الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
البيت اهل
المواضيع الأخيرة
» المحكم في أصول الفقه [ ج2
تراثنا العدد6 Emptyاليوم في 10:46 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» المحكم في اصول الفقه ج3
تراثنا العدد6 Emptyاليوم في 8:41 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» المحكم في أصول الفقه [ ج4
تراثنا العدد6 Emptyاليوم في 7:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» الصحيفه السجاديه كامله
تراثنا العدد6 Emptyأمس في 9:49 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد [ ج ١ ]
تراثنا العدد6 Emptyأمس في 3:11 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه
تراثنا العدد6 Emptyأمس في 2:36 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» قاعدة لا ضرر ولا ضرار
تراثنا العدد6 Emptyأمس في 8:51 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول المبين
تراثنا العدد6 Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:46 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» ------التقيه
تراثنا العدد6 Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:37 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     تراثنا العدد6

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تراثنا العدد6 Empty
    مُساهمةموضوع: تراثنا العدد6   تراثنا العدد6 Emptyالجمعة نوفمبر 08, 2024 6:39 am

    نظرات سريعة في فنّ
    ( 5 ) أسد المولوي
    إختيار الكتاب وجمع نسخه
    بعد أن استكمل المحقّق عدّته ، وخبر نفسه ـ وكلّ على نفسه بصيرة ـ فوجدها
    قادرة على اقتحام هذا الميدان . . . يجب عليه أن يؤدّي زكاة علمه ، ويخدم امّته ، ويوفي
    بعض الدَّيْن إلى المكتبة الإسلامية المجيدة ، التي أمتعته ساعات طوال من عمره ،
    وفتحت له أبواب رياضها وصدور خزائنها ، وأطلعته على جواهرها وذخائرها .
    إذا أراد هذا العامل في سبيل إحياء مجد اُمّته ، أن يسلك في عداد صانعي هذه
    الثقافة العظيمة ومُيَسِّريها لطلّابها . . . وهو قد عدّ نفسه من الغُيُر عليها المحبّين لها الحانين
    عليها ، الرامين إلى رفعتها وإعلاء شأنها .
    عليه ـ وقد وضع نفسه في هذا الموضع ـ أن يتنكّب سبيل الهدّامين العابثين من
    أعداء الاُمّة الإسلامية أو من أبنائها العققة ، الّذين شغلوا أنفسهم والامة معهم بأخبار
    المُجّان والملحدين ، وبكتبهم وتراثهم المليء بالسموم . . . الضارّ لهذه الاُمّة في حاضرها
    ومستقبلها ، كما ضرها أعظم الضرر في ماضيها .
    وعليه أن يتحرّى في اختيار الكتاب الذي يريد أن يحييه ، أن يكون من
    الكتب التي تنفع الاُمّة وتهديها في حاضرها ومستقبلها ، أو تحفظ عليها شخصيّتها
    وأصالتها أو تكبت أعداءها والحاقدين عليها .
    والاُمّة المسلمة في حاضرها الراهن ـ وهي في بداية صحوتها ـ قد تكالبت قوى
    الكفر عليها ، وتجمّع أعداء الإنسانية ضدّها ، وأجلبوا عليها بخيلهم ورَجِلهم وعَددهم



    وعُددهم .
    الاُمّة المسلمة محتاجة لجهود أبنائها ، فلا يحلّ لأيّ فرد منهم أن يضيع جهوده
    عبثاً فيما لا طائل تحته ، فضلاً عن أن يكون ظهيراً لأعدائها يصنع لهم ما يعود على أبناء
    ملّته بالدمار والخسار ، ويعطّل مسيرة اُمّته نحو استعادة مكانتها التي أرادها لها الله . . .
    خير اُمّة اُخرجت للناس .
    هذه المرحلة ـ مرحلة اختيار الكتاب المراد إحياؤه ـ أخطر مراحل التحقيق ـ فيما
    أرى ـ وأدقّها ، تستدعي من المحقّق المسلم النظر الفاحص ، ودقّة الملاحظة ، والوجدان
    الحيّ ، والغيرة البالغة . . . لأنّ ما ورثناه من الكتب منه ما كتبه المخلصون العارفون ،
    وهو درر خالدة كشجرة طيّبة أصلها ثابت في دين هذه الاُمّة ووجدانها . . . وفرعها في
    السماء متّصل بالمبدأ الأعلى صاحب الجود والفيض والكرم . . . تؤتي اُكلها كلّ حين
    في ماضي الاُمّة وحاضرها ومستقبلها عطاءً ربّانيّاً لا ينقطع بإذن الله تعالى ، وأظهر
    أمثلة هذا النوع تراث أهل بيت الرحمة عليهم السلام وجدّهم الرسول الأعظم صلّى الله
    عليه وآله .
    وممّا ورثناه ـ أيضاً ـ ما كتبه المنحرفون والضالّون وأعداء الإسلام ، ممّن
    اجتالته شياطين الإنس والجنّ ، وأمراض النفس ، ومتع الحياة الدنيئة .
    وممّا ورثناه ـ كذلك ـ هذا الركام الغثّ الفاسد المفسد من أدب عبيد
    السلاطين من الشعراء ، وشعرهم الذي قصروه على مدح الطاغوت والضحك على
    ذقنه ، واستولوا به على أموال الاُمّة يتناهبونه بينهم .
    أنظر إلى الشاعر المتملّق يقول وقد حدثت بمصر زلزلة :
    بالحاكم العدل أضحى الدينُ معتلياً
    نجل الهدى وسليل السادة الصُلَحا

    ما زُلزلت مصر من كيد يُراد بها
    وإنّما رقصت من عدله فرحا

    اُنظر كيف يسقط الإنسان ، وتداس الضمائر ، ويُرقص على أشلاء
    المستضعفين ! . . فالشاعر هنا لم يكتف بمدح طاغوته حتى صوّر الزلزلة المدمّرة بصورة
    الرقص الخليع الذي اعتاده المترفون . ولم يلتفت إلى المستضعفين الّذين هدمت دورهم
    على رؤوسهم وأصبحوا بلا مأوى !
    ومن هذه البابة تجد مؤرّخي السلاطين ووعّاظ السلاطين وفقهاء


    السلاطين . . . إلى آخر القائمة المشؤومة .
    هذا الركام الغثّ لطخة عار في تاريخنا الثقافي . . لا أظنّ المحقّق المسلم ينحطّ
    إلى أن يشغل به نفسه ويضيع به عمره .
    وتراثنا طيّب مبارك ، شمل مختلف حقول المعرفة ، ولم يقتصر على فرع من
    فروعها .
    فكم هي الفائدة التي يسديها المحقّق إلى اُمّته يختار كتاباً من طبّنا القديم ،
    فيخرجه إلى الناس سليماً مفسّراً موضحة عبائره ! عقاقيره من إنتاج بلادنا . . . إن لم تنفع
    الجسم لم تضرّه ، لا كالأدوية المجلوبة من مغرب شمس الفضيلة ، التي يصحّ فيها قول
    الشاعر :
    وداوني بالتي كانت هي الداءُ

    وفي تراثنا الطبّي الكثير الطيّب ، وأودّ أن يعلم أطبّاؤنا الفضلاء أنّ للمعاجم
    الطبّية ـ التي تصف العقاقير وتذكر مقاديرها عند التركيب ـ ركناً كبيراً في مكتبتنا
    الإسلامية .
    وما أظنّ مريض الطبّ الغربي الحالي أحسن حالاً من مريض الرازي أو ابن
    سينا .
    وقد عادت الصين إلى الوخز بالاُبر ـ طبّها القديم ـ تدرسه وتطبّقه في
    المستشفيات .
    وقبلها الهند أدخلت طبّها القديم مادّة دراسية في جامعاتها ، ومادّة تطبيقية في
    مستشفياتها .
    وقل مثل ذلك في علوم الفلاحة والبيطرة وغيرها .
    ونستغني بذلك عن استيراد فسائل النخيل من أمريكا إلى بلاد النخيل !
    خلاصة الأمر أنّ حسن الإختيار ـ بل الإجتهاد في الإختيار ـ هنا واجب عيني لا
    رخصة فيه .
      
    وحين يقع اختيار المحقّق على كتاب لم يحقّق حسب القواعد المتعارفة ، أو
    كانت لديه زيادة تنقير وتدقيق فاتت المحقّق الأول ، أو ظهرت من الكتاب نسخ



    مخطوطة أصيلة تزيد الكتاب ثقة به واطمئناناً إليه واعتماداً عليه . . .
    حينذاك يبدأ سعي المحقّق في تجميع النسخ ، وهي ـ في الوقت الحاضر ـ
    مصوّرات كلّما ازدادت وضوحاً في التصوير ازدادت شبهاً بأصلها ، وحلّت محلّه في
    القراءة وتهيئة النسخة للعمل (1) .
    وهنا تظهر فائدة فهارس المخطوطات ، لمعرفة أماكن هذه النسخ والسعي في
    الحصول على مصوّراتها .
    ولا ننسى الإستعانة بذوي الخبرة في الهداية إلى مظانّها وتقييمها ، وفي إعانتهم
    للمحقّق في تحصيلها بما لهم من صلات مع أصحاب الكتب والقائمين عليها .
      
    فحص النسخ وتقييمها
    وهنا يأتي دور فحص النسخ لاعتماد ما يجب الإعتماد عليه منها وإهمال ما
    ينبغي إهماله .
    وهذا الدور من أهمّ أدوار هذا الفنّ ، لأنّ نتيجة التحقيق وثمرة جهد المحقّق
    مبنيّتان عليه .
    وقد اعتورت مخطوطاتنا ظروف كانت حسنة حيناً سيّئة أحياناً كثيرة .
    وتداولتها ـ بعد أيدي النسّاخ ـ أيدٍ كانت في الغالب غير أمينة :
    فمن متولّي وقف حَسّن له الشيطان وألجأه فقر المجتمع المتخلّف إلى بيع ما
    تحت يده ، فمزّق الورقة الاُولى ليضيع أثر الوقف ، ففوّت علينا معرفة عنوان الكتاب واسم
    مؤلّفه وفوائد اُخر .
    ومن متعصّب ضيّق الاُفق ساءه أن يرى لعالم من غير أهل نحلته أثراً ، فعدا
    عليه تمزيقاً أو شطباً أو محواً أو تحريفاً لما لا يروقه . . .
    ومن وارث جاهل صار ما وصل من ذخيرة الاُمّة إليه لعبة لأطفاله ، مبذولاً
    لكلّ من هبّ ودبّ من معارفه .
    ومن . . ومن . .
    ____________________________
    (1) قلنا هذا ، لأنّ اختبار الورق والحبر لا يمكن إلّا على المخطوطة نفسها .

    دع عنك عاديات الطبيعة في النسخ نفسه من سهو وسبق قلم أو نظر . .
    وعاديات الطبيعة على الكتاب نفسه ـ ورقاً وحبراً ـ من رطوبة وحشرات لها
    بالورق المكتوب ولع غريب .
    وليس معنى هذا إنكار ما لبعض الأيدي ـ متولّية وقف أو وارثة ـ من الأمانة
    والحيطة على الكتاب .
    وليس هو كذلك إنكار فضل اُولئك النسّاخ العارفين الضابطين ، فأنت تقرأ
    في ترجمة ياقوت المستعصمي ـ الخطّاط المعروف ـ أنّه كان مولعاً بنسخ نهج البلاغة بخطّه
    المضبوط الجميل .
    وتقرأ في تراجم كثير من العلماء أنّه كان يكتب خطّاً فصيحاً صحيحاً .
    هذه النوائب التي حلّت بالكتاب ـ وغيرها كثير ـ توجب على المحقّق أن يكون
    مدقّقاً منقّباً حذراً ، ينفض النسخة وجهاً لبطن ، عند فحصه لها .
    وليعلم أن للنسخ التي وصلت إلينا حالات غريبة منها :
    1 ـ أن تكون النسخة كاملة سالمة واضحة الخطّ فصيحته جميلته ، بخطّ مؤلّفها أو
    خط معتمد موثوق به ، أو تكون منقوطة مشكولة شكلاً كاملاً على الصحّة ، أو تحتوي
    ـ من الصور أو الرسوم البيانية أو غير ذلك ـ ما يضنّ به على الضياع .
    فالأَوْلى طباعة هذه النسخة بالتصوير ، كي لا ندخل عليها من سهو القلم
    وأخطاء التطبيع ما يشوّه جمالها ويذهب بصحّتها .
    ولا يعتذرن ـ هنا ـ بصعوبة الحرف المخطوط ، فإنّه أمر مبالغ فيه ، والمطّلعون
    يعلمون أنّ في تراثنا مخطوطات رائعة الجمال تزري بالخطّ الطباعي مهما بلغ من الجمال
    والنظافة ، لأنّ الخطّ الطباعي خطّ ميّت سطرته آلة ميّتة ، وخطّ اليد يستمد حياته من
    اليد التي كتبته .
    والعمل الذي يقوم به المحقّق في هذه النسخة :
    أ ـ أن يقدّم لها مقدّمة وافية في ترجمة المؤلف ووصف النسخة وتوثيق نسبتها
    وبيان أهمّيتها . . .
    ب ـ أن يذيّلها بهوامش التحقيق الكافية ، وبالفهارس التي توصل القاریء إلى



    مطالبها (1) .
    2 ـ أن تكون النسخة من المطبوعات القديمة التي ضاعت اُصولها المخطوطة ،
    وهذه ينبغي الحذر عند تحقيقها والتثبّت البالغ ، وأن يوكل أمرها إلى شيوخ المحقّقين .
    3 ـ المترجمات إلى اللغات الاُخرى ـ غير العربية ـ التي ضاعت اُصولها المخطوطة ،
    والعمل في هذا النوع ملقى على عاتق المترجم العارف ، ويجدر به أن يستعين في ترجمتها بما
    سلم من كتب المؤلف باللغة العربية ، وبما نُقل من نصوص الكتاب في الكتب
    الاُخرى .
    وبعد هذه العجالة ـ التي لا يتّسع المقام لأكثر منها ـ نعود إلى التقسيم الإعتيادي
    للنسخ ، وهو أمر متّفق عليه ـ أو يكاد ـ بين جمهرة المشتغلين بهذا الفنّ .
    وعندهم أنّ أعلى النسخ هي النسخة التي كتبها المؤلف في آخر صورة أخرج
    بها كتابه للناس .
    أو كتبت بخطّ معتمد وقرأها المصنّف أو قرئت عليه وسجّلت عليها هذه
    القراءة .
    أو نسخة كتبت من نسخة المصنّف وعورضت بها أو قوبلت عليها .
    أو نسخة كتبت في عصر المصنّف وعليها سماعات العلماء .
    أو تكون النسخة من النسخ التي حظيت باهتمام العلماء بالقراءة أو الإجازة أو
    السماع ، وأن يكون فيها ما يدل على التصحيح .
    هذه النسخ تقوم إحداها مقام الاُخرى عند فقدانها ، وهي النسخة التي يعبّرون
    عنها بالأصل أو الاُمّ .
    وهذا القول ليس على إطلاقه فإنّ لكلّ نسخة من الخصائص ما يضطرّ المحقّق
    إلى اعتمادها أو تركها ، فَرُبَّ نسخة لم يشفع لها قدمها أو حسن خطّها أو كتابة عالم
    معروف لها . ورُبّ نسخة تقدّمت على نسخة أقدم منها أو أحسن خطّاً .
    وعند اعتمادنا نسخة أصلاً تكون النسخ الاُخرى مساعدات في القراءة والنقط
    والضبط وزيادة ما أسقطه السهو . . . وأشباه هذه الاُمور .
    ____________________________
    (1) اُنظر في هذا الباب : في منهج تحقيق المخطوطات ـ مطاع الطرابيشي ـ ص 68 ـ 72 .

    هذا مجمل القول في نسخة الأصل .
    وتبقى عندنا الكثرة الكاثرة من النسخ التي لا تملك من مميّزات النسخة
    الأصل شيئاً ، أو التي يؤخّرها التقييم عن مرتبة الأصل ، ولكن لها من القرائن الداخلية
    أو الخارجية ما يمنحها الثقة بها والركون إليها .
    هذه النسخ أجود الطرق في تحقيقها الطريقة المعروفة بـ ( التلفيق ) وعلينا
    ـ والحالة هذه ـ أن نخرج من مجموع هذه النسخ نصّاً مرضيّاً ، نتحرّى فيه الصحّة والكمال
    جهد الطاقة .
    وفي الحواشي مضطرَب واسع لإثبات الإختلافات بين النسخ وتوجيهها ،
    ولتسجيل ما يعنّ لنا من ملاحظات واستدراكات وتوضيحات . وينبغي أن لا يفوتنا
    من النسخ شيء ذو فائدة ، فنسجّل كل ما نعثر عليه . . فرُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه
    منه .
    وفي طريقتَي التحقيق ـ طريقة الأصل أو طريقة التلفيق ـ تجب المحافظة على
    كل ما كتب في النسخ أو في هوامشها ممّا له علاقة بالكتاب بتسجيله في هوامش
    التحقيق .
    للبحث صلة . . .


    من
    المعجم الموسوعي
    لألفاظ القرآن الكريم
    ( 1 ) عبد الحسين محمد علي البقّال
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين ، وآله الطيّبين ،
    وصحبه المنتجبين . . .
    وبعدُ ؛ . . .
    فالبحث هنا نأتي عليه من خلال :
    أولاً : المقدّمة
    ـ 1 ـ
    إنّ لغتنا الرسالية هي لغة حيّة معطاءة ؛ وليس بكثير عليها إذا قلنا عنها : إنّها
    تضاهي سائر اللغات العالمية ، إن لم تكن ـ كما هو الواقع ـ السبّاقة والرائدة من
    بينها .
    لغتنا ؛ واُريد بها تلك العربية المبينة التي تخصّنا نحن المسلمين قاطبة ، المجتمعين
    على رفع راية ؛ لا إلٰه إلّا الله ، محمد رسول الله .
    نعم ، لغتنا ، وهي كلمة الربّ إلى جميع عباده ؛ في قرآنه المبين وسُنّته الشريفة ،
    والروائع من نهج أئمّة أهل بيت رسوله الأمين ، وصحبهم الصلحاء المتّقين .
    اللغة النظامية الإنسانية ؛ الشاملة شمول وعموم ودقّة ونظامية وكونية الدين
    الحنيف ، الذي يسقي الحياة حياة سعيدة ، بفيض كؤوسه وديمومة دواليه .

    ـ 2 ـ
    وهي بعد كذلك ، رموز الفطرة ، وإشارات الخَلَجات النفسية ، فعبارات
    الروابط الإجتماعية ، إلى كونها مصطلحات في مختلف مجالات العلاقات الدولية ؛ بل ،
    وإلى شتّى الشؤون العالمية .
    هي تاريخ حكاية العقيدة والعاطفة ، الروح والجسد ، في سلوكاتها المَرئيّة
    وغير المَرئيّة ؛ صائرةً بين الخوف والرجاء ، من الله وإلى الله ؛ ثقة واطمئناناً ؛ حُبّاً
    ووفاءً ، التزاماً وتضحيةً ؛ سعادةً وخلوداً .
    هي قصّة الحضارة والمدنيّة ، ومفردات الصياغة القانونية ، في جميع الميادين ،
    وسائر التطبيقات .
    بل ، هي حروف التربية المسؤولة ، وسطور الإقتصاد المتكافیء ، وتعابير
    السياسة الدعائية ، وغيرها من بقيّة الظواهر الحياتية .
    ـ 3 ـ
    أليست هي لغة الإنسان الرسالي ؛ اللغة الاُمَمِيّة الخالدة خلود شرائع
    الإسلام ، الهديّة الناطقة بعظمة مُهديها ، والمُنزَّلة إلى خليفته في الأرض ، الذي يفترض
    فيه أن يكون بمستوی آمالها ؛ ثمّ له بعد أن يُبدع بجديد المعاني ، على ضوءٍ من مواصفاتها
    وَمجازاتها . . .
    أليست هي لسان حال الثوّار ، إسماعيل وهود وصالح ، محمد وخديجة ، علي
    وفاطمة ، سُمَيَّة وعمّار ، زينب والحسين ؟ !
    وهل مِن شكٍّ ، في أنّها هي هي أصوات سائر المناضلين الأحرار ؛ المدويّة من
    أجل : إحياء المُثُل والقِيَم ، وتحقيق كرامة بني الإنسان .
    ـ 4 ـ
    فيا لَلُغَة القرآن من لغة بنّاءة ـ إنْ هي تُركت كما اُريد لها ـ : وَفِيّةً بشفاء
    الصدور ، ثريّةً بإعمار القلوب ، ندِيةً بترانيم الحبّ ، زخّارةً بأسباب الوحدة والتوحيد ،



    حَنِيّةً بتطبيب النفوس .
    وما أروعها من وسيلة بيان ، . . .
    ما أدراك بها من وسيلة ، الضرورة تقضي بلزوم فهمها ومتابعتها ؛ ثم وجوبِ
    اتّحاد النطق تحت لوائها .
    ولكن ، ينبغي أن يُفهم ومنذ البداية ؛ أن لا تنافي في الوقت نفسه ، بين وجوب
    الإلتزام بها ، ووجوب مراعاة الخصوصيّات الإقليمية والقومية وغيرهما ، لتلك اللغات
    الإنسانية المتوارَثة مِن عداها ، طالما لا تتعارض ومبادیء ، خاتمة الأديان .
    وكيف لا يجبُ احترامُ تلك المتوارَثة ؛ وهذا القرآن الكريم نفسه بين أيدينا
    يُعَدُّ التاريخَ الصادق ، لما جاء فيه ـ على قولٍ ليس بالخَفِيّ ـ من نماذجها .
    أجل ، بوركت لغتنا ، نحن المسلمين كل المسلمين ، شعوباً وقبائل ، عَرَباً وغير
    عَرَب ؛ ما كان هناك مكان ، وأنّى بقي في البين زمان .
    ـ 5 ـ
    وأمّا المنهج الذي سوف نتّبعه في فهرسة موادّ هذا المعجم ؛ فهو باختصار : الآخذ
    بالترتيب المزدوج : الإشتقاقيّ منه ، والهيئتيّ .
    هو الترتيبُ الآتي على كِلا الحُسْنَيْن ؛ بأن يُفهرس المفردات لأجل دراستها ،
    ولكن بحسب جذور اُسَرِها الإشتقاقية ، وبذلك يحفظ للكلمة كينونيّتها العائلية .
    ويُفهرس الهيئات مجرّدة ، محالة ـ كما هي ـ على موادّها ، بحسب صورها
    الظاهرية ، وبذلك يتيسّر استخراجها ومعرفة اُصولها بنقلة واحدة ، وخاصة تلك
    الغربية الإشتقاق منها ، كما هو الحال مَثلاً في طائفة من مفردات افتعل ، اضطرب
    واضطهد . . .
    ـ 6 ـ
    وأمّا الكلمة المُنْتَخَبة ، التي سنخصّص لها حلقتنا هذه ؛ فهي : أرائك .
    من حيث اشتقاقها ؛ باعتبارها مشتقّة ، مع تحديد مادّتها ، حسب موازين
    الصرف والصرفيّين .

    ومن حيث معانيها في اللغة ، ثم في القرآن والحديث ؛ ومن ثمّ الكيفية في توحيد
    تلك المعاني .
    وهكذا ، إلى كلّ ما هو متيسّر في مقدورنا من بحث جوانبها ، وبحدود اطّلاعنا
    من مصادرها ؛ والله من وراء القصد .
    ثانيا : الأرائك
    ونأتي عليها من خلال الحقول الآتية :
    الحقل الأول
    في : آياتها المباركة
    حيث قد وردت في سورة : أ . الكهف ، آية : 31 ب . يس ، آية : 56
    ج . الإنسان ، آية : 13 د . المطفِّفين ، آية 23 ، 35
    الحقل الثاني
    في : المقصد والمستعمل منها
    حيث لم ترد مع الأرائك ، من بقيّة المشتقّات من اُسرتها ؛ غيرها .
    كذلك ؛ فإنّ لفظ الأرائك ، قد ورد في القرآن الكريم خمس مرّات فقط ؛
    وهي جميعاً في وصف أهل الجَنّة (1) .
    الحقل الثالث
    في : الصرف ووجه التسمية
    ـ 1 ـ
    هكذا وردت بصيغة الجمع ، لِمُفْرَدَة « أريكة » (2) ؛ وهي التي على زِنة
    ____________________________
    (1) يُنظر : دراسات مقارنة في المعجم العربي : 18 ، تأليف الدكتور يعقوب بكر ، جامعة بيروت العربية ، سنة
    1970 م .
    (2) يُنظر : معجم الفاظ القرآن الكريم : م 1 ص 36 .


    فعلية ، مؤنّث فعيل ؛ من الفعل : أَرَكَ بالمكان يأرك : أقامَ به (3) .
    وقد تُجْمَع : على : اُرُك ؛ كما يقال : سفينة وسفائن وسُفُن (4) ؛ وقد تُجْمَع
    أيضاً على : أرِيك (5) .
    ـ 2 ـ
    ووجه التسمية :
    إمّا لكونها في الأرض ، متّخَذة من أراكٍ . وهو شَجَرةٌ .
    أو لكونها مكاناً للإقامة ؛ من قولهم : أَرَك بالمكان اُروكاً ؛ وأصل الاُروك
    الإقامة على رعي الأراك ، ثُمّ تُجُوِّزَ به في غيره من الإقامات (6) .
    الحقل الرابع
    في : قائمة المعاني
    وهي كما يلي :
    أوّلاً : الوسادة بلحاظ الأريكة ؛ والوسائد بلحاظ الأرائك (7) .
    وقيل : الطِنْفَسَة أو الوسادة ، وفُسِّرت الطِنْفَسَةُ بـ : البِساط (Cool .
    ثانياً : كلُّ ما اتُّكِیء عليه (9) .
    أو بتعبير : كلُّ ما يُتَّكَأ عليهِ ، مِن مِسْوَرة وغيرها (10) .
    أو بتعبير : كلُّ ما اتُّكِیء عليهِ ، مِن سرير أو فِراش أو مِنَصَّة ؛ وفي الحديث :
    ____________________________
    (3) يُنظر : معجم الألفاظ والأعلام القرآنية : ص 36 ، ومجمل اللغة : 1 / 181 ، وأساس البلاغة : ص 5 .
    (4) يُنظر : التبيان : 8 / 468 ، والجامع لأحكام القرآن ـ تفسير القرطبي ـ : 15 / 44 .
    (5) يُنظر : دراسات مقارنة في المعجم العربي : ص 18 .
    (6) معجم مفردات ألفاظ القرآن ـ مفردات الراغب الأصفهاني ـ : ص 12 ؛ ويُنظر : التحقيق في كلمات القرآن
    الكريم : 1 / 59 ؛ وفيه : « . . . من الأوقات » ، وهو تصحيف .
    (7) يُنظر : التبيان : 8 / 468 ، ومجمع البيان : 8 / 429 .
    (Cool التحقيق في كلمات القرآن الكريم : 1 / 58 ـ 59 .
    (9) الغريبين للهروي : 1 / 40 ، ومجمع البيان : 8 / 429 .
    (10) التبيان : 10 / 213 ، ومجمع البيان : 10 / 410 ؛ والمِسْوَرة : التي يُتَّكَأ عليها ، كما في فقه اللغة وسرّ
    العربية ـ للثعالبي ـ : ص 249 .

    « ألا هل عسى رجلٌ يبلغُهُ الحديث عنّي ، وهو مُتَّكِیء على أريكَتِهِ ، فيقول : بيننا
    وبينكم كتابُ الله » (11) .
    ثالثاً : السرير ، بلحاظ الأريكة ؛ والأسِرّة ، بلحاظ الأرائك (12) .
    قال ذو الرمّة :
    خدودٌ جَفَت في السير حتى كأنَّما
    يُباشِرْنَ بالمَعْزاءِ مَسَّ الأرائكِ (13)

    وجَفَت ؛ أي : خَشُنَت وصَلُبَت .
    والمَعْزاء : الأرض الغليظة ، فيها حَصَى (14) .
    يقولُ : مِن شِدَّةِ الحاجةِ إلى النوم ؛ يَرَوْن الأرضَ الصلبة ذات الحِجارة مثل
    الفُرُش على الأرائك ـ وهي : السُرُر ـ ؛ ويُرَوى : « خدوداً » ، على أنّه مفعولٌ لِفعلٍ في
    البيت قبله (15) .
    رابعاً : مَقْعَدٌ مُنَجَّدٌ يُجْلَسُ عليه ، ويكون محوطاً بالستائر والزينة (16) .
    خامساً : الفُرش في الحِجال .
    أو بتعبير : الفُرش فوق الأسِرَّة (17) .
    سادساً :
    أ ـ سريرٌ في حَجَلة .
    أو بتعبير : السريرُ في الحَجَلة ؛ أو : الأسِرَّةُ في الحِجال ؛ أو : سُرُر في الحِجال ؛
    أو : السرير في الحَجَلة ؛ من دونه سِترٌ ، ولا يُسَمّى منفرداً أريكة (18) .
    يقول ابن فارس : سمعتُ علي بن إبراهيم القطّان ، يقول : سمعتُ ثعلباً ، يقولُ :
    ____________________________
    (11) النهاية في غريب الحديث والأثر : م 1 ص 40 ؛ ويُنظر : معجم ألفاظ القرآن الكريم : م 1 ص 36 .
    (12) التبيان : 7 / 40 .
    (13) المصدر نفسه : 7 / 40 ، و 8 / 468 ؛ ويُنظر : ديوان ذي الرّمة : ص 442 ، ومجاز القرآن : 1 / 401 ، وتفسير
    الطَبَري : 15 / 148 ، ومجمع البيان : 6 / 466 .
    (14) التقفية في اللغة : ص 46 .
    (15) الجامع لأحكام القرآن : م 10 ح 19 ص 137 ( الهامش )
    (16) معجم الألفاظ والأعلام القرآنية : ص 36 .
    (17) يُنظر : التبيان : 7 / 40 ، ومجمع البيان : 10 / 410 ، والجامع لأحكام القرآن : م 5 حـ 10 ص 398 .
    (18) يُنظر : معجم مقاييس اللغة : 1 / 84 ، والغريبين : 1 / 40 ، والتبيان : 7 / 40 ، و 10 / 213 ، والنهاية :
    1 / 40 .


    الأريكة لٰا تكون إلّا سريراً مُنَجَّداً في قُبَّةٍ ، عليه شَوارُهُ ونَجْدُهُ (19) .
    ب ـ الحِجال فيها الأسِرّة (20) .
    ج ـ وهذه التعابير ، في « أ » و « ب » ؛ كلُّها تَؤُولُ إلى مؤدَّى واحد ؛ تَتَّحِدُ
    فيه : في وسطه « في » ؛ ثمّ تتوزّعُ بعد ذلك ، لِتتبادَل المراكزَ في طرفيه ، في مُقَوِّمَيْهِ
    « السرير » و « الحَجَلة » .
    وهذه المُداعبة في الألفاظ ـ إن صَحَّ مثلُ هذا القول ـ ؛ ولعلّها من قبيل كون
    الحركة والاتّجاه :
    تارةً من السرير ـ وهو الداخل في ـ ، يمشي برجليه إلى الحَجَلة ـ وهي المدخولُ
    فيها ـ وتارة من الحَجَلة ـ وهي المدخولُ فيها ـ تُقْبِلُ بوجهها على السرير في مكانِه ،
    فتحتضِنُهُ ليدخُلَ فيها .
    بل ، لعلّه من حيثُ التقديمُ والتأخير ؛ مِن قبيل ما في التعبير القرآني ـ وما
    أروعه ـ :
    « . . . مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ . . . » ؛ في سورة الطور ؛ آية : 20 .
    و « . . . سُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ . . . » ؛ في سورة الزخرف ؛ آية : 34 .
    نعم ؛ فَبُورِكْتِ مِنْ حَجَلةِ مسّراتٍ ، على اسم الله ، وبٱسمِ الله ، وفي حُبِّ الله .
    نعم ؛ وعندها يحلو القولُ : أريكةٌ ويا لكِ من أريكةٍ ، في شِرعةِ التقى والنُهى .
    د ـ وأمّا الحَجَلَة ـ بالتحريك ـ ؛ فهي : « بيت كالقُبَّة يُسْتَرُ بالثياب ، وتكون
    لُه أزرارٌ كِبار ؛ وتُجْمَعُ على حِجال » .
    وأمّا الأعشى ، فقد أنشد :
    بين الرواقِ وجانبٍ من سترها
    منها وبين أريكةِ الأنضادِ

    أي : السرير في الحَجَلة (21) .
    ____________________________
    (19) مُجمل اللغة : 1 / 181 ، ويُنظر : الصاحبي في فقه اللغة : ص 98 .
    (20) مجمع البيان : 10 / 410 .
    (21) النهاية : 1 / 346 ؛ وفي ديوان الأعشى ، القصيدة 16 ، البيت الرابع .
    إلّا أنّه ينبغي أن يُعلم : أنّ المطبوع في كِلا المصدرين : « . . مِن سيرها منها . . » .
    وهو تصحيف ، قد تنبَّه له الدكتور يعقوب بكر ؛ حيث قال في كتابه « دراسات مقارنة في المعجم العربي »
    ص 19 :

    والأنضاد : جمع نَضَد : وهو ما يوضَعُ عليه الثياب (22) .
    سابعاً :
    أ ـ الحِجال على السُرُر (23) .
    يقول ابن فارس : « الأريكة : الحَجَلة على السرير ، لٰا تكونُ إلّا
    كذلك » (24) .
    ب ـ السُرُر عليها الحِجال (25) .
    ج ـ وأغلَبُ الظنّ : أَنّ التوجيه هنا ، لِما بين تعبيري « أ » و « ب » ، من تقديم
    وتأخير ؛ هو من قبيل ما ذُكِرَ ، في رقم « سادساً » السابق .
    ولَعلَّهُ يُرادُ به في « أ » : جَلبُ الإنتباه إلى الحِجال ، لِحِكمةٍ اقتضته مهمّةُ
    الكاتب .
    ولَعلَّهُ يُرادُ به في « ب » : لفتُ النظر إلى السُرُر ، لِغايةٍ في نفس يعقوب ، كما
    يقولون .
    د ـ وأمّا الطُرْفَةَ بين تعبير : « السرر في الحجال » ؛ وتعبير « الحِجال على
    السُرر » فيما أحسب . . .
    نعم ، فالأمر فيما يبدو من قبيل : الفرق بين البناء العموديّ ، والبناء الاُفُقِيّ ،
    من قبيل : الشُقق في عمارة ، والبيوت متجاورة .
    بلى ، هو من قبيل : داخلٍ ومدخولٍ فيه ، في خَطٍّ اُفُقِيّ .
    وفوق وتحت ، في خطٍّ عموديّ .
    ____________________________
    « الرواق : مُقَدَّمُ البيت . الأنضادُ : جمع نَضَد : وهو ما نُضِدَ من متاع : أي ما جُعِلَ بعضُه فوق بعض . سترها :
    ستر الحبيبة . فيها : في الخيمة .
    وفي المطبوع : ( من سَيْرها منها ) ، وقد أصلحناه كما تَرى » .
    يُنظر : التبيان : 7 / 40 ، وديوان الأعشيين ـ طبع بيانه ـ : ص 344 ، وتفسير الطبري : 15 / 148 ، ومجاز
    القرآن : 1 / 401 .
    (22) يُنظر : فقه اللغة وسِرّ العربية ـ طبع البابي الحلبي ـ : ب 23 ف 18 ص 250 ، والنهاية في غريب الحديث
    والأثر : 5 / 71 ، ومعجم مفردات ألفاظ القرآن : ص 517 .
    (23) التبيان : 8 / 468 .
    (24) مجمل اللغة : 1 / 181 .
    (25) مجمع البيان : 8 / 429 .


    هـ ـ ثمّ إنّ الشيخ الطوسيّ ـ رحمه الله ـ قال : « الحَجَلة ؛ كالقُبَّة على
    الأسِرّة » (26) .
    بينما الشيخ الثعالبي يقول : « ولٰا يُقالُ : أريكة ؛ إلّا إذا كان عليها حَجَلة ؛
    وإلّا ، فهي سرير » (27) .
    كما قال نفسه أيضاً : « فصل في السرير . . . ؛ فإذا كان للعروس وعليه
    حَجَلة ، فهو أريكة » (28) .
    الحقل الخامس
    في : هُويّة الكلمة
    ـ 1 ـ
    قيل : إنّ لفظ الأرائك من كلام أهل اليمن ؛ حيثُ نُقِلَ عن الحسن البصري
    قوله : « كُنّا لا ندري ما الأرائك ، حتى لَقِينا رجلاً من أهل اليمن ، فأخْبَرَنا : أنّ
    الأريكة عندهم : الحَجَلة فيها سرير » (29) .
    ـ 2 ـ
    وذكر السيوطي : أنّ ابن الجوزي حكى في كتابه « فنون الأفنان في علوم
    القرآن » : انّ الأرائك هي السُرُر بالحبشية .
    ونقول : إنّه ليس في الحبشيّة شيء من ذلك (30) .
    ـ 3 ـ
    وقال يعقوب بكر : ويزعم جَفْري : ص 53 : أنّ لفظ الأرائك من أصلٍ
    ____________________________
    (26) التبيان : 10 / 302 .
    (27) فقه اللغة وسِرّ العربية : ب 3 ق 1 ص 50 .
    (28) المصدر نفسه : ب 23 ف 18 ص 250 .
    (29) الصاحبي ـ طبعه الشُوَيمي بيروت 1964 م ـ : ص 58 .
    (30) يُنظر : الإتقان في علوم القرآن : 1 / 137 .

    إيراني « مفقود » .
    ولكن ؛ « مادّة أرك » ، التي اشتُقّت منها « أريكة » ، « عربيّة
    ساميّة » (31) .
    ـ 4 ـ
    وأقولُ : هي عربيّةٌ .
    وذلك ، لوجود جذرها واشتقاقاتِها ومصاديق خارجية لهيئاتها ومعانيها ، كما
    أسلَفنا في ذكرِ البعض منها .
    علماً ؛ بأنّ قولَنا هذا ، لٰا يتنافى وكونها مستعملة يمانية وحبشية ؛ وحتى فارسية
    ـ هذا على فرض صِحّة ما استدلّ بهِ عليها ـ .
    حيثُ أنّ هجرةَ اللغات وتزاوجها ، هو أمر واقع منذ القدم في التاريخ ، وحتى
    يومنا الحاضر .
    كما أنّ له من واقعنا المعاصر ، أكثرُ مِن مثالٍ ومثالٍ ومثال .
    ـ 5 ـ
    هذا ، إذا لم نذهب مع مَن يقول : إنّ اللغة العربية منشأ اللغات الحيّة ، كلّ
    اللغات .
    وأمّا على مقولة مَن يقول : إنّ إسماعيل وإسحاق ، رَجُلَي اللغتين ـ والحديث
    هنا عنهما ـ العربية والفارسية ؛ هما ولدا الخليل ( عليهم السلام ) وإنّ خليل الله نبيُّ
    عربيّ ؛ فالمسألة عندئذ بمثل هذا الرجوع التاريخي محلولة .
    ـ 6 ـ
    وبالمناسبة ، فإنّ في النفس شيءٌ من مقولة البصريّ ـ إن صَحَّ النقل عنه ـ :
    « كُنّا لا ندري . . . » .

    ____________________________
    (31) دراسات مقارنة في المعجم العربي : ص 19 .


    حيث أنّي أعتقد : أنّ الدرايةَ في لغة القرآن ، ورواية كلّ ما يَمُتُّ لها بصلة ؛
    حصلت تامّةً شاملةً ؛ في زمن الرسول نفسه ( صلّی الله عليه واله وسلّم )
    نعم ، كونُها غامَت ، أو حصَلَ لها ما يحجبُها ، فتلك مسألةٌ اُخرى .
    ولكن ، مِن جهة ثانية ، الأمرُ جدّ بسيطٍ وسهل ، إن هو بُحِث عنه عند الاخذين
    بحجزةِ مَن لاينطق عن الهوى ، وخاصّة عند أئمّة العصمة ( عليهم السلام ) .
    وهم جميعاً بلا شكّ موجودون ؛ والبصري ـ وأمثاله ـ لا يخفى عليه ذلك ، إن
    صدق ما نُسِبَ إليه .
    الحقل السادس
    في : توحيد الاُصول
    والبحث فيه بحث عن :
    أ ـ مقولة ابن فارس
    قال ابن فارس : « الهمزة والراء والكاف : أصلان ؛ عنهما يتفرّع المسائل :
    أحدهما : شجر
    والآخر : الإقامة » (32) .
    وقال أيضاً : « . . . والأصل الثاني : الإقامة ؛ حدّثني ابن البُستي ، عن ابن
    مسبِّح ، عن أبي حنيفة ، قال :
    جعلَ الكسائيّ : الإبل الأراكية ؛ من الاُروك ، وهو : الإقامة .
    قال أبو حنيفة : وليس هذا مأخوذاً من لفظ الأراك ، ولٰا دالّاً على أنّها مقيمةٌ
    في الأراك خاصّة ؛ بل ، هذا لكلّ شيء ، حتى في مُقام الرجل في بيته ؛ يُقال : منه
    « أرَكَ يأرَكُ ويأرُكُ اُروكاً ؛ وقال كُثَيِّر في وصف الظُعُن :
    وفوق جمالِ الحيِّ بيضٌ كأنّها
    على الرَّقم أرْآمُ الأثيل الأواركُ

    والدليل على صِحّة ما قاله أبو حنيفة ؛ تسمِيَتُهم السرير في الحَجَلة :
    أريكة » (33) .
    ____________________________
    (32) معجم مقاييس اللغة : م 1 ص 83 .
    (33) المصدر نفسه : م 1 ص 84 .


    ب ـ مقولة الراغب الأصفهاني
    قال الراغب : « وأصلُ الاُروك : الإقامة على رعي الأراك ؛ ثُمَّ تُجُوِّزَ بهِ في
    غيره من الإقامات » (34) .
    جـ ـ مقولة الدكتور يعقوب بكر
    قال الدكتور : وتدلّ مادّة « أَرَك » على معنى الطول ، في كثيرٍ من اللغات
    الساميّة ، ونلحظ هذا المعنى في هذا الجزء من مادّة « أَرَك » كما أوردها صاحب اللسان :
    « أرَك الرجلُ بالمكانِ يأرُك ويأرَِكُ اُرُوكاً ، وأرِكَ أرَكاً ؛ كِلاهما : أقامَ بِه .
    وأركَ الأمَر في عُنُقِه : ألزمَهُ إيّاه » ؛ فلَعَلّ معنى الطول لوحِظَ في الأريكة
    بالمعنى المذكور ، فهي مبسوطةٌ ممدودة (35) .
    كما يُعَقِّب على تعليل الراغب الأصفهاني : « . . . أو لكونها مكاناً للإقامة » :
    يُعَقِّب بقوله : « والإقامة كما قلنا فيها معنى الطول » (36) .
    د ـ مع الدكتور وطول الإقامة
    وأقول : إنّي وإن كنت أتّفق والاُستاذ الدكتور ، من حيث التأصيل إلى المعنى
    الواحد .
    بيد أنّي أعتقد : أنّ المصير إلى « إقامة » ، هو أدلّ معنى وأكثر واقعيةً وأشدّ
    جاذبيّة وحيويّة .
    ناهيك عن ضرورة مراعاة المفهومية ، في الصيرورة إلى معنى الطول ؛ حيث هي
    تتّسع في أبعادها للطول وغيره ، كما سنرى .
    بل ، وهذا البُعد يُفهم كذلك من نفس نصّ الدكتور ؛ حيث يقول :
    « والإقامة كما قُلنا فيها معنى الطول » .
    هـ ـ مقولة المصطفوي
    قال الاُستاذ : « والذي يظهر من هذه الكلمات ، ومن موارد استعمال هذه
    المادّة :
    ____________________________
    (34) معجم مفردات ألفاظ القرآن : ص 12 .
    (35) دراسات مقارنة في المعجم العربي : ص 19 .
    (36) المصدر نفسه .


    أنّ الأصل الواحد فيها : هو الإقامة والسكون ؛ والأريكة ـ فعيلة ـ : ما يُقام ويُهَيّأ ؛
    كالفريضة : لما يُفْرَض من الحكم والصدقة ؛ والسكينة : لِما يُسكَن من الوقار
    والطمأنينة ؛ والحديقة : لِما يُطاف ويُحاط .
    ومن هذا المعنى ؛ ما يُقام ويُهيّأ ويُزيَّن للعروس ، حتى تقوم فيها ما كانت
    عروساً .
    فهذا المعنى يشمل مجموعَ ما يُهيّأ بهذا المنظور ؛ من السرير والفرش والكرسيّ
    والبساط والستر ؛ ويُعَبَّر عنها بالحَجَلة ؛ فتخصيصُ الأريكة بالسرير أو بالبساط أو
    الفراش أو غيرها ، غير وجيه .
    ولا يبعدُ أن يكون الأراك : وهو الشجر الذي يُستاكُ بفروعه وأطيب ما رعته
    الماشية ، أيضاً مأخوذاً من هذا المعنى .
    فاللفظ في الأصل ، كان صِفَة على وزن جَبان .
    أو مَصدَراً ؛ ومعناه : المُقيم الساكن ؛ باعتبار كون الشجرة خضراء ناعمة ،
    كثيرة الورق والأغصان ؛ أو باعتبار إقامة الناس عندها لاتّخاذ المساويك ، والماشية
    للرعي ؛ فهو بمعنى المفعول » (37) .
    و ـ كلمة تعقيب
    وحيثُ أنّ الصياغة فارسية بعض الشيء ، في نصّ الاُستاذ المصطفوي ؛ فلذا
    جاء كلامه مُغلقاً إلى حدّ ما ، . . .
    ذلك أنّ عبارة : « هو الإقامة والسكون » ؛ يبدو من الأفصح أن تكون
    « الإقامة والسُكنى » .
    وعبارة : « حتى تقوم فيها » ؛ تُبدَل إلى : « حتى تقوم فيه » .
    وعبارة : « بهذا المنظور » ؛ تُبدَل إلى : « بهذا المنظار » .
    وعبارة : « غير وجيه » ؛ تُبدَل إلى : « ترجيح مِن غير مرجِّح » .
    وعبارة « وأطيب ما رعته الماشية » ؛ إلى : « وهو أطيب ما رَعَتهُ الماشية » .
      
    ____________________________
    (37) التحقيق في كلمات القرآن الكريم : م 1 ص 59 ـ 60 .


    الحقل الأخير
    في : الرأي المختار
    وأستعرضُهُ من خلال ما يأتي :
    ـ 1 ـ
    ومن البداية ؛ حيثُ المبحوثُ عنه :
    أصلان ؛ كما هو الحال عند ابن فارس ؛ والذي هو ـ بحدود اطّلاعي ـ : الرائد
    لفكرة تأصيل المفردات ، على مستوى مُعجَمي :
    وأصل واحد ، كما يُسْتَشَفّ من كلام الدكتور يعقوب بكر ، وإن كان بمعنى
    الطول فيما يرى .
    وأصل واحد ؛ كما هو الحال عند المصطفوي ، والذي هو ـ بحدود اطّلاعي أيضاً ـ
    أوَّل من يوحِّد بين ذينك الأصلين ، المنقولين عن ابن فارس .
    وحقيقة ومجاز ؛ كما يفهم من قول الراغب الأصفهاني ، باعتبار : أنّ الإقامة
    هي الأصل ، وما عداه تُجُوِّزَ به .
    هكذا يبدو .
    ـ 2 ـ
    ويبدو لي : أنّ الوسط ؛ وهو الذي يذهب إلى كون الأصل واحداً ؛ هو الأضبط .
    كما وأنّه بتعبير آخر : يُرادِف الحقيقة .
    ـ 3 ـ
    نعم ، الحقيقة تكمن في البداية ، وهي الأصل .
    نعم ، تبدأ من : أرك ﹹِ اُروكاً . . . . ، في معنى : الإقامة .
    ثمّ صارت إلى المشتقّات . . .
    ثمّ تجسَّدَت شعاراً في الشجر الأراك ، تحملُ حروفَ الفعلِ ، الشجر ذي



    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تراثنا العدد6 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تراثنا العدد6   تراثنا العدد6 Emptyالجمعة نوفمبر 08, 2024 6:44 am

    المواصفات المعيَّنة : باعتباره عاملاً مساعداً ومشجِّعاً على السكنى والإستقرار ولو وقتيّاً .
    وذلك ، نظراً لأهميّته الخاصّة ، في سكن الإنسان ، وانتفاعه منه صحّيّاً
    ومعيشيّاً ؛ وبالخصوص ، في وسطٍ صحراويّ قاحل ، بساطُه الرمضاء ، وظلالُه الشمس
    المحرِقة ، ونسيمُه السَموم اللاهبة .
    أجل ، تكونُ فيه مثلُ هذه الشجرة المِسواك ، الوارِفةِ الضِلال نسبِيّاً ؛ ما أعزَّهُ
    وأثمنه مِن مسكَنٍ يُقامُ فيه ، طلباً للراحة ، ومأكلاً للراحلة .
    وهل يقوى البدويّ في صحرائه على الإقامة ، في غير الأراك ، وفي أرائك
    الأراك ؟ !
    ـ 4 ـ
    وهكذا انتقلت عدوى الإقامة ؛ من فعل الأراك ، إلى شجر الأراك ، إلى كلّ
    أريكة يستريحُ إليها الإنسان ؛ كلٌّ حسبَ ظروفِه المادّية ، ومقوِّماته الحضاريّة ، وعاداتهِ
    البلديّة .
    فأريكة الفقير غير أريكة متوسّط الحال ، وهي عند متوسّط الحال غيرها عند
    الثريّ .
    ثمّ هي في الصحراء غيرها في الريف ، وفي الريف غيرها في المدينة ؛ بل ، هي
    المدن ذاتُها تتفاوت في أرائكها .
    ناهيك عن دور الذوق ، وبُلَهنِية العيش ، ونفس ساكن الأريك في إقبال
    الدُنيا عليه . . . ، كلٌّ له مدخليّته في التنويع ، والتزويق ، والتجميل .
    فأريكة المحبوب غير أريكة السلطان .
    وأريكة التقي غير أريكة الشيطان .
    وأريكة الجائع غير أريكة الشبعان .
    وأريكة الأراك غير أريكة الأرضين « ما بين صنعاء إلى أيلَة وما بين عَدَن إلى
    الجابية » (38) في تراث الأقدمين .
    وأريكة الأرضين غير أريكة جنان الخالدين ؛ فتلك لَئِن كانت مصنوعة ـ ورُبَّما
    ____________________________
    (38) الجامع لأحكام القرآن : م 5 حـ 10 ص 398 .

    كان أصلُ سريرِها من الأراك ـ من الخشب والفُرش والثياب . . .
    فإنّ هذه المعدَّة للمؤمنين المتّقين ، معمولة من الذهب ؛ وهي مكلَّلَة
    بالدرّ والياقوت . . . . (39) .
    ـ 5 ـ
    ليس هذا فقط ؛ مصاديق حِسّية ومعنوية ، على تنويع الأرائك ، بعد استفادة
    معنى الإقامة منها .
    وإنّما الإقامة تُسْتَفادُ من نفس الصيغة ؛ حيث أنّ صيغة فعيل ، هي واحدة من
    الصفات التي استعملتها العرب ، وأقرّها القرآن الكريم ، وأنّها تعني فيما تعني : الدلالة على
    ثبوت النسبة .
    طبعاً ، الإقامة المستفادة هنا هي : الإقامة المكانية .
    ـ 6 ـ
    وهكذا نعود إلى عالم المعاني .
    فبلحاظ الوسادة والفرش والسرير ؛ فإطلاق الأريكة عليها ، من باب إطلاق
    الكلّ على الجزء .
    وبلحاظ « السرير في الحَجَلة » فإنّ إطلاق الأريكة عليها ؛ إنّما هو من حيث
    كون العِلاقة بين « السَرير » و « الحَجَلة » هي علاقة داخلٍ ومدخولٍ فيه .
    وبلحاظ « الحجلة على السرير » ، فإنّ إطلاق الأريكة عليها ، إنّما هو من حيث
    كون العِلاقة بين « الحَجَلة » و « السَرير » ، هي علاقةُ فوقٍ وتحت .
    ـ 7 ـ
    ثمّ هي الأريكة ؛ إنْ هي نُظِرَ إليها ، بلحاظ فعل الاُروك ، الذي استُعمِل في
    إرادة الإقامة حقيقةً .

    ____________________________
    (39) يُنظر : المصدر السابق نفسه ، والتبيان : 10 / 302 .


    فهي من قبيل المجاز « المحقَّق » ، إن جازَ مثلُ هذا التعبير ؛ بمعنى : أنّها صُيِّرت
    حقيقةً ، بعدما كانت أساساً مَجازاً ، حيث هي أحدُ مصاديق طيب الإقامة .
    وعليه ؛ فالفرق بين أريكة المجاز المحقَّق ، وفعل اُروك الإقامة ؛ إنّما هو من قبيل
    الفرق بين المفهوم والمصداق ، كما هو متعارف بين الاُصوليّين والمناطقة .
    ليس هذا فقط ؛ وإنّما وَصَلَ الحالُ عند مَن يعيش عيشة الأرائك ، أن اُضْربَ
    عنده عن ذلك المعنى المجازيّ ونُسِي ؛ بل ، تَسَنَّمَ مرتبة الحقيقي ؛ بينما ذلك الفعل
    الحقيقي ، تسافل مع الأيام عن واقعه الأصلي ، ليعيشَ غريباً في ذِمَّةِ التراث .
    ـ 8 ـ
    وأمّا المعنى المجازي ، في أرائك القرآن الكريم ، تلك التي اُعِدَّت للمتّقين ؛ فهو
    الذي سيُصار به إلى حقيقة الحقيقة .
    وهذا هو بيتُ القصيد ؛ حيث يُرَكِّزُ كتابُ الله ، على ذلك الحُلُم ، الذي
    سيكونُ حقيقة ، فتكون الأرائك حيالها :
    أرائك ؛ نِعْم الثواب . . .
    أرائك ؛ لَمّ شمل الأحِبّة . . .
    أرائك ؛ نظرة النعيم . . .
    أرائك ؛ لٰا شمس ولٰا زمهرير . . .
    أرائك ؛ استعراض التثويب . . .
    بل ، تلك هي الأرائك المَطْمَح ؛ والتي تتصاغر عندها أرائك الملوك وأرباب
    الملوك وحَفَدة الملوك ، ومَن تَشَبَّه بهم . . .
    وتنكسف قبالها : كلُّ الألوان المبهرجة ، والأضواء المزيّفة ، كلّ ما يَمُتّ إلى هذه
    الحياة ـ أعني غير المشروعة ـ الدنيا بِصِلة .
    فتستريح عندها الأوردة المذبوحة ظلماً ، والقلوب المتعَبَة قسراً ، والكرامات
    المهدورة تجبّراً ، والأعصاب المرهقة عدواً .
    وإنّما هي ظِلال ونسائم وأحاديث الحبيب .
    وعندها يحلو وصل الحبيب ، حبيب الرحمن .

    فتحقَّق كلمات السلام .
    فكل الوجود يُصَفِّق لأرائك السلام ويقول :
    يا سَلام !
    للبحث صلة . . .


    موقف الشيعة من هجمات الخصوم
    وخلاصة عن كتاب عبقات الأنوار السيد عبد العزيز الطباطبائي
    نشأ الصراع الفكري حول خلافة أمير المؤمنين عليه السلام واستحقاقه لها منذ
    عهد الصحابة ، ومن نماذج ذلك ما كان يجري من محاورات بين عمر وابن عبّاس (1)
    ثم تطوّر هذا الصراع الفكري حيث كان الواجهة النظرية للصراع السياسي ، فسرعان
    ما تطوّر إلى صراع دموي وملاحقة لشيعة علي عليه السلام ومحبيه بالقتل والإبادة ،
    وذلك منذ عهد معاوية والحكم الاُموي حتى القرن الخامس والعهد السلجوقي .
    وإليك نماذج للعهدين :
    فممّا في عهد معاوية ما رواه المدائني في كتاب « الأحداث » ، قال : « ثمّ
    كتب [ معاويةَ ] إلى عمّاله نسخة واحدة إلى جميع البلدان : اُنظروا من قامت عليه البيّنة
    أنّه يحبّ عليّاً وأهل بيته ، فامحوه من الديوان ، وأسقطوا عطاءه ورزقه .
    وشفع ذلك بنسخة اُخرى : من اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنَكِّلوا به ،
    واهدموا داره . . . » (2) .
    وأمّا في العهد السلجوقي ـ بل ومن قبله نحو قرن ـ كانت المعارك الدموية
    والمجازر الطائفية تتجدّد في بغداد كل سنة ، خاصّة في شهري محرّم وصفر ، حيث
    كانت الشيعة تعقد مجالس العزاء للحسين عليه السلام وتقيم له المآتم فتثور ثائرة اشياع
    ____________________________
    (1) راجع : تاريخ اليعقوبي 2 : 149 و 259 ، تاريخ الطبري 4 : 227 ، شرح ابن أبي الحديد 1 : 189 و
    194 و 2 : 57 .
    (2) شرح ابن أبي الحديد 11 : 45 .

    آل أبي سفيان فتهاجمهم بالقتل والحرق والنهب .
    راجع « المنتظم » لابن الجوزي ، و « الكامل » لابن الأثير ، و
    « عيون التواريخ » لابن شاكر ، و « مرآة الزمان » لسبط ابن الجوزي ، و « تاريخ
    الإسلام » للذهبي ، و « البداية والنهاية » لابن كثير ، وغيرها من المصادر التاريخية
    التي تتحدّث عن الحوادث والكوارث حسب السنين سنةً فسنة .
    وفي بعض تلك السنين كانت الكارثة تتجاوز الأحياء إلى الإعتداء على
    الأموات وقبورهم ، ومن الشيعة إلى الأئمّة عليهم السلام أنفسهم .
    يقول سبط ابن الجوزي في حوادث سنة 443 هـ ـ بعد ما يؤرّخ ما دار فيها
    من المعارك الدامية والفظيعة ـ :
    وأتى جماعة إلى مشهد موسى بن جعفر رضي الله عنهما فنهبوه وأخذوا ما فيه ،
    وأخرجوا جماعة من قبورهم فأحرقوهم مثل العوني الشاعر والناشیء والحدوجي ،
    وطرحوا النار في ضريح موسى ومحمد ، فاحترق الضريحان والقباب الساج ، وحفروا
    ضريح موسى ليخرجوه ويدفنوه عند الامام أحمد بن حنبل ! ! (3)
    وتكرّر إحراق مشهد الإمامين عليهما السلام في عام 448 هـ أيضاً ، قال في
    « مرآة الزمان » : « وفي صفر كُبست دار أبي جعفر الطوسي فقيه الشيعة بالكرخ ،
    واُخذ ما كان فيها من الكتب وغيرها ، وكرسيّ كان يجلس عليه للكلام ، ومناجيق
    بيض كان الزوار من أهل الكرخ قديماً يحملونها معهم إذا قصدوا زيارة المشهدين ، فاُحرق
    الجميع في سوق الكرخ . . .
    وفي مستهلّ ربيع الآخر قصد الزهري وابن البدن وجماعة من أهل باب البصرة
    والحربية ونهر طابق ودرب الشعير والعلايين مشهدَ موسى بن جعفر ومعهم فيه [ كذا ]
    بقصائد في حريق المشهد وسنّموا قبور المشهد وفعلوا كلّ قبيح ، وانتقل العلويون منه ولم
    يبق فيه إلّا القليل ، فمن القصائد :
    يا موقد النيران في المشهدِ
    بورك في كَفَّيْك من موقدِ !

    ____________________________
    (3) وراجع « الكامل » لابن الأثير ، حوادث 443 هـ ، ج 9 ص 57 ـ 577 ، قال : « وجرى من الفظائع
    ما لم يجرِ مثله في الدنيا » .


    ( إلى آخر القصيدة ) ، ومن اُخرى :
    سل دارسات الطلولِ
    كم بينها من قتيلِ

    ( إلى آخرها ) ، قال :
    وفي ثامن ربيع الآخر عاد الزهري وابن البدن والجماعة المقدَّم ذكرهم إلى
    المشهد وسنّموا ضريح موسى بن جعفر والجواد وجميع القبور ، وصعد على ضريح الإمام
    رجل وقال : يا موسى بن جعفر ، إن كنت تحبّ أبابكر وعمر فرحمك الله ، وإن كنت
    تبغضهما فـ . . .
    وصعد آخر يعرف بابن فهد فركض عليه ، فيقال إنّه انتفخت قدماه . . . » .
    ونعود فنقول : إنّهم قد :
    أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا
    في قتله فتتبّعوه رميما

    ولسنا نؤرّخ هذا النوع من الصراع اللا إنساني ، وإنّما أشرنا إليه كي نبرهن
    أنّ اليأس من الغلبة الفكرية تلجیء اليائس البائس إلى . . . ؟
    نعم ، ظهر في النصف الأول من القرن الثالث كتاب « العثمانية » للجاحظ
    يهاجم فيه الشيعة ، وينكر الضروريّات ، ويجحد البديهيات ، كمحاولته لجحود شجاعة
    أمير المؤمنين عليه السلام ! ممّا وصفه المسعودي بقوله في مروج الذهب 3 : 237 : « طلباً
    لإماتة الحقّ ومضادّة لأهله ، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون » .
    فسرعان ما انثالت عليه ردود كثيرة ، ونقضه عليه قوم حتى من غير الشيعة
    وممّن يشاركه في نحلته ، بل نقضه الجاحظ هو بنفسه ، فإنّه كان صحفيّاً يُستخدم
    لأغراض إعلامية لقاء اُجور معيّنة ، فيكتب اليوم شيئاً ويكتب في غده خلاف ذلك
    الشيء بعينه .
    ولعلّه كان هو اول من نقضه ، فقد ذكر له النديم في « الفهرست » ص 210
    كتاب « الردّ على العثمانية » وهذا غير كتابه الآخر « فضل هاشم على عبد شمس » (4) .
    وما إن ظهر هذا الكتاب ـ العثمانية ـ إلّا وانثالت الردود عليه في حياة الجاحظ
    ____________________________
    (4) اُنظر كتاب « الفهرست » للنديم ص 209 ، وأدرجه القيرواني في « زهر الآداب » 1 : 59 ، والأربلي في
    «كشف الغمّة » ، والقندوزي في « ينابيع المودّة » في الباب 52 .
    وطبع بالقاهرة سنة 1933 ضمن « رسائل الجاحظ » جمع السندوبي من ص 67 ـ 116 ونشر في مجلة


    من كل حدب وصوب ، ومن كل الطوائف المسلمة ، فمنها ـ سوى ما تقدّم ـ :
    2 ـ « نقض العثمانية » لأبي جعفر الاسكافي البغدادي المعتزلي ، المتوفّى
    سنة 240 هـ ، وقد نشره ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة ، وطبع مستقلاً مع
    « العثمانية » في مصر .
    3 ـ « نقض العثمانية » لأبي عيسى الوراق محمد بن هارون البغدادي ،
    المتوفّى سنة 247 هـ .
    4 ـ « نقض العثمانية » لثُبيت بن محمد أبي محمد العسكري ، مؤلف
    « توليدات بني اُميّة في الحديث » [ النجاشي رقم 299 ، الذريعة 288 : 24 ] .
    5 ـ « نقض العثمانية » للحسن بن موسى النوبختي ، ذكره المسعودي في
    مروج الذهب 3 : 238 .
    6 ـ « الردّ على العثمانية » لأبي الأحوص المصري المتكلّم [ الذريعة
    10 : 211 ] .
    7 ـ « نقض العثمانية » للمسعودي ، مؤلف مروج الذهب ، قال فيه
    2 : 338 : « وقد نقضت عليه ما ذكرناه من كتبه ككتاب العثمانية وغيره ، ونقضها
    جماعة من متكلّمي الشيعة . . . والمعتزلة تنقض العثمانية . . » .
    8 ـ « نقض العثمانية » للمظفّر بن محمد بن أحمد أبي الجيش البلخي
    المتكلّم ، المتوفّى سنة 367 هـ [ النجاشي : رقم 1128 ، الذريعة 24 : 289 ] .
    9 ـ « نقض العثمانية » لأبي الفضل أسد بن علي بن عبد الله الغساني
    الحلبي ( 485 ـ 534 هـ ) عمّ والد ابن أبي طيّ الحلبي [ لسان الميزان 1 : 383 ] .
    10 ـ « بناء المقالة الفاطمية ( العلوية ) في الردّ على العثمانية » للسيد
    ابن طاووس وهو جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن موسى الحسني الحلّي ، المتوفّى سنة
    673 هـ .
    ____________________________
    « لغة العرب » البغدادية 9 : 414 ـ 420 بعنوان « تفضيل بني هاشم على من سواهم »
    وطبعه عمر أبو النصر في مطبعة النجوى ببيروت سنة 1969 م ضمن كتابه « آثار الجاحظ » من
    ص 193 ـ 240 .
    وراجع مجلة « المورد » البغدادية ، المجلّد السابع العدد الرابع ، وهو عدد خاصّ بالجاحظ ص 289 .


    نسخة منه مكتوبة في حياته بخطّ تلميذه ابن دواد ـ صاحب « الرجال » ـ فرغ
    منها في شوّال سنة 665 هـ ، في مكتبة الأوقاف في بغداد ، رقم 6777 .
    وعنها مصوّرة في المكتبة المركزية بجامعة طهران ، رقم الفلم 976 ، كما في فهرس
    مصوّراتها 1 : 291 .
    ونسخة في كليّة الحقوق في جامعة طهران ، كتبت سنة 1091 هـ ، رقم 70 د ،
    ذكرت في فهرسها ص 261 .
    وعنها مصوّرة أيضاً في المكتبة المركزية لجامعة طهران ، رقم الفلم 1375 ،
    مذكورة في فهرسها 1 : 291 .
    ونسخة في مكتبة السيد الحكيم العامة ، في النجف الأشرف ، رقم 462 ،
    كتبت سنة 1347 هـ .
    وطبعته دار الفكر الأردنية في عمّان سنة 1405 هـ ، في جزءين بتحقيق
    الدكتور إبراهيم السامرائي .
    وحقّقه العلّامة السيد علي العدناني وسوف يقدّمه للطبع قريباً إن شاء الله
    تعالى .
    ويستمر الصراع الفكري والحرب الباردة بين الطوائف المتخاصمة والمبادیء
    المتضاربة وإن تخلّلتها نماذج من الصراع الدموي .
    وموقفَ الشيعة كان في هذه القرون الأربعة من كل ذلك موقف الدفاع وصدّ
    الهجمات ، فظهرت الكتب تهاجم الشيعة ، وألّفت الشيعة كتباً تردّ عليها وتدافع عن
    مبدئها وكيانها .
    وإليك نماذج من ذلك ، ولا نذكر لكلّ قرن إلّا نموذجاً واحداً فإنّه لا مجال هنا
    لأكثر من ذلك ، وأمّا استيعاب ذلك فيملأ مجلّدات ، وربّما كان ما يخصّ قرننا الذي
    نعيش فيه يشكل بمفرده مجلّداً ! إذ صدر أخيراً في الباكستان وحدها زهاء مائتي كتاب
    يهاجم الشيعة ! وإلى الله المشتكى .
    ففي القرن السادس
    كتب بعض أحناف الريّ من بني المشّاط ـ وجَبُن أن يصرّح باسمه ـ كتاباً


    سمّاه « بعض فضائح الروافض » هاجم فيه الشيعة وتحامل عليهم ، فردّ عليه معاصره
    نصيرالدين عبدالجليل القزويني الرازي بكتاب سمّاه « بعض مثالب النواصب »
    نقض عليه كل ما جاء به وفنّده واشتهر باسم « النقض » وهو مطبوع مرتين بتحقيق
    المحدّث الاُرموي رحمه الله .
    ومنه مخطوطة في مكتبة البرلمان الإيراني السابق ، كتبت في القرن الثامن .
    وفي القرن السابع
    مُنِيَ الناس بالغزو المغولي فذُهلوا عن كلّ شيء .
    وفي القرن الثامن
    ظهر ابن تيميّة فتحدّى كل المذاهب وعارضها ، فكفّره أعلام عصره ، وألّف
    ـ فيما يخصّ الشيعة ـ كتاب « منهاج السُنّة » فدلّل على جهله وانحرافه عن علي
    عليه السلام ، وبغضه له ، وهو آية النفاق .
    فكتب بعض معاصريه كتاباً في الردّ عليه سمّاه « الإنصاف والإنتصاف
    لأهل الحقّ من الإسراف » تمّ تأليفه سنة 757 هـ .
    ونسخة عصر المؤلف موجودة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد ،
    برقم 5643 .
    ونسخة اُخرى في دار الكتب الوطنية في طهران ( كتابخانه ملّي ) ، رقم 485 ع .
    واخرى في كلية الحقوق بجامعة طهران ، رقم 130 ج .
    وفي القرن التاسع
    ألّف يوسف بن مخزوم الأعور الواسطي كتاباً هاجم فيه الشيعة ، وهو الذي
    ترجم له السخاوي في الضوء اللامع 10 : 338 وقال : « يوسف الجمال أبوالمحاسن
    الواسطي الشافعي ، تلميذ النجم السكاكيني . . .
    رأينا له مؤلَّفاً سمّاه : الرسالة المعارضة في الردّ علی الرافضة » .


    فردّ عليه الشيخ نجم الدين خضر بن محمد الحبلرودي (5) في سنة 839 هـ في
    الحلّة فألّف كتاباً سمّاه « التوضيح الأنور بالحجج الواردة لدفع شبه الأعور » (6) .
    وكتب بعد ذلك بسنة ـ سنة 840 هـ ـ في الحلّة أيضاً الشيخ عزّ الدين الحسن بن
    شمس الدين محمد بن علي المهلّبي الحلّي كتاباً في الردّ على الأعور بأمر الشيخ
    جمال الدين ابن فهد ، وسمّاه « الأنوار البدرية في كشف شبه القدرية » (7) .
    وفي القرن العاشر
    ألّف ابن حجر الهيتمي ـ المتوفّى سنة 973 هـ ـ كتابه « الصواعق المحرقة »
    ألّفه سنة 950 هـ في مكّة المكرّمة وقد أثارته كثرة الشيعة والرافضة بها كما ذكر في
    خطبة الكتاب .
    فردّ عليه في الديار الهندية القاضي نور الله التستري ، الشهيد سنة 1019 هـ
    بكتاب سمّاه « الصوارم المهرقة » وقد طبع في إيران سنة 1367 هـ واُعيد طبعه
    بالاُفست فيها أيضاً مؤخّراً .
    وردّ عليه بالديار اليمنية أحمد بن محمد بن لقمان ، المتوفّى سنة 1029 هـ بكتاب
    سمّاه « البحار المغرقة » ذكره الشوكاني في البدر الطالع 1 : 118 .
    وفي القرن الحادي عشر
    طمع السلطان مراد الرابع العثماني ( 1032 ـ 1049 هـ ) في العراق ـ وكان
    تحت سلطة الدولة الصفوية ـ فعزم على حرب إيران وهو يعلم أنّه لا قِبلَ له بالحكم
    الصفوي ، فلجأ إلى إثارة الطائفية من جديد ، واستنجد بعلماء السوء علماء البلاط ، ليفتوه
    بجواز إثارة الحرب الداخلية بين المسلمين ، وإباحة سفك الدماء المحرّمة وقتل النفوس
    ____________________________
    (5) حبلرود : من قرى الريّ ، في شرقيّها ، في طريق مازندران ( طبرستان ) .
    (6) منه نسخة كتبت سنة 1001 هـ ، في مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام العامة في النجف الأشرف .
    ونسخة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد ، رقم 398 .
    (7) منه نسخة في مكتبة آية الله الحكيم العامة في النجف الأشرف ، رقم 197 .

    المحترمة ، فلم يجرأ أحد منهم على ذلك إلّا شابّ (Cool يدعى نوح أفندي ، من أذناب
    المنافقين ، ومن دعاة التفرقة ، حريص على الدنيا ، فأفتى حسب ما يهواه السلطان وباع
    دينه بدنيا غيره ، فأصدر فتوى بتكفير الشيعة تحت عنوان : من قتل رافضيّاً واحداً وجبت
    له الجنّة ! ! سبّبت قتل عشرات الاُلوف ، فدارت رحى الحرب الداخلية تطحن المسلمين
    من الجانبين طيلة سبعة أشهر ، إبتداءً من 17 رجب سنة 1048 ـ 23 محرّم سنة
    1049 = 15 / 11 / 1638 ـ 17 / 5 / 1639 حيث عقدت معاهدة الصلح في مدينة قصر
    شيرين وأدّت إلى انتهاء الحرب .
    ولكن ما إن خمدت نيران الحرب إلّا وأشعلوا نيران الفتن لإبادة الشيعة داخل
    الرقعة العثمانية استناداً إلى هذه الفتوى ، فأخذ السيف منهم كلّ مأخذ ، وأفضعها مجزرة
    حلب القمعية ، فكانت حلب أشدّ البلاد بلاءً وأعظمها عناءً لأنّها شيعية منذ عهد
    ____________________________
    (Cool توفّي نوح أفندي الحنفي في عام 1070 هـ ، ولم يؤرّخوا ولادته ، فلو قُدِّر أنّه عاش سبعين سنة فعند الفتوى
    ـ في سنة 1048 هـ ـ يكون ابن 48 سنة ، ولو كان عُمِّرَ ثمانين سنة يكون عندها ابن 58 سنة ، ولا شك أنّه
    كان يتواجد عند ذاك من شيوخ الإسلام ومشيخة الدولة العثمانية عشرات العلماء ممّن هو مقدَّم على نوح
    في سنّه وعلمه وفقهه وشعبيّته ، ولكنّهم صمدوا أمام ضغط البلاط ولم يجرأ أحد منهم على إصدار كلمة
    واحدة توجب الشقاق والتفريق بين المسلمين وتُتّخذ ذريعة لسفك الدماء ، وسبي النساء ، وذبح الأبرياء
    وهتك الأعراض ، ونهب الأموال ، وقد قال صلّی الله عليه وآله وسلّم : « من أعان على دم امریءٍ مسلم ،
    ولو بشطر كلمة ، كُتِب بين عينيه يوم القيامة : آيس من رحمة الله » [كنز العمّال 15 : 31 بألفاظ مختلفة
    ومصادر شتّى ، عن أبي هريرة وابن عمر وابن عبّاس ] .
    وفي رواية : « لو أنّ أهل السماوات وأهل الأرض اجتمعوا على قتل مسلم لَكَبَّهم الله جميعاً على
    وجوههم في النار ، لو أنّ أهل السماء والأرض اجتمعوا على قتل رجل مسلم لعذّبهم الله بلا عدد ولا حساب »
    [ كنز العمّال 15 : 33 ] .
    وهذا أمر متسالم عليه بين الفريقين ، مرويٌ بالطريقين ، فقد روى الكليني في الكافي 2 : 274 / 3 ،
    والصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه 4 : 68 / 201 ، وفي عقاب الأعمال : 326 ، والبرقي في كتاب
    المحاسن ، 103 / 80 ـ وفيه عن أبي جعفر عليه السلام ـ ، والشيخ الطوسي في أماليه 1 : 201 ، عن الإمام
    الصادق عليه السلام ، « من أعان على [ قتل ] مؤمن بشطر كلمة لقي الله عزّ وجلّ يوم القيامة مكتوب بين
    عينيه : آيس من رحمتي » .
    وروى الكليني في الكافي 7 : 272 / 8 ، والصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه 4 : 70 / 214 ، وفي
    عقاب الأعمال : 328 ، عن النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم : « والذي بعثني بالحقّ لو أنّ أهل السماء
    والأرض شركوا في دم امریءٍ مسلم [ أ ] ورضوا به لأكَبَّهم الله على مناخرهم في النار » .
    وما رواه الفريقان في هذا المعنى كثير ، راجع « وسائل الشيعة » 8 : 617 ـ 618 و 19 : 8 ـ 9 ، و
    « مستدرك الوسائل » 3 : 250 ـ 251 .


    الحمدانيّين ، فجرّدوا فيهم السيف قتلاً ونهباً وسبياً وسلباً ، فلم يبق منهم إلّا من لجأ إلى
    القرى والضواحي .
    والفتوى ـ بنصّها العربي ـ مدرجة في كتاب « العقود الدُريّة في تنقيح الفتاوى
    الحامدية » ص 102 من الجزء الأول (9) ، جاء فيها :
    « ومن توقّف في كفرهم وإلحادهم ووجوب قتالهم وجواز قتلهم ، فهو كافر
    مثلهم ! . . . » إلى أن يقول في ص 103 : « فيجب قتل هؤلاء الأشرار الكفّار ، تابوا أولم
    يتوبوا . . . ولا يجوز تركهم عليه بإعطاء الجزية ، ولا بأمان مؤقّت ولا بأمان مؤبّد . . .
    ويجوز استرقاق نسائهم ، لأنّ استرقاق المرتدّة بعدما لحقت بدار الحرب جائز ، وكلّ
    موضع خرج عن ولاية الإمام الحقّ ! فهو بمنزلة دار الحرب ، ويجوز استرقاق ذراريهم تبعاً
    لاُمّهاتهم » .
    أقول : « كُبُرَتْ كلمةً تخرجُ من أفواههم إنْ يقولون إلّا كَذِباً تكادُ السمواتُ
    يتفطّرْنَ منه وتنشقُّ الأرضُ وَتخِرُّ الجِبالُ هَدّاً » فإنّا لله وإنّا إليه راجعون . . الله يعلم
    كم سَفَكتْ هذه الفتوى من دم حرام ، وقَتلتْ من نفوس محترمة ، فقد راح ضحيّتها في
    مجزرة حلب القمعيّة وحدها أربعون ألفاً من الشيعة ، وفيهم الاُلوف من الشرفاء من ذرّيّة
    رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم .
    فأرسل السيد شرف الدين علي بن حجّة الله الشولستاني ـ من علماء النجف
    الأشرف آنذاك ـ هذه الفتوى إلى إيران للسعي في وضع حدّ لهذه المجازر .
    فتصدّى له الشيخ عزّ الدين علي نقي الطغائي الكَمَري ، قاضي شيراز ،
    وشيخ الإسلام بأصفهان ، المتوفّى سنة 1060 هـ ، فألّف في الردّ عليه وفي تفنيد مزاعمه
    وإبطال مفترياته كتاباً حافلاً سمّاه « الجامع الصفوي » (10) .
    ____________________________
    (9) ونسخة الأصل من نصّ الفتوى الصادرة بالتركية لا زالت محفوظة في خزائن البلاط العثماني ، ونشرت في
    الفترة الأخيرة في الجزء الثاني من كتاب « لا مذهب لرى » وقد طبع في إسلامبول باللغة التركية ، وطبعت
    فيه الفتوى عن النسخة الأصلية المحفوظة في مركز الوثائق في مكتبة طوپ قپوسراي ، وهي مكتبة البلاط .
    (10) من « الجامع الصفوي » نسختان في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام ، في مشهد ، برقم 127 ورقم 9773 ،
    ذكرتا في فهرسها 11 : 117 .
    وفي مكتبة السيد المرعشي العامة ، في قم ، ثلاث نسخ بالأرقام 290 و 3654 و 4046 ، مذكورة في
    فهرسها 1 : 335 و 10 : 49 و 11 : 46 .

    كما خصّص المغفور له العلّامة السيد عبد الحسين شرف الدين الفصلَ التاسع
    من كتابه القيّم « الفصول المهمّة في تأليف الاُمّة » لهذه الفتوى والردّ عليها جملةً جملة .
    كما تجد الردّ الوافي والجواب الشافي على هذه الفتوى المشؤومة في الأجزاء
    غير المطبوعة من كتاب « الغدير » لشيخنا الحجّة العلّامة الأميني رحمة الله عليه .
    القرن الثاني عشر
    ظهر كتاب في التهجّم على الشيعة باسم « الصواقع الموبقة » لمؤلف يدعى
    نصر الله الكابلي ، وهو نكرة لم يعرف ، ولا تُرجم له في معاجم التراجم ، كما أنّي لم
    أعثر على من أعاره اهتماماً فردّ عليه .
    لو كلّ كلب عوى ألقمته حجراً
    لأصبح الصخر مثقالاً بدينارِ

    ولعلّهم استغنوا عن الردّ عليه بردودهم الكثيرة على كتاب « تحفه
    اثنى عشريه » إذ هو يعتبر ترجمةً له ومسروقاً منه .
    القرن الثالث عشر
    ربّما كان الخلاف القائم بين الطائفتين يرتكز على أمر الخلافة فالصراع الفكري
    كان يدور حولها عبر القرون الغابرة .
    ثم ظهر المولوي عبد العزيز الدهلوي فسعى لتوسيع شُقّة الخلاف وتعديته إلى
    كلّ النواحي والأطراف ، فلم ، يقف في تهجّمه على الشيعة عند مباحث الإمامة
    والخلافة شأن من تقدّمه ، ولكنّه أسرف وأفرط فتجاوز الإمامة إلى النبوّة ، ثمّ لم يقف
    عندها حتى تعدّاها إلى الإلهيّات والمعاد والخلافات الفقهية وغيرها وغيرها ، ووضع
    كتاباً لهذا الغرض سمّاه « تحفه اثنى عشريه » وجعله اثني عشر باباً .
    فالباب الأول في تاريخ الشيعة وفرقها .
    والباب الثاني في مكائدها !
    والباب الثالث في أسلافها وكتبها .
    والباب الرابع في رواة الشيعة وأخبارها .
    والباب الخامس في الإلهيّات .


    والباب السادس في النبوّات .
    والباب السابع في الإمامة .
    والباب الثامن في المعاد .
    والباب التاسع في المسائل الفقهية .
    والباب العاشر في المطاعن .
    والباب الحادي عشر في الخواصّ الثلاث ، وهي الأوهام والتعصّبات
    والهفوات .
    والباب الثاني عشر في الولاء والبراء .
    وسبقه إلى ذلك ـ كما تقدّم ـ نكرة شاذّ مثله يدعى نصر الله الكابلي ، فألّف
    كتاباً بادر فيه إلى توسيع شقّة الخلاف وتسريتها إلى أبعد الحدود في كتاب سمّاه
    « الصواقع الموبقة » طَرَق فيه هذه الأبواب كلّها ، بحيث يُعدّ كتاب التحفة ترجمة له أو
    سرقة منه .
    وما إن ظهر الكتاب ( تحفه اثنى عشريه ) إلّا وانثالت عليه الردود من كلّ
    حدب وصوب ، وتناوله أعلام الطائفة وأبطال ذلك العصر ، المدافعون عن الحقّ ،
    المجاهدون في الله وإعلاء كلمته والحفاظ على دينه ، فردّوا عليه أباطيله وزيفوا تمويهاته
    جملة وتفصيلاً .
    فمنهم من نقض الكتاب كلّه ، ومنهم من نقض منه باباً أو أكثر ، فمن الفريق
    الأول :
    1 ـ الشيخ جمال الدين أبو أحمد الميرزا محمد بن عبد النبي بن عبد الصانع
    النيسابوري الهندي الأكبرآبادي الأخباري ، المقتول سنة 1232 هـ .
    له مشاركة في كثير من العلوم وألّف كتباً كثيرة منوّعة ومنها كتابه في الردّ على
    التحفة الإثني عشرية بكامله ، سمّاه « سيف الله المسلول على مخرّبي دين الرسول »
    ولقّبه بـ « الصارم البتّار لِقَدّ الفُجّار وقَطّ الأشرار والكفّار » ، كبير في ستّ مجلّدات .
    الذريعة 10 : 190 و 12 : 288 و 15 : 3 ، الأعلام للزركلي 6 : 251 ،
    معجم المؤلفين 9 : 31 ، أعيان الشيعة 9 : 392 .
    2 ـ الميرزا محمد بن عناية أحمد خان الكشميري الدهلوي ، الملقّب بالكامل


    والمشتهر بالعلامة ، نزيل لكهنو ، المتوفّى سنة 1235 هـ .
    كتب السيد إعجاز حسين الكنتوري عن حياته كتاباً مفرداً وترجم له في
    كتابيه « شذور العقيان » و « كشف الحجب » ص 579 .
    وأشهر كتبه وأحسنها هو كتابه « نزهة الإثني عشرية في الردّ على التحفة
    الإثني عشرية » نقض فيه أبوابه الإثني عشر كلّها ، أفرد لنقض كلّ باب مجلّداً ولكنّ
    الذي تمّ تأليفه وانتهى تبييضه وطبع وانتشر هو خمسة مجلّدات طبعت بالهند سنة 1255
    وهي الأول والثالث والرابع والخامس والتاسع (11) .
    ومن مجلّده السابع مخطوطة في المكتبة الناصرية في لكهنو ، وهي مكتبة آل
    صاحب العبقات ، وعنها مصوّرة في مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامة في
    أصفهان .
    ومن مجلّده الثامن مخطوطة في مكتبة البرلمان الإيراني السابق ، برقم 2809 ،
    وصفت في فهرسها 9 : 92 .
    ومن الأجزاء المطبوعة توجد نسخ مخطوطة في المكتبة الناصرية بالهند ، وفي
    المتحف الوطني في كراجي ، وصفها المنزوي في الفهرست الموحّد للمخطوطات الفارسية
    في الباكستان 2 : 1199 .
    ولمؤلف النزهة ترجمة مطوّلة في كتاب « نجوم السماء » ص 352 ـ 362 .
    3 ـ المولوي حسن بن أمان الله الدهلوي العظيم آبادي ، نزيل كربلاء ، المتوفّى
    حدود سنة 1260 هـ .
    ترجم له شيخنا رحمه الله في « الكرام البررة » من طبقات أعلام الشيعة ،
    ص 308 ، وعدّد مؤلفاته .
    له كتاب « تجهيز الجيش لكسر صَنَمي قريش » في الردّ على التحفة الإثني
    عشرية ، توجد مخطوطة منه في مكتبة السيد المرعشي العامة في قم ، كتبت في القرن
    الثالث عشر .
    ____________________________
    (11) كذا ذكر شيخنا ـ رحمه الله ـ في الذريعة 24 : 108 ـ 109 ، والكنتوري في « كشف الحجب » ص 579 ،
    ولكنّ مُشار ذكر في فهرسه للمطبوعات الفارسية ـ فهرست كتابهاي چاپي فارسي 2 : 3265 ـ أنّ المطبوع
    منه تسع مجلّدات .


    نشرة المكتبة المركزية لجامعة طهران 6 : 361 ، فهرس المخطوطات الفارسية
    للمنزوي 2 : 906 .
    ومن الفريق الثاني وهم الّذين لم تسع أعمارهم لنقض الكتاب كلّه وإنّما
    نقضوا بعضه ، فمنهم من استهدف منه باباً واحداً فركّز عليه اهتمامه ، وكرّس فيه جهوده ،
    وصبّ عليه ردوده ، كصاحب « عبقات الأنوار » رحمه الله ، حيث اختار الباب السابع
    منه وردّ عليه بمنهجيه ، وخصّ كلّ حديث من أحاديث منهجه الثاني بمجلّد ضخم أو
    أكثر فأشبع القول فيه ، ولم يترك شاردة ولا واردة إلّا وتكلّم عليها ، وسيأتي الكلام
    عنه بالتفصيل .
    ومنهم من طرق منه أكثر من باب ، فردّ على كلّ باب بكتاب مفرد ضخم ،
    وإليك الردود الموجّهة إليه باباً ، باباً :
    الباب الأول
    من كتاب تحفه اثنى عشريه
    في تاريخ الشيعة
    فممّن ردّ عليه المتكلّم المحقّق العلّامة السيد محمد قلي بن السيد محمد حسين
    اللكهنوي الكنتوري ، المتوفّى سنة 1260 هـ ، وهو والد السيد حامد حسين مؤلف كتاب
    « عبقات الأنوار » .
    قال في « كشف الحجب » ص 524 : « كان ـ أعلى الله درجته ـ ملازماً
    للتصنيف وترويج شعائر الله وذبّ شبهات المخالفين ليلاً ونهاراً ، كثير العبادة ، حسن
    الخلق ، منقطعاً عن الخلق . . . » .
    فقد ردّ على الباب الأول : بكتاب « السيف الناصري » وقد طبع بالهند ، كما
    ألّف في الردّ على كلّ من الباب الثاني والسابع والعاشر والحادي عشر كتباً صخمة
    وسمّى المجموع بـ « الأجناد الإثنا عشرية المحمدية » يأتي كل منها في بابه .
    ثمّ إنّ الفاضل الرشيد تلميذ صاحب التحفة ألّف رسالة حاول فيها الإجابة
    عن ردود السيد والإنتصار لاُستاذه ، فردّ عليه السيد محمد قلي بكتاب سمّاه « الأجوبة
    الفاخرة في الردّ على الأشاعرة » .

    الذريعة : 4 : 192 ـ 193 و 12 : 290 و 10 : 190 و 1 : 277 و 26 : 29 ،
    كشف الحجب : 24 ، نجوم السماء : 422 ، نزهة الخواطر 7 : 460 ، الثقافة الإسلامية في
    الهند : 220 ، دراسات في كتاب العبقات : 130 ، أعيان الشيعة 9 : 401 .
    الباب الثاني
    في المكائد
    ردّ عليه السيد محمد قلي ـ المتقدِّم ـ أيضاً بكتاب سمّاه « تقليب المكائد » طبع
    بالهند ، في كلكته ، سنة 1262 هـ ، وهو أحد الأجناد الإثني عشر .
    الذريعة 4 : 193 و 389 و 10 : 190 ، نجوم السماء : 422 ، نزهة الخواطر
    7 : 461 ، الثقافة الإسلامية في الهند : 220 ، كشف الحجب : 137 .
    الباب الثالث
    في الأسلاف
    ردّ عليه الميرزا محمد بن عناية أحمد خان الكشميري الدهلوي ، وهو أحد أجزاء
    كتابه « نزهه اثنى عشريه » ومن مجلّداته الخمسة المطبوعة بالهند سنة 1255 هـ .
    الباب الرابع
    في اُصول الحديث والرجال
    1 ـ ردّ عليه الميرزا محمد ـ المتقدِّم ـ ، وهو من أجزاء كتابه « نزهه اثنى عشريه »
    ومن مجلّداته المطبوعة سنة 1255 هـ .
    2 ـ وممّن ردّ على هذا الباب أيضاً ، المولوي خير الدين محمد الهندي الإله
    آبادي ، بكتاب سمّاه « هداية العزيز » ( هدية العزيز ) .
    الذريعة 25 : 212 ، كشف الحجب : 605 ، نزهة الخواطر 7 : 163 ، طبقات
    أعلام الشيعة ( الكرام البررة ) 2 : 510 ، تكملة نجوم السماء 1 : 421 .
      



    الباب الخامس
    في الإلهيّات
    1 ـ ردّ عليه المتكلّم المجاهد الفقيه المحقّق السيد دلدار علي بن محمد معين النقوي
    الهندي النصيرآبادي اللكهنوي ، الملقّب بممتاز العلماء ، والمشتهر بغفران مآب ، المتوفّى
    سنة 1235 هـ .
    شيخ أعلام الطائفة في الديار الهندية ، واُستاذ علمائها ، ولد سنة 1166 هـ ،
    واتّجه إلى طلب العلم ، قرأ الإلهيّات في بلاده ، ثمّ هاجر عام 1193 هـ إلى العراق
    وحضر في كربلاء أبحاث الاُستاذ الأكبر الوحيد البهبهاني والفقيه المدقّق السيد علي
    الطباطبائي ـ صاحب الرياض ـ والعلّامة الجليل السيد مهدي الشهرستاني ، ثمّ رحل إلى
    النجف الأشرف وأفاد من أعلامها البارزين ، ولازم دروس السيد مهدي بحر العلوم ،
    ثمّ زار مشهد الإمام الرضا عليه السلام بخراسان سنة 1194 ، وحضر دروس السيد
    مهدي الشهيد ، ثمّ قفل راجعاً إلى بلاده وأقام في لكهنو ، وقام بأعباء الوظائف
    الشرعية ، ونهض لخدمة الدين الحنيف وترويج الشريعة الإسلامية ونشر مذهب أهل
    البيت ومكافحة سائر الفرق .
    ترجم له عبد الحيّ اللكهنوي في « نزهة الخواطر » ترجمة حسنة ، وقال : « ثمّ
    إنّه بذل جهده في إحقاق مذهبه وإبطال غيره لا سيما الأحناف والصوفية والأخبارية
    حتى كاد يعمّ مذهبه في بلاد إوِد ويتشيّع كل من الفرق . . . » .
    وهو أول من أقام الجمعة والجماعة في تلك البلاد وأسس الحوزة العلمية
    وربّى جماعة من العلماء وألف كتباً قيّمة أهمها كتاب « عماد الإسلام » كتاب
    مبسوط في علم الكلام والاُصول الخمسة الإعتقادية ويسمّى « مرآة العقول » أيضاً في
    خمسة مجلّدات ضخام ، طبع منه أربعة مجلّدات وهي التوحيد والعدل والنبوة والمعاد .
    وألّف في الردّ على « تحفه اثنى عشريه » خمسة كتب ، يأتي كلّ منها في بابه
    ومنها كتابه في الردّ على هذا الباب وسمّاه « الصوارم الإلهيّات في قطع شبهات عابد
    العزّى واللات » طبع بالهند سنة 1215 هـ ، وردّ عليه أسد الله الملتاني بكتاب سمّاه
    « تنبيه السفيه » !

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تراثنا العدد6 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تراثنا العدد6   تراثنا العدد6 Emptyالجمعة نوفمبر 08, 2024 6:45 am

    طبقات أعلام الشيعة ( الكرام البررة ) 2 : 519 ـ 523 ، أعيان الشيعة
    6 : 425 ، أحسن الوديعة 1 : 4 ـ 9 ، الذريعة 10 : 190 و 15 : 92 و 330 ، نزهة
    الخواطر 7 : 166 ، كشف الحجب : 372 ، نجوم السماء : 350 ، الثقافة الإسلامية في
    الهند : 220 ، الأعلام 2 : 340 ، معجم المؤلفين 4 : 145 .
    2 ـ ومن الردود على هذا الباب ، المجلّد الخامس من كتاب « نزهه اثنى
    عشريه » للميرزا محمد بن عناية أحمد خان الكشميري الذي تقدّم ذكره .
    الباب السادس
    في النبوّات
    ردّ عليه السيد دلدار علي ـ المتقدِّم ـ بكتاب سمّاه « حسام الإسلام وسهام
    الملام » طبع في كلكته بالهند سنة 1215 هـ .
    الذريعة 7 : 12 و 10 : 190 ، نجوم السماء : 350 ، كشف الحجب : 195 ،
    نزهة الخواطر 7 : 168 ، الثقافة الإسلامية في الهند : 219 .
    الباب السابع
    في الإمامة
    1 ـ وقد ردّ عليه العلّامة الحجّة السيد دلدار علي النقوي النصيرآبادي ، الذي ردّ
    على الباب الخامس في الإلهيّات ، وسمّاه « الصوارم الإلهيّات » فقد ردّ على هذا الباب
    في أبحاث الإمامة وسمّاه « خاتمة الصوارم » كما ألف في الردّ على عدّة أبواب اُخرى
    ممّا تقدّم ويأتي .
    2 ـ وممّن نقض هذا الباب أيضاً ابنه العلّامة السيد محمد بن السيد دلدار علي
    ـ المتقدِّم ـ الملقّب بسلطان العلماء ، والمتوفّى سنة 1284 هـ ، فقد ألّف في الردّ على هذا
    الباب كتابين ، كتاب في الإمامة باللغة العربية ردّاً على هذا الباب من التحفة وآخر
    بالفارسية سمّاه « البوارق الموبقة » وقد طُبع بالهند .
    نزهة الخواطر 7 : 415 ، الثقافة الإسلامية في الهند : 219 ، كشف الحجب :
    88 ، الذريعة 3 : 154 ، و 10 : 190 ، أحسن الوديعة 1 : 41 .


    3 ـ ومنهم السيد جعفر أبو علي خان بن غلام علي الموسوي البنارسي ، ثمّ
    الدهلوي ، تلميذ الميرزا محمد مؤلّف « نزهه اثنى عشريه » فقد ردّ على هذا الباب بكتاب
    سمّاه « برهان الصادقين » رتّبه على أبواب وفصول ، وفي الباب التاسع منه تطرّق إلى
    مسائل المسح والمتعة ونحوها .
    وله مختصره أيضاً سمّاه « مهجة البرهان » .
    كشف الحجب : 572 ، الذريعة 3 : 97 و 10 : 190 و 23 : 288 ، الكرام
    البررة : 1 : 233 ، تكملة نجوم السماء 1 : 427 ، نزهة الخواطر 7 : 17 .
    4 ـ ومنهم الآية الباهرة سيّد المجاهدين السيد حامد حسين ، فقد ردّ على هذا
    الباب بكتاب « عبقات الأنوار » وهو أهمّ الردود على هذا الباب ، بل هو أحسن الردود
    على « تحفه اثنى عشريه » ، بل هو أجلّ ما اُلّف في الإمامة ، قال عنه شيخنا صاحب
    الذريعة رحمه الله : « هو أجلّ ما كتب في هذا الباب من صدر الإسلام إلى الآن ، يقع في
    أكثر من عشر مجلّدات كبار . . . » (12) .
    5 ـ ومنهم العلّامة الكبير السيد محمد قلي ، والد صاحب العبقات ، ألّف في
    الردّ على هذا الباب كتاب « برهان السعادة » كما ردّ على غير واحد من أبواب التحفة
    ممّا تقدّم ويأتي .
    الذريعة 3 : 96 و 10 : 190 ، كشف الحجب : 84 وقال : « وهو من أحسن
    ما كتب في الإمامة » ، نزهة الخواطر 7 : 461 ، نجوم السماء : 422 ، الثقافة الإسلامية في
    الهند : 220 .
    6 ـ ومنهم العلّامة السيد المفتي محمد عبّاس الموسوي التستري الجزائري ،
    المتوفّى سنة 1306 هـ ، صاحب المؤلفات الكثيرة المنوّعة ، واُستاذ صاحب العبقات ،
    ألّف في الردّ على الباب السابع من التحفة كتاب « الجواهر العبقرية » المطبوع بالهند ،
    تناول فيه الشبه التي أوردها صاحب التحفة على غيبة الإمام المهدي عليه السلام
    وعجّل الله في ظهوره فردّ عليه بأحسن ردّ .
    الذريعة 5 : 271 و 10 : 190 .
    ____________________________
    (12) نقباء البشر : 348 ، أقول : سيأتي الكلام عنه وعلى كلّ واحد من مجلّداته بالتفصيل ، إذ هو المقصود
    والهدف من هذا المقال ، وإنّما ذكرنا غيره تبعاً وتمهيداً له .

    كما ألّف السيد دلدار علي النقوي أيضاً رسالة في الغَيْبة ردّاً على التحفة .
    نزهة الخواطر 7 : 168 ، الذريعة 16 : 82 ، كشف الحجب : 285 .
    الباب الثامن
    في المَعاد
    ردّ عليه السيد دلدار علي النقوي ، المتوفّى سنة 1235 هـ ، بكتاب سمّاه
    « إحياء السُنّة وإماتة البدعة بطعن الأسنّة » طبع بالهند سنة 1281 هـ ، وللمؤلف
    ردود على أبواب اُخرى ممّا تقدّم ويأتي .
    الذريعة 1 : 271 و 10 : 190 ، الكرام البررة 2 : 520 ، نزهة الخواطر
    7 : 167 ، كشف الحجب : 28 ، الثقافة الإسلامية في الهند : 219 .
    وممّن ردّ على هذا الباب الميرزا محمد بن عناية أحمد خان ، فالمجلّد الثامن من
    كتابه « نزهه اثنى عشريه » ردّ على هذا الباب من « تحفه اثنى عشريه » وهو موجود في
    مكتبة البرلمان الإيراني السابق برقم 2809 كما تقدّم .
    الباب التاسع
    في المسائل الفقهية الخلافية
    فممّن ردّ عليه الميرزا محمد بن عناية أحمد خان الكشميري ، المتوفّى سنة 1235 هـ ،
    خصّ المجلّد التاسع من كتابه القيّم « نزهه اثنى عشريه » في الردّ على هذا الباب ،
    وهو مطبوع بالهند سنة 1255 هـ .
    ثمّ ألف المولوي إفراد علي الكالپوي في الردّ على هذا المجلّد من النزهة كتاباً
    سمّاه « رجوم الشياطين » فردّ عليه السيد جعفر أبو علي خان الموسوي البنارسي بكتاب
    سمّاه « معين الصادقين » .
    كشف الحجب : 536 ، الذريعة 21 : 285 .
    ولصاحب النزهة ـ رحمه الله ـ كتاب آخر في الردّ على الكيد الثامن من هذا
    الباب حول المتعة ومسح الرجلين ، منه مخطوطة في المكتبة الناصرية ، وهي مكتبة آل
    صاحب العبقات في لكهنو ، وعنها مصوّرة في مكتبة الإمام أمير المؤمنين العامّة في



    أصفهان .
    كما أنّ الشيخ أحمد بن محمد علي الكرمانشاهي ، حفيد الاُستاذ الأكبر الوحيد
    البهبهاني رحمه الله ، والمتوفّى سنة 1235 هـ ، له في الردّ على هذا الموضع من الباب
    التاسع كتاباً سمّاه « كشف الشبهة عن حلّيّة المتعة » ، منه مخطوطة في المتحف الوطني
    في كراجي ، كتبت سنة 1227 هـ (13) .
    الكرام البررة : 100 ، الذريعة 18 : 39 .
    الباب العاشر
    في المطاعن
    1 ـ ممّن ردّ على هذا الباب هو السيد محمد قلي الكنتوري ، والد صاحب
    العبقات ، نقضه بكتاب سمّاه « تشييد المطاعن لكشف الضغائن » وهو كبير في مجلّدين
    ضخمين ، الأول منهما يشتمل على أربعة أجزاء في نحو ألفي صفحة ، وثانيهما في 442
    صفحة ، فالمجموع خمسة أجزاء طبعت بالهند على الحجر سنة 1283 هـ ، ملؤها فوائد
    وتحقيقات قيّمة بها تعرف مقدرة المؤلف العلمية وسعة اطّلاعه وتوسّعه في الكلام .
    ذكره في كشف الحجب ـ ص 122 ـ وقال : « وهو كتاب لم يطّلع أحد على
    مثيله ، ولم يظفرِ الزمان بعديله ، حاوٍ على إلزامات شديدة وإفحامات سديدة ، اشتمل
    على ما لم يشتمل عليه كتاب من الأجوبة الشافية بفصل الخطاب . . . » . الذريعة
    4 : 192 .
    واُعيد طبع قسم منه بالاُفست في إيران ، كما اُعيد طبع قسم منه في الباكستان
    على الحروف .
    2 ـ وممّن ردّ على هذا الباب سلطان العلماء السيد محمد بن السيد دلدار علي
    النقوي النصيرآبادي الهندي ، المتوفّى سنة 1284 هـ .
    ترجم له عبد الحيّ اللكهنوي في نزهة الخواطر 7 : 415 فقال : « مجتهد الشيعة
    وإمامهم في عصره ، ولد سنة 1199 ، واشتغل بالعلم على والده من صباه ، ولازمه ملازمة
    ____________________________
    (13) الفهرس الموحّد للمخطوطات الفارسية في الباكستان 2 : 1169 .

    طويلة ، وفرغ من تحصيل العلوم المتعارفة وله نحو 19 سنة ، فتصدّی للدرس والإفادة ،
    وأجازه والده سنة 1218 ، وأخذ عنه إخوته وخلق كثير من العلماء ، وكان ممّن تبحّر
    في الكلام والاُصول ، وحصل له جاه عظيم عند الملوك ، لا سيما أمجد علي شاه اللكهنوي ،
    لقبه بسلطان العلماء وولّاه الإفتاء ، وكان يأتي عنده في بيته . . . له مصنّفات عديدة
    منها كتابه في مبحث الإمامة جواباً عمّا اشتمل عليه التحفة » .
    وذكره في كتابه الثقافة الإسلامية في الهند ـ ص 219 ـ عند عدّ متكلّمي
    الشيعة في الهند ووصفه بقوله : « فاق والده . . . » (14) .
    أقول : له في الردّ على مباحث هذا الباب كتاب « طعن الرماح » بحث فيه
    قصة فدك والقرطاس وإحراق باب فاطمة عليها السلام وتطرّق في الخاتمة إلى قصة
    شهادة الحسين عليه السلام ، وفرغ منه في رجب سنة 1238 ، وطبع بالهند سنة 1308 هـ .
    وردّ عليه الشيخ حيدر علي الفيض آبادي وسمّاه « نقض الرماح في كبد
    النباح » !
    3 ـ وممّن ردّ على هذا الباب السيد أبو علي خان جعفر الموسوي الهندي ، ردّ
    عليه بكتاب سمّاه « تكسير الصنمين » .
    الباب الحادي عشر
    في الأوهام والتعصّبات والهفوات
    وممّن ردّ عليه السيد محمد قلي الكنتوري ، المتوفّى سنة 1260 هـ .
    ردّ على هذا الباب بكتاب سمّاه « مصارع الأفهام لقلع الأوهام » .
    كشف الحجب : 524 ، الذريعة 21 : 97 .
    الباب الثاني عشر
    في الولاء والبراء وسائر المعتقدات الشيعية
    وهو آخر أبواب التحفة ، ردّ عليه السيد دلدار علي النقوي النصيرآبادي ، المتوفى
    ____________________________
    (14) تقدّم ذكر والده في الكلام على الباب الخامس .


    سنة 1235 هـ ، الذي تقدّم ذكره عند الكلام على الباب الخامس ، فقد ردّ عليه بكتاب
    سمّاه « ذوالفقار » أجاب فيه عن كلّ الشُبه التي وجّهها صاحب التحفة على غَيْبة
    الإمام المهدي عليه السلام في الباب السابع ـ في الإمامة ـ ثمّ أعادها هنا عند كلامه عن
    معتقدات الطائفة ، طبع بالهند سنة 1281 هـ .
    كشف الحجب : 221 ، الذريعة 10 : 44 و 190 ، مشار 2 : 1605 ، نجوم
    السماء : 346 ، الثقافة الإسلامية في الهند : 219 .
    القرن الرابع عشر
    كلّنا يتصوّر أنّ حلول القرن الرابع عشر قد أنهى القرون المظلمة وجاء بعصر
    النور والحضارة والتفتّح ، وذهب بالعصبيّات العمياء والطائفيّات الممقوتة ، لكن
    مع الأسف نرى الأمر على العكس من ذلك تماماً ، فربما كان ما يكتب في القرون
    الغابرة في مهاجمة الشيعة وإن كان مكابرة وتمحّلات سخيفة لكنّها كانت تظهر بمظهر
    نقاش علميّ وجدل كلاميّ .
    وأمّا في القرن الرابع عشر ، فلا ترى إلّا اجتراراً لما تقيّأه السابقون ،
    واستيراداً من بلاد نائية ولغة اُخرى ، كمختصر التحفة الإثني عشرية ، فإنّه منقول
    من الهند إلى العراق ، ومن الفارسية إلى العربية ، فردّ عليه الشيخ مهدي الخالصي
    بثلاثة مجلّدات ، وردّ عليه الفقيه المتتبّع شيخ الشريعة الأصفهاني ، المتوفّى سنة 1339 هـ
    وهذا الجزء الأول من كتاب « مرآة التصانيف » وهو فهرس إجماليّ للنتاج
    الفكري الهندي والباكستاني في القرنين الثالث عشر والرابع عشر ، وقد طبع في
    الباكستان سنة 1400 هـ ، رتّبه حسب الموضوعات وعقد في ص 270 باباً عنوانه « ردّ
    شيعه » ذكر فيه 59 كتاباً بهذا الصدد ، 57 منها من مؤلفات القرن الرابع عشر سوى ما
    ذكر في العناوين الاُخر كالعقائديات والفقهيات وما شابه .
    ثمّ انحطاط إلى الجهل المطبق وإسفاف إلى السباب المقذع ، فليس هناك إلا
    شتائم وأكاذيب وتهم وأباطيل ، ومن نماذج ذلك مخاريق القصيمي وموسى جار الله
    ومبغض الدين الخطيب والجبهان و و .
    وقد انطلق أعلام الطائفة من موقفهم الدفاعي فردّوا أباطيلهم وزيّفوا


    تمويهاتهم وفضحوا أكاذيبهم ، منهم شيخنا الحجّة العلّامة الأميني تغمّده الله برحمته ، في
    الجزء الثالث من موسوعته القيّمة « الغدير » ، وسيّد الأعيان السيد محسن الأمين في
    مقدمة « أعيان الشيعة » وفي كتابه « نقض الوشيعة » ، والعلّامتين الجليلين الشيخ
    لطف الله الصافي والشيخ سلمان الخاقاني في ردّهما على مبغض الدين و و و . . .
    القرن الخامس عشر
    ها نحن في بدايات هذا القرن لم نعش منه إلّا بضع سنين ، ولم يمض منه عقد
    واحد ! ولكنّ الإحصائيات تنبئك بالمدهش المقلق ، ففي العام الماضي ـ وحده ! ـ
    صدر في الباكستان ـ وحدها ! ـ ستّون كتاباً تهاجم الشيعة طبع منها ثلاثون مليون
    نسخة ! !
    وفي السنتين قبل العام الماضي صدر في الباكستان فقط مائتا كتاب تهاجم
    الشيعة ، فيا قاتل الله السياسة . . قاتل الله النفط السعودي . . قاتل الله الدولار
    الأمريكي . . . وإلى الله المشتكى .
    ولنترك كلّ هذا ولنعد إلى ما كان هو الغرض والقصد من هذا المقال ، وهو
    الإشادة بكتاب « عبقات الأنوار » وبمؤلفه العملاق المجاهد البطل السيد حامد حسين
    اللكهنوي ، المتوفّى سنة 1306 هـ ، وذلك بمناسبة مرور قرن على وفاته رحمة الله عليه .
    كلمة عابرة عن صاحب العبقات وكتابه
    قد عرفت فيما تقدّم أنّ الباب السابع من كتاب « تحفه اثنى عشريه » في
    الإمامة ، قد ردّ عليه ونقضه جمع من أعلام الطائفة وأبطال العلم والجهاد سبق الإشادة
    بهم وبجهودهم المباركة ، وفي طليعتهم العلّامة السيد حامد حسين ـ رحمه الله تعالى ـ
    وأرجأنا الكلام على ذلك بشيء من البسط إلى هنا ، فنقول :
    خصّص مؤلف التحفة الباب السابع منه بالإمامة ورتّبه على منهجين :
    الأول : في الآيات القرآنية ، ممّا استند إليه الشيعة في إثبات الإمامية ، واكتفى
    منها بستّ آيات وحاول تأويلها والنقاش في دلالاتها .
    والمنهج الثاني : في الأحاديث ، واقتصر منها على اثني عشر حديثاً ، موهماً الناس



    أنّ هذا كلّ ما تمتلكه الشيعة في دعم ما تذهب إليه ، وحاول جهده الخدشة إمّا في
    إسنادها أو في دلالتها .
    فتصدّى له هذا المجاهد البطل وردّ عليه في هذا الباب وأفرد لكل حديث مجلداً
    أو أكثر ، فنقض كلامه حرفاً حرفاً في عدّة مجلّدات ضخام ، وأشبع القول في كل جوانب
    البحث ، بإيراد الأدلّة والنصوص والشواهد والمتابعات ، وتعديل الرواة واحداً واحداً ،
    وتوثيق المصادر المستقى منها (15) .
    وهذا مجهود كبير لا يقوم به إلّا لجان تتبنّى كل لجنة جانباً من ذلك ، ولكن
    نهض هذا العملاق بمفرده بهذا العبء الثقيل مستعيناً بالله ومتوكّلاً عليه ، انتصاراً لله
    ولدينه ولنبيّه ولآل بيت نبيّه صلوات الله عليه وعليهم ، فأيّده الله ولا شكّ ، ولولاه لما
    تمّ له ذلك ، وقد قال عز وجل : « وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا . . . » .
    على أنّه لم يعمّر أكثر من ستّين عاماً ، ولم تكن هذه الموسوعة المدهشة نتاجه
    الوحيد ، بل أنتج عدّة مؤلفات ضخمة قيّمة منها :
    استقصاء الإفحام واستيفاء الإنتقام ؛ ألّفه في الردّ على « منتهى الكلام »
    لحيدر علي الفيض آبادي ، وصدّ هجماته على الطائفة . أشبع القول فيه في صيانة القرآن
    عن التحريف ، وبسط الكلام في إثبات المهديّ ووجوده عليه السلام .
    قال شيخنا رحمه الله في الذريعة 2 : 31 : « يدخل تحت عشر مجلّدات ، طبع
    بعض أجزائه في ثلاث مجلّدات سنة 1315 . . . » .
    ومنها : افحام أهل المين في الردّ على إزالة الغين ، لحيدر علي المتقدِّم ، وهذا أيضاً
    في عدّة مجلدات .
    ولا بدّلنا أن نعترف بالتقصير أمام هذا المجاهد العظيم ، فقد كان ينبغي أن
    يكتب عن حياته المباركة وعن اُسرته الكريمة وموسوعته القيّمة الخالدة عشرات الكتب ،
    ____________________________
    (15) وذلك على إثر قراءته عشرات الآلاف من الكتب ـ مطبوعها ومخطوطها ـ واستخراج ما في كل كتاب ممّا
    يصلح أن يستند إليه وفهرسته على ظهر الكتاب ، فلا تجد كتاباً في مكتبته إلّا عليه فهرس بخطّه مستخرجاً
    منه فوائد تصلح أن تستخدم في هذا الصدد ، ولا وقع في يده كتاب من المكتبات الاُخرى إلّا وفعل به
    ذلك ، فقد تجد في سائر مكتبات الهند كتباً عليها خطّه الشريف ، مسجّلاً ما فيها من فوائد ، وبذلك تعلم
    أنّه قد وقع بيد السيد فقرأه كلّه وسجل عليه ملاحظاته ، ومن هذا النوع في مكتبات الهند كثير ، هذا عدا
    كتب مكتبته التي كانت تبلغ 30000كتاباً .

    ولكن لم يكتب عنه فيما علمنا سوى :
    1 ـ ضياء العين في حياة السيد حامد حسين ؛ للشيخ سعادة حسين اللكهنوي
    دام بقاؤه .
    2 ـ سبيكه اللجين في حياة ابنه السيد ناصر حسين ؛ للشيخ فدا حسين
    اللكهنوي .
    3 ـ مير حامد حسين ؛ كتاب بالفارسية للاُستاذ محمد رضا الحكيمي ، مطبوع .
    4 ـ كتاب عن حياة الاُسرة ورجالاتها ومكتبتها ، للاُستاذ خواجه پيري .
    5 ـ دراسات في كتاب العبقات ؛ للفاضل المهذّب السيد علي الميلاني
    حفظه الله ، طبع في مقدمة الجزء الأول من تعريب العبقات ، كما نشر مستقلاً .
    6 ـ سواطع الأنوار في تقاريظ عبقات الأنوار ؛ طبع في لكهنو سنة 1303 هـ .
    7 ـ القصائد المشكلة في المراثي المثكلة ؛ طبع بالهند سنة 1891 م ، وهي
    مجموعة قصائد قيلت في رثائه رحمه الله باللغة العربية .
    فالحديث عن صاحب العبقات رحمه الله يستدعي مجلّدات ، فلندعه الآن ولنعد
    إلى ما كنّا بصدده ، وهو الحديث عن كتابه فنقول :
    أما ردوده على المنهج الأول (16) فهي عدّة مجلّدات لم يكتب لها أن تقدّم للطبع
    فلم تر النور حتى الآن .
    وأمّا ردوده على المنهج الثاني فهي أيضاً عدّة مجلّدات ضخام طبع أكثرها في
    حياته رحمه الله وبعضها لم يطبع حتى اليوم ! وإليك تفاصيل ذلك :
    المجلّد الأول
    يبحث عن حديث الغدير ، وهو قوله صلّی الله عليه وآله : « فمن كنت مولاه فهذا
    علي مولاه » فتناوله المؤلف رحمه الله بدراسة شاملة إسناداً ومتناً ، فهو يقع في قسمين
    ضخمين .
    قسم يضمّ أسماء الصحابة الذين رووا هذا الحديث ، وهم مائة نفس أو
    ____________________________
    (16) راجع ص 53 .


    يزيدون ، ثم التابعين الّذين رووه عن الصحابة ، ثم أتباع التابعين ، ثم الحفّاظ وأئمة
    الحديث من غير الشيعة حسب التسلسل الزمني حتى عصر المؤلف ، مع الإسهاب في
    تراجمهم وتوثيقاتهم ومصادرها ، وتوثيق تلك المصادر ، وقد أتى بالعجب العجاب ممّا
    يدهش العقول ويحيّر الألباب .
    والقسم الثاني يتناول متن الحديث ووجوه دلالته على خلافة أمير المؤمنين
    عليه السلام ، والقرائن المحتفّة به الدالّة على ذلك ، ودفع شبه الخصوم ودحض كل
    الشكوك والأوهام والتمحّلات الباردة والتأويلات السخيفة ، وما إلى ذلك من
    دراسات وبحوث حول هذا الحديث .
    وهذا المجلّد طبع على الحجر بالهند بقسميه في حياة المؤلف ، في سنة 1293 هـ ،
    في ثلاث مجلّدات ضخام .
    القسم الأول وهو ما يخصّ أسانيد الحديث ومصادره ورواته ومخرّجيه ، وما
    يدور في فلكها من بحوث ودراسات شاملة ومستوفاة ، طبع على الحجر في 1251 صفحة
    بالحجم الكبير .
    وطبع القسم الثاني سنة 1294 في مجلّدين يزيدان على ألف صفحة .
    وقد اُعيد طبع القسم الأول أيضاً في طهران سنة 1369 ، فطبع على الحروف في
    600 صفحة بالحجم الكبير .
    واُعيد طبع المجلّد الأول في قم ، فطبع القسم الأول منه بتحقيق العلّامة
    الجليل الشيخ غلام رضا مولانا البروجردي ، وقد صحّحه ، وخرّج أحاديثه ، وقارن
    النصوص والنقول مع مصادرها ، وعيّن أرقام أجزائها وصفحاتها ، وسوف يصدر في
    خمسة أجزاء .
    وسوف يباشر بطبع القسم الثاني منه ، وهو عازم على متابعة المهمّة
    والإستمرار في طبع بقيّة المجلّدات طبعة حروفية محقّقة مخرّجة إن شاء الله ، وفّقه الله تعالى
    وأخذ بناصره .
    وطبع هذا المجلّد أيضاً بقسميه معرّباً ، عرّبه بتلخيص السيد علي الميلاني
    حفظه الله ، فصدر في أربعة أجزاء في عام 1405 باسم « خلاصة عبقات الأنوار » مع
    إلحاق مستدرك عليه ذكر فيه 189 عالماً وراوياً رووا هذا الحديث ممّن لم يذكروا في


    الأصل ، مع تراجمهم وتوثيقهم وفق منهج المؤلف في الأصل .
    كما ويطبع الآن تعريب هذا القسم ـ مجلّدي حديث الغدير ـ بتعريب السيد
    هاشم الأمين الحسيني نجل المغفور له الأمين العاملي سيد الأعيان ، فقد عربه بكامله
    من دون حذف ، ولا تلخيص شيء ، وها هو الآن تحت الطبع ولمّا يصدر بعد .
    ثمّ إنّ المحدّث الورع الشيخ عباس القمّي ـ المتوفى سنة 1359 ـ لخّص هذا
    القسم من عبقات الأنوار ـ قسم حديث الغدير ـ بمجلّديه وهذّبه ورتّبه وسمّاه « فيض
    القدير بما يتعلّق بحديث الغدير » وفرغ منه في النجف الأشرف سنة 1321 هـ ، وبقي
    مخطوطاً زهاء خمسة وثمانين عاماً إلى أن قيّض الله له زميلنا الفاضل الشيخ رضا
    الاُستادي فسعى في تخريجه ، ثمّ نشره ، وصدر عن مؤسسة « در راه حق » في قم سنة
    1406 ، في 462 صفحة .
    المجلّد الثاني
    وهو يتناول البحث عن حديث المنزلة ، وهو قوله صلّی الله عليه وآله وسلّم
    لعلي عليه السلام : « ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ
    بعدي » .
    أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من الحفّاظ في الصحاح والسنن والمسانيد ،
    وفي الإستيعاب : « هو من أثبت الآثار وأصحّها » وقد جاوز حدّ التواتر ، حتى أنّ محدّثاً
    واحداً من أعلام القرن الخامس ، وهو الحافظ أبو حازم العبدوئي قال : « خرّجت هذا
    الحديث بخمسة آلاف طريق » .
    فتناول مؤلف العبقات هذا الحديث على غرار المجلّد السابق فجمع ما أمكنه
    من أسانيده وطرقه ونصوص الأعلام بتواتره وما إلى ذلك ، ثم تكلّم عن معناه ودلالته
    على خلافة أمير المؤمنين عليه السلام ، وبسط القول في وجوه دلالته بدراسة شاملة وبحث
    مستوفى ، وقد طبع على عهد المؤلف في لكهنو بالهند في سنة 1295 على الحجر في 977
    صفحة بالحجم الكبير .
    ثم أعادت مؤسسة « نشر نفائس المخطوطات » في أصفهان طبعه بالاُفست مع
    تصغير حجمه في مطبعة نشاط بأصفهان في سنة 1406 وذلك بمناسبة مرور مائة عام



    على وفاة مؤلفه رحمه الله ، وذلك برعاية العلّامة المحقّق السيد محمد علي الروضاتي دام
    فضله ، فأشرف على طبعه ، وقدّم له مقدّمة ، وعمل له فهرساً لعناوين بحوثه وقائمة
    بمصادره ، فجزاه الله خيراً .
    المجلّد الثالث
    في حديث الولاية ، وهو قوله صلّی الله عليه وآله : « إنّ عَليّاً منّي وأنا منه ، وهو
    وليّ كل مؤمن من بعدي » فتناوله بالبحث المستوفى والدراسة الشاملة ، إسناداً ودلالة ،
    وأثبت دلالته بوضوح على خلافة أمير المؤمنين عليه السلام ، وأنّه من النصوص الواردة
    على استخلافه على غرار ما تقدّم .
    طبع بالهند في حياة المؤلف في سنة 1303 طبعة حجرية في 585 صفحة
    بالحجم الكبير .
    المجلّد الرابع
    حول حديث الطير ، وهو قوله صلّی الله عليه وآله ـ لمّا اُهدي إليه طير مشويّ ـ :
    « اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير » فجاء علي عليه السلام
    وأكل معه .
    فتكلّم عن الحديث وطرقه وأسانيده ووجوه دلالته بدراسة شاملة منقطعة النظير
    على غرار ما تقدّم منه رحمه الله .
    وطبع في جزءين في 512 و 224 صفحة بالحجم الكبير على الحجر بالهند في
    لكهنو سنة 1306 هـ .
    المجلّد الخامس
    حول حديث مدينة العلم ، وهو قوله صلّی الله عليه وآله : « أنا مدينة العلم
    وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها » .
    فتكلّم المؤلف رحمه الله ـ على عادته ـ عن الحديث إسناداً ومتناً ، وتناوله بالبحث
    من كل جوانبه ، واستعرض وجوه دلالته على خلافة أمير المؤمنين عليه السلام بما لا مزيد


    عليه ، وهو أيضاً في قسمين ، قسم يخصّ أسانيد الحديث وما يحوم حوله من بحوث ، وقسم
    يخصّ دلالة الحديث على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، ووجوه الإستدلال به ،
    والإجابة على النقود الموردة وتزييفها ، ودحض كل الشبهات والشكوك والأوهام ، وقد
    طبعا بالهند في لكهنو على الحجر ، فالقسم الأول طبع سنة 1317 ، في 745 صفحة
    بالحجم الكبير ، والقسم الثاني طبع هناك سنة 1327 ، في 600 صفحة .
    المجلّد السادس
    حول حديث التشبيه ، وهو قوله صلّی الله عليه وآله : « من أراد أن ينظر إلى آدم
    في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في خلقه ، وإلى موسى في مناجاته ، وإلى
    عيسى في سنّته ، وإلى محمد في تمامه وكماله ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب » .
    ويسمّى « حديث الأشباه » وألفاظه مختلفة وطرقه كثيرة ، راجع الغدير
    3 : 355 . وتناوله المؤلف رحمه الله بالبحث المستوفى والدراسة الشاملة إسناداً ومتناً
    ودلالة ، تطرّق فيه إلى فوائد كثيرة ، ودفع الشبهات وأزال الشكوك شأن سائر مجلّدات
    الكتاب .
    وطبع على عهد المؤلف في لكهنو سنة 1301 على الحجر في قسمين ، في 456 و
    248 صفحة بالحجم الكبير .
    المجلّد السابع
    حديث المناصبة ، وهو قوله صلّی الله عليه وآله : « من ناصب علياً الخلافة فهو
    كافر » وهذا المجلّد لم يتمّ تأليفه فلم يطبع .
    المجلّد الثامن
    حديث النور ، وهو قوله صلّی الله عليه وآله : « كنت أنا وعلي نوراً بين
    يدي الله عزّ وجلّ قبل أن يخلق الله آدم . . . » .
    فذكر مصادر الحديث وأسانيده والحفّاظ المخرجين له المخبتين به وطرقهم ، ثم
    تناول وجوه دلالة الحديث وما يلزمها من بحوث قيّمة .


    وقد طبع على عهد المؤلف في عام 1303 في لكهنو بالهند على الحجر ، ويقع في
    786 صفحة بالحجم الكبير .
    وهذا المجلّدات الخمسة من الثالث إلى الثامن ـ ماعدا السابع ـ أعادت طبعها
    بالاُفست مدرسة الامام المهدي عليه السلام في قم سنة 1406 هـ ، بمناسبة مرور قرن
    على وفاة المؤلف .
    المجلّد التاسع
    في حديث الراية ، وهو قوله صلّی الله عليه وآله في يوم خيبر : « لاُعطينّ الراية
    غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه » .
    وهو حديث متّفق عليه ، مخرج في الصحيحين وفي سائر الصحاح والسنن
    والمسانيد والمعاجم ، وله طرق لا يحويها عدّ ، قد جاوزت حدّ التواتر .
    المجلّد العاشر
    في قوله صلّی الله عليه وآله : « علي مع الحقّ والحقّ مع علي » .
    المجلّد الحادي عشر
    في قوله صلّی الله عليه وآله : « إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت
    على تنزيله . . . . ولكن خاصف النعل » وكان قد أعطى عليّاً نعله يخصفها .
    وهذه المجلّدات الثلاث لم تبيّض في عهد المؤلف فلم تر النور .
    محاولات تعريب الكتاب
    حيث أنّ كتاب « تحفة اثني عشرية » كان بالفارسية فالردود عليه أيضاً
    كانت فارسية ومنها هذا الكتاب « عبقات الأنوار في إثبات إمامة الأئمّة الأطهار »
    الذي هو في الردّ على الباب السابع منه فإنّه فارسي التأليف وإن كانت العربية تطغى
    على الجانب الفارسي منه من نصوص الأحاديث والتواريخ والتراجم وأقوال العلماء
    وما إلى ذلك كلّها ذكرها بالعربية ومع كل هذا فقد قامت محاولات لتعريب الكتاب


    بكامله وعرفنا منهم ثلاثة :
    1 ـ السيد محسن نواب بن السيد أحمد اللكهنوي ، المولود سنة 1329 ، والمهاجر
    إلى النجف الأشرف لطلب العلم فقام هناك بهذه المهمّة وأتمّ تعريب وتلخيص
    عدّة مجلّدات منه .
    2 ـ السيد علي بن السيد نور الدين الميلاني حفظه الله ، تصدّى لتعريب
    الكتاب مع حذف المكررات وأنهى العمل أو كاد ، وطبع من ذلك حتى الآن تسعة
    أجزاء باسم « خلاصة عبقات الأنوار » وسوف يصدر بقية الكتاب تباعاً في عدّة أجزاء
    اُخرى إن شاء الله .
    3 ـ السيد هاشم الأمين العاملي نجل المغفور له السيد محسن الأمين العاملي
    ـ مؤلف « أعيان الشيعة » ـ حفظه الله ، فقد بدأ بتعريب الكتاب بكامله من دون حذف
    أو تلخيص وقد أنجز تعريب المجلّد بقسميه وهو تحت الطبع أيضاً .
    وآخر دعوانا أن الحمدلله ربّ العالمين


    نفس الأمر الشيخ حسن حسن زاده الآملي
    بسم الله الرّحمٰن الرحيم
    الحمد لمن له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ، والصلاة والسلام على من
    اصطفاهم على العالمين سيّما على سيّدهم وآله آل ياسين ، ثم الصلاة والسّلام علينا وعلى
    جميع عباد الله الصالحين .
    وبعد ، فهذه وجيزة عزيزة ، تبحث عن نفس الأمر ، وقد حداني على تصنيفها ما
    أتقنه المحقّق الطوسي في المسألة السابعة والثلاثين من الفصل الأول من المقصد الأول
    من تجريد الإعتقاد ، وما أورده العلّامة الحلّي في هذا المقام من كشف المراد .
    فالحريّ أن نصدّرها بكلامهما أولاً ، ثم نخوض في نفس الأمر ثانياً ، مستمدّين
    ممّن له غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كلّه .
    قال المحقّق الطوسي ـ قدّس سرّه القدّوسي ـ : « وإذا حكم الذهن على الاُمور
    الخارجية بمثلها وجب التطابق في صحيحه ، وإلّا فلا ، ويكون صحيحه باعتبار مطابقته
    لما في نفس الأمر لإمكان تصوّر الكواذب » .
    وقال العلّامة الحلّي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ : أقول : الأحكام الذهنيّة
    قد تؤخذ بالقياس إلى ما في الخارج ، وقد تؤخذ لا بهذا الإعتبار . فإذا حكم الذهن على
    الأشياء الخارجية بأشياء خارجية مثلها ، كقولنا : الإنسان حيوان في الخارج ، وجب أن
    تكون مطابقة لما في الخارج ، حتى يكون حكم الذهن حقاً ، وإلّا لكان باطلاً .
    وإن حكم على أشياء خارجية باُمور معقولة ، كقولنا : الإنسان ممكن ، أو حكم


    على الاُمور الذهنيّة بأحكام ذهنية كقولنا : الإمكان مقابل للإمتناع ، لم تجب مطابقته لما
    في الخارج إذ ليس في الخارج إمكان وامتناع متقابلان ، ولا في الخارج إنسان ممكن .
    إذا تقرّر هذا فنقول : الحكم الصحيح في هذين القسمين لا يمكن أن يكون
    باعتبار مطابقته لما في الخارج ، لما تقدّم من أنّ الحكم ليس مأخوذاً بالقياس إلى
    الخارج ، ولا باعتبار مطابقته لما في الذهن ، لأنّ الذهن قد يتصوّر الكواذب ، فإنّا قد
    نتصور كون الإنسان واجباً مع أنّه ممكن .
    فلو كان صدق الحكم باعتبار مطابقته لما في الذهن ، لكان الحكم بوجوب
    الإنسان صادقاً ، لأنّ له صورة ذهنية مطابقة لهذا الحكم ، بل يكون باعتبار مطابقته لما
    في نفس الأمر .
    وقد كان في بعض أوقات استفادتي منه ـ رحمه الله ـ جرت هذه النكتة ،
    وسألته عنه معنى قولهم : إنّ الصادق في الأحكام الذهنية هو باعتبار مطابقته لما في نفس
    الأمر ، والمعقول من نفس الأمر إمّا الثبوت الذهني أو الخارجي ، وقد منع كل منهما ها
    هنا .
    فقال ـ رحمه الله ـ : « المراد بنفس الأمر هو العقل الفعّال ، فكل صورة أو
    حكم ثابت في الذهن مطابق للصور المنتقشة في العقل الفعّال ، فهو صادق ، وإلّا فهو
    كاذب » .
    فأوردت عليه ان الحكماء يلزمهم القول بانتقاش الصور الكاذبة في العقل
    الفعّال ، لأنهم استدلّوا على ثبوته بالفرق بين النسيان والسهو ، فإنّ السهو هو زوال الصورة
    المعقولة عن الجوهر العاقل ، وارتسامها في الحافظ لها ، والنسيان هو زوالها عنهما معاً ،
    وهذا يتأتى في الصور المحسوسة ، اما المعقولة فإن سبب النسيان هو زوال الإستعداد بزوال
    المفيد للعلم في باب التصوّرات والتصديقات ، وهاتان الحالتان قد تعرضان في الأحكام
    الكاذبة ، فلم يأت فيه بمقنع .
    وهذا البحث ليس من هذا المقام ، وإنما انجرّ الكلام إليه ، وهو بحث شريف
    لا يوجد في الكتب .
    فنقول : الأمر في معرفة نفس الأمر مبتنٍ على اُمور :
    أحدها : مرادهم من كلمتي النفس والأمر ، وغرضهم من الإضافة ، وتركيب



    العبارة ، والأقوال التي قيلت في نفس الأمر .
    ثانيها : المراد من « الخارج » في قولنا : هذا يطابق الخارج ، وهذا لا يطابقه ،
    كالقضايا ، الصادقة والكاذبة ، والتحقيق في المطابقة وعدمها .
    ثالثها : بيان العقل الفعّال ، ونحو كينونة الحقائق فيه ، واشتماله عليها .
    فاعلم أنّ كلمة « النفس » بمعنى الذات ، و « الأمر » بمعنى الشيء ، وإطلاق
    النفس على الذات ، والأمر على الشيء ذائع نظماً ونثراً ، في منشآت أرباب القلم
    العربي ، ومحاوراتهم ومقاماتهم ، وقد أغنتنا الشهرة عن الإتيان بالأمثلة والإستشهاد بها .
    على أنّ المعاجم اللغوية وحدها حجّة على ذلك ، ولا حاجة للنقل . فنفس الأمر بمعنى
    ذات الشيء وحقيقته ، فالشيء الذي له حقيقة له نفسية بذاته ، وواقعية في حدّ ذاته ،
    فهو موجود في حدّ ذاته ، مع قطع النظر عن فرض فارض واعتبار معتبر .
    يقول المحقّق الطوسي مثلاً في شرح الفصل الثالث من النمط الثاني من
    الإشارات في بيان ان المحدد للجهات على ما ذهب إليه المتأخّرون من المشاء ما هذا
    لفظه :
    « الأمر في نفسه هو أن المحدّ الأول لا يكون إلّا المحيط المطلق . يعني أنّ حكم
    المحدّد ، ومسألته النفسية الواقعية أنّه لا يكون إلّا المحيط المطلق . فنفس الأمر بمعنى الأمر
    في نفسه ، فهما بمعنى واحد » .
    فنقول : إنّ تلك الواقعيات في نظام الكون الأحسن الأتم هي صورة علميّة نطلبها ،
    ونبحث عنها ، ونقيم البرهان عليها ، فإذا حصلت لنا صرنا عالمين بها ، فيتفرّع عليها نتائج
    حقة ، نستفيد بها في شؤون اُمورنا الدنيوية والاُخروية ، لا تتغيّر عن حقائقها بفرض
    فارض ، وتصوّر متصوّر ، واعتبار معتبر . مثلاً : الأربعة زوج ، والإنسان ممكن ، والجسم
    المتناهي متشكّل ، أحكام واقعية نفسية ، لا فرضية اعتبارية ، يترتّب عليها نتائج علمية
    حقيقية . بخلاف القول بأن الأربعة فرد ـ مثلاً ـ فإنّه لا نفسية له أصلاً ، وهكذا غيره
    من الكواذب الاُخرى ، فنفس الأمر عبارة عن وجود أصيل قويم لا يتطرق إليها بطلان ،
    بل هي متن من متون الأعيان ، وتخم (1) من تخوم الضرورة والبرهان ، أي حد من
    ____________________________
    (1) تخم : كلمة تستعمل نادراً بمعنى الحدّ ، وتخوم بمعنى حدود ، وما بعدها مفسّر لها .

    حدودهما ، وأصل من اُصولهما الثابتة أزلاً وأبداً ، سواء كان ذلك الوجود في الخارج أو
    في الذهن .
    والأقوال الاُخرى في نفس الأمر ستعلمها أيضاً ، وسيأتي البحث عن تحقيق
    الخارج أيضاً .
    وبذلك المعنى المحرر ، قال المتألّه السبزواري في الحكمة المنظومة :
    بحدّ ذات الشيء
    نفس الأمر بحدٌّ

    ثم فسره بقوله : « أي حدّ وعرف نفس الأمر بحدّ ذات الشيء . والمراد بحدّ
    الذات ـ هنا ـ مقابل فرض الفارض ، ويشمل مرتبة الماهيّة والوجودين الخارجي
    والذهني ، فكون الإنسان حيواناً في المرتبة ، وموجوداً في الخارج ، أو الكلّي موجوداً في
    الذهن ، كلّها من الاُمور ـ النفس الأمرية ـ إذ ليست بمجرد فرض الفارض كالإنسان
    جماد . فالمراد بالأمر هو الشيء نفسه ، فإذا قيل : الأربعة في نفس الأمر كذا ، معناه ان
    الأربعة في حدّ ذاتها كذا ، فلفظ الأمر ـ هنا ـ من باب وضع المظهر موضع
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تراثنا العدد6 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تراثنا العدد6   تراثنا العدد6 Emptyالجمعة نوفمبر 08, 2024 6:47 am

    المضمر » (2) .
    واما العقل الفعّال ، فالكلام الحق ، والقول الصدق ـ فيه ـ هو ما أفاده
    الشيخ ـ قدّس سره ـ في كتبه الثلاثة الآتي ذكرها من إطلاقات العقل الفعّال على
    المعلول الأول ، وعلى العقل العاشر ، وعلى كل واحد من العقول المفارقة .
    قال في التعليقات : « المعلول الأول ، وهو العقل الأول إمكان وجوده له من
    ذاته لا من خارج » (3) .
    وقال في الفصل الثالث من المقالة التاسعة من إلهيات الشفاء : « وكان
    عددها ـ يعني عدد المفارقات ـ عشرة بعد الأول تعالى ، أولها العقل المحرّك الذي
    لا يتحرك ـ الى قوله ـ : وكذلك حتى ينتهي الى العقل الفائض على أنفسنا ، وهو عقل
    العالم الأرضي ، ونحن نسمّيه العقل الفعّال » (4) .
    وقال في الفصل الخامس من المقالة الثالثة من كتابه في المبدأ والمعاد :
    « ولمّا كان كل ما يخرج من القوة الى الفعل يخرج بسبب مفيد له ذلك
    ____________________________
    (2) الحكمة المنظومة : 49 .
    (3) التعليقات : 100 ، الطبعة الاُولى .
    (4) الشفاء 2 : 264 ، الطبعة الاُولى .


    الفعل . وينتقش صورة في شمع ، عمّا ليس له تلك الصورة ، وشيء يفيد كمالاً فوق
    الذي له ، فيجب أن تخرج هذه القوّة الى الفعل بشيء من العقول المفارقة المذكورة ، اما
    كلها ، واما الأقرب إليها في المرتبة ، وهو العقل الفعّال .
    وكل واحد من العقول المفارقة عقل فعّال ، لكن الأقرب منا عقل فعال
    بالقياس إلينا . ومعنى كونه فعّالاً انه في نفسه عقل بالفعل ، لا أن فيه شيئاً هو قابل
    للصورة المعقولة ، كما هو عندنا ، ولا ان فيه شيئاً هو كمال ، بل ذاته صورة عقلية قائمة
    بنفسها ، وليس فيها شيء ممّا هو بالقوة ، وممّا هو مادة البتة . فهي عقل وتعقل ذاتها ،
    لأن ذاتها أحد الموجودات ، فهي عقل لذاته ومعقول ، لأنها موجودات من الموجودات
    المفارقة للمادّة ، فلا يفارق كونها عقلاً كونها معقولاً ، ولا كونها هذا العقل كونها هذا
    المعقول . فأما عقولنا فيفترق فيها ذلك ، لأن فيها ما بالقوة . فهذا أحد معاني كونه عقلاً
    فعالاً .
    وهو أيضاً عقل فعّال بسبب فعله في أنفسنا وإخراجه إياها عن القوّة الى الفعل .
    وقياس العقل الفعّال الى أنفسنا قياس الشمس إلى أبصارنا ، وقياس ما
    يستفاد منه الضوء المخرج للحس من الحسّ بالقوة الى الحسّ بالفعل ، والمحسوس بالقوة
    الى المحسوس بالفعل » (5) .
    أقول : القول بقبول النفس الصور المحسوسة والمعقولة غير مقبول في الحكمة
    المتعالية ، لأنه مبني على أن النفس تنفعل عن صور المحسوسات والمعقولات ، واما الحكمة
    المتعالية فحاكمة بأن النفس تنشیء الصور في مرحلة ، واُخرى على النحو الذي فوق
    الإنشاء على ما هو مقرر في محلّه ، ومعلوم لأهله ، وقد استوفينا البحث عنه في كتابنا
    « دروس إتحاد العاقل بالمعقول » .
    واعلم ان في المقام وجهاً آخر دقيقاً جداً في معنى العقل الفعّال ـ يرزق بنيله
    من وفّق له ـ وهو ما أفاده المتألّه السبزواري بقوله :
    «في دفع إشكال صيرورة العقل الهيولاني عقلاً بالفعل ، من أن الحقيقة
    المحمّدية عند أهل الذوق من المتشرعة وصلت في عروجها الى العقل الفعّال وتجاوزت
    ____________________________
    (5) المبدأ والمعاد : 98 ، الطبعة الاُولى .

    عنه ، كما قال : بعض الأشعة منها بل من هو هي بوجه ، وروح القدس في جنان
    الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة . وقد قرر ان العقول الكلية لا حالة منتظرة لها ،
    فكيف يتحوّل الروح النبوي الختمي صلّی الله عليه وآله من مقام الى مقام ؟
    فالجواب : ان مصحح التحوّلات هو المادة البدنية ، ففرق بين العقل الفعّال
    الذي لم يصادف الوجود الطبيعي ، وبين العقل الفعّال المصادف له ، فالأول له مقام
    معلوم ، والثاني يتخطّى الى ما شاء الله ، كما قال صلّی الله عليه وآله : ( لي مع الله . . . )
    الحديث ، فما دام البدن باقياً كان التحوّل جائزاً» (6) .
    قوله : « بعض الأشعة منها » ، هو الإمام العسكري عليه السلام ، كما صرّح به
    ـ قدّس سره ـ في النبراس (7) . ثم من هذا الوجه ، من معنى العقل الفعّال يعلم وجه ما قالوا
    في معنى نفس الأمر انها قلب الإنسان الكامل .
    ثم ان روايات باب « إنّ الأئمة عليهم السلام يزدادون في ليلة الجمعة » ـ من
    حجّة الكافي ـ وكذا روايات الباب الذي بعده « لولا انّ الأئمة عليهم السلام يزدادون
    لنفد ما عندهم » ونظائر ما في هذين البابين من الروايات الاُخرى يعلم مفادها من هذا
    التحقيق الأنيق في العقل الفعّال وبيان الفرق المذكور .
    واعلم انهم أطلقوا العقل الفعّال على ربّ النوع الإنساني أيضاً . وأرباب
    الأنواع هي العقول الكلية المرسلة أيضاً . والأرباب تسمّى بالمثل الإلهية أيضاً ، وفي
    الصحف العرفانية تسمّى بالأسماء الإلهية ، كما صرح به العلّامة القيصري في شرح
    الفصّ الموسوي من شرحه على نصوص الحكم ، حيث قال : « حقائق الأسماء الإلهية هي
    الأرباب المتكثّرة » .
    وكذا في مصباح الانس ، حيث قال العلّامة ابن الفناري : « عبر عن الأسماء
    بالمثل الإفلاطونية » .
    وتعليقتنا في المقام على المصباح هكذا : أرباب الأنواع ـ عند افلاطون
    وأشياعه ـ مثل نورية ، وهي عند العارفين أسماؤه تعالى ، فإنّ كل نوع تحت إسم ، وهو
    ____________________________
    (6) التعليقة على الفصل السادس والعشرين من المرحلة العاشرة من الأسفار في العقل والمعقول 3 : 636
    و 473 ، الطبعة الثانية .
    (7) النبراس : 4 ، الطبعة الاُولى .


    عبد ذلك الإسم ، مثلاً انّ الحيوان عبد السميع والبصير ، والفلك عبد الرفيع الدائم ،
    والإنسان عبد الله .
    والإشراقيون قائلون : بأن كل رب من أرباب الأنواع مربوب إسم من أسماء
    الله ، فمآل الإشراقي والعارف واحد ، لأن الأمر ينتهي بالأخرة الى الأسماء ، فتبصر !
    ثم إنّ التسمية بالعبدية بلحاظ غلبة بعض الأسماء على غيره ، كما في المصباح
    أيضاً (Cool وتفصيل هذه المباحث يطلب في رسالتنا في المُثل الإلهية .
    وقد أفاد المتألّه السبزواري في شرح الإسم الشريف « يا من له الخلق والأمر »
    بقوله : « أي له عالم المقارنات وعالم المفارقات . إنما سمّي المفارق أمراً إذ يكفي في إيجاده
    مجرّد أمر الله تعالى ، بلا حاجة الى مادة وصورة واستعداد وحركة . أو لأنه حيث لا ماهيّة
    له ـ على التحقيق ـ فهو عين أمر الله فقط ، يعنی كلمة كن ، فلم يكن هناك يكون
    ـ إلى قوله ـ ولمّا كان الأمر بهذا الإصطلاح يطلق على المفارق حدّ نفس الأمر بالعقل
    الفعّال عند بعض الحكماء » (9) .
    وقد أفاد هذا المضمون في شرح الحكمة المنظومة (10) .
    وبما حرّرنا في نفس الأمر تعلم ان الأسماء موضوعة للمعاني النفس الأمرية ، ثم
    يطلق على مراتب تنزلاتها أيضاً ، كما يطلق العالم عليه تعالى وعلى الإنسان .
    واعلم أن الشيخ استدّل في الفصل الثالث عشر من النمط الثالث من
    الإشارات على إثبات العقل الفعّال بأنه مخرج النفوس من النقص الى الكمال ، لأنه
    يفيض المعقولات عليها ، وبأنه المرتسم بالصورة المعقولة أي الخزانة الحافظة لها ، فانسحب
    الكلام الى البحث عن الذهول والنسيان .
    وقال المحقّق الطوسي في الشرح : « يريد إثبات العقل الفعّال ، وبيان كيفية
    إفاضة المعقولات على النفوس الإنسانية ـ الى أن قال في نتيجة الكلام ـ فإذن يجب أن
    يكون شيء غيرها ـ يعني غير الجسم والقوى الجسمية ـ بالذات ترتسم فيه المعقولات ،
    ويكون هو خزانة حافظة لها ـ الى قوله ـ فإذن ها هنا موجود مرتسم بصور جميع
    ____________________________
    (Cool اُنظر المصباح : 148 .
    (9) شرح الأسماء : 227 ، الفصل السابع .
    (10) اُنظر شرح الحكمة المنظومة : 50 .

    المعقولات بالفعل ، ليس بجسم ولا جسماني ، ولا بنفس ، وهو العقل الفعّال » .
    غرضنا من نقل كلامهما هذا هو إطلاق العقل الفعّال على الموجود المفارق الذي
    هو مخرج النفوس ، بلا وصفه بالعاشر ـ وإن وصفوه في عباراتهم الاُخرى به ـ وذلك
    الوصف بلحاظ تعلقه بالنفوس ، كما سمّي بعقل العالم الأرضي .
    وقد سلكوا لإثباته مناهج ، وذكرها صدر المتألّهين بهذا العنوان :
    « تبصرة تفصيلية ، المناهج لإثبات هذا الموجود المفارق القدسي المتوسط في
    الشرف والعلوّ بينه تعالى وبين عالم الخلق الواسط لإفاضة الخير والجود على الدوام
    كثيرة . . . » (11) .
    وقد نقل ثلاثة عشر منهجاً والحادي عشر منها وهو كلام المحقّق الطوسي المنقول
    من رسالته المعمولة في ذلك ، ونسختان منها موجودة عندنا ، وقد طبعت في مجموعة
    رسائله (12) ، والثالث عشر منها هو المنهج الذي سلكه هو .
    والأول من تلك المناهج هو طريق النبوّة والإلهام ، كقوله صلّی الله عليه وآله
    وسلم : « أول ما خلق الله العقل » ، وقوله : « أول ما خلق الله القلم » ، ونحوهما .
    والثاني منها : منهج امتناع الكثير عن الواحد ، فيجب أن يكون أقرب الأشياء
    منه تعالى ذاتاً واحدة بسيطة بالضرورة .
    والثالث منها : سبيل الإمكان الأشرف .
    والرابع منها : المناسبة الذاتية بين العلّة التامّة ومعلولها .
    والخامس منها : منهج إخراج ما بالقوة الى ما بالفعل للنفوس .
    والسادس منها : طريق ازدواج الهيولى بالصورة ، فلا بدّ من عاقد لهما وهو الأصل
    المفارق .
    والسابع منها : طريق الحركة الجوهرية ، فلا بدّ من جامع وحافظ لوحدتها وهو
    الجوهر العقلي .
    والثامن منها : منهج الأشواق ، والأغراض ، والشهوات ، وميول الأشياء الى
    كمالاتها ، فلا بد أن يكون لها غاية كمالية عقلية ، فهي عقول البتة .
    ____________________________
    (11) ذكرها في الفصل الثامن من الموقف التاسع من إلهيات الأسفار 3 : 168 ـ 172 ، الطبعة الأولى .
    (12) اُنظر : ص 79 منها .


    والتاسع منها : منهج كفاية الإمكان الذاتي للأنواع المحصلة التي لا يفتقر فيضانها
    نوعاً ولا شخصاً عن المبدأ الواهب الى إمكان استعدادي غير إمكانها الذاتي .
    والعاشر منها : سبيل الحركات الفلكية ، فإن حركاتها الدورية توجب لها نفوساً ،
    وللنفوس عقولاً .
    والحادي عشر منها : منهج مطابقة الأحكام الصادقة الحاصلة في هذه الأذهان
    لما في نفس الأمر .
    والثاني عشر منها : مسلك التمام ومقابله ، فإن الأشياء بحسب الإحتمال العقلي
    إما تامّ أو ناقص ، والتامّ إما فوق التمام ـ وهو الواجب سبحانه ـ أو لا كالعقل .
    والناقص إما مستكفٍ بذاته ـ وهي النفوس المستكفية كالنفوس الفلكية ،
    والوسائط البشرية الكاملة ـ ، أو مستكفٍ بما لا يخرج عن قوام ذاته ، كنفوس البشرية
    غير الكاملة ، أي النفوس الناقصة ، أو ليس بمستكفٍ كالعنصريات ، فإنها ناقصة محضة ،
    فلابد إذن من موجود تامّ ، ليكون متوسطاً في إيصال الفيض بين ما هو فوق التمام ، وبين
    ما هو ناقصٍ أو مستكفٍ ، وهو العقل .
    والثالث عشر منها ، من جهة اثبات الخزانة للمعقولات كما قال سبحانه :
    « وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ » (13) ، وكقوله تعالى : « وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ . . . » (14) .
    وأقول : إن لنا منهجاً آخر ، وهو منهج تجدد الأمثال ، فانه يعطي إثبات مفارق
    مفيض الصور على ما حررنا في رسائلنا الاُخرى .
    والمقام يناسب نقل المنهج الحادي عشر ، وهو رسالة المحقّق نصير الدين
    الطوسي ـ في إثبات نفس الأمر ـ أي ذلك العقل الفعّال كما قال صدر المتألّهين في
    الموضع المذكور من الأسفار : الحادي عشر من منهج الأحكام الصادقة الحاصلة في هذه
    الأذهان ، لما في نفس الأمر ، وقد تصدّى المحقّق الطوسي ـ رحمه الله ـ لسلوك هذا المنهج ،
    وعمل في بيانه رسالة .
    أقول : الرسالة في الحقيقة تحرير ما أفاده الشيخ الرئيس في الفصل الثالث عشر
    من النمط الثالث من الإشارات وهي ما يلي :
    ____________________________
    (13) الحجر : 21 .
    (14) المنافقون : 7 .

    بسم الله الرّحمن الرحيم
    « إعلم انّا لا نشك في كون الأحكام اليقينية التي تحكم بها أذهاننا ـ مثلاً ـ
    كالحكم بأن الواحد نصف الإثنين ، أو بأن قطر المربع لا يشارك ضلعه ، أو يحكم به مما
    لم يسبقه إليه ذهن أصلاً ـ بعد أن يكون يقينيّاً ـ مطابقة لما في نفس الأمر .
    ولا نشك في أنّ الأحكام التي يعتقدها الجهال بخلاف ذلك ـ كما لو اعتقد
    معتقد ان القطر يشارك الضلع أو غير ذلك ـ غير مطابقة لما في نفس الأمر .
    ونعلم يقينا انّ المطابقة لا يمكن أن تتصور إلّا بين شيئين متغايرين بالتشخص ،
    ومتّحدين فيما تقع به المطابقة ، ولا شكّ في أنّ الصنفين المذكورين من الأحكام
    مشتركان في الثبوت الذهني ، فإذاً يجب أن يكون للصنف الأول منهما دون الثاني ثبوت
    خارج عن أذهاننا ، تعتبر المطابقة بين ما في أذهاننا وبينه ، وهو الذي يعبّر عنه بما في
    نفس الأمر .
    فنقول : ذلك الثابت الخارج إما أن يكون قائماً بنفسه أو متمثّلاً في غيره ،
    والقائم بنفسه يكون إما ذا وضع أو غير ذي وضع ، والأول محال .
    اما أولاً ـ فلأن تلك الأحكام غير متعلّقة بجهة معيّنة من جهات العالم
    والأشخاص ، ولا بزمان معين من الأزمنة ، وكل ذي وضع متعلّق بها فلا شيء من
    تلك الأحكام بذي وضع .
    لا يقال : إنها تطابق ذوات الأوضاع ، لا من حيث هي ذوات أوضاع ، بل من
    حيث هي معقولات ، ثم إنها تفارق الأوضاع من حيثية اُخرى ، كما يقال في الصور
    المرتسمة في الأذهان الجزئية انها كلّية باعتبار ، وجزئية باعتبار آخر .
    لأنا نقول : الصور الخارجية المطابق بها إذا كانت كذلك قائمة بغيرها ، وفي
    هذا الفرض كانت قائمة بنفسها ، هذا خلف .
    واما ثانياً ـ فلأن العلم بالمطابقة لا يحصل إلّا بعد الشعور بالمطابقين ، ونحن لا
    نشكّ في المطابقة مع الجهل بذلك الشيء من حيث كونه ذا وضع .
    واما ثالثاً ـ فلأن الذي في أذهاننا من تلك الأحكام إنّما ندركه بعقولنا ، واما
    ذوات الأوضاع فلا ندركها إلّا بالحواسّ أو ما يجري مجرى الحواس ، والمطابقة بين



    المعقولات والمحسوسات من جهة ما هي محسوسات محال .
    والثاني هو أن يكون ذلك القائم بنفسه غير ذي وضع ، وهو أيضاً محال ، لأنه
    قول بالمثل الإلٰهية .
    واما إن كان ذلك الخارج المطابق به متمثّلاً في غيره فينقسم أيضاً الى
    قسمين ، وذلك لأن ذلك الغير إما أن يكون ذا وضع أو غير ذي وضع ، فإن كان ذا وضع
    كان المتمثّل فيه مثله ، وعاد المحال المذكور فيبقى القسم الآخر ، وهو أن يكون متمثّلاً في
    شيء غير ذي وضع .
    ثم نقول : ذلك المتمثّل فيه لا يمكن أن يكون بالقوة ، وإن كان بعض ما في
    الأذهان بالقوة ، وذلك لامتناع المطابقة بين ما هو بالفعل أو يمكن أن يصير وقتاً ما
    بالفعل ، وبين ما هو بالقوة . وأيضا لا يمكن أن يزول أو يتغيّر أو يخرج الى الفعل بعد ما
    كان بالقوة ، ولا في وقت من الأوقات ، لأن الأحكام المذكورة واجبة الثبوت أزلاً
    وأبداً ، من غير تغيير ، واستحالة ، ومن غير تقييد بوقت ومكان ، فواجب أن يكون محلها
    كذلك ، وإلّا فأمكن ثبوت الحال بدون المحل .
    فإذاً ثبت وجود موجود قائم بنفسه في الخارج غير ذي وضع ، مشتمل بالفعل
    على جميع المعقولات التي لا يمكن أن يخرج الى الفعل ، بحيث يستحيل عليه وعليها التغيير
    والإستحالة والتجدّد والزوال ، ويكون هو وهي بهذه الصفات أزلاً وأبداً .
    وإذا ثبت ذلك فنقول : لا يجوز أن يكون ذلك الموجود هو أول الأوائل ، أعني
    واجب الوجود لذاته عزّت أسماؤه .
    وذلك لوجوب اشتمال ذلك الموجود على الكثرة التي لا نهاية لها بالفعل ،
    وأول الأوائل يمتنع أن يكون فيه كثرة ، وأن يكون مبدأ أولاً للكثرة ، وان يكون محلاً
    قابلاً لكثرة تتمثّل فيه .
    فإذاً ثبت وجود موجود غير الواجب الأول تعالى وتقدّس بهذه الصفة ونسمّيه
    بعقل الكل ، وهو الذي عبّر عنه في القرآن المجيد ، تارة باللوح المحفوظ ، وتارة بالكتاب
    المبين ، المشتمل على كل رطب ويابس ، وذلك ما أردنا بيانه . والله الموفق والمعين » .
    أقول : قوله : « إنا لا نشكّ في كون الأحكام اليقينية . . . » فلها نفسية ، وما
    هي إلّا العلوم والأنوار الوجودية في كلّ موطن ونشأة على سبيل الحقيقة والرقيقة ،


    فالحقيقة هي النشأة العالية ، والرقيقة هي النشأة الظلّية .
    قوله : « بين شيئين متغايرين بالتشخص » ، والتحقيق إنّ التغاير إنما بحسب
    الحقيقة والرقيقة ، وقد دريت ان الأسماء موضوعة للمعاني ( النفس الأمرية ) ثم يطلق
    على مراتب تنزّلاتها . فتبصر !
    قوله : « وهو أيضاً محال لأنّه قول بالمثل الإلٰهية » ، القول بالمثل الإلهية حقّ على
    ما حقّقنا البحث عنها في رسالتنا فيها ، وإن هي إلّا الأسماء الكلّية المسمّاة بالخزائن
    الإلٰهية ونحوها من الأسماء الحسنى لا كما توهموها وتفوّهوا ببطلانها .
    قوله « باللوح المحفوظ » ، بل الحق ان كل مرتبة عالية من الوجود الصمدي
    ـ الذي هو الأول والآخر والظاهر والباطن ـ قلم ، ومرتبته الظلّية لوح . والكتاب المبين
    له مراتب ومظاهر ، ولا ننكر ان الحقائق النورية العلمية لها نفسية في كل واحد منها
    بحسبها . والمطابقة ، والصدق والحق على أصالتها باقية أيضاً بحسبها ، فإنّها سنّة الله « فَلَن
    تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا » (15) .
    واما قول العلّامة الحلِّي : « وقد كان في بعض أوقات استفادتي منه ـ الى
    قوله ـ فلم يأت فيه بمقنع ، ( وفي بعض النسخ : بمشبع ) » ، فقد قال المتألّه السبزواري
    عند نقل صاحب الأسفار هذا المطلب من هذا الكتاب ، أعني كلام العلّامة في شرح
    التجريد ، ما هذا لفظه :
    « قوله : ( فلم يأت بمشبع ) ، لعلّ الوقت لم يكن مقتضياً للإشباع في إفشاء بعض
    الأسرار كما ستسمعه من المصنف في محلّه ، وإلّا فالمحقّق الطوسي أجلّ شأناً من أن يعجز
    ذلك » (16) .
    وأقول : ما أفاده المتألّه السبزواري حري بالمحقّق الطوسي ، ولا ينبغي أن يعتري
    جلالة شأنه في حلّ دقائق الحقائق الحكمية وغيرها من غوامض الفنون الاُخرى دغدغة
    ومجمجة .
    ثم إنّا نأتي بطائفة مما حررناه في تعاليقنا على تمهيد القواعد في شرح قواعد
    التوحيد ـ للمحقّقين التركة وابن التركة ـ ثم نتبعها بما حقّقه العارف القيصري في
    ____________________________
    (15) فاطر : 43 .
    (16) التعليقة على آخر الموقف التاسع من إلهيّات الأسفار 3 : 172 ، الطبعة الاُولى .


    شرحه على فصوص الحكم ، وصدر المتألّهين في الموضع المذكور من الأسفار وغيرهما في
    نفس الأمر ، ونحقّق الحق بحول من بيده الخلق والأمر فنقول :
    إنّ ما يتصوره العقل من الماهيات : قسم منها ما لا يكون لها تحقق إلّا بحسب
    الفرض العقلي ، وهذا القسم في نفسه قابلاً لأن يلحقه الوجود ولا تتفرّع عليه مسائل
    علمية أبداً ، ولا يستنبط منها أحكام وأحوال واقعية ، ولا وجود لها إلّا في القوى المدركة
    فقط ، كالنسب والإضافات الإعتبارية المحضة مثلاً ، والصور المختلقة التي من مخترعات
    الوهم ، ودعابات الخيال ، وتلفيقات المتصرفة كأنياب الأغوال ، والإنسان ذي القرون
    والأذناب ، وهذا القسم يسمّى عند المحقّقين من أهل التوحيد بالوجود الفرضي ،
    والاُمور الإعتبارية معروضاتها ، فالفرض بمعنى الفرضيات المحضة والإعتباريات الصرفة
    التي أبت عناية الفاعل الحكيم أن تكسوها خلعة الوجود ، لعدم قابليتها ، لالنقص
    الفاعل ، فإنّه على كل شيء قدير .
    وبذلك يعلم أنّ ما ذهب إليه الشيخ الإشراقي السهروردي في آخر المقالة
    الرابعة من حكمة الإشراق ، وكذا القطب الشيرازي في شرحه (17) ، من إثبات العالم
    المثال المنفصل بطريق الصور الخياليّة ، خال عن التحقيق ، وإلّا يلزم القول بإسناد اللغو
    والعبث الى فعله سبحانه ، وإن كنا نعقد بذلك العالم ، أعني المثال المطلق المنفصل ،
    نزولاً وصعوداً بطرق اُخرى مبرهنة في رسالتنا في المثال .
    ولنعد الى ما كنا فيه فنقول :
    هذا القسم ، أي الوجود الفرضي ، ممّا لا يبحث عنه في العلوم الحقيقية لأنها
    ناظرة الى معرفة الموجود الحقيقي ، وباحثة عنه وهذا لا حقيقة له .
    وقسم منها ما يكون لها تحقق خارج الفرض والإعتبار ، أي لا يكون من الوجود
    الفرضي بمعنی القسم الأول ، بل هو متحقّق مع قطع النظر عن ذلك الفرض
    الإعتباري ، وهذا القسم يسمّى عندهم بالوجود الحقيقي ، والموجود الحقيقي ، والوجود في
    نفس الأمر ، والموجود في نفس الأمر . وهو إما متحقّق في الخارج عن المشاعر ، أي الخارج
    عن القوی المدركة ، كالأعيان الموجودة في الخارج ، وإمّا متحقّق في المشاعر ، والقوى
    ____________________________
    (17) لاحظ : ص 70 من الطبعة الاُولى .

    المدركة كالوجودات الذهنية الحقيقية من النسب ، والإضافات الحقيقية ، والمعقولات
    الاُولى ، وسائر ما يقع في الدرجة الثانية من التعقّل ، أي ليس من المعقولات الاُولى ،
    فهي من المعقولات الثانية المنطقية . والقيد بالحقيقية لإخراج القسم الأول ، أي الوجود
    الفرضي الإعتباري ، فهذا القسم أعني الوجود الحقيقي على قسمين خارجي وذهني .
    ثم لمّا كان وعاء حصول القسم الأول مما يتصوّره العقل ـ أي الوجود
    الفرضي ـ هو المشاعر ، وكذلك وعاء حصول القسم الثاني من الوجود الحقيقي ، أي
    الذهني أيضاً هو المشاعر ، يورد سؤال عن الفرق بينهما ، ويقال : فحينئذ يكون هذا القسم
    الثاني من الوجود الحقيقي هو أيضاً من أقسام الوجود الفرضي ، ضرورة أنّ حصوله إنّما هو
    في القوى المدركة .
    والجواب : أنّ القسمين كليهما ـ وإن كان ظرف حصولهما ـ هو المشاعر ،
    ولكنّ الأوّل منهما اعتباري محض لا يكون قابلاً للحوق الوجود إيّاه ، ولا تترتّب عليه
    فائدة علمية ، ولا يحكم عليه بشيء إلّا أنّه من ملفّقات المتصرفة ، ومختلقات المتخيّلة
    بخلاف الثاني ، فإنّه نسب ، وإضافات ، وصور حقيقية ، هي مرايا الأعيان الخارجية ،
    وروازنها ، وعناوينها ، وألسنتها ، وأظلالها ، وموضوعات لمسائل شتّى ، علمية حقة
    تستنتج منها .
    وهذا القسم هو الموجود الذهني ، وهو من أقسام الموجود الحقيقي ، والموجود في
    نفس الأمر .
    فنفس الأمر أعمّ من الخارج لأنه كلّما تحقق أمر في الخارج تحقق في نفس
    الأمر ، وكذلك كلّما تحقق أمر في الذهن تحقق أيضاً نفس الأمر ، ولكن يمكن أن
    يتحقق الموجود الذهني فقط ، ولا يتحقق الموجود الخارجي ، فحينئذ يتحقق أمر في نفس
    الأمر فقط ، ولا يتحقق أمر في الخارج كإنسانية زيد المعدوم في الخارج ، فحيث أن زيداً
    معدوم في الخارج لا تتحقق إنسانيته المقيّدة فيه ، وإن كانت متحققة في الذهن .
    ثم ان ها هنا سؤالاً آخر ، وهو ان ما قررتم في معنى نفس الأمر فما الفرق بين
    القضايا الصادقة والكاذبة ، لأن الصادق هو الذي له مطابق في الخارج ، دون الكاذب ،
    فإذا لم تكن لإنسانية زيد المعدوم في الخارج مطابق ـ بالفتح ـ في الخارج أصلاً فكما
    ان إنسانيته معدومة ، فكذلك حماريته معدومة في الخارج ، فليس لهما مطابق في الخارج ،



    فكيف يحكم بصدق إنسانية زيد المعدوم في الخارج ، وكذب حماريته ، فإن كانت
    الاُولى صادقة فلتكن الثانية أيضاً كذلك ، وإن كانت الثانية كاذبة فلتكن الاُولى
    أيضاً كذلك ؟
    والجواب عنه : إنّ قولهم : الصادق هو الذي له مطابق في الخارج دون
    الكاذب ، لا يعنون بذلك الخارج ، الموجود العيني الخارجي ، المقابل للذهني ، أي الخارج
    عن وعاء الذهن ، بل مرادهم من ذلك الخارج : هو الخارج عن اعتبار العقل ، أي
    الخارج عن الفرض العقلي الذي هو الوجود الفرضي المذكور .
    فكل قضية لها مطابق بأحد قسمي الوجود الحقيقي ، فلها خارج ، فهي صادقة
    سواء كان ذلك الخارج عن الفرض العقلي المختلق خارج الذهن أو كان موجوداً
    ذهنياً . فالخارج على هذا المعنى أعمّ من الخارج المقابل للوجود الذهني ، فلا يلزم من عدم
    مطابقٍ للخبر في الخارج بالمعنى الأخص أن لا يكون له مطابق فيه بالمعنى الأعمّ .
    فنقول إيضاحاً : إنّ كل واحد من الصدق والكذب من أوصاف القضايا
    ومحمول عليها ، فالقضية إن كانت لفظية أو كتبية ، ولها مطابق في وعاء الخارج ، المقابل
    للذهني فصادقة وإلّا فكاذبة ، وإن كانت ذهنية فإن كانت لها مطابق في وعاء الذهن
    من المعاني الوجودية الحقيقية الذهنية التي هي خارجة عن الفرض العقلي المختلق ، فهي
    صادقة ، وإلّا فكاذبة .
    فإن قلت : إنّ الضرورة قاضية بأن الموجود الحقيقي إما خارجي وإما ذهني .
    والخارجي شامل لجميع صور الحقائق الوجودية : من الواجب والممكن ، والذهني أيضاً
    شامل لجميع المعاني والصور الذهنية ، وليس وراء الوجودين أي الخارجي والذهني أمر
    آخر يسمّى بنفس الأمر حتى يحتاج إثباته الى برهان .
    قلنا : قد أجاب عنه بعضهم في إثباته بما حاصله : إنّه قد ثبت بالقوانين العقلية
    وجود العقل المفارق ، المشتمل على جميع المعقولات ، المسمّى بالعقل الكل ، واللوح
    المحفوظ ، أما كونه كلاً ، فلذلك الإشتمال ، وأما كونه لوحاً ، فلأن كل صغير وكبير فيه
    مستطر ، وأما كونه محفوظاً ، فلكونه محفوظاً بالإسم الحافظ ، الحفيظ عن التغيّر ، والزوال ،
    والتبدّل ، والبوار ، كما هو شأن جميع المجردات النورية ، وهذا العقل هو نفس الأمر
    للموجودات الحقيقية العينية والذهنية مطلقاً .

    فأورد على هذا الجواب بعض المتأخرين ـ نقضاً ـ بالواجب تعالى ، والعقول ،
    وذلك لأن نفس الأمر لو كان بذلك المعنى ، لكان نفس الأمر للموجودات الحقيقية التي
    دونه ، فيلزم أن لا يكون للواجب ـ وسائر العقول التي غير اللوح المحفوظ ـ وجود في
    نفس الأمر .
    ثم هذا البعض من المتأخرين حاول التحقيق في معنى نفس الأمر ، وحاصله أنه
    عبارة عن حقيقة الأشياء بحسب ذواتها مع قطع النظر عن الاُمور الخارجة عنها .
    وشارح قواعد التوحيد ، صائن الدين علي بن التركة ، اعترض عليه بأنّ هذا
    التحقيق إنّما أفاد زيادة إجمال في معنى نفس الأمر ، إلّا ان يحمل كلام هذا البعض على
    مذهب المحققين من أهل التوحيد ، أعني بهم أهل العرفان ، بأن أعيان الأشياء بحسب
    ذواتها ثابتة في ذاته الأحديّة سبحانه بلا شوب كثرة ، ولذلك يسمّونها بالأعيان الثابتة ،
    والفيلسوف يعبّر عنها بالماهيات .
    والأعيان الثابتة في اصطلاح العارف من الممتنعات ، أي ممتنع تقرّرها
    وتمثّلها ـ في خارج ذات العالم بها ـ وإن كانت مظاهرها في خارج الذات موجودة
    بحسب اقتضائها ذلك ، فالأعيان الثابتة ما شمّت رائحة الوجود قط ، أي وجودها
    الخارجي ، ولا تشمّها أبداً . فالأعيان في ذاته الأحدية بوجوداتها الأحدية كالصور
    العلمية في أصقاع نفوسنا الناطقة .
    واعلم انّ التمثّل معناه لا يختص بالحقائق التي في قوالب الأمثال والأشباح ،
    حتى يستلزم الكثرة والتمايز في ذاته الأحدية سبحانه وتعالى ، بل معناه يتناول الحقائق
    النورية ، المستكنة في ذات العاقل ، المجتمعة فيها جمعاً أحدياً ، والصور المثالية القائمة
    بغيرها في بعض مراتبه ، كالأشباح المجرّدة ، بالتجرّد البرزخي ، القائمة بالنفس الناطقة
    في مرتبة خيالها ، والخيال مظهر للإسم المصوّر ، ولذا جبلت على المحاكاة ، يقال : تمثّل
    كذا عند كذا ، إذا حضر منتصباً عنده بنفسه ، أو بمثاله (18) .
    وللانتصاب في التعريف شأن لأنّ العلم الحقيقي هو انتصاب المعلوم لدى
    العالم ، ليس فيه اعوجاج ، ولذلك فسّر الشيخ الإدراك في الموضع المذكور من
    ____________________________
    (18) كما أفاده المحقّق الطوسي في شرحه على سابع الثالث من الإشارات : 76 ، الطبعة الاُولى .


    الإشارات بقوله : « أن تكون حقيقته متمثلة عند المدرك » ، وفسّر العناية بقوله : « تمثل
    النظام الكلي في العلم السابق . . . » (19) .
    فلنرجع الى ما كنّا فيه فنقول :
    إنّ ذلك البعض المعترض إن أراد من قوله : إنّ نفس الأمر عبارة عن حقيقة
    الأشياء بحسب ذواتها ، مع قطع النظر عن الاُمور الخارجة عنها ، ان قاطبة الأشياء لها
    وجود في نفس الأمر ، بمعنى ان حقائقها العلمية ، أي أعيانها الثابتة بحسب ذواتها ، مع
    قطع النظر عن الاُمور الخارجة عنها ، كائنة في صقع الذات الأحدية ، فله وجه وجيه ،
    وإلّا فلا يخلو من دغدغة .
    ثم أفاد صائن الدين في تمهيد القواعد في بيان نفس الأمر على طريقة المحققين
    من أهل التوحيد والعرفان بقوله : نفس الأمر عبارة عمّا ثبت فيه الصور والمعاني الحقّة
    أعني العالم الأعلى ـ الذي هو عالم المجرّدات ، ويؤيّده إطلاق عالم الأمر على هذا العالم ،
    وذلك لأن كل ما هو حق وصدق من المعاني والصور لا بد وأن يكون له
    مطابَق ـ بالفتح ـ في ذلك ، كما يلوح تحقيقه من كلام معلم المشّائين أرسطو ، في ( الميمر
    الثاني ) من كتابه في العلم الإلهي ، المسمّى ( باثولوجيا ) بعد فراغه عن أن العالم الأعلى
    هو الحيّ التامّ الذي فيه جميع الأشياء ، وأن هذا العالم الحسّي كالصنم ، والاُنموذج
    لذلك العالم ، من أنّ فعل الحق هو العقل الأول ، فلذلك صار له من القوة ما ليس
    لغيره ، وأنّه ليس جوهر من الجواهر التي بعد العقل الأول إلّا وهو من فعل العقل
    الأول .
    وإذا كان هذا كذا قلنا : إنّ الأشياء كلّها هي العقل ، والعقل هو الأشياء ،
    وإنما صار العقل هو جميع الأشياء ، لأنّ فيه جميع كلّيات الأشياء ، وصفاتها ، وصورها
    وجميع الأشياء التي كانت وتكون مطابقة لما في العقل الأوّل ، كما ان معارفنا التي في
    نفوسنا مطابقة للأعيان التي في الوجود ، ولا يمكن غير ذلك ، ولو جوّزنا ذلك ـ أعني أن
    يكون بين تلك الصور التي في نفوسنا وبين الصور التي في الوجود تباين أو اختلاف ـ ما
    عرفنا تلك الصور ولا أدركنا حقائقها ، لأن حقيقة الشيء ما هو به هو ، وإذا لم يكن ،
    فلا محالة غيره ، وغير الشيء نقيضه ، فإذن جميع ما تدركه النفوس وتتصوره من أعيان
    ____________________________
    (19) تاسع سادس الإشارات : 148 .

    الوجودات هو تلك الموجودات ، إلّا أنه بنوع ونوع .
    وإنّما أوردت هذا الكلام كلّه ، لأنّه مع انطوائه بما نحن بصدده ، مشتمل أيضاً
    على تحقيق معنى الحقيقة ، ومعنى الصدق والحق وسبب تسمية هذا الوجود بالوجود
    الحقيقي وغيره من اللطائف فليتأمل (20) .
    أقول : في هذه العبارات المنيفة السامية لطائف عديدة ، ونكات سديدة ، حريّ
    بباغي المعارف الإلهية أن يعتني بها ويهتمّ بنيلها :
    منها : إنّ العالم الأعلى هو متن ما دونها وقضائها ، ولا يوجد رقيقة في الداني ، إلّا
    وهي مستكنة فيه على نحو وجود أحديّ ، فالرقائق صنم ، واُنموذج لذلك العالم الأعلى ،
    فالحقيقة لا تنزل الى العالم الأدنى الحسّي إلّا وهي نازلة من جميع العوالم ، قال عزّ من
    قائل : « وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ » (21) ، وقال سبحانه :
    « يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا
    تَعُدُّو » (22) .
    فكل ما هو حق وصدق من المعاني والصور ، فهو مطابق ـ بالكسر ـ لما هو
    متحقّق في العالم الأعلى ، أي فله مطابَق ـ بالفتح ـ وخزائن ، واما ما ليس بحق وصدق
    كالصور المختلقة التي هي مخترعات الوهم ودعابات الخيال ، والإعتباريات المحضة من
    النسب والإضافات غير الحقيقية ، فليس لها مطابَق ـ بالفتح ـ أصلاً ، لأنّ الباطل لا
    يتطرق في صنع الحق ، مثلاً ، لو فرض الوهم غلطاً أنّ الثلاثة نصف العشرة أو الهواء
    أثقل من الأرض وأصلب منها ونحوهما من الأكاذيب ، فهي عارية عن أن يكون لها
    نفس الأمر ، وبمعزل عنه . فنفس الأمر هو حقيقة الأمر ، أي حقيقة الشيء في النظام
    العنائي الحقيقي ، وتصور أنّ الثلاثة نصف العشرة ليس أمراً حقاً ، فلا يصحّ أن يقال : إنّ
    الثلاثة في نفس الأمر أي في نفسها وذاتها نصف العشرة ، فلا يصحّ أن يقال : إنّ
    للكواذب مطابَق ـ بالفتح ـ فما هو باطل في موطن ، وليس فرض تحقّقه في ذلك الموطن
    بحق ، فهو عارٍ عن تلبّس خلعة الوجود الحقيقي في جميع المواطن ، فالكواذب مطلقاً ليس لها
    ____________________________
    (20) إنتهى كلام صاحب التمهيد : 16 الطبعة الاُولى .
    (21) الحجر : 21 .
    (22) السجدة : 5 .


    مطابق اصلاً .
    على أنّ المطابقة واللامطابقة ، كالإنقسام الى التصوّر والتصديق من خواصّ
    العلم الحصولي دون الحضوري ، ومن كلام صاحب أثولوجيا إنّ علم المبادیء أجلّ من
    أن يوصف بالصدق ، وإنما هو الحقّ بمعنى أنه الواقع لا المطابق للواقع .
    ومنها قوله : ويؤيّده إطلاق عالم الأمر على هذا العالم : إنّ المحقّقين من أهل
    التوحيد ، أي العارفين بالله يعبّرون عنه بعالم الأمر ، والحكماء الإلهيين بالعقل . وديدن
    أهل التوحيد في اصطلاحاتهم هو الأخذ من كلمات الوحي ، وأهل بيت الوحي ، وقال
    عزّ من قائل : « أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ » (23) والتعبير عن هذا العالم بعالم الأمر ـ كما في
    الحكمة المنظومة ـ لوجهين :
    أحدهما : من جهة اندكاك إنّيته واستهلاكه في نور الأحدية ، إذ العقول مطلقاً
    من صقع الربوبية ، بل الأنوار الاسفهبدية لا ماهيّة لها على التحقيق ، فمناط البينونة
    الذي هو المادة سواء كانت خارجية أو عقلية مفقود فيها ، فهي مجرّد الوجود الذي هو أمر
    الله وكلمة « كن » الوجودية النورية .
    وثانيهما : إنّه وإن كان ذا ماهية يوجد بمجرّد أمر الله ، وتوجّه كلمة « كن » إليه
    من دون مؤنة زائدة من مادّة ، وتخصص استعداد ، فيكفيه مجرّد إمكانه الذاتي (24) .
    ومنها قوله : إنّ هذا العالم الحسّي كالصنم والاُنموذج لذلك العالم . ويدلّك
    على هذا المطلب الأرفع كلمة الآية والآيتين والآيات في القرآن الكريم ، فتلك الكلمة
    المباركة ناطقة بأن ما سواه سبحانه على ضرب من التعبير بالسواء مظاهره ، ومراياه ،
    ومجاليه ، فأحدس من هذا ان الوجود واحد شخصي أحدي صمدي مطلق عن الإطلاق
    والتقييد ، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن . وان جميع أسمائه سبحانه ـ إلّا ما
    استأثره لنفسه ـ متحقّق في كل كلمة وآية ، وإن كانت تسمّى بالصفة الغالبة على
    غيرها ، والإسم القاهر على غيره ، ولذا اشتمل كلّ شيء على كل شيء . وذلك
    الإشتمال كما في مصباح الانس على ثلاثة أنواع ، لأنّ الظاهر من الآثار ، اما آثار بعض
    ____________________________
    (23) الأعراف : 54 .
    (24) اُنظر : ص 50 ، الطبعة الاُولى .

    الحقائق وآثار الآخر مستهلكة ، وهو في غير الإنسان ، واما آثار جميع الحقائق كما في
    الإنسان ، فاما بغلبة بعض الآثار ومغلوبية الآثار الباقية ، كما في غير الكامل أو
    بالاعتدال كما في الانسان الكامل (25) .
    فتبصر من هذا الكلام الكامل أنّ المراد من قوله سبحانه « وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ
    كُلَّهَا » (26) ما هو ، وكذا من قوله عزّ من قائل « وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَىٰ فَلَوْلَا
    تَذَكَّرُونَ » (27) ثم اقرأ وارق .
    ثم اعلم ان جميع الأسماء الحسنى على كمالها وتمامها أسماؤه المستأثرة كالحيّ
    والعالم والقادر وغيرها فتبصر !
    ومنها قوله : وإذا كان هذا كذا ، قلنا : إنّ الأشياء كلّها هي العقل ، والعقل هو
    الأشياء . لأنّ الأشياء كلّها من فعل العقل بإذنه سبحانه والفعل قائم بفاعله ، والفاعل
    قاهر على فعله ومحيط به ، فانظر ماذا ترى .
    وكان المتقدّمون من أهل التوحيد يسمّون مبدأ المبادیء سبحانه وتعالى
    بالعقل ، وكانوا يقولون : إنّ العقل يدبّر العالم ، والعقل موجب وحدة الصنع أزلاً وأبداً ،
    وكانوا يسمّون وحدة الصنع من كثرة بهائه ، وجماله ، وحسن زينته بقوسموس ، فتبارك
    الله أحسن الخالقين .
    ومنها قوله القويم الثقيل : لو جوّزنا أن يكون بين تلك الصور التي في نفوسنا ،
    وبين الصور التي في الوجود تباين أو اختلاف ما عرفنا تلك الصور ، ولا أدركنا
    حقائقها . فكلّما نطلبه أول الأمر ندركه إدراكاً ما ، لأنّ طلب المجهول المطلق محال ، وقد
    دريت الكلام في الإشتمال فافهم !
    ثم إنّ الصور التي في نفوسنا لو لم تكن مطابقة لما في الوجود كالأمثلة المتقدمة
    فهي ليست بعلم ، ولم يكن لها مطابق ، ولم يصدق عليها عنوان نفس الأمر . فمعنى كون
    الشيء موجوداً في نفس الأمر هو كونه متلبّساً خلعة الوجود في حدّ ذاته أي كونه موجوداً
    مع قطع النظر عن فرض فارض واعتبار معتبر ، سواء كان موجوداً في الخارج أو في
    ____________________________
    (25) اُنظر : ص 147 ، الطبعة الاُولى .
    (26) البقرة : 31 .
    (27) الواقعة : 62 .


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تراثنا العدد6 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تراثنا العدد6   تراثنا العدد6 Emptyالجمعة نوفمبر 08, 2024 6:49 am

    الذهن على الوجه الذي حرّرناه .
    ولا يخفى عليك صدق نفس الأمر على الوجود الحق الصمدي المتعين المطلق
    عن الإطلاق والتقييد أيضاً ، وإن لم يصدق عليه ما يصدق على شؤونه النورية ، من أن
    لها خزائن وصوراً علمية ، مسمّاة بالأعيان الثابتة ، لأنه سبحانه صورة الصور وحقيقة
    الحقائق وجوهر الجواهر ونور الأنوار .
    ثم لا يخفى عليك انّ هذا الأمر القويم لا يتبدّل في اختلاف الآراء في إدراك
    النفس الحقائق ، من أنه هل هو على سبيل رشح الصور على النفوس ، أو على سبيل
    الإشراق ، أو على سبيل الفناء في القدسي (28) .
    ومنها : إنّ المراد من الخارج هو خارج الفرض والإعتبار ، وإن كان متحققاً في
    المشاعر والقوى المدركة ، وبعبارة اُخرى وإن كان متحققاً في الذهن والخارج ـ بهذا
    المعنى الدقيق ـ هو نفس الأمر ، للأحكام الذهنية أي القضايا الذهنية ، فلا يجب في
    صحيحها المطابقة لما في الخارج ، بل تكون صحّتها باعتبار مطابقتها لما في نفس الأمر بهذا
    المعنى ، أي نفس الشيء في حدّ ذاته .
    ومنها : وجه ما قالوا في معنى « نفس الأمر » من أنّها العلم الإلهي . أو من أنّها
    النفس الكلية ، واللوح المحفوظ ، أو من أنّها عالم المثال . وكلّ واحد من تلك المعاني
    حق ، ولكلٍّ وجهة هو موليها ، كما ستعلم أيضاً .
    ومنها : معنى الحقّ والصدق ، وقد أشبعنا البحث عنهما في شرحنا على الفصّ
    الواحد والسبعين ـ من شرحنا على فصوص الفارابي ـ فراجع !
    تبصرة :
    ما قاله العلّامة الحلّي في كشف المراد من أن « المعقول من ( نفس الأمر ) إما
    الثبوت الذهني أو الخارجي . . . » ، يعني وما يتصوّر ويعقل من لفظ « نفس الأمر »
    عندما يقال : الشيء مطابق لما في نفس الأمر ، ويكون الشيء فيه إما هو الوجود
    الخارجي ، وكون الشيء في الخارج ، أو الذهني وكون الشيء في الذهن ، والمفروض
    ____________________________
    (28) كما حقّق في الفصل 33 من المرحلة السادسة من الأسفار في العلّة والمعلول 1 : 200 ، الطبعة الاُولى .

    أنّ الأحكام الذهنية التي قلنا : ليست بلحاظ ما في الخارج ، كالإمكان مقابل
    للإمتناع ، لا يصحّ القول بأنّ صحيحها لأنها في الخارج ، وكذا لا يصحّ القول : بأنّ
    صحيحها لا لأنّها في الذهن ، لإمكان كونها كاذبة ، ومع ذلك موجودة في الذهن ،
    ويلزم على هذا صحّة الكواذب .
    ولكن أنت بما حقّقنا من معنى نفس الأمر والخارج ، ومعنى صحّة مطابقة
    الحكم لنفس الأمر ، تعلم أنّ الشبهة غير واردة أصلاً ، لأنّ الكواذب لا نفسية لها حتى
    يتفوّه بها بمطابقتها له وصحّتها .
    نعم لو قلنا إنّ نفس الأمر عبارة عن عالم الأمر الحكيم ، فالجواب عن الشبهة
    المذكورة وإن كان يعلم أيضاً بالقياس الى ما حرّرناه ، ولكن فيه تحقيقاً أنيقاً آخر يأتي
    نقله عن الحكمة المتعالية ، وكلامنا حوله .
    ثم إنّ العلّامة القيصري أفاد تحقيقاً في معنى « نفس الأمر » في آخر الفصل
    الثاني من فصول شرحه على فصوص الحكم ، على ما ذهب إليه المحقّقون من أهل
    التوحيد ، وما تقدّم منا في معنى « نفس الأمر » وإن كان كافلاً لما أفاد ، ولكنّه أجاد بما
    أفاد لا يخلو نقله عن فوائد كثيرة ، ونتبعها بإشارات منيفة منّا حول إفاداته إن شاء الله
    تعالى ، قال :
    « والحقّ أنّ كل من أنصف يعلم ـ من نفسه ـ أنّ الذي أبدع الأشياء
    وأوجدها من العدم الى الوجود ـ سواء كان العدم زمانياً أو غير زماني ـ يعلم تلك
    الأشياء بحقائقها وصورها اللازمة لها ، الذهنية والخارجية ، قبل إيجاده إيّاها ، وإلّا لا
    يمكن اعطاء الوجود لها ، فالعلم غيرها ـ أي غير الأشياء ـ .
    والقول باستحالة أن يكون ذاته تعالى وعلمه ـ الذي هو عين ذاته ـ محلاً
    للاُمور المتكثرة ، إنّما يصحّ إذا كانت غيره تعالى ، كما عند المحجوبين عن الحق ، اما إذا
    كانت عينه من حيث الوجود والحقيقة ، وغيره باعتبار التعيّن والتقيّد فلا يلزم ذلك ،
    وفي الحقيقة ليس حالاً ولا محلاً بل شيء واحد ظهر بصورة المحلية تارة والحالية اُخرى .
    فنفس الأمر عبارة عن العلم الذاتي الحاوي لصور الأشياء كلّها ، كليها وجزئيها ،
    صغيرها وكبيرها ، جمعاً وتفصيلاً ، عينية كانت أو علمية ، ( مَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن



    مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ) (29) .
    فإن قلت : العلم تابع للمعلوم ، وهو الذات الإلٰهية وكمالاتها ، فكيف
    يكون ـ أي العلم ـ عبارة عن نفس الامر ؟
    قلت : الصفات الإضافية لها اعتباران ، اعتبار عدم مغايرتها للذات ، واعتبار
    مغايرتها لها ـ أي أنّها غير الذات ـ فبالاعتبار الأول العلم ـ والإرادة والقدرة وغيرها
    من الصفات التي تعرض لها الإضافة ـ ليس تابعاً للمعلوم ، والمراد والمقدور ، لأنّها عين
    الذات ولا كثرة فيها .
    وبالاعتبار الثاني العلم تابع للمعلوم ، وكذلك الإرادة والقدرة تابعة للمراد
    والمقدور .
    وفي العلم اعتبار آخر ، وهو حصول صور الأشياء فيه . فهو ـ أي العلم ـ ليس
    من حيث تبعيته لها عبارة عن نفس الأمر ، بل من حيث أنّ صور تلك الأشياء حاصلة
    فيه هي عبارة عنه ، من حيث تبعيته لها . يقال : الأمر في نفسه كذا ، أي تلك الحقيقة
    التي يتعلّق بها العلم ، وليست غير الذات في نفسها كذا ، أي والحال ان تلك الحقيقة
    ليست غير الذات يقال في نفسها كذا .
    وجعل بعض العارفين العقل الأول عبارة عن نفس الأمر حق ، لكونه مظهراً
    للعلم الإلهي من حيث إحاطته بالكلّيات المشتملة على جزئياتها ، ولكون علمه مطابقاً
    لما في علم الله تعالى . وكذلك النفس الكلّية ، المسمّاة باللوح المحفوظ بهذا الاعتبار عبارة
    عن نفس الأمر » .
    أقول : كلامه الشريف شامل على مطالب عديدة سامية ينبغي الإشارة إليها :
    منها : انّه سبحانه عالم بالأشياء على الوجه الكلّي ، وكذلك على الوجه الجزئي ،
    من حيث هو جزئي « أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » (30) ، وهذا المطلب الأسمى
    مستفاد من وحدة الوجود الشخصية التي هي موضوع الصحف العرفانية ، ومسائلها ،
    وإطلاق هذه الوحدة على الذات الصمدية على الوجه التامّ هو ما عبّر به إمام الكلّ في الكلّ
    ____________________________
    (29) يونس : 61 .
    (30) الملك : 14 .

    عليه السلام في خطبة من النهج ـ قال الرضي في وصفها : وتجمع هذه الخطبة من اُصول
    العلم ما لا تجمعه خطبه ـ بقوله : « ولا يُقال لَهُ حدٌ ، ولا نهايةٌ ، ولا انقطاعٌ ، ولا غايةٌ ،
    ولا أنَّ الأشياء تحويه ، فتقلّهُ ، أو تُهويه ، أو أنّ شيئاً يحمله فيميله أو يعدّله ، ليسَ في
    الأشياءِ بوالج ولا عنها بخارجٍ » (31) .
    بل أهل الذوق يفهمون من قوله سبحانه « وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ » (32) ، ومن
    قوله : « وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » (33) هذا المعنى اللطيف ، ويفسّرون الإسم
    القيوم بهذا السرّ القويم . واستيفاء البحث عن العلم موكول الى رسالتنا في العلم .
    ومنها قوله : « والقول باستحالة أن يكون ـ الى قوله ـ والحالية الاُخرى » كلام
    كامل متقن في تحقّق الأعيان الثابتة في الذات ، ومن هنا ، وعلى هذا المنوال ، قال صدر
    المتألّهين :
    « وأمّا تحاشيه ( يعني تحاشي الشيخ الإشراقي ) وتحاشي من تبعه عن القواعد
    بالصور الإلهية ، لظنّهم أنه يلزم حلول الأشياء في ذاته ، وفي علمه الذي هو عين ذاته ،
    فقد علمت ان ذلك غير لازم ، إلّا عند المحجوبين عن الحق ، الزاعمين انها كانت غيره
    تعالى ، وكانت أعراضاً حالّة فيه ، واما إذا كانت عينه من حيث الحقيقة والوجود ،
    وغيره من حيث التعيّن والتقيّد ( يعني التقيّد بالحدود ) فبالحقيقة ليس هناك حالّ ،
    ولا محلّ ، بل شيء واحد متفاوت الوجود في الكمال والنقص والبطون والظهور .
    ونفس الأمر عند التحقيق عبارة عن هذا العلم الإلهي لصور الأشياء كليها
    وجزئيها ، وقديمها وحادثها ، فإنّه يصدق عليه أنه وجود الأشياء على ما هي عليها ، فإنّ
    الأشياء موجودة بهذا الوجود الإلهي ، الحاوي لكلّ شيء إذا الأشياء كما ان لها وجوداً
    طبيعياً ، ووجوداً مثالياً ، ووجوداً عقلياً ، فكذلك لها وجود إلهي عند العرفاء . وهذا
    الوجود أولى بأن يكون عبارة عن نفس الأمر ، ولا يلزم من ذلك ثبوت المعدومات إذ
    ثبوت المعدوم الذي حكم عليه أنه محال عبارة عن انفكاك الشيئية عن الوجود مطلقاً لا
    انفكاكها عن الثبوت الخارجي ، مع تحقّقها بالوجود الربّاني وظهورها فيه » (34) .
    ____________________________
    (31) نهج البلاغة : 274 فهرسة صبحي الصالح .
    (32) الحديد : 4 .
    (33) ق : 16 .
    (34) آخر الفصل الحادي عشر من الموقف الثالث من إلهيات الأسفار 3 : 56 ، الطبعة الاُولى .


    أقول : مراد صاحب الأسفار بالكمال هو المرتبة الأحدية ، والنقص هو المرتبة
    الواحدية ، ولا شكّ أنّها نقص بالإضافة الى الأحدية لوقوع الكثرة في هذه المرتبة ،
    والمرتبة الأحدية هي البطون ، أي الغيب المطلق الذي لا يخبر عنه ، ويمكن أن يكون
    المراد بالنقص نفس الماهيات التي يعبّر عنها بالأعيان الثابتة ، أو الوجودات المقيّدة
    بالحدود من حيث سعة المجال وضيقه ، أعني التشكيك في اصطلاح العارف ، فتبصر !
    ثم العجب من صاحب الحكمة المنظومة حيث قال فيها في « غرر في ذكر الأقوال
    في العلم ووجه الضبط لها » ما هذا لفظه : « الشيخ العربي واتباعه جعلوا الأعيان الثابتة
    اللازمة لأسمائه تعالى في مقام الواحدية علمه تعالى . وهذا أيضاً مزيف من حيث
    إثباتهم شيئية للماهيات ، وإسنادهم الثبوت إليها في مقابل الوجود ، مع انك قد عرفت
    أصالة الوجود ولا شيئية الماهية إلّا ان يصطلحوا أن يطلقوا الثبوت على مرتبة من
    الوجود ، كأنّهم وضعوها ، مباناً من حقيقة الوجود مرتبة منها ، وقابلوها بها . . . » (35) .
    ولست أدري أنّه رحمة الله ـ مع طول باعه في الحكمة المتعالية ـ كيف تفوّه بهذا
    الرأي الفائل ؟
    وقد حقّقنا في تعليقاتنا على كشف المراد : انّ الماهيات في اصطلاح الحكيم
    هي الأعيان الثابتة في اصطلاح العارف ، وهي الصور العلمية بوجودها الأحدي ، الذي
    هو عين الذات الصمدية ، وقد اصطلح العارف ان يسمّي العلم ثابتاً ، والعين وجوداً ، لا
    أنّ الثبوت واسطَة بين الوجود والعدم ، بل واسطة بين وجوده الخارجي والعدم ، بمعنى أنّه
    وجود علمي إلّا أنّه يسميه ثبوتاً للفرق بين العلم والعين ـ اصطلاحاً ـ ، وتفصيل
    ذلك يطلب في تعليقنا على المسألة الثالثة عشرة من الفصل الأول من المقصد الأول من
    كشف المراد .
    ثمّ إنّ كلام العلّامة القيصري وصدر المتألّهين على وزانه من أنّ نفس الأمر
    ـ عند التحقيق ـ عبارة عن هذا العلم الإلهي لصور الأشياء في غاية الإحكام والإتقان ،
    لأنّ ما له نفسية حقيقة لا بد أن يكون له وجود طبيعي ، ووجود مثالي ، ووجود عقلي ،
    ووجود إلهي ، والتفاوت بالكمال والنقص كالأبدان الإنسانية ـ مثلاً ـ بل الإنسان
    ____________________________
    (35) الحكمة المنظومة : 160 ، الطبعة الاُولى .

    بالوجودات الأربعة المذكورة ، فتدبّر في قوله سبحانه : « يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ
    ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ . . . » ، وكما ان الوجود حقيقة واحدة إطلاقية ، ولها درجات بعضها
    طبيعي ، وبعضها نفساني ، وبعضها عقلي ، وبعضها إلهي ، كذلك جميع شؤونها : النفس
    الأمرية ، لأنّها أطوار حقيقة ، منتشئة ومنفطرة عن ذات واحدة صمدية سبحانه وتعالى .
    نعم ، إنّ نفس الأمر بهذا المعنى لا يصدق عليه سبحانه ، لأنّها كانت عبارة عن
    العلم الإلهي لصور الأشياء . فالأمر على هذا المعنى في مقابل الخلق من العقل الأول الى
    الهيولى الاُولى ، لا كما قال المحقّق الشريف : أن يجعل الأمر ها هنا في مقابل الخلق ،
    ويُراد به عالم المجردات ، كما نقله عنه صاحب الشوارق (36) ، وذلك لأنّ الخلق الإيجاد
    على تقدير وترتيب ، وأصل الخلق التقدير ، يقال : خلقت الأديم إذا قدرته قبل القطع .
    والخلق هو المنقوش على الصادر الأول ، وهو فرق الخلق ، وقد حقّقنا البحث عنه في
    رسالتنا الفارسية المسماة بـ « وحدث از ديدگاه عارف وحكيم » (37) ، فراجع !
    فالمجرّدات من الخلق أيضاً والصادر الأول يسمّى في الصحف العرفانية
    بالنفس الرحماني والنفس الإلهي ، والهيولى الكلّي ، والماء الذي هو أصل كل شيء ،
    والبخار العام ، والتجلّي الساري ، والرقّ المنشور ، والنور المرشوش ، والخزانة الجامعة ،
    واُمّ الكتاب المسطور ، والوجود العام ، ومادة الموجودات ، والرحمة العامة ، والرحمة
    الذاتية ، والإمتنانية ، وصورة العماء ، والوجود المنبسط ، والعنصر ، والعنصر الأول ،
    وأصل الاُصول ، وهيولى العوالم غير المتناهية ، وأب الأكوان ، واُم عالم الإمكان ،
    والجوهر الهيولاني وغيرها من الأسامي المذكورة في محالها فراجع الرسالة المذكورة
    ومصباح الانس (38) .
    والصور العلمية تسمّى بالأعيان الثابتة ، وبالفيض الأقدس أيضاً ، أي
    الأقدس عن أن يكون المستفيض غير المفيض ، والأقدس من شوائب الكثرة الأسمائية ،
    ____________________________
    (36) لاحظ : ص 114 ، الطبعة الاُولى .
    (37) لاحظ : ص 84 ـ 94 ، الطبعة الاُولى .
    (38) لاحظ : ص 70 ، 133 ، 150 ، 161 وكذلك شرح القيصري على الفصّ العيسوي ، واليعقوبي من
    فصوص الحكم : 331 و 389 ، الطبعة الاُولى .


    ونقائص الحقائق الإمكانية . فهي ليست من جملة العالم ، ومما سوى الله ، وليس
    وجودها وجوداً مبايناً لوجود الحق سبحانه ، ولا هي موجودات بنفسها لنفسها ، بل إنّما
    هي من المراتب الإلهية ، والمقامات الربوبية ، وهي موجودة بوجود واحد ، باقية ببقاء
    واحد ، والعالم إنما هو ما سواه ، كما حرّره صدر المتألّهين (39) .
    نعم قد أطلق عليها العالم في الفصل الثالث والثلاثين من تمهيد القواعد ،
    لصائن الدين باعتبار تغايرها الذاتي ، فارجع إليه والى تعليقاتنا على ذلك الفصل منه (40) .
    ومنها قوله : « فإن قلت : العلم تابع للمعلوم . . . » .
    أقول : قد أتى بهذا السؤال والجواب صاحب الأسفار بعد كلامه المذكور آنفاً
    مع زيادة إيضاح حيث قال : « فإن قلت : العلم تابع للمعلوم ، فكيف يكون هذا العلم
    الذي هو الذات الإلهية تابعة للاشياء ؟ » .
    قلنا : هذا العلم الإلهي لكونه كالقدرة ، والقدرة ونظائرها من الصفات
    الإضافية ـ أي من الحقائق ذوات الإضافة الى الأشياء ـ فله اعتباران :
    أحدهما : اعتبار عدم مغايرته للذات الأحدية ، وهي بهذا الأعتبار من
    صفات الله ، وغير تابعة لشيء ، بل الأشياء تابعة له إذ به صدرت وجودات الأشياء في
    الخارج ، ولهذه الجهة قيل : علمه تعالى فعلي .
    وثانيهما : اعتبار إضافته إلى الأشياء ، وهو بهذا الأعتبار تابع للأشياء متكثّر
    بتكثرها ، وسنشبع القول في تحقيق هذا المقام عند بيان كيفية علمه تعالى بالأشياء على
    طريقة أصحاب المكاشفة الذوقية ، ونحن قد جعلنا مكاشفاتهم الذوقية مطابقة للقوانين
    البرهانية ، والكلام في كون علمه تعالى تابعاً للمعلوم أم المعلوم تابعاً له ؟ الأليق بذكره
    أن يكون هناك من ها هنا (41) .
    أقول : الموضع المذكور في علمه هو الفصل التالي من الفصل المذكور وهو
    الفصل الثاني عشر من الموقف الثالث من إلهيات الأسفار (42) .
    وقد حقّقنا في مصنّفنا الموسوم بالعرفان والحكمة المتعالية ان اُمهات مسائل
    ____________________________
    (39) الفصل الثامن من الموقف الثاني من إلهيات الأسفار 3 : 48 ، الطبعة الاُولى .
    (40) لاحظ : ص 95 ، الطبعة الاُولى .
    (41) لاحظ : ص 57 ، ج 3 ، الطبعة الاُولى .
    (42) لاحظ : ص 57 ـ 63 ، ج 3 ، الطبعة الاُولى .

    الحكمة المتعالية ، أعني بها أسفار صدر المتألّهين ، مأخوذة من الصحف العرفانية ، كتمهيد
    القواعد وشرح القيصري على فصوص الحكم ومصباح الانس لابن الفناري ،
    والفتوحات المكّية للشيخ العارف محيي الدين ابن العربي .
    وقد أجاد في كلامه الرفيع من انّ المكاشفات الذوقية مطابقة للقوانين
    البرهانية ، كقوله : الآخر الثقيل ، أيضاً في أول الفصل الثاني من الباب السادس من
    نفس الأسفار :
    « الشرع والعقل متطابقان في هذه المسألة ـ يعني في مسألة ان النفس الناطقة
    ليست بجسم ولا مقدار ، ولا منطبعة في مقدار ـ كما في سائر الحكميات وحاشى
    الشريعة الحقّة الالهية البيضاء ان تكون احكامها مصادمة للمعارف اليقينية الضرورية
    وتباً لفلسفة تكون قوانينها غير مطابقة للكتاب والسنة (43) .
    فالعرفان والبرهان يدوران حيثما دار القرآن ، ولن يفترق كل واحد منها عن
    الآخرين قط . والإنسان الكامل قرآن وبرهان وعرفان ، وهو لن يفترق عن القرآن
    والبرهان والعرفان قط ، كما ان العرفان الأتمّ ، والبرهان الأقوم ـ وكذا الحقائق
    القرآنية بأعلى ذرى مقاماتها ـ لا تنفكّ عنه ولا تفترق قط .
    وجملة الأمر في الاعتبارين ، المأخوذ في الجواب أنّ علم الواجب بالأشياء هو
    وجود الواجب ـ بملاحظة اتحاده بالأعيان الثابتة ـ إذا لوحظ بحسب الوجود أي لوحظ
    وجود الواجب مع قطع النظر عن هذا الاتحاد يكون متبوعاً وعين الواجب ، وإذا لوحظ
    العلم من حيث انه علم ، أي لوحظ وجوده باعتبار اتحاده بالأعيان يكون تابعاً للأعيان ،
    بمعنى أنّ علمه يكون على طبق ما تكون الأعيان عليه في نفسها ، ويكون متكثراً بتكثّر
    الأعيان ، بمعنى أنّ علمه بهذا العين المخصوص غير علمه بعين اُخرى لتغاير العينين
    بالذات .
    وقال القيصري في آخر الفصل الأول من الفصول المذكورة في التنبيه المعقود في
    عينيّة الصفات للوجود : « إنّ الحياة ، والعلم ، والقدرة ، وغير ذلك من الصفات تطلق
    على تلك الذات ، وعلى الحقيقة اللازمة لها من حيث انها مغايرة بالإشتراك
    ____________________________
    (43) لاحظ : ص 75 ، ج 4 ، الطبعة الاُولى .


    اللفظي » (44) ، فتدبر !
    ونقول إيضاحاً : قوله : إذا كانت غيره تعالى ، أي إذا كانت تلك الاُمور
    المتكثّرة ، التي هي الصور المرتسمة غيره تعالى ، تعالى عن ذلك .
    ألِغيرك من الظهور ما ليس لك ؟
    غيرتش غير در جهان نگذاشت

    قوله : فلا يلزم ذلك ، أي لا يلزم كونه محلاً للاُمور المتكثّرة .
    قوله : بل شيء واحد ظهر بصورة المحلية ، أي شيء واحد ظهر في ملابس
    أسمائه وصفاته ، فإنّها قائمة بالفيض الأقدس ، ولا حالية ، ولا محلّية أصلاً ، بل شيء
    واحد تحقّق بصورة البُطون تارة ، وهذا من جهة اعتبار نفس الذات ، وتجلى بصورة
    الظهور اُخرى ، وذلك من جهة العلم والإنكشاف ، أي انكشاف الأشياء عنده بنفس
    ذاته وهويته البسيطة التي هي كل الأشياء بنحو الأصالة والوحدة والصرافة ، وليس
    بشيء منها .
    وقال القيصري في شرح الفص الآدمي : لمّا كان الفاعل والقابل شيئاً واحداً
    في الحقيقة ـ ظاهراً في صورة الفاعلية تارة ، والقابلية اُخرى ـ عبر عنهما باليدين .
    قوله : الحاوي لصور الأشياء كلّها ، أي بنحو البساطة الإطلاقية .
    قوله : قلت : الصفات الإضافية ، يعني أنّ الصفات ذات الإضافة لها اعتباران :
    اعتبار عدم مغايرتها للذات بحسب حقائقها الإطلاقية ، كالعلم ، وهذا في المرتبة
    الأحدية ، واعتبار مغايرتها للذات ، أي اعتبار إضافتها ونسبتها وتعلّقها بالغير ، فتمتاز
    نسبة ومفهوماً أيضاً وهذا في المرتبة الواحدية . فالصفات قد تؤخذ إطلاقية ، فهي عين ،
    وأسماء ذاتية ، وقد تؤخذ على وجه التعلّق بالتعيّنات ، فهنا امتياز نسبي .
    قوله : وفي العلم اعتبار آخر . يعني ليس هذا الأعتبار لسائر الصفات الإضافية ،
    وهو حصول صور الأشياء فيه لأنّ بسيط الحقيقة كلّ الأشياء ، فنفس الأمر عبارة عنه
    بهذا الاعتبار .
    قوله : يقال الأمر في نفسه كذا ، أي تلك الحقيقة العلمية التي يتعلّق بها العلم ،
    والحال أنّ تلك الحقيقة ليست غير الذات حقيقة ، تقال في نفسها وحدّ ذاتها كذا . يعني
    ____________________________
    (44) لاحظ : ص 12 ، الطبعة الاُولى .

    انّ نفس الأمر عين علمه تعالى بهذا الاعتبار الآخر الذي ليس لسائر الصفات
    الإضافية ، فالعلم ليس من جهة تابعيته للأشياء عبارة عن نفس الأمر ، بل من جهة أنّ
    صور الأشياء حاصلة فيه عبارة عن نفس الأمر .
    فذلكة البحث حول كلام القيصري :
    إنّه لمّا قال : فنفس الأمر عبارة عن العلم الذاتي ، أورد عليه ان العلم تابع
    للمعلوم ، والمعلوم هو الذات الإلهية ، وكمالاتها ، لأنّه ليس في الوجود علم وعين سوى
    الذات الإلهية ، وشؤونها الذاتية ، التي هي كمالاتها ، فنفس الأمر هو المعلوم المتبوع ، لا
    العلم التابع له ، المطابق لما في نفس الأمر ، فأراد دفع ذلك الإيراد عن نفسه ، بقوله :
    قلت : الصفات الإضافية . . .
    وحاصل الجواب انّ العلم من الصفات الإضافية ، أي ذوات الإضافة ، ولها
    اعتباران اعتبار أنفسها ، واعتبار إضافتها العارضة لها .
    وبالاعتبار الأول عين الذات الإلهية ، لا تابعة لها ، بل هي متبوعة .
    وبالاعتبار الثاني العلم وسائر الصفات الإضافية ، كالقدرة ، والإرادة تابعة لما
    تضاف إليه .
    وللعلم اعتبار آخر ليس لسائر الصفات الإضافية : هو حصول صور الأشياء فيه
    التي عبّر عنه بالكمالات تارة باعتبار ، وبالشؤون الذاتية تارة وباعتبار ، وبالشؤون الإلهية
    والأسماء وصورها تارة وباعتبار ، ونفس الأمر عين علمه تعالى بهذا الاعتبار .
    فالجواب ينشعب شعبتين : اُولاهما في بيان أنّ الصفات مطلقاً يعتبر فيها
    الاعتباران ، وثانيتهما في بيان أنّ العلم خاصة له اعتبار ، ليس لغيره من الصفات ، فهو
    بهذا الاعتبار عبارة عن نفس الأمر وهو عين الذات ، فتبصر !
    ومنها قوله : وجعل بعض العارفين العقل الأول عبارة عن نفس الأمر حق . . .
    والعقل الأول هو الإسم العليم في الحقيقة ، وهذا العارف جعل العقل الأول
    عبارة عن نفس الأمر لكون علمه مطابقاً لما في علم الله تعالى ، فالملاك عن نفس الأمر
    هو العلم الذاتي الحاوي لصور الأشياء كلّها ، وهذا هو الأصل .
    قوله : وكذلك النفس الكلّية المسمّاة باللوح المحفوظ ، أي وهي أيضاً عبارة



    عن نفس الأمر ؛ لكون علمها مطابقاً لما في علم الله تعالى ، فالملاك أيضاً هو العلم
    الذاتي .
    وهذا الكلام في نفس الأمر جار في عالم المثال أيضاً من أنّه عبارة عن نفس
    الأمر لكونه مطابقاً لما في علم الله تعالى ، فحصل أنّ نفس الأمر يعبّر به عن كل واحد
    منها بذلك الاعتبار .
    تبصرة :
    أنت بما حقّقنا في بيان الوجود الصمدي المساوق للحقّ دريت أن ما هو الأول
    والآخر والظاهر والباطن متحقّق مع جميع شؤونه النورية ، ومجالي أسمائه الحسنى ،
    ومظاهر صفاته العليا بوجوده الحقّاني ، فالوجود حق ، وما صدر عنه حق ، وله نفسية ،
    وليس أمر من الاُمور النورية الوجودية إلّا وله نفسية ، وواقعية وهو حق محض ، وصدق
    طلق ، فنفس الأمر في مراتبه النورية ليست إلّا حقاً ، ولا يتطرّق الكواذب ،
    والاعتباريات المختلقة من الوهم والخيال الى الحق وشؤونه ، ورسالتنا الموسومة بأنّه
    الحق تفيدك في المقام جداً .
    واما ما قاله صاحب كشف المراد من أنّ المحقّق الطوسي ـ في حل
    الإشكال ـ لم يأت بمقنع ، فقد قال الدواني في حله ـ كما في الأسفار ـ : « إنّ شأن
    العقل الفعَال في اختزان المعقولات ، مع الصوادق ، الحفظ والتصديق جميعاً ، ومع
    الكواذب ، الحفظ دون التصديق ، أي الحفظ على سبيل التصوّر ، دون الإذعان ، لبراءته
    عن الشرور والأسواء التي هي من توابع المادة » (45) .
    أقول : الظاهر أنّ مراده المستفاد من تفسيره بقوله : أي الحفظ على سبيل
    التصوّر . . . » ان الكواذب منها مختزنة فيه بحسب وجوداتها العارية عن الكذب حقيقة ،
    فإنّ الكواذب من الشرور والأسواء التي من توابع المادة . مثلاً النكاح والسفاح من
    حيث وجودهما الخارجي على صورة واحدة ، والشرّ إنّما نشأ من جهة اُخرى ليست بسنّة
    فطرية إلهية وصورتهما العلمية الوجودية النفس الأمرية ليست بشر ، ولعلّ وجه التعبير
    ____________________________
    (45) لاحظ : ص 171 ، ج 3 ، الطبعة الاُولى .

    عن التصديق والحفظ يكون على هذا البيان ، فعلى هذا لا يرد ما أورد عليه صاحب
    الأسفار ، بل لا يبعد أن يكون ـ ما أفاده قدّس سره في تحقيقه الرشيق في حلّ
    الإشكال ـ راجعاً الى ما قاله الدواني أيضاً . فدونك ما أورد عليه في حلّ الإشكال
    أولاً :
    قال ـ قدّس سره ـ بعد نقل كلام الدواني المذكور آنفاً ما هذا لفظه : « وفيه
    ما لا يخفى من الخلل ، والقصور .
    اما أولاً ، فلأنّ ما في العقل الفعال هو أشدّ تحصّلاً ، وأقوى ثبوتاً مما في أذهاننا ،
    فاقتران الموضوع للمحمول إذا حصل في أذهاننا ، فربما كان الاقتران بينهما اقتراناً
    ضعيفاً ، وارتباط أحدهما بالآخر ارتباطاً متزلزلاً ، وذلك لضعف سببه ، وكاسبه ،
    ودليله ، حيث لم يكن الاقتران بينهما من برهان ذي وسط لمّي ، أو من حدس ، أو
    حس ، أو تجربة ، أو غير ذلك ، فيكون الحكم منّا باقترانهما غير قاطع ، فهو شكّ أو وهم ،
    وربّما كان الواقع بخلافه ، فيكون حكماً كاذباً .
    واما إذا اقترن الموضوع بالمحمول في العقل الفعّال ، فيكون اقتران أحدهما
    بالآخر اقتراناً مؤكداً ضرورياً ، حاصلاً عن اسباب وجودهما على هذا الوجه ، كاقتران
    أحدهما بالآخر في الظرف الخارج ، وليس مصداق الحكم إلّا عبارة عن اقتران الموضوع
    بالمحمول ، أو اتحادهما في نحو من الوجود في الواقع .
    واما ثانياً ، فلأنّ التصوّر والتصديق ـ كما تقرّر وتبيّن في مقامه ـ إنما هو
    نوعان من العلم الإنطباعي ، الحادث في الفطرة الثانية ، فأما علوم المبادیء العالية ،
    وعلم الحق الأوّل جلّ ذكره ، فليس شيء منهما تصوراً ، ولا تصديقاً ، فإنّ علوم
    المبادیء كلّها عبارة عن حضور ذواتها العاقلة والمعقولة بأنفسها ، وحضور لوازمها
    الوجودية بنفس حضور ذواتها الثابتة لذواتها ، من غير جعل وتأثير مستأنف وتحصيل
    ثانٍ ، حسبما قرّرناه كعلمنا بذاتنا ، ولوازم ذاتنا غير المنسلخة عنّا ، بحسب وجودنا العيني ،
    وهويتنا الإدراكية ، التي هي عين الحياة والشعور » .
    أقول : قوله : « حاصلاً عن اسباب وجودهما على هذا الوجه » يعني على هذا
    الوجه المؤكّد .
    وقوله : « من العلم الإنطباعي » يعني به الإنفعالي الارتسامي ، ثم إنّ الدواني لا



    ينكر أنّ ما في العقل الفعّال أشدّ حصولاً ، وآكد وأقوى ثبوتاً مما في أذهاننا ، والتعبير
    بالإختزان على سبيل التصوّر بيان لتقررها فيه على وجودها الأحدي ، البسيط الذي هو
    عين الحياة والشعور ، لا التصوّر المقابل للتصديق المصطلحين في الميزان ، ولا يتفوّه مثل
    الدواني بما أورده هو قدّس سرّه الشريف عليه .
    ثم قال ـ في تحقيق المقال في حلّ الإشكال ـ ما هذا لفظه الجميل :
    « وامّا حلّ الإشكال ، وحقّ المقال فيه على وجه يطمئنّ به القلب ، وتسكن
    إليه النفس ، فهو يستدعی تمهيد مقدمة ، هي ان كلّ ملكة راسخة في النفس
    الإنسانية ـ سواء كانت من باب الكمالات أو الملكات العلمية أو من باب الملكات أو
    الكمالات العملية كملكة الصناعات التي تحصل بتمرّن الأعمال ، وتكرّر الأفعال
    ـ كالكتابة والتجارة والحراثة وغيرها ـ فهي إنّما تحصل بارتباط خاص من النفس
    بالعقل الفعّال لأجل جهة فعلية من الجهات الموجودة فيه ، لأنّ الأنواع المختلفة لا تكفي
    في تكثّرها ووجودها تكثر القوابل أو تكثّر جهاتها القابلية ، بل يحتاج الى مبادیء متعدّدة
    عقلية ، كما رآه الإفلاطونيون من أنّ علل الأنواع المتكثّرة في هذا العلم عقول متكثّرة هي
    أربابها ، واما الى جهات متعدّدة فاعلية في العقل الأخير ، كما هو رأي المشائين .
    وبالجملة فجميع الكمالات الوجودية في هذا العالم مبدؤها ومنشؤها ـ من
    حيث كونها أمراً وجودياً ـ من ذلك العالم ، سواء سمّيت خيرات أو شرور ، إذ الشرور
    الوجودية شرّيَتها راجعة الى استلزامها لعدم شيء آخر أو زوال حالة وجودية له ، وهي
    في حدّ نفسها ، ومن جهة وجودها ، تكون معدودة من الخيرات ، كالزنا والسرقة
    ونظائرهما ، ومنها الجهل المركّب ، والكذب ، فكل منهما في نفسه أمر وجودي وصفة
    نفسانية ، يعدّ من الكمالات لمطلق النفوس ، بما هي حيوانية ، وإنما يعدّ شراً بالإضافة الى
    النفس الناطقة ، لمضادتها لليقين العلمي الدائم ، ولملكة الصدق ، فإنّ الأول خير حقيقي ،
    والثاني نافع في تحصيل الحق .
    فإذا تمهّدت هذه المقدمة ، فنقول : لا يلزم أن يكون ما بإزاء كل ملكة
    نفسانية ـ أو أمر وجودي في العقل الفعّال أو في عالم العقل ـ هو بعينه من نوع تلك
    الملكة أو ذلك الأمر ، بل ـ الذي لا بد منه ـ هو أن يكون فيه أمر مناسب لتلك الملكة
    أو لذلك الأمر . فإذن كما ان النفس إذا تكررت ملاحظتها لعلوم صادقة حقّة ، حصلت


    لها ملكة الإتصال والإرتباط بشأن من شؤون العقل الفعّال ، متى شاءت من هذه الجهة ،
    فكذلك إذا ارتسمت فيها صورة قضية كاذبة ، وتكرّر ارتسامها ، أو التفتت النفس إليها
    التفاتاً قوياً حصلت لها ملكة الإتصال من هذه الجهة بشأن آخر من شؤونه متى شاءت ،
    ولا يلزم أن يكون ـ ذلك الشأن بعينه ـ قضيّة ذهنية صادقة ، ولا هذا قضيّة كاذبة ،
    بل يكون أمراً يناسب ذاك ، وأمراً يناسب هذا ، فهذا معنى اختزان صور الأشياء في
    عالم العقل واسترجاع النفس إليه .
    وقد أشرنا لك مراراً أن ليس معنى حصول صور الموجودات في العقل البسيط
    ارتسامها فيه ، على وجه الكثرة المتميّز بعضها عن بعض ، كما ان صورها المحسوسة ترتسم
    في المادّة الجسمانية ، وكذا صورها النفسانية التفصيلية ، التي ترتسم في النفس الخيالية
    على هذا الوجه ، وذلك لضيق هذا العالم ، وما يتعلّق به من المشاعر عن الحضور
    الجمعي ، والتمام العقلي ، والبراءة عن العدم ، والغيرية ، والكثرة ، والإنقسام » .
    أقول : قوله : « من حيث كونها أمراً وجودياً من ذلك العالم » ، أي من ذلك
    العالم العقلي . قوله : « فإنّ الأول خير حقيقي » أي اليقين ، « والثاني نافع » أي ملكة
    الصدق . وقوله : « من هذه الجهة بشأن آخر » أي من جهة تكرّر ملاحظتها بعلوم صادقة .
    ثم ان قوله : « كما رآه الإفلاطونيون » ، قد استوفينا الكلام عن هذا المطلب الرفيع
    المنيع في رسالتنا المصنوعة في المثل الإلهية ، وقوله : « واما الى جهات متعدّدة فاعلية في
    العقل الأخير ، كما هو رأي المشائين » قد دريت إطلاقات العقل الفعال السائر في
    ألسنتهم .
    قوله : « وقد أشرنا لك مراراً . . . » وبذلك التحقيق الأنيق يعلم أن ما قال
    الفخر الرازي : إنّ العقل الفعال عندهم علّة لحدوث الألوان والصور والمقادير ، مع عدم
    اتصافه بها (46) ليس على ما ينبغي ، بل هو رأي فائل ، وقول باطل ، فإنّ الكثرة بوجودها
    الأحدي موجودة في خزائنها .
    ثم ما حقّقنا في معنى نفس الأمر ، دريت ان نفس الأمر ـ على بعض وجوه
    معانيها ـ يشمل الواجب تعالى أيضاً لو تفوّهنا وقلنا مثلاً ـ : إنّ الأمر في الحقّ سبحانه
    ____________________________
    (46) كما نقل ذلك عنه المحقّق الطوسي في آخر الفصل الثالث عشر من النمط الثالث من شرحه على الإشارات .


    نفسه كذا ، أو الحقّ تعالى نفسه الأمرية كذا ، ونحوهما من التعبيرات الاُخرى ، وذلك
    الوجه هو نفس الأمر بمعنى ذات الشيء وحقيقته دون غيره من الوجوه الاُخرى .
    وقالوا : إنّ نفس الأمر أعمّ من الخارج مطلقاً ، ومن الذهن من وجه ، إذ كلّ
    ما في الخارج ، هو في نفس الأمر من غير عكس ، وليس كل ما في الذهن هو في نفس
    الأمر ، إذا مما هو في الذهن ما هو مجرّد فرض الفارض لا غير ، كزوجية الخمسة ، وليس
    جميع ما هو في الذهن دون الخارج هو مجرّد فرض الفارض إذ منه ما ليس بفرض فارض
    كجنسية الحيوان مثلاً ، وبين الخارج والذهن عموم من وجه ، فإنّ إنيّة الواجب
    ـ مثلاً ـ لا يمكن أن تحصل في ذهن من الأذهان .
    وأقول : الخارج في النسبة المذكورة هو الخارج عن وعاء الذهن ، واما الخارج
    بمعنى خارج الفرض والاعتبار ، فلا يخفى عليك استنباط النسب بين نفس الأمر
    والخارج والذهن .
    ولعلّك تقدر بما قدمناه وحرّرناه أن تعلم ان كينونة الصور الكاذبة المخترعة من
    اختلاق الوهم والخيال ، أعني العلم بها في المبادیء العالية ، سيّما مبدأ المبادیء ، على
    أي نحو كانت ، فإنّ العلم بها حاصل لهم بلا امتراء فتدبر . ورسالتنا في العلم مجدية في
    ذلك جداً ، وراجع في ذلك أيضاً الفصل الثالث من فصول شرح القيصري على
    فصوص الحكم ـ ص 18 ، الطبعة الاُولى ـ .
    وقد حان أن نختم الرسالة حامدين لله وليّ الأمر ، وقد فرغنا من تصنيفها
    وتنميقها يوم الأربعاء الخامس من ربيع الثاني 1406 هـ . ق .
    « وآخر دعواهم ان الحمد لله ربّ العالمين » .

    كتب الصيد والذبائح عند الشيعة الدكتور پرويز اذكائي
    من وجهة النظر التحليلية لعلم الإنسان فإنّ كل عادة وتقليد يرجعان إلى
    اُسلوب اقتصادي قديم ، كما أنّ الصيد والإصطياد اللذين بدءا بتقليد رياضي وعادة
    للتنزّه ، وطريقة للبحث عن الطعام ـ أحياناً ـ في بعض التجمّعات البشرية ، هما بقايا
    عصر الطعام الحيواني ( عصر الصيد ) ، من عصر جمع الطعام للجماعات البشرية .
    وعندما جاء عصر انتاج الطعام ( عصر الزراعة ) تحوّلت تلك الطريقة
    الإقتصادية القديمة الى تقليد وسُنة ، وبقيت في بعض الأحيان كما كانت بشكلها
    الإنتاجي السابق .
    لذا فإنّ البحث عن الطعام في عصر الصيد والعصور الاُخرى ، التي أصبح بها
    تقليداً وعادةً قد أعطى للبشر وثقافته فنوناً متشعّبة وطرقاً وتجارب مهمة في توفير طعام
    الصيد .
    وبما أنّه لا بدّ لإحراز أيّ اُسلوب معيشي من توافر عوامل أساسية ، كالموادّ
    الأولية ( الحيوانات المصيدة ) فإنّ العمل بالصيد قد عُدّ ـ منذ الأزمنة القديمة ـ صناعة ،
    فقد قال أبو عبد الله البازيار الفاطمي نقلاً عن ارسطو : « أول الصناعات الضرورية
    الصيد ، ثم البناء ، ثم الفلاحة . . . » .
    والحق ان جميع الطبقات ، من فقراء وزهّاد وعلماء ممن جعلوا من الصيد علّة
    معاشهم ، كانت سواء في الولوع بالصيد ، وقد نقل عن ابن عبّاس في التفسير قوله : « إنّما



    سُمّي أصحاب المسيح الحواريّين لبياض ثيابهم ، وكانوا صيّادين » (1) .
    وفضلاً عن علاقة المسلمين ورغبتهم في الصيد والتصيّد وطرقهما المختلفة ، فإنّ
    الصيد في نظرهم ضرب من ضروب الرياضة واللعب والترويح عن النفس ، وطريقة
    من طرق اكتساب المعاش .
    ومن جراء تدقيقهم لأحوال الحيوانات وأنواعها حصلوا على معلومات هامة في
    علم الحيوان والبيطرة والصيدلة ، التي نستطيع ملاحظة نماذجها في ( البازنامات )
    أو كتب الصيد والجوارح ، ولذلك فإنّ تأليفات متعددة عن حياة الحيوانات ـ سواء
    كانت بصورة مستقلة أو بصورة فصول وأبواب ضمن كتب الطبيعيات والموسوعات
    العامة ـ قد شاعت بين المسلمين ، ويتطلّب عدّها تنظيم قائمة مسهبة بذلك .
    وفضلاً عن كتب الحيوان (2) والكتب العامة ، فإنّ كتباً خاصة كثيرة قد اُلّفت
    في اللغة العربية مثل كتب الخيل ، وفي الفارسية مثل « آسب نامه » أو « فرس نامه »
    وغيرها .
    هذا ، وان بعض الكتب التاريخية والمؤلّفات الأدبية قد حوت فصولاً في معرفة
    حيوانات الصيد وفنونه .
    وبوجه عام فإنّ كتب الصيد العربية والفارسية التي اُلّفت طوال العصور
    الإسلامية لم تخل من نوعين :
    1 ـ الكتابات الرسمية الفنية .
    2 ـ الكتابات الشرعية الفقهية .
    فالاُولى : تبحث في الصيد والقنص وآدابهما فنيّاً ـ كتقليد أو صنعة ـ
    وتتعرض إلى الجوارح وأمراضها وعلاجها ، وتسمّى كتب الصيد البيزرية هذه غالباً
    باسم كتب « الصيد والجوارح » (3) .
    والاُخرى : تبحث في الصيد والمصيدات شرعياً ـ كطعام أو ذبيحة ـ وترجع
    ذلك إلى الاُصول الفقهية والأحكام الشرعية ، وتُسمّى هذه الكتب الصيدية الفقهية
    ____________________________
    (1) البيزرة : 19 ـ 20 .
    (2) تُدعى بالفارسية : « جانورنامات » .
    (3) تُدعى بالفارسية : « البازنامات » أو « الشكارنامات » .

    غالباً باسم كتب « الصيد والذبائح » أو « الصيديات والذبيحيات » بغض النظر عن
    اختلاط بعضها ببعض في قليل جداً من هذين النوعين .
    ونحن في هذا البحث نقدّم ـ بعد البحث في المصادر العامة ـ فهرساً للكتب
    العربية والفارسية من النوع الثاني ، أي كتب الصيد والذبائح الفقهية ، التي هي من
    تصانيف الشيعة فقط .
    ومما هو جدير بالذكر هنا الإشارة إلى المصادر العامة وأقدمها :
     كتاب « منافع الحيوان » لابن بختيشوع الأهوازي ( القرن 2 ـ 3 للهجرة ) .
     كتاب « الحيوان » الذي ألّفه الجاحظ البصري في منتصف القرن الثالث
    الهجري ، الذي قام على البحث والدرس والتجارب ومناقشة الاُمم القديمة في هذا
    المضمار ، وإن حوى في الغالب منازعة الكلاب والديوك ـ بلا جدوى ـ .
    وهناك إشارات مفيدة جداً في هذا المجال وردت في تاريخ المسعودي
    البغدادي ، المعروف بـ « مروج الذهب » (4) فمنها :
     وصف نوع من البزاة في بحر جرجان (5) .
     من أخبار هارون الرشيد في الصيد بالبازي (6) .
     وصف الحكماء والملوك للبزاة (7) .
     أول من لعب بالصقور أبو كندة الحارث بن معاوية بن ثور الكندي وقد
    اتخذها العرب وسيلة للصيد بعده (Cool .
     قسطنطين والشواهين (9) .
     اللعب بالبزاة عند اليونانيين (10) .
    ولقد قيل : إنّ أبا الفرج الأصفهاني صاحب « الأغاني » ( 284 ـ 356 هـ )
    ____________________________
    (4) راجع : « مروج الذهب » ، طبعة يوسف داغر ، بيروت ، 1965 .
    (5) مروج الذهب 1 : 209 ـ 210 .
    (6) المصدر السابق 1 : 210 ـ 211 .
    (7) المصدر السابق 1 : 211 ـ 212 .
    (Cool المصدر السابق 1 : 212 .
    (9) المصدر السابق 1 : 212 ـ 215 .
    (10) المصدر السابق 1 : 333 ـ 334 .


    كانت له يد في علوم البيزرة والبيطرة أيضاً .
    واشتهر اُمراء الفرس من حكام الولايات بشغفهم بالبيزرة ، حتى أنّ بعضهم قد
    ألّف فيه الكتب والرسائل ، ولعلَّ من أشهر هؤلاء أمير جرجان كيكاوس بن اسكندر
    الزياري الذي صنف لولده كتاب « قابوس نامه » ( سنة 475 هـ ) ، خصّ الباب
    الثامن عشر منه للبيزرة .
    ومن الكتب التاريخية والأدبية الفارسية التي يمكن ذكرها :
     « نوروز نامه » المنسوب الى الحكيم عمر الخيام النيسابوري ( القرن 5 ـ 6
    الهجري ) .
     « راحة الصدور » للراوندي ، الذي ضم فصلاً في الإصطياد وآداب الصيد ،
    وفتاوى في الحلال والحرام منه .
     « آداب الحرب والشجاعة » لفخر الدين مبارك شاه ( القرن 6 الهجري ) ،
    أبوابه الثامنة والتاسعة والعاشرة ، وقد حوت فصولاً في معرفة حيوانات الصيد وفنونه ،
    أو ما حصل عليه من الترجمات الفارسية لكتب الحيوان العربية التي الّفها علماء الإسلام .
    وبعد ان الّف كمال الدين محمد الدميري ( م 808 هـ ) كتابه المُسمّى
    « حياة الحيوان الكبرى » سنة 773 ، والذي حذا فيه حذو الجاحظ في كتابه
    « الحيوان » إلى حد ما ، قام بعض العلماء مثل الدماميني ( 828 ) ، والفاسي ( 832 ) ،
    والسيوطي ( 911 ) ، والقاضي الشيبي ( 837 ) بتذييله وتلخيصه .
    والترجمة الفارسية الاُولى للكتاب تمّت على يد الحكيم شاه محمد القزويني
    باسم السلطان سليم خان الأول العثماني ، والثانية على يد منصور بن الحسن الملقب
    بـ « غياث » بن علاء الدين الديني الأيجي الشبانكاري تحت عنوان « صفات الحيوان »
    حوالي سنة 930 ، والثالثة تمّت على يد الميرزا محمد تقي التبريزي في عهد حكم الشاه
    عباس الثاني الصفوي ، والتي سمّاها « خواص الحيوان » (11) ، والرابعة « ترجمة حياة
    ____________________________
    (11) وجدت كتاباً آخر باسم « خواص الحيوان » بالفارسية الّفه محمد علي بن أبي طالب الزاهدي « حزين »
    الكيلاني المؤلف لـ « فرس نامه » أيضاً في « فهرس المخطوطات الفارسية للمتحف البريطاني » ـ رقم
    ADD .23562 في إنكلترة ( « ريو » ، ج 2 ، ص 483 ) وتوجد صورته الفتوغرافية في المكتبة المركزية لجامعة
    طهران ( فهرست ميكروفيلمها ، ج 1 ، ص 605 ) .

    الحيوان » لعلي بن محمد هارون الهروي وتحقيقه لها في سنة 1249 هـ .
    نقولُ ـ إذاً ـ إنّه لم يُتحدث عن الصيد وآدابه وحيواناته والمصيدات في
    رسائل خاصة مفردة ، أو في كتب علم الحيوان العامة والموسوعات ـ كما مرَّ باختصار ـ
    فحسب ، بل إنّ كتباً في الصيد والذبائح اُلّفت منذ بدأ التأليف في الفقه الإسلامي ،
    نظراً لأحكامها الشرعية وتلازمها مع الاُمور الدينية . ومن مطالعاتنا للمجموعات
    الفقهية الموسّعة ـ العربية منها والفارسية ـ والكتب الموثقة للمذاهب الإسلامية ، نعثر
    على كتب الصيد والذبائح .
    وقد ذكر ابن النديم في الفهرست (12) كتب من تقدمه من الفقهاء المشهورين ،
    ونأتي بها بحسب ترتيب السنين كما يلي :
     كتاب « الصيد والذبائح » لأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم ( المتوفى سنة
    182 هـ ) .
     كتاب « الصيد والذبائح » لأبي عبد الله محمد بن الحسن ( المُتوفّى سنة
    189 هـ ) .
     كتاب « الصيد » لأبي عبد الله الشافعي ( المتوفّى سنة 204 هـ ) وله كتاب
    « الصيد والذبائح » أيضاً .
     كتاب « الصيد والذبائح» لأبي نصر محمد بن مسعود العياشي ، الفقيه
    الشيعي .
     كتاب « الصيد » لأبي سليمان داود الاصفهاني ( المُتوفّى سنة 270 هـ ) .
    وأمثال هذه الرسائل كثيرة جداً . ولفهرسة ما في الفارسية منها ـ على غرار
    الرسائل العربية ـ تحتاج إلى فهرسة جميع الكتب الفقهية .
    غير اننا نذكر هنا كل ما عثرنا عليه من مفردات الكتب والرسائل لعلماء
    مذهبنا ـ الشيعة فقط ـ ونوردها على الترتيب الزمني كما يأتي :
    1 ـ كتاب الصيد ، لأبي محمد الوشاء ( م 208 هـ ) جعفر بن بشير البجلي
    الزاهد الشيعي الملقّب بفقحة العلم ، المعاصر للمأمون العباسي والمُتوفّى بالأبواء سنة
    ____________________________
    (12) لاحظ الفهرست : 245 و 257 و 264 و 272 ، طبعة طهران .


    ثمان ومائتين (13) .
    2 ـ كتاب الصيد والذبائح ، لأبي جعفر محمد بن الحسن بن سنان الزاهدي
    الشيعي ( المتوفّى 220 هـ ) من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام (14) .
    3 ـ كتاب الصيد والذبائح ، للحسين بن سعيد بن حماد الأهوازي الكوفي
    الشيعي ، من موالي علي بن الحسين ، من أصحاب الرضا ـ عليهم السلام ـ الذي صحب
    مع أخيه الحسن بن سعيد أبا جعفر بن الرضا ـ عليه السلام ـ أيضاً (15) .
    4 ـ كتاب الصيد والذبائح ، لأبي الحسن علي بن مهزيار الأهوازي الدورقي
    الشيعي ( 226 هـ فما بعد ) وكيل الإمامين الرضا والجواد ـ عليهما السلام ـ (16) .
    5 ـ كتاب الصيد والذبائح ، لأبي جعفر محمد بن اُورمه القمي (17) .
    6 ـ كتاب الصيد والذبائح ، لمحمد بن الحسن بن فروخ الصفّار القمي
    الشيعي ( المُتوفّى 290 هـ ) (18) .
    7 ـ كتاب الصيد والذبائح ، لأبي النضر محمّد بن مسعود العياشي
    السمرقندي الشيعي الإمامي ( عاش في النصف الثاني للقرن الثالث الهجري فما
    بعد ) (19) .
    8 ـ كتاب الصيد والذبائح ، لأبي الفضل محمّد بن أحمد بن ابراهيم الجعفي
    الصابوني المصري ( 350 هـ فما بعد ) (20) .
    9 ـ أحكام الصيود والذبائح ، للمولى أبي الحسن ( بن أحمد الكاشي ) الفقيه ،
    رسالة مختصرة بالفارسية ، ألّفها باسم السلطان صدر ، من حكام دولة السلطان شاه
    طهماسب الأول الصفوي ( 930 ـ 984 هـ ) (21) .
    ____________________________
    (13) الفهرست للطوسي : 75 ، الإختيار للطوسي : 605 ، الذريعة 15 : 104 .
    (14) الذريعة 15 : 107 ، الفهرست للطوسي : 295 .
    (15) الفهرست لابن النديم : 277 ، الفهرست للطوسي : 104 .
    (16) الفهرست للطوسي : 231 ـ 232 ، الإختيار للطوسي : 548 ـ 551 ، الذريعة 15 : 106 .
    (17) الذريعة 15 : 106 ، الفهرست للطوسي : 278 .
    (18) الفهرست للطوسي : 288 ـ 289 ، الذريعة 15 : 107 .
    (19) الفهرست لابن النديم : 245 ، الفهرست للطوسي : 319 ، الإختيار للطوسي : 530 ، الذريعة 15 : 105 .
    (20) الفهرست للطوسي : 379 ـ 380 ، الذريعة 15 :
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تراثنا العدد6 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تراثنا العدد6   تراثنا العدد6 Emptyالجمعة نوفمبر 08, 2024 6:51 am

    10 ـ كتاب الصيد والذبائح ، للسيد حسين بن روح الله الحسيني الطبسي
    الدكني ( النصف الثاني من القرن العاشر الهجري ) ، كتبه باسم السلطان ابراهيم
    قطب شاه بن سلطان قلي قطب الملك الدكني ( 957 ـ 989 هـ ) ، وقد ذكر فيه بعد أن
    وصف كل حيوان حكمه على المذاهب الخمسة وذكر خواصه ، وكتبه في أحكام الصيد
    والذبائح على طريقة مذهب الشيعة ، مشيراً الى رأي أهل السنة في ذلك (22) .
    11 ـ رسالة في الصيد ، آدابه ومحسناته ، ألّفها المولى محمد سليم الرازي شيخ
    الإسلام بطهران ( بين سنوات 1061 ـ 1069 هـ ) ، باسم الأمير صدر السلطنة بمشهد
    خراسان (23) .
    12 ـ رسالة في الصيد والذبائح ، لمحمد بن الحسن الشيرواني ( المُتوفّى
    1098 هـ ) (24) .
    13 ـ كتاب الصيد والذبائح ، للميرزا محمد بن محمّد رضا بن اسماعيل
    القمي المشهدي المحدث المفسر صاحب ( كنز الدقائق ) ، الذي قرظ عليه في سنة 1102
    هـ (25) .
    14 ـ كتاب الصيد والذبائح ، وأحكامها ، مبسوط ، للشيخ علي بن الحسين
    الكربلائي ، ألّفه باسم الشاه سلطان حسين الصفوي ( 1105 ـ 1135 هـ ) (26) .
    15 ـ كتاب الصيد والذبائح ، ( أو ) الرسالة الصيدية ، للشيخ محمد علي بن
    أبي طالب الزاهدي الأصفهاني ، المتخلّص بحزين اللاهيجي ، والمعروف بالجيلاني
    ( 1103 ـ 1181 هـ ) ، فارسي ، في أحكام الصيد والذباحة ، وخواص الحيوانات
    وأنواعها ، وأحكامها الشرعية من حلالها وحرامها ، وهو غير مصنفيه « التذكرة في علم
    البزدرة » و « خواص الحيوان » (27) .
    16 ـ كتاب الصيد والذبائح ، للشيخ محمد علي بن الشيخ عباس البلاغي
    ____________________________
    (22) الذريعة 15 : 105 .
    (23) الذريعة 5 : 105 و 9 : 465 و 13 : 351 و 15 : 105 .
    (24) الذريعة 15 : 106 .
    (25) الذريعة 15 : 107 و 18 : 152 .
    (26) الذريعة 15 : 106 .
    (27) الذريعة 11 : 207 و 15 : 106 .


    النجفي الفقيه الاُصولي ( المُتوفّى سنة 1234 هـ ) ، إستدلالي كبير ، موجود في خزانة
    الشيخ علي آل كاشف الغطاء في النجف (28) .
    17 ـ رسالة في الصيد والذبائح ، للمولى محمد تقي بن علي محمد النوري
    ( المُتوفّى 1263 هـ ) (29) .
    18 ـ كتاب الصيد والذبائح ، للمولى علي القارپوزآبادي القزويني الزنجاني
    ( المُتوفّى 8 محرم من سنة 1290 هـ ) بزنجان ، كتاب استدلالي فارسي مبسوط ، وقد
    طبع بطهران في 1288 هـ (30) .
    19 ـ رسالة في الصيد ، للميرزا محمد بن سليمان التنكابني ( المُتوفّى 1302 )
    ذكر في « قصص العلماء » : إنّها بلسان العرفان في مائتي بيت (31) .
    20 ـ احكام الطعام من الطيور والأنعام ، ( أو ) رسالة في الصيد والذبائح ،
    للسيد اعجاز حسين الأمروهي ، صهر المفتي مير عباس التستري وتلميذه ( المُتوفّى سنة
    1306 هـ ) (32) .
    21 ـ رسالة صيدية ، مجهولة المؤلّف ، ضبطت برقم 1244 في الذريعة
    11 : 207 ، وعلى ظنّي أنها يمكن أن تكون هي كتاب الصيد والذبائح « رقم 10 »
    للسيد حسين الطبسي ، ( النصف الثاني من القرن العاشر الهجري ) سابق الذكر .
    22 ـ كتاب أحكام الصيد الذي ذكره العاملي في أمل الآمل 2 : 99 ، لأبي
    عبد الله الحسين بن علي البزوفري (350 ـ 410 هـ ) فإنه ضبط في رياض العلماء
    2 : 152 والذريعة 1 : 299 بعنوان « كتاب العبيد » وهو الأخير على الظاهر ، والله
    أعلم .

    ____________________________
    (28) الذريعة 15 : 106 ـ 107 ، معارف الرجال 2 : 316 ـ 317 .
    (29) الذريعة 15 : 105 ـ 106 .
    (30) الذريعة 15 : 106 .
    (31) الذريعة 15 : 104 .
    (32) الذريعة 1 : 299 و 15 : 106 .

    رأي في تقسيم الكلمة الدكتور السيّد مصطفى جمال الدين
    النّحو ـ في فهم المحقّقين من النحاة ـ هو : نظام تأليف الجملة .
    والجملة : مركّب إسناديّ من كلمتين ، أو أكثر ، يؤدّي الربط بينهما إلى أن
    يكون لكل منهما ( وظيفة ) نحوية خاصة .
    والوظيفة النحويّة : هي ما تؤدّيه إحدى الكلمتين بالنسبة إلى الاُخرى من
    كونها ( فعلاً ) لها ، أو ( فاعلاً ) ، أو ( مفعولاً ) ، أو ( حالاً ) ، أو ( تمييزاً ) ، أو
    ( مستنثنى ) ، أو ( نعتاً ) ، أو ( بدلاً ) ، أو ( مضافاً ) ، أو ( مضافاً إليه ) إلى آخر ما تؤدّيه
    الكلمات المرتبطة ببعضها ، أو الكلمات الرابطة بينها ، من ( معاني النحو ) التي فصّلها
    النحاة إلى أبواب النحو المعروفة .
    وقد صنّف النحاة السابقون هذه الكلمات ـ سواء منها ما كان رابطاً أو مرتبطاً
    ـ إلى ثلاثة أصناف سمّيت عندهم ( أقسام الكلم ) هي : الإسم ، والفعل ، والحرف .
    ولم يخرج أحد منهم على هذا التقسيم غير ما يروى عن أبي جعفر أحمد بن صابر من أنّه زاد
    قسماً رابعاً سمّاه ( الخالفة ) وهو إسم الفعل (1) وقد ادّعى بعض المحدثين أنّ الذي أطلق
    مصطلح الخالفة على اسم الفعل هو الفرّاء (2) .
    أمّا الدارسون المحدثون فقد جلب انتباههم أنّ بعض الكلمات لا يمكن أن
    ____________________________
    (1) الأشباه والنظائر النحوية 3 / 2 ؛ وحاشية الصّبان 1 / 2 .
    (2) اللغة العربية ، معناها ومبناها : 89 .


    ينطبق عليها تعريف القدماء لهذه الأقسام ، فجرت محاولات لإعادة النظر في تصنيفها
    تصنيفاً حديثاً أكثر ضبطاً وشمولاً ، فكان أن قسّمها أكثرهم تقسيماً رباعياً يمتاز بجعل
    الأسماء المبهمة كالضمائر ، والموصول ، والإشارة ، وما يجري مجراها قسماً مستقلّاً أطلق
    عليه بعضهم اسم ( الضمير ) (3) ، وبعضهم إسم ( الكناية ) (4) كما سيأتي .
    وهناك محاولة اُخرى لتقسيم الكلمة سبعة أقسام بإضافة ( الصفة ، والخالفة ،
    والظرف ) إلى هذه الأقسام الأربعة كما فعل الدكتور تمام حسّان (5) ، وسيأتي عرض
    وجهة نظر الدارسين المحدثين ، والاُسس التي قام عليها تقسيمهم للكلمات ، مع مناقشة
    ما يستحقّ المناقشة منها ، بعد استيفاء القول في وجهة نظر السابقين من النحاة في التقسيم
    الثلاثي وعرض ما يبدو لي من تقسيم رأيت أنّه أجدر من غيره .
    أساس التقسيم الثلاثي عند النحاة
    وكان النحاة السابقون يرجعون في تقسيمهم الثلاثي إلى أساسين مختلفين
    تبنّى كل واحد منهما فريق من النحاة :
    أ ـ الوجهة التأليفية الإسنادية
    فقد تبنّى جماعة منهم وجهة نظر تنبني على تأليف الجملة وإسنادها أي أنّهم
    جعلوا أساس التقسيم قائماً على طبيعة تركيب الجملة ، وصلاحية كل كلمة في هذا
    التركيب ، فما كان من الكلمات صالحاً لأن يقع في الجملة مسنداً ومسنداً إليه فهو
    ( الإسم ) مثل : زيد وقائم ، وما كان صالحاً لأن يقع مسنداً فقط فهو ( الفعل ) مثل : قام
    ويقوم ، وما كان غير صالح لأن يقع مسنداً ولا مسنداً إليه فهو ( الحرف ) مثل : من وعن .
    يقول ابن معط ( ـ 628 هـ ) : « إنّ المنطوق به إمّا أن يدلّ على معنى يصحّ
    الإخبار عنه وبه ، وهو الإسم ، وإمّا أن يصحّ الإخبار به لاعنه ، وهو الفعل ، وإمّا ألّا
    يصحّ الإخبار عنه ولا به ، وهو الحرف » (6) .
    ____________________________
    (3) من أسرار اللغة : 29 .
    (4) في النحو العربي ، قواعد وتطبيق : 46 .
    (5) اللغة العربية ، معناها ومبناها : 86 .
    (6) الأشباه والنظائر النحوية 2 / 3 ؛ وأسرار العربية : 4 .

    ومن الطبيعي أن يكون هذا التوجيه مردوداً عند بعض النحاة ، لأنّه ـ كما
    يقولون ـ قائم على قسمة غير حاصرة ، إذ يمكن افتراض قسم رابع هو : ( أن يخبر عنه لا به )
    وسواء وجد هذا القسم أم لم يوجد ، فإنّ مجرّد احتماله مخلّ بانحصار القسمة (7) .
    الوجهة المعنوية الدلالية .
    وهناك جماعة من النحاة تبنّوا في تقسيمهم الثلاثي وجهة نظر مبنيّة على
    دلالة الكلمة على معناها ، بغضّ النظر عن صلاحيّتها للإسناد ، أي أنّ أساس التمايز بين
    أقسام الكلمة هو افتراقها في ( دلالة ) كل كلمة على المعاني التي وضعت بإزائها ،
    فالكلمة : إمّا أن تدلّ على معنى مستقلّ في نفسه ، أي أنّ معناها يُدرك من لفظها سواء
    ربطت بعنصر لفظي آخر أم لم تربط ، أو تدلّ على معنى غير مستقلّ ، والثاني
    ( الحرف ) ؛ لأنّ معناه لا يظهر إلّا إذا ربط بكلمة اُخرى . أمّا القسم المستقلّ فهو : إمّا
    أن يقترن معناه بأحد الأزمنة الثلاثة فهو ( الفعل ) أو لا يقترن فهو ( الإسم ) .
    وقد تبنّى أكثر النحاة هذا الأساس في التقسيم (Cool لذلك جاءت تعريفاتهم
    للأقسام مبنيّة عليه :
    فالإسم : ( كلمة دلّت على معنى في نفسها من غير اقتران بزمان محصّل ) (9) .
    والفعل : ( كلمة دلّت على معنى في نفسها مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ) ، وقد
    أضاف الرضي إلى التعريف قيد : ( من حيث الوزن ) ليشير إلى أنّ ( الحدث ) معنى
    يدلّ عليه الفعل بمادّته ، و ( الزمن ) معنى يدلّ عليه الفعل بصيغته (10) .
    ____________________________
    (7) اُنظر رأي ابن إياز وابن هشام في الأشباه والنظائر 2 / 3 مع ملاحظة أنّ ( القسمة ) باب من أبواب المنطق ،
    ويشترط المناطقة للقسمة أن تكون ( حاصرة ) أي جامعة لجميع ما يمكن أن يدخل من الأقسام ، لا يشذّ منها
    شيء ، فإذا فرض أن يكون هناك قسم لم يدخل كانت القسمة ( غير حاصرة ) ، وهذه القسمة نوعان : عقلية
    واستقرائية . فالعقلية هي التي يمنع العقل أن يكون لها قسم آخر ، ولا يمكن ذلك إلّا إذا كانت القسمة دائرة
    بين النفي والإثبات ، كما لو قسّمنا الحيوان إلى : ( إنسان وغير إنسان ) فإنّ غير الإنسان يدخل فيه كل ما
    يفرض من الحيوانات الاُخرى ـ وسيأتي أنّ النحاة حاولوا هذه القسمة الحاصرة في تقسيمهم للكلمة ـ ،
    والإستقرائية هي التي لا يمنع العقل من فرض قسم آخر ، ولكنّ التقسيم وقع على الأقسام المعلومة بالإستقراء
    والتتبّع . ( اُنظر المنطق للمظفّر 1 / 123 ـ 126 ) .
    (Cool اُنظر الرضي على الكافية 1 / 7 ؛ وابن هشام في شرح شذور الذهب 1 / 22 ؛ والاشموني 1 / 21 .
    (9) نقله ابن يعيش عن السيرافي 1 / 22 .
    (10) اُنظر الرضي 1 / 5 ، 11 .


    والحرف : ( ما دلّ على معنى في غيره ، نحو من وإلى وثمّ ) (11) وهم يقصدون :
    أن ( التعريف ) أو ( التنكير ) ليس هو معنى تحمله كلمة ( أل ) أو ( التنوين ) وإنّما هو
    معنى تحمله كلمة ( رجل ) عندما تسبقها ( أل ) أو يلحقها التنوين . و ( الإبتداء ) أو
    ( الإنتهاء ) ليس معنى تحمله كلمتا ( من ) و ( إلى ) وإنّما يحمله المجرور بهما ـ البصرة أو
    الكوفة ـ في مثال : ( سرت من البصرة إلى الكوفة ) ، وهكذا .
    نقد الأساس النحوي للتقسيم
    أ ـ ونقدنا للأساس الأول أنّ النحاة السابقين لم يقبلوه ، لعدم قيامه ـ كما قالوا ـ
    على ( القسمة الحاصرة ) فمن الواضح أنّ الفروض أربعة ، أي أنّ الكلمة ـ عندهم ـ إمّا أن
    تكون مسنداً فقط ، أو مسنداً إليه فقط ، أو تكون مسنداً ومسنداً إليه ، أو لا مسنداً ولا
    مسنداً إليه ، والأول : الفعل ، والثاني : ضمير الرفع المتّصل ، والثالث : الإسم ، والرابع :
    الحرف .
    ومع وجود هذا الفرض الرابع ، والتمثيل له بضمائر الرفع المتّصلة ، فكيف يصحّ
    جعلها من قسم الإسم ، وليس قسماً رابعاً .
    ب ـ أمّا عن وجهة النظر الاُخرى ، أي بناء تقسيم الكلمة على أساس دلالتها
    على المعنى بنفسها أو بغيرها ، فإنّ الملاحظ عليه : أنّهم يعنون بذلك أن تكون الكلمة
    مستقلّة بإدراك المعنى من لفظها أو غير مستقلّة ، المستقلّة هي التي يدرك السامع
    معناها الذي وضعت له ، سواء كانت مرتبطة بكلمة اُخرى أو غير مرتبطة ، فكلمات :
    ( رجل ، فرس ، قيام ، قعود ) يفهم السامع معناها عند النطق بها منفردة مثل : ( رجل )
    أو مؤلفة مثل : ( جاءني رجل ) . أما الكلمات غير المستقلّة مثل : ( من ، وأل ، وهل )
    فهي التي لا يفهم عند النطق بها معنى ( الإبتداء ، أو التعريف ، أو الإستفهام ) إلّا ضمن
    كلمة اُخرى ، أو جملة تامّة ، فكلمة ( رجل ) هي التي تكون ( معرفة ) عندما تدخل عليها
    ( أل ) ، وجملة : ( قام محمد ) هي التي تكون ( مستفهَماً عنها ) عندما تدخل عليها
    ( هل ) .
    والملاحظ أنّهم خصّوا غير المستقلّ بالحرف فقط ، وأشركوا الإسم والفعل
    ____________________________
    (11) الزجاجي في الإيضاح : 54 .

    في المعاني المستقلّة ، ثم فرّقوا بينهما بالإقتران بالزمن ، وعدم الإقتران به .
    ولنا على ذلك الملاحظات الآتية في الجهتين معاً :
    1 ـ عدم الاستقلال بالمعنى
    فمن جهة تخصيصهم الكلمات غير المستقلّة بالحرف فقط ، لا يوجد له وجه
    معقول ، فهناك كلمات كثيرة أدخلوها في قسم الأسماء ، كالضمائر ، والإشارة ،
    والموصول ، وأسماء الإستفهام ، وأسماء الشرط ، وغيرها ليست لها تلك المعاني المستقلّة ،
    لأنّ معناها لا يفهم إلّا ضمن كلمة اُخرى ، أو جملة ، ولنقارن بين كلمة ( أل ) التي
    يفترض أنّها حرف ، وكلمة ( الذي ) التي يفترض أنّها اسم ، فسنجد أنّ معناهما سواء
    من ناحية عدم الإستقلال بادراكه من اللفظ المنفرد ، فجملة : ( الذي جاءني بالأمس
    زيد ) لو اقتطعنا منها كلمة ( الذي ) فما المعنى الذي تدلّ عليه منفردة ؟ ! ولو قلنا : ( هذا )
    ـ وحدها ـ لبقي المعنى غامضاً حتى نأتي بالمشار إليه لفظاً مثل : ( هذا الرجل خير من
    أخيه ) أو حسّاً كالإشارة الخارجية ، وحينئذ يغني معنى ( الذي ) بصلتها ( جاءني ) ،
    ولا يبقى لـ ( هذا ) معنى غير معنى ( الرجل ) المشار إليه لفظاً أو حسّاً .
    وقد تنبّه النحاة أنفسهم إلى ذلك فعلّلوا سرّ بناء هذا النوع من الكلمات بكونها
    مفتقرة إلى الغير في معناها ، كالحرف ، وسمّوا ذلك بـ ( الشبه المعنوي ) :
    كالشبه الوضعي في اسميْ جئتنا والمعنوي في متى وفي هنا
    وإذا كان الأمر كذلك فما نصنع بالأسماء المبهمة هذه ؟ ! أنعتبرها حروفاً ، لأنّ
    تعريف النحاة للحرف : ( ما دلّ على معنى في غيره ) شامل لها ؟ ! أم نظلّ نصنّفها في
    قسم الأسماء ، مع أنّ تعريفهم الإسم بأنّه : ( ما دلّ على معنى في نفسه ) لا ينطبق
    عليها ؟ ! فالغلط واقع لا محالة إمّا في التقسيم أو في التعريف .
    2 ـ فكرة الزمن واقترانها بالفعل
    أمّا عن فكرة الزمن وجعلها هي المائزة بين الإسم والفعل مع دلالتها على المعنى
    المستقلّ ، فملاحظتنا عليه :
    أ ـ إنّ فكرة الزمن ودلالة الصيغة الفعلية عليها فكرة غير ناضجة في أذهان
    النحاة السابقين وقد أنكر ذلك أكثر الباحثين المحدثين سواء في اُصول الفقه (12) أم في
    ____________________________
    (12) اُنظر : البحث النحوي عنه الاُصوليّين : 150 وما بعدها .


    فقه اللغة (13) .
    ونستطيع تقريب ذلك بأنّ ( الزمان الماضي ) مثلاً لا يفهم من لفظ ( قام )
    وحدها ، لا من مادّتها ، ولا من صيغتها ، وإنّما يفهم من سياق الجملة و ( مقامها ) فإن وقع
    الفعل في سياق الإخبار عن شيء دلّ على الزمن الماضي مثل ( قام محمد ) وإن وقع في
    سياق آخر غير الإخبار ، كسياق الشرط مثلاً ، دلّ على الزمن المستقبل مثل : ( إن قام
    محمد قمت ) مع أنّ لفظ ( قام ) واحد في السياقين ، فلو كان الزمان زمان الصيغة لما
    اختلف من سياق إلى سياق .
    كذلك فإنّ صيغة ( يفعل ) يقوم مثلاً ـ لا تدلّ على الزمان الحاضر والمستقبل
    إلّا بسياق الجملة وقرائن أحوالها ، ففي سياق الخبر تدلّ على ( الحال ) وفي سياق
    التسويف والنفي بـ ( لن ) تدلّ على الإستقبال ( سوف يقوم ) أو ( لن يقوم ) ، وفي
    سياق النفي بـ ( لم ) أو ( لمّا تدلّ على الماضي البعيد أو القريب ( لم يقم . . . ولمّا
    يقم ) وهكذا .
    وهذا إن دلّ على شيء فعلى أنّ الزمان نحوي لاصرفيّ ، أي أنّه يفهم من سياق
    الجملة واُسلوب تأليفها ، لا من صيغة ( فَعلَ . يَفْعَل ) .
    ب ـ إنّ الزمان النحوي هذا ، لا يقتصر على الجمل الفعلية وصيغ الأفعال ، بل
    قد يفهم من الجمل الإسمية وصيغ الأسماء كالمصدر وإسم الفاعل ، فأنت تقول مثلاً :
    ( أنا ضاربُ أخيك ) فنفهم من سياق الخبر أنّ الزمان ماض ، وتقول : ( أنا ضاربٌ
    أخاك ) ونفهم من سياق ( التهديد ) أنّ الزمان مستقبل .
    ونخلص من ذلك كلّه إلى أنّه إذا كنّا نفهم ( الزمن المعيّن ) من وقوع الفعل
    ( قتل ) أو الإسم ( قاتل ) في سياق معيّن دلّ ذلك علی أنّ الإقتران بالزمن ليس هو
    المائز بين الإسم والفعل ، لأنّه ليس زمانهما بل زمان الجملة .
    يقول الدكتور إبراهيم أنيس ـ وهو يردّ على النحاة ربطَهم لصيغة الفعل
    بالزمن ـ : « وقد جعلوا ارتباط الفعل بالزمن عنصراً أساسياً ، به يتميّز الفعل من الإسم ،
    وعزّ عليهم أن يروا فكرة الزمن تتحقّق في المصدر كما تتحقّق في الفعل ، فجادلوا في هذا
    ____________________________
    (13) من أسرار اللغة : 165 .

    جدالاً عقيماً لايخلو من التعسّف والمغالطة . . . وفي الحقّ أنّ المصدر يرتبط بالزمن في صوره
    ما ، لا تقلّ وضوحاً عن ارتباط الفعل به ، أو لا تزيد غموضاً عن ذلك الغموض الذي
    نلحظه في محاولة الربط بين الفعل والزمن » (14) .
    محاولات جديدة في التقسيم
    من هذه المؤاخذات ، وأمثالها ، كان لا بد للبحث النحوي الجديد أن يعيد النظر
    في تقسيم الكلمة ، على اُسس أكثر ضبطاً وتمييزاً بين الأقسام . وأمامي الآن محاولتان :
    أ ـ التقسيم الرباعي
    وقد ذهب إليه جماعة من الباحثين المحدثين أبرزهم الدكتور إبراهيم أنيس في
    كتابه « من أسرار اللغة » (15) والدكتور مهدي المخزومي في كتابه « في النحو العربي :
    قواعد وتطبيق » (16) وقد جلب انتباه أصحاب هذه المحاولة ـ كما قلت ـ مسألة المبهمات
    من الضمائر والموصول والإشارة وأمثالها ممّا لا يمكن دخوله في أحد الأقسام الثلاثة :
    الإسم ، والفعل والحرف لعدم انطباق تعريفات هذه الأقسام عليها ، ولكنّ الفرق بين
    محاولتي الباحثَين :
    1 ـ في التسمية ، فقد أطلق الدكتور أنيس وجماعته على هذا القسم اسم
    ( الضمير ) وجعل القسم شاملاً للضمائر ، وأسماء الإشارة ، والموصولات ، والعدد . أمّا
    الدكتور المخزومي فقد أطلق عليه اسم ( الكناية ) وأدخل فيه : الضمائر ، والإشارة ،
    والموصولات ، وأسماء الاستفهام ، وأسماء الشرط .
    2 ـ في التأسيس ، فالمخزومي لم يذكر أساساً ينبني عليه تقسيم الكلمة إلى هذه
    الأقسام الأربعة ، في حين ذكر الدكتور أنيس أنّ تقسيمهم إلى هذه الأربعة قائم على
    اُسس ثلاثة : ( 1 ـ المعنى ، 2 ـ الصيغة ، 3 ـ وظيفة اللفظ في الكلام ) ورأى أنّ
    الإكتفاء بأساس واحد من هذه الاُسس لا يكفي ، « لأنّ مراعاة المعنى وحده قد يجعلنا
    نعدّ بعض الاُوصاف مثل : قاتل وسامع ومذيع أسماء وأفعالاً في وقت واحد . . . ومراعاة
    ____________________________
    (14) نفس المصدر : 171 .
    (15) من أسرار اللغة : 279 وما بعدها .
    (16) ص 46 ، وانظر « الاحرفية » ليوسف السودا : ص 71 .


    الصيغة وحدها قد يلبس الأمر علينا حين نفرّق بين الأفعال وبين تلك الأسماء
    والأوصاف التي وردت في اللغة على وزن الفعل مثل : أحمد ، ويثرب ويزيد ، وأخضر إلى
    آخره . بل حتى وظيفة الكلمة في الإستعمال لا تكفي وحدها للتفرقة بين الإسم
    والفعل ، فقد نجد اسماً مستعملاً في كلامٍ ما استعمالَ المسند مثل : ( النخيل نبات )
    ففي هذه الجملة استعملت ( نبات ) مسنداً ، أي كما تستعمل الأفعال والأوصاف .
    فإذا روعيت تلك الاُسس الثلاثة معاً أمكن إلى حدٍّ كبير التمييز بين أجزاء
    الكلام » (17) .
    ب ـ التقسيم السباعي
    وقد عقد الدكتور تمام حسّان في كتابه « اللغة العربية معناها ومبناها » فصلاً
    لأقسام الكلم تحدّث فيه عن سبعة أقسام هي : الإسم ، والصفة ، والفعل ، والضمير ،
    والخالفة ، والظرف ، والأداة .
    وجعل هذا التقسيم قائماً على أساسَيْ المبنى والمعنى ، فأساس المبنى يضم فوارق
    صورية هي : ( الإعراب ، والرتبة ، والصيغة ، والجدول ، والإلصاق والتصام والرسم
    الإملائي ) وأساس المعنى يضمّ فوارق معنوية هي : ( التسمية ، والحدث ، والزمن ،
    والتعليق ، والمعنى الجملي ) .
    وقد أطال المؤلف في شرح ذلك مُطبِّقاً لها على الأقسام السبعة في محاولة لتبرير
    هذا التقسيم السباعي ، ولا يسعني تلخيص أساس التقسيم عنده ، والتعليق عليه ، لما فيه
    من تطويل وتعقيد وتداخل بين الأقسام ، حتى أنّه ذكر للإسم ـ مثلاً ـ تسع خصائص
    تشاركه بقية الأقسام في سبعة منها ، وما أدري إذا كانت هذا السبعة لا ( تفصل ) الإسم
    عن غيره من الأقسام فما فائدة ذكرها ؟ ومع ذلك فإنّي ساُشير إلى مواضع الإختلاف
    معه بعد عرض وجهة نظري في أساس التقسيم .
    الأساس المقترح للتمييز بين أقسام الكلم
    في أثناء دراستي « للبحث النحوي عند الاُصوليّين » (18) وجدت لهم اُسساً
    ____________________________
    (17) من اسرار اللغة : 281 .
    (18) رسالة دكتوراه من جامعة بغداد ، منشورات وزارة الثقافة والإعلام في بغداد 1980 .

    للتمييز بين دوالّ المعنى النسبي ودوالّ المعنى الأصلي ، تشبه ـ إلى حدّ بعيد ـ ما بحثه
    اللغويون المحدثون من ( دوالّ النسبة ودوالّ الماهيّة ) (19) ومن مقارنة ذلك بالاُسس
    التي تعرّض لها النحاة في تقسيم الكلمة وجدت أنّ أفضل أنواع التقسيم أن تكون
    الأقسام خمسة : الإسم ، والفعل ، والصفة ، والحرف ، والكناية . وأنّ الاُسس التي يقوم
    عليها هذا التقسيم هي أربعة اُسس متقابلة :
    1 ـ ( الدلالة ) فاللفظ إمّا أن يدلّ على معنى مستقلّ بالإدراك . . . أو غير
    مستقلّ .
    2 ـ ( الوظيفة ) والمقصود بها المعنى النحوي الذي تؤدّيه الكلمة ضمن الجملة ،
    فهي إمّا أن تكون عنصراً رابطاً ـ أي دالّة نسبة ـ أو عنصراً مرتبطاً ـ أي دالّة ماهية ـ .
    3 ـ ( الصيغة ) والمقصود بها الصيغ الإشتقاقية المندمجة بمادّة الكلمة فهي إمّا أن
    تدلّ على معنى بسيط مستقلّ بالإدراك ، أو على معنى مركّب من المستقلّ وغير المستقلّ .
    4 ـ ( التركيب ) والمراد به أنّ المعنى المركّب من معنى المادّة ومعنى الصيغة إمّا
    أن يكون تركيبه تحليلياً أو إسنادياً .
    وعلى ضوء هذه الاُسس مجتمعة تتصنّف الكلمات ، ولإيضاح ما قد يبدو
    غامضاً منها نستعرض ذلك فيما يأتي :
    إنّ الاُسس التي يقوم عليها التقسيم ينبغي أن ترتبط بدلالة الكلمة على كل من
    المعنى المعجمي والمعنى النحوي ، ذلك لأنّ النحو إذا كان هو ( نظام تأليف الجملة )
    فإنّ مفردات الجمل تتحمّل معاني المعجم الأصلية بالإضافة إلى معاني النحو الناشئة
    من التأليف والربط بينها التي سمّيناها بالمعاني ( الوظيفية ) . وإذا أردنا أن نميّز
    ـ نحوياً ـ بين مفردات الجملة من ناحية ( الدلالة ) فلا بدّ من مراعاة معناها الأصلي
    مرتبطاً بوظيفتها النحوية .
    ولإيضاح ذلك نأخذ جملة مثل : ( نجح طلّابنا الّذين امتحنوا إلّا خالداً ) لنقوم
    بتحليل دلالة مفرداتها ، وعلى ضوء هذا التحليل نضع اُسس تصنيفها . ونلاحظ أنّ ما
    نسمّيه ( كلمة ) من هذه المفردات ثمانية هي : ( نجح ، طلاب ، نا ، الّذين ، امتحن ، واو
    ( الجماعة ) ، إلّا ، خالد ) وبعض هذه الكلمات تتحمّل معنى لغوياً بالإضافة إلى وظيفة
    ____________________________
    (19) اُنظر اللغة لفندريس ترجمة الدواخلي والقصّاص : 105 ـ 112 .


    نحوية هي : ( الفعلية ) و ( الفاعلية ) و ( الإضافة ) و ( النعت ) و ( الإستثناء ) وبعضها
    لا يتحمّل معنى غير معنى الوظيفة النحوية ، فتكون الفوارق بين كلمات هذه الجملة
    كالآتي :
    1 ـ إنّ الجملة تضمّ عناصر لفظية ذات ( معنى لغويّ محدّد مستقلّ بالإدراك )
    أي يفهم من اللفظ سواء وُصل بعنصر لفظي آخر أم لم يوصل ، وهي : مادّة نجح
    وامتحن ، أي ( النجاح ) و ( الإمتحان ) وكلمة ( طلّاب ) وكلمة ( خالد ) ، وكلٌّ من هذه
    المعاني الأربعة يصلح أن يكون طرفاً ( مرتبطاً ) بغيره من أطراف الجملة .
    2 ـ إنّ الجملة تضمّ عناصر لفظية لا يمكن للسامع أن يدرك معناها إلّا إذا
    وُصلت بعنصر لفظيّ آخر ، تلك هي : صيغتا ( فعل ) و ( افتعل ) الممتزجتين بمادّة
    النجاح والإمتحان ، وكلمات : ( نا ) و ( واو الجماعة ) و ( الّذين ) و ( إلّا ) ، وهذه
    العناصر الستة ثلاثة منها تدلّ على ( معنى نسبيّ رابط ) وثلاثة تدلّ على ( معنى غير
    نسبيّ وغير رابط ) .
    أمّا دوالّ النسبة فهي صيغة ( فعل ) التي ربطت النجاح بالطّلاب ، ونسبته
    إليهم على وجه يكون النجاح ( فعلاً ) صادراً عنهم وهم فاعلي هذا الفعل ، وكذلك
    صيغة ( افتعل ) .
    وأمّا الأداة ( إلّا ) فهي التي ربطت بين عنصرين من عناصر الجملة ـ المستثنى
    والمستثنى منه ـ أي ربطت ( خالد ) بـ ( الطّلاب ) على وجهٍ يكون خالد مستثنى من
    الحكم بنجاحهم .
    وأمّا الثلاثة الاُخرى فهي : الموصول ـ الّذين ـ والضمير ـ نا والواو ـ فالموصول
    والضمير لا يدلّان على ( المعنى النسبيّ الرابط ) ، بل يدلّان على ( معنى منتسب مرتبط
    بغيره ) فيحتاجان حينئذ إلى ( رابط ) يربطهما بالغير ، ولذلك احتجنا إلى ( النسبة
    التقييدية ) ـ أي التقييد بالإضافة والتقييد بالنعت ـ فهذه النسبة هي التي ربطت ( نا )
    المضاف إليه بالمضاف ، وربطت النعت ( الّذين ) بالمنعوت ( طلّابنا ) ، كما احتجنا إلى
    صيغة ( افتعل ) لتربط الإمتحان بواو الجماعة ، على وجه يكون الإمتحان فعلاً والواو
    فاعلاً .
    ولكنّ السؤال الآن هو : كيف صحّ لهذه العناصر الثلاثة التي هي


    كالأدوات ، من ناحية عدم استقلالها بالمعنى ، أن تتحمّل ( وظيفة ) غير وظيفة الأداة ،
    فتصبح فاعلاً ، ومفعولاً ، ومبتدأ ، ونعتاً ، ومضافاً إليه ، وأمثال ذلك ممّا لا يمكن
    للأدوات أن تتحمّله ؟ !
    والجواب : أنّ ( نا ) في ( طلّابنا ) ليست هي المضاف إليه حقيقة ، بل هي
    ( كناية ) عن المضاف إليه ، فكان الأصل : ( نجح طلّاب المتكلّمين ) وجعلنا ( نا ) كناية
    عنهم ، و ( الواو ) ليس هو فاعل ( امتحن ) حقيقة ، بل كناية عن الفاعل الحقيقي الذي
    هو ( الطلّاب ) . و ( الّذين ) ليس هو النعت حقيقة ، بل كناية عن النعت ، لأنّ النعت
    الحقيقي هو ( الممتحنون ) وجعلنا ( الّذين ) كناية عنهم ، وهكذا . فكل من الضمير
    والموصول يصلح لأن نكنّى به عن كل ما هو اسم أو صفة ، فهو من حيث هذه السعة في
    مدلوله صار غيرَ مستقلِّ المعنى ، واحتاج ، في فهم معناه ، إلى ما يوصل به أو يعود عليه ،
    ومن حيث تعبيره عن الإسم والصفة أمكن أن يأخذ ما لهما من وظيفة نحوية .
    ومن أجل هذا التحليل يحقّ لنا أن نعتبر المبهمات ـ الضمائر والموصولات وما
    يشبهها ـ قسماً مستقلّاً عن الأسماء والحروف ، لأنّ الذي يخرجها من ( الإسم ) كونها غير
    مستقّلة المعنى كالأسماء ، والذي يخرجها من ( الحرف ) كونها غير رابطة كالحروف ، ولا
    مانع من تسميتها بـ ( الكنايات ) تبعاً لباحث نحوي أصيل هو الدكتور المخزومي الذي
    جعل الضمائر ، والاشاره ، والموصولات ، وأسماء الشرط . والإستفهام كلّها في قسم
    مستقلّ سمّاه ( الكناية ) (20) ، ويساعد ما اختاره لها من تسمية أنّ الكوفيّين قديماً كانوا
    يسمّون الضمائر بالكنايات ، وبعض البصريّين يقول إنّها نوع من المكنّيات (21) كما ان
    ابن حزم جعل بعض فصول كتابه الاُصولي بعنوان « الكناية بالضمير » (22) كذلك
    جعل الرضيّ باباً للكنايات عدّ منها أسماء الإستفهام وأسماء الشرط (23) .
    ونستطيع نحن أن نضيف إليها بعض ما يكنّى به عن الزمان والمكان ممّا
    يسمّيه النحاة ( ظرفاً ) مثل ( حيث ، وإذ ، وإذا ، وأين ، ومتى ) ومنا يشبهها ممّا سيأتي
    ____________________________
    (20) في النحو العربي قواعد وتطبيق : 46 .
    (21) ابن يعيش 3 / 84 .
    (22) الإحكام في اُصول الأحكام لابن حزم 1 / 412 .
    (23) شرح الرضي للكافية 2 / 93 .


    الحديث عنه .
    3 ـ إنّنا لو عدنا إلى الجملة السابقة لوجدنا فيها فرقاً كبيراً بين ( نجح ) أو
    ( امتحن ) وبين غيرهما من كلمات الجملة ، وهذا الفرق : أنّ ( نجح ) تدلّ على معنى
    مركّب من : معنى المادّة ومعنى الصيغة ، فمعنى المادّة معنى مستقلّ غير نسبيّ هو
    ( النجاح ) ومعنى الصيغة معنى نسبيّ غير مستقلّ هو : ( ربط النجاح بالفاعل ) ، وهذه
    الملاحظة تجرّنا إلى تحليل كلّ المفردات المشابهة لها في الوضع اللغوي ، أي المؤلفة من
    مادّة وصيغة وهي ما تسمّى بـ ( المشتقّات ) ، فنجد أنّ صيغ المشتقّات جميعاً ترتبط
    بعنصر واحد هو ( المادّة ) أي الاُصول الثلاثة المرتّبة الدالّة على ( حدث ) من الأحداث ،
    ولنفرض أنّها ( ض ر ب ) ثمّ يختلف كلّ مشتقّ منها عن صاحبه بمعنى ( الصيغة ) التي
    امتزجت بالمادّة فكوّنت معها كلمة واحدة مثل : ( ضَرْب ، وضَرَب ، وضارب ،
    ومضروب ، وضرّاب ، ومَضرب ، ومِضرب ) وأمثالها .
    ولكنّ الملاحظ أنّ هذه الكلمات يدلّ بعضها ـ بمادّته وصيغته ـ على معنى
    ( بسيط ) مستقلّ بالإدراك هو : إمّا ( الحدث ) فقط ، وإمّا ( الذات ) فقط ، وبعضها
    يدلّ على معنى ( مركّب ) من معنى المادّة ومعنى الصيغة ، أي يدلّ على ( الحدث المرتبط
    بالذات ) فهو مركّب من المعنى النسبيّ وغير النسبيّ :
    أ ـ فكلمة ( ضَرْب ) ـ بمادّتها وصيغتها ـ تدلّ على ( حدث ) فقط وهو معنى
    بسيط (24) ، وكلمة ( مَضرب ) و ( مِضرب ) تدلّ على ( ذات ) فقط ، وهو معنى بسيط
    أيضاً : إمّا مكان الحدث أو زمانه أو آلته . وكلّ كلمة تدلّ على معنى مستقلّ بسيط فهي
    ( الإسم ) ومدلولها ( المسمّى ) فالمصدر واسم الزمان والمكان واسم الآلة من فصيلة
    الأسماء فقط .
    ب ـ أمّا كلمات ( ضارب ومضروب وضراب ) فإنّها تدلّ على : ( ذات مّا
    اتّصفت بالضرب ) إمّا اتّصاف ( فاعلٍ ) أو ( مفعول ) أو ( مبالغةٍ ) في الفاعل ، فهو معنى
    مركّب من : ذات + حدث + نسبة بينهما أي ( ربط ) ، وهذه النسبة هي ( نسبة تقييدية
    ____________________________
    (24) يلاحظ أنّ الاُصوليّين المتأخّرين يرون أنّ المصدر يدلّ على الحدث والنسبة ، واسم المصدر يدلّ على الحدث
    فقط ولا يفرّقون بينهما من ناحية لفظية بخلاف النحويّين . راجع كتاب « البحث النحوي عند الاُصوليين »
    ص 101 وما بعدها .

    وصفية ) أي تقييد الذات بالحدث على وجه يكون الحدث ( صفة ) للذات المبهمة .
    ويختلف هذا النوع عن سابقه في : أنّ الأول يدلّ على ( مسمّى ) هو إمّا
    الحدث وإمّا الذات ، أمّا هذا النوع فيدلّ على ( ذات موصوفة بالحدث ) لذلك نستطيع
    أن نسمّيه : ( الصفة ) فتكون الصفات خمسة : صفة الفاعل ، والمفعول ، والمبالغة ،
    والمشبهة ، والتفضيل .
    ج ـ أمّا كلمات ( ضَرَب ، ويضرب ، ونضرب ، وأضرب ) وأمثالها فهي تدلّ
    أيضاً على معنى مركّب من الحدث المنسوب إلى الذات ، و ( الحدث ) مدلول المادّة ، و
    ( النسبة إلى الذات ) مدلول الصيغة ، فنحن نفهم من صيغة ( ضَرَب ) أنّ حدث الضرب
    صادر من فاعل مفرد مذكّر غائب ، ومن صيغة ( أضربُ ) أنّه صادر من فاعل مفرد
    مذكّر متكلّم ، ومن صيغة ( نضربُ ) أنّه صادر من فاعل مذكّر جمع متكلّمين ، وهكذا
    كلّ صيغ الأفعال مشعرة بنوع الفاعل ـ التذكير والتأنيث ـ وعدده ـ الإفراد والتثنية
    والجمع ـ وشخصه ـ التكلّم والخطاب والغيبة ـ .
    يقول فندريس ـ في حديثه عن دوالّ النسبة ودوالّ الماهيّة ـ :
    « لنأخذ من العربية مجموعة من الكلمات مثل مجموعة : أن يعطي ، اُعطي ،
    الإعطاء ، مُعطون ، إلى المعطي ، فالتحليل يجد فيها ، دون عناء ، عنصراً دائماً هو ( ع ط ي )
    الذي يصل كل هذه الكلمات بفكرة ( الإعطاء ) ولكنّه يجد فيها ، فضلاً عن ذلك ،
    عدداً من العناصر الصوتية التي تستخدم للإشارة إلى أنّ الكلمة فعل أو اسم ، ومن أي
    نوع هي ، أو للدلالة على الفصيلة النحوية ( النوع والعدد والشخص ) التي تنتمي إليها
    الكلمات ، وكذلك على العلاقة التي تربطها بكلمات الجملة الاُخرى فهذه العناصر
    دوالّ النسبة » (25) .
    وملاحظتنا الأخيرة في تحليل صيغ المشتقّات : أنّ صيغ الأفعال تختلف عن
    صيغ الصفات من ناحية تركيب معنى المادّة بمعنى الصيغة ، في أنّ الصفات ( مركّب
    تحليلي ) أي أنّ لفظها واحد ولكنّ معناها ينحلّ إلى ( ذات متّصفة بالحدث ) . أمّا صيغ
    الأفعال فهي ( مركّب إسنادي ) أي أنّ ( الحدث ) وهو معنى المادّة ، قد اُسند إسناداً تامّاً
    ____________________________
    (25) اللغة لفندريس : 106 ، وانظر الصفحات 107 ، 112 ، 115 ، 116 .


    إلى فاعل ( ذات خارج لفظ الفعل ) ـ ظاهراً أو مستتراً ـ ولكنّ الصيغة تشعر بفصيلته
    النحوية : نوعه ، وعدده ، وشخصه .
    خلاصة التحليل
    ونخلص من تحليلنا لمفردات هذه الجملة ـ المثال السابق ـ أنّ الكلمة بحسب
    دلالتها اللغوية ، ووظيفتها النحوية ، وصيغها الإشتقاقية تنقسم إلى خمسة أقسام متمايزة
    هي : الإسم ، والكناية ، والحرف ( الأداة ) ، والصيغة ، والفعل ، ونستطيع أن نبني
    ذلك على ( قسمة حاصرة ) كما أرادها النحاة السابقون ، وذلك أنّ الكلمة .
    1 ـ إمّا أن تدلّ على معنى مستقلّ بالإدراك ، صالح لأن يتحمّل الوظائف
    النحوية عندما يكون مرتبطاً بكلمة اُخرى . وهذا هو ( الإسم ) ويشمل أسماء : الأعيان ،
    والأجناس ، وأسماء الأحداث ( المصادر ) ، وأسماء الزمان والمكان والآلة .
    2 ـ أو تدلّ على معنى غير مستقلّ بالإدراك وهو نوعان :
    أ ـ المعنى النسبي الرابط ـ أي الذي تكون وظيفته ربط معاني المفردات بعضها
    ببعض ـ وهذا هو ما نسمّيه ( الحرف ) أو الأداة ، ويشمل ( حروف المعاني ) كالجرّ ،
    والعطف ، والإستثناء ، والإستفهام ، والتفسير ، والتمنّي ، والترجّي ، وغيرها . و ( حروف
    المباني ) المندمجة مع موادّ الإشتقاق ، كصيغ الأفعال وصيغ الصفات .
    ب ـ المعنى الكنائي المرتبط ، وهو ما سمّيناه ( الكناية ) من الكلمات غير
    المستقلتة تصلح لأن نكنّي بها عن اسم أو صفة ، فيحلّ محلّهما في الوظائف
    النحوية الصالحة للإسم والصفة . وتشمل الكناية ما يسمّى بالأسماء المبهمة :
    كالضمائر ، والموصولات ، والإشارة ، وكلمات الشرط والإستفهام ، وبعض الظروف
    المبنيّة التي يُكنّى بها عن الزمان والمكان ( حيث ، وإذ ، وإذا ، ومتى ، وأين ، وأنّى ،
    ولمّا ) وأمثالها ممّا جعله الدكتور تمام حسّان قسماً مستقلّاً ممّا ستأتي مناقشته فيه .
    3 ـ أو تدلّ على معنى مركّب من المستقلّ وغير المستقلّ ( النسبي ) وهو نوعان
    أيضاً :
    أ ـ ما كان تركيبه تحليليّاً ، أي أنّ لفظه واحد ولكنّ معناه ينحلّ إلى ( ذات
    متّصفة بالحدث ) وهذا هو ( الصفة ) وتندرج تحتها صفات : الفاعل والمفعول ، والمبالغة ،


    والمشبهة ، والتفضيل .
    ب ـ ما كان تركيبه إسناديّاً ، أي أنّ الكلمة تتضمّن حدثاً مسنداً بواسطة
    الصيغة إلى ذات خارج لفظ الكلمة ـ ظاهرة أو مستترة ـ ولكنّ الصيغة تشعر بنوع تلك
    الذات وعددها وشخصها ، وهذا هو ( الفعل ) .
    وبملاحظة الشكل الآتي يتّضح أساس التقسيم على القسمة الحاصرة :

    ملاحظات حول التقسيمات الحديثة
    بقيت لديّ ملاحظات على محاولات التقسيم الرباعية والسباعية التي مرّ
    عرضها سابقاً وإتماماً للفائدة اُسجّلها فيما يأتي :
    1 ـ حول التقسيم الرباعي
    قلت إنّ الدارسين المحدثين أحسنوا صنعاً بفصل الكلمات المبهمة وجعلها قسماً
    مستقلّاً بنفسه ولكنّ ملاحظاتي عليها :
    1 ـ إنّ جعل العدد ـ كما صنع الدكتور أنيس ـ من جملة هذا القسم لم يتّضح لي
    وجهه ، فالأعداد تحتاج إلى تمييز يبيّن المعدود بها ، ولكن ليس كل ما يحتاج إلى تمييز
    يكون ( غير مستقل المعنى ) فالمقصود بعدم الإستقلال ، أنّ الذهن لا توجد به ( صورة ) أي
    معنى من اللفظ المسموع عند سماعه منفرداً ، ولفظ ( أربعة ) وحدها يوجد لها صورة
    ذهنيّة غير مفتقرة إلى ما يحدّد معناها ، فصورة الأربعة غير صورة الثلاثة والخمسة ولكنّها



    إذا دخلت في جملة احتاجت إلى ما يعيّن نوع المعدود بها ، أهو كتب أم أقلام أم دفاتر ؟
    وهذه طبيعة كل ما يحتاج إلى تمييز كالمساحات والأوزان وغيرهما ، فنحن نعرف
    ( معنى ) المتر والصاع وندرك صورتهما الذهنيّة ، ولكنّنا نحتاج إلى ما يميّز المقصود بهما أهو
    متر أرض أم قماش ؟ وصاع تمر أم شعير ؟ وهذا بخلاف معنى ( أل ) و ( الذي ) فإنّ
    صورتهما لا تنطبع في الذهن إلّا وهي ( معلّقة ) بصورة صلتها ( أل  رجل ) ( الذي
     جاءني ) وهذا هو معنى افتقار هذه الكلمات إلى الغير ، أي أنّه لا يتحصّل لها ( معنى )
    في الذهن إلّا وهي مرتبطة ومعلّقة بالغير .
    2 ـ إنّ هذه المحاولة لم تحاول أن تدرس ( الصفة ) دراسة كافية لذلك اختلف
    دارسوها فالدكتور أنيس جعلها في قسم الإسم ـ كما صنع البصريّون ـ ، والدكتور
    المخزومي جعلها في قسم الفعل ـ كما صنع الكوفيّون ـ .
    ولعلّ ذلك ناشیء من ملاحظة جمل يكون فيها للوصف ( فاعلاً ) أو نائباً عن
    الفاعل ـ مع أنّ هذه الملاحظة موجودة في المصدر أيضاً ـ فأعرب الكوفيّون ( كاتب ) في
    جملة : ( أكاتبٌ زيدٌ رسالةً ) فعلاً وسمّوه بـ ( الفعل الدائم ) تمييزاً له عن الماضي
    والمستقبل ، وتابعهم المخزومي في ذلك (26) ، أمّا البصريون فلأنّهم يعتبرون ( كاتب )
    اسماً تكلّموا في إعرابها ، وجعلوا ( كاتب ) مبتدأ و ( زيد ) فاعلاً سدّ مسدّ الخبر .
    ولو أنّهم تنبّهوا إلى أنّ الصفة قسم مستقلّ عن الإسم والفعل ، يختلف عنهما في
    طبيعة تركيبه ودلالته لكان لهم في إعرابها وجه أقرب إلى السلامة من هذا .
    ويبدو لي أنّ الصفة تمتاز في إسنادها عن كلّ من إسناد الإسم وإسناد
    الفعل ، فالإسم لا يقع مسنداً إلّا إلى المبتداء ـ ( زيد أخوك ) و ( النخيل نبات ) (27) ـ
    والفعل لا يقع مسنداً إلّا إلى الفاعل ـ قام محمد ، ويكتب علي (28) ـ أمّا الصفة فتمتاز
    عنهما في أنّها تقع مسنداً لكل من المبتدأ والفاعل ، فكاتب في جملة ( زيد كاتب ) صفة
    اُسندت إلى المبتدأ ـ من دون حاجة إلی تقدير ضمير فاعل لكاتب كما صنع النحاة
    ____________________________
    (26) في النحو العربي ، قواعد وتطبيق : 23 .
    (27) أرجو ملاحظة استغراب الدكتور انيس ـ فيما تقدّم ـ من وقوع الإسم مسنداً إسناد الصفة .
    (28) أمّا جملة ( علي يكتب ) مثلاً فالفعل فيها ليس خبراً للمبتدأ ؛ لأنّه إمّا مسند إلى ضمير علي والجملة هي الخبر
    ـ كما هو مذهب البصريّين ـ وإمّا أنّ ( علي ) فاعل تقدّم على فعله كما ذهب الكوفيّون .

    السابقون (29) ـ وهي في جملة ( أكاتب زيد رسالة ) صفة اُسندت إلى الفاعل ، وهذا ما
    سوّغ للدكتور تمام حسّان ـ ولعلّه كان على حقّ ـ أن يتحدّث عن ( جملة وصفية ) في
    مقابل الجملتين الإسمية والفعلية . فالصفة التي تسند إلى فاعل تكون ( الجملة الوصفية )
    والصفة ـ أو الإسم ـ التي تسند إلى مبتدأ تكون ( الجملة الإسمية ) .
    وعلى هذا الأساس تكون الجملة الوصفية أصلية ـ أي كبرى ـ مثل : ( أكاتب
    زيد رسالةً ) كما تكون فرعية ـ أي صغرى ـ مثل ( أنا كاتب رسالةً ) على غرار الجملة
    الصغرى في مثل ( زيد قام أبوه . . . أو أبوه قائم ) .
    2 ـ حول التقسيم السباعي :
    أمّا محاولة الدكتور تمام حسّان في تقسيمه الكلمة إلى سبعة أقسام أي بإضافة
    قسمين آخرين إلى ما ارتضيناه هما : الظرف والخالفة فستدور مناقشتي معه حول هذين
    القسمين :
    أ ـ الظرف
    والظرف مصطلح نحوي يعني وظيفة نحوية ( المفعول فيه ) . وليس هو الكلمة
    التي تشعر بالزمان والمكان فقط ، وإلّا لكانت الأفعال ظروفاً لأنّها تتضمّن الزمن
    ـ عند النحاة ـ ولكانت بعض الحروف ظروفاً لأنّها تدلّ على ( نسبة ظرفية ) مثل ( في ) و
    ( مذ ) و ( منذ ) ، كما أنّ النحاة لا يعنون بالظرف الكلمة التي تدلّ بوضعها المعجمي
    على جزء من الزمان أو حيّز من المكان ، فالكلمات الدالّة على ذلك هي من فصيلة
    الأسماء فقط ، كاليوم ، والشهر ، والسنة ، والمنزل ، والمطعم وأمثالها من الكلمات التي
    يفهم منها الزمان أو المكان سواء كانت جزء من جملة أم لم تكن ، ولهذا يصحّ لهذه
    الكلمات أن تتحمّل وظيفة الظرف ( المفعول فيه ) ، كما تتحمّل وظيفة المبتدأ والخبر ،
    والفاعل ، والمفعول به .
    أمّا ما يصطلح عليه النحاة ( ظرفاً ) فهو المعنى الوظيفي النحوي أي ( المفعول
    فيه ) فالظرف إذن ( وظيفة ) نحوية كوظيفة ( المفعول به ) و ( المفعول معه ) و ( الحال ) و
    ( المستثنى ) و ( النعت ) وغيرها من معان وظيفية ، فكما لا يصحّ لنا أن نجعل ( النعت )
    ____________________________
    (29) همع الهوامع للسيوطي 1 / 95 .


    قسماً من أقسام الكلمة في مقابل الإسم والكناية والصفة ، لأنّه وظيفة نحوية تقوم بها
    كلمات من فصيلة ( الصفات ) : كالعالم والأديب ، أو من فصيلة ( الأسماء ) : كالأب
    والاُمّ والزوجة ، أو من فصيلة ( الكنايات ) : كهذا والذي واللائي ، كذلك لا يصحّ لنا
    اعتبار ( الظرف ) قسماً مستقلّاً لأنّه وظيفة نحوية تقوم بها فصيلة الأسماء الجامدة ، كيوم ،
    وشهر ، والمشتقّة كمقتل ومطعم وغروب وشروق ، كما تقوم بها كلمات من فصيلة
    ( الكناية ) مثل ـ هُنا وثَمَّ ـ وهما من الإشارة ، و ( متى وأين ) وهما من كنايات
    الإستفهام .
    والدكتور تمام حسّان يدرك ذلك كلّه ، لذلك لم يجعل ممّا سمّاه ظرفاً أسماء
    الزمان والمكان ، والمصادر ، ولا أسماء الأعداد ، والأوقات ، وأسماء الجهات وغيرها ممّا
    يقوم بوظيفة الظرف وحصر هذا القسم في كلمات ثمانية فقط هي : ( إذْ ، وإذا ، ولمّا ،
    وأيّان ، ومتى ـ وهي للزمان ـ وأين وأنّى وحيث ـ للمكان ـ ) .
    وهذه الكلمات وإن قامت بوظيفة الظرف الزماني والمكاني ، إلّا أنّها من
    فصيلة ما سمّيناه بالكناية ، يدلّ على ذلك اعترافه هو بأنّ ( هذه الظروف تؤدّي وظيفة
    الكناية عن زمان أو مكان ) (30) ولو أنّه عكس ذلك فقال : ( هي كنايات تؤدّي
    وظيفة الظرف الزماني أو المكاني ) لكان أقرب إلى السلامة . كما يدلّ على ذلك
    تسليمه بأنّها ( ذات افتقار إلى مدخول لها يعيّن معناها الزماني المبهم ) (31) أي أنّها غير
    مستقّلة ـ كما تقدّم ـ وأهمّ ما يميّز ( الكناية ) عن غيرها خاصّيّتان ؛ الاُولى : أنّها كالحرف
    من ناحية عدم استقلالها بالمعنى وافتقارها إلى الغير في تحديد معناها ، والثانية : أنّها
    كالإسم من ناحية تحمّلها وظيفة العنصر المرتبط لا العنصر الرابط .
    ب ـ الخالفة
    والخالفة كما قال الدكتور حسّان : مصطلح أطلقه الفرّاء على اسم الفعل ،
    واعتبره أحمد بن صابر الأندلسي قسماً رابعاً للكلم .
    ولكنّ الدكتور تمام وسّع من دائرة ( الخالفة ) فجعلها شاملة لأربعة خوالف :
    ____________________________
    (30) اللغة العربية معناها ومبناها : 122 .
    (31) نفسه : 121 .

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تراثنا العدد6 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تراثنا العدد6   تراثنا العدد6 Emptyالجمعة نوفمبر 08, 2024 6:55 am

    ( خالفة الإخالة ) وهي عنده اسم الفعل ، و ( خالفة الصوت ) أي أسماء الأصوات و
    ( خالفة التعجّب ) أي الصيغتان القياسيّتان للتعجّب : ما أحسن زيداً ، وأحسِن بزيد . و
    ( خالفة المدح والذمّ ) : نعم الرجل زيد ، وبئست المرأة هند .
    والذي جعله يوسّع دائرة الخالفة بحيث شملت صيغ التعجّب والمدح والذمّ ، أنّ
    لها جميعاً ـ كما يقول ـ ( طبيعة الإفصاح الذاتي عمّا تجيش به النفس ، فكلّها يدخل في
    الاُسلوب الإنشائي ) . والذي يؤخذ عليه في ذلك :
    1 ـ إنّنا ، في مجال التقسيم ، نكون بصدد التمييز بين الكلمات والصيغ المفردة ،
    لا الجمل المركّبة ، والإفصاح الذاتي والاُسلوب الإنشائي في التعجّب والمدح والذمّ ،
    ليس وليد الكلمة المفردة ( أحسِن ) أو ( نِعْم ) أو ( بئس ) وإنّما هو وليد الجملة كاملة ،
    فقياسيّة التعجّب مثلاً ( قياسية جُمَلِيّة ) وليست إفرادية ، ولذلك لو غيّرنا في هيئة
    الجملة ( ما أحسن زيداً ) شيئاً يسيراً كأن نقول : ( ما أحسن زيدٌ ) لتغيّر اُسلوب
    التعجّب ومعناه إلى اُسلوب النفي ، مع أنّ صيغة الفعل كما هي لم تتغيّر فصيغة
    التعجّب إذن صيغة جملة لا مفرد ، ونحن بصدد تقسيم الكلمات المفردة لا الجمل ، وإلّا
    فكان ينبغي له أن يذكر من الخوالف جملة ( لله درّه فارساً ) لأنّ فيها نفس الإفصاح
    الذاتي والاُسلوب الإنشائي .
    والذي يبدو أنّ الكلمات المفردة في صيغ التعجّب ، والمدح والذم ، باقية على
    النزاع المتوارث بين البصريّين والكوفيّين في إسميّتها أو فعليّتها ، ولَعَلّي أميل إلى ما ذهب
    إليه بعضهم من فعليّتها وتخلّفها عن طبيعة أخواتها في المعنى وفي الإشتقاق ، فجمدت على
    حالة واحدة واستعمال معيّن ، وفي صيغ الأفعال المتخلّفة نظائر لهذه الأفعال مثل
    ( عسى ) و ( ليس ) و ( آض ) و ( مادام ) وغيرها ممّا لا مضارع لها ، ومثل ( يذر ، ويدع )
    ممّا لا ماضي لها .
    والأفعال الناسخة عموماً فقدت ( فعليّتها ) من ناحية المادّة وبقيت الصيغة
    وحدها لتدلّ على أنّها تحدرت عن أفعال . واختصّت هذه الأفعال باستعمال معيّن
    يجعلها أشبه بالأدوات هو الدخول على الجمل الإسميّة لإضافة معنى الزمن إليها ، ومع
    ذلك فأكثر النحاة لا يستطيعون تصنيفها في غير فصيلة الأفعال وإن خلت من الدلالة
    على ( الحدث ) .


    2 ـ أمّا ما سمّاه بـ ( خالفة الإخالة ) أي اسم الفعل ، فهو عند النحاة ثلاثة
    أنواع :
    أ ـ نوع قياسي وهو ما جاء على صيغة ( فَعالِ ) كَنَزالِ بمعنى ( إنْزل ) وحَذارِ
    بمعنى ( إحْذَر ) وهذا النوع أطلق عليه البصريّون فقط اسم الفعل ، وإلّا فهو عند الكوفيّين
    فعل أمر حقيقي ، يصاغ بصورة قياسية من الثلاثي المجرّد ، وهو رأي لا غبار عليه .
    ب ـ المنقول ، وهو ما نقل عن المصدر ، والظرف ، والجار والمجرور ، مثل :
    ( رويدك ، وأمامَك ، وعليك ) فإنّها لا تزال في تصنيفها مع الأسماء والحروف ولكنّها
    نابت عن الفعل المحذوف الذي استُغني عنه لظهوره ، كما ينوب المصدر ( ضرباً زيداً )
    عن فعل الأمر ويبقى ( مصدراً ) ، وكما ينوب الظرف والجار والمجرور عمّا يتعلّقان به من
    فعلٍ أو وصف مقدّر .
    ج ـ أمّا النوع الثالث وهو : اسم الفعل المرتجل ، مثل : هيهات ، وشتّان ،
    وصه ومه ، وأمثالها ممّا يسمّيه البصريّون ( اسم فعل ) ويسمّيه الكوفيّون ( أفعالاً شاذّة )
    أي أنّها لم تسلك سبيل الأفعال في تصرّفها ولا في صياغتها ولا في اتّصالها باللواحق ،
    وكل ما للبصريّين من دلالة على إسميّتها أنّ التنوين يدخل بعضها مثل ( صهٍ ، ومهٍ ،
    واُفٍّ وآهٍ ) والتنوين علامة الإسم ، ويردّ الكوفيّون : أنّ هذا التنوين ليس دليل إسميّتها ،
    لأنّه ليس تنوين تنكير ، بل تنوين يراد به تكبير حجم الكلمة المؤلفة من حرفين لتكثر
    أصواتها وتلحق بالثلاثي ، الذي صار الوحدة الكمّية في العربية ، ولذلك لا يقع التنوين
    في هيهات وشتّان ممّا زاد بناؤه على حرفين (32) .
    ونخلص من ذلك إلى أنّه ليس هناك شيء اسمه ( إسم الفعل ) لنجعله
    ( خالفة ) إخالة .
    3 ـ أمّا ( خالفة الصوت ) فهي ( أصوات ) فقط يراد منها زجر الحوان أو حكاية
    صوته ، ولا تدخل في طبيعة مفردات اللغة باعتبارها واسطة نقل الأفكار من ذهن إلى
    ذهن ، ولا تدخل في الجمل العربية للقيام بوظيفة الرابط أو المرتبط فيها ، إلّا على سبيل
    الحكاية .
    ____________________________
    (32) في النحو العربي قواعد وتطبيق : 141 .

    وإذا كان لا بد من اعتبار ( كخ ) للطفل و ( هج ) للغنم وأمثالها مفردات لغوية
    للتعبير عن الزجر أو الحثّ ، فهي لا تخرج في معناها عن ( صه ومه ) وأمثالها ممّا
    اعتبرناها أفعالاً متخلّفة أو أفعالاً شاذّة .



    مصادر البحث
    1 ـ أسرار العربية لكمال الدين الأنباري المجمع العلمي بدمشق
    2 ـ الأشباه والنظائر النحوية لجلال الدين السيوطي حيدر آباد 1259
    3 ـ الإيضاح ( تحقيق مازن المبارك ) أبو القاسم الزجّاجي مطبعة المدني 1959
    4 ـ الإحكام في اُصول الأحكام لابن حزم الأندلسي مطبعة العاصمة بالقاهرة
    5 ـ البحث النحوي عند الاُصوليّين د . مصطفى جمال الدين دار الرشيد للنشر 1980
    6 ـ شرح الرضي على الكافية محمد بن الحسن
    الاسترابادي طبع تركيا 1210
    7 ـ شرح المفصّل موفق الدين بن يعيش المطبعة المنيرية
    8 ـ شرح الاشموني علي بن محمد الاشموني المطبعة الشرقية 1219
    9 ـ حاشية الصبّان على الاشموني محمد بن علي الصبّان المطبعة الشرقية 1219
    10 ـ شرح شذور الذهب لابن هشام الأنصاري دار الكتب العربية
    11 ـ اللغة لفندريس ترجمة الدواخلي
    والقصّاص مطبعة دار البيان
    12 ـ اللغة العربية معناها ومبناها د . تمام حسّان مطابق الهيئة المصرية
    13 ـ في النحو العربي ـ قواعد
    وتطبيق د . مهدي المخزومي مطبعة مصطفى الحلبي
    بالقاهرة
    14 ـ من أسرار اللغة ( الطبعة
    الرابعة ) د . إبراهيم أنيس مكتبة الأنجلو المصرية
    15 ـ همع الهوامع للسيوطي اُوفسيت دار المعرفة بلبنان
    16 ـ المنطق الشيخ محمد رضا المظفر مطبعة النعمان في النجف
    الأشرف

    التحقيق في نفي التحريف
    ( 1 ) السيد علي الميلاني
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيّبين الطاهرين ،
    ولعنة الله على أعدائهم أجمعين ، من الأولين والآخرين .
    أمّا بعد ،
    فإنّ الله عزّ وجلّ أرسل نبيّه العظيم صلّی الله عليه وآله وسلّم « بِالْهُدَىٰ وَدِينِ
    الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » (1) وأنزل عليه القرآن « حجّة الله على
    خلقه ، أخذ عليه ميثاقهم ، وارتهن عليهم أنفسهم ، أتمّ نوره ، وأكمل به دينه » (2) .
    وكما كتب سبحانه لدينه الخلود ، لكونه خير الأديان وأتمّها وقال : « وَمَن يَبْتَغِ
    غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ » (3) كذلك تعهّد بحفظ
    القرآن الذي وصفه أمير المؤمنين عليه السلام بأنّه « أثافي الإسلام وبنيانه » (4) حيث
    قال « إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » (5) .
    وكان النبي صلّی الله عليه وآله يعلّم الناس القرآن ، وينظّم اُمور المجتمع على
    ____________________________
    (1) سورة التوبة 9 : 33 .
    (2) نهج البلاغة ـ فهرسة صبحي الصالح ـ : 265 / 183 .
    (3) سورة آل عمران 3 : 85 .
    (4) نهج البلاغة : 315 / 198 .
    (5) سورة الحجر 9 : 15 .


    ضوء تعاليمه ، فكان كلّما نزل عليه الوحي حفظ الآية الكريمة أو السورة المباركة ، وأمر
    الكتبه بكتابتها ثمّ أبلغها الناس ، وأقرأها القرّاء واستحفظهم إيّاها ، وهم يقومون
    بدورهم بنشر ماحفظوه ووعوه ، وتعليمه لسائر المسلمين حتى النساء والصبيان .
    وهكذا كانت الآيات تحفظ بألفاظها ومعانيها ، وكانت أحكام الإسلام
    وتعاليمه تنشر وتطبّق في المجتمع الإسلامي .
    غير أنّه صلّی الله عليه وآله كان يُلقي إلى سيّدنا أمير المؤمنين عليه السلام
    ـ إبتداءً أو كلّما سأله ـ تفسير الآيات وحقائقها ، والنسب الموجودة فيما بينها ، من المحكم
    والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، والمطلق والمقيّد ، والمجمل والمبيّن ، إلى غير ذلك . . .
    يقول عليه السلام :
    « وقد علمتم موضعي من رسول الله صلّی الله عليه وآله بالقرابة القريبة ،
    والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا ولد ، يضمّني إلى صدره ويكنفني في
    فراشه ، ويمسّني جسده ، ويشمّني عرفه ، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه ، وما وجد لي
    كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل ، ولقد قرن الله به صلّی الله عليه وآله من لدن أن كان
    فطيماً أعظم ملك من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ، ليله
    ونهاره ، ولقد كنت أتبعه اتّباع الفصيل أثر اُمّه ، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً
    ويأمرني بالإقتداء به .
    ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء ، فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد
    يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلّی الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى
    نور الوحي والرسالة ، وأشم ريح النبوة ، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه
    صلّی الله عليه وآله ، فقلت : يا رسول الله ما هذه الرنّة ؟ فقال : هذا الشيطان قد أيس من
    عبادته ، إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى ، إلّا أنّك لست بنبيّ ، ولكنّك لوزير ،
    وإنّك لعلى خير . . . » (6) .
    وبذلك توفّرت في شخصه ـ دون غيره ـ الأعلمية بالكتاب والسنّة ، التي هي
    من اُولى الصفات المؤهّلة للإمامة وقيادة الاُمّة بعد النبي صلّی الله عليه وآله .
      
    ____________________________
    (6) نهج البلاغة : 300 / 192

    وتوفّي النبي صلّی الله عليه وآله ، وتقمّص الّذين كان يلهيهم الصفق
    بالأسواق عن تعلّم القرآن وأحكام الدين ـ حتى أبسط مسائله اليومية ـ الخلافة ، وآل
    أمرها إلى ما آل إليه . . . فقام سيّدنا أمير المؤمنين عليه السلام مقام النبي صلّى الله عليه
    وآله في حفظ الكتاب والسنّة وتعليمهما الناس ، والترغيب فيهما ، والحثّ عليهما . . .
    فهو من جهة يبادر إلى جمع القرآن مضيفاً إليه ما سمعه من النبي صلّی الله عليه وآله
    حول آياته من التفسير والتأويل وغير ذلك ، ويدرّس جماعة من أهل بيته وأصحابه
    ومشاهير الصحابة ممّا وعاه عن النبي صلّی الله عليه وآله من علوم الكتاب والسنّة ،
    حتى كان من أعلامهم الحسن والحسين عليهما السلام ، وعبد الله بن العبّاس ، وعبد الله
    بن مسعود ، وأمثالهم .
    ومن جهة اُخرى يراقب ما يصدر عن الحكّام وغيرهم عن كثب ، كي ينفي
    عن الدين تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين .
    فكان عليه السلام المرجع الأعلى لعموم المسلمين في جميع اُمورهم الدينية حتى
    اضطرّ بعض أعلام الحفّاظ إلى الإعتراف بذلك وقال : « وسؤال كبار الصحابة له ،
    ورجوعهم إلى فتاواه وأقواله ، في المواطن الكثيرة ، والمسائل المعضلات ، مشهور » (7) .
    وهكذا . . . كان سعي أمير المؤمنين عليه السلام في حفظ القرآن بجميع معاني
    الكلمة ، وهكذا كان غيره من أئمّة أهل البيت عليهم السلام .
    وكان الإهتمام بالقرآن العظيم من أهمّ أسباب تقدّم الإسلام ورقيّ
    المسلمين ، كما كان التلاعب بالعهدين من أهم الاُمور التي أدّت إلى انحطاط اليهود
    والنصارى ، فأصبح الهجوم على القرآن نقطة التلاقي بين اليهود والنصارى والمناوئين
    للإسلام والمسلمين ، لأنّهم إن نجحوا في ذلك فقد طعنوا الإسلام في الصميم .
    لكن الله سبحانه قد تعهّد بحفظ القرآن وأن « لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا
    مِنْ خَلْفِهِ » (Cool فاندحروا في جميع الميادين صاغرين ، والحمدلله ربّ العالمين .
    لكنّ « اُسطورة تحريف القرآن » مازالوا يردّدونها بين حين وآخر ، وعلى لسان
    بعض الكتّاب المتظاهرين باسم الإسلام وياللأسف ، يستأجرونهم لتوجيه الضربة إلى
    ____________________________
    (7) تهذيب الأسماء واللغات ، للحافظ النووي 1 : 346 .
    (Cool سورة فصّلت 41 : 42 .


    القرآن والإسلام من الداخل ، ولإلقاء الفتنة فيما بينهم ، ولذا تراهم ـ في الأغلب ـ اُناساً
    حاقدين على آل البيت ومذهبهم وأتباعهم .
    ونحن في هذا البحث تعرضنا لهذه « الاُسطورة » وكأنّها « مسألة » جديرة
    بالبحث والتعقيب والتحقيق ، ودرسنا كل ما قيل أو يمكن أن يقال في هذا الباب
    دراسة موضوعية ، فوجدنا الأدلة على نفي التحريف من الكتاب والسنة ـ وغيرهما ـ
    كثيرة وقويمة ، وليس في المقابل إلّا روايات غير صالحة لمعارضة تلك الأدلة ، إن لم تكن
    ضعيفة أو قابلة للحمل على بعض الوجوه
    إنّ القول بعدم تحريف القرآن هو مذهب المسلمين عامة ، لكن المشكلة هي أنّ
    أكثر هذه الروايات مخرّجة في الكتب الموصوفة بـ « الصحة » عن أهل السنّة ، مسندة إلى
    جماعة من الصحابة ، وعلى رأسهم من اعترف منهم بأنّ « كل الناس أفقه منه حتى
    ربّات الحِجال » . . . لكن الحقّ عدم صحّة تلك الأحاديث أيضاً ، وأنّ تلك الكتب
    ـ كغيرها ـ تشتمل على أباطيل وأكاذيب ، وسندلّل على ذلك في موضعه إن شاء الله .
    فإلى القرّاء الكرام الحلقة الاُولى من هذا البحث الذي كتبته قبل خمسة عشر
    عاماً تقريباً ، ووضعته في بابين ، عنوان أحدهما : الشيعة والتحريف ، وعنوان الآخر :
    أهل السنّة والتحريف ، وفي كل باب فصول . . .
    وأسأل الله أن يوفّقنا جميعاً لما فيه رضاه ، إنّه سميع مجيب .


    الباب الأول
    الشيعة والتحريف
    الفصل الأول
    كلمات أعلام الشيعة في نفي التحريف
    من الواضح أنّه لا يجوز إسناد عقيدة أو قول إلى طائفة من الطوائف إلّا على ضوء
    كلمات أكابر علماء تلك الطائفة ، وبالإعتماد على مصادرها المعتبرة .
    ولقد تعرّض علماء الشيعة منذ القرن الثالث إلى يومنا الحاضر لهذا الموضوع في
    كتبهم في عدّة من العلوم ، ففي كتب الإعتقادات يتطرّقون إليه حيثما يذكرون الإعتقاد
    في القرآن الكريم ، وفي كتب الحديث حيث يعالجون الأحاديث الموهمة للتحريف
    بالنظر في أسانيدها ومداليلها ، وفي بحوث الصلاة من كتب الفقه باعتبار وجوب قراءة
    سورة كاملة من القرآن في الصلاة بعد قراءة سورة الحمد ، وفي كتب اُصول الفقه حيث
    يبحثون عن حجّيّة ظواهر ألفاظ الكتاب .
    وهم في جميع هذه المواضع ينصّون على عدم نقصان القرآن الكريم ، وفيهم من
    يصرح بأنّ من نسب إلى الشيعة أنّهم يقولون بأنّ القرآن أكثر من هذا الموجود بين
    الدفّتين فهو كاذب ، وفيهم من يقول بأنّ عليه إجماع علماء الشيعة بل المسلمين ، وفيهم من
    يستدلّ على النفي بوجوه من الكتاب والسنّة وغيرهما ، بل لقد أفرد بعضهم هذا
    الموضوع بتأليف خاص .
    وعلى الجملة ، فإنّ الشيعة الإمامية تعتقد بعدم تحريف القرآن ، وأنّ الكتاب
    الموجود بين أيدينا هو جميع ما أنزله الله عزّ وجلّ على نبيّنا محمد صلّی الله عليه وآله وسلّم
    من دون أيّ زيادة أو نقصان .
    هذه عقيدة الشيعة في ماضيهم وحاضرهم ، كما جاء التصريح به في كلمات
    كبار علمائها ومشاهير مؤلفيها ، منذ أكثر من ألف عام حتى العصر الأخير .
    يقول الشيخ محمد بن علي بن بابويه القمي ، الملقّب بالصدوق ـ المتوفّى سنة
    381 ـ : « إعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله على نبيّه صلّی الله عليه وآله هو ما



    بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس بأكثر من ذلك . . . ومن نسب إلينا أنّا نقول
    إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب » (9) .
    ويقول الشيخ محمد بن محمد بن النعمان ، الملقّب بالمفيد ، البغدادي ـ المتوفّى
    سنة 413 ـ : « وقد قال جماعة من أهل الإمامة : إنّه لم ينقص من كلمة ، ولا من آية ،
    ولا من سورة ، ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من
    تأويله ، وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة
    كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز .
    وعندي أنّ هذا القول أشبه من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن
    على الحقيقة دون التأويل ، وإليه أميل والله أسأل توفيقه للصواب » (10) .
    ويقول الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي ، الملقّب بعلم الهدى
    ـ المتوفّى سنة 436 ـ : « إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان ، والحوادث الكبار
    والوقائع العظام ، والكتب المشهورة ، وأشعار العرب المسطورة ، فإنّ العناية اشتدّت
    والدواعي توفّرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حدٍّ لم يبلغه في ماذكرناه ، لأنّ القرآن
    معجزة النبوّة ، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في
    حفظه وحمايته الغاية ، حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه
    وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيَّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد ؟ ! » .
    وقال : « إنّ العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته ،
    وجرى ذلك مجرى ماعلم ضرورةً من الكتب المصنّفة ككتابي سيبويه والمزني ، فإنّ
    أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من جملتها ، حتى لو أنّ مُدخلاً
    أدخل في كتاب سيبويه باباً في النحو ليس من الكتاب لعُرِف ومُيّز ، وعلم أنّه ملحق
    وليس في أصل الكتاب ، وكذلك القول في كتاب المزني ، ومعلوم أنّ العناية بنقل
    القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء » .
    وقال : « إنّ القرآن كان على عهد رسول الله صلّی الله عليه وآله مجموعاً مؤلّفاً
    على ما هو عليه الآن . . . » .
    ____________________________
    (9) الإعتقادات للشيخ الصدوق ـ مطبوع مع « النافع يوم الحشر » للمقداد السيوري ـ : 93 ـ مخطوط ـ .
    (10) أوائل المقالات في المذاهب المختارات : 55 ـ 56 .

    « واستدلّ على ذلك بأن القرآن كان يُدرّس ويُحفظ جميعه في ذلك الزمان ،
    حتى عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له ، وأنّه كان يعرض على النبي صلّى
    الله عليه وآله وسلّم ويتلى عليه ، وأنّ جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود واُبيّ بن
    كعب وغيرهما حتموا القرآن على النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم عدّة ختمات .
    كل ذلك يدلّ بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتورٍ ولا مبثوث » .
    « وذكر أنّ من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتدّ بخلافهم ، فإنّ
    الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث ، نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا
    بصحّتها ، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته » (11) .
    ولقد عرف واشتهر هذا الرأي عن الشريف المرتضى حتى ذكر ذلك عنه كبار
    علماء أهل السُنّة ، وأضافوا أنّه كان يُكَفِّر من قال بتحريف القرآن ، فقد نقل ابن حجر
    العسقلاني عن ابن حزم قوله فيه : « كان من كبار المعتزلة الدعاة ، وكان إمامياً ، لكنّه
    يكفّر من زعم أنّ القرآن بُدّل أو زيد فيه ، أو نقص منه ، وكذا كان صاحباه أبو القاسم
    الرازي وأبويعلى الطوسي » (12) .
    ويقول الشيخ محمد بن الحسن أبو جعفر الطوسي ، الملقّب بشيخ الطائفة
    ـ المتوفّى سنة 460 ـ في مقدّمة تفسيره : « والمقصود من هذا الكتاب علم معانيه وفنون
    أغراضه ، وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق به أيضاً ، لأنّ الزيادة فيه مجمع
    على بطلانها ، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق
    بالصحيح عن مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى ـ رحمه الله تعالى ـ وهو الظاهر من
    الروايات .
    غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي
    القرآن ، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ولا
    عملاً ، والأوْلى الإعراض عنها وترك التشاغل بها لأنّه يمكن تأويلها ، ولو صحّت لما كان
    ذلك طعناً على ما هو موجود بين الدفّتين ، فإنّ ذلك معلوم صحّته لا يعترضه أحد من
    ____________________________
    (11) نقل هذا في مجمع البيان 1 : 15 ، عن المسائل الطرابلسيات للسيد المرتضى .
    (12) لسان الميزان 4 : 224 ، ولا يخفى ما فيه من الخلط والغلط .


    الاُمّة ولا يدفعه » (13) .
    ويقول الشيخ الفضل بن الحسن أبو علي الطبرسي ، الملقّب بأمين الإسلام
    ـ المتوفّى سنة 548 ـ ما نصّه : « . . . ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ، فإنّه
    لا يليق بالتفسير ، فأمّا الزيادة فمجمع على بطلانها ، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من
    أصحابنا وقوم من حشوية العامة : إنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً . . .
    والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، وهو الذي نصره المرتضى ـ قدّس الله
    روحه ـ واستوفى الكلام فيه غاية الإستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات » (14) .
    والقول بعدم التحريف لازم كلام الشيخ الحسن بن يوسف ، الشهير بالعلّامة
    الحلّي ـ المتوفّى سنة 726 ـ في كتابه « نهاية الاُصول » كما سيأتي الإشارة إليه .
    ويقول الشيخ زين الدين البياضي العاملي ـ المتوفّى سنة 877 ـ في قوله تعالى
    « وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » : « أي إنّا لحافظون له من التحريف والتبديل والزيادة
    والنقصان » (15) .
    وألّف الشيخ علي بن عبد العالي الكركي العاملي ، الملّقب بالمحقّق الثاني
    ـ المتوفّى سنة 940 ـ رسالة في نفي النقيصة في القرآن الكريم ، حكاها عنه السيد محسن
    الأعرجي البغدادي في كتابه « شرح الوافية في علم الاُصول » .
    واعترض في الرسالة على نفسه بما يدلّ على النقيصة من الأخبار ، فأجاب :
    « بأنّ الحديث إذا جاء على خلاف الدليل والسُنّة المتواترة أو الإجماع ، ولم يمكن تأويله
    ولا حمله على بعض الوجوه . وجب طرحه » (16) .
    وبه صرّح الشيخ فتح الله الكاشاني ـ المتوفّى سنة 988 ـ في مقدمة تفسيره
    « منهج الصادقين » ، وبتفسير الآية « وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » .
    وهو صريح السيد نور الله التستري ، المعروف بالقاضي الشهيد ـ المستشهَد سنة
    1019 ـ في كتابه « إحقاق الحقّ » في الإمامة والكلام .
    ____________________________
    (13) التبيان في تفسير القرآن 1 : 3 .
    (14) مجمع البيان 1 : 15 .
    (15) مباحث في علوم القرآن للعلّامة الاُردوبادي ـ مخطوط ـ .
    (16) المصدر نفسه .

    ويقول الشيخ محمد بن الحسين ، الشهير ببهاء الدين العاملي ـ المتوفّى سنة
    1030 ـ : « الصحيح أنّ القرآن العظيم محفوظ عن ذلك ، زيادة كان أو نقصاناً ، ويدلّ
    عليه قوله تعالى : « وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » . وما اشتهر بين الناس من إسقاط إسم أمير المؤمنين
    عليه السلام منه في بعض المواضع مثل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ـ في
    علي ـ ، وغير ذلك فهو غير معتبر عند العلماء » (17) .
    ويقول العلّامة التوني ـ المتوفّي سنة 1071 ـ صاحب كتاب « الوافية في
    الاُصول » : « والمشهور أنّه محفوظ ومضبوط كما اُنزل ، لم يتبدّل ولم يتغيّر ، حفظه الحكيم
    الخبير ، قال الله تعالى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » .
    ويقول الشيخ محمد محسن الشهير بالفيض الكاشاني ـ المتوفّى سنة 1019 ـ بعد
    الحديث عن البزنطي ، قال : دفع إليّ أبو الحسن عليه السلام مصحفاً وقال : لا تنظر فيه ،
    ففتحته وقرأت فيه : لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا . . . فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً . . .
    قال : « لعلّ المراد أنّه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيراً
    للّذين كفروا والمشركين مأخوذة من الوحي ، لا أنّها كانت من أجزاء القرآن وعليه
    يحمل ما في الخبرين السابقين . . .
    وكذلك كلّ ماورد من هذا القبيل عنهم عليهم السلام ، فإنّه كلّه محمول على
    ما قلناه ، لأنّه لو كان تطرّق التحريف والتغيير في ألفاظ القرآن لم يبق لنا اعتماد على
    شيء منه ، إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن تكون محرّفة ومغيّرة ، وتكون على خلاف
    ما أنزله الله ، فلا يكون القرآن حجّة لنا ، وتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتّباعه والوصية
    به ، وعرض الأخبار المتعارضة عليه » .
    ثم استشهد ـ رحمه الله تعالى ـ بكلام الشيخ الصدوق المتقدّم ، وبعض
    الأخبار (18) .
    وقال في « الأصفى » بتفسير قوله تعالى « وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » : « من التحريف
    والتغيير والزيادة والنقصان » (19) .
    ____________________________
    (17) الاء الرحمن : 26 .
    (18) الوافي 2 : 273 ـ 274 .
    (19) الأصفى في تفسير القرآن : 348 .


    ويقول الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي ـ المتوفّى سنة 1104 ـ ما تعريبه :
    « إنّ من تتبّع الأخبار وتفحّص التواريخ والآثار علم ـ علماً قطعياً ـ بأنّ القرآن قد بلغ
    أعلى درجات التواتر ، وأنّ آلاف الصحابة كانوا يحفظونه ويتلونه ، وأنّه كان على عهد
    رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم مجموعاً مؤلّفاً » (20) .
    وقال الشيخ محمد باقر المجلسي ـ المتوفّى سنة 1111 ـ بعد أن أخرج الأحاديث
    الدالّة على نقصان القرآن ـ ما نصّه : « فإنْ قال قائل : كيف يصحّ القول بأنّ الذي بين
    الدفّتين هو كلام الله تعالى على الحقيقة من غير زيادة ولا نقصان وأنتم تروون عن الأئمة
    عليهم السلام أنّهم قرأوا : كنتم خير أئمّة اُخرجت للناس ، وكذلك : جعلناكم أئمّة
    وسطاً ، وقرأوا : ويسئلونك الأنفال ، وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي
    الناس ؟ .
    قيل له : قد مضى الجواب عن هذا ، وهو : إنّ الأخبار التي جاءت بذلك
    أخبار آحاد لا يقطع على الله تعالى بصحّتها ، فلذلك وقفنا فيها ولم نعدل عما في المصحف
    الظاهر على ما اُمرنا به حسب ما بيّناه .
    مع أنّه لاينكر أن تأتي القراءة على وجهين منزلتين ، أحدهما ، ما تضمّنه
    المصحف ، والثاني : ما جاء به الخبر ، كما يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على وجوه
    شتى . . . » (21) .
    وهو ظاهر كلام السيد علي بن معصوم المدني الشيرازي ـ المتوفّى سنة 1118 ـ
    في « شرح الصحيفة السجادية » فليراجع (22) .
    وإليه ذهب السيد أبو القاسم جعفر الموسوي الخونساري ـ المتوفّى سنة 1157 ـ
    في كتابه « مناهج المعارف » فليراجع .
    وقال السيد محمد مهدي الطباطبائي ، الملقّب ببحر العلوم ـ المتوفّى سنة 1212 ـ
    ما نصّه : « الكتاب هو القرآن الكريم والفرقان العظيم والضياء والنور والمعجز الباقي على
    مرّ الدهور ، وهو الحقّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من لدن
    ____________________________
    (20) انظر : الفصول المهمة في تأليف الاُمّة : 166 .
    (21) بحار الأنوار 92 : 75 .
    (22) رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد العابدين ، الروضة 42 .

    حكيم حميد ، أنزله بلسان عربيّ مبين هدى للمتقين وبياناً للعالمين . . . ـ ثم ذكر روايتي :
    القرآن أربعة أرباع ، و : القرآن ثلاثة أثلاث ، الآتيتين ، وقال ـ والوجه حمل الأثلاث
    والأرباع على مطلق الأقسام والأنواع وإن اختلف في المقدار . . . » (23) .
    وقال الشيخ الأكبر الشيخ جعفر ، المعروف بكاشف الغطاء ـ المتوفّى سنة
    1228 ـ ما نصّه : « لا ريب في أنّ القرآن محفوظ من النقصان بحفظ الملك الدّيان ، كما
    دلّ عليه صريح الفرقان وإجماع العلماء في جميع الأزمان ، ولا عبرة بالنادر وما ورد من
    أخبار النقيصة تمنع البديهة من العمل بظاهرها » (24) .
    وقال السيد محسن الأعرجي الكاظمي ـ المتوفّى سنة 1228 ـ ما ملخّصه :
    « وإنّما الكلام في النقيصة ، وبالجملة فالخلاف إنّما يعرف صريحاً من علي بن
    إبراهيم في تفسيره ، وتبعه على ذلك بعض المتأخرين تمسّكاً بأخبار آحاد رواها
    المحدّثون على غرّها ، كما رووا أخبار الجبر والتفويض والسهو والبقاء على الجنابة ونحو
    ذلك » .
    ثمّ ذكر أنّ القوم إنّما ردّوا مصحف علي عليه السلام « لما اشتمل عليه من
    التأويل والتفسير ، وقد كان عادة منهم أن يكتبوا التأويل مع التنزيل ، والذي يدلّ على
    ذلك قوله عليه السلام في جواب الثاني : ولقد جئت بالكتاب كملاً مشتملاً على
    التأويل والتنزيل ، والمحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ . فإنّه صريح في أنّ الذي
    جاءهم به ليس تنزيلاً كلّه » (25) .
    وقال السيد محمد الطباطبائي ـ المتوفّى سنة 1242 ـ ما ملخصه : « لا خلاف أنّ
    كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواتراً في أصله وأجزائه ، وأمّا في محلّه ووضعه
    وترتيبه ، فكذلك عند محقّقي أهل السنّة للقطع بأنّ العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل
    مثله ، لأنّ هذا المعجز العظيم الذي هو أصل الدين القويم والصراط المستقيم ممّا توفِّر
    الدواعي على نقل جمله وتفاصيله ، فما نقل آحاداً ولم يتواتر يُقطع بأنّه ليس من القرآن
    ____________________________
    (23) الفوائد في علم الاُصول ـ مخطوط ـ .
    (24) كشف الغطاء في الفقه ، ونقله عنه شرف الدين في أجوبة المسائل : 33 .
    (25) شرح الوافية في علم الاُصول ، وانظر له : المحصول في علم الاُصول .


    قطعاً » (26) .
    وقال الشيخ إبراهيم الكلباسي الأصبهاني ـ المتوفّى سنة 1262 ـ : « . . . إنّ
    النقصان في الكتاب ممّا لا أصل له » (27) .
    وصرّح السيد محمد الشهشهاني ـ المتوفّى سنة 1289 ـ بعدم تحريف القرآن
    الكريم في بحث القرآن من كتابه « العروة الوثقى » ، ونسب ذلك إلى جمهور
    المجتهدين (28) .
    وصرّح السيد حسين الكوه كمري ـ المتوفّى سنة 1299 ـ بعدم تحريف القرآن ،
    واستدلّ على ذلك باُمور نلخّصها فيما يلي :
    1 ـ الأصل ، لكون التحريف حادثاً مشكوكاً فيه .
    2 ـ الإجماع .
    3 ـ منافاة التحريف لكون القرآن معجزة .
    4 ـ قوله تعالى : « لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ » .
    5 ـ أخبار الثقلين .
    6 ـ الأخبار الناطقة بالأمر بالأخذ بهذا القرآن (29) .
    وإليه ذهب الشيخ موسى التبريزي ـ المتوفّى سنة 1307 ـ في « شرح الرسائل
    في علم الاُصول » .
    وأثبت عدم التحريف بالأدلّة الوافية السيد محمد حسين الشهرستاني الحائري
    ـ المتوفّى سنة 1315 ـ في رسالة له اسمها « رسالة في حفظ الكتاب الشريف عن شبهة
    القول بالتحريف » (30) .
    وقال الشيخ محمد حسن الآشتياني ـ المتوفّى سنة 1319 ـ : « المشهور بين
    المجتهدين والاُصوليّين ، بل أكثر المحدّثين عدم وقوع التغيير مطلقاً ، بل ادّعى غير واحد
    ____________________________
    (26) مفاتيح الاُصول .
    (27) إشارات الاُصول .
    (28) اُنظر : البيان في تفسير القرآن : 200 .
    (29) اُنظر : بشرى الوصول إلى أسماء علم الاُصول .
    (30) المعارف الجلية 1 : 21 .

    الإجماع على ذلك » (31) .
    وإليه ذهب الشيخ محمد حسن بن عبد الله المامقاني النجفي ـ المتوفّى سنة
    1323 ـ في كتابه « بشرى الوصول إلى أسرار علم الاُصول » .
    وبه صرّح السيد محمد باقر ، الشهير بالحُجّة الطباطبائي ـ المتوفّى سنة 1331 ـ
    في منظومته الشهيرة في علم الكلام ، المسمّاة بـ « مصباح الظلام في علم الكلام » .
    وقال الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد حسن المامقاني ـ المتوفّى سنة 1351 ـ
    بترجمة ( الربيع بن خثيم ) بعد كلام له : « فتحصّل من ذلك كلّه أنّ ما صدر من المحدّث
    النوري ـ رحمه الله ـ من رمي الرجل بضعف الإيمان ونقص العقل جرأة عظيمة كجرأته
    على الإصرار على تحريف كتاب الله المجيد . . . » (32) .
    وقال الشيخ محمد جواد البلاغي ـ المتوفّى سنة 1352 ـ ما نصّه : « ولئن
    سمعت من الروايات الشاذّة شيئاً في تحريف القرآن وضياع بعضه ، فلا تقم لتلك
    الروايات وزناً ، وقل ما يشاء العلم في اضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها
    للمسلمين ، وفيما جاءت به في رواياتها الواهية من الوهن وما ألصقته بكرامة القرآن مما
    ليس له شبه به . . . » (33) .
    فهذه طائفة من كلمات أعلام الإمامية في القرون المختلفة الصريحة في نفي
    التحريف عن القرآن الشريف . . . وهذا هو رأي آخرين منهم :
    كالشريف الرضي ، المتوفّى سنة 406 هـ .
    والشيخ ابن إدريس ـ صاحب « السرائر في الفقه » ـ ، المتوفّى سنة . . . .
    والفاضل الجواد ، من علماء القرن الحادي عشر ، في « شرح الزبدة في
    الاُصول » .
    والشيخ أبي الحسن الخنيزي ، صاحب الدعوة الإسلامية ، المتوفّى سنة
    1363 هـ .
    والشيخ محمد النهاوندي ، صاحب التفسير ، المتوفّى سنة 1371 هـ .
    ____________________________
    (31) بحر الفوائد في حاشية الفرائد في الاُصول .
    (32) تنقيح المقال .
    (33) آلاء الرحمن في تفسير القرآن : 18 .


    والسيد محسن الأمين العاملي ، المتوفى سنة 1371 ، في كتابه « الشيعة والمنار » .
    والشيخ عبد الحسين الرشتي النجفي ، المتوفّى سنة . . . ، في « كشف الإشتباه
    في مسائل جار الله » .
    والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، المتوفى سنة 1373 هـ ، في « أصل الشيعة
    واُصولها » .
    والسيد عبد الحسين شرف الدين العاملي ، المتوفّى سنة 1381 هـ ، في
    « أجوبة مسائل جار الله » .
    والشيخ آغا بزرك الطهراني ، المتوفّى سنة 1389 هـ ، في رسالته في « نفي
    التحريف عن القرآن الشريف » .
    والسيد محمد هادي الميلاني ، المتوفّى سنة 1395 ، في فتوى له .
    والسيد محمد حسين الطباطبائي ، المتوفّى سنة 1402 هـ ، في تفسيره الشهير
    « الميزان في تفسير القرآن » .
    وقد تعرّض لهذا الموضوع : السيد أبو القاسم الخوئي دام ظلّه في كتابه « البيان
    في تفسير القرآن » .
    ولو أردنا أن ننقل كلمات هؤلاء الأعاظم من علماء الشيعة في هذا المضمار
    لطال بنا المقام ، فمثلاً يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء :
    « وإنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه
    للإعجاز والتحدّي ولتعليم الأحكام وتمييز الحلال من الحرام ، وإنّه لا نقص فيه ولا
    تحريف ولا زيادة ، وعلى هذا إجماعهم .
    ومن ذهب منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى وجود نقص فيه أو
    تحريف فهو مخطئ يردّه نصّ الكتاب العظيم ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) .
    والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه ضعيفة
    شاذّة ، وأخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً ، فأمّا أن تؤوّل بنحو من الأعتبار أو يضرب
    بها الجدار » (34) .
    ____________________________
    (34) أصل الشيعة واُصولها 101 ـ 102 ، ط 15 .

    ويقول السيد شرف الدين : « المسألة الرابعة : نسب إلى الشيعة القول بتحريف
    القرآن بإسقاط كلمات وآيات . . .
    فأقول : نعوذ بالله من هذا القول ، ونبرأ إلى الله تعالى من هذا الجهل ، وكل من
    نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا أو مفتر علينا ، فإنّ القرآن العظيم والذكر الحكيم
    متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته تواتراً قطعياً عن
    أئمّة الهدى من أهل البيت عليهم السلام لا يرتاب في ذلك إلّا معتوه ، وأئمّة أهل
    البيت كلّهم أجمعون رفعوه إلى جدّهم رسول الله صلّی الله عليه وآله عن الله تعالى ، وهذا
    أيضاً ممّا لا ريب فيه .
    وظواهر القرآن الحكيم فضلاً عن نصوصه أبلغ حجج الله تعالى ، وأقوى أدلّة
    أهل الحقّ بحكم الضرورة الأوليّة من مذهب الإماميّة ، وصحاحهم في ذلك متواترة
    من طريق العترة الطاهرة ، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الصحاح المخالفة للقرآن
    عرض الجدار ولا يأبهون بها ، عملاً بأوامر أئمّتهم عليهم السلام .
    وكان القرآن مجموعاً أيام النبي صلّی الله عليه وآله على ما هو عليه الآن من
    الترتيب والتنسيق في آياته وسوره وسائر كلماته وحروفه ، بلا زيادة ولا نقصان ،
    ولا تقديم ولا تأخير ، ولا تبديل ولا تغيير .
    وصلاة الإمامية بمجرّدها دليل على ذلك ، لأنّهم يوجبون بعد فاتحة الكتاب
    ـ في كلّ من الركعة الاُولى والركعة الثانية من الفرائض الخمس ـ سورة واحدة تامّة غير
    الفاتحة من سائر السور ، ولا يجوز عندهم التبعيض فيها ولا القِران بين سورتين على
    الأحوط ، وفقههم صريح بذلك ، فلولا أنّ سور القرآن بأجمعها كانت زمن النبي
    صلّی الله عليه وآله على ما هي الآن عليه في الكيفية والكميّة ما تسنّى لهم هذا القول ،
    ولا أمكن أن يقوم لهم عليه دليل .
    أجل ، إنّ القرآن عندنا كان مجموعاً على عهد الوحي والنبوّة ، مؤلَّفاً على ما هو
    عليه الآن ، وقد عرضه الصحابة على النبي صلّی الله عليه وآله وتلوه عليه من أوله إلى
    آخره ، وكان جبرائيل عليه السلام يعارضه صلّی الله عليه وآله بالقرآن في كل عام مرّة ،
    وقد عارضه به عام وفاته مرّتين ، وهذا كلّه من الاُمور الضرورية لدى المحقّقين من علماء
    الإمامية ، ولا عبرة ببعض الجاحدين منهم ، كما لا عبرة بالحشويّة من أهل السُنّة



    القائلين بتحريف القرآن والعياذ بالله فإنّهم لا يفقهون .
    نعم ، لا تخلو كتب الشيعة وكتب السُنّة من أحاديث ظاهرة بنقص القرآن غير
    أنّها ممّا لا وزن لها عند الأعلام من علمائنا أجمع ، لضعف سندها ، ومعارضتها بما هو
    أقوى منها سنداً ، وأكثر عدداً ، وأوضح دلالة ، على أنّها من أخبار الآحاد ، وخبر الواحد
    إنّما يكون حجّة إذا اقتضى عملاً ، وهذه لاتقتضي ذلك ، فلا يرجع بها عن المعلوم
    المقطوع به ، فليضرب بظواهرها عرض الحائط » (35) .
    وسئل السيد محمد هادي الميلاني عن رأيه في المسألة فأجاب بما معرّبه :
    « بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمدلله وسلام على عباده الّذين اصطفى ، إنّ الذي
    نقطع به هو عدم وقوع أيّ تحريف في القرآن الكريم ، لا زيادةً ولا نقصاناً ولا تغييراً في
    ألفاظه ، ولو جاء في بعض الأحاديث ما يفيد التحريف فإنّما المقصود من ذلك ما وقع
    من تغيير معاني القرآن حسب الآراء السقيمة والتأويلات الباطلة ، لا تغيير ألفاظه
    وعباراته .
    وأمّا الروايات الدالّة على سقوط آيات أو سور من هذه المعجزة الخالدة فمجهولة
    أو ضعيفة للغاية ، بل إنّ تلك الآيات والسور المزعومة ـ كالسورتين اللتين رواهما في
    « الإتقان » أو تلك السورة التي رويت في « بستان المذاهب » ، وكذا ما جاء في غيرهما
    من الكتب ـ هي وحدها تكشف عن حقيقتها ، إذ لا يشكّ الخبير بعد عرضها على
    اُسلوب القرآن البلاغي في كونها مختلقة باطلة .
    هذا على أنّ أحداً لم يقل بالزيادة ، والقول بنقصانه ـ كما توهّمه بعضهم ـ
    لا يمكن الركون إليه ، لا سيما بعد الإلتفات إلى قوله تعالى « إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ » وقوله
    تعالى « وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » وقوله تعالى « لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ » إلى
    غيرها من الآيات .
    وبهذا الذي ذكرنا صرّح كبار علماء الإمامية منذ الطبقات الاُولى كالشيخ
    المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي والشيخ الطبرسي ، وهم جميعاً يعتقدون بما
    صرّح به رئيس المحدّثين الشيخ الصدوق في كتاب « الإعتقادات » الذي ألّفه قبل أكثر
    ____________________________
    (35) أجوبة مسائل جار الله : 28 ـ 37 ، وانظر له : الفصول المهمة .

    من ألف سنة حيث قال : « إعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمد
    صلّی الله عليه وآله هو ما بين الدّفتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس بأكثر من
    ذلك » إلى أن قال « ومن نسب إلينا أنّا نقول أنّه أكثر من ذلك فهو كاذب » .
    والحاصل : إنّ من تأمّل في الأدلّة وراجع تأريخ اهتمام المسلمين في حياة
    الرسول صلّی الله عليه وآله وبعده بضبط القرآن وحفظه ودراسته يقطع أنّ سقوط الكلمة
    الواحدة منه محال .
    ولو أنّ أحداً وجد حديثاً يفيد بظاهره التحريف وظنّ صحّته فقد أخطأ ، وانّ
    الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً » (36) .
    والسيد أبو القاسم الخوئي ـ أدام الله ظلّه ـ بعد أن ذكر أسماء بعض النافين
    للتحريف من أعلام الإمامية قال : « والحقّ بعد هذا كلّه ، إنّ التحريف بالمعنى الذي
    وقع النزاع فيه غير واقع في القرآن أصلاً بالأدلّة التالية . . . » (37) ثمّ بيّن أدلّة النفي من
    الكتاب والسُنّة وغيرهما .
    وللسيد محمد حسين الطباطبائي بحث في « أنّ القرآن مصون عن التحريف » في
    فصول ، أورده في تفسيره القيّم ، في ذيل تفسير قوله تعالى : « إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
    لَحَافِظُونَ » . (38) .







    ____________________________
    (36) طبعت هذه الفتوى في مقدمة مصحف طبعه بعض الإمامية في الباكستان .
    (37) البيان في تفسير القرآن : 207 .
    (38) الميزان في تفسير القرآن ج 12 .



    الفصل الثاني
    أدلة الشيعة على نفي التحريف
    ذكرنا في الفصل الأول كلمات لأعلام الإمامية في نفي التحريف عن القرآن
    الكريم ، وقد جاء في بعض تلك الكلمات ـ التي ذكرناها على سبيل التمثيل لا
    الإستقراء والحصر ـ الإستدلال بوجوه عديدة على ما ذهبوا إليه .
    والواقع انّ الأدلة الدالّة على عدم وجود النقص في القرآن الكريم هي من القوّة
    والمتانة ، بحيث يسقط معها ما دلّ على التحريف بظاهرها عن الإعتبار لو كان معتبراً
    ومهما بلغ في الكثرة ، ويبطل القول بذلك حتى لو ذهب إليه أكثر العلماء .
    وقد عقدنا هذا الفصل لإيراد تلك الأدلة بإيجاز .
    ( 1 )
    آيات من القرآن الكريم
    والقرآن الكريم فيه تبيان لكل شيء ، وما كان كذلك كان تبياناً لنفسه
    أيضاً ، فلنرجع إليه لنرى هل فيه دلالة على نقصانه أو بالعكس .
    أجل إنّ في القرآن الحكيم آيات تدل بوضوح على صيانته من كلّ تحريف ،
    وحفظه من كل تلاعب ، فهو ينفي كل اشكال التصرّف فيه ، ويعلن أنّه لا يصيبه ما
    يشينه ويحط من كرامته حتى الأبد .
    وتلك الآيات هي :
    1 ـ قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ
    خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
    بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ
    مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ » (39) .
    واذا كان القرآن العظيم لا يأتيه « الباطل » من بين يديه ولا من خلفه فإنّ من
    ____________________________
    (39) سورة حم السجدة ( فصلت ) 41 : 40 ـ 41 .

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تراثنا العدد6 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تراثنا العدد6   تراثنا العدد6 Emptyالجمعة نوفمبر 08, 2024 6:57 am

    أظهر مصاديق « الباطل » هو « وقوع النقصان فيه » .
    فهو إذاً مصون من قبل الله تعالى عن ذلك منذ نزوله إلى يوم القيامة .
    2 ـ قوله تعالى : « إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » (40) .
    والمراد من « الذِّكْرَ » في هذه الآية الكريمة على الأصح هو « القرآن العظيم »
    فالله سبحانه أنزله على نبيّه الكريم ، وتعهّد بحفظه منذ نزوله الى الأبد من كل ما يتنافى
    وكونه منهاجاً خالداً في الحياة ودستوراً عاماً للبشرية جمعاء .
    ومن الواضح انّ من أهم ما يتنافى وشأن القرآن العظيم وقدسيته الفذة وقوع
    التحريف فيه وضياع شيء منه على الناس ، ونقصانه عما أنزله عزوجل على نبيّه
    صلّی الله عليه وآله وسلّم .
    3 ـ قوله تعالى : « لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا
    قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ » (41) .
    فعن ابن عباس وغيره في قوله تعالى : « إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ » انّ المعنى : إنّ
    علينا جمعه ، وقرآنه عليك حتى تحفظه ويمكنك تلاوته ، فلاتخف فوت شيء منه (42) .
        
    ( 2 )
    الأحاديث عن النبي والأئمّة عليهم السلام
    والمصدر الثاني من مصادر الأحكام والعقائد الإسلاميّة هو السنّة النبوية
    الشريفة الواصلة إلينا بالطرق والأسانيد الصحيحة .
    ولذا كان على المسلمين أن يبحثوا في السنّة عما لم يكن في الكتاب ، وأن يأخذوا
    منها تفسير ما أبهمه وبيان ما أجمله ، فيسيروا على منهاجها ، ويعملوا على وفقها ، عملاً
    بقوله سبحانه « مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا » (43) وقوله تعالى
    ____________________________
    (40) سورة الحجر 15 : 9 .
    (41) سورة القيامة 75 : 16 ـ 19 .
    (42) مجمع البيان للطبرسي 5 : 397 .
    (43) سورة الحشر 59 : 7 .


    « وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ » (44) .
    وعلی هذا فإنّا لما راجعنا السنّة وجدنا الأحاديث المتكثرة الدالّة بأقسامها
    العديدة على إنّ القرآن الكريم الموجود بين أيدينا هو ما اُنزل على النبي صلّى الله عليه
    وآله وسلّم من غير زيادة ونقصان ، وانه كان محفوظاً مجموعاً على عهده ، صلّى الله عليه
    وآله وسلّم وبقي كذلك حتى الآن ، وانّه سيبقى على ما هو عليه إلى الأبد .
    وهذه الأحاديث على أقسام وهي :
    القسم الأول
    أحاديث العرض على الكتاب
    لقد جاءت الأحاديث الصحيحة تنصّ على وجوب عرض الخبرين المتعارضين
    بل مطلق الأحاديث على القرآن الكريم ، فما وافق القرآن اُخذ به وما خالفه اُعرض عنه ،
    فلولا أنّ سور القرآن وآياته مصونة من التحريف ومحفوظة من النقصان ما كانت هذه
    القاعدة التي قررها الأئمّة من أهل البيت الطاهرين آخذين إياها من جدهم رسول الله
    صلّی الله عليه وآله وسلّم ولا امكن الركون إليها والوثوق بها .
    ومن تلك الأحاديث المذكورة :
    قول الإمام الرضا عليه السلام : « . . . فما ورد عليكم من خبرين مختلفين
    فاعرضوهما على كتاب الله ، فما كان في كتاب الله موجوداً حلالاً أو حراماً فاتبعوا ما
    وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن النبي صلّى الله عليه
    وآله . . . » (45) .
    وقول الإمام الصادق عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام : « إنّ على كلّ
    حق حقيقة وعلى كل صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله
    فدعوه » (46) .
    وقول الإمام الهادي عليه السلام : « . . . فاذا وردت حقائق الأخبار والتمست
    ____________________________
    (44) سورة النجم 53 : 3 ـ 4 .
    (45) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق 2 : 20 .
    (46) الأمالي للشيخ الصدوق : 367 .

    شواهدها من التنزيل ، فوجد لها موافقاً وعليها دليلاً ، كان الإقتداء بها فرضا لا يتعداه إلّا
    أهل العناد . . . » (47) .
    وقول الإمام الصادق عليه السلام : « إذا ورد عليكم حديثان مختلفان
    فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله
    فذروه . . . » (48) .
    وقول الإمام الصادق عليه السلام : « . . . ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب
    والسنّة ، وخالف العامّة فيؤخذ به ، ويترك ما خالف الكتاب والسنّة ووافق
    العامة . . . » (49) .
    فهذه الأحاديث ونحوها تدل على إنّ القرآن الموجود الآن هو نفس ما أنزله الله
    عزوجل على النبي ، صلّی الله عليه وآله وسلّم . من غير زيادة ولانقصان ، لانّه لو لم يكن
    كذلك لم يمكن أن يكون القرآن مرجعاً للمسلمين يعرضون عليه الاحاديث التي تصل
    إليهم عن النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم فيُعرف بذلك الصحيح ويؤخذ به ، والسقيم
    فيُعرض عنه ويُترك .
    القسم الثاني
    حديث الثقلين
    ولم تَمرّ على النبي الكريم والقائد العظيم محمد صلّی الله عليه وآله وسلّم فرصة
    إلّا وانتهزها للوصيّة بالكتاب والعترة الطاهرة والأمر باتباعهما والإنقياد لهما والتمسك
    بها .
    لذا تواتر عنه صلّی الله عليه وآله وسلّم حديث الثقلين الذي رواه جمهور علماء
    المسلمين بأسانيد متكثرة متواترة ، وألفاظ مختلفة متنوعة عن أكثر من ثلاثين صحابي
    وصحابية ، وأحد ألفاظه :
    « اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتّم بهما لن
    ____________________________
    (47) تحف العقول للحراني : 343 .
    (48) الرسائل للشيخ الأنصاري : 446 .
    (49) الرسائل للشيخ الأنصاري : 445 .


    تضلوا بعدي أبدا . . . » (50) .
    وهذا يقتضي أن يكون القرآن الكريم مدوّناً في عهده صلّی الله عليه وآله
    وسلّم بجميع آياته وسوره حتى يصح إطلاق إسم الكتاب عليه ، ولذلك تكرر ذكر
    الكتاب في غير واحد من سوره الشريفة .
    كما انّه يقتضي بقاء القرآن كما كان عليه على عهده صلّی الله عليه وآله وسلّم
    إلى يوم القيامة ، لتتمّ به ـ وبالعترة ـ الهداية الأبدية للاُمة الإسلامية والبشرية جمعاء ، ما
    داموا متمسكين بهما ، كما ينصّ عليه الحديث الشريف بألفاظه وطرقه ، وإلّا للزم القول
    بعدم علمه صلّی الله عليه وآله وسلّم بما سيكون في اُمته ، أو إخلاله بالنصح التام لاُمته ،
    وهذا لا يقول به أحد من المسلمين .
    القسم الثالث
    الأحاديث الواردة في ثواب قراءة السور في
    الصلوات وغيرها
    وقد وردت طائفة من الأحاديث في فضيلة قراءة سور القرآن الكريم في
    الصلوات وغيرها ، وثواب ختم القرآن وتلاوته في شهر رمضان وغير ذلك .
    ولو كان تطرق النقصان في ألفاظ القرآن لم يبق مجال للإعتماد على شيء من
    تلك الأحاديث والعمل بها من أجل الحصول على ما تفيده من الأجر والثواب ،
    لاحتمال أن تكون كلّ سورة أو كلّ آية محرفة عما كانت نازلة عليه .
    ومن تلك الأحاديث :
    ____________________________
    (50) حديث الثقلين من جملة الاحاديث التي لا يشك مسلم في صدورها من النبي صلّی الله عليه وآله
    وسلّم . فقد رواه عنه أكثر من ثلاثين من الصحابة واورده من علماء أهل السنّة ما يقارب الـ 500
    شخصية من مختلف طبقاتهم منذ زمن التابعين حتى عصرنا الحاضر من مؤرخين ومفسرين ومحدّثين غيرهم .
    وهذا الحديث يدل بوضوح على عصمة الأئمة من العترة ووجوب اطاعتهم وامتثال أوامرهم والاهتداء
    بهديهم في الاُمور الدينية والدنيوية ، والأخذ بأقوالهم في الأحكام الشرعية وغيرها .
    كما يدل على بقائهم وعدم خلو الأرض منهم إلى يوم القيامة كما هو الحال بالنسبة إلى القرآن .
    وقد بحثنا هذا الحديث مسنداً ودلالة في ثلاثة أجزاء من كتابنا « خلاصة عبقات الأنوار في إمامة
    الأئمة الأطهار » الذي طبع منه حتى الآن تسعة أجزاء .

    قول الإمام الباقر عن أبيه عن جده عن رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم :
    « من قرأ عشر آيات في ليلة لم يُكتب من الغافلين ، ومن قرأ خمسين آية كُتب
    من الذاكرين ، ومن قرأ مائة آية كُتب من القانتين ، ومن قرأ مائتي آية كُتب من
    الخاشعين ، ومن قرأ ثلاثمائة آية كُتب من الفائزين ، ومن قرأ خمسمائة آية كُتب من
    المجتهدين ، ومن قرأ ألف آية كُتب له قنطار . . . » (51) .
    وقول الإمام الباقر عليه السلام : « من أوْتَر بالمعوذتين ، وقل هو الله أحد قيل
    له : يا عبد الله أبشر فقد قبل الله وتِرْك » (52) .
    وقول الإمام الصادق عليه السلام : « . . . وعليكم بتلاوة القرآن ، فان
    درجات الجنّة على عدد آيات القرآن ، فاذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن إقرأ
    وارق ، فكلما قرأ آية رقى درجة . . . » (53) .
    وقول الإمام الصادق عليه السلام : « الواجب على كل مؤمن إذا كان لنا شيعة أن
    يقرأ ليلة الجمعة بالجمعة وسبح إسم ربك الأعلى . . . فاذا فعل ذلك فانما يعمل بعمل
    رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم ، وكان جزاؤه وثوابه على الله الجنة » (54) .
    وقول الإمام الباقر عليه السلام : « من ختم القرآن بمكة من جمعة إلى جمعة واقل
    من ذلك واكثر ، وختمه يوم الجمعة ، كتب الله له من الأجر والحسنات من أول جمعة
    كانت إلى آخر جمعة تكون فيها ، وان ختمه في سائر الايام فكذلك » (55) .
    إلى غير ذلك من الأحاديث وما أكثرها ، وقد ذكر الفقهاء ـ رضي الله تعالى
    عنهم ـ تفصيل ما يستحب أن يُقرأ في الصلوات الخمس من سور القرآن (56) .
    كما روى الشيخ الصدوق ـ رحمه الله تعالى ـ ثواب قراءة كلّ سورة من القرآن
    بحسب الأحاديث الواردة عن الأئمّة عليهم السلام (57) .
    ____________________________
    (51) الأمالي للشيخ الصدوق : 59 ـ 60 ، الكافي 2 : 448 .
    (52) الأمالي للشيخ الصدوق : 60 ، ثواب الاعمال للشيخ الصدوق 157 .
    (53) الأمالي 359 .
    (54) ثواب الأعمال : 146 .
    (55) ثواب الأعمال : 125 .
    (56) راجع جواهر الكلام 9 : 400 ـ 416 .
    (57) ثواب الاعمال : 130 ـ 158 .


    وبهذا القسم من الأحاديث استدل الشيخ الصدوق على ما ذهب إليه من عدم
    تحريف القرآن (58) .
    القسم الرابع
    الأحاديث الآمرة بالرجوع إلى القرآن الكريم واستنطاقه
    وهي كثيرة جداً ، نكتفي هنا منها بما جاء في كتب وخطب أمير المؤمنين عليه
    الصلاة والسلام .
    قال عليه السلام في خطبة له ينبّه فيها على فضل الرسول والقرآن :
    « أرسله على حين فترة من الرّسل ، وطول هجعة من الاُمم وانتقاض من المبرم
    فجاءهم بتصديق الذي بين يديه ، والنور المقتدى به ، ذلك القرآن .
    فاستنطقوه ولن ينطق ، ولكن اخبركم عنه ، الّا إنّ فيه علم ما يأتي ، والحديث
    عن الماضي ، ودواء دائكم ، ونظم ما بينكم » (59) .
    وقال عليه السلام :
    « واعلموا ان هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش ، والهادي الذي لا يضلّ ،
    والمحدّث الذي لا يكذب ، وما جالس هذا القرآن أحد إلّا قام عنه بزيادة أو نقصان :
    زيادة في هدى أو نقصان في عمى ، واعلموا انّه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة ، ولا
    لاحد قبل القرآن من غنى ، فاستشفوه من أدوائكم ، واستعينوا به على لأوائكم ، فإنّ
    فيه شفاء من أكبر الداء وهو الكفر والنفاق والغيّ والضلال ، فاسألوا الله به وتوجهوا
    إليه بحبه ، ولا تسألوا به خلقه ، إنّه ما توجه العباد إلى الله بمثله .
    واعلموا إنّه مشفّع مشفّع ، وقائل مصدّق ، وإنّه من شفع له القرآن يوم القيامة
    شفّع فيه ، ومن محَلَ به القرآن يوم القيامة صدق عليه ، فإنّه ينادي مناد يوم القيامة : إلّا
    إنّ كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله ، غير حرثة القرآن ، فكونوا من حرثته
    واتباعه ، واستدلّوه على ربكم ، واستنصحوه على أنفسكم ، واتهموا عليه أرائكم ،
    ____________________________
    (58) الإعتقادات للشيخ الصدوق : 93 .
    (59) نهج البلاغة : 223 / 158 .

    واستغشوا فيه أهواءكم » (60) .
    وقال عليه السلام في كتاب له إلى الحارث الهمداني ـ رضي الله عنه ـ :
    « وتمسّك بحبل القرآن واستنصحه ، واحلّ حلاله ، وحرّم حرامه . . . » (61) .
    وقال عليه السلام « ثم أنزل عليه الكتاب نوراً لاتطفأ مصابيحه ، وسراجاً
    لا يخبو توقّده وبحراً لا يدرك قعره ، ومنهاجاً لا يضل نهجه ، وشعاعاً لا يظلم ضوؤه ،
    وفرقاناً لا يخمد برهانه ، وحقاً لاتخذل أعوانه فهو معدن الإيمان وبحبوحته ، وينابيع العلم
    وبحوره ، ورياض العدل وغدرانه ، وأثافي الإسلام وبنيانه ، وأودية الحق وغيطانه ، وبحر
    لا ينزفه المستنزفون ، وعيون لا ينضبها الماتحون ، ومناهل لا يغيضها الواردون ، ومنازل
    لا يضل نهجها القاصدون ، جعله الله ريا لعطش العلماء ، وربيعاً لقلوب الفقهاء ومحاج
    لطرق الصلحاء ، ودواء ليس بعده داء ، ونوراً ليس معه ظلمة وحبلاً وثيقاً عروته ،
    ومعقلاً منيعاً ذروته ، وعزاً لمن تولّاه ، وسلماً لمن دخله ، وهدى لمن إئتمّ به ، وعذراً لمن
    إنتحله وبرهاناً لمن تكلم به ، وشاهداً لمن خاصم به ، وفلجاً لمن حاجّ به ، وحاملاً لمن
    حمله ، ومطيّة لمن أعمله ، وآية لمن توسّم ، وجُنّة لمن إستلام ، وعلماً لمن وعى ، وحديثاً
    لمن روى ، وحكماً لمن قضى » (62) .
    وقال عليه السلام : « فالقرآن آمر زاجر ، وصامت ناطق ، حجّة الله على خلقه ،
    أخذ عليهم ميثاقه ، وارتهن عليه أنفسهم ، أتم نوره ، واكمل به دينه ، وقبض نبيّه صلّى الله
    عليه وآله وسلم وقد فرغ إلى الخلق من أحكام الهدى به ، فعظّموا منه سبحانه ما عظّم
    من نفسه ، فإنه لم يخف عنكم شيئا من دينه ، ولم يترك شيئا رضيه أو كرهه ، إلّا وجعل
    له علماً بادياً وآية محكمّة تزجر عنه أو تدعو إليه . . . » (63) .
    فهذه الكلمات البليغة وامثالها تنصّ على إنّ الله تعالى جعل القرآن الكريم نوراً
    يستضاء به ، ومنهاجاً يعمل على وفقه ، وحكماً بين العباد ، ومرجعاً في المشكلات ،
    ودليلاً عند الحيرة ، ومتبعاً عند الفتنة .
    ____________________________
    (60) نفس المصدر 202 / 176 .
    (61) نفس المصدر 459 / 69 .
    (62) نفس المصدر 315 / 198 .
    (63) نهج البلاغة 265 / 183 .


    وكل ذلك يقتضي أن يكون ما بأيدينا من القرآن هو نفس القرآن الذي نزل
    على الرسول الأعظم صلّی الله عليه وآله وسلّم ، وعرفه أمير المؤمنين وسائر الأئمّة
    والصحابة والمسلمون أجمعون .
    القسم الخامس
    الأحاديث التي تتضمن تمسّك الأئمّة من أهل البيت بمختلف
    الآيات القرآنية المباركة
    وروى المحدّثون من الإماميّة أحاديث متكاثرة جداً عن الأئمّة الطاهرين
    تتضمن تمسّكهم بمختلف الآيات عند المناظرات وفي كل بحث من البحوث ، سواء في
    العقائد أو الأحكام أو المواعظ والحكم والأمثال .
    فهم عليهم السلام تمسّكوا بالآيات القرآنية « في كل باب على ما يوافق القرآن
    الموجود عندنا ، حتى في الموارد التي فيها آحاد من الروايات بالتحريف ، وهذا أحسن
    شاهد على إنّ المراد في كثير من روايات التحريف من قولهم عليهم السلام كذا نزل هو
    التفسير بحسب التنزيل في مقابل البطن والتأويل » (64) .
    القسم السادس
    الأحاديث الواردة عنهم عليهم السلام في إنّ ما بأيدي الناس
    هو القرآن النازل من عند الله
    وصريح جملة من الأحاديث الواردة عن أئمّة أهل البيت ، انهم عليهم السلام
    كانوا يعتقدون في هذا القرآن الموجود بانّه هو النازل من عند الله سبحانه على النبي
    صلّی الله عليه وآله وسلّم ، وهذه الأحاديث كثيرة ننقل هنا بعضها :
    قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام :
    « كتاب ربكم فيكم ، مبيناً حلاله وحرامه ، وفرائضه وفضائله ، وناسخه
    ومنسوخه ورخصه وعزائمه ، وخاصه وعامه ، وعبره وامثاله ، ومرسله ومحدوده ، ومحكمه
    ____________________________
    (64) الميزان في تفسير القرآن 12 : 111 .

    ومتشابهه ، مفسراً مجمله ، ومبيناً غوامضه ، بين مأخوذ ميثاق في علمه ، وموسّع على العباد
    في جهله ، وبين مثبت في الكتاب فرضه ، ومعلوم في السنّة نسخه وواجب في السنّة
    أخذه ، ومرخّص في الكتاب تركه ، وبين واجب بوقته ، وزائل في مستقبله ومباين بين
    محارمه من كبير أوعد عليه نيرانه ، أو صغير أرصد له غفرانه ، وبين مقبول في أدناه ، موسع
    في اقصاه » (65) .
    وقال عليه السلام : « أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه ؟ أم كانوا
    شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى ؟ أم أنزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصر الرسول
    صلّی الله عليه وآله وسلّم عن تبليغه وادائه ؟ والله سبحانه يقول : « مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ
    مِن شَيْءٍ » وقال : « تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ » . وذكر انّ الكتاب يصدّق بعضه بعضا ،
    وانّه لا اختلاف فيه ، فقال سبحانه : « وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا
    كَثِيرًا » وان القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق لا تفنى عجائبه ، ولا تكشف الظلمات
    إلّا به » (66) .
    وعن الريان بن الصلت قال : « قلت للرضا عليه السلام يا إبن رسول الله ما
    تقول في القرآن ؟
    فقال : كلام الله ، لا تتجاوزوه ، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلوا » (67) .
    وجاء فيما كتبه الإمام الرضا عليه السلام للمأمون في محض الإسلام وشرائع
    الدين :
    « وإنّ جميع ما جاء به محمد بن عبد الله هو الحق المبين ، والتصديق به وبجميع
    من مضى قبله من رسل الله وانبيائه وحججه .
    والتصديق بكتابه الصادق العزيز الذي « لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ
    خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ » وانه المهيمن على الكتب كلّها ، وانه حق من فاتحته إلى
    خاتمته ، نؤمن بمحكمه ومتشابهه ، وخاصه وعامه ، ووعده ووعيده ، وناسخه ومنسوخه ،
    ____________________________
    (65) نهج البلاغة 44 / 1 .
    (66) نفس المصدر 61 / 18 .
    (67) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق 2 : 57 . الأمالي 546 .


    وقصصه واخباره ، لايقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله » (68) .
    وعن علي بن سالم عن أبيه قال : « سألت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام
    فقلت له : يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن ؟
    فقال : هو كلام الله ، وقول الله ، وكتاب الله ، ووحي الله وتنزيله ، وهو الكتاب
    العزيز الذي « لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ » (69) .
    القسم السابع
    قول عمر بن الخطاب : حسبنا كتاب الله
    ومن الرزايا العظيمة والكوارث المؤلمة التي قصمت ظهر المسلمين وأدت إلى
    ضلال أكثرهم عن الهدى الذي أراده لهم الله ورسوله ، ذلك الخلاف الذي حدث عند
    رسول الله صلّی الله عليه وآله وفي اللحظات الأخيرة من عمره الشريف بين صحابته
    الحاضرين عنده في تلك الحال .
    ومجمل القضية هو : إنّ النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم لما حضرته الوفاة وعنده
    رجال من صحابته ـ فيهم عمر بن الخطاب ـ قال : هلّم أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده ،
    وفي لفظ اخر : أئتوني بالكتف والدواة ـ أو : اللوح والدواة ـ أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا
    بعده أبدا .
    فقال عمر : إنّ النبي قد غلب عليه الوجع (70) ، وعندكم القرآن ، حسبنا
    كتاب الله !
    وفي لفظ آخر : فقالوا : إنّ رسول الله يهجر . ـ من دون تصريح باسم المعارض ـ !
    فاختلف الحاضرون ، منهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا
    بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر !
    ____________________________
    (68) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق 2 : 130 .
    (69) الأمالي : 545 .
    (70) قال سيدنا شرف الدين : « وقد تصرّفوا فيه ، فنقلوه بالمعنى ، لانّ لفظه الثابت : انّ النبي يهجر لكنهم
    ذكروا انّه قال : إنّ النبي قد غلب عليه الوجع ، تهذيباً للعبارة ، واتقاء فظاعتها . . » النصّ والاجتهاد :
    143 .

    فلما اكثروا ذلك عنده صلّی الله عليه وآله وسلّم قال لهم : قوموا عنّي (71) .
    ولسنا نحن الآن بصدد محاسبة هذا الرجل لكلامه هذا الذي غيّر مجرى
    التأريخ ، وحال دون ما أراده الله والرسول لهذه الامة من الخير والصلاح والرشاد ، إلى
    يوم القيامة ، حتى إنّ ابن عباس كان يقول ـ فيما يروى عنه ـ :
    « يوم الخميس وما يوم الخميس » ثم يبكي (72) .
    وكان رضي الله عنه يقول :
    « انّ الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم وبين
    أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم » (73) .
    وانّما نريد الإستشهاد بقوله : « إن عندنا القرآن ، حسبنا كتاب الله » الصريح
    في وجود القرآن عندهم مدوّناً مجموعاً حينذاك ، ويدّل على ذلك انّه لم يعترض عليه
    أحدٌ ـ لا من القائلين قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً ، ولا من غيرهم ـ بانَّ سور القرآن
    وآياته متفرقة مبثوثة ، وبهذا تم لعمر بن الخطاب والقائلين مقالته ما أرادوا من الحيلولة
    بينه صلّی الله عليه وآله وسلّم وبين كتابة الكتاب .
      
    3 ـ الإجماع
    4 ـ تواتر القرآن
    5 ـ صلاة الإمامية
    6 ـ كون القرآن مجموعاً على عهد النبي
    7 ـ إهتمام النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم والمسلمين بالقرآن
    ( 3 )
    الإجماع
    ومن الأدلّة على عدم نقصان القرآن : إجماع العلماء في كل الأزمان (74) .
    ____________________________
    (71) راجع جميع الصحاح والمسانيد والتواريخ والسير وكتب الكلام تجد القضية باختلاف ألفاظها وأسانيدها .
    (72) صحيح البخاري 2 : 118 .
    (73) نفس المصدر ج 1 كتاب العلم .
    (74) كشف الغطاء وغيره .


    ومن المعلوم أنّ الإجماع حجّة لدى المسلمين ، امّا عند الإمامية فلأنّه كاشف
    عن رأي المعصوم عليه السلام (75) .
    ( 4 )
    تواتر القرآن
    ومن الأدلّة على عدم نقصان القرآن تواتره من طرق الإماميّة بجميع حركاته
    وسكناته ، وحروفه وكلماته ، وآياته وسوره ، تواتراً قطعياً عن الأئمّة الطاهرين
    عليهم السلام عن جدهم رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم (76) .
    فهم يعتقدون بان هذا القرآن الموجود بأيدينا هو المنزل على رسول الله صلّى الله
    عليه وآله وسلّم بلا زيادة ولا نقصان .
    ( 5 )
    صلاة الإمامية
    ومن الأدلّة على إعتقاد الإماميّة بعدم سقوط شيء من القرآن الكريم :
    صلاتهم لانّهم يوجبون قراءة سورة كاملة (77) بعد الحمد في الركعة الاُولى والثانية (78)
    من الصلوات الخمس اليوميّة من سائر سور القرآن عدا الفاتحة ، ولا يجوز عند جماعة كبيرة
    منهم القِران بين سورتين (79) .
    وصلاتهم بهذه الكيفيّة والأحكام دليل ظاهر على إعتقادهم بكون سور القرآن
    بأجمعها زمن الرسول صلّی الله عليه وآله وسلّم على ما هي عليه الآن ، والّا لما تسنى لهم
    ____________________________
    (75) يراجع بهذا الصدد كتب اُصول الفقه .
    (76) أجوبة مسائل جار الله شرف الدين ، مجمع البيان عن السيد المرتضى .
    (77) أجوبة مسائل جار الله ، وهذا هو المشهور بين الفقهاء ، بل ادعى جماعة عليه الإجماع .
    (78) أما في الثالثه والرابعة فهو بالخيار إن شاء قرأ الحمد وان شاء سبح إجماعاً ، وان اختلفوا في أفضليّة أحد
    الفردين .
    (79) جواهر الكلام والرياض وغيرهما . وقد ذكر جماعة من الفقهاء والمفسرين إستثناء سورتي ( الضحى وألم
    نشرح ) وسورتي ( الفيل والإيلاف ) من هذا الحكم ، مصرّحين بوجوبِ قران كل سورة منها بصاحبتها .

    هذا القول (80) .
    ( 6 )
    كون القرآن مجموعاً على عهد النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم
    ومن الأدلّة على عدم وجود النقص في القرآن ثبوت كونه مجموعاً على عهد
    الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم على ما هو عليه الآن من الجمع والترتيب
    والتنسيق ، وإنّ جماعة من الصحابة ختموا القرآن على عهده ، وتلوه ، وحفظوه ، يجد
    اسماءهم من راجع كتب علوم القرآن وإنّ جبرئيل كان يعارضه صلّی الله عليه وآله
    وسلّم به كل عام مرة ، وقد عارضه به عام وفاته مرتين (81) .
    وكل هذا الذي ذكرنا دليل واضح على إنّ القرآن الموجود بين أيدينا هو نفس
    القرآن الذي كان بين يدي الرسول صلّی الله عليه وآله وسلّم وصحابته على عهده فما
    بعد ، من غير زيادة ولا نقصان .
    ( 7 )
    اهتمام النبي صلّی الله عليه وآله والمسلمين بالقرآن
    وهل يمكن لأحد من المسلمين إنكار إهتمام النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم
    بالقرآن ؟
    لقد كان حريصا على نشر سور القرآن بين المسلمين بمجرد نزولها ، مؤكداً عليهم
    حفظها ودراستها وتعلّمها ، مبيناً لهم فضل ذلك وثوابه وفوائده في الدنيا والآخرة .
    فحثه صلّی الله عليه وآله وسلّم وترغيبه بحفظ القرآن في الصدور والقراطيس
    ونحوها ، وامره بتعليمه وتعلّمه رجالاً ونساءً واطفالاً مما ثبت بالضرورة بحيث لا مجال
    لإنكار المنكر وجدال المكابر .
    ____________________________
    (80) أجوبة مسائل جار الله لشرف الدين
    (81) روى ذلك عن رسول الله صلّی الله عليه واله وذكره ابن ابي الحديد في شرح النهج طبع بيروت
    2 : 863 .


    وأمّا المسلمون ، فقد كانت الدواعي لديهم لحفظ القرآن والعناية به متوفّرة ، ولذا
    كانوا يقدّمونه على غيره في ذلك ، لانّه معجزة النبوة الخالدة ومرجعهم في الأحكام
    الشرعيّة والاُمور الدينية ، فكيف يتصور سقوط شيء منه والحال هذه ؟
    نعم ، قد يقال : انّه كما كانت الدواعي متوفّرة لحفظ القرآن وضبطه وحراسته ،
    كذلك كانت الدواعي متوفّرة على تحريفه وتغييره من قبل المنافقين وأعداء الإسلام
    والمسلمين ، الذين خابت ظنونهم في أن يأتوا بمثله أو بمثل عشر سور منه أو آية من آياته .
    ولكن لا مجال لهذا الإحتمال بعد تأييد الله سبحانه المسلمين في العناية
    والإهتمام بالقرآن ، وتعهّده بحفظه بحيث «لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ،
    تنزيل من حكيم حميد» .
    للبحث صلة . . .

    معجم الرموز والإشارات
    ( 1 ) الشيخ محمد رضا المامقاني
    المقدمة والفوائد
    مقدمة
    بسم الله الرحمن الرّحيم
    لعل من أعسر ما يواجهه الباحث ، ويصطدم به المحقّق ، أو يبتلي به المبتدیء ما
    درج عليه القدماء من علمائنا ـ رضوان الله عليهم ـ في كتبهم العلمية ومؤلّفاتهم
    ومجاميعهم الحديثية من الرمز بحروف خاصة أو علامات معيّنة لبعض الأعلام أو
    الكتب المهمة أو اختصاراً لبعض الجمل والكلمات التي يكثر دورانها ، ويتكرّر ذكرها ،
    أو لبعض أصحاب الأئمة عليهم السلام ورواتهم ، أو تذكر كلمة مختصرة كالحرف الأول
    من الجملة أو الكلمة إشارة لتلك الجملة أو الكلمة ، إلى غير ذلك .
    ولا بدّ لمن يتصدّى لنشر المخطوطات وتحقيق المصادر والغور في العلوم أن يلمّ
    بفنون عديدة كعلم الخطوط ، وعلم معرفة المصادر ، وعلم اصطلاحات الناسخين
    وقواعد التحقيق ، ومصطلحات الفن الذي يبحث عنه ، ومنه رموزه وغيرها ، فضلاً عن
    إحاطته العامة بالمصطلحات الأوّلية لذلك الفن وأساليبه في التعبير والأداء ،
    وخصوصياته البديعية والبلاغية والأدبية .
    وحيث كثر الإبتلاء للمراجعين لهذه الرموز ، ووقع الخبط والخلط من بعض
    الكتاب في النقل ، بل وأصبحت تلك الرموز عند البعض طلاسم معقّدة ، ونسخت من
    الكتب المطبوعة اليوم غالباً وهجرت .


    وقد اعددت هذا المعجم مجدولاً على حروف الألفباء ، يحلّ جلّ الرموز المهمّة ،
    مع الإشارة إلى موارد الإختلاف غالباً ، بعد أن لم أجد من جمعها ولا من تصدّى
    لاستقصائها ، سوى الرسالة التي كتبها الدكتور حسين علي محفوظ باسم « العلامات
    والرموز عند المؤلّفين العرب » ، بغداد 1964 م ، والتي لم يتسنّ لي رؤيتها ، مع انّي بحثت
    عنها في المكتبات العامة هنا ، وسألت عنها أكثر من شخص واحد .
    ولكي تتمّ الفائدة وتعمّ ، ألحقت بها بعض الرموز المتداولة عند العامّة في كتبهم
    الرجالية والحديثية .
    هذا ، وتجدر الإشارة إلى أنّا حصرنا ما عددنا من الرموز كان منها متداولاً
    عند القوم وتلقّي منهم بالقبول ، أو عند بعض الأعلام حيث تنقل عباراتهم في المجاميع
    كابن داود والأردبيلي ـ قدّس سرّهما ـ من الشيعة ، وابن حجر والسيوطي من العامة ،
    مع الإذعان بأنّ هذه الرموز والإختصارات أكثر ممّا ذكر بكثير ، بل قيل انه لا سبيل
    إلى حصرها ، كما قاله الدكتور المنجّد في حاشيته على قواعد التحقيق : 21 .
    وعلى هذا فالرموز خاصة وعامة .
    وأعني بالخاصة : ما تداوله مصنّف في كتابه أو موسوعته مشيراً إلى ذلك في
    أوله أو آخره ، ولم يتابعه عليه أحد ، كشيخنا النوري ـ طاب ثراه ـ في « مستدرك
    الوسائل » في خاتمة الفائدة الخامسة من الخاتمة : 3 / 711 ـ 717 ، حيث ذكر ( 425 )
    رمزاً لجماعة من مشايخ الرواة عن شيخ الطائفة ـ أعلى الله مقامهم ـ ونظيره الشيخ
    عباس القمّي ـ رحمه الله ـ في أول سفينة البحار ، حيث عدّ ثلاثين رمزاً لمجلدات البحار ،
    والفيض الكاشاني في مقدمته الثالثة من كتابه الوافي وغيرهم .
    ولم أعقد هذا المعجم لما ذكره هؤلاء ونظراؤهم ، نعم ذكرت منهم من نقل
    كلامه في بعض الكتب مع رمزه ، كابن داود في رجاله ، والأردبيلي في جامعه ، وقد
    تعرضت إلى ذلك خاصة .
    وقد وضع العلّامة المجلسي ـ قدّس سرّه ـ في موسوعته العظيمة بحار الأنوار ثمانين
    رمزاً لأسماء المصادر التي رجع إليها ، وتابعه غيره من نقله الأخبار ، وتعرّضنا لها جميعاً .
    وعليه فقد انصبّت عنايتنا أولاً : على الإشارة إلى الرموز العامة المتداولة في أكثر من
    مصنّف ، وتلقيت بالقبول ، وثانياً : على الإعراض عن الرموز المختصة ببعض الفنون


    والعلوم ، كاللغوية وإن كثرت ، والتفسيرية وإن قلّت ، أو ما تداولته طائفة من العلماء
    بالهيئة أو الكيمياء أو علم الأعداد والحروف وغيرها ، بل غاية جهدنا كان في حلّ
    الرموز الفقهيّة والحديثيّة والرجاليّة وما تعارف عليه النسّاخ عند النسخ ، أو العلماء عند
    الإملاء .
    ولا يخفى أنّا ارتأينا أن يكون البحث مبوّباً على فصلين :
    أولهما : الرموز ، وهي الإختصارات التي سبق الحديث عنها .
    ثانيهما : الإشارات ، ونعني بها ذكر بعض الأعلام الشيعية الذين عرفوا باسم ،
    أو كنية ، أو لقب ، أو شهرة معينة ، وقد يذكرون بغيرها ، أو ينسبون إلى مصنّفاتهم أو إلى
    بلدانهم أو إلى مشايخهم وأساتذتهم ، أو غير ذلك ، وغالباً ما يغفل عن ذلك الباحث ،
    مما حدا بنا إلى ذكرهم مرتباً على حروف المعجم ، وبشكل مختصر جداً .
    ومما تجدر الإشارة إليه اختلاف أنظار جمهور العلماء في الرموز والإشارات قديماً
    وحديثاً ، سلباً وإيجاباً ، استحباباً وكراهة . فقد حبّذه القدماء جداً ، وعملوا به طراً
    لدواعٍ يمكن إجمال أهمها بما يلي :
    أولاً : اختزال الوقت كتابة وقراءة .
    ثانياً : الإقتصاد في الورق الغالي ـ آنذاك ـ والنادر .
    ثالثاً : عدم وجود الطباعة وانحصار نشر الكتب وبثّها في النسخ والإملاء .
    ولا شك أن الرمز يسهّل عملية الكتابة وسرعتها ، وقد حكى الدكتور المنجّد
    في حاشية قواعد التحقيق : 21 ، عن ابن عساكر في مقدمة كتابه « معجم
    النبل » ـ مخطوط ـ قوله : « وجعلت لكل واحد من هؤلاء حرفاً يدلّ عليه تخفيفاً على
    الكاتب العجل ـ ثم قال ـ لأن الأجزاء تنوب عن الجمل » ، وقول ابن داود في رجاله :
    ص 3 : « . . وضمّنته رموزاً تغني عن التطويل ، وتنوب عن الكثير بالقليل » .
    ومن هنا انصبت الرموز والإختصارات على الكتب والكلمات التي يكثر
    دورانها ويتكرّر ذكرها ، بل قد ترد في النصوص ألفاظ وجمل تعاد كثيراً كمثل الصلاة
    على النبي ـ صلوات الله عليه وعلى آله ـ ، والسلام على الأئمة ـ عليهم السلام ـ ،
    والترحّم والترضي بعد ذكر الرواة والعلماء ، وألفاظ التحديث والاخبار والانباء في
    الروايات وأسانيد الأحاديث ، تشتدّ الدواعي عند الأقدمين بل وحتى المتأخّرين



    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تراثنا العدد6 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تراثنا العدد6   تراثنا العدد6 Emptyالجمعة نوفمبر 08, 2024 6:59 am

    وبعض المستشرقين أيضاً على اختصار كل لفظ يكثر دورانه ويعاد ذكره ، وكذا الحال
    في اختصار أسماء المصادر التي يرجع إليها في الحواشي والهوامش .
    وقد كره قوم آخرون الرموز لا للزوم اللبس والتشويش فيها ، بل من جهة قلّة
    الأجر عليها لنقص في الكتابة ، نظير ما قاله العراقي في ألفيّته ، وتبعه السخاوي في
    شرحها : 2 / 157 ، من قول الأخير : « . . قال شيخنا : والذي يظهر أنه بعد أن شاع
    وعرف إنّما هو من جهة نقص الأجر لنقص الكتابة وإلّا فلا خرق في معرفة الإصطلاح
    بين الرمز وغيره » ، وقول المصنّف : « وهو ـ أي الإتيان به بكماله ـ أولى وأدفع
    للإلتباس» ، قد يوجّه بكون اصطلاحه في الرمز قد تسقط به الورقة أو المجلّد فيتحيّر الواقف
    عليه من مبتدیء ونحوه .
    ولا يخفى ما في كلامه ، واستحساناته .
    ثم ان جلّ المتأخّرين من العلماء أعرضوا عن هذه الرموز غالباً ، ولم يحبذوها
    دائماً ، بل نهى جمع غفير منهم عنها ، وذلك لما يقع فيها من لبس وتشويش للقاریء
    والناسخ كما مرّ ، ونعم ما فعلوا .
    ولقد أجاد الشيخ المامقاني ـ قدّس سرّه ـ في فوائده الرجاليه : 191 ، المطبوع في
    أول المجلد الأول من تنقيح المقال حيث قال : « إنّ الإنصاف أن هذا الذي تداولوه في
    كتب الرجال والأخبار من التعبير بالرموز مرجوع غايته لوجهين :
    أحدهما : إنّ من لم يكن ممارساً لها غاية الممارسة على وجه لا يفترق الحال عند
    مبين الرمز والمرموز عنه إذا أراد مراجعة حال راوٍ في كتب الرجال تعسّر عليه الأمر
    لاستلزامه مراجعة أول الكتاب في كل رمز رمز حتى يستفيد المطلب ، وذلك مشوش
    لفكره ، ولا كذلك لو كتب المرموز عنه من غير رمز ، فإنّه يستفيد المطلب من نفس
    العبارة ، وكذا الحال إذا أراد مراجعة رواية في البحار أو نقلها فإنّه يحتاج إلى مراجعة
    الرموز حتى يطلع على ان المرموز عنه أي كتاب هو ، بخلاف ما لو كتب اسم الكتاب
    من غير رمز ، وكذا الحال في اصطلاحات الوافي فإنّه كلّما رأى المطالع في أول السند
    كلمة الإثنين أو الثلاثة أو الأربعة . . وهكذا يلزمه مراجعة المقدمة الثالثة من أول
    الكتاب أو الفهرست الذي صنعه ولد صاحب الوافي حتى يفهم المراد بالكلمة ، وذلك
    يؤدّي إلى تشويش الفكر وتعسر الأمر ، ولا مصلحة في الرمز إلّا الإختصار ، ومصلحته


    لا تقابل المفسدة المزبورة ، ومن يكتب كتاباً كبيراً مثل البحار لا وجه لطلبه الإختصار
    المترتّب عليه المفسدة المزبورة » .
    وأقول : ثمة فرق بين البحار والوافي في كون اصطلاحاتهما خاصة وعامة ،
    وطلب الإختصار في الكتب الكبيرة أوجه ، لانعدام الطبع وقلّة النشر وسرعة
    الإستنساخ وغير ذلك .
    ثم قال : « وثانيهما : إنّ الرموز كثيراً ما تتشابه فيشتبه الكاتب أو المطالع فيبدل
    واحدة باُخرى ، وهذا المحذور منتفٍ في كتابة المرموز بغير رمز . . . وقد كثر في كلماتهم
    إبدال ري بدي ، فترى الرجل رمز ري ، مريداً به العسكري عليه السلام واشتبه
    المستنسخ فأبدله بدي ، الذي هو رمز الهادي عليه السلام » .
    وفي ما ذكره الكفاية (1) .
    هذا ، وإنّ عملنا في هذا البحث أولي يحتاج إلى كثير من التمحيص والتكميل ،
    ونؤمن بلزوم تتبع فيه أكثر ووقت أوسع ، خصوصاً وانه لم يطرق من قبل ، لذا نأمل من
    السادة الأفاضل والباحثين تزويدنا بما يستجدّ عندهم أو يرون من نقود أو قصور في
    الإستقراء . شاكرين لهم إرشاداتهم وتوجيهاتهم سلفاً ، والله من وراء القصد ، وهو نعم
    المولى ونعم الوكيل .







    ____________________________
    (1) ذكر الدكتور عوّاد معروف في حاشية في مقدمته على الإكمال لابن ماكولا 1 / 149 : كتاباً للمستشرق
    روزنتال باسم « مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي » عن ظهور هذه الرموز والعلامات وتصوّرها
    عند العلماء .



    فوائد
    الاُولى : تعورف وضع خط صغير على الحرف أو الكلمة الرامزة ، علامة كونها
    مختصرة .
    الثانية : قد يجمع بين حرفين أو ثلاثة للإيماء إلى أحوال عديدة ومصادر
    متعدّدة ، كما هو ديدن ابن داود في رجاله ، وغيره في غيره .
    الثالثة : قيل ؛ أول من رمز لأصحاب الأئمة عليهم السلام هو الشيخ الطوسي في
    رجاله ، وتبعه من تأخّر عنه . وليس بشيء ، إذ أنّ الشيخ ابن داود بعد أن جعل رجال
    الشيخ محطّ نظره ابتكر رموزاً واصطلح على ما فيه وتبعه من عقبه .
    الرابعة : اصطلحوا برموز اُريد بها التصحيح أو التضبيب أو التمريض في مقام
    كتابة الحديث .
    فالتصحيح : كتابة لفظ ( صح ) صغيرة على كلام صحّ رواية ومعنى ، ولكنّه
    عرضة للشك أو الخلاف أو الوهم .
    والتضبيب ـ ويسمّى التمريض أيضاً أو التشكيك ـ : وهو أن يمدّ خط أوله
    كرأس الصاد ولا يلزق بالممدود عليه ، يمدّ على ثابت نقلاً فاسد لفظاً أو معنى أو
    ضعيف ، أو فيه نقص ، بل عدّ من الناقص موضع الإرسال والإنقطاع . وربّما اقتصر
    البعض على الصاد في علامة التصحيح ، فأشبهت الضبة ، واستعمله المتأخّرون قليلاً .
    والمتعارف عليه اليوم في تصحيح المتون وضع لفظ ( كذا ) بين قوسين علامة أنه
    كذا وجده أو كذا ثبت عنده ، وهو نوع تمريض للمتن وقدح فيه . وتسمّى في اصطلاح
    المحقّقين بـ ( التكذية ) مصدراً جعلياً من ( كذا ) ، قال في وصول الأخيار : 197 :
    « والمستعمل بين المتأخّرين في عصر الشهيد وما قاربه التضبيب بباء هندية هكذا ( 2 )
    فوق الكلمة ثم يكتبون باء هندية اُخرى مثلها بإزائها على الحاشية يسهل تصحيحه إذا
    اُريد ، وهو في غاية الحسن ، وعليه عملنا في كتب الأحاديث وغيرها ، وبعضهم ينقط
    ثلاث نقط عليه ثم على الحاشيه بإزائه » .
    الخامسة : الملاحظ كثيراً أن بعض الرموز مشتركة بين أكثر من معنى واحد ،


    مثل ع : لأربعة عشر أمراً ، وم : لستة عشر أمراً ، وق : لاثني عشر أمراً ، وهكذا كما سترى .
    فمثلاً ، مل : مشترك بين كتاب كامل الزيارات وأمل الآمل ، أو ئر : لكتاب
    بصائر الدرجات والسرائر . . . وأمثال ذلك .
    فهذه تتميّز غالباً بالمنقول والموضوع المرموز له ، فإن كان في الحديث فمن الكامل
    أو البصائر ، وإن كان في أحوال الرجال فمن أمل الآمل ، وإن كان من الفقه فمن
    السرائر . . . وهكذا .
    وعلى كل فغالباً ما يعرف أمثال هذا بالقرائن الحالية والسياق ويعتمد على
    فطنة الممارس وحدسه .
    السادسة : كثيراً ما نجد بعض العلماء يخرج عن المشهور برموز خاصة ـ كما
    ذكرنا ـ فابن داود رمز لأصحاب الإمام موسى بن جعفر عليه السلام من رجال الشيخ
    بـ : م ، مع أنّ المشهور هو : ظم ، وبالنسبة إلى أصحاب الإمام الجواد عليه السلام : د ،
    والمتعارف : ج ، وهكذا .
    وقد ذكرنا أمثال هذه فيما لو نقلت رموزهم بعينها في مصنّفات الآخرين .
    السابعة : إنّ ما يوجد في حواشٍ على بعض التعليقات أو الشروح المطبوعة على
    الحجر أو المخطوطة المستقلة بالطبع من وجود خط ( ــــــــــ ) فوقه وتحته رقم كما لو قيل :
    12/5 ، فإنّ المراد من الرقم الفوقاني الصفحة الخامسة ، ومن الرقم التحتي السطر الثاني
    عشر من الكتاب المتن من النسخة المنظورة عند المعلّق أو المحشّي ، كما في نهاية الدراية في
    شرح الكفاية للشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني وغيره .
    الثامنة : ذكر بعض الأعلام أنّه كلّما ارتسم على الراوي صورة الإثنين ( 2 )
    فهي إشارة إلى تكرّر وقوع ذلك الرواي في السند ، واستند فيه إلى ما نبّه عليه العلّامة
    المجلسي في بعض حواشيه على البحار .
    أقول : يحتمل كونه إشارة إلى تعدّد الطريق إلى الراوي لو لم يكن تصريح
    بخلافه ، فتدبر !
    التاسعة : ذكر العلماء في باب آداب كتابة الحديث وغيره ، انه ينبغي عدم
    الإخلال بالصلاة والسلام بعد اسم النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ـ
    وأمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ وفاطمة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ وسائر الأئمة المعصومين



    ـ عليهم آلاف التحية والسلام ـ ، وليكن ذلك صريحاً من غير الرمز له بأمثال ـ ص ـ و ـ ع ـ ،
    ولا يسأم من تكرّره ولو في سطر واحد ، ومن غفل عنه أو تكره حرم حظاً عظيماً ، بذا
    قامت سيرة الأقدمين والأواسط من أهل الحديث والأساطين ، وهذه السيرة جارية في
    اسم الله تعالى أيضاً ، فينبغي انه إذا كتب اسمه سبحانه أتبعه بما هو لائق بشأنه من
    التعظيم والتمجيد ، وهذا مما يساعد عليه العقل وصريح بعض النصوص ، كما لا يخفى ،
    وكذا ينبغي الترحّم والترضي بعد ذكر الصحابة الأخيار والعلماء الأبرار رحمة الله عليهم
    ورضوانه .
    هذا ، وقد ذكروا كراهة الرمز بالصلاة والترضي في الكتابة كما يفعله غير أهل
    الحديث غالباً ، وهو متعارف في زماننا عامة ، بل صرح جمع بكراهة الإقتصار على
    الصلاة بدون التسليم ، وتشتدّ الكراهة في الصلاة البتراء وتسليمها ، بأن لا يذكر آل
    الرسول ـ صلى الله عليه وعليهم ـ كما تعورف عند العامة مع ما عندهم من النصوص
    الصريحة في النهي عن ذلك وذمّه .
    وقد فصّلنا الكلام في تعليقنا على المقباس ، باب آداب كتابة الحديث ،
    فلاحظ !
    العاشرة : إذا كان للحديث إسنادان أو أكثر تامّان أو ناقصان كتبوا عند
    الإنتقال من إسناد إلى إسناد : ح ، ويقال لها « حاء الحيلولة » أو « علامة التحويل »
    من إسناد إلى آخر ، فيقرأ القاریء حاء تامّة ليدل على التحويل ، قال ابن الصلاح في
    المقدّمة ص 321 : « ولم يأتنا عن أحد ممّن يُعتمد بيان لأمرها » ، وكتب جمع من
    الحفّاظ بدلاً منها : صح ، ومنع منها آخرون ، لإشعارها بكونها رمزاً للتصحيح .
    وقيل : الحاء رمز للتحول من إسناد إلى إسناد آخر .
    وقيل : لانها تحول بين الإسنادين فلا تكون من الحديث فلا يلفظ عندها
    بشيء .
    وقيل : هي رمز لقولنا : الحديث .
    وقيل : إنّ الحاء رمز عن ( صح ) ، لئلا يتوهم أن في متن الحديث سقط ،
    ولئلا يركب الإسناد الثاني على الإسناد الأول فيجعلهما واحداً .
    وجمع من مشايخ محدّثينا رضوان الله عليهم كالكليني والشيخ يكتفون بحرف


    العطف ، سواء كان السند الثاني تاماً أم ناقصاً .
    وكثيراً ما نجد في الفهارس والمعاجم قولهم « بالإسناد الأول » وهذا يفيد
    فائدة حاء الحيلولة .
    الحادية عشره : قد ذكر جمع غفير أنه قد غلب على كتّاب الأحاديث الإقتصار
    على الرمز في حدّثنا وأخبرنا ، وشاع بحيث لا يخفى على أحد منهم فيكتبون في حدّثنا :
    ثناء ، أو : نا ، أو : دنا . وفي أخبرنا : أنا ، أو : أنبا ، أو : بنا . وفصّلناه في المعجم .
    وأما كتابة ( ح ) في حدّثنا و ( أخ ) في أخبرنا فهو مما أحدثه بعض العجم ،
    وليس من اصطلاح أهل الحديث ، كما صرّح به الدربندي في درايته : 33 ـ خطّي ـ وغيره .
    وهذا واضح لمن تتبع صحاح العامة ومسانيدهم والنسخ المقروءة علی
    المشايخ ، وليس الأمر في كتبنا علی نمط ما ذكروه إلّا في بعض النسخ القديمة .
    نعم ، ما فعله عامّة محدّثينا كابن بابويه والشيخ الطوسي ـ رحمهما الله تعالى ـ
    وأمثالهما من ذكر الرجل فقط من غير « حدثنا » ، ولا « أنبأنا » ولا الرمز له ، فإنّما
    يفعلونه في الأكثر في أعالي السند إذا حذفوا أوله للعلم به ، فيكون المعني عن محمد بن
    يحيى مثلاً :
    فيحذفون « عن » أيضاً اختصاراً ، كما أفاده الشيخ حسين العاملي في
    درايته : 199 .
    الثانية عشرة : تعارف العلماء انه إذا كان المستتر في قال أو يقول عائداً إلى
    المعصوم عليه السلام فهم يمدّون اللام . بل يضاف له رمز التصلية والتسليم غالباً .
    الثالثة عشرة : يوجد في بعض الاُصول القديمة في الإسناد الجامع جماعة
    معطوف بعضهم على بعض ، علامة تشبه الضبة بين أسمائهم وليست ضبة ، وكأنّها
    علامة اتصال ، وهذا متداول في النسخ الخطية عند العامة غالباً .
    الرابعة عشرة : كما تضبط الحروف المعجمة بالنقط ، كذلك جرى النسّاخ
    والعلماء الأقدمون من القرن الثالث حتى السادس ـ كما قيل ـ على ضبط المهمَلات غير
    المعجمة على وضع بعض الإشارات على الحروف لئلّا يقع الإلتباس فيها ، وتكون
    علامات الإهمال دالّة على عدم إعجامها . وقد اختُلِف في كيفيّة ضبطها على أقوال
    ذكرها شيخنا الجدّ ـ قدّس سرّه ـ في « مقباس الهداية » وعلّقنا عليه بمصادرها كمقدّمة



    ابن الصلاح : 305 ، وفتح المغيث : 2 / 145 ، وتدريب الراوي : 2 / 68 وغيرها ،
    ونذكرها مجملاً وتفصيلها في المصنّفات المختصّة بتاريخ الخطّ والكتابة .
    منها : قلب النقط ، بجعل النقط التي هي فوق المعجمات تحت ما يشاكلها من
    المهمَلات فتكون العين هكذا : ( ع ) أو ( ع ) .
    ثمّ إنّهم اختلفوا في النقط التي تحت حرف السين ، فقيل : كصورة النقط من
    فوق فتكون هكذا : ڛ ؛ وقيل : لا ، بل تجعل من تحت مبسوطة صفّاً ، هكذا : ...س ،
    وقال في المقدّمة : والتي فوق الشين المعجمة تكون كالأثافي ، والأثافي : مأخوذة من
    الأحجار الثلاث التي توضع تحت القدر .
    ومنها : وضع هلال كقلامة الظفر مضجعة على قفاها على المهمَلات ، هكذا :
    س .
    ومنها : جعلُ حاءٍ مفردةٍ صغيرةٍ : ( حـ ح ) تحت الحاء المهمَلة لئلّا تُقرأ خاءً ، أو
    صادٍ كي لا تقرأ ضاداً ، أو سينٍ على السين كي لا تقرأ شيناً . . وهكذا سائر الحروف
    المهمَلة الملتبسة . قيل : وعليه عمل أهل المشرق والأندلس .
    ومنها : ما وجد في بعض الكتب القديمة من جعل خطّ صغير كفتحة ، هكذا :
    سَ ، وقيل : كهمزة ، وفي بعض النسخ تحتها همزة .
    ثمّ إنّهم اختلفوا في الكاف واللام ، فالكاف إذا لم تُكتب مبسوطة تُكتب في
    بطنها كاف صغيرة أو همزة ، هكذا : ك ، ككـ . واللام تكتب في بطنها لامٌ ، أي هذه
    الكلمة بحروفها الثلاثة : للام
    ثمّ إنّ الهاء ـ آخر الكلمة ـ تكتب عليها هاء مشقوقة هكذا : ( الرحمةه ) حتى
    تتميّز عن هاء التأنيث التي في الصفات ونحوها . . وغير ذلك من مصطلحات الكتابة
    آنذاك ، مع ما في غالب العلوم من آداب خاصّة بها لكتابتها كالحديث والرجال ،
    راجعها في مظانّها .
    الخامسة عشرة : إذا كثرت نسخ الكتاب وتشابه بعضها ببعض تشابهاً كثيراً
    من جهة الزيادة والنقيصة والهوامش والأخطاء والتصحيف والتحريف وغير ذلك ،
    فيحتمل أن تكون هذه النسخ منقولة عن أصل واحد ، عند ذلك تجعل النسخ المتشابهة
    فئات ويرمز لكل فئة بحرف ، ويتّخذ من كل فئة نسخة تمثّلها عند اختلاف النسخ ،


    ويصطلح عليها بـ : فئة .
    السادسة عشرة : إستعاض القدماء بدل الترقيم وضع أول كلمة من الصفحة
    اليسرى في الزاوية اليسرى من الصفحة اليمنى أو في أسفل تلك الصفحة للدلالة على
    أنّها بداية الصفحة التالية ، وقد تذكر أول كلمة من الصفحة البعدية في ذيل الصفحة
    اليسرى .
    السابعة عشرة : تعارف المحقّقون على الرمز إلى كل نسخة من النسخ المخطوطة
    بحرف يؤخذ غالباً من اسم صاحبها أو كاتبها ، أو اسم المكتبة التي وجدت فيها ، أو اسم
    البلدة التي فيها المكتبة ، أو غير ذلك ، ويشار إلى ذلك في أول الكتاب ، وغالباً ما
    تستقطع الرموز من نفس الأسماء المرموز لها ، وندر أن تكون غريبة عنها ، ويستعان بهذا
    عند الإشتباه .
    الثامنة عشرة : غالباً ما يكتفى في بعض أسماء الكتب المركبة كـ « نهاية
    الأحكام » أو « روض الجنان » بالرمز للكلمة الاُولى من الإسم فيقال : « ية »
    و « ض » مثلاً ، وقد يضاف هذا الرمز للكلمة الثانية فيقال : « ية الأحكام » أو
    « ض الجنان » ، أو « إيضاح فع » ، إيضاح النافع ، للشيخ ابراهيم القطيفي ، ولم نتعرّض
    لمثل هذه الرموز التركيبية لندرتها ووضوحها .
    التاسعة عشرة : قد يدخل حرف الجر أو الضمير أو الألف واللام أو غيرها من
    الزوائد على بعض الرموز فيظن أنه رمز جديد ، نظير « بقه » : بقوله ، « ليظه » : ليظهر ،
    « فظه » : فظاهر ، « في . ل » : في الحديث المرسل ، « كقه » : كقوله ، « بمط » : بمطلق ،
    « لمط » : لمطلق ، « ليضه » : ليظهر ، « للمطه » : للمطلوب ، « للظه » : للظاهر ،
    و « الغن » : للغنية ، ومعرفة هذا تعتمد على خبرة القاریء وممارسته ، وقد أشرنا للمهم
    منها .
    العشرون : قد اصطلح العلماء والنسّاخ وجرت عادتهم على حذف اُمور من
    الكتابة دون القراءة وهي كثيرة مشهورة ولا تخفى ، نذكر منها حذف « قال » بين رجال
    السند ، ومنها قولهم : « وبالإسناد المذكور » ، أو : « به » ، وذلك عند كتابة الأجزاء
    المشتملة على أحاديث بإسناد واحد .
    ومنها : حذف ألف الوصل من « بسم الله » فقط .


    ومنها : حذف ألف الحارث ومالك وخالد ونحو ذلك .
    ومنها : حذف همزة أبي فلان عند النداء ، نحو يا با سعيد ، وغير ذلك .
    كما أنه تعارف عندهم إثبات أشياء في الكتابة دون القراءة مثل كتابة الواو
    « عمرو » ليفرق عن عمر ، ومثل كتابة ألف بعد واو الجمع . . . وغير ذلك مما هو
    مقرّر في فنّ النسخ والخط .
    الحادية والعشرون : أجمع العلماء على أنّه لا ينبغي لكاتب الحديث وغيره
    أن يصطلح مع نفسه كتابة رمز لا يعرفه الناس ، فيوقع غيره في حيرة فهم مراده ، ومثّل
    له في المقدّمة ـ ص 305 ـ بقوله : كفعل من يجمع في كتابه بين روايات مختلفة ، ويرمز إلى
    رواية كلّ راوِ بحرف واحد من اسمه أو حرفين وما أشبه ذلك ، فإن بَيَّن في أول كتابه
    أو آخره مراده بتلك العلامات والرموز فلا بأس ـ ثمّ قال ـ : ومع ذلك فالأوْلى أن
    يتجنّب الرمز ، ويكتب عند كلّ رواية اسم راويها بكماله مختصراً ، ولا يقتصر على
    العلامة ببعض .
    اُنظر : مقباس الهداية للمامقاني : 3 / 105 ذيل تنقيح المقال ، وصول الأخيار :
    190 ، تدريب الراوي : 2 / 92 وغيرها .
    الثانية والعشرون : تعدّ الدوالي ـ أعني : النقط في آخر الجمل ، والفواصل في
    آخر العبارات ، والخطوط ، والشارحات ، وعلامات التعجّب ، والاستفهام ،
    والأقواس ، والمعقوفات ، والقويسات ، وغير ذلك ـ من الرموز التي يوضّح بها المعنى .
    الثالثة والعشرون : يرى متصدّو تحقيق التراث الالتزام بقواعد رسم
    الكتابة المتّفق عليها قديماً إلّا في أشياء درج عليها المعاصرون ، مثل رسم ( مئة ) و
    ( الحارث) و ( إسحاق) ، ونقطتي الياء المتطرّفة للتفريق بينها وبين المقصورة ،
    والفصل في الأعداد المركّبة ، مثل : ثلاث مائة ، على أن يدوّن المحقّق في المقدّمة
    ما درج عليه كاتب النسخة من رسم الكتابة ، وأن يوضّح ذلك بأمثلة في جميع
    ما صنعه (1) .

    ____________________________
    (1) اُسس تحقيق التراث العربي ومناهجه ، التقرير الخاصّ : 17 .

    الرابعة والعشرون : الشروح المزجيّة مع المتون : ما كان بحروف أكبر يعدّ من
    المتن ، وإن كان الغالب في تلك الشروح وضع خطّ على المتن لتمييزه عن الشرح ، أو
    يقوّس بقوسين .
    للبحث صلة . . .


    الإجازات عند علماء الإمامية ( 1 )
    إجازتا الشيخ البهائي للتنكابني


    الشيخ محمد السمامي الحائري
    الإجازات من الوثائق التاريخية التي تكشف لنا عن كثير من الحقائق ، وتبيّن
    لنا كثيراً من الغوامض ، وهي وثائق علمية عظيمة الفائدة في تراجم العلماء ، وفي طرق
    التدريس ، وفي الكتب التي سادت في مدارسنا الإسلامية .
    هذه الإجازات أنواع كثيرة تكفّلت بها كتب دراية الحديث الشريف .
    ومنها إجازات مطوّلة مفصّلة هي في الحقيقة كتب لها قيمتها عند الباحثين
    ككتاب « لؤلؤة البحرين » وغيره .
    ومنها إجازات قصيرة كتبت على ظهور الكتب ، فيها من خطوط العلماء وأسماء
    كتب الدرس ، نوادر جمّة .
    وهي تعيننا على معرفة شخصية المجاز العلمية والإجتماعية ومكانته في عصره .
    وفيما يلي إجازتان من العلّامة الشيخ البهائي قدّس سرّه ، لتلميذه الشيخ محمد
    كاظم التنكابني رحمه الله .
    المجيز : الشيخ البهائي ، هو الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد
    الحارثي العاملي الهمداني ، من أكبر علماء القرن الحادي عشر وأشهرهم ، ولد سنة 953 هـ
    ببعلبك ، وانتقل به والده إلى إيران فنزل اصفهان ، وولّاه الشاه عبّاس الصفوي
    رئاسة العلماء ، فأقام مدّة ثمّ سافر إلى مصر وزار المقدس ودمشق وحلب ، وعاد إلى
    اصفهان .
    زار قبر الإمام الرضا عليه السلام عدّة مرّات .

    توفّي بإصفهان سنة 1031 هـ ، وحمل جثمانه إلى طوس ودفن في حرم الإمام
    الرضا عليه السلام .
    له مؤلفات عديدة في فنون شتّى ، في الفقه والاُصول والتفسير والحساب
    والهيئة وغير ذلك ، تصل إلى نحو خمسين كتاباً ورسالة .
    ترجمته في كثير من الكتب منها : خلاصة الأثر 3 / 44 ، روضات الجنّات
    7 / 56 ، آداب اللغة العربية 3 / 328 ، الذريعة ( في عدّة أماكن ) ، طبقات أعلام
    الشيعة ( القرن الحادي عشر ) وغير ذلك .
    المجاز : هو الفاضل العالم الحكيم المحقّق الاُصولي الشيخ محمد كاظم بن
    عبد العلي التنكابني ( الملقّب بعبد الكاظم) .
    ولد في تنكابن ، ودرس في اصفهان على كبار العلماء ، واختصّ بالشيخ البهائي
    ودرس عليه بعض الكتب ( كما سيأتي في الإجازتين ) .
    له مباحثات علمية مع السيد مير الداماد ، ذكرها بعض المؤلفين .
    زار العتبات المقدّسة قبل سنة 1008 هـ ، ثمّ سكن مشهد الرضا عليه السلام
    وتوفّي بعد 1033 هـ .
    له من المؤلفات :
    1 ـ اللوح المحفوظ لأسرار كتاب الله الملفوظ ـ في الكلام .
    2 ـ إثنا عشرية ـ في معضلات العلوم .
    3 ـ العشرة الكاملة .
    4 ـ قانون الإدراك أو برهان الإدراك في شرح تشريح الأفلاك .
    5 ـ الحاشية على كتاب المحصول لفخر الدين الرازي .
    6 ـ شرح تذكرة نظام الدين .
    7 ـ شبه الطفرة .
    8 ـ حاشية على تفسير فخر الدين الرازي .
    9 ـ رسالة في حقائق سورة الفتح .
    10 ـ رسالة في اُصول الدين .
    له ترجمة في : رياض العلماء 3 / 161 ، أعيان الشيعة 8 / 32 و 9 / 381 ، أعلام



    الشيعة ( القرن الحادي عشر ) ، الذريعة ( في عدّة أماكن ) ، دانشمندان گيلان ، بزرگان
    تنكابن .
    الإجازتان
    كتب له اُستاذه العلّامة الشيخ البهائي ـ قدّس سرّه ـ في نهاية « رسالة في
    اُصول الدين » و « رسالة في حقائق سورة الفتح » إجازتين : الاُولى مؤرّخة في سنة
    1008 هـ ، والثانية في 1010 هـ ، وحرّرت الرسالتان في مشهد الرضا عليه السلام .
    والنسخة في مكتبة آية الله السيد المرعشي العامّة في قم المقدّسة ، مذكورة في
    فهرسها 11 / 248 ضمن مجموعة برقم 4250 .


    ( 1 )
    بسم الله الرحمٰن الرحيم
    أمّا بعد الحمد والصلاة ، فقد قرأ عليَّ الأخ الأعزّ الأفضل الأمجد ، الذكيّ
    الزكيّ الألمعيّ اللوذعيّ ، سماء الإفادة والاُخوّة والدين ، مولانا محمد كاظم ، وفّقه الله
    سبحانه لارتقاء أرفع معارج الكمال ، شرح دراية الحديث من تأليفات شيخنا الأجلّ
    الأكمل ، أفضل المتأخّرين واُنموذج المتقدّمين ، الجامع في معارج السعادتين رتبة العلم
    ودرجة الشهادة ، زين الملّة والدين ، أعلى الله تعالى مقامه في أعلى علّيّين .
    وقد أجزت له ـ وفّقه الله تعالى ـ أن يرويه عنّي ، عن والدي واُستاذي ومن
    إليه في النقليّات استنادي قدّس الله تربته ورفع في الخلد رتبته ، عن المؤلف نوّر الله
    مرقده .
    فليرو ذلك لمن شاء وأحبّ سالكاً جادّة الإحتياط الذي لا يضلّ سالكه ولا
    تظلم مسالكه .
    حرّره الفقير إلى الله تعالى محمد المشتهر ببهاء الدين العاملي تجاوز الله عن
    سيّئاته .
    وذلك بالمشهد المقدّس والمقام الأقدس ، أعني مشهد سيّدي ومولاي ، إمام
    الأبرار ، وثامن الأئمّة الأطهار ، علي بن موسى الرضا عليه أفضل الصلوات وأكمل
    التحيّات .
    ووقع تحرير هذه الأحرف في ثالث شهر رجب المرجّب سنة ألف وثمان من
    الهجرة ، والحمد لله أولاً وآخراً وباطناً وظاهراً .








    ( 2 )
    بسم الله الرحمٰن الرحيم
    الحمد لله الأحد المعين ، والصلاة على سيّدنا محمد وآله أجمعين .
    وبعد : فإنّ الأخ الأجلّ الأفضل ، واسطة عقد الإخوان العظام ، وصدر جريدة
    الخلّان الكرام ، ذا الذهن الوقّاد والطبع النقّاد ، والتدقيقات الفائقة والتحقيقات
    الرائقة ، سماء الإفادة والإفاضة والاُخوّة والتقوى والدين ، مولانا محمد كاظم الجيلاني
    التنكابني ، أدام الله تعالى فضله وكثّر في علماء الزمان مثله ، بعد أن صحبني برهة مديدة
    وسنين عديدة ، وقرأ عليَّ جملة جميلة من العلوم العقلية والنقلية والفنون الشرعية
    والأدبية ، طلب منّي الإجازة كما هو دأب السلف الماضين وديدن الخلف الصالحين .
    فأجزت له أن يروي عنّي جميع ما قرأه وسمعه لديّ من الكتب المعتبرة والزبر
    المبسوطة والمختصرة .
    منها جملة وافية من تفسير البيضاوي مع تعليقاتي عليه .
    ومنها شرذمة من تفسيري الموسوم بالعروة الوثقى .
    ومنها قطعة من تهذيب الحديث ، وكتاب من لا يحضره الفقيه ، وكتاب الحبل
    المتين ـ تأليف الفقير ـ ، وجميع كتاب الأربعين حديثاً ـ من تأليفاتي أيضاً ـ .
    ومنها نبذة كافية من الفقهيّات كبعض القواعد والإرشاد وغيرهما .
    ومنها جملة وافية من الأدبيّات كالمطوّل من حاشية المختصر .
    ومنها كتب ورسائل عديدة من الرياضيّات كشرح التذكرة للمحقّق
    النيسابوري ، وجانب من تحرير اقليدس ، وجميع خلاصة الحساب ـ تأليف الفقير ـ ،
    وتمام تشريح الأفلاك مع حواشيه ـ من تأليفاتي أيضاً ـ ، ورسالة الإسطرلاب
    كذلك .
    ومنها طائفة من الكلام واُصول الفقه كجواهر الشرح الجديد للتجريد مع ما
    يتعلّق بها من الحواشي الجلالية ، وبعض من شرح مختصر الاُصول مع ما يرتبط به من
    شرح الشرح .

    ومنها جمل من علم الدراية والرجال ، كشرح دراية الحديث لشيخنا الأعظم
    زين الملّة والدين ـ قدّس الله روحه ـ ، وخلاصة الأقوال وغيرهما .
    وقد قرأ عليَّ وسمع لديّ سوى هذه المذكورات ممّا لا يحضرني الآن تفصيله .
    وقد أجزت له ، وفّقه لله تعالى لارتقاء أرفع معارج الكمال في العلوم
    والأعمال أن يروي عنّي جميع ما تضمّنته الإجازة الطويلة (1) التي أجازها شيخنا
    الأعظم المشار إليه لوالدي واُستاذي ومن إليه في أكثر العلوم استنادي ، الحسين بن
    عبد الصمد قدّس الله تربته ورفع في الخلد رتبته .
    فليرو جميع ذلك لمن شاء وأحبّ ممّن له أهليّة الإنخراط في سلك الرواة ،
    مراعياً شرائط الرواية المقرّرة عند أهل الدراية .
    والملتمس منه إجرائي على خاطره الشريف في مظانّ الإجابة ومحالّ الإنابة ،
    بصوالح سوانح الدعوات سيما في أدبار الصلوات .
    والله سبحانه يوفّقه وإيّانا لصرف ما بقي من العمر في الطاعات وتدارك ما
    سلف وفات .
    ونسأله تعالى أن يجمع بيننا في دار المقامة ، وأن يلبسنا حلل الكرامة يوم
    القيامة ، إنّه القادر على ما يشاء وبيده أزمّة الأشياء .
    وكتب هذه الأحرف بيده الفانية الجانية أحوج العباد إلى رحمة الله الغنيّ
    محمد المشتهر ببهاء الدين العاملي وفّقه الله للعمل في يومه لغده قبل أن يخرج الأمر من
    يده .
    وذلك في المشهد الأقدس الأطهر الأشرف الرضوي ، على من شرّفه أفضل
    التحيّة والسلام .
    في أوائل شهر شوّال خُتم بالخير والإقبال ، سنة ألف وعشر من هجرة سيّد
    المرسلين صلّی الله عليه وآله الطاهرين .
    ____________________________
    (1) و . . . تلك الإجازة الطويلة . . . . . . . . . . بعد دراية الحديث ، ولقد فصّل المجيز قدّس سرّه العزيز جميع الفنون
    وأوصل كل فنّ الى صاحبه .
    كاظم
    [ المجاز رحمه الله ]


    والحمد لله أولاً وآخراً وباطناً وظاهراً .
    الختم المبارك
    ( الخادم محمد بهاء الدين )






    ماينبغي نشره من التراث
    ( 3 )
    ( 13 )
    نهج البيان عن كشف معاني القرآن
    تفسير أدبي حديثي موجز قيّم ، لأحد أعلام الإمامية في القرن السابع .
    1 ـ نسخة تاريخ كتابتها سنة 953 هـ ؛ في مكتبة كليّة الحقوق ، في طهران ،
    رقم 218 ج ، مذكورة في فهرسها ص 497 .
    2 ـ نسخة تاريخ كتابتها سنة 1102 هـ ؛ في المكتبة المركزية لجامعة طهران ،
    رقم 57 ، مذكورة في فهرسها 1 : 237 .
    3 ـ نسخة تاريخ كتابتها سنة 1108 هـ ؛ في مكتبة كليّة الآداب ، في جامعة
    أصفهان ، مذكورة في نشرة الجامعة 5 : 307 .
    ولخّصه بعضهم ، وتوجد نسخة المختصر في المكتبة المركزية لجامعة طهران ، رقم
    7116 ، مذكورة في فهرسها 16 : 458 .
    ونسخة اُخرى ، كُتبت سنة 994 هـ ؛ في مكتبة كلّية الإلٰهيّات ، في طهران ،
    رقم 189 ، مذكورة في فهرسها 1 : 726 .
    ونسخة ثالثة ، من مخطوطات القرن الحادي عشر الهجري ؛ في مكتبة مدرسة
    سپهسالار ، رقم 5232 ، مذكورة في فهرسها 5 : 531 .



    ( 14 )
    نهاية المرام في علم الكلام
    للعلّامة الحلّي ، جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر
    الحلّي ، المتوفى سنة 726 هـ .
    كتاب واسع كبير يقع في عدّة مجلّدات ، تناول فيه كلّ المباحث الكلامية بدقّة
    وشمول ، فرغ المؤلف رحمه الله ـ منه في يوم 14 ربيع الأول سنة 712 هـ .
    1 ـ نسخة كاملة كتبها محمد باقر الهزار جريبي ، وفرغ منها في 7 محرّم 1114 هـ ،
    عن نسخة قابلها وصحّحها تاج الدين بن محمد حسن الأصفهاني ـ المشتهر بالفاضل
    الهندي ، مؤلف « كشف اللثام » ـ على مخطوطة بخطّ الشيخ ناصر بن إبراهيم البويهي ،
    المتوفى سنة 853 هـ ؛ في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام ، في مشهد ، رقم 11606 ،
    مذكورة في فهرسها 11 : 419 .
    2 ـ نسخة قديمة لعلّها من مخطوطات القرن الثامن الهجري ؛ في مكتبة آية الله
    المرعشي العامة ، في قم ، رقم 254 ، مذكورة في فهرسها 1 : 280 .
    3 ـ نسخة في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي ( البرلمان الإيراني السابق ) ، في
    طهران ، رقم 10192 .
    ( 15 )
    جامع الخلاف والوفاق
    بين الإماميّة وبين أئمّة الحجاز والعراق
    فقه مقارن بين آراء الإمامية وبين آراء الحنفية والمالكية ، وهو كشرح وتذييل
    على كتاب « غُنية النزوع إلى علمَي الاُصول والفروع » للفقيه أبي المكارم ابن زهرة
    الحلبي ، المتوفّى سنة 580 هـ .
    وقد فرغ منه مؤلّفه في مشهد الإمام الرضا عليه السلام في النصف من رجب
    سنة 698 هـ .
    نسخة فريدة منه ، كتبها حسن بن محمد بن عبد العزيز ، وفرغ منها يوم الثاني


    من جمادی الاُولى سنة 700 هـ ، وكان قد كتبها لنجم الدين علي بن محمد بن محمد
    القمّي السبزواري ، وتقع في 154 ورقة ؛ موجودة في المكتبة المركزية لجامعة طهران ،
    مذكورة في فهرسها 16 : 336 ، وذُكرت أيضاً في نشرة المكتبة المركزية 4 : 438 .
    وعنها مصوّرة في المكتبة المركزية أيضاً ، رقم الفلم 2832 و 2914 ، مذكورة في
    فهرس مصوّراتها 1 : 312 .
    ( 16 )
    المغني في علمي النحو والتصريف
    لابن الفلاح ، تقي الدين أبي الخير منصور بن فلاح بن محمد بن سليمان اليمني ،
    المتوفّى سنة 680 هـ .
    فرغ منه في شهر محرم الحرام سنة 672 هـ .
    1 ـ نسخة منه في مكتبة فيض الله ، في إسلامبول ، رقم 2021 .
    2 ـ نسخة كتبت في القرن التاسع ؛ في المكتبة المركزية لجامعة طهران ، رقم
    6654 ، في 246 ورقة .
    3 ـ نسخة كتبت سنة 1285 هـ ؛ في مكتبة آية الله المرعشي العامة ـ قم ، رقم
    1352 ، مذكورة في فهرسها 4 : 129 .


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تراثنا العدد6 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تراثنا العدد6   تراثنا العدد6 Emptyالجمعة نوفمبر 08, 2024 7:00 am

    من ذخائر التراث ( 9 )
    رسالة في جواز العدول عن العمرة
    إلى الإفراد عند ضيق الوقت
    السيد محمد علي الطباطبائي المراغي
    المؤلف
    السيد محمد جواد بن محمد بن محمد الملقّب بالطاهر بن حيدر بن إبراهيم بن
    أحمد بن قاسم الحسيني العاملي .
    يتّصل نسبه الشريف بالحسين ذي الدمعة بن زيد الشهيد بن علي بن الحسين
    ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
    ولد في قرية شقراء ـ من قرى جبل عامل ـ حدود سنة 1164 هـ ، وتوفي في
    النجف الأشرف سنة 1226 هـ ، ودفن في الحجرة الثالثة من حجر الصحن الشريف ،
    في الصفّ القِبلي المقابل لوجه أمير المؤمنين عليه السلام ، بين بابي الفَرَج والقِبْلة .
    كان عالما فقيهاً ، اُصوليّاً محقّقاً ، ماهراً في الفقه والرجال وغيرهما ، نشأ في قرية
    شقراء وقرأ بعض مقدّمات العلوم هناك ، ثم هاجر إلى العراق وورد كربلاء وحضر
    على السيد علي الطباطبائي ـ صاحب « رياض المسائل » ـ ثم حضر على المولى محمد
    باقر بن محمد أكمل ـ الوحيد البهبهاني ـ ولازم بحثهما مدّة حتى اُجيز من قبل الوحيد
    البهبهاني .
    ثم خرج إلى النجف الأشرف وحضر على السيد محمد مهدي بحر العلوم
    والشيخ الأكبر جعفر كاشف الغطاء والشيخ حسين نجف ملازماً أبحاثهم زمناً طويلاً .
    كتب له المحقّق الميرزا أبو القاسم القمّي ـ صاحب « القوانين المحكمة في
    الاُصول » ـ إجازة من قم بتاريخ جمادى الاُولى سنة 1206 هـ .

    واستقلّ بالتدريس بعد سفر الشيخ جعفر كاشف الغطاء إلى إيران ، وتخرّج
    عليه جماعة من الأعلام الأجلاء والفقهاء الكبار ، منهم : الشيخ محمد حسن ـ صاحب
    « جواهر الكلام » ـ ، والشيخ محسن الأعسم . . . وغيرهما .
    له مؤلفات كثيرة في الفقه والاُصول تجاوزت العشرين كتاباً ورسالة وحاشية
    أشهرها « مفتاح الكرمة في شرح قواعد العلامة » وهو من خيرة أسفار المتأخرين ، جمع
    فيه أكثر أبواب الفقه باُسلوب جيّد في عشرة مجلّدات من القطع الكبير (1) .
    النسخة
    وقد اعتمدنا في تحقيق هذه الرسالة على مخطوطة كتاب « مفتاح الكرامة »
    وهي من مخطوطات مكتبة السيد علي أصغر فحول القزويني (2) ، في قزوين ، والرسالة
    هذه ملحقة في آخر الجزء الثاني من الكتاب المتضمّن أحكام الشركة وحتى أحكام
    الوصيّة دون أحكام الحجّ ، إذ أنّ المؤلف قدّس سرّه كان قد أسقط ـ فيما أسقط ـ
    كتاب الحجّ من شرحه لكتاب القواعد ، فظفر ناسخ الكتاب ـ الشيخ محمد هاشم بن
    محمد قاسم الأفشاري ـ بهذه الرسالة المتعلّقة ببعض أحكام الحجّ فألحقها بآخر ما نسخه
    من الكتاب ـ مفتاح الكرامة ـ تتميماً للفائدة ، وقد وقع الفراغ من نسخها يوم
    الخميس 2 ذي الحجّة الحرام سنة 1271 هـ .
    والحمد لله الذي بنعمه تتمّ الصالحات .




    ____________________________
    (1) اُنظر في ترجمته : أعيان الشيعة 4 : 288 الطبعة الحديثة 1403 هـ ، روضات الجنّات 2 : 216 / 179 ، الكرام
    البررة 1 : 286 / 569 ، الذريعة 21 : 341 / 5381 ، مصفّى المقال : 116 ، معجم المؤلفين 9 : 165 ، الأعلام 2 :
    143 .
    (2) اُنظر : دليل المخطوطات / مخطوطات مكتبة فحول القزويني ، ص 92 من العدد الثاني من نشرة « تراثنا » .



    [ رسالة في جواز العدول عن العمرة إلى الإفراد عند ضيق الوقت ]
    بسم الله الرحمن الرّحيم
    وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين .
    قد طفحت عبارات الأصحاب ـ رحمهم الله تعالى ـ من المقنعة وإلى
    الرياض (1) بأنّه يجوز للمتمتّع مع ضيق الوقت عن إتمام العمرة العدول إلى الإفراد .
    وقد اختلفت عباراتهم في التعبير عن هذا الحكم .
    فبعضهم قد أتى بلفظ عامّ عموماً لغويّاً بحيث يشمل النائب ، والناذر
    والقاضي ما أفسد (2) .
    ____________________________
    (1) وهم على ما تعرّض لهم المؤلف ـ طاب ثراه ـ ضمن الرسالة هذه :
    1 ـ الشيخ المفيد ، المتوفّى سنة 413 هـ ، في المقنعة .
    2 ـ السيد الشريف المرتضى ، المتوفّى سنة 436 هـ ، في الإنتصار .
    3 ـ شيخ الطائفة أبوجعفر الطوسي ، المتوفّى سنة 460 هـ ، في المبسوط والنهاية والخلاف والتهذيب .
    4 ـ سلّار الديلمي ، المتوفّى سنة 463 هـ ، في المراسم .
    5 ـ ابن حمزة ، في طبقة تلميذ الشيخ أو تلميذ ولد الشيخ ، في الوسيلة .
    6 ـ ابن زهرة ، المتوفّى سنة 558 هـ ، في الغنية .
    7 ـ ابن إدريس ، المتوفّى سنة 578 أو 598 ( على اختلاف في الروضات وغيره ) ، في السرائر .
    8 ـ المحقّق الأول ( الحلّي ) ، المتوفّى سنة 676 هـ ، في الشرائع والمختصر النافع .
    9 ـ ابن سعيد الحلّي ، المتوفّى سنة 690 هـ ، في الجامع للشرائع .
    10 ـ العلّامة الحلّي ، المتوفّى سنة 726 هـ ، في التحرير والتذكرة والقواعد ومنتهى المطلب .
    11 ـ فخر المحقّقين ( ولد العلّامة ) ، المتوفّى سنة 771 هـ ، في شرح الإرشاد .
    12 ـ الشهيد الأول ، المتوفّى سنة 786 هـ ، في الدروس .
    13 ـ المحقّق الثاني ( الكركي ) ، المتوفّى سنة 940 هـ ، في جامع المقاصد .
    14 ـ الشهيد الثاني ، المتوفّى سنة 966 هـ ، في الروضة ومسالك الأفهام .
    15 ـ المحقّق الأردبيلي ، المتوفّى سنة 993 هـ ، في مجمع الفائدة والبرهان .
    16 ـ السيد محمد الطباطبائي ، المتوفّى سنة 1009 هـ ، في المدارك .
    17 ـ الفيض الكاشاني ، المتوفّى سنة 1091 هـ ، في الوافي .
    18 ـ السيد علي الطباطبائي ، المتوفّى سنة 1231 هـ ، في الرياض .
    (2) كالشيخ في « النهاية » ص 206 حيث قال : « من وجب عليه التمتّع » فكلمة « من » الموصولة تشمل
    النائب والناذر وغيرهما .

    وبعضهم أتى بإطلاق يتناول النائب (3) .
    وبعضهم صرّح بذلك (4) .
    وقد عقد في « الوافي » لذلك بابين ، سرد في أحدهما أخباراً ، هذه متون
    بعضها : « المتمتّع إذا قدم يوم عرفة ، فليس له متعة ، يجعلها مفردة » (5) .
    وسرد في الآخر أخبار المرأة المتمتّعة إذا حاضت قبل طواف العمرة (6) .
    وأخبار البابين تتناول النائب .
    والمستفاد من أخبار باب النائب (7) ، وفتاوى الأصحاب (Cool في ذلك ، أنّه :
    متى جازت النيابة ، وتوفّرت شروط النائب ، جاءت أحكام الأصيل .
    فلمّا وصل ذلك إلى سيّدنا واُستاذنا ، صاحب الرياض ـ أيّده الله تعالى
    عزّ وجلّ فيما كتب ـ قال :
    إنّه سئل عن هذه المسألة ، فأمسك عن جواب السائل ، لأنّ هذه الإطلاقات ،
    والعمومات ـ نصّاً وفتوى ـ مختصّة بالجواز الذي [ هو ] (9) حكم تكليفيّ ، دون
    الإجزاء ، الذي سئل عنه ، إذ هو حكم وضعيّ ، ولا تلازم بينهما ، ولا تنافر كلّيّاً ، وإنّما
    بينهما تباين جزئيّ ، وأحد المتباينين جزئيّاً لا يستلزم الآخر ، وحيث وقع [ فهو ] (10)
    لدليل معدّ خارجيّ ، من إجماع أو غيره ، وهما على تقدير تسليمهما ـ كما هو الظاهر ـ
    فإنّما بالنسبة إلى الأصيل ، إنتهى (11) .
    وقد نظرت الأخبار ، وكلمات الأصحاب ، من جهة الإجزاء ، فرأيت بعض
    ____________________________
    (3) مثل عبارة الإنتصار والغنية والمراسم ، راجع الهوامش 29 و 30 و 31 .
    (4) منهم المحقّق الثاني في « جامع المقاصد » ، راجع الهامش 52 .
    (5) الوافي ، المجلد 2 ج 8 ص 145 باب 122 من كتاب الحج .
    (6) المصدر السابق ص 147 باب 123 من كتاب الحج .
    (7) عقد لها الحرّ العاملي ـ قدّس سرّه ـ فصلاً كاملاً في ج 8 : 115 من موسوعته الحديثية « وسائل الشيعة » .
    (Cool على سبيل المثال راجع المبسوط 1 : 322 ـ 326 ، النهاية : 277 ـ 280 ، قواعد الأحكام 1 : 77 ، إيضاح
    الفوائد 1 : 277 ـ 282 ، الشرائع 1 : 231 ـ 235 ، وغيرها .
    (9) يقتضيها السياق .
    (10) يقتضيها السياق .
    (11) الظاهر ان جميع ما أورده هنا عن استاذه السيد صاحب الرياض سمعه مشافهة لعدم عثورنا على مفاده في
    الرياض .


    الأخبار ، وقد وردت في مسألتنا هذه بالإجزاء (12) .
    وكلمات جميع القدماء ، إلى المنتهى والتحرير ـ إلّا ما قلّ ـ قد صرّحت أيضاً
    بالإجزاء ـ كما ستسمع ذلك كلّه منقولاً برمته ـ ، فيكون ذلك في الأخبار قرينة على
    إرادة الإجزاء من الجواز ، جزءاً من تلك العمومات والإطلاقات ، بل نحن مع الظفر
    بهذه في غنية عن تلك .
    وقد تجوّز الاُستاذ في قوله إنّ بينهما تبايناً جزئياً ، لأنّ بينهما عموماً وخصوصاً
    مطلقاً ، إذ كلّ مجزٍ في العبادات جائز ، لأنّه يكون مأموراً به ، والتباين الجزئي لا يكون
    إلّا في موضعين ، في ضمن التباين الكلّيّ ، وفي ضمن العموم والخصوص من وجه .
    نعم ، لو كان قطع المقدّمة على وجه محرّم ـ لو كان عبادة ـ كان بينهما عموم
    من وجه ، والأمر في ذلك سهل .
    قال الاُستاذ : مفاد العمومات ـ نصّاً وفتوى ـ هو جواز العدول . وهو ممّا لا
    شبهة فيه ، ولا ريب يعتريه ، في الأصيل وفرعه وغيرهما ، لتأيّدها ـ زيادة على الإجماع ،
    فتوى ورواية ـ بالإعتبار ، إذ لولا الرخصة بذلك ، لكان اللازم على المضطر الصبر إلى
    العام المقبل ، حتى يتمّ ما هو فرضه لعدم وقوعه إلّا في أشهره ، والفرض فوتها ، والأمر
    بذلك فيه عسر ومشقّة ، قلّما يتحمّله أحد ، والإحلال (13) بعمرة موقوف على ورود
    الرخصة ، ولم يزد بلا شبهة .
    فإذاً لا إشكال لنا ولا لأحد في جواز العدول ، دفعاً للعسر والحرج اللازمين
    على تقدير عدمه ، لكلّ حاجّ متمتّع ، أصيلاً كان أو نائباً أو غيرهما .
    إنّما الإشكال في إجزائه عن ذمّة الميّت ، عن حجّ التمتّع ، وإجزائه عن النائب ،
    في العمل المستأجر عليه ، إذ هو التمتّع ، والإفراد غيره .
    قلت : قد أخذ الاُستاذ ـ أولاً ـ العسر والمشقّة ، مؤيِّدَيْن للإجماع والأخبار ،
    فكان اللازم عليه أن يقول هنا : فإذاً لا إشكال لنا ، ولا لأحد في جواز العدول ، للإجماع
    والأخبار ـ المؤيَّدَيْن بالعسر والحرج ـ وقد أخذهما هنا دليلاً مستقلاً .
    ____________________________
    (12) تأتي الإشارة إليها في الهوامش 41 و 42 و 43 .
    (13) كانت العبارة في الأصل : « قبل ما يتحمّله أحدها ، والخلال » .

    ثمّ إنّه لا ينبغي للاُستاذ أخذهما ـ أي العسر والحرج ـ دليلاً ولا مؤيِّداً ،
    لأنّ هذا الرجل إن كان قد فاته الحجّ ـ كما نبّه عليه في أثناء كلامه ـ فقد شَرّع الله
    تعالى عزّ وجلّ مَخْلَصاً شارعاً عن ذلك بالعمرة المفردة ، فإنّها شرّعت لكلّ من فاته
    الحجّ إجماعاً مستفيضاً ، حتى حكاه في المدارك (14) ، فيتحلّل بها ، ويمضی إلى بلده ، ولا
    عسر ولا حرج .
    وإن كان لم يفته الحجّ فقد فرض الله تعالى سبحانه له العدول ، والإجزاء على
    المختار .
    نعم تجيء المشقّة والتكليف على ما يحتمله الاُستاذ ، حيث أنّه يجب أن يعدل ،
    ويأتي بتمام أفعال الحجّ ، ثمّ يأتي بعمرة مفردة ، من دون استحقاق اُجرة ، ومن دون
    إجزاء عن الميّت .
    وإشكال الاُستاذ سيدفع بأربعة اُمور ، كلّ واحد منها كافٍ في دفعه ، كما
    سنرقيه إلى نظره العالي الشريف ، إن شاء الله تعالى .
    قال الاُستاذ : فأرجو أن يكون الحكم ـ أي الإجزاء ـ كذلك ـ أي كالحكم
    فيمن مات محرماً ، بعد دخول الحرم ـ لظهور الإجزاء هنا نصّاً وفتوى ، مع التصريح
    بلفظ الإجزاء في بعض الفتاوى ، لكن لا محيص في الفتوى بمجرّد ذلك ، لتوقّف الظهور
    المزبور على الدليل ، ولم نجد سوى الإجماع ، وهو إن تمّ فإنّما في الحكم ، لا دلالة اللفظ .
    قول الاُستاذ : لظهور الإجزاء هنا ـ من لفظ الجواز ـ نصّاً وفتوى .
    إن كان مراده به أنّه ظهر له الإجزاء من لفظ الجواز من نصّ ، كان حجّة
    مستقلّة ، إذ ما بعد الظهور ـ من النصّ والظنّ بذلك ـ من حاجة إلى شيء آخر ، وإن
    كان الظهور من النصّ من قرائن اُخر .
    وكذلك إذا كان المراد أنّه ظهر له ذلك من لفظ الجواز الوارد في النصّ .
    نعم ، إن كان المراد أنّه ظهر له ذلك في النصّ لا منه ، توقّفت حجّيّة هذا
    الظهور ـ الذي هو بمعنى الظنّ ـ إلى دليل ، عند من لا يذهب إلى [ أنّ ] (15) كلّ ظنّ
    للمجتهد حجّة ، وأمّا عنده ـ أيّده الله تعالى ـ فلا .
    ____________________________
    (14) المدارك : 425 و 428 .
    (15) يقتضيها السياق .


    وكيف كان فالإشكال يندفع باُمور :
    الأول : أنّه قد ورد لفظ الإجزاء في الأخبار ، وكلام الأصحاب ، بلفظ عامّ ، أو
    مطلق ، يتناول غير الناذر .
    أمّا الأخبار ، فقد أرسل في التهذيب إرسالاً أقوى في نظرة الفقيه من المسانيد
    الصحاح ، حيث نسبه إلى الأصحاب وغيرهم ، قال : روى أصحابنا وغيرهم أنّ
    المتمتّع إذا فاتته عمرة المتعة اعتمر بعد الحجّ ، وهو الذي أمر به رسول الله صلّى الله عليه
    وآله عائشة (16) [ وقال أبو عبد الله عليه السلام : ] (17) « قد جعل الله في ذلك فرجاً
    للناس » . ( قالوا : وقال ) (18) أبو عبد الله عليه السلام : « المتمتّع إذا فاتته عمرة المتعة
    أقام إلى هلال المحرّم واعتمر وأجزأت عنه » (19) .
    فقد ورد الإجزاء للمتمتّع ، الشامل للنائب ، وفي غيره في أحسن أحوال المفرد ،
    وهو ما إذا أخّر العمرة إلى استقبال المُحرّم مع اشتماله على العلّة وبيان الحكمة ، ولا
    يرد على (20) هذا ما أوردناه عليه أيّده الله تعالى عزّ وجلّ ففي (21) الصحيح : « عن الرجل
    يكون في [ يوم ] (22) عرفة بينه وبين مكّة ثلاثة أميال وهو متمتّع بالعمرة إلى الحجّ ،
    قال : يقطع التلبية (23) إذا صلّى الفجر ، ويمضي إلى عرفات فيقف مع الناس ، ويقضي
    جميع المناسك ويقيم بمكّة حتى يعتمر [ عمرة المحرم ] (24) ولا شيء عليه » (25) وهو
    يفيد العموم في جميع ما يتعلّق به .
    وأمّا الفتاوى ، ففي النهاية (26) والمبسوط (27) : من وجب عليه التمتّع لا يجزيه
    ____________________________
    (16) صحيح البخاري 3 : 4 ، سنن أبي داود 2 : 152 حديث 1778 ، سبل السلام 2 : 757 .
    (17) لاقتضاء السياق أثبتناها من المصدر .
    (18) في المصدر : وقال ، قال .
    (19) التهذيب 5 : 438 / 1522 .
    (20) في الأصل « ما » وهو غير مستقيم .
    (21) في الأصل « في » والظاهر صحّة المثبت .
    (22) زيادة من المصدر .
    (23) لفظ العبارة في المصدر هكذا : « فقال : يقطع التلبية ، تلبية المتعة ، يهلّ بالحجّ بالتلبية » .
    (24) زيادة من المصدر .
    (25) التهذيب 5 : 174 / 585 ، الإستبصار 2 : 250 / 880 .
    (26) النهاية : 206 .
    (27) المبسوط 1 : 306 ، واللفظ للنهاية .

    قِران ، ولا إفراد ، إلّا عند الضرورة وفقد التمكّن من التمتّع .
    ونحوه عبارة الوسيلة (28) .
    وفي الإنتصار : ممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ التمتّع بالعمرة إلى الحجّ [ هو
    فرض الله تعالى على كلّ من نأى عن المسجد الحرام ] لا يجزئه مع التمكّن سواه (29) .
    ومثلها عبارة المراسم ، من دون إجماع (30) .
    وفي الغُنية : الإجماع على أنّه لا يجزیء المتمتّع من التمكّن سواه (31) .
    وفي جامع الشرائع لابن سعيد : لا يجزئه قِران ولا إفراد ، إلّا مع الضرورة أو
    التقيّة (32) .
    وفي السرائر : [ فإذا لم يمكنهم ] التمتّع أجزأتهم الحجّة المفردة مع الضرورة ،
    وعدم الإختيار (33) .
    وفي موضع من المنتهى (34) والتحرير (35) : لا يجزیء غيره (36) مع الإختيار .
    فهذه الكتب العشرة تعطي بمفهومها الذي [ هو ] حجّة الإجزاء مع الإضطرار ،
    وعدم التمكّن .
    وفي الشرائع (37) والتحرير (38) ـ في موضع آخر منه ـ : لا يجزیء غيره ، ويجوز
    مع الإضطرار .
    وبقيّة العبارات : لا يجوز إلّا مع الإضطرار .
    ____________________________
    (28) الوسيلة : 171 ، طبع النجف الأشرف سنة 1399 هـ ـ 1979 م .
    (29) الإنتصار : 93 وما بين المعقوفين من المصدر .
    (30) المراسم في فقه الإمامية : 103 .
    (31) غنية النزوع إلى علمي الاُصول والفروع : 573 ( ضمن الجوامع الفقهية ) .
    (32) الجامع للشرائع : 177 .
    (33) السرائر : 121 ، وما بين المعقوفين زيادة من المصدر .
    (34) منتهى المطلب 2 : 659 .
    (35) تحرير الأحكام : 93 .
    (36) هذا هو الصحيح ، وما ورد في المخطوطة من زيادة كلمه « إلّا » بعد « غيره » خطأ واضح ، وزيادة من
    الناسخ .
    (37) شرائع الإسلام 1 : 237 .
    (38) العبارة للشرائع : وأمّا عبارة « تحرير الأحكام » ـ ص 93 س 32 ـ ففيه : « وكذا يجوز ـ لمن أحرم
    بعمرة التمتّع مع الضرورة المانعة عن إتمامها ـ العدول إلى الإفراد . . . » .


    وقد فهم منها جماعة ، منهم : الشهيد الثاني (39) رحمه الله تعالى والمقدّس
    الأردبيلي (40) رحمه الله تعالى ، الإجزاء .
    الأمر الثاني : من الاُمور التي تدلّ على أنّ المراد بالجواز الإجزاء ، أنّه قد أتى
    ـ في أخبار الباب (41) ـ بالجملة الخبرية ، التي تفيد الأمر .
    ففي الخبر : يجعلها حجّة مفردة (42) .
    وفي الآخر : يجعلانها حجّة مفردة (43) .
    والأمر يقتضي الإجزاء ، بل يحتاج هنا إلى الأمر ، لأنّه إذا جاز العدول هنا
    وجب . وإذا وجب كان مأموراً به .
    ومن المعلوم أنّ معنى اقتضاء الأمر الإجزاء ، سقوط ما وجب عليه واستقرّ في
    ذمّته ، وعدم مشروعيّة قضائه وإعادته .
    وما عساه يقال ـ إنّما يسقط بالأمر وجوب قضاء هذا الحجّ ، لا حجّ التمتّع
    المستأجر ـ ففيه :
    أولاً : أنّه خلاف ظواهر الأخبار الصريحة ، والظاهرة .
    وثانياً : أنّه يرد مثله في الأصيل (44) .
    والجواب ـ بأنّ دليله الإجماع ـ فيه : أنّ معقد إجماعي الإنتصار والغنية ،
    يتناولان بإطلاقهما النائب ، إذ ليس من الناذر .
    وثالثاً : أنّه خلاف ما فهمه جماعة في الباب وغيره .
    ورابعاً : أنّه يلزم أن يكون هناك أمران ، لا أمر واحد ، وهو خارج عمّا نحن
    ____________________________
    (39) مسالك الافهام في شرح شرائع الإسلام 1 : 100 .
    (40) مجمع الفائدة والبرهان في شرح الإرشاد ، الطبعة الحجرية . ولعدم ترقيم النسخة إليك نصّ عبارته عند
    قول : « ولو عدل كلّ منهم » ؛
    قال قدّس سرّه ما لفظه : « وينبغي عدم الخلاف في جواز الإبتداء بكلّ واحد مع العجز عن الآخر ، ويدلّ
    على ذلك في الجملة الضرورة . . . » .
    (41) راجع : وسائل الشيعة 8 : 214 باب 21 من أبواب أقسام الحج من كتاب الحج .
    (42) التهذيب 5 : 173 / 580 و 581 ، الإستبصار 2 : 249 / 876 و 877 ، الوافي مجلّد 2 ج 8 ص 246 .
    (43) التهذيب 5 : 173 / 582 ، الإستبصار 2 : 249 / 877 ، الوافي مجلّد 2 ج 8 ص 246 .
    (44) هذا هو الصحيح ، وما ورد في المخطوطة « الأصل » غير مستقيم .

    فيه ، لأنّ المفروض وجود أمر واحد ، ولا يكون لقولهم : « الأمر يقتضي الإجزاء » معنى ،
    كما حُرّر في محلّه .
    وخامساً : أنّ الشارع أمره بإتمام حجّ التمتّع ، الواجب في ذمّته ، في الإستئجار
    على هذا الوجه ، وهو نقله إلى الإفراد ، فلو لم يجزئه عمّا في ذمّته لم يكن ما أتى به تمام
    المراد منه ، المأمور به ، هذا خلف (45) .
    بل نقول : إنّه لا يصحّ من الحكيم الأمر به ، بل كان الواجب أن يشرّع له
    التحلّل بعمرة مفردة ، ويكون كمن فاته الحجّ ، لأنّها شُرّعت لكلّ من فاته الحجّ ، أو
    يكون حاله حال المصدود أو المحصور ، فتكليفه بهذه المشاقّ الكثيرة ، التي لا يستحقّ عليها
    اُجرة ، ولا يجزیء عن الميّت مع نيّة أنّها عنه ، مخالف لمحاسن الشريعة وقواعدها ،
    والمفروض أنّه غير مقصّر حتى يكون كمن أفسد حجّه .
    وبتقرير آخر أنّه : إذا جاز العدول ، وأنّه مأمور به ، كان حجّه صحيحاً ،
    والصحيح ـ عند الفقهاء ـ ما أسقط القضاء والإعادة ، ولم تشتغل ذمّة النائب إلّا
    بالاداء عن الميّت ، فإذا صحّ حجّه ، سقط قضاؤه عن ذمّة الميّت ، إذ المفروض أنّه لا
    تقصير له حتى تشتغل ذمّته بعقوبة .
    وما يقال إنّه مسقط (46) للقضاء ـ بالنسبة إلى هذا الأمر ـ ففيه : أنّ المراد
    إسقاط القضاء بالنسبة إلى كلّيّ التكليف ، مضافاً إلى ما مرّ ، لأنّ الصحّة والإجزاء في
    العبادة بمعنى .
    ونِعْم ما قال المحقّق الثاني رحمه الله تعالى (47) : إنّ عقد الإجارة وإن اقتضى
    الإثبات بما شرط عليه ، إلّا أنّه إذا أتى بالحجّ بحيث يكون صحيحاً شرعياً ، لا يقدح فيه
    الإخلال ببعض الاُمور المشترطة عليه لعذر كما لو لم يدرك من وقوف عرفة إلّا
    اضطراريّه ، مع اختياريّ الآخر (48) مثلاً ، فإنّ ذلك لا يقدح في وقوع الحجّ المستأجر
    عليه ، وأنّ عقد الإجارة على الإختياري .
    ____________________________
    (45) مصطلح منطقي يعني أنّ هذا خلاف الفرض في المسألة .
    (46) كان في الأصل : « سقط » .
    (47) جامع المقاصد 1 : 162 .
    (48) يعني موقف مزدلفة .


    وكذا القول في باقي الأفعال حتى لو فعل محرّماً ، إنتهى .
    بل قالوا : لو استؤجر لحجّ الإفراد ، فاعتمر عن نفسه ، فلمّا تمّت عمرته تعذّر
    عليه العود إلى الميقات ليأتي به ـ بما استؤجر عليه من حجّ الإفراد ـ أنّه يحرم من مكّة ،
    ويجزئه ، ولا يرد التفاوت .
    وفي الخلاف (49) : لا خلاف في إجزائه .
    بل قال العلّامة (50) رحمه الله تعالى : إنّه يجزئه وإن أمكنه العود إلى الميقات ،
    لكنّه حينئذ يرد التفاوت .
    وقال في الدروس (51) : لعلّهم يفرّقون ـ في ترك الإحرام من الميقات ـ بين
    المتعمّد عن نفسه فيبطل ، وغيره فيصحّ ، وقد جعلوا النائب أحسن حالاً من الأصيل .
    وقال المحقّق الثاني نوّر الله تعالى مرقده (52) : يمكن أن يفرّق بين من تجاوز بغير
    إحرام فيبطل ، وبين من أحرم بنسك آخر فيصحّ ، وتصحّ الإجارة وإن أخلّ بالإحرام ،
    لأنّ الحجّ صحيح .
    الثالث : أنّا تتبّعنا جملة من أحكام النائب ، في الصلاة ، والصيام ، وباقي
    أحكام الحجّ ، فرأينا كلّ ما ثبت للأصيل ثبت للنائب ، فلتلحظ باقي أحكام الحجّ
    وأحكام الشكّيّات والسهويّات والنسيان وغير ذلك .
    الرابع : أنّا رأينا أنّ كلّ ما جاز في العبادات أجزأ .
    هذا المسافر إذا علم أنّه يقدم قبل الزوال ، يجوز له الفطر والصيام ، وإذا صام
    أجزأه ، أصيلاً ـ كان ـ أو نائباً .
    وهذه الحائض يجوز لها أن تستظهر بفعل الصلاة ، فإذا تجاوز بها العشرة أجزأتها
    ____________________________
    (49) الخلاف 1 : 430 ذيل المسألة 246 من كتاب الحج .
    (50) قواعد الأحكام 1 : 78 / المسألة العاشرة ، علماً أنّ الموجود فيه خلاف ما نقل عنه ، وإليك لفظه : « ولو لم
    يعد إلى الميقات لم يجزیء مع المكنة » وهكذا في إيضاح الفوائد 1 : 280 .
    وبعد تتبّع الموضوع في الكتب الفقهية عثرنا في الدروس : 89 ـ بعد إيراد المسألة ـ على ما هذا لفظه : « ولو
    أمكنه العود إلى الميقات لم يجزئه ، وقال الفاضل [ العلّامة ] يجزیء ويرد التفاوت مع تعيّن الميقات » ولعلّ
    المصنف نقل ذلك عن العلّامة بواسطة الدروس .
    (51) الدروس : 89 ، وفيه : « أو يفرّق بين المتعمّد عن نفسه وغيره » .
    (52) جامع المقاصد 1 : 162 في المطلب السادس في شرائط النيابة .

    صلاتها ، إلى غير ذلك .
    فما ظنّك بالجواز الذي هو بمعنى الوجوب ؟ !
    وإن أعرض الاُستاذ عن ذلك ، ففي الأخبار (53) وفتاوى القدماء (54)
    وإجماعاتهم على الإجزاء ـ المتناولة للنائب ـ وصريح جماعة من المتأخّرين (55) وكثرة
    النظائر والأمثال له في الحجّ وغيره ، أكمل بلاغ .
    وهل يجوز لمن فرضه التمتّع ـ إذا علم عند الميقات بضيق الوقت عن إتمام
    أفعال العمرة ـ أن ينوي الإفراد ، أو القِران ، أصيلاً كان أو نائباً ؟ ويجزئه ذلك أم لا ؟
    كما وقع في الحِجاج في هذا المقام ؟
    الظاهر الجواز ، والإجزاء ، كما هو ظاهر إطلاق المقنعة (56) ، والإنتصار (57) .
    والمراسم (58) ، والنهاية (59) ، والمبسوط (60) ، والتهذيب (61) ، والوسيلة (62) ،
    والغنية (63) ، والسرائر (64) ، وجامع الشرائع (65) ، والمنتهى (66) ، والتذكرة (67) ،
    والتحرير (68) ، وشرح الإرشاد للفخر (69) ، الإجماع على ذلك .
    ____________________________
    (53) اُنظر : وسائل الشيعة 8 : 214 باب 21 من أبواب أقسام الحج .
    (54) منهم الشيخ المفيد في المقنعة : 61 و 67 ، السيد المرتضى في الإنتصار : 93 ، السرائر : 121 وغيرها .
    (55) منهم المحقّق الثاني في « جامع المقاصد » ، راجع الهامشين 47 و 52 .
    (56) المقنعة : 61 و 67 .
    (57) الإنتصار : 93 .
    (58) المراسم في فقه الإمامية : 103 .
    (59) النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى : 206 .
    (60) المبسوط 1 : 306 .
    (61) التهذيب 5 : 170 ذيل الحديث 564 .
    (62) الوسيلة : 171 ، طبع النجف الأشرف سنة 1399 هـ ـ 1979 م .
    (63) الغنية : 573 ( ضمن الجوامع الفقهية ) .
    (64) السرائر : 121 .
    (65) جامع الشرائع : 177 .
    (66) منتهى المطلب 2 : 659 ، السطر الأخير .
    (67) تذكرة الفقهاء 1 : 317 .
    (68) تحرير الأحكام : 93 .
    (69) شرح الإرشاد : مخطوط .


    فمعقد الإجماع في الإنتصار ، والغنية (70) ما نصّه :
    التمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، هو فرض الله ـ تعالى عزّ وجلّ ـ على كل من نأى عن
    المسجد الحرام ، لا يجزئه مع التمكّن سواه .
    ومعقد إجماع فخر الإسلام : فرض من نأى عن مكّة ـ بما قرّره الشارع ـ التمتّع
    فرض عين ، لا يجزیء غيره من أنواع الحجّ إلّا لضرورة ، وهذه المسألة إجماعيّة عندنا ،
    إنتهى .
    وفي مجمع [ الفائدة و ] البرهان (71) : ينبغي عدم الخلاف في جواز الإبتداء
    بكلّ واحد ، مع العجز عن الآخر ، ويدلّ على ذلك في الجملة الضرورة مع كون كلّ
    واحد منها حجّاً مع قلّة التفاوت ، إنتهى .
    وكلام المحقّق في الشرائع ، والنافع (72) : محتمل لإرادة جواز العدول ابتداءً ،
    وبعد الشروع في إحرام العمرة ، قال في الشرائع : فإن عدل هؤلاء إلى القِران أو الإفراد
    في حجّة الإسلام اختياراً ، لم يجز ، ويجوز مع الإضطرار .
    ونحوه في النافع .
    وقال بعد ذلك بأسطر فيهما (73) : ولو دخل بعمرته إلى مكّة ، وخشي ضيق
    الوقت ، جاز له نقل النية إلى الإفراد .
    وهذا يشهد على أنّ مراده بالعدول في العبارة الاُولى العدول ابتداءً لا بعد
    الشروع ، وإلّا كان تكراراً .
    لكن قد فهم في المسالك والمدارك والرياض (74) من الكتابين ، أنّ المراد من
    العبارة الاُولى العدول بعد الشروع ، وكأنّه ليس بجيّد .

    ____________________________
    (70) راجع الهامشين 57 و 63 .
    (71) راجع الهامش 40 .
    (72) شرائع الإسلام 1 : 237 ، المختصر النافع : 79 ، التنقيح الرائع 1 : 436 .
    (73) شرائع الإسلام 1 : 238 ، المختصر النافع : 79 ، التنقيح الرائع 1 : 437 .
    (74) مسالك الافهام 1 : 100 و 101 ، ومدارك الأحكام 1 : 425 و 428 ، رياض المسائل 1 : 350 و 351 .

    وقد يظهر ـ من الخلاف (75) ، والقواعد (76) ، والإرشاد (77) ، والمسالك (78) ،
    والمدارك (79) ، والرياض (80) ـ تخصيص جواز العدول بعد الشروع ، وأنّه لا يجوز له
    ذلك ابتداءً .
    وهو بعيد جداً ، لمكان إمكان دعوى تبادر الأولوية ، كما نبّه على مثله ـ في
    القارن والمفرد ـ صاحب الروضة (81) ، وصاحب مجمع [ الفائدة و ] البرهان (82) ،
    لكن أخبار الباب (83) جميعها بين صريحة في العدول بعد الشروع ، أو ظاهرة فيه ، وليس
    فيها خبر يكاد يظهر منه جواز العدول ابتداءً للضرورة .
    نعم ، فيها إشعار بذلك لمن أمعن النظر ، إلّا أن يدّعى ذلك لمكان الأولوية ،
    ويدّعى أنّها عرفية . لكن في الإجماعات الثلاثة (84) أو الأربعة (85) بلاغ ، بل المقدّس
    الأردبيلي (86) رحمه الله تعالى استند إلى الضرورة لمكان العسر والحرج .
    وقد سمعت كلام المحقّق الثاني في جامع المقاصد (87) ، وكلام الخلاف (88)
    والدروس (89) فيما تقدّم ، فإنّه نافع هنا جداً .
    هذا ، ولا يضرّ هؤلاء الحجّاج أمر النيّة ، لأنّهم إن علموا عدم إمكان إتمام
    العمرة نووا الإفراد ، وإلّا نووا التمتّع .
    ____________________________
    (75) لعلّه استظهره من كلام الشيخ في الخلاف 1 : 430 المسألة 246 من كتاب الحجّ .
    (76) قواعد الأحكام 1 : 72 ضمن المطلب الثاني من أنواع الحج ، وإيضاح الفوائد 1 : 260 .
    (77) إرشاد الأذهان : مخطوط ، وذخيرة المعاد في شرح الإرشاد 550 ـ 551 .
    (78) مسالك الأفهام 1 : 100 ـ 101 .
    (79) مدارك الأحكام : 425 و 428 .
    (80) رياض المسائل 1 : 350 ـ 351 .
    (81) اللمعة البهية 2 : 206 ـ 207 .
    (82) مجمع الفائدة والبرهان : مخطوط .
    (83) وسائل الشيعة 8 : 214 باب 21 من أقسام الحج .
    (84) راجع الهوامش 14 و 29 و 30 .
    (85) راجع الهامش 40 .
    (86) مجمع الفائدة والبرهان : راجع الهامش 40 .
    (87) اُنظر الهامش : 47 .
    (88) اُنظر الهامش : 49 .
    (89) اُنظر الهامش : 51 .


    وفي الصحيح (90) : « لا تُسَمِّ لا حجّاً ولا عمرة ، واضمر في نفسك المتعة ،
    فإن أدركت متمتّعاً ، وإلّا كنت حاجّاً » .
    ونحوه غيره (91) ، وهو كثير .
    قد تمّ الكتاب المستطاب ـ المسمّى ـ ، بالسيد جواد ، في يوم الخميس
    في ثاني شهر ذي حجّة الحرام 1271 على يد أقلّ خلق الله وأضعف عباد الله
    ابن مرحمت وغفران پناه ذابي (92) أئمّة أنام عليهم السلام ، كربلائي
    محمد قاسم ، محمد هاشم ، الساكن في قلعة الأفشارية ، غفر الله لكاتبه
    ولوالديه ومؤلّفه وجميع المؤمنين والمؤمنات بحقّ محمد وعلي
    وفاطمة والحسن والحسين والتسعة من ذرّيّة الحسين
    صلوات الله عليه وعليهم أجمعين ، ولعنة الله على أعدائهم
    ومخالفيهم وظالميهم وغاصب حقّهم من الآن إلى
    يوم الدين ، آمين يا ربّ العالمين ، ونسأل الله التوفيق
    في استكتاب المجلّد الآخر
    ( إمضاء )








    ____________________________
    (90) التهذيب 5 : 86 / 286 ، والإستبصار 2 : 172 / 568 .
    (91) مثلاً لا حصراً في المصدرين المتقدّمين رقم 287 و 570 .
    (92) كذا ، والمراد الذابّ عن أئمّة الأنام .

    من ذخائر التراث ( 10 )
    تخميس لاميّة العجم
    في رثاء الحسين عليه السلام
    أسد مولوي
    توطئة
    لاميّة العجم : إحدى مشهورات قصائد الحكمة في الشعر العربي .
    ناظمها : الاُستاذ مؤيّد الدين أبو إسماعيل الحسين بن علي بن محمّد بن عبد
    الصمد الأصفهاني ، المعروف بالطغرائي ، نسبة إلى من يكتب الطغراء ، وهي الطرّة التي
    تكتب في أعلى المناشير السلطانية فوق البسملة بالقلم الجلي ، تتضمّن اسم الملك
    وألقابه .
    كان الشاعر آية في الكتابة والشعر ، وَلِيَ وزارة الموصل لسلطانها مسعود بن
    محمد السلجوقي ، ثمّ اختلف السلطان وأخوه محمود ، فظفر محمود وقبض على رجال
    أخيه وفي جملتهم الطغرائي .
    ولمّا كان الطغرائي مشهوراً بالعلم والفضل خاف السلطان محمود عاقبة قتله ،
    فأوعز إلى من أشاع اتّهامه بالإلحاد والزندقة ، واتّخذها حجّة فقتله .
    له ديوان شعر ، وأشهر قصائده لاميّة العجم هذه .
    ولد سنة 453 هـ ، وقتل سنة 515 هـ .
    وقد ترجم له ياقوت في « معجم الاُدباء » ترجمة مفصّلة في ج 10 / 56 ـ 79 ،
    ونقل اللاميّة برمتها .
    اُنظر في ترجمته :
    « الأعلام » للزركلي ، الطبعة السادسة 2 / 246 ومصادره ، « معجم المؤلفين »



    لعمر رضا كحالة 4 / 36 ومصادره .
    الشاعر المُخَمِّس
    عماد الدين أبو جعفر وأبو الفضل محمد بن علي بن محمد بن علوان بن علي بن
    حمدون بن علوان بن المرزبان بن طارق بن يزيد بن قيس بن جندب بن عمرو بن يحيى
    ابن مرّة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة ، الشيباني السورائي ، الفقيه الشاعر المقریء .
    هكذا عنونه ابن الفوطي في تلخيص مجمع الآداب ج 4 ق 2 ص 831 رقم
    1218 وقال في ترجمته :
    كان أديباً فاضلاً وفقيهاً شاعراً ، حسن الشعر ، طيّب الإنشاد ، فصيح الإيراد ،
    كريم الأخلاق والشيم ، ممتع المحاضرة والمذاكرة ، كثير المحفوظ ، حسن المحاورة ، كتبت
    عنه ، وكان يُنعم ويشرّفني إلى منزلي ، وكتب لي الإجازة نظماً . . . وتوفّي ثالث عشر
    رجب سنة 706 ودفن بمشهد علي .
    وترجم له أيضاً في نفس الجزء ص 837 برقم 1226 وكنّاه أبا عبد الله فقال :
    عماد الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن علوان الشيباني الحلّي الفقيه
    المقریء الأديب .
    يعرف بـ ( ابن الرفاعي ) من أكابر العلماء وأفاضل الاُدباء والفقهاء ، كتبت
    شعره في ( أشعار أهل العصر ) وممّا أنشدني وهو متوجّه إلى زيارة أمير المؤمنين
    عليه السلام . . .
    وأورد له ابن الشهرزوري الموصلي في مجموعته المخطوطة ـ في الورقة 114 وما
    بعدها ـ قصيدة غديرية في مدح أمير المؤمنين عليه السلام ، وعبّر عنه بـ ( نصير الحقّ
    والدين ابن علوان ) .
    كما أورد له في نفس المجموعة ـ في الورقة 146 ـ قصيدة في رثاء الحسين
    عليه السلام صاغها تخميساً للاميّة العجم المعروفة .
    ووصفه بـ ( ابن علوان الرفاعي الربعي البغدادي ) .
    هذا ما استفدناه من المجموعة المخطوطة التي جمعها العلّامة السيد عبد العزيز
    الطباطبائي في تراجم المنسيّين والمغمورين من السابقين ، وهي مجموعة ضخمة قوامها


    أضابير عديدة ، وفّقه الله لتبييضها وطبعها فإنّ فيها فائدة للباحثين كبيرة .
    وقد تفضّل مشكوراً بإعارتنا مصوّرته من مجموعة ابن الشهرزوري التي ننقل
    عنها هذا التخميس .
    كيفيّة التصحيح
    النسخة التي عندنا تختلف في بعض الألفاظ مع رواية ياقوت للاميّة العجم ،
    وقد صحّحنا قسماً منها على رواية ياقوت بعد أن وضعنا الكلمة الصحيحة بين عضادتين
    وأشرنا إلى ذلك في الهامش . وكذلك فعلنا في الألفاظ التي استظهرنا خطأها
    وصحّحناها . وتركنا ما له وجه من الصحّة على حاله .


    قال الشيخ الإمام العالم الأديب الفاضل عماد الدين أبو جعفر محمد بن علي بن
    علوان الرفاعي الربعي البغدادي ـ رحمه الله تعالى ـ يرثي مولانا وسيّدنا الإمام السبط
    الشهيد أبا عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، ممّا وشّح به لاميّة
    الطغرائي رحمه الله :
    لولا إبائي بنفسي عن ذوي البُخُلِ
    وصون مدحي عن الأنذالِ والسفلِ

    ما كنتُ اُنْشِدُ والآفاقُ تشهدُ لي
    ( أصالَةُ الرأيِ صانتني عن الخَطَلِ


    وَحِلْيَةُ الفضلِ زانتني لدى العَطَلِ ) 1


    صبراً فليس لِما قد فات مُرتَجَعُ
    فالصبرُ ينفعُ إذ لا يَنفعُ الجزعُ

    والدهرُ يخِفضُ أقواماً وإن رفعوا
    ( مجدي أخيراً ومجدي أولاً شَرَعُ


    والشمس رَأْدَ الضحى كالشمسِ في الطَفَلِ ) 2


    لواعجُ الشوقِ تطويني وتنشرُني
    إلى بلادي [ و ] من خَلَّفْتُ في وطني

    وا طولَ شوقي ! ووا وجدي ! ووا حزني !
    ( فيم الإقامة بالزوراءِ ، لاسكني


    بها ، ولا ناقتي فيها ولا جَمَلي ؟ ) 3


    مثل الحُسينِ بأرضِ الطَّفِّ حين غدا
    لهفي عليه ، وحيداً بينَ جمعِ عِدا

    لا يرقبون لديه ذِمّةً أبدا
    ( ناءٍ على الأهلِ صِفْرُ الكفِّ منفرد[ا]


    كالسيفِ عُرِّيَ مَتْناهُ عن الخِلَلِ ) 4

    ____________________________
    (2) شَرَع : سواء .
    رأد الضحى : ارتفاعه .
    الطَّفَل : قرب الغروب .
    (3) الواو بين المعقوفتين يقتضيها السياق
    الزوراء : بغداد
    (4) في المخطوط ( منفرد ) والألف تقتضيها القافية .

    يشكو إلى الله ما يلقى من المِحَنِ
    ويحتمي بظُبا الهنديّ واللدنِ

    يقول : هل ناصرٌ لله ينصرني ؟
    ( فلا صديقٌ إليه مُشتكى حَزَني


    ولا أنيسٌ لديه مُنتهى جَذَلي ) 5


    ماذا أردتم ـ لُعِنتم ـ من مكاتبتي
    أبعدتُمونيَ عن جَدّي ومنزلتي

    برحلةٍ قَتَلَتْ أهلي وقاطِبتي
    ( طال اغترابي حتى حَنَّ راحلتي


    ورحلُها وقَرا العَسّالةِ الذُّبُلِ ) 6


    كم قد سفكتم لأبناءِ النبيّ دَما
    وكم أبحتم له في كربلا حُرَما

    قتلتمونا على بُعْدٍ وعُظْمِ ظَما
    ( وَضَجَّ مِن لَغَبٍ نضوي ، وَعَجّ لِما


    يلقی رِكابي ، وَلَجَّ الركْبُ في عَذَلي ) 7


    أما نَهى عن بني الزهراءِ نورُ نُهى
    بقتلِهِم قد ملأتُمْ قلبَها وَلَها

    أتيتُ أطلبُ حقّاً ليس مشتبِها
    ( اُريد بسطة كفٍّ أستعينُ بِها


    على قضاءِ حقوقٍ للعُلا قِبَلي ) 8

    ____________________________
    الخِلَل : جمع خِلَّة ، وهي بطائن كانت تغشی بها أجفان السيوف منقوشة بالذهب وغيره .
    (5) الظُّبا : جمع ظُبَة ، والظُبَة : حدّ السيف أو السِّنان ونحوه .
    اللدن : الرمح ، سُمّي به للين عوده واهتزازه .
    الجذل : الفرح ، وفي المخطوط ( جدلي ) بالدال المهملة ، وهو تصحيف صحّته في معجم الاُدباء .
    (6) القَرا : الظهر .
    العَسّالة الذبل : صفتان للرماح مأخوذتان من اهتزازها ودقّتها .
    (7) الحُرَم : جمع حُرْمة ، وهي ما لا يحلّ انتهاكه .
    اللَّغَب : أشدّ التعب ، والإعياء .
    النِّضْو : المهزول من الإبل وغيرها .
    (Cool النُّهى : جمع نُهْيَة ، وهي العقول لانها تنهى عن القبيح .
    الوَلَه : شدّة الحزن .


    خرجتُ للأمرِ بالمعروفِ من وطني
    والنهي عنِ منكَرٍ والله يُأمرني

    فجاء يخذلُني من كان ينصرُني
    ( والدهرُ يعكس آمالي ويُقْنِعُني


    من الغنيمةِ بعدَ الكَدِّ بالقَفَلِ ) 9


    إن تظلموني فجَدِّي خاتمُ الرسلِ
    غريمُكم وأميرُ المؤمنين عَلي

    ولي تَأَسٍّ بيحيى وهو خير [ وَلِيْ ]
    ( وذي شَطاط كعقدِ الرمحِ مُعْتَقِلٍ


    لمثلِهِ غيرَ هيّاب ولا وَكَلِ ) 10


    شقيقيَ الحسنُ المسمومُ من فُرجتْ
    لفقدِهِ الأرضُ والأفلاكُ وانزعجتْ

    والنفسُ بعدَ أخي ـ العبّاسِ ـ ما ابتهجت
    ( حلو الفكاهةِ مرّ الجِدِّ قد مُزجتْ


    بقسوةِ البأسِ منه رقةُ الغَزَلِ ) 11


    فجعتُمُ المصطفى الهادي بعترتِهِ
    قتلى وأسرى لكمْ ، يا شَرّ اُمّتِهِ

    وابني عليٌّ فلولا عُظْم مرضتِهِ
    ( طردتُ سَرْحَ الكَرى عن وردِ مقلتِهِ


    و [ الليلُ ] يغري سَوامَ النومِ بالمُقَلِ ) 12





    ____________________________
    (9) القفل : الرجوع
    (10) في المخطوط ( نبي ) والقافية تأباها ، وما أثبتناه ملائم للقافية .
    الشَّطاط : اعتدال القامة .
    اعتقل رمحه : إذا وضعه بين ساقه وركابه .
    رجل وَكَلٌ : عاجز يكل أمره إلى غيره .
    (12) في المخطوط ( النوم ) وما أثبتناه من معجم الاُدباء .
    سرح الكرى وسوام النوم : تشبيه للكرى والنوم بالإبل السائمة التي تنتشر في مرعاها .

    الشيخ شوقي البديري يعجبه هذا الموضوع

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    تراثنا العدد6
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » تراثنا العدد2
    » تراثنا العدد 3
    » تراثنا العدد4
    » تراثنا العدد5
    » تراثنا العدد7-8

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 43-lمنتدى كتب تراث اهل البيت عليهم السلام-
    انتقل الى: