يُرزقون مرافقة الأنبياء : رجلٌ يُدفع إليه قاتل وليّه
    ليقتله فعفى عنه ، ورجلٌ عنده أمانة لو يشاء لخانها فيردّها إلى من ائتمنه عليها ،
    ورجلٌ كظمَ غيظه عن أخيه ابتغاء وجه الله(6) .
    والمثل الأعلى لهذه الصفة الحسنة والخلق الطيّب : كظم الغيظ هم أهل البيت عليهم‌السلام
    الذين فاتوا جميع الخَلق في هذا الخُلق كما تدلّ عليه سيرتهم الغرّاء سلام الله عليهم
    __________________________________
    (1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 110 / ح 5 .
    (2) اُصول الكافي / ج 2 / ص 110 / ح 7 .
    (3) اُصول الكافي / ج 2 / ص 111 / ح 13 .
    (4) الوسائل / ج 12 / ص 178 / ب 114 / ح 12 .
    (5) بحار الأنوار / ج 71 / ح 44 .
    (6) بحار الأنوار / ج 71 / ص 417 / ح 44 . ولعلّ العفو عن القاتل إنّما هو في صورة ندامته وتوبته
    ومورديّته للعطف والعفو .


    التي كانت النمط الفريد للخُلق السديد .
    من ذلك ما تلاحظه فيهم : ـ
    رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كظمَ وعفى عن المرأة اليهوديّة التي سمّت الشاة له ،
    وعن هبّار الذي روّع زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فألقت جنينها ،
    وعن عبد الله ابن الزبعرى الذي كان يهجوه ،
    وعن وحشي قاتل عمّه حمزة .
    وكذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام كظمَ وعفى حين ظفر بعمرو بن العاص في صفّين ،
    وعبد الله ابن الزبير ، ومروان بن الحكم ، وعائشة في واقعة الجمل ، وهم من ألدّ
    أعداءه ، وكذلك كظم غيظه عن عمرو بن عبد ودّ العامري في شدّة حماس الحرب
    الذي يصعب فيها الكظم في واقعة الأحزاب .
    والإمام الحسن المجتبىٰ عليه‌السلام أيضاً ..
    كان جالساً مع جمعٍ من الأشراف على طعام ، فجاء غلامه بطعامٍ حارّ فحبس
    الفرش رجلَه ، فصبّ الطعام على وجهه ورأسه دفعةً ، فنظر إلى الغلام نظر تأديب
    لا نظر تعذيب .
    فقال الغلام : إنّ الله يقول : ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ) .
    فقال له : قد كظمتُ غيظي .
    قال : ( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) .
    فقال عليه‌السلام : قد عفى الله عنك .
    قال : ( وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) .
    قال عليه‌السلام : إذهب فأنت حرٌّ لوجه الله ، وعليَّ معيشتك .
    فتعجّب من حلمه الحاضرون وقالوا : الله أعلم حيث يجعل رسالته(1) .
    __________________________________
    (1) مجموعة الأخبار / ص 78 .

    والإمام الحسين عليه‌السلام أيضاً ..
    جنى غلام له عليه‌السلام جنايةً توجب العقاب عليه ، فأمر به أن يُضرب .
    فقال : يا مولاي ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ) .
    قال عليه‌السلام : خلّوا عنه .
    قال : يا مولاي ( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) .
    قال عليه‌السلام : قد عفوت عنك .
    قال : ( وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) .
    قال عليه‌السلام : أنت حرٌّ لوجه الله ، ولك ضعف ما كنتُ أعطيك(1) .
    والإمام السجّاد عليه‌السلام ..
    كان عنده قومٌ أضياف ، فاستعجل خادم له بشواء كان في التنّور ، فأقبل به
    الخادم مسرعاً ، فسقط السفود ـ الحديدة التي يُشوى عليها اللّحم ـ منه على
    رأس بُنيٍّ لعليّ بن الحسين عليه‌السلام تحت الدَرْجَة ، فأصاب رأسه فقتله .
    فقال عليّ عليه‌السلام للغلام ، وقد تحيّر الغلام واضطرب : أنت حرٌّ فإنّك لم تتعمّده .
    وأخذ في جهاز ابنه ودفنه(2) .
    والإمام الكاظم عليه‌السلام ..
    وقد كان كاظماً للغيظ اسماً ووصفاً .
    والإمام الرضا عليه‌السلام أيضاً : روي عن محمّد بن زيد الرازي قال : كنت في خدمة
    الرضا عليه‌السلام لمّا جعله المأمون وليَّ عهده ، فأتاه رجلٌ من الخوارج في كفّه مدية مسمومة ،
    وقد قال لأصحابه : والله لآتينَّ هذا الذي يزعم أنّه ابن رسول الله ، وقد دخل لهذا
    الطاغية فيما دخل ، فأسأله عن حجّته ، فإن كان له حجّة وإلّا أرحت الناس منه .
    __________________________________
    (1) كشف الغمّة / باب فضائل الإمام الحسين عليه‌السلام .
    (2) بحار الأنوار / ج 46 / ص 99 .


    فأتاه واستأذن عليه ، فأذن له .
    فقال له أبو الحسن : أُجيبك عن مسألتك على شريطة تفي لي بها .
    فقال : وما هذه الشريطة ؟
    قال : إن أجبتك بجواب يقنعك وترضاه تكسر الذي في كمّك وترمي به .
    فبقي الخارجيّ متحيّراً وأخرج المدية وكسرها .
    قمّ قال : أخبرني عن دخولك لهذا الطاغية فيما دخلت له ، وهم عندك كفّار ؟
    وأنت ابن رسول الله ما حملك على هذا ؟
    فقال أبو الحسن : أرأيتك هؤلاء أكفر عندك أم عزيز مصر وأهل مملكته ،
    أليس هؤلاء على حال يزعمون أنّهم موحّدون واُولئك لم يوحّدوا الله ولم
    يعرفوه ؟ يوسف بن يعقوب نبيٌّ ابن نبيّ قال للعزيز ـ وهو كافر ـ : ( اجْعَلْنِي عَلَىٰ
    خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) وكان يجالس الفراعنة ، وأنا رجلٌ من ولد رسول
    الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أجبرني على هذا الأمر ، وأكرهني عليه فما الذي أنكرت ونقمت عليَّ ؟
    فقال : لا عتب عليك إنّي اُشهد أنّك ابن نبيّ الله ، وأنّك صادق(1) .
    هذه نماذج من كظم غيظ أهل البيت عليهم‌السلام ، وقد جرىٰ في شيعتهم والسائرين
    على هداهم .
    ففي قضيّة الشيخ الكبير كاشف الغطاء أعلى الله مقامه المرجع الأعلى في
    زمانه .. حكي عنه أنّه وزّع مبلغاً من المال على فقراء إصفهان في سفرٍ له إلى
    هناك ، وبعد نفاد المال صار وقت الظهر ، فأمَّ المصلّين ، وبين الصلاتين حينما كان
    الناس مشتغلين بالتعقيبات جاء فقيرٌ وصل متأخّراً ، ووقف أمام الشيخ قائلاً له :
    أعطني حقّي .
    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 49 / ص 55 .

    فقال الشيخ : قد تأخّرت قليلاً مع الأسف ، ولم يبق من المال شيء .
    فتفل هذا الفقير بكلّ وقاحة على لحية الشيخ .
    لكن الشيخ كظم غيظه ، ولم يرد عليه بشيء ، ليس هذا فحسب بل قام وأمسك
    بطرف ثوب نفسه ، ومشى بين المصلّين قائلاً : كلّ من يحبّ لحية الشيخ فليساعد
    هذا الفقير ، فجمع له المال وأعطاه ثمّ وقف يصلّي العصر(1) .















    __________________________________
    (1) الفوائد الرضويّة للمحدّث القمّي / ص 74 .




    (3)
    وإطفاء النائِرة
    الإطفاء هو : الإخماد ، مقابل الإثارة .
    والنائرة هي : الفتنة والعداوة .
    قال في المجمع : ( النائرة : العداوة ، ومنه : بينهم نائرة ، أي شحناء وعداوة .
    ومنه الحديث : أطفئوا نائرة الضغائن باللّحم والثريد ـ أي بالإطعام ـ .
    وإطفاء النائرة عبارة عن تسكين الفتنة ، وهي فاعلة من النار )(1) .
    ومن حلية الصالحين وصفاتهم ، ومن زينة المتّقين وأخلاقهم تسكين الفتنة ،
    فإنّهم يُخمدون نار الفتنة والعداوة والضغينة ولا يثيرونها .. حتّى إذا كان السبب
    في العداوة وحصول الفتنة هو الطرف المقابل لا أنفسهم .
    فبالرغم من ذلك المطلوب في أخلاقيّات الدِّين الإسلامي أن يسعى الإنسان
    في إطفاء عداوة الشخص المقابل وإرضاءه بقولٍ أو فعل ، وبمالٍ أو غير مال ،
    وبخدمةٍ أو محبّة ، حتّى يعيد السلم والسلام .
    __________________________________
    (1) مجمع البحرين / ص 308 .


    ولا ينبغي أن يقول شيئاً أو يصنع فعلاً يؤجّج نار العداوة ، ويثير شرّ الفتنة ، فيزيد في
    الطين بلّة وفي القلب علّة ، ويفتح المجال لوسوسة الشيطان الرجيم وكيده وشرّه .
    فإنّ الفتنة والعداوة من شرّ الشيطان وكيده ، عداوةً منه لبني آدم ، وحقداً منه
    للنبيّ آدم عليه‌السلام في ذرّيته .
    قال تعالى : ( يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ )(1) فإنّه عدوّ
    الإنسان ، وأقسم بعزّة الله أن يغوي جميع البشر إلّا عباد الله المخلصين ، لذلك
    يؤجّج دائماً نار الفتنة بين المؤمنين ، ويدعو إلى الخصام بين الأقارب والأرحام ،
    ويثير العداء بين الأحبّاء والأصدقاء .
    ولهذا يعظنا الله تعالى بموعظته البليغة ، ويحذّرنا من كيده وشرّه ونبّه الإنسان
    بأبلغ بيان ، في آياتٍ عديدة من محكم القرآن مثل : ـ قوله تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ لَا
    يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ
    يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ )(2) .
    وقوله تعالى : ( وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ )(3) .
    وقوله تعالى : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا )(4) .
    وقوله تعالى : ( وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا )(5) .
    وقوله تعالى : ( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ )(6) .
    فالشيطان مترصّدٌ لشبّ آثار عداوته لبني آدم ، وإيصال مكائده للبشر ،
    __________________________________
    (1) سورة المائدة / الآية 91 .
    (2) سورة الأعراف : الآية 27 .
    (3) سورة النور : الآية 21 .
    (4) سورة فاطر : الآية 6 .
    (5) سورة الفرقان : الآية 29 .
    (6) سورة العنكبوت : الآية 38 .

    وترغيبه إلى كلّ معصية .
    ففي حديث النهج الشريف : ( وَالشَّيْطَانُ مُوَكَّلٌ بِهِ يُزَيَّنُ لَهُ الْمَعْصِيَةَ لِيَرْكَبَهَا
    وَيُمَنِّهِ التَّوْبَةَ لِيُسَوِّفَهَا ، إذَا هَجَمَتْ مَنِيَّتُهُ عَلَيْهِ أَغْفَلَ مَا يَكُونُ عَنْهَا )(1) .
    وفي حديث الإمام الصادق عليه‌السلام قال :
    قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بينما موسى بن عمران عليه‌السلام جالس إذ أقبل عليه إبليس ،
    وعليه بُرنس ذو ألوان ، فلمّا دنا من موسى خلع البرنس وأقبل عليه فسلّم عليه .
    فقال موسى : مَن أنت ؟
    قال : أنا إبليس .
    قال موسىٰ : فلا قرّب الله دارك ، فيمَ جئت ؟
    قال : إنّما جئت لاُسلّم عليك لمكانك من الله عزّ وجلّ .
    فقال له موسى : فما هذا البُرنس ؟
    قال : اختطف به قلوب بني آدم .
    قال له موسى : أخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه ؟
    فقال : إذا أعجبته نفسه ، واستكثر عمله ، وصغُر في عينه ذنبه .
    ثمّ قال له : اُوصيك بثلاث خصال يا موسى :
    لا تَخْلُ بامرأةٍ ، ولا تَخْلُ بك ، فإنّه لا يخلو رجل بامرأةٍ ولا تخلو بك إلّا كنتُ
    صاحبه دون أصحابي .
    وإيّاك أن تعاهد الله عهداً ، فإنّه ما عاهد الله أحدٌ إلّا كنتُ صاحبه ، دون
    أصحابي ، حتّى أحوُل بينه وبين الوفاء به .
    وإذا هممت بصدقةٍ فامضِها ، فإنّه إذا همَّ العبد بصدقةٍ كنتُ صاحبه دون
    __________________________________
    (1) نهج البلاغة / الخطبة 63 .


    أصحابي أحول بينه وبينها .
    ثمّ ولّى إبليس ويقول : يا ويله ، ويا عوله ، علّمتُ موسى ما لا يعلّمه
    بني آدم(1) .
    وعليه يلزم علينا لدفع كيد الشيطان إطفاء نائرات الاخوان ، في سبيل إيجاد
    المودّة ، ونشر المحبّة ، وسيادة الأخلاق الحسنة .
    وأهل البيت عليهم‌السلام هم الطليعة المثلىٰ ، في هذه الصفة الفضلىٰ ، بإطفاء نائرات
    العداء من أعدائهم .
    حتّى بالنسبة إلى الذين كانوا يسبّونهم ـ والعياذ بالله ـ كان أهل البيت عليهم‌السلام
    يقابلونهم بالجميل ، وبخير بديل .
    بالرغم من أنّ سبّهم يوجب النُصب والكفر في الدُّنيا ، ودخول النار في الاُخرى .
    ففي حديث ابن عبّاس : أنّه مرّ بمجلسٍ من مجالس قريش وهم يسبّون عليّ
    ابن أبي طالب عليه‌السلام .
    فقال لقائده : ما يقول هؤلاء ؟
    قال : يسبّون عليّاً .
    قال : قرّبني إليهم ، فلمّا أن وقف عليهم قال : أيّكم السابّ الله ؟
    قالوا : سبحان الله ، ومن يسبّ الله فقد أشرك بالله .
    قال : فأيّكم السابّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟
    قالوا : ومن يسبّ رسول الله فقد كفر .
    قال : فأيّكم السابّ عليّ بن أبي طالب ؟
    قالوا : قد كان ذلك .
    __________________________________
    (1) أمالي الشيخ المفيد / ص 93 / ح 7 .

    قال : فأشهد بالله ، وأشهد لله ، لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( مَن سبّ عليّاً
    فقد سبّني ، ومَن سبّني فقد سبّ الله عزّ وجلّ ) ، ثمّ مضىٰ ...(1) .
    هذا حكم من سبّ أحد الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام ، لكن مع ذلك كان الأئمّة عليهم‌السلام
    يقابلونهم بالعفو والإحسان ، ويُطفئون بذلك نائرة الأضغان ، ومكيدة العدوان ،
    وينجونهم من عذاب الله والنيران .
    فإنّ الإمام هو الأب العطوف ، والوالد الرؤوف ، والغيث والرحمة لجميع الاُمّة .
    ونماذج إطفائهم عليهم‌السلام النائرات ، وإخمادهم العداوات ، ظاهرة وشاهرة في
    سيرتهم المباركة .
    من ذلك ما روي عن الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام أنّ شاميّاً رآه راكباً فجعل
    يلعنه ، والإمام الحسن عليه‌السلام لا يردّ .
    فلمّا فرغ أقبل الإمام الحسن عليه‌السلام فسلّم عليه وضحك فقال : أيّها الشيخ أظنّك
    غريباً ، ولعلّك شبّهت .
    فلو استعتبتنا أعتبناك ، ولو سألتنا أعطيناك ، ولو استرشدتنا أرشدناك ، ولو
    استحملتنا أحملناك ، وإن كنت جائعاً أشبعناك ، وإن كنت عرياناً كسوناك ، وإن
    كنت محتاجاً أغنيناك ، وإن كنت طريداً آويناك ، وإن كان لك حاجة قضيناها لك ،
    فلو حرّكت رحلك إلينا وكنتَ ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعوَد عليك ، لأنّ لنا
    موضعاً رحباً ، وجاهاً عريضاً ، ومالاً كثيراً .
    فلمّا سمع الرجل كلامه بكىٰ ثمّ قال : أشهدُ أنّك خليفة الله في أرضه ، الله أعلم
    حيث يجعل رسالته ، وكنت أنت وأبوك أبغضَ خلق الله إليّ ، والآن أنت أحبُّ
    خلق الله إليَّ .
    __________________________________
    (1) لاحظ إحقاق الحقّ / ج 5 / ص 50 .


    وحوّلَ رحله إليه ، وكان ضيفه إلى أن ارتحل ، وصار معتقداً لمحبّتهم(1) .
    ومن ذلك أيضاً ما روي عن الإمام زين العابدين عليه‌السلام أنّه وقف عليه رجلٌ من
    أهل بيته فأسمعه وشتمه .
    فلم يكلّمه ، فلمّا انصرف قال لجلساءه : لقد سمعتم ما قال هذا الرجل ، وأنا
    أحبّ أن تبلغوا معي إليه ، حتّى تسمعوا منّي ردّي عليه .
    فقالوا له : نفعل ، ولقد كنّا نحبّ أن يقول له ويقول ..
    فأخذ عليه‌السلام نعليه ومشىٰ وهو يقول : ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ
    يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) .
    فعلمنا أنّه لا يقول له شيئاً .
    فخرج حتّى أتى منزل الرجل .. فقال : قولوا له : هذا عليّ بن الحسين .
    فخرج إلينا متوثّباً للشرّ ، وهو لا يشكّ أنّه إنّما جاء مكافئاً له على بعض ما كان منه .
    فقال له الإمام عليّ بن الحسين عليه‌السلام : يا أخي إنّك كنتَ قد وقفت عليَّ آنفاً وقلت
    فقلت ، فإن كنت قلتَ ما فيَّ فأستغفر الله منه ، وإن كنت قلت ما ليس فيَّ فغفر الله لك .
    قال : فقبَّل الرجل بين عينيه وقال : بل قلتُ فيك ما ليس فيك وأنا أحقُّ به(2) .
    وهذا الخُلُق الشريف يبدّل العداء إلى الإخاء ، ويبدّل العداوة إلى المحبّة ،
    فيسود الخلق الطيّب في المجتمع .
    وهذه من أهمّ الحِكَم الإلهيّة التي بيّنها الله تعالى في كتابه الكريم في قوله عزّ اسمه :
    ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ
    كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ )(3) .
    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 43 / ص 344 .
    (2) بحار الأنوار / ج 46 / ص 54 .
    (3) سورة فصّلت : الآية 34 ـ 35 .

    وهذه مجاهدة عظيمة وخليقة كريمة تحلّى به أهل البيت عليهم‌السلام وأمروا به ، وربّوا
    شيعتهم وكرام مواليهم عليه .
    كما تلاحظ في قضيّة المرحوم السيّد أبو الحسن الإصفهاني قدس‌سره :
    حدّث بعض الأجلّاء أنّه كان هناك رجلٌ يسبّ السيّد بسبٍّ لاذعٍ وكلماتٍ
    نابية ، لا لشيء ، فإنّ السيّد لم تصل منه أذيّة إليه ، ولا تكلّماً عليه .
    وكان ذلك الرجل له أيضاً شخصيّة اجتماعيّة ، لكنّه كان يحسد السيّد ، وكلّما
    ذكر السيّد أو ذُكر عنده كان يسبّه ، والسبّ يصل إلى السيّد وهو ساكت .
    وذكر بعض الصلحاء الذي كان صديقاً للسيّد ولذلك الرجل أيضاً وقال : إنّي
    كنت أتألّم من هذا السبّ ، وكلّما أنهى ذلك الرجل لا يفيده .
    وسألت من السيّد رحمه‌الله يوماً : ما العلاج ؟
    فأجاب السيّد : العلاج بيدك ، انظر وانتظر لي مناسبةً لهذا الرجل حتّى أزوره .
    قلت : أنت تزوره مع هذا السبّ والبذاء ؟!
    قال : نعم أزوره .
    ففرحت أنا من هذه الأريحيّة الطيّبة من السيّد التي تنحلّ معها المشكلة ،
    وتحيّنتُ الفرصة لهذه الزيارة الإصلاحيّة .
    ومرِضَ الرجل يوماً ، وصار طريح الفراش ، وقام الناس بزيارته ، فأخبرت
    السيّد بذلك .
    فقال السيّد : نعم أزوره أنا ، فخُذ لي منه موعداً لزيارته .
    فجئت إلى الرجل ، وبدأتُ معه الكلام بلين ورفق ..
    ثمّ قلت له : ألا تحتمل أنّ السيّد أيضاً يزورك الآن كما يزورك الناس ؟
    قال الرجل : ـ كلّا ، السيّد لا يزورني ، لأنّه بلغه عنّي سبّي له ، وعداوتي معه ،
    فهو لا يزورني بتاتاً .


    قلتُ له : ـ لو فرضنا أنّه زارك ، ما تصنع ؟
    قال : ـ والله اُهينه .
    قلت له : ـ خافْ من الله ، سيّد ، ابن رسول الله ، عالِم ، مرجع تقليد ، ما يجوز أن تهينه .
    ثمّ أنت ابن عشيرة عربيّة ، وعيب عند العرب يهينوا الضيف ، عيب عليك .
    وحينما قلت له هذا صفن ، ونزل عن تلك الحدّة الشديدة التي كانت له ، وقال :
    لو فرضنا زارني السيّد أنا ما أهينه ، لكن ما أقوم له ، فقط سلام وعليك .
    فأخبرت السيّد أنّه وصلت القضيّة إلى هذه المرحلة .
    فقال السيّد : طيّب ، نزوره هذه الليلة .
    فحان الليل ، وجاء السيّد وأنا معه لزيارة الرجل ، وسلّم بطيب على الرجل ،
    وأستفسر عن حاله ، ورجا له الشفاء ..
    والرجل يتمارض أمام السيّد ، ويُظهر له أنّه لم يقدر على التحرّك ، وما قام للسيّد .
    لكن السيّد تلاطف معه كثيراً ، وأبدى له حُسن أخلاقه وطيب كلامه .
    فهشّ الرجل وبشّ في الأخير ، حتّى أنّه حينما ودّعه السيّد ، وأراد الخروج
    قام له الرجل ، وذهب معه إلى باب الدار .
    وخرجت أنا أيضاً مع السيّد قدس‌سره .
    ثمّ إنّي رجعت إلى الرجل فقلت له : كيف رأيت السيّد ؟
    فأجاب : والله هذا صاحب الزمان ، وهذا وراءه سيّد أبو الحسن ، فصار من
    أولياء السيّد ، ومن المدافعين عنه .
    هذه الأخلاق تحتاج إلى تصميم ، ومجاهدة نفس ، لذلك يقول الله : ( وَمَا
    يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) .
    لكنّه يتيسّر بالدّعاء وبالعمل بعون الله تعالى .
    وكلاهما لازمان في مكارم الأخلاق ، والتخلّق بها .

    حيث قال تعالى : ـ ( قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ )(1) .
    وقال أيضاً : ـ ( وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ )(2) .


















    __________________________________
    (1) سورة الفرقان : الآية 77 .
    (2) سورة النجم : الآية 39 .




    (4)
    وضمّ أهلِ الفُرقة
    الضمّ هو الجمع ، من قولهم : ضممته ضمّاً : إذا جمعته ، وتضامّ القوم : إذا انضمّ
    بعضهم إلى بعض .
    والفُرقة هي الانفصال ، اسمٌ من افترق القوم بعضهم عن بعض بالأبدان أو بالقلوب .
    والمستظهر هنا هو التفرّق بالقلوب ، أي ضمّ المتفرّقين بقلوبهم .
    فمن حلية الصالحين وزينة المتّقين ، التأليف بين أرباب القلوب المتنافرة ،
    وإيقاع المحبّة بين الأنفس المتباغضة ، وجعل القوم مجتمعين متحابّين .
    وهي من أسباب سعادة الدُّنيا والآخرة ، ومن مقتضيات الحياة الطيّبة ،
    وتحسين الأخلاق ، وإعادة حُسن الخُلق .
    واعلم أنّ التعبير بأهل الفرقة دون المتفرّقين يُشعر ويفيد أنّ المقصود بهم هم
    الذين بناؤهم ورويّتهم الافتراق والمفارقة عن بقيّة الجماعة .
    ولعلّ هذا هو الفارق بين هذه الجملة من الدّعاء وبين الجملة الآتية ( إصلاح
    ذات البين ) الذي يستفاد منه إصلاح الفساد بين الذين ليسوا بناؤهم على الافتراق
    والتفرّق كالأخ وأخيه ، والأب وابنه ، والزوج وزوجته ، والصديق وصديقه .


    فقوله عليه‌السلام : ضمّ أهل الفرقة يستفاد منه تأليف الذين بناؤهم على المفارقة والمشاكسة ،
    فإنّ جمعهم وانضمامهم يوجب عدم النزاع والشِّقاق وعدم الافتراق في المجتمع .
    كما ينبغي أن يُعلَم أنّ الحلية والزينة المطلوبين هو ضمّ الفُرقة المذمومة لا
    الفُرقة عن الباطل والانحياز عنه التي هي فرقة حقّة لازمة ، فلا يحسن محاولة
    الضمّ بين الحقّ والباطل ، بل يلزم الافتراق عن الباطل ، والتفرّق عن الظلم ، فإنّه
    لا ينضمّ معهم ولا يعينهم ولا يحسن إعانتهم حتّى على بناء مسجد ، ولا ينضمّ
    إليهم في شيء .
    فإنّ ذلك معدود من الإعانة على الظلم ، والفساد المذموم والمحرّم .
    ففي الحديث عن النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ـ ( من مشىٰ مع ظالم فقد أجرم )(1) .
    وعن الإمام الصادق عليه‌السلام : ـ ( لا تعنهم على بناء مسجد )(2) .
    وعنه عليه‌السلام : ـ ( من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أنّه ظالم فقد خرج عن الإسلام )(3) .
    عليه فليس كلّ فُرقةٍ رذيلة ، ولا كلّ ضمّ فضيلة .
    وإنّما الفضيلة والصفة الجميلة هو الجمع والتأليف في المتفرّقين الذين كان
    تفرّقهم مذموماً ، فيحسن ضمّهم .
    فيجمع بين أهل الفرقة ، ويؤلّف قلوبهم ، ويرفع الشتات الذي حصل فيهم .
    وتأليف القلوب هذا من محامد صفات أهل البيت عليهم‌السلام وأخلاقهم ، حتّى مع
    الذين عاندوهم ، وبنوا على التفرّق عنهم .
    فساروا عليهم‌السلام معهم بالسيرة الحسنة والأخلاق الطيّبة ، فاهتدى بعضٌ وضلّ آخرون .
    ونموذج ذلك ظاهر من سيرة حياتهم كما تلاحظه في حديث سيرة الإمام
    __________________________________
    (1) جامع الأخبار / ص 155 .
    (2) الوسائل / ج 17 / ص 180 / ح 8 .
    (3) الوسائل / ج 17 / ص 182 / ح 15 .

    الرضا عليه‌السلام مع بعض الخوارج الذي تقدّم ذكره(1) .
    وكذلك مقابلته عليه‌السلام الإساءة بالإحسان في حديث قضيّة الجلودي المفضّلة
    المذكورة في السفينة(2) .
    وحاصلها : أنّ الجلودي كان قد أمره الرشيد أن يُغير علىٰ دور آل أبي طالب ،
    وأن يسلب نسائهم ، ولا يدَع علىٰ واحدةٍ منهنّ إلّا ثوباً واحداً .
    فجاء الجلودي مع خيله إلى دار الإمام الرضا عليه‌السلام للهجوم على الدار ، وقال
    للإمام عليه‌السلام : لابدّ أن أدخل الدار وأسلب النساء كما أمر الرشيد ..
    فقال له الإمام الرضا عليه‌السلام : أنا آتي لكَ بجميع مالهنّ ، وحلفَ له ، وجاء إلى
    النساء وطلب منهنّ أن يعطين جميع ما عليهنّ حتّى أقراطهنّ وخلاليهنّ
    وإزارهنّ ، وجميع ما كان في الدار من قليلٍ وكثير ، حتّى يسلمَن النساء من
    دخول الأجانب عليهنّ .
    ومضى الزمان حتّى مات الرشيد ، وخلَفَهُ المأمون ، وصادف أن غاض
    المأمون على الجلودي وحبسه .
    فلمّا كان يوم اُدخل الجلودي على المأمون ، قال الرضا عليه‌السلام للمأمون ترحّماً
    على الجلودي : هَبْ لي هذا الشيخ .
    فنظر الجلودي إلى الرضا عليه‌السلام هو يُكلِّم المأمون ويسأله أن يعفو عنه ، فظنَّ أنّه
    يُشير عليه بقتله ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أسألك بالله وبخدمتي للرشيد أن لا
    تقبل قو هذا فيَّ .
    فقال المأمون : يا أبا الحسن ، هذا سألنا بالله ونحنُ نبرّ قسمه ، وقال للجلودي :
    لا والله ، لا أقبل فيك قوله ، يا حرسي قدِّمهُ واضرِب عُنقه .
    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 49 / ص 55 .
    (2) سفينة البحار / ج 1 / ص 613 .




    (5)
    وإصلاح ذات البَين
    ذاتُ البين : هي الأحوال والعلاقات التي تكون بين القوم .
    وإصلاحها : هو تعهّدها ، وتفقّدها ، وطلب الصلاح لها .
    فمعنى إصلاح ذات البين هو إصلاح الفساد الذي يحدث بين القوم ، أو بين
    العائلة ، أو بين المؤمنين .
    وهو من معالي الأخلاق ، ومكارم الأعمال .
    وقد أمر به ونصّ عليه في القرآن الكريم والسنّة الشريفة .
    قال الله تعالى : ـ ( فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ )(1) .
    وقال عزّ اسمه : ـ ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ
    تُرْحَمُونَ )(2) .
    وفي الحديث في وصيّة أمير المؤمنين عليه‌السلام للإمامين الحسنين عليهما‌السلام : ـ
    ( أُوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ، ونظم أمركم ،
    __________________________________
    (1) سورة الأنفال : الآية 1 .
    (2) سورة الحجرات : الآية 10 .


    وصلاح ذات بينكم .
    فإنّي سمعت جدّكما صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ـ
    صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام )(1) .
    وفي حديث سابق الحاج قال :
    مرَّ بنا المفضّل ، وأنا وخَتَني(2) نتشاجر في ميراث ، فوقف علينا ساعة ، ثمّ قال
    لنا : تعالوا إلى المنزل .
    فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم ، فدفعها إلينا من عنده ، حتّى إذا استوثق
    كلّ واحد منّا من صاحبه قال : ـ
    أما إنّها ليست من مالي ، ولكن أبو عبد الله عليه‌السلام أمرني إذا تنازع رجلان من
    أصحابنا في شيء أن اُصلح بينهما وأفتديها من ماله ، فهذا مال أبي عبد الله عليه‌السلام(3) .
    وفي حديثٍ آخر عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال :
    ( صدقةٌ يحبّها الله إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا ، وتقاربٌ بينهم إذا تباعدوا )(4) .
    وعنه عليه‌السلام : ـ
    ( من أصلح بين اثنين فهو صديق الله في الأرض ، وإنّ الله لا يُعذّبُ من هو صديقه )(5) .
    وعنه عليه‌السلام : ـ
    ( أكرم الخلق على الله بعد الأنبياء ؛ العلماء الناصحون ، والمتعلِّمون
    __________________________________
    (1) نهج البلاغة / الرسالة 47 . واعلم أنّه فُسّرت الصلاة والصيام في الحديث الشريف بصلاة التطوّع
    والصوم المستحبّ ، كما وأنّ الفرق بين الصلاح لعلّه هو أنّ الإصلاح يكون في صورة وجود
    الفساد في البين ، بينما الصلاح يكون بإيجاده حتّى لو لم يكن فسادٌ في البين ، فيسعى في عدم وقوعه ،
    ولعلّه لذلك عُبّر في هذا الحديث الشريف بصلاح ذات البَيْن .
    (2) الخَتَن : زوج البنت أو زوج الاُخت يعني النسيب .
    (3) و (4) اُصول الكافي / ج 2 / ص 209 .
    (5) جامع الأخبار / ص 185 / ح 141 .

    الخاشعون ، والمصلح بين الناس في الله )(1) .
    وعنه عليه‌السلام : ـ
    ( من أصلح بين الناس أصلح الله بينه وبين العباد في الآخرة ، والإصلاح بين
    الناس من الإحسان ... )(2) .
    وعنه عليه‌السلام : ـ
    ( ملعونٌ ملعون رجلٌ يبدؤه أخوه بالصلح فلم يصالحه )(3) .
    وقمّة المصلحين بين ذات البين هم أهل بيت النبيّ وعترته صلوات الله عليهم
    أجمعين كما تدلّ عليه سيرتهم المباركة .
    فهذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أصلح بين القبيلتين العربيّتين المعروفتين في المدينة
    الأوس والخزرج .
    وكانت الحرب قد دامت بينهما في الجاهليّة مائة وعشرين سنة ، إلى أن جاء دين
    الإسلام ، وهاجر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة فآخى بينهما فصاروا إخوة متحابّين .
    وعلى سيرة الرسول ولده الإمام الحسين عليه‌السلام الذي كانت نهضته المقدّسة لطلب
    الإصلاح في اُمّة جدّه وشيعة أبيه .
    وعلى سيرته أيضاً ولده الإمام الصادق عليه‌السلام ، الذي اعتنى بالإصلاح بين
    المؤمنين حتّى بدفع المال من نفسه .
    وتلاحظ نصحه وإصلاحه أيضاً في حديث إبراهيم بن مهزم قال : ـ
    خرجت من عند أبي عبد الله عليه‌السلام ليلةً ممسياً ، فأتيت منزلي بالمدينة ، وكانت
    اُمّي ـ خالدة ـ معي ، فوقع بيني وبينها كلامٌ ، فأغلظتُ لها .
    __________________________________
    (1) جامع الأخبار / ص 185 / ح 142 .
    (2) جامع الأخبار / ص 185 / ح 143 .
    (3) بحار الأنوار / ج 74 / ص 236 .


    فلمّا كان من الغد ، صلّيت الغداة ، وأتيت أبا عبد الله عليه‌السلام ، فلمّا دخلت عليه قال
    لي مبتدئاً : ياابن مهزم ما لكَ ولخالدة ؟ أغلظتَ في كلامها البارحة ، أما علمتَ أنّ
    بطنها منزلٌ قد سكنته ، وأنّ حِجرَها مهدٌ قد غمزته ، وثديها وعاءٌ قد شربته ؟!
    قال : قلتُ بلى .
    قال عليه‌السلام : فلا تغلظ لها(1) .
    فما أحسن هذه الصفة الممدوحة ، إصلاح ذات البين بين المؤمنين ، يفعلها الإنسان
    تقرّباً إلى الله تعالى ، وتحصيلاً لسرور أهل البيت عليهم‌السلام بصلاح شيعتهم ومواليهم .
    فإنّهم يعرفون ذلك ويعلمونه بإذن الله تعالى ويطّلعون عليه كما لاحظته في حديث
    إبراهيم بن مهزم الآنف الذِّكر ، وتعرف مفصّل بيانه في أحاديث علم الإمام عليه‌السلام(2) .











    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 74 / ص 76 / ب 2 / ح 69 .
    (2) لاحظ كتاب في رحاب الزيارة الجامعة / ص 50 .


    (6)
    وإفشاء العارفة وسترِ العائبة
    الإفشاء : هو النشر والإظهار ، يُقال : فشا الأمر إذا ظهر وانتشر .
    والعارفة : هو المعروف ، والأمر الحَسَن ، أي الخصلة العارفة الحسنة .
    والسَّتر : بفتح السين ، مصدرٌ بمعنى عدم الإفشاء .
    كما أنّ السِّتر بكسر السين بمعنى الشيء الساتر ، نظير الذَبح فتحاً بمعنى عمليّة الذبح ،
    والذِبح كسراً بمعنى الشيء المذبوح ، ومنه قوله تعالى : ( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ )(1) .
    والعائبة : مقابل العارفة ، وهي الخصلة العائبة أي ذات العيب .
    ومن مكارم الأخلاق التي هي حلية الصلحاء ، وزينة الأتقياء ، أن يُظهر
    الإنسان محاسن المؤمنين وخصالهم المعروفة وأعمالهم الحسنة ..
    وفي مقابل ذلك يستر على المؤمنين خصالهم السيّئة ، ومعايبهم الكريهة ، ممّا
    صدرت منهم إشتباهاً ، وسوّلتها لهم أنفسهم الأمّارة بالسّوء ، فأخفوها خجلاً ، فلا
    ينبغي أن يفضحهم الإنسان عَلَناً .
    __________________________________
    (1) سورة الصّافات : الآية 107 .


    وأيّ إنسان يخلو كاملاً من الذنب ، ويخلص من العيب غير المعصومين عليهم‌السلام ،
    وقد خُلق الإنسان ضعيفاً .
    ( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي )(1) .
    لكن يلزم على الإنسان أن يجدّ ويجتهد ويسعىٰ في كفّ نفسه عن الذنب
    والعصيان ، وإذا سوّلت له نفسه وغلبه هواه فأذنب بادرَ إلى التوبة ، واستشعر في
    نفسه الندم على تفريطه ، حتّى يغفر الله له ، فإنّ التوبة تجعل الفاسق الممقوت وليّاً
    من أولياء الله تعالى كما في قضيّة الشابّ الفاسق المنقول(2) .
    وعلى كلّ حال يلزم ستر عائبة المؤمنين ، حفظاً لكرامتهم ، ونشر معروفهم ،
    ترغيباً في استقامتهم .
    وهو خُلقٌ كريم ، وصفةٌ راقية ، والتي تعدّ من الصفات الإلهيّة والأخلاق
    الطيّبة ، كما تلاحظه في الدعاء الجامع الشريف : ـ
    ( يَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ وَسَتَرَ الْقَبِيحَ ، يَا مَنْ لَمْ يُؤَاخِذْ بِالْجَرِيرَةِ وَلَمْ يَهْتِكِ السِّتْرَ )(3) .
    وكلتا هاتين الصفتين ذات آثار طيّبة ..
    فإفشاء العارفة ونشر الخِّصال المحمودة يوجب انتشار الصفات الحسنة في
    المؤمنين ، والترغيب فيها ، والحثّ عليها ، ورغبة الآخرين فيها ، ثمّ قيام أخلاق
    المجتمع عليها .
    كما وأنّ ستر العائبة يوجب حفظ كرامة المؤمنين ، وموت الباطل بترك ذكره ،
    وعدم التجاهر بالفسق ، وفسح المجال أمام من صدرَ منه القبيح ليحسّن أعماله بالستر
    عليه ، ويرتدع ويخجل من العود إليه ، وبالتالي زوال العائبات والقبائح عن المجتمع .
    __________________________________
    (1) سورة يوسف : الآية 53 .
    (2) رعايةً للاختصار راجع لمعرفته كتاب شجرة طوبىٰ / ج 2 / ص 446 .
    (3) مفاتيح الجنان / الباقيات الصالحات / ص 380 .

    وخصوصاً ستر عيوب المؤمنين الذي هو من معالي الأخلاق المربّية للمؤمن
    والمبدّلة للفساد إلى الصلاح ، والدالّة على كرامة نفس الساتر ، وفضيلة روحه .
    والمثل الأعلى لهذه الصفة الطيّبة هم أهل البيت عليهم‌السلام ، فكم ذكروا فضائل
    الطيّبين ونشروها ، ورغّبوا في مآثر الكرام وأفشوها ، كما تلاحظه من ذكرهم عليهم‌السلام
    فضائل سلمان وأبي ذرّ والمقداد وعمّار ، والطيّبين أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ،
    والشهداء أصحاب الإمام الحسين عليه‌السلام ، والفقهاء أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام .
    وفي الطرف المقابل كم عرفوا معايب الناس وستروها عليهم ، بل أغضوا
    وعفوا عنهم ، ولم يعيبوا أحداً ، ولم يلوموا مؤمناً .
    بل هذّبوا شيعتهم على الستر والعفاف ، وعدم تتبّع العثرات ، ومن الجهة الثانية
    أصلحوا عيوب المؤمنين وأرشدوهم إلى صفات الصالحين ، ووعظوهم بخير
    مواعظ المتّقين .
    فاهتدى بذلك الخلق الكثير ممّن كان قابلاً لمواعظهم ، ومتقبّلاً لإرشادهم
    وأنشئوا بذلك الجيل الصالح ، والجمع الفاضل .
    والأحاديث الشريفة في قول الخير في المؤمنين ، وستر عوراتهم متظافرة ، منها : ـ
    قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معشر مَن أسلم بلسانه ، ولم يخلص الإيمان إلى قلبه ، لا
    تذمّوا المسلمين ، ولا تتبّعوا عوراتهم .
    فإنّه من تتبّع عوراتهم تتبّع الله عورته ، ومَن تتبّع الله تعالى عورته يفضحه ولو
    في بيته(1) .
    وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً :
    كان بالمدينة أقوام لهم عيوب ، فسكتوا عن عيوب الناس فأسكت الله عن
    __________________________________
    (1) أُصول الكافي / ج 2 / ص 264 / ح 2 .


    عيوبهم الناس ، فماتوا ولا عيوب لهم عند الناس .
    وكان بالمدينة أقوام لا عيوب لهم ، فتكلّموا في عيوب الناس ، فأظهر الله لهم
    عيوباً لم يزالوا يُعرفون بها إلى أن ماتوا(1) .
    وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : ـ
    استر عورة أخيك ، لما تعلمه فيك (2) .
    وعن الإمام الصادق عليه‌السلام : ـ
    أبعد ما يكون العبد من الله أن يكون الرجل يواخي الرجل وهو يحفظ عليه
    زلّاته ليعيّره بها يوماً مّا(3) .
    ومن الآثار الطيّبة لستر عيوب المؤمنين تحسين سلوكهم ، وإقلاعهم عن
    القبائح كما تلاحظه في القضيّة التي حكاها بعض السادة الأجلّاء عن المرحوم
    السيّد أحمد الروحاني القمّي الذي كان أحد أفاضل علماء طهران .. حدّث ما
    حاصله أنّه : ـ
    في أحد الأيّام إتّصل بي تلفونيّاً أحد أصدقائي ، يدعوني إلى تشييع أحد
    التجّار الذين لم أعرفه أنا ، لكن قال لي الصديق : إحضر تشييعه فإنّه مؤمن ،
    طيّب ، كان ذا نفسٍ عالية ، يستحق الحضور .
    ففكّرتُ في نفسي أنّه تشييع مؤمن ، وهو عملٌ مستحبّ ، وصمّمتُ على
    الحضور ، وإن لم أكن أعرفه .
    فذهبت في الوقت المقرّر إلى التشييع ، وطبعاً بما أنّي لم أعرف الميّت لم
    أعرف أولاده وذويه .
    __________________________________
    (1) الوسائل / ج 15 / ص 292 / ح 10 .
    (2) غرر الحكم / ص 110 / ح 67 .
    (3) اُصول الكافي / ج 2 / ص 265 / ح 7 .

    إلّا أنّي رأيت أحد المشيّعين كثير البكاء جدّاً ، مع أنّه لم يظهر عليه أنّه من
    أقرباء الميّت ، ولم يُعزّه أحد ، لكنّه أكثر الناس بكاءً في التشييع ، وحين الدفن ،
    بحيث كان يبكي بكاءً مرّاً كبكاء الثكلى على عزيزها .
    ولكي أتوصّل أنا إلى حكمةٍ في المقام من بكاء هذا أزيد من الآخرين ، حتّى
    من أبناء المرحوم جئت إلى جنبه بهدوء ، وسألته لماذا تبكي هكذا على المرحوم ؟
    قال : إنّ لي مع المرحوم قضيّةً تدعوني إلى أن لا أنساه طول عمري ، ويُلزمني
    أن أبكي لفقده طول حياتي .
    فقلت : ـ وهل يمكنك إخباري بذلك ؟
    قال : نعم ، إنّي كنت رجلاً فقيراً كثير العائلة ، وضعيف الكسب ، لا يفي كسبي
    بعيشي ، وكنت أعجز حتّى عن استئجار دارٍ للسكن ، وعن إطعام أهلي أحياناً ،
    وضاقت بي الحياة جدّاً من الجانب المالي .
    وذات يوم في وقت الظهر ولم يكن لي شيء أشتري به غذاءً لأهلي ، فجئت
    إلى المسجد لاُصلّي جماعة صلاتَي الظهر والعصر ، ووصلتُ متأخّراً عن أوّل
    وقت الصلاة ، فوقفتُ في آخر صفٍّ من صفوف الجماعة وحدي ، ليس أحدٌ على
    يساري ولا علىٰ يميني .
    ثمّ جاء شخص آخر شابٌّ محترم ( وهو هذا المرحوم ) فوقف بجنبي ، وعلى
    الفور أخرج مفاتيحه ، وخاتماً كان معه من جيبه ، وجعله أمامه من طرفي ،
    واقتدى في صلاته بإمام الجماعة ، وقال : الله أكبر .
    وفي أثناء الصلاة وقع نظري أنا إلى ذلك الخاتم الذي كان أمامه ، فرأيته خاتماً
    جميلاً جدّاً ، وله بريق عجيب يجذب النظر ، ويظهر منه أنّه خاتمٌ ثمين .
    فجلب نظري ذلك الخاتم ، ووسوس لي الشيطان في أن أسرقه وأبيعه ،
    وأتعايش به ، وأتخلّص مدّةً من ضيق المعاش ..


    وهذا التصميم كان لأوّل مرّة في حياتي ، حيث لم أرتكب سرقة في حياتي قطّ .
    فرأيت أنّ الرجل غارقٌ في صلاته مع ربّه ، ويمكنني أن أسرق الخاتم بدون
    أن يلتفت إلى هذا الاختلاس .
    ومع ذلك صرتُ في تردّدٍ في الإقدام وعدم الإقدام على هذا العمل القبيح ..
    السرقة ، وفي الصلاة ، وفي المسجد ، معصية في معصية .
    لكن في الأخير وقبل انتهاء الصلاة صمّمتُ على ذلك بأن أسرقه أثناء
    سجوده ، وخامرتني هذه الفكرة إلى السجود الأخير من الركعة الأخيرة ، فسجد
    الرجل ، وسجدتُ بعده ، ووضعت يدي حين السجود على الخاتم ، وسحبته إلى
    نفسي ، وحملته معي حين رفع الناس رأسهم من السجود ، وضممته في يدي
    حين التشهّد ، إلى أن سلّم إمام الجماعة ، وفرغنا من الصلاة .
    وتصوّرت أنا في نفسي أنّ الرجل لم يلتفت إلى سرقتي ، حيث لم يظهر منه
    التفحّص عن الخاتم .
    ففكّرتُ هل أقوم بسرعة وأذهب قبل أن يلتفت الرجل ، أو أجلس كأنّي لم
    أرتكب شيئاً .
    وبين ما أنا كذلك إذ وضع الرجل يده على يدي التي فيها الخاتم وقال لي
    بهدوء : الخاتَم لك ، ولكن قُل لي لماذا سرقته ؟
    فاصفرّ وجهي وقلت له : أنا لأوّل مرّة أسرق لضغط الفقر عليَّ ، ولم أفعل هذا
    طول حياتي .
    قال : ـ نعم ، صحيح ، يظهر عليك اضطرابك واصفرار وجهك ، ولكن لماذا
    أقدمت على السرقة ؟
    قلت : لأجل حالتي هذه ، وأخبرته بفقري ، وضعف معيشتي ، وأنّه ليس لي
    الآن حتّى ما أشتري به غذاء لأهلي .

    فقال : الخاتم لك ، حلالك ، واسمح لي أي اُخبرك بثمن هذا الخاتم وقضيّته .
    إنّي رجلٌ متمكّن ، وحديث عهدٍ بالزواج ، وقد سافرت بعد زواجي أوّل
    سفرة تجاريّة .
    وأنا الآن راجع من سفري توّاً ، وقد وصلت الآن ظهراً ففكّرتُ أن اُصلّي أوّلاً
    ما دام حان وقت الظهر ، ثمّ أذهب إلى داري ، وكنت قد اشتريت هذا الخاتم هديّة
    لزوجتي العروس لأتحفها به كهديّة وإتحاف في أوّل سفري بعد الزواج .
    واعلم أنّ ثمن هذا الخاتم غالٍ ، وهذا سعره ، وأنت أذا أردت بيعه على الصائغ
    سيعرف أنّك لست بصاحب الخاتم فيتّهمك ، فإذا اتّهمك فقُل له إنّ فلان يعرفني ،
    وأخبرني باسمه .
    فتشكّرت منه ، وأنا خجلان من هذه المعاملة الطيّبة والمكافأة الحسنة ،
    والستر عَليَّ بالرغم من أنّه كان يقدر على أن يفضحني في المسجد والخاتم في
    يدي عياناً ، وذهبت فوراً إلى أحد الصاغة بائعي الخواتيم ، وعرضت عليه
    الخاتم ، وقلت له : كم تشتريه منّي ؟
    فأخذ الخاتم وهو ينظر إليه تارةً ، وينظر إليَّ تارةً اُخرى ، وأطال النظر إليّ ، ثمّ
    قال : من أين لك هذا الخاتم ؟
    قلت : هذا الخاتم لي ، وأُريد بيعه .
    فقال لي : ـ لا أشتريه منك ، ولا أُعطيه لك ، بل اُسلّمه إلى مخفر الشرطة .
    فقلت : ـ فلانٌ يعرفني ، ويشهد أنّ الخاتم لي .
    قال لي : ـ طيّب ، إذا شهد لك فلان بالخاتم ، أنا أشتريه منك .
    فجئت فوراً إلى هذا المرحوم ، وأخبرته بالقضيّة .
    فجاء معي إلى البائع وشهد لي أنّ الخاتم لي ، ولم يخبره بكيفيّة إعطاءه إيّاي ،
    وأنّ القضيّة كيت وكيت ، بل سترَ عليَّ ، وقال للبائع أنّ الخاتم له حقيقةً ، فاشتراه



    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اخلاق اهل البيت عليهم السلام Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اخلاق اهل البيت عليهم السلام   اخلاق اهل البيت عليهم السلام Emptyالإثنين أكتوبر 21, 2024 7:30 pm

    منّي بائع الخواتيم بثمنه الأصلي الكثير ..
    ثمّ أرشدني هذا المرحوم إلى أنّ هذا المبلغ الكثير إن أردت صرفه اعتباطاً
    تلف ، ولم يبق منه شيء ، لذلك يحسن أن يشتري به داراً تسكن في الدخلاني منه
    مع عائلتك ، وتؤجّر البرّاني وتستثمره ، فيكون ثمن الإيجار مساعدك مع اُجرة
    عملك في حياتك العائليّة .
    وأوصى إلى بعض الدلّالين ، فاشترى لي داراً أسكنت فيه عائلتي ، وأجّرت الباقي .
    وأنا منذ سنوات أعيش عليه بكلّ راحة ، لما ستر عليَّ هذا المرحوم بهذا
    الستر الجميل ، والخير الجزيل الذي ألزمني الحزن والاكتئاب وبكاء احتراق
    قلب المصاب .
    هذا ما وقع حقيقةً ، وأنت تلاحظ أنّه تحوّل هذا الرجل من سارق إلى إنسان
    طيّب ، يعيش سعيد بواسطة ستر العائبة من هذا المرحوم .
    فقد انقلب رأساً على عقب من الفساد إلى الصلاح بواسطة هذه الكرامة
    الأخلاقيّة من هذا الشخص ، ولو كان قد فضحه ولم يستر عليه لكان يُعرف
    بالسرقة ، ويصبح سارقاً محترفاً طول عمره .

    (7)
    ولينِ العريكة
    العريكة : فُسّرت في اللغة بمعنى الطبيعة .
    إلّا أنّه يستفاد من استعمالاتها العرفيّة في الأحاديث وفي العربيّة معنىً أوسع .
    فالعريكة في معناها العرفي هو الجلد الأديم يُدلك ويُفرك ، فيصير ليّناً ، كما
    تلاحظه في جلد الغزال الذي كان قديماً يصنع به هكذا ، ويُتّخذ منه الورق اللّين
    في الكتب .
    ويكنّى به عن لين المعاشرة ، يُقال : فلان ليّن العريكة ، إذا كان سلساً مطواعاً ،
    قليل الخلاف والنفور .
    ولانَتْ عريكته يعني انكسرت نخوته(1) .
    فيكون حاصل معنى لين العريكة في هذه الصفة الجميلة كناية عن لين
    المعاشرة مع الناس .
    وقد جاء توصيف الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله بلين العريكة في بيان أمير المؤمنين عليه‌السلام : ـ
    ( كان أجوَد الناس كفّاً ، وأجرءَ الناس صدراً ، وأصدق الناس لهجةً ، وأوفاهم
    __________________________________
    (1) مجمع البحرين / ص 454 .


    ذمّةً ، وألينهم عريكةً )(1) .
    فمن حلية الصالحين وزينة المتّقين لين العريكة في المعاشرة مع الناس .
    ليناً يكون في محلّه ، لا ضعفاً في الدِّين وتضعيفاً لشريعة سيّد المرسلين ،
    فيكون لين المؤمن مع المؤمنين لا مع المنافقين .
    لذلك ترى في حُسن صفة المؤمنين قوله تعالى : ـ
    ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ )(2) .
    وأمّا اللّين في غير محلّه المناسب فهو غير ممدوح بل مجتنبٌ عنه ، وليس من
    مكارم الأخلاق .
    لذلك ترى مثال الخلق الكريم متجلّياً في الرسول العظيم حيث كان شديداً في
    ذات الله تعالى في قضيّة الخبيث سُمرة بن جندب بالنسبة إلى نخلة الأنصاري في
    حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) ..
    ورد عن الإمام الباقر عليه‌السلام أنّه قال :
    إنّ سمرة بن جندب كان له عذقٌ ـ أي نخلةٌ بحملها ـ في حائط رجلٍ من الأنصار .
    وكان منزل الأنصاري بباب البستان ، وكان يمرّ به إلى نخلته ولا يستأذن ،
    فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء ، فأبىٰ سمرة .
    فلمّا تأبّىٰ ، جاء الأنصاري إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فشكا إليه ، وخبّره الخبر ،
    فأرسل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخبّره بقول الأنصاري وما شكا ، وقال : إن أردت
    الدخول فاستأذِن .
    فأبىٰ ، فلمّا أبىٰ ساومه حتّى بلغ به من الثمن ما شاء الله ، فأبى أن يبيع .
    فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لك بها عذقٌ يُمدّ لك في الجنّة .
    __________________________________
    (1) سفينة البحار / ج 2 / ص 388 .
    (2) سورة الفتح : الآية 29 .

    فأبىٰ أن يقبل .
    فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصاري : إذهب فاقلعها ، وارمِ بها إليه ، فإنّه لا ضرر ولا ضرار(1) .
    فتلاحظ أنّه لم يكن الموضع موضع لين مع ظلم سمرة للأنصاري ، وإصراره على
    الظلم ، ولجاجه على عدم الاستئذان ، وعناده مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى مع نخلة الجنّة .
    لذلك لم يلِن معه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل أمر بقلع النخلة ، ورميها إليه ، دفعاً للضرر
    عن المؤمنين .
    علماً بأنّ سمرة ممّن لم يخفَ خبثه ونفاقه .
    وهو الذي بذل له معاوية أربعمائة درهم فروى كذباً إنّ قوله تعالى : ( وَمِنَ
    النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّـهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ )(2)
    نزلت في عليّ عليه‌السلام .
    وأنّ قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ رَءُوفٌ
    بِالْعِبَادِ )(3) نزلت في ابن ملجم .
    وهو الذي روى عنه ابن أبي الحديد أنّه كان في أيّام مسير الإمام الحسين عليه‌السلام إلى
    الكوفة على شرطة ابن زياد ، وكان يحرّض الناس على الخروج إلى قتال الحسين عليه‌السلام .
    وهو الذي قال فيه ابن سيرين إنّه قتل في مدّة غياب زياد بن أبيه عن البصرة
    ثمانية آلاف ، فقال له زياد : أما تخاف أن تكون قتلت بريئاً ؟
    فقال : لو قتلت معهم مثلهم ما خشيت .
    وروى عنه ابن أثير أنّه قتل من قوم سوار العدوى سبعة وأربعين كلّهم قد
    جمع القرآن .
    __________________________________
    (1) الكافي / ج 5 / ص 292 / ح 2 .
    (2) سورة البقرة : الآية 204 .
    (3) سورة البقرة : الآية 207 .


    وهو الذي ضرب ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ( القصوىٰ ) بعصاً على رأسها فشجّها(1) .
    وعلى الجملة فاللّين مع الثلّة المؤمنة ـ لا مع مثل هذه الفرقة المنافقة ـ يعدّ من
    مكارم الأخلاق وعوالي الصفات .
    وهذه الصفة الشريفة وإن كان تحصيلها صعباً ، لكن تسهل بعد الممارسة والتمرين .
    فيحصل لين العريكة للإنسان في أقواله وأفعاله ، وفي جميع أدوار حياته ،
    ومع جميع معاشريه .
    بالطلب من الله تعالى ، والاستشفاع بأهل البيت عليهم‌السلام .
    وحتماً تحتاج هذه الصفة إلى الطلب والعمل ..
    إذا هي حصلت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله برحمةٍ من الله تعالى فكيف تحصل لنا اعتباطاً .
    قال تعالى : ـ ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ )(2) .
    وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المَثَل الأعلى للين العريكة في سيرته الغرّاء ، وتلاحظ
    ذلك جليّاً في عشرته مع عائشة .
    فبالرغم من إيذائها للرسول الأكرم ، وتجاسرها على مقامه الأعظم كان
    صلوات الله عليه وآله ليّناً معها ، معاشراً عشرة الحسنى قبالها .
    حتّى أنّها تحاكمت مرّةً مع الرسول عند أبيها أبي بكر ، وقالت لرسول الله قبل
    أن يتكلّم : قُل ولا تقل إلّا حقّاً !
    ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي لا ينطق عن الهوى ، ولا يقول إلّا حقّاً ، ولا يتكلّم
    باطلاً ، بصريح شهادة الخالق له ، الغنيّ عن شهادة المخلوقين ، بالآية المباركة : ـ
    ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ﴿٣﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ )(3) .
    __________________________________
    (1) لاحظ جميع هذه الفعال السيّئة من سمرة في سفينة البحار / ج 4 / ص 269 .
    (2) سورة آل عمران : الآية 159 .
    (3) سورة النجم : الآيتان 3 و 4 .

    وبالرغم من ذلك لم يردّ الرسول عليها بشيء ، ولم يغلظ لها بقول .
    ومن نماذج لين عريكته صلوات الله عليه وآله ؛ موقفه الكريم في قضيّة
    القطيفة الحمراء(1) ، في واقعة بدر ، بعد انهزام المشركين وبقاء الغنائم في
    حوزة المسلمين .
    وكان في الغنائم قطيفة حمراء وضيعة لا تسوى شيئاً ، ضاعت من بين الغنائم .
    فبرز أحد الأصحاب من المنافقين وقال : ـ ( إنّ رسول الله غلّها ) أي سرقها
    والعياذ بالله ، ورسول الله هو الأمين المسمّى بمحمّد الأمين حتّى عند المشركين
    وحتّىٰ في الجاهليّة .
    وحدث دويّ بين الأصحاب من هذه الكلمة البذيئة ، ورسول الله بريءٌ من
    الغلّ والسرقة ، ولم يأخذ تلك القطيفة .
    ومع ذلك لم يردّ الرسول عليه بشيء ، ولم يخشن له بقول ..
    بالرغم من أنّ الرسول له الحقّ الشرعي في أن يصطفي من الغنائم ما يشاء .
    فنزلت الآية الشريفة : ـ ( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ )(2) ، فبرّء الله تعالى نبيّه من
    السرقة والخيانة .
    وجاء رجلٌ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إنّ فلاناً غلّ القطيفة وأخبأها هنالك ،
    فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بحفر ذلك الموضع ، وإخراج تلك القطيفة ، كما تلاحظه
    في التفسير(3) .
    وهذه القضيّة آية من لين عريكة النبيّ الأعظم حيث لم يظهر منه أيّ شدّة في
    مقابل هذه التهمة البذيئة ، من منافقٍ رديء ، يدّعي الإيمان بالنبيّ وينسبه إلى
    __________________________________
    (1) القطيفة هي القطعة من القماش المخمل ، يتدثّر بها .
    (2) سورة آل عمران : الآية 161 .
    (3) كنز الدقائق / ج 3 / ص 254 .


    السرقة ، فيفتضح هو بعد ذلك .
    والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الأمين المؤتمن حتّى عند الكفّار والمشركين .
    وهو ذو الحقّ في أخذ القطيفة وغير القطيفة .
    وهو نبيٌّ معصوم ، وأعظم شخصيّة ، وقائد المسلمين ، وصاحب القدرة التامّة ،
    ومع ذلك لم يستعمل أيّ قوّة ، وأبدى كلّ لين .
    ومن لين العريكة لين الكلام الذي تراه ممدوحاً في القرآن الكريم وفي
    الحديث الشريف ، ومن ذلك :
    قوله تعالى : ( اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ
    أَوْ يَخْشَىٰ )(1) .
    وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : ـ
    ( عوّد لسانك لينَ الكلام )(2) .
    ومن وصيّته لابنه الإمام الحسن عليهما‌السلام : ـ
    ( ولِنْ لمن غالَظَك فإنّه يوشك أن يلين لك )(3) .
    ومن المحسوس وجداناً حسن تأثير لين العريكة ، وطيب الكلام في النتيجة
    الحسنة ، والأثر الأكمل كما تلاحظه عمليّاً في التكلّم باللّين مع إسحاق الكندي
    صاحب الرأي الباطل ، ودعوى التناقض في القرآن ، حيث أثّر فيه الكلام اللّيّن
    ببركة الإمام العسكري عليه‌السلام .
    ففي حديث المناقب : ـ
    ( إنّ إسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه أخذ في تأليف تناقض
    __________________________________
    (1) سورة طه : الآيتان 43 و 44 .
    (2) غرر الحكم / ص 334 .
    (3) بحار الأنوار / ج 74 / ص 168 .

    القرآن ، وشغل نفسه بذلك ، وتفرّد به في منزله .
    وأنّ بعض تلامذته دخل يوماً على الإمام العسكري عليه‌السلام فقال له أبو محمّد عليه‌السلام : ـ أما
    فيكم رجلٌ رشيد يردع اُستاذكم الكندي عمّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن ؟
    فقال التلميذ : ـ نحن من تلامذته ، كيف يجوز منّا الاعتراض عليه في هذا أو
    غيره ؟!
    فقال أبو محمّد عليه‌السلام : ـ أتؤدّي إليه ما اُلقيه إليك ؟
    قال : ـ نعم .
    قال عليه‌السلام : ـ فصُر إليه وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله ، فإذا
    وقعت الاُلفة في ذلك فقُل : ـ قد حضرتني مسألة أسألك عنها ؟
    فإنّه يستدعي ذلك منك .
    فقُل له : إن أتاك هذا المتكلّم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلّم به
    منه غير المعاني التي قد ظننتها أنّك ذهبت إليها ؟
    فإنّه سيقول إنّه من الجائز ، لأنّه رجلٌ يفهم إذا سمع .
    فإذا أوجب ذلك فقُل له : فما يدريك لعلّه قد أراد غير الذي ذهبتَ أنت إليه ،
    فتكون واضعاً لغير معانيه ؟
    فصار الرجل إلى الكندي وتلطّف ، إلى أن ألقى عليه هذه المسألة .
    فقال له أعِد عليَّ ، فأعاد عليه ، فتفكّر في نفسه ، ورأى ذلك محتملاً في اللّغة
    وسائغاً في النظر ، فقال : أقسمت عليك ألا أخبرتني من أين لك ؟
    فقال : إنّه شيء عَرَض بقلبي فأوردته عليك .
    فقال ـ الكندي ـ : كلّا ما مثلك من اهتدى إلى هذا ، ولا من بلغ هذه المنزلة
    فعرِّفني من أين لك هذا ؟
    فقال : أمرني به أبو محمّد عليه‌السلام .


    فقال : الآن جئت به ، وما كن ليخرج مثل هذا إلّا من ذلك البيت .
    ثمّ إنّه دعا بالنار وأحرق جميع ما كان ألّفه )(1) .
    فإنّك تلاحظ أنّ لين العريكة ، وطيب الكلام أدّى إلى هذه النتيجة الحسنة .


















    __________________________________
    (1) المناقب لابن شهر آشوب / ج 4 / ص 424 ، وعنه بحار الأنوار / ج 50 / ص 311 .

    (Cool
    وخَفْضِ الجَناح
    الجناح : من الطائر هو ما يطير به ، ومن الإنسان ما بين أسفل العضد إلى
    الإبط .. هذا في اللّغة .
    وفي الاستعمال يكنّى بالجناح عن قوّة الشخص وكَنفِه الذي يكتنفه مثل مالِه ،
    وعلمِه ، وقدرته ، ونحو ذلك .
    وهذا ما يُسأل في هذا الدّعاء خفضه ، ومعناه التواضع فيه ، فيكون خفض
    الجناح كناية واستعارة للتواضع .
    وتاريخ أهل البيت عليهم‌السلام مليءٌ بخفض الجناح والتواضع في أقوالهم ، وأفعالهم ،
    وسيرتهم ، ومعاشرتهم ..
    حتّى أنّهم تواضعوا في مقامهم العلمي الإلهي الذي ليس لأحدٍ غيرهم .
    فتلاحظ أنّ الإمام الباقر عليه‌السلام الذي هو باقر العلوم أجاب ذلك العالم النصراني
    الديراني في الشام حين سأله : هل أنت من علماء المسلمين ؟
    أجاب الإمام عليه‌السلام : لستُ من جهّالهم ، ولم يقُل أنا من علمائهم ، بالرغم من أنّه
    أعلم العلماء ، بل لا يُقاس بعلمه علم أحد .. وهذا تواضع وخفض جناح .


    وكذا تواضع والده الإمام السجّاد عليهما‌السلام صاحب هذا الدّعاء والداعي بهذه الفقرة ،
    تلاحظ خفض جناحه مع رفقة سفره في حديث الإمام الصادق عليه‌السلام قال : ـ
    ( كان عليّ بن الحسين عليهما‌السلام لا يسافر إلّا مع رفقةٍ لا يعرفونه ، ويشترط عليهم
    أن يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجون إليه .
    فسافر مرّةً مع قومٍ فرآه رجلٌ فعرفه فقال لهم : أتدرون مَن هذا ؟
    فقالوا : ـ لا .
    قال : ـ هذا عليّ بن الحسين عليهما‌السلام .
    فوثبوا إليه فقبّلوا يده ورجله ، وقالوا : يابن رسول الله أردت أن تصلينا نار
    جهنّم ، لو بدَرَت منّا إليك يدٌ أو لسان ، أما كنّا قد هلكنا إلى آخر الدّهر ؟ فما الذي
    يحملك على هذا ؟
    فقال : إنّي كنت سافرت مرّةً مع قوم يعرفونني ، فأعطوني برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما لا
    أستحقّ ، فإنّي أخاف أن تعطوني مثل ذلك ، فصار كتمان أمري أحبُّ إليّ )(1) .
    وهذه تربية عمليّة لنا على التواضع وعدم التعالي ، ويلزم أن نتعلّمها نحن في
    حياتنا ، ونداوم السير عليها حتّى لو صرنا عظماء .
    يحكي بعض الأجلّاء عن المرحوم السيّد الحكيم قدس‌سره أنّه في أيّام مرجعيّته
    انتقده أحد الأساتذة بالنسبة إلى كتابه ( مستمسك العروة الوثقى ) الذي تعب كثيراً
    جدّاً في تأليفه وتحقيقه وتحصيل مصادره حتّى أكمله ثلاثة عشر مجلّداً في الفقه .
    قال له ذلك المنتقد : ـ الشيخ الأنصاري رفع المستوى العلمي للنجف الأشرف
    إلى هذا اليوم ، وأنت في هذا اليوم نزّلته بكتابك هذا .
    وهذا كلامٌ لاذع بالنسبة إلى كتابٍ كالمتمسك وإلى مرجعٍ مثل السيّد الحكيم .
    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 46 / ص 69 .

    لكن أجابه السيّد بجواب هزّه ، وغيّره أيّما تغيير ، حيث قال له : ـ
    أنت تقيسني بالشيخ الأنصاري ، أنا وين ، والشيخ الأنصاري وين ؟ ما رأيتم
    من الإشكالات بيّنوها لي وأنا أشكركم على ذلك ..
    هذا تواضع وخفض جناح .
    ويحكى عن المقدّس الأردبيلي أعلى الله مقامه أنّه حصل له مع الشيخ البهائي
    في النجف الأشرف بحثٌ علميّ ، ووصل البحث إلى أخذ وعطاء ، وإشكال وجواب .
    وفي إشكال من الشيخ البهائي على المقدّس الأردبيلي أمسك المقدّس عن
    الجواب بحث تخيّل الناس أنّه انقطع المقدّس عن الجواب ، وانتصر الشيخ البهائي .
    وانقضىٰ المجلس ، وانفضّ الجمع ، ثمّ التقى الشيخ البهائي بالمقدّس في
    طريقهم إلى وادي السلام ، فذكر له المقدّس جواب إشكاله ذلك جيّداً ، واقتنع به
    الشيخ البهائي كاملاً .
    فقال الشيخ البهائي للمقدّس : هل رأيت كتاباً اشتمل على هذا الجواب ، أو
    كنت تعرفه في البحث ؟
    فأجاب المقدّس كنت أعرفه ، لكن لم أجب به ولم أردّ عليك لأنّك في مقام
    شيخ الإسلام ، فلا يحسن أن أكون أنا المنتصر عليك .
    وهذه نفسيّة عالية من خفض الجناح والتواضع من المقدّس مع علميّته
    وقدسيّته ومرجعيّته وجلالة قدره يتواضع للشيخ .
    وتلاحظ فضيلة هذه المكرمة في الآيات الشريفة ، والأحاديث المباركة ،
    ومن ذلك :
    قال تعالى : ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ )(1) .
    __________________________________
    (1) سورة الحجر : الآية 88 .


    وقال أيضاً : ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )(1) .
    وفي الحديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : ـ
    ( فيما أوحى الله عزّ وجلّ إلى داود عليه‌السلام : ـ يا داود ، كما أنّ أقرب الناس من الله
    المتواضعون ، كذلك أبعد الناس من الله المتكبِّرون )(2) .
    ومن وصيّة أمير المؤمنين عليه‌السلام عند شهادته : ـ
    ( عليك بالتواضع ، فإنّه من أعظم العبادة )(3) .
    وفي حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ
    ( أربعٌ لا يعطيهنّ الله إلّا من يحبّه : ـ الصمت وهو أوّل العبادة ، والتوكّل على
    الله ، والتواضع ، والزُّهد في الدُّنيا ) (4) .
    وفي حديث الكشّي :
    كان محمّد بن مسلم رجلاً شريفاً موسراً ، فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : تواضع يا محمّد .
    فلمّا انصرف إلى الكوفة أخذ قوصرةً من تمر مع الميزان ، وجلس على باب
    مسجد الجامع ، وصار ينادي عليه .
    فأتاه قومه فقالوا له : ـ فضحتنا .
    فقال : إنّ مولاي أمرني بأمرٍ فلن أُخالفه ، ولن أبرح حتّى أفرغ من بيع ما في
    هذه القوصرة .
    فقال له قومه : إذا أبيت إلّا أن تشتغل ببيعٍ وشراء فاقعد في الطحّانين . فهيّأ
    رحىً وجملاً وجعل يطحن(5) .
    __________________________________
    (1) سورة الشعراء : الآية 215 .
    (2) اُصول الكافي / ج 2 / ص 101 .
    (3) بحار الأنوار / ج 75 / ص 119 .
    (4) جامع السعادات / ج 1 / ص 363 .
    (5) بحار الأنوار / ج 75 / ص 121 .

    وفي حديث الإمام الصادق عليه‌السلام : ـ
    ( إنّ في السماء ملكين موكّلين بالعباد ، فمن تواضع لله رفعاه ، ومن تكبّر وضعاه )(1) .
    وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ـ
    ( أوحى الله عزّ وجلّ إلى موسىٰ عليه‌السلام : أنْ يا موسى ، أتدري لِمَ اصطفيتُك
    بكلامي دون خَلقي ؟
    قال : يا ربّ ولِمَ ذاك ؟
    قال : فأوحى الله تبارك وتعالى إليه :
    يا موسى إنّي قلّبتُ عبادي ظهراً لبطن ، فلم أجد فيهم أحداً أذلّ لي نفساً منك ،
    يا موسى إنّك إذا صلّيت وضعت خدّك على التراب ـ أو قال على الأرض ـ(2) .
    ونستفيد من هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة أنّ التواضع وخفض
    الجناح من أعلى الصفات الحسنة وأغلى المكارم الطيّبة التي تعزّ الإنسان عند
    الخالق وعند المخلوق ، وتوجب له معالي الدرجات ومراقي الكمالات .







    __________________________________
    (1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 99 / ح 2 .
    (2) اُصول الكافي / ج 2 / ص 100 / ح 7 .




    (9)
    وحُسن السّيرة
    السيرة : هي الطريقة والاُسلوب .
    وحسنها : يقصد به حُسن سيرة الإنسان في حياته ، وطريقة معاشرته مع أهله
    وأولاده وأقربائه وأصدقائه ، في بيته ومجتمعه .
    فاُسلوب المتّقي والصالح يكون اُسلوباً طيّباً حسناً في جميع مجالات حياته ،
    فيكون له حلية وزينة .
    وقد رُوي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : ـ
    ( حُسن السيرة عنوان حسن السريرة ) .
    فإنّ حُسن سيرة الإنسان مظهرٌ لحُسن باطنه وروحه .
    فإذا كان الشخص حسن الباطن حسنت سيرته ..
    فيكون حسن سيرته كاشفاً عن حسن باطنه ..
    ومن مكارم أخلاق الصُّلحاء والأتقياء أن تكون سيرتهم في حياتهم حسنة مع
    جميع من يعيشون معه من بني نوعهم .
    بل حتّى مع الحيوانات التي يلزم الإرفاق بها ومراعاتها .


    فإنّ الإسلام جعل أحكاماً وحدوداً حتّى بالنسبة إلى الحيوانات ..
    وبنى على الرفق حتّى في غير البشر .
    ففي الحديث عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ
    ( للدابّة على صاحبها ستّ خصال :
    يبدأ بعَلفِها إذا نزل ، ويعرض عليها الماء إذا مرّ به ، ولا يضرب وجهها فإنّها
    تسبِّح بحمد ربّها ، ولا يقف على ظهرها إلّا في سبيل الله عزّ وجلّ ، ولا يحمّلها
    فوق طاقتها ، ولا يكلّفها من المشي إلّا ما تُطيق )(1) .
    وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : ـ
    ( قال عليّ بن الحسين لابنه محمّد عليهم‌السلام حين حضرته الوفاة :
    إنّي قد حججتُ على ناقتي هذه عشرين حجّة ، فلم أقرعْها بسوطٍ قرعة ، فإذا
    نفقَت ـ أي ماتت ـ فادفنها لا يأكل لحمها السباع )(2) .
    هذه هي السيرة الحسنة ، والطريقة المستحسنة في الحياة ، وفي اسلوب
    المعاشرات .. حتّى مع البهائم والحيوانات ، فكيف بالمعاشرة مع الناس ،
    خصوصاً المؤمنين ، خصوصاً الأرحام والأقربين .
    فيلزم علينا تحسين السيرة قولاً وعملاً مع الآخرين ، حتّى التكلّم بهدوء لا
    بصياح ، والنظر بلطف لا بشَزَر .
    وهذه السيرة الطيّبة من مكارم أخلاق المؤمن الصالح التقيّ ، ومن مقوّمات
    صلاحه وتقواه ، وممّا يدلّ على حُسن باطنه وطيب نفسه .
    والمدرسة العليا لهذه السيرة هي مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ، والمَثَل الأعلى لهذه
    __________________________________
    (1) الخصال / ص 330 / باب الستّة / ح 28 .
    (2) الوسائل / ج 8 / ب 51 / من أحكام الدوابّ / ح 1 .

    السجيّة هم النبيّ والعترة صلوات الله عليهم أجمعين .
    وقد تقدّمت نبذة منها في الفصل الثالث من هذا الكتاب ، وذكرنا شطراً من
    محاسن عشرتهم .. ولذلك تلاحظ :
    1 ـ إنّ القرآن الكريم يمدح الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله تعالى : ( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا
    غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ )(1) .
    2 ـ والرواية الشريفة تفسّر سيرته صلوات الله عليه بأنّه :
    ( كان يخدم في أهله ، ويُجيب دعوة الحرّ والعبد ولو على كراع ، ويشيّع الجنازة ،
    ويعود المرضىٰ ، ويُجالس الفقراء ، ويؤاكل المساكين ، ويناولهم بيده المباركة ، ويبدأ
    بالسلام ، ويبدأ المسلمين بالمصافحة ، ويكرم الداخل عليه ، وربما بسط له ثوبه
    ليجلس عليه ، ويُؤثِر على نفسه فيكرمه بالوسادة ، وما جفا على أحدٍ قطّ )(2) .
    3 ـ والحديث يذكر أمير المؤمنين عليه‌السلام بأنّه حينما يشتري ثوباً يشتري ثوبين ،
    يعطي أجودهما لقنبر ويختار دونه لنفسه(3) .
    ويُوصي بالإرفاق حتّى عند شهادته بالأوز التي كانت في بيته ، واُهديت
    للحسنين عليهما‌السلام .
    وقد جرىٰ شيعتهم الأبرار على سيرة قدوتهم الأطهار ، في معاشراتهم
    الحسنة ، وعدم تعاليهم على الناس .
    كالذي يُنقل عن المرحوم المحدِّث القمّي قدس‌سره أنّه في أحد أسفاره من العراق إلى
    خراسان لزيارة الإمام الرضا عليه‌السلام ، رافقه في السيّارة الحافلة بعض القرويّين
    الذاهبين إلى الزيارة أيضاً .
    __________________________________
    (1) سورة آل عمران : الآية 159 .
    (2) بحار الأنوار / ج 16 / ص 226 .
    (3) بحار الأنوار / ج 41 / ص 102 .


    والمحدّث القمّي بالرغم من كونه آيةً في العلم والتقوى والحديث والمعارف ،
    لم يكن يتظاهر بالعظمة ، ولم يتفوّق على اُولئك المسافرين ، بل كان يعاشرهم كأحدهم .
    فكان اُولئك في طيلة الطريق يطلبون من الشيخ أن يشتري لهم الخبز والفاكهة
    وغير ذلك ، ظنّاً منهم أنّ الشيخ كسائر الناس العاديّين .
    والشيخ أعلى الله مقامه كان يشتري لهم ما يريدون ، وهم مستريحون في
    مكانهم ، لا يتكلّفون بشيء ، ولا يُتعبون أنفسهم بعمل .
    وتمّ المسير وانتهى سير السفر على هذا المنوال ، وهذه الطريقة ..
    وفي خراسان بعد أن وصل اُولئك وزاروا الإمام الرضا عليه‌السلام ، ذهبوا لزيارة المرجع
    الديني السيّد حسين القمّي قدس‌سره الذي كان آنذاك مقيماً في مشهد الرضا عليه‌السلام ،
    فسلّموا على السيّد ، وجلسوا في طرف المجلس ، والمجلس غاصّ بأهله .
    وبينما هم كذلك إذ رأوا أنّ السيّد القمّي قام من مكانه ، وقام معه جميع أهل
    المجلس لاستقبال شخص ورد إلى المجلس ، فاستقبلوه بكلّ حفاوة وتكريم واحترام .
    ونظر هؤلاء إلى ذلك الشخص الوارد ، فإذا هو نفس صاحبهم في السفر الذي
    كانوا يكلّفونه الشراء والخدمة ، فيخدمهم بكلّ رغبة ، ويعاشرهم بأحسن سيرة .
    فاعتذروا منه كثيراً على ما سلف منهم ، لكنّه قال لهم إنّه لا داعي للاعتذار ؛
    لأنّه كان ما سلف من الخدمة لهم هو ما ينبغي له وحثّ الشارع المقدّس عليه ، في
    آداب السفر ، واُمور الطريق .
    هذا نموذج من حسن السيرة الذي يلزم أن يكون عليه جميع الناس ..
    خصوصاً أصحاب العلم ، وأصحاب الوجاهة ، وأصحاب المقامات ..
    وقد كان علماؤنا الأبرار على أحسن سيرة ، وأحسن طريقة ، مع المؤمنين
    والمعاشرين .
    من ذلك ما حكي عن المرحوم كاشف الغطاء الكبير تلميذ السيّد بحر العلوم ،


    واُستاذ صاحب الجواهر ، صاحب المقام العلمي الشهري ، والدرجة المرجعيّة
    المعروفة ، حيث لُقِّب بشيخ الفقهاء ، ورئيس الإسلام ، لتضلّعه وإحاطته بفقه
    الإسلام وأحكام الشرع .
    حكي عنه قدس‌سره أنّه تأخّر يوماً عن صلاة الجماعة التي كان يُقيمها ظهراً في أحد
    المساجد الشريفة في النجف الأشرف .
    واستوجب هذا التأخير أن يقوم كلّ واحدٍ من المصلّين المأمومين فيُصلّي
    صلاة الظهر فرادىٰ ، لأنّهم يئسوا عن مجيء الشيخ .
    وفجأةً دخل الشيخ كاشف الغطاء إلى المسجد ، ورأى جمعاً من المأمومين
    يصلّون فرادىٰ ..
    فقال للباقين : أما كان فيكم رجلاً موثوقاً تصلّون خلفه ؟!
    ثمّ التفت الشيخ إلى أحد التجّار الذي كان رجلاً صالحاً موثوقاً ، وكان هو
    أيضاً يُصلّي صلاة الظهر ، فاقتدى به الشيخ واقتدى به الباقون كذلك .
    والتفت ذلك التاجر بعد الصلاة أنّ الشيخ اقتدىٰ به فخجل كثيراً ، وعرق من الخجل .
    لكن الشيخ قال له : قُم فصلِّ العصر لنقتدي بك أيضاً .
    فأبى ذلك التاجر ، فكان من الشيخ الإصرار على ذلك ، ومن التاجر الاستعفاء
    منه ، حتّى انتهى الكلام بأن قال له الشيخ : اختر أحد اثنين : إمّا أن تصلّي بنا
    العصر ، وإمّا أن تعطي مقداراً من المال للفقراء .
    فتقبّل التاجر إعانة الفقراء ، وأعفاه الشيخ عن صلاة الجماعة لتقبّله عمل الخير
    وعون المؤمنين ، فقام هو وصلّى في المحراب(1) .

    __________________________________
    (1) لاحظ : الكنى والألقاب / ج 3 / ص 83 .




    (10)
    وسُكون الرّيح
    سكونُ الريح : كناية عن الوقار ، والثبات ، وعدم التزلزل .
    يُقال : رجلٌ ساكن الريح ؛ أي وقور .
    حيث إنّ الريح مقرونة نوعاً بسرعة الحركة وموجبة للعواصف .. فيُقابل
    السرعة السكون ..
    فصار سكون الريح كناية عن سكون الإنسان ورزانته ووقاره في حوادث
    الدهر ، وتغيّرات الدنيا .
    فالرجل الوقور عند الهزاهز ، الثابت قدمه عند الحوادث ، والذي لا تحرّكه
    العواصف يسمّى : ساكن الركن .. وهو ممدوح .
    ومقابله الشخص الذي يميل مع كلّ ريح ، ويتّبع كلّ ناعق ، ويتلوّن بكلّ لون ،
    ويكون كالهمج الرعاع يسمّى : متلوّناً ومتزلزلاً .. وهو مذموم .
    وقد يعبّر بالريح عن القوّة والشخصيّة ، كما لعلّه المفسّر بها قوله تعالى :
    ( وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ )(1) .
    __________________________________
    (1) سورة الأنفال : الآية 46 .


    فيكون سكون الريح على هذا الوجه بمعنى سكون قوّة الشخص ، يعني :
    شخصيّة الرجل في الثبات وعدم التزلزل .
    فيرجع معنى سكون الريح إلى الثبات على طريق الحقّ ، والاستقامة فيه ..
    وهو ممدوح أيضاً ، بل هو مطلوبٌ شرعاً ، كتاباً وسنّةً .
    فالاستقامة على الطريقة الحقّة ، والطاعة الإلهيّة ، والمذهب المقبول ، نطق بها
    القرآن الكريم والحديث الشريف ، وذلك : ـ
    1 ـ القرآن الكريم ، في قوله تعالى : ـ ( وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم
    مَّاءً غَدَقًا )(1) .
    2 ـ الحديث الشريف ، وصيّة الإمام الصادق عليه‌السلام لعبد الله بن جُندب :
    ( يابن جُندب : لو أنّ شيعتنا استقاموا لصافحتهم الملائكة ، ولأظلّهم الغمام ،
    ولأشرقوا نهاراً ، ولأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، ولما سألوا الله شيئاً إلّا أعطاهم ...
    ثمّ قال عليه‌السلام : ـ
    يا ابن جُندب : بلّغ معاشر شيعتنا وقُل لهم : لا تذهبنَّ بكم المذاهب ، فوالله
    لا تُنال ولايتنا إلّا بالورع والاجتهاد في الدُّنيا ، ومواساة الاخوان في الله .
    وليس من شيعتنا من يظلم الناس .
    يا ابن جُندب : إنّما شيعتنا يُعرفون بخصالٍ شتّى : ـ
    بالسخاء والبذل للاخوان ، وبأن يصلّوا الخمسين ليلاً ونهاراً(2) .
    شيعتنا لا يهرّون هرير الكلب(3) ، ولا يطعمون طمع الغراب(4) ، ولا يجاورون
    __________________________________
    (1) سورة الجنّ : الآية 16 .
    (2) لعلّ الأصل الإحدى وخمسين ، وهي الفرائض اليوميّة 17 ركعة ، والنوافل الليليّة والنهاريّة 34 ركعة .
    (3) هرير الكلب : صوته من قلّة صبره على البرد ، وهو غير النباح ، ولعلّه كناية وإشارة إلى إظهار
    التضجّر والسخط ، وعدم الصبر والتحمّل .
    (4) يُضرب المَثَل بطمع الغراب ، لما ذُكر في حياته من أنّه يتبع الذئب بطمع أنّه إذا أغار على غنم قومٍ أكل
    ما فضل منه .

    لنا عدوّاً ، ولا يسألون لنا مبغضاً ولو ماتوا جوعاً .
    شيعتنا لا يأكلون الجرّي(1) ، ولا يمسحون على الخفّين ، ويحافظون على
    الزوال ، ولا يشربون مسكراً )(2) .
    والدّعاء الشريف بسكون الريح سؤالٌ بأن يثبّت الله الإنسان في حياته وقوراً
    غير متزلزل ولا متلوّن .
    فإنّ من أهمّ الاُمور الحياتيّة في حياة الإنسان ، ومن مقوّمات شخصيّة
    الواقعيّة هو أن لا يصير متلوّناً ، فيفقد قيمة الإنسانيّة ، كالذين ذكرهم التاريخ
    وذكر تلوّنهم في مرّ الزمان وحوادث الأيّام ، وتقلّبات الدهر ، فساءت عاقبتهم ،
    وفسدت دُنياهم واُخراهم ، ممّن كانوا في قديم الأيّام وحديثه .
    خُذ مثالاً لذلك بلعم بن باعوراء الذي قال عنه الله تعالى في القرآن الكريم :
    ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ )(3) .
    كان من بني إسرائيل ، من قوم النبيّ موسىٰ عليه‌السلام ، وكان يعرف الاسم الأعظم
    فيدعو به ، ويُستجاب له .
    ولمّا مرّ فرعون بجنوده في طلب النبيّ موسى عليه‌السلام وأصحابه قال فرعون لبلعهم :
    ادعُ الله على موسى وأصحابه ليحبسهم علينا حتّى نظفر بهم .
    فمالَ بلعم إلى فرعون ، وركب حماره ، متوجّهاً إلى جبلٍ يشرف على بني
    إسرائيل ، ليقف على ذلك الجبل ، فيدعو عليهم .
    فما سار إلّا قليلاً حتّى برك الحمار على الأرض ، فأقبل بلعم يضربه ، فأنطق
    __________________________________
    (1) الجرّي : بكسر الجيم وتشديد الرّاء ، هو الحيوان المائي المعروف المحرّم اللّحم ، يدعى بثعبان الماء ،
    ليس له فلس .
    (2) تحف العقول / ص 305 .
    (3) سورة الأعراف : الآية 175 .


    الله تعالى ذلك الحمار فقال لبلعم : ويلك على ماذا تضربني ؟ أتريد أن أجيء معك
    لتدعو على نبيّ الله وقومٌ مؤمنين !
    لكنّه لم يزَل يضربه حتّى قتله ظلماً وكيداً على النبيّ موسىٰ عليه‌السلام .
    فانسلخ الاسم الأعظم منه ، واندلع لسانه كما قال تعالى : ـ ( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ
    إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث )(1) .
    فلمّا رأىٰ بلعم ذلك ونظر إلى حاله احتال على بني إسرائيل ، وأمر قومَ فرعون
    أن يزيّنوا نسائهم ، ويعطونهنّ السِلَع للبيع ، ويرسلونهنّ إلى بني إسرائيل ليغترّوا
    بهنّ ، ويميلوا إليهنّ .
    وأمر أن لا تمنع امرأة نفسها ممّن يريدها ، بل تمكّن نفسها منه ، ليقعوا في
    الزنا ، يكون مصيرهم الخذلان .
    ففعلوا ذلك ، فنزل عليهم الطاعون ، وهلك منهم طائفةٌ كثيرة(2) .
    وتلاحظ أنّه كانت عاقبة بلعم بعد ذلك المقام الرفيع إلى هوّة الحضيض
    بواسطة عدم ثباته ، وعدم سكون الريحي فيه ..
    حيث إنّه بعد كونه عبداً مقرّباً إلى الله تعالى ، صار تابعاً رذيلاً لعدوّ الله فرعون ،
    ومعارضاً لنبيّ الله موسى عليه‌السلام .. وهذا تلوّن .
    وانقلب بلعم بعد أن كان عبداً صالحاً عفيفاً إلى كونه داعيةً للزنا وإفشاءه في
    الناس ، وإلقاء قوم موسى في هذا الأمر القبيح ، وهذا تزلزلٌ وتلوّن من بلعم .
    ( ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) .
    ومن أمثلة التلوّن والتزلزل وعدم سكون الريح شبث بن ربعي الذي كان من
    أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام في صفّين ، ثمّ انحرف عنه وصار مع النهروانيّين ،
    __________________________________
    (1) سورة الأعراف : الآية 176 .
    (2) لاحظ بحار الأنوار / ج 13 / ص 373 .

    وبايع الضبّ ثمّ تاب ، ثمّ رجع إلى ظلمه وحضرَ قتل الإمام الحسين عليه‌السلام .
    وهذا الشخص متلوّن لا ثبات فيه ، بل فاسقٌ لا مبدأ له .
    وقد اعترف بتلوّنه حتّى علماء العامّة عند ترجمة حاله .
    قال عنه محمّد بن بحر الشيباني : ـ ( شبث بن ربعي تابع كلّ ناعق ، ومثير
    كلّ فتنة )(1) .
    وقال عنه ابن حجر : ـ ( كان شبث مؤذِّن سجاح(2) ، ثمّ أسلم ، ثمّ كان ممّن
    أعان على قتل عثمان ، ثمّ صحب عليّاً عليه‌السلام ، ثمّ صار من الخوارج ، ثمّ تاب ، ثمّ
    حضر قتل الحسين عليه‌السلام ، ثمّ كان ممّن طلب بدم الحسين عليه‌السلام مع المختار ! ثمّ وُلّي
    شرطة الكوفة ، ثمّ حضر قتل المختار ، ومات في الكوفة في حدود الثمانين )(3) .
    ومن أمثلة التلوّن أبو هريرة الدوسي الذي صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان بمرأى
    ومسمع منه ما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ عليّ عليه‌السلام وإمامته ووصايته ومقامه وفضله .
    وهو الراوي لحديث إمامة الأئمّة الاثنى عشر عليهم‌السلام بأبلغ متونه ، وهو قوله
    صلوات الله عليه وآله : ـ
    ( الأئمّة بعدي اثنى عشر ، أوّلهم عليّ وآخرهم المهدي ، وأنّهم لم يزالوا ما دام
    هذا الدِّين باقياً .
    والذي نفس محمّد بيده لو أنّ رجلاً عبدَ الله ألف عام ، ثمّ ألف عام ما بين الركن
    والمقام ، ثمّ أتاني جاحداً لولايتهم لأكبّه الله في النار ، كائناً من كان )(4) .
    __________________________________
    (1) سفينة البحار / ج 4 / ص 368 .
    (2) سجاح : امرأة من بني تميم ، ادّعت النبوّة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتزوّجت بمسيلمة الكذّاب .
    (3) سفينة البحار / ج 4 / ص 368 .
    (4) روي الحديث الشريف بأسانيد عديدة من طرق الخاصّة والعامّة ، تلاحظها في إحقاق الحقّ / ج 13
    / ص 1 إلى ص 48 ، وغاية المرام / ص 691 / إلى ص 710 .


    وقد شهد يوم الغدير وسمع النصّ الجليّ في أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، ثمّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ
    ( اللّهُمَّ والِ مَن والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصُر مَن نصرَه ، واخذُل مَن خذلَه )(1) .
    وبالرغم من ذلك نكصَ على عقبه بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنكر فضل أمير
    المؤمنين عليه‌السلام ، وانضمّ إلى معاوية ، وصار من الذين جعل لهم معاوية أموالاً ليضعوا
    الحديث في الطعن على عليّ عليه‌السلام ، كما ذكره ابن أبي الحديد المعتزلي(2) .
    وصار بعد تلك الصحبة النبويّة ، بدل أن يتعلّم عبادة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله صار ممّن
    يلعب بالشطرنج ويقامر بالسُدّر ، كما ذكره الجزري(3) .
    وبدل أن يتعلّم الأمانة من الرسول الأمين صار ممّن اختلس أموال المسلمين
    في البحرين ، كما ذكره الزمخشري(4) . بل خان في أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتّى
    صرّح نفس علماء العامّة بكذبه وتزويره ؛ فقد أخرج الذهبي عن يزيد بن إبراهيم
    أنّه سمع شعبة بن الحجّاج يقول : ـ كان أبو هريرة مدلِّساً(5) .
    ونقل ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر الإسكافي أنّه قال : ـ كان أبو هريرة
    مدخولاً عند شيوخنا ، غير مرضيّ الرواية(6) .
    وحضر صفّين مع معاوية ، فصار يأكل مع معاوية ويصلّي خلف أمير المؤمنين عليه‌السلام .
    فسُئِلَ عن ذلك ، فقال : الصلاة خلف عليّ أتمّ ، واللّقمة مع معاوية أدسم ،
    والوقوف على الجبل أسلم .
    __________________________________
    (1) لاحظ : مجموعة الأسانيد الفائقة على التواتر من طريق الفريقين في كشف المهمّ للسيّد البحراني قدس‌سره .
    (2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد / ج 4 / ص 63 .
    (3) النهاية لابن الأثير الجزري / ج 2 / ص 354 ، ثمّ قال : والسُدَّرْ لعبة يُقامر بها ، وهي فارسيّة معرّبة .
    (4) الفائق للزمخشري / حرف الهاء / مادّة هَرَرَ .
    (5) سير أعلام النبلاء / ج 2 / ص 438 .
    (6) شرح نهج البلاغة / ج 4 / ص 67 .

    هذا هو التلوّن والتزلزل ، وعدم سكون الريح .
    تلوّنٌ فظيع يجرّ إلى الكفر والارتداد ، لأنّه إنكارٌ للحقّ بعد معرفته ، وبغيٌ على
    الإمام بعد معرفة لزوم مودّته .
    وقد رُوي أنّه سأله الأصبغ بن نباتة في محضر معاوية فقال له : ـ
    يا صاحب رسول الله ، إنّي احلفك بالله الذي لا إله إلّا هو عالم الغيب
    والشهادة ، وبحقّ حبيبه محمّد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا أخبرتني :
    أشهدتَ غديرَ خمّ ؟
    قال أبو هريرة : بلى شهدته .
    فقال الأصبغ : فما سمعته يقول في عليّ عليه‌السلام ؟
    قال أبو هريرة : سمعته يقول : مَن كنتُ مولاه فعليٌ مولاه ، اللَّهُمَّ والِ مَن والاه ،
    وعادِ مَن عاداه ، وانصُر مَن نصره ، واخذُل من خذله .
    فقال له الأصبغ : فأنت إذاً واليت عدوّه ، وعاديت وليّه .
    فتنفّس أبو هريرة الصعداء ، وقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون(1) .
    ومن عجيب التلوّن والتزلزل وعدم الثبات تزلزل الزبير بن العوّام ابن عمّة
    النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وابن عمّة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لذي هو عبرة لمن اعتبر ودرسٌ لمن تدبّر .
    حيث إنّه بعد سابقة إيمانه ، وخدمته ، وولائه لعليّ عليه‌السلام ، أصبح محارباً له وباغياً
    عليه ، ومؤجّجاً لفتنة الجمل والعمل الأرذل(2) .
    فالصحيح الحقّ ، والخُلق الأليق ، أن يكون إيمان المرء ثابتاً مستقرّاً ، ويكون
    في حياته ساكناً ، غير متزلزل .
    __________________________________
    (1) لاحظ السفينة / ج 8 / ص 672 ، وتلاحظ لمزيد معرفة حاله ووضاعته كتب الرجال .
    (2) راجع سفينة البحار / ج 3 / ص 444 .


    والمطلوب هو الإيمان المستقرّ الذي أشار إليه قوله عزّ اسمه : ـ
    ( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ )(1) .
    ويتحقّق ذلك في الإنسان بعون الله تعالى ، وببركة أهل البيت عليهم‌السلام بملازمتهم
    وعدم مفارقتهم .
    ففي حديث الإمام الرضا عليه‌السلام : ـ « مَن لزَمناه لزمناه ، ومَن فارقنا فارقناه »(2) .
    والمؤمن الحقيقي ثابت القدم في إيمانه ، ومتصلّبٌ في عقيدته .
    قال عزّ اسمه : ـ ( يُثَبِّتُ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ
    وَيُضِلُّ اللَّـهُ الظَّالِمِينَ )(3) .
    وفي حديث الإمام الباقر عليه‌السلام : ـ ( المؤمن أصلب من الجبل ، الجبل يُستقلّ منه ،
    والمؤمن لا يُستقلّ من دينه شيء )(4) .








    __________________________________
    (1) سورة الأنعام / الآية 98 .
    (2) وسائل الشيعة / ج 18 / ص 92 / باب 10 / ح 13 .
    (3) سورة إبراهيم : الآية 27 .
    (4) اُصول الكافي / ج 2 / ص 189 .

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اخلاق اهل البيت عليهم السلام Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اخلاق اهل البيت عليهم السلام   اخلاق اهل البيت عليهم السلام Emptyالإثنين أكتوبر 21, 2024 7:32 pm

    (11)
    وطيب المخالقة
    المخالقة : مفاعلة من الخُلق بضمّتين ، يعني : المعاشرة .
    يُقال : خالَقَ القوم أي عاشرهم بخلق حَسَن .
    فتكون المخالقة هنا بمعنى المعاشرة مع الناس .
    والطيب : هو الحسن الذاتي ، ويُطلق على ما هو طيّبٌ واقعاً وذاتاً ، لذلك يطلق
    على العطور بأنّها طيب ، ولا يقال للشيء المعطّر بأنّها طيب ، بل يقال : إنّه مطيّب .
    وفيها نحن فيه المعاشرة مع الناس قد تكون بسجيّة طيّبة ، وقد تكون بسجيّة
    غير طيّبة .
    وفي هذا الدّعاء الشريف عبّر الإمام عليه‌السلام بطيب المخالقة ، ولم يقل حسن
    المخالقة ، إشارة إلى طلب السجيّة الطيّبة الذاتيّة الواقعيّة ، والعلاقة الودّية
    الحقيقيّة ، فهي التي تكون حلية الصالحين ، وزينة المتّقين .
    دون العلاقة الحسنة الظاهريّة ، التي قد تكون مراوغة وحيلة إذا لم تطابق قلب
    الإنسان وباطنه ..
    فإنّك ترى أنّه قد يعاشر أحدٌ مع شخصٍ ، فيُحسن في معاشرته ويضاحكه



    ويمازحه ويلاطفه بلسانه ، مراوغةً مصانعةً ، لا حقيقة ، وهذه مخالقة غير طيّبة ،
    بل غير حسنة كما هو المنقول عن شريح القاضي الذي ضُرب به المثل في
    مراوغاته ومصانعاته فقيل :
    ( شريح أدهى من الثعلب ) .
    في قضيّةٍ ينقلها الشعبي ، وجاء ذكره في كتاب الدميري(1) .
    فالطيب من المخالقة هي التي تكون حقيقيّة واقعيّة ، ويستمرّ عليها حتّى تصير
    سجيّة ذاتيّة ، وهي المطلوبة في الدعاء الشريف .
    والاُسوة والقدوة في المخالقة والمعاشرة الطيّبة مع الناس هم أهل البيت عليهم‌السلام
    الذين طابت معاشراتهم مع الناس في جميع أدوار حياتهم ، في حكومتهم وغير
    حكومتهم ، مع أصحابهم وغير أصحابهم ، مع أوليائهم وأعدائهم ، حتّى مع خدّامهم .
    كانت معاشراتهم معهم طيّبة حقيقيّة ، وصافية صفو الماء الزلال ، وصادقةً
    صدق الحقّ الأبلج ، كما تلاحظ ذلك بوضوح في سيرتهم الغرّاء ، وحياتهم المباركة .
    ومن أمثلة ذلك : ـ
    1 ـ أمير المؤمنين عليه‌السلام ... ذهب إلى السوق ، واشترى ثوبين ، أحدهما
    بدرهمين ، والآخر بثلاث دراهم .
    فأعطى الثوب ذا الثلاث دراهم لخادمه قنبر المعاشر معه ، ولبس هو عليه‌السلام الثوب
    ذا الدرهمين .
    2 ـ الإمام الحسين عليه‌السلام .. وهب بستانه لغلامه صافي ، حتّى أنّه استأذن منه
    لدخوله هو إلى البستان .
    وهبه له لكونه غلاماً شكوراً ، ومُنفقاً من طعامه على كلب البُستان ، فأحسن
    الإمام في عشرته .
    __________________________________
    (1) حياة الحيوان / ج 1 / ص 173 .

    3 ـ الإمام الصادق عليه‌السلام .. أبطأ عليه خادمه ونام ولم ينجز ما طلبه الإمام منه ،
    فسار الإمام عليه‌السلام في طلبه فوجده نائماً ، فجلس عند رأس الخادم ، يروّح له بيده
    حتّى لا يصيبه الحرّ .
    وفي برهةٍ من الزمان كان الإمام الصادق عليه‌السلام مبعّداً إلى الحيرة(1) من قبل
    المنصور الدوانيقي الذي عادى الإمام عليه‌السلام ، محاربةً لعلمه الإلهي ، ومعارضةً لحقّه
    الشرعي ، وإغلاقاً لباب أهل البيت عليهم‌السلام الذين كانوا الأصحاب الحقيقيّين لخلافة
    الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .
    وحين وجود الإمام الصادق عليه‌السلام في الحيرة كان معه خادمه المعلّى بن خنيس .
    وفي ليلة من تلك الليالي التي كانت من ليالي الصيف ، أمر الإمام عليه‌السلام أن يُفرش له
    فراشه في الصحراء ، ليكون نومه وعبادته هناك .
    وأمرَ أن يُؤتى بسراجٍ ومركبٍ له وللمعلّى بن خنيس .
    فجيء بسراجٍ وبغلةٍ وحمار ..
    فركب هو عليه‌السلام الحمار ، وأمر المعلّى أن يركب البغل الذي هو أحسن من
    الحمار ، فذهبوا إلى الصحراء ، ثمّ ذهبوا من هناك إلى زيارة مرقد أمير
    المؤمنين عليه‌السلام ، فتلاحظ طيب عشرته مع خادمه حيث فضّله على نفسه في
    المركب إيثاراً .
    4 ـ الإمام الرضا عليه‌السلام .. كان يجلس على مائدة الطعام مع غلمانه وخَدَمه ، وهو
    سلطان الدِّين والدّنيا والآخرة .
    حتّى في حال مسموميّته وتألّمه لم يترك ذلك ، بل كان يعاشرهم بأطيب
    المخالقة ، وأفضل معاشرة .
    __________________________________
    (1) الحيرة : كانت بلدة على بُعد 5 كيلومترات من جنوب الكوفة كما في المنجد / ص 170 .


    وهكذا سائر الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام ، الذين هم أشرف خلق الله تعالى ، ترى
    أنّهم كانوا يحسنون المعاشرة الطيّبة مع جميع طبقات الخلق ، ويأمرون بحسن
    المعاشرة ، وطلاقة الوجه مع المعاشرين .
    ففي حديث الإمام الصادق عليه‌السلام قال : ـ
    قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :
    يا بني عبد المطّلب ، إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، فألقوهم بطلاقة الوجه ،
    وحُسن البُشر(1) .
    وفي حديثٍ آخر : ـ
    صنائع المعروف ، وحُسن البُشر ، يكسبان المحبّة ، ويُدخلان الجنّة .. والبخل
    وعبوس الوجه يبعّدان من الله ، ويُدخلان النار(2) .
    وعن الإمام الصادق عليه‌السلام أيضاً أنّه قال : ـ
    عليكم بالصلاة في المساجد ، وحسن الجوار للناس ، وإقامة الشهادة ،
    وحضور الجنائز ، إنّه لابدّ لكم من الناس ...(3) .
    وفي حديث أبي الربيع الشامي قال : ـ
    دخلتُ على أبي عبد الله عليه‌السلام ، والبيت غاصّ بأهله ، فيه الخراساني ، والشامي ،
    ومن أهل الآفاق .
    فلم أجد موضعاً أقعد فيه ، فجلس أبو عبد الله عليه‌السلام وكان متّكئاً ثمّ قال : يا شيعة
    آل محمّد ، إنّه ليس منّا من لم يملك نفسه عند غضبه ، ومن لم يُحسن صحبة من صَحِبَه ،
    ومخالقة مَن خالقَه ، ومرافقة مَن رافقَهُ ، ومجاورة مَن جاورَهُ ، وممالحة مَن مالحهُ .
    __________________________________
    (1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 84 .
    (2) اُصول الكافي / ج 2 / ص 85 .
    (3) اُصول الكافي / ج 2 / ص 464 .

    يا شيعة آل محمّد ، اتّقوا الله ما استطعتم ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله(1) .
    فطيب المخالقة ، وحسن المعاشرة مع الناس ، من الصفات الكريمة ،
    والخصال المباركة التي تجعلنا من شيعة آل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين .
    إذ هي من حلية الصالحين ، وزينة الأتقياء ..
    والمتّقون الصالحون هم شيعة أهل البيت عليهم‌السلام .















    __________________________________
    (1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 465 .




    (12)
    والسَّبقِ إلى الفضيلة
    السَبْق بسكون الباء هو : التقدّم ...
    يُقال : سَبَق إلى الشيء سبْقاً يعني : تقدّم إليه وخلَّفَ غيره .
    والفضيلة : مقابل الرذيلة والنقيصة .
    ومعنى الفضيلة هي الدرجة الرفيعة والمقام الرفيع .
    وكذلك ما يوجب تلك الدرجة والمقام ، كالإحسان إلى الخلق ، وإعانة
    الضعيف ، وكفالة اليتيم ، وإغاثة الملهوف ، والانتصار للمظلوم ، وإطعام الطعام ،
    ونشر العلم ، وجهاد العدوّ ، والمجاهدة مع النفس ، وإتيان اُمور الخير ، كلّ ذلك من
    موجبات الفضيلة .
    والمطلوب في هذه الفقرة من الدعاء الشريف هو ما يكون من حلية الصالحين
    وزينة المتّقين ، وهو استباقهم وحيازتهم قصب السبق في درك الفضائل ،
    والأعمال الخيريّة التي توجب الفضيلة والدرجة الرفيعة .
    والتسابق إلى مفاضل الأعمال ، وصنائع الخيرات فضلٌ محبوب ومرغوب
    رُغّب فيه شرعاً وعقلاً ، وكتاباً وسنّةً .


    قال تعالى : ـ
    ( وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى
    اللَّـهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) (1) .
    وقال عزّ اسمه : ـ
    ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَـٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ )(2) .
    وفي الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ـ
    ( مَن فُتح له بابٌ من الخير فلينتهزه ، فإنّه لا يدري متىٰ يُغلق )(3) .
    وعن الإمام زين العابدين عليه‌السلام أنّه قال : ـ
    ( إذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى الأوّلين والآخرين في صعيدٍ
    واحد ، ثمّ ينادي منادٍ أين أهل الفضل ؟
    قال : فيقوم عُنقٌ من الناس ، فتتلقّاهم الملائكة ، فيقولون : ما كان فضلكم ؟
    فيقولون : كنّا نصِلُ مَن قطَعَنا ، ونُعطي مَن حَرَمنا ، ونعفو عمّن ظَلَمنا .
    فيُقال لهم : صدقتم ، اُدخلوا الجنّة )(4) .
    وفي حديث : الإمام الصادق عليه‌السلام لعمّار : ـ
    ( يا عمّار ، أنت ربُّ مالٍ كثير ؟
    قال : نعم ، جُعلتُ فداك .
    قال عليه‌السلام ـ فتؤدّي ما افترض الله عليك من الزكاة ؟
    قال : ـ نعم .
    __________________________________
    (1) سورة المائدة : الآية 48 .
    (2) سورة الواقعة : الآية 10 و 11 .
    (3) ميزان الحكمة / ج 7 / ص 444 .
    (4) مستدرك السفينة / ج 8 / ص 233 .

    قال عليه‌السلام : ـ فتصِل قرابتك ؟
    قال : ـ نعم .
    قال عليه‌السلام : ـ فتصِل إخوانَك ؟
    قال : ـ نعم .
    فقال عليه‌السلام : ـ يا عمّار ، إنّ المال يَفنىٰ ، والبدن يَبلىٰ ، والعمل يبقىٰ ، والديّان حيٌّ
    لا يموت .
    يا عمّار : إنّه ما قدّمت فلن يسبقك ، وما أخّرتَ فلن يلحقَك )(1) .
    وفي حديثه الآخر : ـ
    ( أيّما مؤمن أوصل إلى أخيه المؤمن معروفاً فقد أوصل ذلك إلى رسول
    الله صلى‌الله‌عليه‌وآله )(2) .
    والمثلُ الأعلى ، والقدوة الأسمىٰ في السّبق إلى الفضائل هم أهل البيت عليهم‌السلام ،
    وفيهم نزل قوله تعالى : ـ ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَـٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) »(3) .
    فهم عليهم‌السلام سبقوا الناس في جميع الفضائل منذ أوّل خلقهم في عالم الذرّ ، إلى
    آخر حياتهم في عالم الدُّنيا ...
    وهم السابقون إلى الله تعالى في الدُّنيا والآخرة ..
    سبقوا إلى الجواب ببلىٰ ، عند سؤاله تعالى : ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) في الذرّ .
    وسبقوا إلى الخيرات في الدُّنيا .
    وسبقوا إلى الجنّة في الآخرة .
    ومَن غير عليّ عليه‌السلام كان سبّاقاً إلى الفضائل ؟!
    __________________________________
    (1) الكافي / ج 4 / ص 27 / ح 7 .
    (2) الكافي / ج 4 / ص 27 / ح 8 .
    (3) تفسير الصافي / ج 5 / ص 120 ، وإحقاق الحقّ / ج 3 / ص 114 .


    أليس كان هو السابق إلى الإسلام ، وكان إسلامه عن فطرة ، وإسلام الناس
    عن كفر(1) ؟
    ألم يكن هو السابق إلى تفدية نفسه المباركة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ليلة المبيت بين
    أربعمائة سيف من المشركين ؟
    وهل غيره سبق إلى الجهاد في سبيل الله ، والجُهد في طاعة الله ، والاجتهاد في
    عبادة الله ؟
    ولقد أجاد كافي الكفاة الصاحب بن عبّاد في وصف أمير المؤمنين عليه‌السلام في نثره
    وفي شعره .
    قال في النثر الذي وصف به عليّاً وذكر نسبته إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ
    ( صنوه الذي واخاه ، وأجابه حين دعاه ، وصدّقه قبل الناس ولبّاه ، وساعده
    وواساه ، وشيّد الدِّين وبناه ، وهَزَم الشرك وأخزاه ، وبنفسه على الفراش فداه ،
    ومانَع عنه وحماه ، وأرغَمَ من عانده وقلاه ، وغسله وواراه ، وأدّىٰ دَينه وقضاه ،
    وقام بجميع ما أوصاه ، ذاك أمير المؤمنين لا سواه )(2) .
    وقال في شعره في غديريّته المعروفة في مدح أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنشدها
    كمحاورةٍ سُئل فيها فأجاب في 25 بيتاً : ـ
    قالت : فَمَنْ صاحبُ الدِّين الحنيف أجِب ؟
    فقلتُ : أحمدُ خيرُ السّادةِ الرُّسلِ

    قالت : فَمَنْ بعدَه تُصفي الولاءُ له ؟
    قلت : الوصيّ الذي أربىٰ على زُحلِ

    قالت : فَمَنْ باتَ مِن فَوق الفراشِ فَدىٰ ؟
    فقلت : أثيتُ خلقِ اللهِ في الوَهَلِ

    __________________________________
    (1) سُئل بعض العلماء : متى أسلم عليّ عليه‌السلام ؟
    فأجاب : ومتىٰ كفر ؟ حتّى يكون أسلم ، إنّه جدّد الإسلام .
    فهو عليه‌السلام وُلد على الإيمان وفطرة الإسلام ودين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجدّده في البعثة .
    (2) الكنى والألقاب / ج 2 / ص 368 .

    قالت : فَمَنْ ذا الذي آخاهُ عن مِقةٍ ؟
    فقلت : من حاز ردَّ الشمس في الطفلِ

    قالت : فَمَنْ زُوَّج الزّهراء فاطمة ؟
    فقلت : أفضلُ مَن حافٍ ومُنتعلِ

    قالت : فَمَنْ والدُ السبطين إذ فَرَعا ؟
    فقلت : سابقُ أهلِ السَبق في مَهَلِ

    قالت : فَمَنْ فاز في بَدرٍ بمعجزها ؟
    فقلت : أضربَ خلقِ الله في القُللِ

    قالت : فَمَنْ أسَدُ الأحزاب يفرسها ؟
    فقلت : قاتلُ عمروِ الضيغمِ البطلِ

    قالت : فيومُ حُنين مَن فَرا وبَرا
    فقلت : حاصدُ أهلِ الشِّركِ في عجلِ

    قالت : فَمَنْ ذا دُعي للطّير يأكله ؟
    فقلت : أقربُ مَرضيٍّ ومُنتحِلِ

    قالت : فَمَنْ تِلْوُه يومَ الكساء أجِب ؟
    فقلت : أفضلُ مَكسوٍ ومُشتمِلِ

    قالت : فَمَنْ سادَ في يوم «الغدير » أَبِنْ ؟
    فقلت : مَن كان للإسلام خيرُ وليّ

    قالت : فَفي مَن أتى في هل أتى شَرَفٌ ؟
    فقلتُ : أبذلُ أهلِ الأرض للنُفَلِ

    قالت : فمَنْ راكعٌ زكّىٰ بخاتمه ؟
    فقلت : أطعنهم مُذ كان بالاُسُلِ

    قالت : فمَنْ ذا قسيمُ النار يُسهُمها ؟
    فقلت : مَن رأيُه أذكىٰ من الشُّعلِ

    قالت : فمَنْ باهَلَ الطّهرُ النبيُّ به ؟
    فقلت : تاليه في حِلٍّ ومُرتحِلِ

    قالت : فمَنْ شِبْهُ هارونٍ لنعرِفُه ؟
    فقلت : مَن لم يُحِلْ يوماً ولم يزلِ

    قالت : فمَنْ ذا غدا بابَ المدينة قُل ؟
    فقلت : مِن سألوهُ وهو لم يَسلِ

    قالت : فمَنْ قاتَلَ الأقوامَ إذ نكثوا ؟
    فقلت : تفسيرُه في وقعةِ الجملِ

    قالت : فمَنْ حارَبَ الأرجاسَ إذ قَسَطوا ؟
    فقلت : صفّين تُبدي صفحةَ العملِ

    قالت : فمَنْ قارَعَ الأنْجاسَ إذ مَرَقوا ؟
    فقلت : معناه يومَ النّهروان جَلي

    قالت : فمَنْ صاحبَ الحوضِ الشريف غداً ؟
    فقلت : مَن بيتُهُ في أشرف الحُللِ

    قالت : فمَن ذا لواءَ الحمدِ يحملُه ؟
    فقلت : مَن لم يكن في الرّوع بالوَجِلِ

    قالت : أكلُّ الذي قد قلتَ في رجلٍ ؟
    فقلت : كلُّ الذي قد قلتُ في رجلِ

    قالت : فمَنْ هو هذا الفردُ سِمْهُ لنا ؟
    فقلتُ : ذاكَ أميرُ المؤمنينَ عليّ(1)

    __________________________________
    (1) الغدير / ج 4 / ص 40 .


    وهذه الدراسة تعطينا أنّ السبق إلى الفضيلة من مفاخر صفات الصالحين
    وسجايا المتّقين ، المحبوبة عند ربّ العالمين ، والشرع المبين ، ومن موجبات
    عظيم الأجر والثواب في يوم الدِّين ..
    كلّ هذا مضافاً إلى نتائجه الحسنة في نفس هذه الحياة الدُّنيا ، فإنّ السبق إلى
    الفضائل من صنائع المعروف التي تدفع مصارع السوء ، وتحفظ الإنسان من
    البلايا العظيمة كما هو المجرّب المحسوس في قضايا المحسنين .
    من ذلك ما حدّث بعض السادة الأجلّاء الثقات ما مضمونه : ـ
    أنّه كان في بعض البلاد المقدّسة شخصٌ مؤمنٌ صالح ، وكان رجلاً تاجراً متمكِّناً
    ثريّاً ، يحبّ الخير ، ويصنع الخير لمن يعرفه ومَن لا يعرفه ، خصوصاً الزائرين .
    رأى في بعض الأيّام أحد زوّار ذلك البلد المقدّس لم يحصّل على فندقٍ أو
    محلّ مسكنٍ يسكنه في مدّة زيارتهم هو وعائلته .
    وكانت تلك الزيارة أوّل زيارتهم لذلك البلد المقدّس الذي لم يعرف فيه أحداً
    ولم يتعرّف على أحد .
    وكانوا قد جلسوا علىٰ رصيفٍ في الطريق ينتظرون الحصول على غرفةٍ فارغة .
    فصادفهم هذا التاجر المؤمن ، وسألهم : لماذا أنتم جالسون هنا ؟
    قالوا : ننتظر الحصول على مكانٍ نستأجره ونسكنه .
    فقال لهم : ـ لي بيتٌ واسع ، ومكانٌ مناسب ، ودارٌ مفروشة مع وجبات الطعام .
    ففرحوا وأجابوا بالقبول ، بعنوان أن يسكنوا في بيته ، ثمّ يعطون له الاُجرة
    التي تدفع إلى الفنادق للسكن والطعام ، ظنّاً منهم أنّ بيته معدّ لإيجار الزائرين .
    فذهب بهم ذلك التاجر إلى بيته ، وأكرمهم غاية الإكرام ، وبقوا عنده عشرة
    أيّام ، يخدمهم فيها بالإطعام والإكرام ، بغاية الحفاوة والاحترام .
    وحينما أرادوا الانصراف والرجوع إلى وطنهم حضّروا له النقود ، لدفع ثمن


    الإيجار والوجبات الغذائيّة ، لكنّه لم يقبل منهم أيّ مال ، وأدنى نقود .
    وبالرغم من أنّهم أصرّوا عليه كثيراً بالقبول ، لم يستجب لهم ذلك ، وأجابهم
    بأنّي آخذ ثمن الإيجار والخدمة من الإمام عليه‌السلام بأكثر ممّا آخذه منكم ، فليطيب
    خاطركم بذلك .
    فتشكّروا منه ، وودّعوه راجعين إلى بلدهم .
    ومضت على ذلك الأيّام والسنين ، ثمّ إنّ ذلك التاجر حدثت له مشكلة
    سياسيّة أدّت إلى أن يُسجن ، ويحتمل عليه الإعدام ..
    واُجريت عليه لقاءات مع المسؤولين ، وسؤال وجواب ، ورتّبت له ملفّات
    شدّدت عليه الأمر .
    وفي آخر الأمر جاء عنده في السجن أحد المسؤولين الكبار الذي كانت له
    درجة عسكريّة رفيعة ، وبيده ملفّةٌ كبيرة تخصّني .
    فنظر إليَّ مليّاً ، ثمّ سألني ألست أنت الحاجّ فلان ، من أهل مدينة كذا ،
    وتسكن دار كذا ، في محلّة كذا ؟
    وأنا في كلّ المسائل اُجيبه بنعم ، وتخيّلت أنّه يعرف هذه الخصوصيّات من
    الأسئلة التي طُرحت عليَّ سابقاً ..
    لكنّه قال لي : ـ أتعرفني ؟
    قلتُ في دهشةٍ : لا مع الأسف .
    فرفع قُبّعته العسكريّة ، وقال : هل عرفتني الآن ؟
    قلت : ملامحكم مأنوسة عندي ، مَن أنتم ؟
    قال : أنا ذلك الشخص الذي نزلتُ مع عائلتي عندك في سنة كذا ، وبقيتُ في
    بيتك عشرة أيّام ، استضفتني فيها بكلّ كرامة .
    ثمّ قال : هذه ملفّة إضبارتك التي تنتهي بإعدامك ، لكن أنا اُمزّقها ، واُسقط



    حكم الإعدام قِبال ذلك العطف والإكرام ، فمزّقها أمامي وحكم بتسريحي .
    فنجوت من الإعدام والسجن بفضل السبق إلى ذلك العمل الخيري الذي
    عملته أنا محبّةً للإمام عليه‌السلام وزائريه .

    (13)
    وإيثار التفضّل
    الإيثار : هو التقديم والاختيار على النفس .
    قال تعالى : ـ ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) أي يقدّمون عليها .
    ويُقال : آثرتُ ذلك أي اخترته ، وفضّلته ، وقدّمته .
    والتفضّل : هو الابتداء بالإحسان .
    فإنّ صنع المعروف والفعل الحَسَن قد يكون جزاءً وهو الإحسان ..
    وقد يكون تطوّلاً وابتداءً به وهو التفضّل ، ومنه المواساة .
    فالتفضّل هو الابتداء بالإحسان ، وابتداء المعروف .
    ومن حلية الصالحين وزينة المتّقين أنّهم يقدّمون غيرَهم على أنفسهم
    ويبتدئون بالفضل والإحسان .
    وهو مرغوبٌ وممدوح كتاباً وسنّةً .
    أمّا الكتاب فقوله تعالى : ـ
    ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ
    هُمُ الْمُفْلِحُونَ )(1) .
    __________________________________
    (1) سورة الحشر : الآية 9 .


    وقد أجمع الفريقان في أحاديثهم أنّها نزلت في الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام
    وأهل بيته سلام الله عليهم(1) .
    ففي حديث شيخ الطائفة الطوسي مسنداً أنّه جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فشكا
    إليه الجوع .
    فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بيوت أزواجه ..
    فقُلن : ما عندنا إلّا الماء .
    فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من لهذا الرجل الليلة ؟
    فقال عليّ عليه‌السلام : أنا له يا رسول الله ، وأتى فاطمة عليها‌السلام وقال لها : ـ
    هل عندك يا بنتَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شيء ؟
    فقالت : ما عندنا إلّا قوت العشيّة ، لكنّا نُؤثِر ضيفنا .
    فقال : يا ابنة محمّد نوّمي الصبية ، واطفئي المصباح .
    فلمّا أصبح عليّ عليه‌السلام غدا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخبره الخبر ، فلم يبرح حتّى
    أنزل الله تعالى : ـ ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ
    فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) »(2) .
    وأمّا السنّة ، فيستفاد فضل الإيثار والمواساة في أحاديث بابه مثل : ـ
    1 ـ حديث المفضّل قال : كنتُ عند أبي عبد الله عليه‌السلام فسأله رجلٌ : في كم تجب
    الزكاة من المال ؟
    فقال له : الزكاة الظاهرة أم الباطنة تريد ؟
    فقال : اُريدهما جميعاً .
    فقال : أمّا الظاهرة ففي كلّ ألف خمسة وعشرون درهماً .
    __________________________________
    (1) كنز الدقائق / ج 13 / ص 175 ، وإحقاق الحقّ / ج 9 / ص 144 .
    (2) أمالي شيخ الطائفة / ص 188 .

    وأمّا الباطنة فلا تستأثر على أخيك بما هو أحوج إليه منك(1) .
    2 ـ حديث السعداني عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في قوله تعالى : ـ
    ( فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ )(2) .
    قال عليه‌السلام : ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ قال الله عزّ وجلّ : ـ
    لقد حقّت كرامتي ـ أو مودّتي ـ لمن يراقبني ، ويتحابّ بجلالي ..
    إنّ وجوههم يوم القيامة من نور ، على منابر من نور ، عليهم ثيابٌ خُضر .
    قيل : مَن هم يا رسول الله ؟
    قال : قومٌ ليسوا بأنبياء ، ولا شهداء ، ولكنّهم تحابّوا بجلال الله ، ويدخلون
    الجنّة بغير حساب ، نسأل الله أن يجعلنا منهم برحمته(3) .
    3 ـ حديث الطبرسي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : ـ
    اُتيَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأسيرين ـ يهوديّين مستحقّين للقتل ـ فأمر النبيّ بضرب
    عنقهما ، فضُرب عنق واحدٍ منهما ، ثمّ قُصد الآخر .
    فنزَلَ جبرئيل فقال : ـ يا محمّد ، إنّ ربّك يقرؤوك السلام ، ويقول : ـ لا تقتله ،
    فإنّه حسن الخلق سخيُّ قومه .
    فقال اليهودي تحت السيف : هذا رسول ربّك يخبرك ؟
    فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم .
    قال : والله ما ملكتُ درهماً مع أخ لي قطّ ، ولا قطبتُ وجهي في الحرب ، وأنا
    أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّك محمّد رسول الله .
    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 74 / ب 28 / ص 396 / ح 24 .
    (2) سورة غافر : الآية 40 .
    (3) بحار الأنوار / ج 74 / ب 28 / ص 396 / ح 25 .


    فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا ممّن جرّه حسنُ خلقه وسخاؤه إلى جنّات نعيم(1) .
    وعليه فالإيثار والمواساة فضيلة ممدوحة ، وخليقة طيّبة ، بدليل الكتاب والسنّة .
    وأهل البيت عليهم‌السلام هم القدوة في إيثار التفضّل ، والابتداء بالفضل والإحسان
    إلى الغير .
    وقد آثروا على أنفسهم ثلاثة أيّام في سبيل الله مسكيناً ويتيماً وأسيراً ،
    لا يريدون بذلك منهم جزاءً ولا شكوراً ، إلّا رضا الله تعالى ، فخصّهم الله بسورة
    الدهر ، كما تلاحظه في جميع تفاسير الفريقين .
    ودراسة موجزة في إنفاقاتهم تعطيك صورة واضحة عن أنّهم كانوا قمّة الخلق
    في الإيثار والمواساة .
    من ذلك ما تقرأه في باب إنفاقات أمير المؤمنين عليه‌السلام (2) .
    كإيثاره بالتصدّق بجميع أمواله ، ووقف عيون ماءه ، وتخصيص حوائطه وبساتينه
    للفقراء والمساكين ، ولم يدّخر لنفسه ديناراً ولا درهماً ، ولا حطاماً من حطام الدُّنيا .
    قال أبو الطفيل : رأيت عليّاً عليه‌السلام يدعو اليتامى فيطعمهم العسل ويلعقهم ذلك ،
    حتّى قال بعض أصحابه : لوددتُ أنّي كنتُ يتيماً .
    في حين لم يشبع هو من خبز الشعير ، ولم يأكل خبز البُرّ ، وكان إدامُه الملح
    فقط ، وربما ائتدم باللبن الحامض كما في حديث سويد بن غفلة .
    وكان يقول : ـ ( أَ أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَلاٰ أُشَارِكُهُمْ فِي
    مَكَارِهِ الدَّهْرِ ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ ، وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ
    لاٰ طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ وَلاٰ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ )(3) .
    __________________________________
    (1) مشكاة الأنوار / ص 231 .
    (2) لاحظ بحار الأنوار / ج 41 / ص 24 / باب إنفاقات أمير المؤمنين عليه‌السلام .
    (3) نهج البلاغة / الكتاب 45 .

    وحقّاً أنّه ليس ولم يكن في تاريخ العالم حاكمٌ مثل أمير المؤمنين عليه‌السلام . وكذا
    جميع أهل البيت عليهم‌السلام كانوا متفضّلين ، ومؤثّرين على أنفسهم بالتفضّل لجميع
    الناس ، و « بيُمنهم رُزق الورىٰ » .
    وعظماء الشيعة وأخيارهم وعلماؤهم جَرَوا على هذه الخصلة الفاضلة ،
    وتعلّموا من أئمّتهم وسادتهم ، إيثار الفقراء والمحتاجين على أنفسهم ، والتفضّل
    إليهم ، فنالوا بذلك أعظم الأجر ، وأرقىٰ درجات الفخر .
    خُذ نموذجاً منهم : محمّد بن أبي عمير الأزدي رضوان الله تعالى عليه .
    كان له على رجلٍ عشرة آلاف درهم ، فذهب ماله ـ أي مال ذلك الرجل ـ وافتقر .
    فجاء الرجل وباع داره بعشرة آلاف درهم ، وحملها إليه ، فدقَّ عليه الباب ،
    فخرج إليه محمّد بن أبي عمير رحمه الله تعالى ..
    فقال له الرجل : هذا مالُك الذي لك عليَّ فخذه .
    فقال ابن أبي عمير : فمن أين لك هذا المال ، ورثتَه ؟
    قال : لا .
    قال : ـ وُهبَ لك ؟
    قال : ـ لا ، ولكنّي بعتُ داري الفلاني لأقضي دَيني .
    فقال ابن أبي عمير : حدّثني ذريح المحاربي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : ـ
    لا يخرج الرجل عن مسقط رأسه بالدِّين .
    إرفعها ، فلا حاجة لي فيها ، والله إنّي محتاج في وقتي هذا إلى درهم ، وما
    يدخل ملكي منها درهم »(1) .
    وهذا غاية الإيثار والمواساة في سبيل الله وإطاعة لحكم الإمام الصادق عليه‌السلام
    __________________________________
    (1) الكُنى والألقاب / ج 1 / ص 191 .


    الذي هو حكم الله تعالى ، من هذا الرجل الجليل والورع التقيّ الذي كان من
    أثرياء الشيعة في بغداد لكن اُخذ وحبس لتشيّعه ، فأصابه الجهد والضيق العظيم
    من ذلك ، واُخذ كلّ شيء كان له بأمر المأمون العبّاسي ، وضُرب مائة خشبة .
    وبالرغم من حاجته الماسّة هذه تراه يؤثِر المؤمنين على نفسه ، ويقدّم حاجة
    أخيه على حاجته .
    والنموذج الآخر من الإيثار ، إيثار الشيخ الأعظم الأنصاري قدس‌سره :
    آثر تلك المرأة المؤمنة الأرملة على نفسه ، وهو في غاية الاحتياج إلى المال
    في حياته ، في قضيّته المعروفة التي حدّث بها بعض الأعاظم : ـ
    فإنّه في أوّل شبابه ، ولعلّه في سنّ العشرين أو قبل العشرين من عمره ، جاء
    إلى كربلاء المقدّسة لحضور درس شريف العلماء أعلى الله مقامه الذي كان
    يحضره ألف تلميذ ، وفيهم المجتهدون .
    وكان الشيخ الأنصاري في تلك الأيّام يعيش في فقر مالي ، وأزمةٍ اقتصاديّة
    شديدة ، مع أنّ غداءه وعشاءه لم يكن أزيد من خبزٍ ولبن ، أو خبز وتمر ، أو خبز
    وملح ، وبالرغم من ذلك لم يكن له من المال ما يتكفّل بهذا الطعام ، وهذا المقدار
    من الغذاء .
    ففكّر أن يشتغل ويكتسب في بعض ساعات نهاره بشكلٍ لا يزاحم دروسه ، علماً
    بأنّ التكسّب والعمل للعيش مفخرةً للمؤمن ، ولا عيب فيه للمرء ، بل هو عزّةً له ،
    لذلك عبّر الإمام الصادق عليه‌السلام لمن تأخّر عن محلّ عمله وقال له : ـ ( اُغذُ إلى عزّك ) .
    ولذلك جمع الشيخ الأنصاري مقداراً من الأقفال التي لا مفتاح لها ، ومقداراً
    من المفاتيح التي لا قفل لها بثمنٍ زهيد ، لأنّها سلعة ناقصة .
    وكانت تلك الأقفال والمفاتيح آنذاك تُصنع باليد ، وقد يضيع من أحدٍ مفتاحه
    فيحتاج إلى مفتاح يرهم لقفله ، أو يضيع قفله فيحتاج إلى شراء قفلٍ يناسب


    مفتاحه ، فصمّم أن يبيع ما يحتاج إليه الناس من الأقفال والمفاتيح فيربح فيها
    ويسدّ حاجته .
    فاتّخذ لنفسه بساطاً ، وبسّط سلعته في مدخل صحن الإمام الحسين عليه‌السلام في المدخل ،
    وجعل يبيع بمقدار ما يحصّل به قوت ذلك اليوم ، ثمّ يجمع بساطه ، ويذهب إلى دروسه ،
    وهو آنذاك في أوّل شبابه ، ولم يكن معروفاً بالشيخ ، بل كان يُدعىٰ : مرتضى .
    واتّفق في ذلك الوقت أنّ جمعاً من طلبة النجف الأشرف كانوا يسعون في
    الحصول على طريقٍ يصلون إلى خدمة مولانا صاحب الزمان أرواحنا فداه ،
    وجعلوا يواصلون الذهاب إلى مسجد السهلة ومسجد الكوفة شوقاً إلى لقائه ،
    ويتوسّلون ويتضرّعون إلى الله تعالى لأجل ذلك ، لكن لم ينتج لهم هذه الاُمنية
    السعيدة ، ولم يحصل لهم توفيق التشرّف واللّقاء الميمون .
    نعم ، النتيجة التي حصلوها هي أنّه أخبرهم أحد الصلحاء الأتقياء أنّ الإمام
    الحجّة عليه‌السلام في اليوم الفلاني ، وفي الوقت الكذائي ، يتواجد في صحن جدّه
    الإمام الحسين عليه‌السلام .
    ففرحوا بذلك ، وتحيّنوا الفرصة ، واستعدّوا لذلك ، وذهبوا بكلّ شوق في ذلك
    اليوم إلى كربلاء ، وحضروا صحن الإمام الحسين عليه‌السلام ، يتصفّحون الوجوه ،
    ويتفحّصون فيمن يناسب نور وجهه وسيماءه أن يكون هو المولى الإمام المنتظر
    عجّل الله تعالى فرجه الشريف .
    فوصلوا إلى بساط الشيخ الأنصاري في مدخل الصحن الشريف ، ورأوا أنّ
    شخصاً محترماً وجيهاً نورانيّاً ، يجذب سيماء وجهه القلوب ، جالساً عند الشيخ
    الأنصاري ، والشيخ جالسٌ بكمال التأدّب والاحترام ، فجلب نظرَهم هذا المنظر
    اللطيف ، ووقفوا بدون اختيار ينظرون بشوقٍ إلى هذا السيماء الوجيه .
    وفي هذه الأثناء ، وبينما هم كذلك ، جاءت إلى الشيخ الأنصاري امرأة



    تريد شراء قفلٍ منه .
    وقالت : إنّي أرملة ، ولي أولاد أيتام ، وليس لنا ما نصرفه في شراء الطعام
    سوى هذا القفل الذي لا مفتاح له ، فاشتره منّي بثمنٍ جيّد ، حتّى أصرف ثمنه في
    شراء طعامٍ للأيتام .
    فأخذ الشيخ القفل ونظر إليه ، ثمّ قال للمرأة : يا مؤمنة هذا القفل وحده يسوى
    فلس ، وأنا أرهّم له مفتاحاً يسوى بفلس أيضاً ، فإذا كمل القُفل ، أنا أشتريه منك
    بخمس فلوس ، كثمن أحسن وأكثر حتّى تستعيني به على أيتامك .
    فاشترى منها الشيخ ذلك ، وأعطاها خمس فلوس ، وهو أحسن ثمنٍ لذلك القفل .
    تحمّل الشيخ هذا الثمن ، مع أنّه كان يمكنه أن يشتري ذلك القفل منها بفلسٍ
    واحد ويربح هو ضمناً ، لكنّه صنع هذا إنصافاً منه مع تلك الأرملة ، وإعانةً منه
    لاُولئك الأيتام ، وإيثاراً لغيره على نفسه .
    فأخذت الأرملة ذلك المبلغ ، وانصرفت رائحةً ، واُولئك الطلبة واقفون
    وينظرون جيّداً إلى هذه القضيّة المحسنة .
    وفي هذا الحين قام ذلك الشخص الجليل المحترم ، وودّع الشيخ الأنصاري ،
    والتفت إلى هؤلاء الطلبة وقال لهم بلهجتهم : ـ
    ( صيروا مثل هذا ، صاحب الزمان هو يجي عِدكم ) وانصرف ، وغاب عنهم .
    وهؤلاء الطلبة التفتوا فجأةً إنّ هذا الشخص المحترم من أين كان يعرف إنّا
    نبحث عن صاحب الزمان عليه‌السلام ونريد لقاءه ، ونحن لم نقل له ما كنّا ننويه .
    فأسرعوا إلى جهة مسيره في الصحن المقدّس فوراً ، واجتهدوا في طلبه فلم يجدوه .
    ونحن نلاحظ أنّ هذا الإيثار من الشيخ كان عملاً محبوباً عند الله تعالى ،
    ومرضيّاً عند أهل البيت عليهم‌السلام ، وموجباً لفوز التشرّف بالتوفيق الأمثل ، ولقاء بقيّة
    الله تعالى بالنحو الأفضل .. رزقنا الله ذلك .

    (14)
    وترك التعيير
    التعيير : تفعيل من العار .. والعار هو كلّ شيء يلزم منه مهانةٌ على الشخص
    بواسطة ارتكاب ذلك الشيء .
    يُقال : عيّرته بكذا ، أي نسبته إلى العار فيه ، وهو من التنقيص .
    والتعيير صفةٌ مذمومة ، تستلزم إهانة المؤمن ، وإسقاط كرامته ، حتّى تعييره
    بالذنب الذي ارتكبه سرّاً ولم يتجاهر به .
    ومن الذي يخلو من الذنب والعيب حتّى يعيّر غيره ؟
    لذلك ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : ـ
    قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ مَن عيّر مؤمناً بذنبٍ لم يمت حتّى يركبه(1) ، فالعيوب
    الخَلقيّة والبدنيّة لا يجوز التعيير فيها كما هو واضح .
    فإنّه غيبة مؤمنٍ إن كان غائباً ، وإهانته إن كان حاضراً ، وكلاهما من
    المعاصي الكبيرة .
    والعيوب الأخلاقيّة والشرعيّة إنّما يحسن النُصح فيها للمذنب ، وهو الذي
    __________________________________
    (1) يُقال : ركب هذا الأمر يعني ارتكبه وفَعَلَهُ .


    يكون مفيداً ومؤثّراً فيه ، دون التعيير والتشهير ، حتّى يُهان المؤمن ، ويحدث فيه
    العناد واللّجاج .
    وحتى النقائص الاحكاميّة في الناس يحسن الإلطاف في بيانها ، وتعليمها ،
    لتكون النتيجة أفضل وأمثل .
    وما أجمل وضوء الإمامين الهمامَين الحسن والحسين عليهما‌السلام في قضيّة تعليم
    ذلك الرجل الكبير الذي لم يُحسن الوضوء .
    حيث توضّئا أمامه بحجّة أن يحكم ذلك الرجل أنّ أيّهما أحسن وضوءاً .
    فانتبه الرجل إلى صحّة وضوء أولاد الرسول ، ونقصان وضوءه هو ، فصحّح
    وضوء نفسه ، وحسّن وضوء الحسنين عليهما‌السلام .
    فمن حيلة الصلحاء ، وزينة الأتقياء ترك التعيير .
    بل هو من مقوّمات الصلاح والتقوى ، إذا كان التعيير إهانة وإذلالاً للمؤمن ،
    وقد وردت الأحاديث المتظافرة في المنع عن إذلال المؤمن وتحقيره ، من ذلك : ـ
    1 ـ حديث الإمام الصادق عليه‌السلام : ـ
    ( قال الله عزّ وجلّ : ليأذنَ بحربٍ منّي من أذلَّ عبدي المؤمن ، وليأمن غضبي
    من أكرم عبدي المؤمن )(1) .
    2 ـ حديث الإمام الرضا عن آبائه عليهم‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ـ
    ( مَن أذلَّ مؤمناً أو حقّره وقلّة ذات يده شهره الله على جسر جهنّم
    يوم القيامة )(2) .
    3 ـ حديث تفسير القمّي في قوله تعالى : ـ
    ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن
    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 75 / ص 145 / ب 56 / ح 12 .
    (2) بحار الأنوار / ج 75 / ص 143 / ب 56 / ح 5 .

    نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ )(1) .
    فإنّها نزلت في صفيّة بنت حييّ بن أخطب ، وكانت زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛
    وذلك أنّ عائشة وحفصة كانتا تُؤذيانها ، وتشتمانها ، وتقولان لها : يا بنت اليهوديّة .
    فشكت ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .
    فقال لها : ألا تجيبينهما ؟
    فقالت : ماذا يا رسول الله ؟
    قال : ـ قولي أبي هارون نبيّ الله ، وعمّي موسىٰ كليم الله ، وزوجي محمّد
    رسول الله ، فما تُنكران منّي ؟!
    فقالت لهما ـ ذلك ـ ، فقالتا : هذا علّمك رسول الله ، فأنزل الله في ذلك : ( يَا أَيُّهَا
    الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ... )(2) .
    فالصّلحاء والمتّقون يتركون التعييب ، ويرفعون العيب ويزيلونه بأحسن
    تعليم ، وأجلّ تكريم ، ولا يعيّرون الناس ، بل يرشدونهم إلى التنزّه عن العيوب ،
    وترك الذنوب ، ويسألون الله تعالى توفيقهم وتوبة المخطئين منهم ، كما في وصيّة
    سيّدنا ورئيس مذهبنا الإمام الصادق عليه‌السلام لعبد الله بن جندب(3) ، جاء فيها : ـ
    ( ياابن جُندب ، لا تقُل في المذنبين من أهل دعوتكم ـ أي المؤمنين ـ إلّا
    خيراً ، واستكينوا إلى الله في توفيقهم ، وسلوا التوبة لهم .
    فكلّ من قَصَدَنا وتولانا ، ولم يوالِ عدوّنا ، وقال ما يعلم ، وسكت عمّا لا يعلم
    أو أشكل عليه ، فهو من الجنّة )(4) .
    __________________________________
    (1) سورة الحجرات : الآية 10 ـ 11 .
    (2) بحار الأنوار / ج 75 / ص 144 / ب 56 / ح 10 .
    (3) لاحظ وصيّة الجامعة المباركة في البحار / ج 78 / ص 279 .
    (4) بحار الأنوار / ج 78 / ص 280 .


    ثمّ إنّ للتعبير أثره السيء في الدُّنيا ـ مضافاً إلى عقوبة الآخرة ـ وهو الابتلاء
    بنفس ذلك العيب الذي عيّر به ، كما صرّح به في الحديث النبويّ المتقدّم ،
    وشواهده في العالم كثيرة ، وفيها العِظة والعِبرة .

    (15)
    والإفضال على غير المستحقّ
    هذا معطوف على قوله عليه‌السلام : ترك التعيير ، فالمعنى : ترك الإفضال على غير المستحقّ .
    والإفضال : هو التفضّل والابتداء بالإحسان .
    يقال : أفضل عليه إفضالاً ، وكذا تفضّل عليه تفضّلاً : أي تطوَّل عليه ، وأحسَنَ
    إليه ابتداءً .
    وغير المستحقّ : هو من لا يستوجب الإفضال والإحسان إليه ، بواسطة عدم
    أهليّته له ، أو عدم حصول أهليّة له بالإحسان إليه ، بواسطة كونه فاسداً .
    فإنّ الابتداء بالإحسان إلى هكذا شخص تبذيرٌ للمال ، وإسرافٌ فيه ، وهو
    مذموم ، وقد ينجرّ إلى فساد هذا الشخص ، أو فساد عمله ، أو ترويج عملٍ فاسدٍ
    في المجتمع .
    ومن الصفات الحسنة في الصالحين والمتّقين أنّه يكون إفضالهم وإحسانهم
    إلى مستحقّي ذلك واللّائقين له .
    فلا يسرفون بإهدار أموالهم في الموارد غير المناسبة ..
    ومن طرفٍ آخر لا يبخلون بأموالهم في المستحقّين والموارد المناسبة ..


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اخلاق اهل البيت عليهم السلام Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اخلاق اهل البيت عليهم السلام   اخلاق اهل البيت عليهم السلام Emptyالإثنين أكتوبر 21, 2024 7:33 pm

    بل هم النمط الأوسط ، بعيدون عن الإفراط والتفريط ، معتدلون في الإنفاق ،
    يكون إحسانهم وإفضالهم جارياً على المستحقّين .
    وهذا هو الممدوح في القرآن الكريم والحديث الشريف ..
    أمّا في القرآن الكريم فقد قال تعالى في صفات عبد الرحمٰن : ـ
    ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا )(1) .
    فالإسراف هو : التجاوز عن الحدّ كالإنفاق في المعصية ، وصرف المال في
    غير حقّه .
    والإقتار هو : البُخل عن الإنفاق في محلّه .
    والقوام هو : العدل في الإنفاق ، وهو الإنفاق فيما أمرَ الله به وأثاب عليه ،
    والمطلوب المرغوب فيه هو هذا القسم الأخير من الإنفاق ، وهو الذي يوصف
    بكونه بِرّاً وخيراً ومعروفاً ، وهو الذي يعقّب خير الدُّنيا والآخرة ، بل يكسب الجنّة
    والنعيم الدائم .
    كالإنفاق في بناء المساجد الشريفة ، والمراقد المشرّفة ، والمدارس الدينيّة ،
    والحسينيّات المباركة ، والمستشفيات الخيريّة ، وإعانة المحتاجين ، وتزويج
    عزّاب المؤمنين ، وطبع ونشر كتب الدِّين ، وتأسيس وخدمة مجالس
    المعصومين عليهم‌السلام ، ونحو ذلك من الاُمور الخيريّة ، والأعمال القُربيّة .
    وأمّا في الحديث الشريف ، ففي صحيحة المفضّل الجعفي عن الإمام
    الصادق عليه‌السلام أنّه قال : ـ
    ( إذا أردت أن تعلم أشقيٌّ الرجل أم سعيد ؟ فانظر إلى سَيْبِهِ ـ أي عطاءه ـ
    ومعروفه إلى من يصنعه .
    __________________________________
    (1) سورة الفرقان : الآية 67 .

    فإن كان يصنعه إلى من هو أهله فاعلم أنّه إلى خير .
    وإن كان يصنعه إلى غير أهله فاعلم أنّه ليس له عند الله خير )(1) .
    وعليه ، فالإحسان الحَسَن ، والإفضال المستحسن هو أن يكون إحساناً إلى
    من له أهليّة الإحسان ، أو من يصير أهلاً بالإنفاق عليه كالمؤلّفة قلوبهم الذين
    ذُكروا في آية الزكاة الشريفة : ـ ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا
    وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ... )(2) .
    وهو قومٌ وحّدوا الله ، وخلعوا عبادة الأصنام ، ولم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ
    محمّداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان رسول الله يتألّفهم ويعرّفهم لكي ما يعرفوا ويعلّمهم
    كما في حديث الإمام الباقر عليه‌السلام (3) .
    والقُدوة المُثلى في الإفضال إلى المستحقّ ، والإحسان إلى الأهل هم أهل
    البيت الطاهرين عليهم‌السلام .
    فإنّهم كانو في أعلى درجات التوفيق الإلهي في إنفاقاتهم وخيراتهم
    وصدقاتهم حيث كانت في المستحقّين ، والذين لهم أهليّة إحسان المحسنين ، أو
    يصيرون أهلاً صالحين ، كما تلاحظه بوضوح في باب إنفاقاتهم سلام الله عليهم
    أجمعين ، وقد تقدّم شيءٌ منها في فقرة : ( وإيثار التفضّل ) فراجع .
    فالصالحون المتقّون يكون مورد إنفاقهم وإفضالهم هم المستحقّون .
    وحتى صفة الجود والسخاء التي هي من الصفات المثلى بحيث روي أنّه :
    ( شابٌّ سخيٌّ مرهِقٌ في الذنوب أحبّ إلى الله من شيخٍ عابدٍ بخيل )(4) .
    __________________________________
    (1)
    (2) سورة التوبة : الآية 60 .
    (3)
    (4) الوسائل / ج 12 / ص 546 / ح 7 .


    حتّى هذه الصفة يلزم فيها أن تكون سخاءً في موضعه وفي المورد الحقّ .
    ففي حديث الإمام الصادق عليه‌السلام : ـ
    ( السخيّ الكريم : الذي يُنفق ماله في حقّ )(1) .
    وعليه ، فالإحسان حتّى السخاء يلزم فيه أن يكون إلى أهله ومستحقّه حتّى
    ينتج النتيجة الحسنة ، والثواب الأكمل في الآخرة .
    أمّا إذا كان إلى غير الأهل وغير المستحقّ فإنّه ينتج النتيجة السيّئة كما قال الشاعر :
    ومَن يصنَع المعروفَ في غير أهله
    يُلاقي الذي لاقى مُجير اُمّ عامرِ (2)

    فالإفضال والإحسان سواء أكان إحساناً ماليّاً أم عمليّاً يلزم أن يكون إلى من
    هو أهله ، لأنّه من إيصال الحقّ إلى مستحقّه .
    وهي صفة مُثلىٰ ، يُحمد الإنسان عليها ، وتزكو النفس بها .
    والمرتبة العُليا من هذه الصفة أن يتنازل الإنسان عن حقّه ويسلّمه إفضالاً إلى
    من هو أحقّ به .
    وهذه المرتبة تحتاج إلى جهاد النفس وعلوّ الروح ، كما تلاحظه في قضيّة
    المرحوم السيّد حسين الكوه كمري ، الذي كان من أعاظم العلماء والمدرّسين في
    النجف الأشرف ، ومع ذلك تنازل عن حقّه للشيخ الأنصاري قدس‌سره في ما ينقل في
    أحوالهما جاء فيها :
    أنّه ذات يوم كان السيّد الكوه كمري عائداً من مكان ، ولم يكن قد بقي إلى
    __________________________________
    (1) معاني الأخبار / ص 243 .
    (2) اُمّ عامر : كنية الضبع ، الاُنثى ، والذكر منه أبو عامر .
    وقد أكلت الشخص الذي أجارها من برد الشتاء في خيمته ، فضُرب مثلاً في الذي يُجرىٰ على إحسانه
    إلى غير محلّه بالسوء .
    والضبع معروف بشهوته للحوم بني آدم ، حتّى أنّه ينبش القبور ليأكل لحم الإنسان ، وإذا رأى إنساناً
    اغتنم الفرصة ليجده نائماً ، فيهجم عليه ليأكل لحمه .

    حين درسه الخارج أكثر من نصف ساعة ..
    فرأى أنّ الوقت لا يتّسع للذهاب إلى البيت .. ولذا فضّل أن يجلس في
    المسجد بانتظار موعد الدرس .
    دخل المسجد ولم يكن قد حضر أحد من طلّابه .. ورأى في زاوية المسجد
    شيخاً عاديّاً جدّاً ، جالس مع عدّة طلّاب يدرّسهم ، إستمع المرحوم السيّد حسين
    إلى درسه .. وبمنتهى الغرابة رأى أنّ الشيخ العادي قمّة في التحقيق .. فحمله
    ذلك على أن يأتي في اليوم التالي مبكِّراً عمداً ويستمع إلى درسه .. جاء واستمع
    فازداد اقتناعاً بانطباعه الذي كوّنه في اليوم الماضي ..
    وتكرّر ذلك لعدّة أيّام .. فحصل للمرحوم السيّد حسين اليقين بأنّ هذا الشيخ
    أعلم منه ، وأنّه يلزم أن يستفيد من درسه ، وأنّه إذا حضر تلامذته درس هذا
    الشيخ فيستفيدون أكثر ..
    هنا رأى نفسه مخيّراً بين التسليم والعناد ، بين الآخرة والدنيا .
    وفي اليوم التالي عندما جاء طلّابه واجتمعوا قال : أيّها الأحبّة .. اُريد اليوم أن
    أقول لكم شيئاً جديداً : هذا الشيخ الجالس في ذلك الجانب مع عدّة طلّاب أحقّ
    منّي بالتدريس ، وأنا أستفيد منه ، والآن نذهب كلّنا إلى درسه .
    والتحق بحلقة درس الشيخ العادي المستضعف الذي كانت آثار الفقر بادية عليه .
    هذا الشيخ الرثّ اللّباس هو الذي عُرف فيما بعد باسم الشيخ مرتضى الأنصاري .
    فتلاحظ أنّ هذا الإفضال العملي على المستحقّ كيف أنتج تلك الثروة العلميّة التي
    ظهرت من الشيخ الأنصاري ، وبقيت إلى الآن دروساً دينيّة في الحوزات العلميّة .
    بل إنّ الإفضال على مستحقّه وأهله هو من صنائع المعروف وعمل الخير الذي
    يدفع مصارع السوء ويُنجي من الموت في نفس هذه الحياة الدُّنيا ، قبل ثواب الآخرة .
    كما تجده في قضيّة المرحوم الطبيب المعروف الميرزا خليل الطهراني الذي



    نقله المحدّث القمّي قدس‌سره ، وحاصلها : ـ
    إنّ الميرزا خليل كان طبيباً ماهراً معروفاً منذ شبابه ، وعالج يد امرأةٍ علويّة
    هنديّة كانت تشكو من الجذام .. المرض العضال ، عالجها مجّاناً وقربةً إلى الله
    تعالى ـ فكان إفضالاً إلى من يستحقّه ـ .
    ثمّ إنّه ابتلي نفسه بمرضٍ صعب بحيث لم يمكنه علاج نفسه ، وقال له الأطبّاء
    الآخرون إنّه يعيش مع هذا المرض عشرة أيّام فقط .
    وفعلاً استمرّ به المرض إلى اليوم العاشر ـ كما قالوا له ـ واشتدّت حالته
    الصحّية وتدهورت ، حتّى عرض عليه سكرات الموت ، بحيث اجتمع عليه
    أهله ، ووجّهوه إلى القبلة ، وكانوا يبكون عليه .
    وفي هذه الأثناء دخلت تلك العلويّة التي عالجها الميرزا خليل وقالت : إنّي
    توسّلت بجدّي الإمام الحسين عليه‌السلام لشفاء الميرزا خليل ، وبكيت كثيراً حتّى غلبني
    النوم ، فرأيت الإمام عليه‌السلام في المنام ، وطلبت منه شفاءه .
    فقال عليه‌السلام : إنّه قد تمّ عمره ، لكن دعونا الله تعالى له واستجاب الله الدّعاء ،
    ويعيش عمراً جديداً إن شاء الله تعالى .
    وبمجرّد أن تمّ كلام العلويّة جلس الميرزا خليل صاحياً من تلك السكرات ،
    وفرح الجميع ، وسألوه ما الذي حدث ؟!
    فقال : إنّي رأيت ملكين جاءا لقبض روحي ، وأحسستُ بانتزاع روحي من
    رجلي إلى قريب حنجرتي ، لكن دخل شخصٌ الغرفة ، وقال لهذين الملكين : ـ
    ( ردّوه فإنّ الحسين بن عليّ عليهما‌السلام تشفّع إلى الله تعالى في عُمرٍ ثانٍ له ) .
    فأحسستُ بعودة روحي إليّ ، وحياتي من جديد ، فانصرف الملكان ، فقمت
    الآن أراكما بهذه الحالة .
    وعاش الميرزا خليل بعد هذا ، وعمّر كاملاً 90 سنة ، ورزقه الله تعالى خمسة من


    الأولاد ، كان ثلاثة منهم من العلماء ، أحدهم المرجع الديني المعروف الميرزا حسين(1) .
    فالإفضال على المستحقّ بارَك للميرزا خليل بهذا الخير العظيم ، مضافاً إلى
    ثواب يوم الدِّين .
    فينبغي أن ندعو الله تعالى لتوفيق الحصول على هذه الخصلة ، والمكرمة الأخلاقيّة .
















    __________________________________
    (1) الفوائد الرضويّة / ص 293 .




    (16)
    والقول بالحقّ وإنْ عَزّ
    الحقّ : ضدّ الباطل ، وهو الحكم المطابق للواقع ، والشيء الثابت الصحيح .
    والعزّة : في أصل معناها ضدّ الذلّة ، وتُطلق على الشيء القليل .
    يُقال : عزَّ الشيء ، إذا قلّ فلم يكد يوجد ..
    فالشيء العزيز هو القليل ، لكن إذا كان مفيداً ، ومنه الحديث ( عزّ ماؤنا ليلة
    التاسع من المحرّم ) .
    فالشيء القليل غير المفيد لا يطلق عليه العزيز .
    والقول بالحقّ وإن عزّ : هو أن يقول الإنسان الحقّ ، ويتكلّم بالكلام الحقّ
    المفيد ، في وقت قلّة القول بالحقّ وعدم إقدام الآخرين عليه .
    وقول الحقّ وإن كان قد يقوله جميع الناس ، إلّا أنّ قوله الحقّ والتصديع به في حين قلّته
    هو الذي يكون عزيزاً ، وهو زينة المتّقين ، وحلية الصالحين ، بل هو الذي يتقوّم به الدِّين .
    وقد هدى القرآن الكريم إلى التوصية بالحقّ في قوله عزّ اسمه : ـ
    ( وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ )(1) .
    __________________________________
    (1) سورة العصر : الآية 3 . راجع كنز الدقائق / ج 14 / ص 427 .


    وهذه الصفة الجليلة ممّا كان القدوة فيها أيضاً أهل البيت عليهم‌السلام ، وفي الطليعة
    الصدِّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، صدعت بالحقّ في حين قلّته ،
    ونبّهت أهل الغفلة في حين تقاعسهم ، وبيّنت الحقيقة الجليّة لتبقىٰ علىٰ مدى
    الدهور والعصور .
    وذلك في خطبتها المباركة التي دوّت بالحقّ ، وشيّدت حقيقة الإسلام ،
    وردعت الباطل لجميع الأنام .
    وكذلك في خطبتها لنساء المهاجرين والأنصار ..
    قالت كلمة الحقّ ، ونطقت بحقيقة الدِّين ، وكشفت عن رسالة سيّد المرسلين ،
    ودافعت عن حقّ أمير المؤمنين ـ عند إمامٍ جائر ومَن في وراءه سائر ، في حين
    عزّت كلمة الحقّ ، والتفّ الناس حوله الباطل .
    وخطبتها الشريفة في الأُسس الهامّة في الدِّين ، والجديرة بدراستها لجميع
    المؤمنين ، في سبيل معرفة الإسلام المحمّدي والدِّين الأحمدي(1) . وهي
    المعجزة الخالدة ، والآية الباهرة ، والحجّة الكاملة التي صَدَعَت بها أمام جميع
    المسلمين من الأنصار والمهاجرين .
    فكانت قمّة الكلام المتّصف بفصاحة النطق ، وبلاغة البيان ، وقوّة الحجّة ،
    ومتانة الدليل .
    بل كانت خطبتها عليها‌السلام البيان الكامل للدِّين ، والدستور الشامل لشريعة سيّد
    المرسلين ، في المحاور التي ركّزت عليها الصدِّيقة الطاهرة عليها‌السلام من التجليل
    بساحة ربّ العالمين بصفاته الحُسنىٰ ، والتعريف بنعمة الرحمة الإلهيّة المتمثِّلة
    في أبيها المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والإشادة بمعالي ومواقف وجهاد ابن عمّها المرتضى عليه‌السلام ،
    __________________________________
    (1) الاحتجاج / ج 1 / ص 131 .

    وتبيين معالم القرآن الكريم وأحكام ربّ العالمين ، ثمّ أشارت إلى الانقلاب على
    الأعقاب ، وظهور الظلم والطغيان والغصب والعدوان الذي صدرَ من القوم بعد
    رحيل الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ ختمت الخطاب بوعيد العذاب علىٰ خذلانهم
    وعدوانهم ، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون » .
    وقد سار على طريق أهل البيت عليهم‌السلام وهُداهم في القول بالحقّ عند عزّته صفوة
    أصحابهم الكرام كالإثنى عشر صحابي الذين دافعوا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن حقّ
    أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأنكروا على أبي بكر غصبه للخلافة ، فخطبوا واحتجّوا بما
    تلاحظ مفصّله في حديث الإمام الصادق عليه‌السلام(1) .
    ومن هذه الثلّة الطيّبة المدافعين عن الحقّ بصراحة ، والقائلين بالحقّ حين
    العزّة الطرماح بن عدي بن حاتم الطائي الذي صدع كيان الباطل الأموي ، وزلزل
    رئيسه الطاغي ، وألقمه الحجر ، وسقاه الكأس المصبّر ، في وروده عليه ، وحمل
    رسالة الأمير عليه‌السلام إليه كما تلاحظ نصّه الكامل في حديث البحار(2) .







    __________________________________
    (1) الاحتجاج / ج1 / ص 97 ، والخصال / ص 461 / ح 4 .
    (2) بحار الأنوار / ج 33 / ص 289 / ب 20 / ح 550 .




    (17)
    واستقلال الخير وإن كثر من قولي وفعلي
    واستكثار الشرّ وإن قلّ من قولي وفعلي
    • استقلال الخير : عدّة قليلاً ، واعتبار ما صدر من الإنسان من الخيرات شيئاً
    يسيراً ، وإن كان في الواقع كثيراً ، سواء الخير من أقواله أم أفعاله .
    • واستكثار الشرّ : عدّة كثيراً ، وإن كان في الواقع قليلاً نادراً ، سواء في قول
    الشرّ أم عمله .
    وهذه من الخصال المحمودة التي هي حيلةٌ وزينة .
    ليس فقط لا يحدّث الإنسان الناس بخيراته وأعماله الخيّرة ، بل يعدّها عنه
    نفسه نزراً يسيراً .
    وفي مقابله إن صدر منه شرٌّ قليل ، ليس فحسب لا يتهاون به ، بل يعدّه عند
    نفسه كثيراً .
    وهذا الاستقلال والاستكثار مفيدان غاية الفائدة في تهذيب النفس ، وتزكية
    الروح ، وذلك :
    • أمّا استقلال الخير من نفسه ، ففائدته عدم استيلاء العُجب عليه .


    والعجب هو : استعظام العمل الصالح واستكثاره ، والإدلال به ، وأن يرى
    الإنسان نفسه خارجاً عن حدّ التقصير .
    وهو يوجب سقوط العمل عن القبول ، وهو مذموم ، كما تلاحظ ذمّه في
    الأحاديث الشريفة ، ومنها : ـ
    1 ـ حديث الإمام الصادق عليه‌السلام قال : ـ
    قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ بينما موسى عليه‌السلام جالساً ، إذ أقبل إبليس وعليه برنس ذو
    ألوان ، فلمّا دنىٰ من موسىٰ عليه‌السلام خلع البرنس ، وقام إلى موسى فسلّم عليه .
    فقال له موسى : مَن أنت ؟
    فقال : أنا إبليس .
    فقال له : أنت ، فلا قرّب الله دارك .
    قال : إنّي جئت لاُسلّم عليك لمكانك من الله .
    فقال له موسى عليه‌السلام : فما هذا البُرنس ؟
    قال : به أختطفُ قلوب بني آدم .
    فقال موسى : فأخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذتَ عليه ؟
    قال : إذا أعجبته نفسه ، واستكثر عمله ، وصغر في عينه ذنبه(1) .
    2 ـ حديث الإمام الصادق عليه‌السلام قال :
    قال داود النبيّ عليه‌السلام : لأعبدنَّ الله عبادة ، ولأقرأنَّ قراءةً لم أفعل مثلها قطّ ،
    فدخل في محرابه ، ففعل .
    فلمّا فرغ من صلاته ، إذا هو بضفدع في المحراب ، فقال لداود : ـ أعجبَكَ اليوم
    ما فعلت من عبادتك وقراءتك ؟
    __________________________________
    (1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 237 / ح 8 .

    فقال : نعم .
    فقال : لا يعجبنّك ، فإنّي اُسبّح لله في كلّ ليلةٍ ألف تسبيحة ، يتشعّب لي مع كلّ
    تسبيحة ثلاثة آلاف تحميدة ، وأنّي لأكون في قعر الماء فيصوّت الطير في الهواء ،
    فأحسبه جائعاً ، فأطفوا له على الماء ليأكلني وما لي من ذنب(1) .
    3 ـ حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ـ
    تصعد الحفَظَة بعملِ العبد يزهر كالكوكب الدرّيّ في السماء ، له دويٌّ
    بالتسبيح ، والصوم ، والحجّ ، فيمرّ به إلى ملك السماء الرابعة فيقول له : قِف ،
    فاضرب بهذا العمل وجهَ صاحِبه وبطنَه ، أنا مَلَك العُجب ، إنّه كان يعجبُ بنفسه ،
    وأنّه عمل وأدخل نفسه العُجب ، أمرني ربّي أن لا أدع عملَه يتجاوزني إلى
    غيري ، فاضرب به وجه صاحبه(2) .
    فاستقلال الإنسان الخير من نفسه يفيد الإنسان التحذّر عن هذا العجب
    المفسد لذلك العمل الخيّر .
    • وأمّا استكثار الشرّ من نفسه ، ففائدته عدم التهاون بالمعصية .
    والتهاون بالمعصية هو جعلها هيّنةً ، وعدم الاهتمام بها ، وهو يوجب الجرأة
    على عصيان الله العظيم ، عصيان جبّار السماء والأرض ، وهو مذموم ممقوت كما
    تلاحظه في الأحاديث الشريفة منها : ـ
    1 ـ حديث الإمام الصادق عليه‌السلام قال : ـ
    إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نزل بأرضٍ قرعاء ـ أي لا نبات ولا شجر فيها ـ فقال
    لأصحابه : ائتوا بحطب .
    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 71 / ص 230 / ح 7 .
    (2) مستدرك الوسائل / ج 1 / ص 141 / ح 17 ، ولاحظ قضيّة ابن الماوردي في كون العجب مقروناً
    بالجهل ، في سفينة البحار / ج 6 / ص 156 .


    فقالوا : يا رسول الله ، نحن بأرضٍ قرعاء ، ما بها من حطب .
    قال : فليأت كلّ إنسان بما قدر عليه .
    فجاؤوا به ، حتّى رَمَوا بين يديه بعضه على بعض .
    فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هكذا تجتمع الذنوب .
    ثمّ قال : إيّاكم والمحقّرات من الذنوب ...(1) .
    2 ـ حديث أمير المؤمنين عليه‌السلام : ـ
    ( أشدّ الذنوب ما استهان به صاحبه )(2) .
    3 ـ حديث وصيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذرّ الغفاري رضوان الله عليه : ـ
    يا أبا ذرّ .. إنّ المؤمن ليرى ذنبه كأنّه تحت صخرة ، يخاف أن يقع عليه ، وإنّ
    الكافر ليرىٰ ذنبه كأنّه ذبابٌ مرَّ على أنفه .
    يا أبا ذرّ ، إنّ الله تعالى إذا أراد بعبدٍ خيراً جعل ذنوبه بين عينيه ممثّلة ، والإثم
    عليه ثقيلاً وبيلاً ، وإذا أراد بعبدٍ شرّاً أنساه ذنوبه .
    يا أبا ذرّ ، إنّ نفس المؤمن ارتكاضاً ـ أي اضطراباً ـ من الخطيئة من العصفور
    حين يقذف في شَرَكه(3) .
    فإذا استكثر الإنسان الشرّ من نفسه ، لم يتهاون به ، بل اشتدّ اجتنابه عنه .
    فاللّازم علينا في مكارم أخلاقنا أن نستقلّ الخير من أنفسنا في أقوالنا
    وأفعالنا وإن كثرت .
    وأن نستكثر الشرّ من أنفسنا في أقوالنا وأفعالنا وإن قلّت .
    __________________________________
    (1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 218 / ح 3 .
    (2) غرر الحكم ودرر الكلم / ج 1 / ص 192 / ح 318 .
    (3) بحار الأنوار / ج 77 / ص 79 .

    وفي حديث الإمام الكاظم عليه‌السلام : ـ
    ( لا تستكثروا كثير الخير ، ولا تستقلّوا قليل الذنوب ، فإنّ قليل الذنوب يجتمع
    حتّى يكون كثيراً )(1) .
    فالمفروض علينا أن نهذّب أنفسنا ونروّضها على هاتين الخصلتين ، فنفكّر في
    خيرات وعبادات ومواعظ أولياء الله تعالى ، فتصغر في أعيننا خيرنا وعبادتنا وأقوالنا .
    ونفكّر في نزاهة أولياء الله من الشرور والذنوب في قولٍ أو فعلٍ منهم ، فتكثر
    في أعيينا شرورنا ومعاصينا .
    وأهل البيت عليهم‌السلام لم يكن لهم شرٌّ في الحياة في آنٍ من الآنات ، وكانت حياتهم
    مليئة بالخيرات والطيّبات من أقوالهم وأفعالهم ، وبالرغم من ذلك كانوا يستقلّون
    خير أنفهسم ، كما مرّ عليك في حديث الأعرابي الذي وفدَ على الإمام الحسين عليه‌السلام حين
    أغناه بأربعة آلاف دينار ، ومع ذلك كان يعتذر إليه بقلّة النفقة منه(2) .








    __________________________________
    (1) بحار الأنوار / ج 73 / ص 346 .
    (2) بحار الأنوار / ج 44 / ص 190 .




    (18)
    وأكمِلْ ذلكَ لي بدوام الطاعة
    الطاعة هي : موافقة الأمر ، وامتثاله والانقياد له .
    كامتثال أوامر الله تعالى ونواهيه ، فإنّه طاعةٌ لله تعالى .
    ودوام الطاعة : استمرارها ، مضافاً إلى إيجادها وتحقّقها .
    والسعادة العظمى في الدُّنيا والآخرة هي إطاعة الله تعالى ، وإطاعة من أمرنا
    الله تعالى بإطاعتهم .
    وهم الرسول الأعظم وأهل بيته الكرام عليهم‌السلام في قوله عزّ اسمه : ـ
    ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ )(1) .
    وقد تظافرت الأحاديث من الفريقين في تفسير اُولي الأمر بأهل البيت
    الطيّبين ، الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام (2) .
    وهذه الإطاعة فوز الدُّنيا والآخرة ، وسعادة الدارين الاُولى والاُخرى ..
    __________________________________
    (1) سورة النساء : الآية 59 .
    (2) لاحظ تفسير البرهان / ج / ص / ، وإحقاق الحقّ / ج 3 / ص 424 .


    قال تعالى : ( يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )(1) .
    وقال عزّ اسمه : ـ ( وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ
    النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا )(2) .
    وذكرت الأحاديث الشريفة فضلها وفضيلتها في جملة منها مثل : ـ
    1 ـ حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ
    ( ... إنّ طاعة الله نجاحُ كلّ خيرٍ يُبتغى ، ونجاةٌ من كلّ شرٍّ يُتّقىٰ ، وإنّ الله العظيم
    يعصم من أطاعه ، ولا يعتصم منه من عصاه )(3) .
    2 ـ حديث الإمام الرضا عليه‌السلام في قوله تعالى : ( يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ )(4)
    قال عليه‌السلام : ـ ( لقد كان ابنه ، ولكن لمّا عصى الله عزّ وجلّ نفاه الله عن أبيه .
    كذا من كان منّا لم يطع الله فليس منّا .
    وأنت إذا أطعت الله فأنت منّا أهل البيت )(5) .
    فإطاعة الله تعالى هو الإكسير الأعظم ، والفوز الأتمّ ، بخير الدارين ، وسعادة
    النشأتين والاستمرار عليها .
    وإطاعة الإنسان لربّه ، وللرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولأهل البيت عليهم‌السلام ، عجيبة في النتيجة ، من حيث
    إنّها توجب أن يكون الإنسان من أولياء الله المقرّبين ، ومن مظاهر قدرة ربّ العالمين ، حتّى
    أنّها توجب نيل الكرامات وإطاعة المخلوقات للإنسان كما تلاحظه في مثل : ـ
    1 ـ الصاحبي الجليل سلمان المحمّدي رضوان الله تعالى عليه ، وقضاياه التي
    __________________________________
    (1) سورة الأحزاب : الآية 71 .
    (2) سورة النساء : الآية 69 .
    (3) بحار الأنوار / ج 77 / ص 69 .
    (4) سورة هود : الآية 46 .
    (5) بحار الأنوار / ج 43 / ص 230 .

    تلاحظها في مثل حديث القدر المغلي(1) ، وحديث طينته(2) .
    2 ـ جابر الجُعفي رضوان الله تعالى عليه ، وقضاياه التي تجدها في مثل طيّ
    الأرض له ، وسفره إلى أرض السواد(3) .
    وهذه الفقرة من الدّعاء الشريف يُطلب فيها من الله تعالى تكميل تلك المكارم
    الأخلاقيّة المتقدّمة : بسط العدل ، وكظم الغيظ .. إلخ ، بدوام طاعة الله تعالى ،
    وعدم عصيانه .
    فإنّ ترك الطاعة وارتكاب المعصية ، نقضٌ لتلك المكارم الأخلاقيّة ، بل
    موجبٌ لارتكاب الاُمور المذمومة ، والأفعال المحرّمة .
    فيُطلب دوام الطاعة في الأوامر والنواهي الإلهيّة ، وفي الصفات المرغوبة الأخلاقيّة .
    وهذا يحتاج إلى الطلب من الله تعالى ؛ لأنّ البقاء على العمل أصعب من نفس
    إتيان العمل ، ومستلزمٌ للصبر وتحمّل المشقّة .
    • والمثل الأعلى في دوام الطاعة ، وعدم الخروج عنها طرفة عين هم أهل
    البيت عليهم‌السلام الذين لم يعصوا ولا يعصون الله تعالى فيما أمرهم ، ولا يسبقونه بالقول
    وهم بأمره يعملون .
    لم يخالفوا الله تعالى في صغيرةٍ ولا كبيرة ، في شدّةٍ ولا رخاء ، حتّى أنّهم لم
    يفعلوا ما كان الأولى تركه ، ولم يتركوا ماكان الأولى فعله .
    فاتّصفوا بالعصمة الكبرى والطهارة العظمى ، كما تدلّ عليه أدلّة الكتاب
    والسنّة مثل : آية التطهير ، وأحاديث العصمة المرويّة من طرق الفريقين(4) .
    __________________________________
    (1) رجال الكشّي / ص 19 .
    (2) الاختصاص / ص 221 .
    (3) رجال الكشّي / ص 172 .
    (4) لاحظ تحقيقه ومصادره في كتاب العقائد الحقّة / ص 349 / مبحث العصمة .


    فيلزم علينا الاقتداء بأهل البيت عليهم‌السلام ، وتكميلاً للصفات الحسنة التي هي حلية
    الصالحين وزينة المتّقين ، وترويض النفس على الصبر عليها ، وعدم إبداء
    السخط منها ، لكي يحصل لنا الكمال بتلك الصفات ، والأجر بالصبر عليها ، وعدم
    الندامة من تركها .
    فإنّ تركها يوجب الندم ، وإظهار السخط منها يوجب الخجل ، كما في قضيّة
    ذلك العالم المحقّق الذي أبدى السخط ، ولم يصبر عند تأخير حاجته ، فحصلت
    له الندامة .
    فقد حكى بعض السادة الأجلّاء الثقات عن أحد العلماء المحقّقين الذي كان
    يؤلّف كتاباً في الدفاع عن أهل البيت عليهم‌السلام الذي هو من أهمّ الوظائف الشرعيّة على
    علماء الدِّين ، وأصحاب القلم من المحقّقين .
    فاحتاج هذا العالم في مصادر كتابه إلى كتاب كان نادر الوجود ، وكلّما بحث
    عنه في النجف الأشرف لم يعثر عليه ، وكان يعلم أنّه موجود في النجف ، لكن لم
    يعرف أنّه عندَ مَن .
    فتوسّل بالإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يهيّئ له ذلك الكتاب ، بأن يُرشده في
    المنام أو في اليقظه إلى محلّ وجود ذلك الكتاب ، حتّى يستعيره ويستفيد منه
    وينقل عنه .
    ودام التوسّل بالإمام عليه‌السلام ستّة أشهر متواصلة ، لكن لم تحصل له النتيجة .
    وبعد هذه المدّة الكثيرة ، وبينما هو أمام الضريح المقدّس ، وملتصقٌ به ،
    ويتوسّل بالإمام ويطلب منه الكتاب ويقول :
    ( أنت مولاي ، وتعلم بإذن الله تعالى أين يوجد الكتاب ، وأنا محتاج إليه ،
    فارشدني إلى موضعه ) .
    بينما هو يقول هذا ، إذ سمع من الطرف الآخر من الضريح المقدّس ، شخصاً


    آخر يطلب من الإمام عليه‌السلام حاجته ، ويبدو من لسانه أنّه شخصٌ قرويّ ، ويقول
    بلهجةٍ حادّة للإمام عليه‌السلام : ـ
    ( لو لم تعطني حاجتي لا أزورك بعد هذا أبداً ) .
    ومرّت سبعة أيّام على هذه القضيّة ، وبينا أنا أيضاً مقابل للضريح الشريف
    أطلب حاجتي ، إذ سمعت ذلك القروي يقول للأمير عليه‌السلام بلهجته الخاصّة : ـ
    ( أروح لك فدوه يا علي ، أعطيتني حاجتي ، كفو ، كفو ، كفو ) .
    قال ذلك العالم : لمّا رأيت أنا ذلك هاجت نفسي ، وخرجتُ عن الطبيعة ، ونفذ
    صبري ، وصرتُ أقول للإمام عليه‌السلام بخشونة شديدة :
    ( شنو حاجة هذا المعيدي غير الدُّنيا ، تعطيه سريعاً ، ولا تعطيني حاجتي وهي
    للدفاع عنكم وكتابة فضائلكم ) .
    وخرجت من الحرم الشريف شبه الزعلان ، وبحالة الغضب ـ وهذا هو محلّ
    الصبر على الطاعة وعلى تلك المكارم الأخلاقيّة ، وامتحان من يدوم له لين
    العريكة ومن لا يدوم ـ .
    ولمّا وصلت إلى داري ندمتُ كثيراً على أنّه لماذا تجاسرت بخدمة الإمام عليه‌السلام
    وهو خلاف الأدب .
    وخصوصاً وبيما أنا كذلك ، إذ طرق باب الدار جارٌ لنا ، فذهب ولدي وفتح الباب ،
    ودخل عَليَّ جارنا ، فرحّبت به ، وجلس عندي ، ودار الكلام عندنا فقال الجار :
    نحن في حالة انتقال إلى دارٍ جديد ، وقد نظّفنا دارنا الفعلي لنحوّله إلى
    المشتري ، وفي أثناء تنظيف رفوف الدار عثرتُ في الرفّ الأعلى على كتابٍ أنا
    لا أستفيد منه لأنّي لا أعرف القراءة والكتابة ..
    فقلتُ لابني : ـ إذهب بهذا الكتاب ، واجعله في المسجد .
    فقال ابني : ـ لا يا أبه ، لا تجعله في المسجد ، بل أعطه لجارنا العالم حتّى



    يستفيد منه ، وهو هذا الكتاب ، جئت به إليك هديّة لك .
    قال ذلك العالم : فأخذتُ منه الكتاب ، فإذا هو نفس الكتاب الذي طلبته من
    أمير المؤمنين عليه‌السلام ، طلبتُ منه أن يرشدني إليه لأستعيره ، لكن ذلك الكريم
    صلوات الله عليه أهداه لي ، وملّكه بدل الاستعارة .
    فذهبت واعتذرت من أمير المؤمنين عليه‌السلام على سوء أدبي ، وعدم صبري ،
    وتشكّرت منه على لطفه وإحسانه .
    وعليه فالمطلوب تكميل مكارم الأخلاق بدوام الطاعة واستمرارها ، وعدم
    النقض بالمعاصي والمحرّمات ، أو بما يخالف الأخلاقيّات .
    فيُستدام على الطاعات بصبر ، ويستمرّ على المكارم والأخلاقيّات بتحمّل ،
    فيحصل بذلك الكمال الكامل ، والفضل الشامل .

    (19)
    ولزوم الجماعة
    اللّزوم هو : الملازمة ، وعدم المفارقة .
    والجماعة هي : جماعة الناس ..
    والمراد بها جماعة المؤمنين المتّفقين على المذهب الحقّ ، لا كلّ جماعةٍ وإن
    كانت باطلة .
    و « أل » فيها عهديّة ، والمعهود في الدّعاء جماعة أهل الحقّ ..
    نظير « أل » العهديّة في القرآن الكريم في قوله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ
    أَنفُسِهِمْ )(1) حيث إنّ المعهود فيها نبيّ الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله .
    وقوله عليه‌السلام : ( ولزوم الجماعة ) معطوف على قوله : ( بدوام الطاعة ) أي واكمل
    لي ذلك بلزوم الجماعة .
    فتكمل المكارم الأخلاقيّة المتقدّمة بدوام طاعة الله تعالى والاستمرار عليها ،
    وملازمة جماعة أهل الحقّ وعدم مفارقتهم .
    بل عدم مفارقتهم ولو لحظةً واحدة حتّى يصدق التلازم وعدم الافتراق ، كما
    __________________________________
    (1) سورة الأحزاب : الآية 6 .


    تلاحظه في الملازمة بين طلوع الشمس ووجود النهار ، فإنّهما لا يفترقان أبداً .
    حيث إنّ المفارقة عن الحقّ لا يعني إلّا الدخول في الباطل ، فإنّه ليس بعد
    الحقّ إلّا الضلال .
    ويدلّ على كون المراد بالجماعة جماعة أهل الحقّ ، الحديث الصادقي الشريف :
    ( سُئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما جماعة اُمّتك ؟
    فقال : ـ جماعةُ اُمّتي أهل الحقّ ، وإن قلّوا ) .
    وفي حديثٍ آخر : ( فقال : من كان على الحقّ ، وإن كانوا عشرة )(1) .
    فمفاد الدعاء الشريف طلب ملازمة جماعة أهل الحقّ التي هي الفضائل
    المكمّلة لمكارم الأخلاق ، ومعالي الصفات .
    فهي التي تكون حلية الصالحين ، وزينة المتّقين ، وإلّا فملازمة أهل الباطل
    رذيلة ومعيبة ، وليست حلية وزينة .
    والجدير بالبيان هو معرفة أنّه :
    مَن هم جماعة أهل الحقّ الذين يلزم متابعتهم وملازمتهم ؟
    الجواب : هم الذين بيّنهم الرسول الأعظم ، ونصّ عليهم صاحب هذا الدِّين ،
    النبيّ الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال في الأحاديث المتظافرة المتّفق عليها بين الفريقين : ـ
    ( عليٌّ مع الحقّ والحقّ معه ، يدور حيثما دار )(2) .
    ( أهل بيتي مع الحقّ ، والحقّ معهم ، لا يفارقهم ولا يفارقوه )(3) .
    فمحور الحقّ هم عليٌّ وأهل البيت عليهم‌السلام ، فإذا أردنا أن نعرف أنّه هل هذا
    الشخص على الحقّ أو على الباطل ؟
    __________________________________
    (1) رياض السالكين / ص 224 .
    (2) غاية المرام / ص 539 .
    (3) إحقاق الحقّ / ج 9 / ص 479 .

    يكون المحك هو عليّ عليه‌السلام .. فإن كان الشخص مع عليّ عليه‌السلام فهو على حقّ ، وإلّا
    فهو على باطل .
    فأمير المؤمنين عليه‌السلام ( هو فارق بين الحقّ والباطل )كما نصّ عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله(1) .
    ولذلك عبّر عنه الرسول في واقعة الخندق بالإيمان كلّه ، ومنحه أعظم وسام
    بقوله صلوات الله عليه وآله : ـ ( برز الإيمان كلّه ) .
    فكلّه حقّ لأنّ كلّه إيمان ، فمن كان معه كان مع الحقّ ومن أهل الإيمان ، ومن
    لم يكن معه فهو على باطل وعلى غير إيمان .
    فيتّضح جيّداً أنّ المراد بالجماعة في الدعاء الشريف هم جماعة عليّ وأهل
    البيت عليهم‌السلام فهم جماعة أهل الحقّ الذي تكون ملازمتهم فضيلة وحلية .
    وقد عقد العلّامة المجلسي أعلى الله مقامه باباً في البحار في لزوم الجماعة
    بأحاديث شريفة منها : ـ
    حديث علي بن جعفر عن أخيه الإمام موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام قال : ـ
    قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ
    من فارق جماعة المسلمين فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه .
    قيل : يا رسول الله وما جماعة المسلمين ؟
    قال : جماعة أهل الحقّ وإن قلّوا(2) .
    وفائدة ملازمة أهل البيت عليهم‌السلام هي سعادة الدُّنيا والآخرة .
    ففي حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ
    ( إلزموا عليّ بن أبي طالب ، فاز من لزمه )(3) .
    __________________________________
    (1) إحقاق الحقّ / ج 4 / ص 26 .
    (2) بحار الأنوار / ج 29 / ص 68 / ب 3 / ح 1 .
    (3) إحقاق الحقّ / ج 4 / ص 26 ، وص 149 .


    وفي حديث الإمام الرضا عليه‌السلام : ـ
    ( مَن لزمنا لزمناه ، ومن فارقَنا فارقناه )(1) .
    وفي حديث الزيارة الجامعة المباركة : ـ
    ( فاز مَن تمسّك بكم ، وأمِنَ مَن لجأ إليكم ، وسَلِم مَن صدّقكم ، وهُدي من
    اعتصم بكم )(2) .
    فنسأل الله تعالى أن يرزقنا ملازمتهم ، ويديم لنا موالاتهم ، ويمنّ علينا بالجنّة
    معهم كما في بشارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ
    ( من أحبَّ أن يحيىٰ حياتي ، ويموت مماتي ، ويدخل الجنّة التي وعدني ربّي ،
    فليتولّ عليّاً بعدي ، فإنّه لن يخرجكم من هدىٰ ، ولن يدخلكم في ردىٰ )(3) .










    __________________________________
    (1) وسائل الشيعة / ج 18 / ص / ب / ح .
    (2) عيون الأخبار / ج 2 / ص 277 .
    (3) أمالي الشيخ الطوسي / ج 2 / ص 107 .

    (20)
    ورفضِ أهلِ البِدَع ومستعملي الرأي المخترَع
    الرفض هو الترك ، والردّ ، وعدم القبول .
    والبدَع : جمع بدعة ، وهي اسمٌ من الابتداع بمعنى الإحداث والإختراع .
    قال في المجمع : ـ ( البدعة : بالكسر فالسكون : الحدثُ في الدِّين وما ليس له
    أصلٌ في كتابٍ ولا سنّة .
    وإنّما سمّيت بدعة لأنّ قائلها ابتدعها من نفسه )(1) .
    وقال في المرآة : ـ ( البدعة في عرف الشرع ما حدث بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم
    يَرد فيه نصٌّ على الخصوص ، ولا كيون داخلاً في بعض المعلومات ، أو ورد فيه
    نهيٌ عنه خصوصاً أو عموماً )(2) .
    ويؤيّده الحديث الشريف : ـ السُنّة ما سنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والبدعة ما اُحدث
    من بعده )(3) .
    __________________________________
    (1) مجمع البحرين / ص 370 .
    (2) مرآة الأنوار / ص 78 .
    (3) بحار الأنوار / ج 2 / ص 266 .


    وعُرّفت في الاصطلاح الفقهي بأنّها هي : ـ
    ( إدخال ما ليس من الدِّين في الدِّين ، نظير إدخال التكتّف في الصلاة .
    ومثله إخراج ما ثبت في الدِّين من الدِّين ، نظير إسقاط حيَّ على خير العمل
    من الأذان ) .
    وقد حدثت هذه البِدَع المذمومة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بواسطة الغاصبين
    والظالمين والمنحرفين .
    وقد ذكر السيّد الجليل شرف الدِّين أعلى الله مقامه في كتابه الخاصّ بذلك
    ( النصّ والاجتهاد ) 71 مورداً من بدع الغاصبين ، منها : ـ
    1 ـ غصب نحلة الزهراء عليها‌السلام ، وبدعتهم أنّ الرسول لم يورّث ، وهذه بدعة
    الأوّل والثاني .
    2 ـ قتل مانعي الزكاة بما جناه خالد بن الوليد في مالك بن نويرة ، وهذه بدعة الأوّل .
    3 ـ تحريم متعة الحجّ ، ومتعة النساء ، وهذه كانت من قِبَل الثاني .
    4 ـ إسقاط طواف النساء من الحجّ .
    5 ـ إسقاط ( حيّ على خير العمل ) من الأذان .
    6 ـ إدخال الصلاة خيرٌ من النوم في أذان الصبح .
    7 ـ تشريع الطلاق ثلاثاً مؤبّداً في مجلسٍ واحد .
    8 ـ تشريع صلاة التراويح .
    9 ـ حكم الثاني بسقوط الصلاة عند فقدان الماء .
    10 ـ تقديم الثالث رأيه على نصوص الكتاب والسنّة ، كإتمامه الصلاة في
    السفر ، وإعطاءه الخمس لغير بني هاشم ، بل للطريد مروان بن الحكم(1) .
    __________________________________
    (1) لاحظ للاستقصاء كتاب الغدير / ج 6 / فصل نوادر الأثر ، خصوصاً الصفحات : ـ 83 ، 108 ، 187 ،
    282 ، 294 .

    هذه هي البدع المبتدعة التي يأتي بيان فسادها وذمّها في الأحاديث الشريفة .
    وفي هذا الدّعاء الشريف يُطلب من الله تعالى التكميل برفض أهل البدع ،
    وتركهم ، وعدم القبول منهم .
    أي واكمل لي ذلك برفض أهل البدع .
    • قوله عليه‌السلام : ـ ( ومستعملي الرأي المخترع ) عطفٌ على أهل البدَع ، أي واكمل
    لي ذلك برفض مستعملي الرأي المخترع .
    ومستعملي الرأي المخترَع هم الذين اخترعوا رأياً من عند أنفسهم ، وبناقص
    عقولهم ، ثمّ عملوا به وأفتوا على طبقه ، كاختراع القياس في الدِّين .
    والرأي المخترع قسمٌ من البدعة ، لأنّه إدخال ما ليس من الدِّين في الدِّين ،
    خصّص بالذمّ ، وأكّد بالردع .
    ومذموميّة البدعة واختراع الرأي ممّا تظافرت به الأدلّة المعتبرة ،
    والأحاديث الشريفة .
    فتكون صفةً مذمومة منافية للتقوى والصلاح ، فيلزم تركها ، والابتعاد عنها في
    سبيل تحصيل التقوى ، وتزيين الصالحين .
    وممّا ورد في ذمّ البدعة والرأي المخترَع : ـ
    1 / حديث الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما‌السلام قالا : ـ
    ( كلّ بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة سبيلها إلى النار )(1) .
    2 / حديث الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : ـ
    ( لا تصحبوا أهل البدع ، ولا تجالسوهم ، فتصيروا عند الناس كواحدٍ منهم ،
    قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : المرء علىٰ دين خليله )(2) .
    __________________________________
    (1) اُصول الكافي / ج 1 / ص 45 .
    (2) اُصول الكافي / ج 2 / ص 278 .


    3 / حديث أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : ـ
    ( من مشىٰ إلى صاحب بدعةٍ فوقّره ، فقد مشىٰ في هدم الإسلام ) (1) .
    4 / حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ـ
    ( من أحدث في الإسلام ، أو آوى مُحدِثاً ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس
    أجمعين )(2) .
    5 / حديث الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : ـ
    ( إنّ أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس ، فلم تزدهم المقاييس من
    الحقّ إلّا بُعداً ، وإنّ دين الله لا يُصاب بالعقول )(3) .
    وعليه فالبدعة وإحداث الرأي المخترَع من الضلال والباطل ، وقد ارتكب أشنعه
    أهل الخلاف كما ذكر شيءٌ منها في الفصل الثالث من كتابنا : شيعة أهل البيت عليهم‌السلام .
    فقد حكى الزمخشري عن يوسف بن أسباط أنّه قال : ردّ أبو حنيفة على النبيّ
    أربعمائة حديث ...
    قيل : مثل ماذا ؟
    قال : مثل هذا : ـ
    قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « للفرس سهمان » .
    وقال أبو حنيفة : لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن(4) .
    وأشعر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله البُدن .
    __________________________________
    (1) عقاب الأعمال / ص 307 .
    (2) مستدرك الوسائل / ج 12 / ص 322 .
    (3) اُصول الكافي / ج 1 / ص 56 / ح 7 ، وفي الحديث 20 ( أوّل من قاس إبليس ) .
    (4) يردّه أنّ سهمي الفرس من غنائم الحرب يكون لنفس الفارس ، لعنائه ، وتكلّفه مؤونة فرسه ، ومأكله
    واصطبله ، لا لنفس الفرس حتّى يكون سهماً للبهيمة كما توهّم .

    وقال أبو حنيفة : الإشعار مُثلَة(1) .
    وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا » .
    وقال أبو حنيفة : إذا وجب البيع فلا خيار(2) .
    وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يُقرع بين نساءه إذا أراد سفراً .
    وقال أبو حنيفة : القرعة قمار(3) .(4) .
    فتلاحظ أنّ الرأي المخترع ، وهذه البدع كيف تنافي الدِّين وتعارض شريعة
    سيّد المرسلين ، فرفضها من مقوّمات التقوى ، ومن حلية المتّقين .
    هذا تمام الكلام في الصفات العشرين التي هي من حلية أهل الصلاح ، وزينة
    أهل التقوى ، رزقنا الله تعالى العمل بها والبقاء عليها ، إنّه وليّ التوفيق .
    والحمدُ لله ربّ العالمين أوّلاً وآخراً ، وصلواته على رسوله وآله الطاهرين ،
    ولعنته على أعدائهم إلى يوم الدِّين .



    __________________________________
    (1) يردّه أنّ الإشعار الذي هو شقّ سنام البعير من جانبه الأيمن ، وتلطيخ صفحته بدمه من حجّ القران
    الذي يسوق هديه معه ، لمن كان حاضري مكّة ، وكذلك التقليد الذي هو تعليق نعلٍ صلّى فيه في عنقه ،
    إعلاناً بأنّه هديه الذي يسوقه للنحر ، كلّ ذلك شعيرة من شعائر الحجّ الذي ورد في القرآن الكريم في
    قوله عزّ اسمه في سورة الحجّ الآية 36 : ( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّـهِ ) فالردّ على هذه
    الشعيرة ردٌّ على القرآن الكريم .
    (2) يردّه أنّ هذا خيار المجلس الذي هو أمرٌ ثابت في الشريعة المقدّسة للبائع والمشتري ، وتوسعةً
    عليها فيما إذا ندم أحدهما .
    (3) يردّه أنّ هذا الكلام منافٍ للبداهة ، فإنّ المقامرة هي المراهنة ، وأين هي من القرعة التي هي تعويل
    الأمر على اختيار الله تعالى في الأمر المشكل .
    (4) لاحظ تلخيص الرياض / ج 2 / ص 114 .




    الفهرس
    الاهداء 1
    الطليعة 6
    الموادّ 7
    1 / المقدّمة 9
    2 / أخلاق أهل البيت عليهم‌السلام 23
    3 / السيرة الأخلاقيّة العلميّة لأهل البيت عليهم‌السلام 41
    الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله 41
    أمير المؤمنين عليه‌السلام 45
    الصدِّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها‌السلام 51
    الإمام الحسن المجتبىٰ عليه‌السلام 59
    الإمام الحسين عليه‌السلام 61
    الإمام السجّاد عليه‌السلام 65
    الإمام الباقر عليه‌السلام 67
    الإمام الصادق عليه‌السلام 69
    الإمام الكاظم عليه‌السلام 71


    الإمام الرضا عليه‌السلام 73
    الإمام الجواد عليه‌السلام 75
    الإمام الهادي عليه‌السلام 79
    الإمام العسكري عليه‌السلام 81
    الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف 83
    4 / الدروس الأخلاقيّة القوليّة لأهل البيت عليهم‌السلام 87
    5 / مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام الأخلاقيّة 99
    اللَهُمَّ صّلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَحَلِّنِي بِحِلْيَةِ الصَّالِحِينَ ، وَأَلْبِسْنِي زِينَةَ الْمُتَّقِينَ 105
    في بَسطِ العَدل 109
    وكظم الغَيظ 119
    وإطفاء النائِرة 127
    وضمّ أهلِ الفُرقة 137
    وإصلاح ذات البَين 141
    وإفشاء العارفة وسترِ العائبة 145
    ولينِ العريكة 153
    وخَفْضِ الجَناح 161
    وحُسن السّيرة 167
    وسُكون الرّيح 173
    وطيب المخالقة 181
    والسَّبقِ إلى الفضيلة 187
    وإيثار التفضّل 195
    وترك التعيير 203
    والإفضال على غير المستحقّ 207
    والقول بالحقّ وإنْ عَزّ 215

    واستقلال الخير وإن كثر من قولي وفعلي واستكثار الشرّ وإن قلّ من قولي وفعلي 219
    وأكمِلْ ذلكَ لي بدوام الطاعة 225
    ولزوم الجماعة 231
    ورفضِ أهلِ البِدَع ومستعملي الرأي المخترَع 235
    الفهرس 241


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    اخلاق اهل البيت عليهم السلام
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » اهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرأن
    » قصص الانبياء عليهم السلام
    » خصائص الأئمة عليهم السلام : يشتمل على محاسن أخبارهم وجواهر كلامهم ،
    » الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام
    » ادعية اهل البيت في تعقيب الصلاوات

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 35-منتدى كتب سيرة اهل البيت عليهم السلام-
    انتقل الى: