الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
اهل البيت
المواضيع الأخيرة
» المحكم في أصول الفقه [ ج2
الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyاليوم في 10:46 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» المحكم في اصول الفقه ج3
الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyاليوم في 8:41 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» المحكم في أصول الفقه [ ج4
الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyاليوم في 7:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» الصحيفه السجاديه كامله
الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyأمس في 9:49 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد [ ج ١ ]
الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyأمس في 3:11 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه
الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyأمس في 2:36 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» قاعدة لا ضرر ولا ضرار
الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyأمس في 8:51 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول المبين
الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:46 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» ------التقيه
الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:37 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام

    اذهب الى الأسفل 
    انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 10:28 am



    قال : وجاء حنظلة بن أسعد الشبامي فقام بين يدي الحسين عليه‌السلام فأخذ ينادي : (وقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَْحْزابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ * ويا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) غافر / ٣٠ ـ ٣٣. يا قوم ، لا تقتلوا حسيناً فيسحتكم الله بعذاب ، وقد خاب مَنْ افترى.

    فقال له الحسين عليه‌السلام : «يابن أسعد رحمك الله ، إنّهم قد استوجبوا العذاب حين ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحقّ ، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك ، فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين؟». قال : صدقت ، جُعلت فداك ، أنت أفقه منّي وأحقّ بذلك ، أفلا نروح إلى الآخرة ونلحق بإخواننا؟ فقال : «رُح إلى خير من الدنيا وما فيها ، وإلى ملك لا يبلى». فقال : السلام عليك أبا عبد الله ، صلى الله عليك وعلى أهل بيتك ، وعرّف بيننا وبينك في جنته. فقال : «آمين آمين». فاستقدم فقاتل حتّى قُتل.

    شهادة ذرّية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وآل أبي طالب عليهم‌السلام :

    قال : وكان أوّل قتيل من بني أبي طالب يومئذ علي الأكبر بن الحسين بن علي عليهم‌السلام ، وأمّه ليلى ابنة أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وذلك أنّه أخذ يشدّ على الناس ، وهو يقول :

    أنا علي بن الحسين بن علي




    نحنُ وربِّ البيتِ أولى بالنبي

    تالله لا يحكم فينا ابنُ الدَّعي

    ففعل ذلك مراراً.

    فبصر به مرّة بن منقذ العبدي فقال : عليَّ آثام العرب إن مرّ بي يفعل مثل ما كان يفعل إن لم أثكل أباه. فمرّ يشدّ على الناس بسيفه ، فاعترضه مرّة بن منقذ فطعنه فصُرع ، واحتوشه الناس فقطّعوه بأسيافهم.
    ٢٠٤

    قال أبو مخنف : حدّثني سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم الأزدي قال : سماع أذني يومئذ من الحسين عليه‌السلام يقول : «قتل الله قوماً قتلوك يا بُنَيَّ ، ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول! على الدنيا بعدك العفاء».

    وأقبل الحسين عليه‌السلام إلى ابنه ، وأقبل فتيانه إليه فقال : «احملوا أخاكم». فحملوه من مصرعه حتّى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه.

    قال : ثمّ إنّ عمرو بن صبيح الصائدي رمى عبد الله بن مسلم بن عقيل بسهم ، فوضع كفّه على جبهته ، فأخذ لا يستطيع أن يحرّك كفيه ، ثمّ انتحى له بسهم آخر ففلق قلبه.

    فاعتَوَرَهم الناس من كلّ جانب ؛ فحمل عبد الله بن قطبة الطائي على عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقتله. وخرج محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وهو يقول :

    قد بدلّوا معالمَ الفرقانِ




    فعالَ قومٍ في الردى عميانِ

    نشكو إلى اللهِ من العدوانِ




    ومحكمِ التنزيلِ والتبيانِ

    فحمل عليه عامر بن نهشل التيمي فقتله.

    وشدّ عثمان بن خالد بن أسير الجهني وبشر بن سوط الهمداني ثمّ القابضي على عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب فقتلاه.

    ورمى عبد الله بن عزرة الخثعمي جعفر بن عقيل بن أبي طالب فقتله.

    قال أبو مخنف : حدّثني سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم قال : خرج إلينا غلام كان وجهه شقّة قمر ، في يده السيف ، عليه قميص وإزار ونعلان ، قد انقطع شسع أحدهما ما أنسى أنّها اليسرى.

    فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي : والله لأشدنّ عليه. فقلت له : سبحان الله! وما تريد إلى ذلك؟ يكفيك قتله هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه.
    ٢٠٥

    قال : فقال : والله لأشِدَّن عليه. فشدَّ عليه ، فما ولّى حتّى ضرب رأسه بالسيف فوقع الغلام لوجهه.

    فقال : يا عمّاه! قال : فجلى الحسين عليه‌السلام كما يجلي الصقر ، ثمّ شدَّ شّدة ليث غضب ، فضرب عمراً بالسيف فاتقاه بالساعد فأطنَّها من لدن المرفق ، فصاح ثمّ تنحى عنه ، وحملت خيل لأهل الكوفة ليستنقذوا عمراً من الحسين عليه‌السلام ، فاستقبلت عمراً بصدورها ، فحرّكت حوافرها وجالت الخيل بفرسانها عليه فوطئته حتّى مات.

    وانجلت الغبرة ، فإذا أنا بالحسين عليه‌السلام قائم على رأس الغلام ، والغلام يفحص برجليه ، والحسين عليه‌السلام يقول : «بُعداً لقومٍ قتلوك! ومَنْ خصمهم يوم القيامة فيك جّدك». ثمّ قال : «عزَّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك ثمّ لا ينفعك ، صوت واللهِ كثُرَ واترُه ، وقلَّ ناصرُه». ثمّ احتمله ، فكأنّي أنظر إلى رجلي الغلام يخطان في الأرض ، وقد وضع الحسين عليه‌السلام صدره على صدره ، فجاء به حتّى ألقاه مع ابنه علي بن الحسين عليه‌السلام وقتلى قد قُتلت حوله من أهل بيته.

    قال : فسألتُ عن الغلام ، فقيل : هو القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام.

    قال : وشدّ هانئ بن ثبيت الحضرمي على عبد الله بن علي بن أبي طالب فقتله.

    ثمّ شدّ على جعفر بن علي فقتله.

    ورمى خَوَلّي بن يزيد الأصبحي عثمان بن علي بن أبي طالب بسهم ، ثمّ شدّ عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله.

    ورمى رجل من بني أبان بن دارم محمد بن علي بن أبي طالب فقتله.

    شهادة العباس بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام

    وبقي العباس بن علي عليه‌السلام قائماً أمام الحسين عليه‌السلام يُقاتل دونه ، ويميل معه حيث مال ، وكان لواء الحسين بيده ، فخرج فحملوا عليه ، وحمل عليهم وهو يقول :
    ٢٠٦

    لا أرهبُ الموت إذا الموت رَقى




    حتى أُوارى في المصاليتِ لَقى

    نفسي لنفس المصطفى الطهر وِقا




    إنّي أنا العباس أغدوا بالسِّقا

    ولا أخافُ الشرّ يوم الملتقى

    ففرّقهم ، فكمن له زيد بن الورقاء الجهني من وراء نخلة ، وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي فضربه على يمينه ، فأخذ السيف بشماله وحمل عليه وهو يرتجز :

    واللهِ إن قطعتمُ يميني




    إنّي اُحامي أبداً عن ديني

    وعن إمامٍ صادقِ اليقين




    نجلِ النبيِّ الطاهرِ الأمينِ

    فقاتل حتّى ضعف ، وضربه حكيم بن الطفيل على شماله فقطعها وضربه بعمود من حديد فقتله.

    وقال الحسين عليه‌السلام : «الآن انكسر ظهري ، وقلّت حيلتي».

    شهادة عبد الله الرضيع :

    قال أبو مخنف : قال عقبة بن بشير الأسدي : قال لي أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين : «وأُتيَ الحسين بصبي له في الرضاع ، فهو في يده إذ رماه أحدكم يا بني أسد بسهم فذبحه ، فتلقّى الحسين عليه‌السلام دمه ، فلمّا ملأ كفيه صبّه في الأرض ، ثم قال :

    «ربّ إن تكُ حبستَ عنّا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين».

    شهادة الإمام الحسين عليه‌السلام :

    قال أبو مخنف : عن الحجّاج ، عن عبد الله بن عمّار بن عبد يغوث البارقي ، عن عبد الله بن عمّار قال :

    «فوالله ما رأيت مكثوراً قطّ قد قُتِل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً ولا أجرأ
    ٢٠٧

    مَقدَماً منه ، والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله ، إن كانت الرجّالة لتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف الِمعزى إذا شدَّ فيها الذئب.»

    قال هشام : حدّثني عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفي قال : عطش الحسين عليه‌السلام حتّى اشتدّ عليه العطش ، فدنا ليشرب من الماء ، فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فمه ، فجعل يتلقّى الدم من فمه ويرمي به إلى السماء ، ثمّ حمد الله وأثنى عليه ، ثمّ جمع يديه فقال : «اللّهمّ أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تذر على الأرض منهم أحداً».

    قال هشام ، عن أبيه محمد بن السائب ، عن القاسم بن الأصبغ بن نباتة قال : حدّثني مَنْ شهد الحسين عليه‌السلام في عسكره ، أنّ حسيناً حين غُلب على عسكره ركب المُسنّاة يريد الفرات ، فضربه رجل من بني أبان بن دارم بسهم فأثبته في حنك الحسين عليه‌السلام ، فانتزع الحسين السهم ، ثم بسط كفيه فامتلأت دماً ، ثمّ قال الحسين عليه‌السلام : «اللّهمّ إنّي أشكو إليك ما يُفعل بابن بنت نبيّك».

    قال أبو مخنف في حديثه : إنّ شمر بن ذي الجوشن أقبل في نفر نحو من عشرة من رجّالة أهل الكوفة قِبَلَ منزل الحسين عليه‌السلام الذي فيه ثقله وعياله ، فمشى نحوه ، فحالوا بينه وبين رحله.

    قال الحسين عليه‌السلام :

    ويلكم : يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون يوم المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم ، هذه ذوي أحساب ، امنعوا عتاتكم وطغاتكم (طغامكم) عن التعرّض لحرمي (١).

    __________________

    (١) ‏ الفتوح ـ لابن أعثم ٥ / ٢١٤.
    ٢٠٨

    فقال ابن ذي الجوشن : ذلك لك يابن فاطمة ، وأقدم عليه بالرَّجّالة فأخذ الحسين عليه‌السلام يشدّ عليهم فينكشفون عنه.

    ثمّ إنّهم أحاطوا به إحاطة وقد أوثقته السهام ، فحملوا عليه من كلّ جانب.

    قال : ومكث الحسين عليه‌السلام طويلاً من النهار ، كلّما انتهى إليه رجل من الناس انصرف عنه ، وكره أن يتولّى قتله ، وعظيم إثمه عليه. قال : وإنّ رجلاً من كندة يُقال له مالك بن النسير من بني بداء أتاه فضربه على رأسه بالسيف ، وعليه برنس له فقطع البرنس وأصاب السيف رأسه فأدمى رأسه ، فامتلأ البرنس دماً ، فقال له الحسين عليه‌السلام : «لا أكلت بها ولا شربت ، وحشرك الله مع الظالمين».

    قال أبو مخنف : فوالله إنّه لكذلك ، إذ خرجت زينب ابنة فاطمة ، أخته (سلام الله عليها) ، وهي تقول : ليت السماء تطابقت على الأرض. وقد دنا عمر بن سعد من الحسين عليه‌السلام ، فقالت : يا عمر بن سعد ، أيُقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟! قال : فكأنّي أنظر إلى دموع عمر وهي تسيل على خديه ولحيته. قال : وصرف بوجهه عنها.

    قال : ولقد مكث طويلاً من النهار ، ولو شاء الناس أن يقتلوه لفعلوا ، ولكنّهم كان يتقي بعضهم ببعض ، ويحبّ هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء.

    قال : فنادى شمر في الناس : ويحكم ماذا تنتظرون بالرجل؟ اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم. قال : فحُمل عليه من كلّ جانب ، فضُربت كفّه اليسرى ضربة ضربها زرعة بن شريك التميمي ، وضُرب على عاتقه ، ثمّ انصرفوا وهو ينوء ويكبو. قال : وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعي فطعنه بالرمح فوقع.

    قال : ثمّ قال شمر لِخَوَلّي بن يزيد الأصبحي : احتز رأسه ، فأراد أن يفعل فضعف فأَرْعَد. فنزل إليه سنان بن أنس فذبحه واحتزّ رأسه ، ثمّ دفعه إلى خولّي بن يزيد ، وقد ضُرب قبل ذلك بالسيوف.

    قال علي بن أسباط ، عن بعض أصحابه ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام : «لقد قتلوه قتلة نهى
    ٢٠٩

    رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يُقتل بها الكلاب ؛ لقد قُتل بالسيف وبالحجارة ، والخشب وبالعصا» (١).

    قال أبو مخنف ، عن جعفر بن محمد بن علي قال : «وجد بالحسين عليه‌السلام حين قُتل ثلاث وثلاثون طعنة ، وأربع وثلاثون ضربة».

    الخيول تطأ جسد الحسين عليه‌السلام :

    قال أبو مخنف : ثمّ إنّ عمر بن سعد نادى في أصحابه : مَنْ ينتدب للحسين ويوطئه فرسه؟ فانتدب عشرة ، فأتوا فداسوا الحسين عليه‌السلام بخيولهم حتّى رضّوا ظهره وصدره.

    يدفنون قتلاهم ويتركون الحسين عليه‌السلام وقتلاه :

    وصلى عمر بن سعد على قتلاه ودفنهم ، وترك الحسين عليه‌السلام وأهل بيته وأصحابه.

    بنات الحسين عليه‌السلام وأخواته سبايا :

    وأقام عمر بن سعد يومه ذلك والغد ، ثمّ أمر حميد بن بكير الأحمري فأذّن في الناس بالرحيل إلى الكوفة ، وحمل معه بنات الحسين وأخواته ، ومَنْ كان معه من الصبيان ، وعلي بن الحسين عليه‌السلام وهو مريض.

    قال أبو مخنف : ولمّا مرّت النسوة بالحسين وأهله وولده صحن ولطمن وجوههن ، فما نسيت من الأشياء لا أنسَ قول زينب ابنة فاطمة عليها‌السلام حين مرّت بأخيها الحسين صريعاً وهي تقول : يا محمّداه! يا محمّداه! صلّى عليك ملائكة السماء ، هذا الحسين بالعراء ، مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء. يا محمّداه! وبناتك سبايا ، وذريتك مقتلة تسفي عليها الصبا.

    قال : فأبكت والله كلّ عدوّ وصديق.

    __________________

    (١) ‏ بحار الأنوار ٤٥ / ٩١.
    ٢١٠

    قال : وقطف رؤوس الباقين ، فسرح باثنين وسبعين رأساً مع شمر بن ذي الجوشن ، وقيس بن الأشعث ، وعمرو بن الحجّاج ، وعزرة بن قيس. فأقبلوا حتّى قدموا بها على عبيد الله بن زياد.

    وروى نوح بن درّاج ، قال : حدّثني قدامة بن زائدة ، عن أبيه ، قال : قال علي بن الحسين عليهما‌السلام : «… إنّه لمّا أصابنا بالطفّ ما أصابنا ، وقُتل أبي عليه‌السلام ، وقُتل مَنْ كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله ، وحُملت حرمه ونساؤه على الأقتاب يراد بنا الكوفة ، فجعلت انظر إليهم صرعى ولم يوارَوْا ، فعظم ذلك في صدري ، واشتدّ لِما أرى منهم قلقي ، فكادت نفسي تخرج ، وتبيّنت ذلك منّي عمّتي زينب الكبرى بنت علي عليه‌السلام ، فقالت : ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدّي وأبي وأخوتي؟!

    فقلت : وكيف لا أجزع وأهلع وقد أرى سيّدي وإخوتي وعمومتي وولد عمّي وأهلي مضرّجين بدمائهم ، مرمّلين بالعرى ، مسلّبين لا يكفّنون ولا يوارون ، ولا يعرج عليهم أحد ، ولا يقربهم بشر ، كأنّهم أهل بيت من الديلم والخزر؟!

    فقالت : لا يجزعنّك ما ترى ، فو الله إنّ ذلك لعهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى جدّك وأبيك وعمّك ، ولقد أخذ الله ميثاق أُناس من هذه الأمّة لا تعرفهم فراعنة هذه الأمّة ، وهم معروفون في أهل السماوات أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة فيوارونها ، وهذه الجسوم المضرّجة وينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء لا يدرس أثره ، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام ، وليجتهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً ، وأمره إلاّ علوّاً» (١).

    __________________

    (١) كامل الزيارات ـ جعفر بن محمد بن قولويه / ٤٤٤. وفي الرواية بقية ، تقول زينب : إنّ أمّ أيمن حدّثتها أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله زار منزل فاطمة عليها‌السلام في يوم من الأيام ، فعملت له حريرة ، وأتاه علي عليه‌السلام بطبق فيه تمر ، ثمّ قالت أمّ أيمن : فأتيتهم بعسّ فيه لبن وزبد ، فأكل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليها‌السلام من تلك الحريرة ، وشرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وشربوا من ذلك اللبن ، ثمّ أكلّ وأكلوا من ذلك التمر والزبد ، ثمّ غسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يده وعلي يصبّ عليه الماء ، فلمّا فرغ من غسل يده مسح وجهه ،
    ٢١١

    زينب وابن زياد :

    واُدخِلت السبايا على عبيد الله بن زياد ، والتفت عبيد الله إلى زينب فقال لها : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم ، وأكذب أحدوثتكم.

    __________________

    ثمّ نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين نظراً عرفنا به السرور في وجهه ، ثمّ رمق بطرفه نحو السماء ملياً ، ثمّ وجّه وجهه نحو القبلة وبسط يديه ودعا ، ثمّ خرّ ساجداً وهو ينشج ، فأطال النشوج ، وعلا نحيبه وجرت دموعه ، ثمّ رفع رأسه وأطرق إلى الأرض ودموعه تقطر كأنّها صوب المطر ، فحزنت فاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم‌السلام ، وحزنت معهم ؛ لِما رأينا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهبناه أن نسأله ، حتّى إذا طال ذلك قال له علي ، وقالت له فاطمة : «ما يبكيك يا رسول الله لا أبكى الله عينيك؟ فقد أقرح قلوبنا ما نرى من حالك». فقال : «يا أخي ، سررت بكم سروراً ما سررت مثله قطّ ، وإنّي لأنظر إليكم وأحمد الله على نعمته فيكم ، إذ هبط عليّ جبرئيل فقال : يا محمّد ، إنّ الله تبارك وتعالى اطّلع على ما في نفسك ، وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيك ، فأكمل لك النعمة وهنّاك العطية بأن جعلهم وذرّيّاتهم ومحبّيهم وشيعتهم معك في الجنّة ، لا يفرّق بينك وبينهم ، يُحبَوْن كما تُحبى ، ويُعطَون كما تُعطى حتّى ترضى وفوق الرضا على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا ، ومكاره تصيبهم بأيدي أناس ينتحلون ملّتك ، ويزعمون أنّهم من أمّتك ، براء من الله ومنك ، خبطاً خبطاً ، وقتلاً قتلاً ، شتى مصارعهم ، نائية قبورهم ، خيرة من الله لهم ولك فيهم ، فاحمد الله عزّ وجلّ على خيرته ، وارضَ بقضائه ، فحمدت الله ورضيت بقضائه بما اختاره لكم. ثمّ قال لي جبرئيل : يا محمّد ، إنّ أخاك مضطهد بعدك ، مغلوب على أمّتك ، متعوب من أعدائك ، ثمّ مقتول بعدك ، يقتله أشرّ الخلق والخليقة ، وأشقى البرية ، يكون نظير عاقر الناقة ، ببلد تكون إليه هجرته ، وهو مغرس شيعته وشيعة ولده ... وإنّ سبطك هذا ـ وأومي بيده إلى الحسين عليه‌السلام ـ مقتول في عصابة من ذريّتك وأهل بيتك ، وأخيار من أمّتك ، بضفة الفرات بأرض يُقال لها : كربلاء ، وهي أطيب بقاع الأرض وأعظمها حرمة ، وإنّها من بطحاء الجنة ... ثمّ يبعث الله قوماً من أمّتك لا يعرفهم الكفّار ، لم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نيّة ، فيوارون أجسامهم ، ويقيمون رسماً لقبر سيّد الشهداء بتلك البطحاء ، يكون علماً لأهل الحقّ ، وسبباً للمؤمنين إلى الفوز. وتحفّه ملائكة من كلّ سماء مئة ألف ملك في كلّ يوم وليلة ، ويصلّون عليه ويسبحون الله عنده ، ويستغفرون الله لمَنْ زاره ، ويكتبون أسماء مَنْ يأتيه زائراً من أمّتك ، متقرّباً إلى الله تعالى وإليك بذلك ، وأسماء آبائهم وعشائرهم وبلدانهم ... وسيجتهد أناس ممّن حقّت عليهم اللعنة من الله والسخط أن يعفوا رسم ذلك القبر ويمحوا أثره ، فلا يجعل الله تبارك وتعالى لهم إلى ذلك سبيلاً». ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فهذا أبكاني وأحزنني».
    ٢١٢

    فقالت : الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وطهّرنا تطهيراً ، لا كما تقول أنت ، إنّما يفُتَضَحُ الفاسق ، ويكذب الفاجر.

    قال : فكيف رأيتِ صُنعَ الله بأهل بيتك؟

    قالت : كتب عليهم القتل ، فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم ، فتحاجّون إليه ، وتخاصمون عنده.

    قال : فغضب ابن زياد واستشاط.

    قال : فقال له عمرو بن حريث : أصلح الله الأمير إنّما هي امرأة ، وهل تؤاخذ المرأة بشيء من منطقها ، إنّها لا تؤاخذ بقول ولا تُلام على خَطَل.

    فقال لها ابن زياد : قد أشفى الله نفسي من طاغيتك ، والعصاة المردة من أهل بيتك.

    قال : فبكت ، ثمّ قالت : لعمري ، لقد قتلت كهلي ، وأبرت أهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فإن يُشفِكَ هذا فقد اشتفيت.

    قال أبو مخنف ، عن المجالد بن سعيد : أنّ عبيد الله بن زياد لمّا نظر إلى علي بن الحسين عليه‌السلام قال لشرطي : انطلقوا به فاضربوا عنقه. فقال له علي عليه‌السلام : إن كان بينك وبين هؤلاء النسوة قرابة فابعث معهنّ رجلاً يحافظ عليهنّ. فتعلّقت به عمّته زينب ، وقالت لزياد : حسبك منّا ما رويت من دمائنا؟ وهل أبقيت منّا أحداً؟ فقال ابن زياد : عجباً للرحم! والله إنّي لأظنّها ودّت لو أنّي لو قتلته قتلتها معه ، دعوا الغلام (١).

    شهادة عبد الله بن عفيف الأزدي :

    قال حميد بن مسلم : لمّا دخل عبيد الله القصر ، ودخل الناس نودي : الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس في المسجد الأعظم ، فصعد المنبر ابن زياد فقال : الحمد لله الذي أظهر الحقّ وأهله ، ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه ، وقتل الكذّاب ابن الكذّاب الحسين بن علي وشيعته.

    __________________

    (١) ‏ كان عليه‌السلام ابن خمس وعشرين ، ولكن مرض الإسهال جعله بمنظر الغلمان.
    ٢١٣

    فلمّا فرغ ابن زياد من مقالته وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ثمّ الغامدي ثمّ أحد بني والبة (وكان من شيعة علي ، وكانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع علي ، فلمّا كان يوم صفين ضُرب على رأسه ضربة وأخرى على حاجبه فذهبت عينه الأخرى ، فكان لا يكاد يُفارق المسجد الأعظم يصلي فيه إلى الليل ثمّ ينصرف).

    فلمّا سمع مقالة ابن زياد قال : يابن مرجانة ، إنّ الكذّاب ابن الكذّاب أنت وأبوك والذي ولاّك وأبوه. يابن مرجانة ، أتقتلون أبناء النبيين وتتكلّمون بكلام الصديقين؟! فقال ابن زياد : عليَّ به.

    فوثبت عليه الجلاوزة فأخذوه : فنادى بشعار الأزد : يا مبرور. قال : وعبد الرحمن بن مخنف الأزدي جالس فقال : ويح غيرك! أهلكت نفسك وأهلكت قومك. قال : وحاضر الكوفة يومئذ من الأزد سبعمئة مقاتل ، قال : فوثب إليه فِتية من الأزد فانتزعوه ، فأتوا به أهله ، فأرسل إليه مَنْ أتاه به فقتله ، وأمر بصلبه في السَّبخة فَصُلِب هنالك.

    موقف زيد بن أرقم :

    قال الطبري : لمّا وضِع رأس الحسين عليه‌السلام بين يدي ابن زياد أخذ ينكت بقضيب بين ثنيتيه ساعة ، فلمّا رآه زيد بن أرقم لا ينجُم (١) عن نكته بالقضيب ، قال له : اعلُ بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين ، فوالذي لا إله غيره ، لقد رأيت شفتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على هاتين الشفتين يقبّلهما ، ثمّ انفضخ الشيخ يبكي. وفي رواية الذهبي ، عن أبي داود السبيعي ، فقال له ابن زياد : ما يبكيك أيّها الشيخ؟ قال : يبكيني ما رأيت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رأيته يمصّ موضع هذا القضيب ويلثمه ، ويقول : «اللّهمّ إنّي أحبّه فأحبّه» (٢).

    فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك ، فوالله لولا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك. قال : فنهض فخرج.

    __________________

    (١) ‏لا ينجُم : أي استمر ينكته بالقضيب.

    (٢) سير أعلام النبلاء ٣ / ٣١٥.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 10:29 am



    تسيير الرؤوس وعيال الحسين عليه‌السلام إلى الشام :

    قال أبو مخنف : ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد نصب رأس الحسين عليه‌السلام بالكوفة ، فجعل يُدار به في الكوفة ، ثمّ دعا زُحَر بن قيس فسرَّح معه برأس الحسين ورؤوس أصحابه إلى يزيد بن معاوية ، وكان مع زحر أبو بردة بن عوف الأزدي وطارق بن أبي ظبيان الأزدي ، فخرجوا حتّى قدموا بها الشام على يزيد بن معاوية.

    قال هشام : فحدّثني عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي ، عن أبيه ، عن الغاز بن ربيعة الجرشي من حمير قال : والله ، إنّا لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زحر بن قيس حتّى دخل على يزيد بن معاوية ، فقال له يزيد : ويلك ما وراءك وما عندك؟ فقال : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره.

    قال : ثمّ إنّ عبيد الله أمر بنساء الحسين وصبيانه ، فجُهِّزْنَ وأمر بعلي بن الحسين عليه‌السلام فغُلَّ بِغِلٍّ إلى عنقه ، ثمّ سُرِّح بهم مع مُحَفِّز بن ثعلبة العائذي عائذة قريش ، ومع شمر بن ذي الجوشن ، فانطلقا بهم حتّى قدموا على يزيد.

    علي بن الحسين عليه‌السلام يواصل عمله التبليغي وهو أسير :

    روى ابن أعثم الكوفي قال : وأُتي بحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى أُدخلوا مدينة دمشق من باب يُقال له : باب توما ، ثمّ أُتي بهم حتّى وقفوا على درج باب المسجد حيث يُقام السبي ، وإذا شيخ قد أقبل حتّى دنا منهم ، وقال : الحمد لله الّذي قتلكم وأهلككم ، وأراح الرجال من سطوتكم ، وأمكن أمير المؤمنين منكم.

    فقال له عليّ بن الحسين عليه‌السلام : «يا شيخ هل قرأت القرآن؟».

    فقال : نعم ، قد قرأته.

    قال : فعرفت هذه الآية (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)؟

    قال الشيخ : قد قرأت ذلك.
    ٢١٥

    قال علي بن الحسين عليه‌السلام : «فنحن القربى يا شيخ».

    قال : فهل قرأت في سورة بني إسرائيل : (وآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّه)؟

    قال الشيخ : قد قرأت ذلك.

    فقال عليّ عليه‌السلام : نحن القربى يا شيخ.

    ولكن هل قرأت هذه الآية : (واعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى)؟

    قال الشيخ : قد قرأت ذلك.

    قال علي عليه‌السلام : فنحن ذو القربى يا شيخ ، ولكن هل قرأت هذه الآية : (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)؟

    قال الشيخ : قد قرأت ذلك.

    قال علي عليه‌السلام : «فنحن أهل البيت الذين خصّصنا بآية التطهير».

    قال : فبقي الشيخ ساعة ساكتاً نادماً على ما تكلّمه ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء ، وقال : اللّهمّ إنّي تائب إليك ممّا تكلّمته ، ومن بغض هؤلاء القوم ، اللّهمّ إنّي أبرأ إليك من عدو محمّد وآل محمّد من الجنّ والإنس (١).

    __________________

    (١) الفتوح ـ أحمد بن أعثم ٥ / ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ، وذكرها الطبري متفرّقة في تفسير الآيات بتفسيره. جامع البيان ١٠ / ٨ : قال : حدّثني محمد بن عمارة ، قال : ثنا إسماعيل بن أبان ، قال : ثنا الصباح بن يحيى المزني ، عن السدي ، عن ابن الديلمي ، قال : قال علي بن الحسين عليه‌السلام لرجل من أهل الشام : «أما قرأت في الأنفال : واعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ...؟» الأنفال / ٤١. قال : نعم. قال : فإنّكم لأنتم هم؟ قال : «نعم». وفي ٢٢ / ١٢ : قال : حدّثني محمد بن عمارة ، قال : ثنا إسماعيل بن أبان ، قال : ثنا الصباح بن يحيى المري ، عن السدي ، عن أبي الديلم ، قال : قال علي بن الحسين لرجل من أهل الشام : أما قرأت في الأحزاب : إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً؟ قال : ولأنتم هم؟ قال : «نعم». وفي ٢٥ / ٣٣ : قال : حدّثني محمد بن عمارة ، قال : ثنا إسماعيل بن أبان ، قال : ثنا الصباح بن يحيى المري ، عن السدي ، عن أبي الديلم قال : لمّا جيء بعلي بن الحسين عليهما‌السلام أسيراً ، فأقيم على درج دمشق ، قام رجل من أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم ،
    ٢١٦

    يزيد يستقبل الرؤوس وسبايا آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله :

    وجلس يزيد بن معاوية لاستقبالهم ، ودعا أشراف أهل الشام فأجلسهم حوله ، ثمّ دعا بعليّ بن الحسين عليه‌السلام وصبيان الحسين ونسائه فاُدخوا عليه ، والناس ينظرون.

    وروى سبط ابن الجوزي وغيره ، وقالوا : إنّ الصبيان والصبيات من بنات رسول الله كانوا موثّقين في الحبال (١).

    قال أبو مخنف : حدّثني الصقعب بن زهير ، عن القاسم بن عبد الرحمن مولى يزيد بن معاوية قال : لمّا وضِعت الرؤوس بين يدي يزيد ، رأس الحسين عليه‌السلام وأهل بيته وأصحابه قال يزيد :

    يفلقنّ هاماً من رجال أعزّةٍ




    علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

    فقال يحيى بن الحكم أخو مروان :

    لهامٌ بجنبِ الطفِّ أدنى قرابةً من




    ابن زياد العبد ذي الحسبِ الوغلِ

    يفلقنّ هاماً من رجال أعزّةٍ




    علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

    سميّة أمسى نسلُها عدد الحصى وبنتُ رسولِ اللهِ ليسَ لها نسلُ (٢) فضرب يزيد في صدر يحيى وقال : اسكت (٣).

    أحد أحبار اليهود يستنكر على يزيد :

    في فتوح ابن أعثم ، قال : فالتفت حبر من أحبار اليهود ، وكان حاضراً ، فقال : مَنْ هذا الغلام يا أمير المؤمنين؟

    فقال : هذا ، صاحب الرأس أبوه.

    __________________

    وقطع قرني الفتنة ، فقال له علي بن الحسين عليه‌السلام : «أقرأت القرآن؟». قال : نعم. قال : «أقرأت أل حم؟». قال : قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم. قال : «ما قرأت : قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى؟» (الشورى / ٢٣). قال : وإنّكم لأنتم هم؟ قال : «نعم».

    (١) تذكرة خواص الأمّة / ١٤٩ ، وفي اللهوف ، ومثير الأحزان / ٧٩ ، واللفظ للتذكرة.

    (٢) لا يخفى ما في البيتين من اختلاف حركة حرف الروي. (موقع معهد الإمامين الحسَنَين)

    (٣) الطبري ٤ / ٣٥٢.
    ٢١٧

    قال : ومَنْ هو صاحب الرأس يا أمير المؤمنين؟

    قال : الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

    قال : فمَنْ أمّه؟

    قال : فاطمة بنت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

    فقال الحبر : يا سبحان الله! هذا ابن (بنت) نبيّكم قتلتموه في هذه السرعة؟ بئس ما خلّفتموه في ذريته ، ... فارقكم نبيّكم بالأمس فوثبتم على ابن نبيّكم فقتلتموه؟! سوءة لكم من أمّة!

    قال : فأمر يزيد بكرٍّ (١) في حلقه.

    فقال الحبر : إن شئتم فاضربوني ، أو فاقتلوني ، أو قرّروني ؛ فإنّي أجد في التوراة أنّه مَنْ قتل ذريّة نبي لا يزال مغلوباً أبداً ما بقي ، فإذا مات يصليه الله نار جهنّم (٢).

    يزيد يتمثل بأبيات ابن الزبعرى :

    روى ابن أعثم والخوارزمي وابن كثير وغيرهم ، أنّ خليفة المسلمين يزيد جعل يتمثّل بأبيات ابن الزبعرى :

    ليتَ أشياخي ببدرٍ شهِدوا




    جزعَ الخزرج من وَقْع الأسلْ

    لأَهلّوا واستهلّوا فرَحاً




    ثمّ قالوا يا يزيد لا تُشَلْ

    قد قتلنا القَرْمَ (٣) من ساداتهم




    وعدلنا مَيْلَ بدر فاعتدلْ

    قال ابن أعثم : ثمّ زاد فيها هذا البيت من نفسه :

    لستُ من عتبة إن لم أنتقمْ




    من بني أحمدَ ما كان فعلْ

    وفي تذكرة خواصّ الأمّة : المشهور عن يزيد في جميع الروايات أنّه لمّا حضر الرأس

    __________________

    (١) الكر : الحبل الغليظ.

    (٢) فتوح ابن أعثم ٥ / ٢٤٦.

    (٣) ‏ القرم : السيد المعظم.
    ٢١٨

    بين يديه جمع أهل الشام ، وجعل ينكت عليه بالخيزران ، ويقول أبيات ابن الزبعرى :

    ليتَ أشياخي ببدرٍ شهِدوا




    جزعَ الخزرج من وَقْع الأسلْ

    قد قتلنا من ساداتهمْ




    وعدلنا ميل بدرٍ فاعتدلْ

    وقال : قال الشعبي : وزاد عليها يزيد فقال :

    لعبت هاشمُ بالملكِ فلا




    خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزلْ

    لستُ من خِندفَ إنْ لم أنتقمْ




    من بني أحمدَ ما كان فعلْ (١)

    قال العلاّمة العسكري : لمّا كانت أبيات ابن الزِّبَعرَى مشهورة ترويها الرواة قبل تمثّل يزيد ببعضها ، ثمّ تمثّل بها يزيد وأضاف إليها الأبيات الثاني والرابع والخامس فأخذها الرواة عنه ، وأحياناً أضافوا إلى ما أنشده يزيد ما كان في ذاكرتهم من أصل الأبيات ، ومن ثمّ حصل بعض الاختلاف في ألفاظ الروايات (٢).

    خطبة زينب في مجلس الخلافة :

    روى ابن طيفور (٣) قال : فلمّا مثُلوا بين يديه أمر برأس الحسين فأُبرز في طست ، فجعل ينكت ثناياه بقضيب في يده (٤) وهو يقول :

    __________________

    (١) إنّ أبيات ابن الزبعرى جاءت في سيرة ابن هشام ٣ / ٩٧ ، وشرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ٢ / ٣٨٢.

    (٢) معالم المدرستين ٣ / ١٦٢.

    (٣) بلاغات النساء / ٢٠ ـ ٢٣.

    (٤) روى قصة نكت يزيد رأس الحسين عليه‌السلام بقضيبه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٣ / ٣١٩. عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة ، عن أبيه ، عن جدّه قال : أخبرني أبي حمزة بن يزيد الحضرمي ، قال : رأيت امرأة من أجمل النساء وأعقلهن يُقال لها : ريا ، حاضنة يزيد ، يُقال : بلغت مئة سنة. قال : دخل رجل على يزيد فقال : أبشر فقد أمكنك الله من الحسين وجيء برأسه. قال : فوضع في طست ، فأمر غلام فكشف ، فحين رآه خمَّرَ وجهه كأنّه شمَّ منه ، فقلت لها : أَقَرَعَ ثناياه بقضيب؟ قالت : أي والله. ثمّ قال حمزة : وقد حدّثني بعض أهلنا أنّه رأى رأس الحسين عليه‌السلام مصلوباً بدمشق ثلاثة أيام. وروى (ص ٣٢٠) عن كثير بن هشام قال :
    ٢١٩

    يا غرابَ البين أسمعت فقلْ




    إنّما تذكر شيئاً قد فُعلْ

    ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا




    جزعَ الخزرج من وقع الأسلْ

    حين حكّت بقباءٍ بركها




    واستحرَّ القتلُ في عبد الأشلْ

    لأهلّوا واستهلوا فرحاً




    ثمّ قالوا يا يزيد لا تُشلْ

    فجزيناهم ببدرٍ مثلها




    وأقمنا ميلَ بدر فاعتدلْ

    لستُ للشيخين إن لم أثأَرِ




    من بني أحمدَ ما كان فعلْ

    فقالت زينب بنت علي عليه‌السلام :

    صدق الله سبحانه حيث يقول : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ). ثم أورد ابن طيفور تمام خطابها رضي‌الله‌عنها ، ونحن نورد الخطبة برواية ابن طاووس ؛ لأنّها أفصح وأتمّ في بعض الموارد.

    أظننتَ يا يزيد حيث أخذتَ علينا أقطارَ الأرض وآفاق السماء ، فأصبحنا نُساق كما تُساق الأسارى ، أنّ بنا على الله هواناً ، وبك عليه كرامة ، وأنّ ذلك لعظم خطرك عنده ، فشمختَ بأنفك ، ونظرت في عطفك ، جذلان مسروراً ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة ، والأمور متّسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا؟ فمهلاً مهلاً! أنسيت قول الله تعالى : (ولا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَِنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ)؟

    أمن العدل يابن الطلقاء تخديرَك حرائرَك وإماءَك ، وسَوْقَك بنات رسول الله سبابا ، قد هتكت ستورهنّ ، وأبديت وجوههنّ ، تحدو بهنَّ الأعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهنّ أهل المناهل والمعاقل ، ويتصفّح وجوههنَّ القريب والبعيد ، والدنيّ والشريف ، ليس معهنّ من حُماتهنّ حمي ، ولا من رجالهنّ ولي؟ وكيف يرتجى مراقبة مَنْ

    __________________

    حدّثنا جعفر بن برقان ، عن يزيد بن أبي زياد ، قال : لمّا أُتي يزيد برأس الحسين جعل ينكت سِنَّه ويقول : ما كنت أظنّ أبا عبد الله بلغ هذا السن ، وإذا لحيته ورأسه قد نصل من الخضاب.
    ٢٢٠

    لفظ فوهُ أكباد الأزكياء ، ونبت لحمُه من دماء الشهداء؟ وكيف يُستبطأ في بغضنا أهل البيت مَنْ نظر إلينا بالشَّنَف والشَّنَآن ، والإحَنِ والأضغان؟ ثمّ تقول غير متأثم ولا مستعظم :

    لأهلّوا واستهلوا فرحا




    ثمّ قالوا يا يزيد لا تَشلْ

    منحنياً على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنّة تنكتها بمخصرتك! وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة ، وأستأصلت الشأفة بإراقتك دماء ذريّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونجوم الأرض من آل عبد المّطلب؟ وتهتف بأشياخك زعمت أنّك تناديهم! فلتردنّ وشيكاً موردهم ، ولتودّنّ أنّك شُلِلْت وبَكُمت ، ولم تكن قلت ما قلت ، وفعلت ما فعلت.

    اللّهمّ خذ لنا بحقّنا ، وانتقم مّمن ظلمنا ، واحلل غضبك بمَنْ سفك دماءنا ، وقتل حماتنا. فوَالله ما فريت إلاّ جلدك ، ولا حززت إلاّ لحمك ، ولتردنّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما تحمّلت من سفك دماء ذرّيتّه ، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته ، حيث يجمع الله شملهم ، ويلمّ شعثهم ، ويأخذ بحقّهم ، (ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).

    وحسبك بالله حاكما ً ، وبمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله خصيماً ، وبجبريل ظهيراً ، وسيعلم مَنْ سوّل لك ومكَّنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلاً! وأيّكم شرّ مكاناً وأضعف جنداً! ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك ، إنّي لأستصغر قدرَك ، واستعظم تقريعَك ، واستكثر توبيخَك ، ولكن العيون عبرى ، والصدور حرّى. ألا فالعجب كلّ العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء! فهذه الأيدي تنطف من دمائنا ، والأفواه تتحلّب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل ، وتعفّرها اُمّهات الفراعل ، ولئن اتخذتنا مَغنماً لتجدنا وشيكاً مَغرماً ، حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك ، وما ربُّك بظلاّم للعبيد ، وإلى الله المشتكى وعليه المعوّل.
    ٢٢١

    «فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فَوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا يَرحض عنك عارها ، وهل رأيك إلاّ فند ، وأيّامك إلاّ عدد ، وجمعك إلاّ بدد؟ يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين».

    والحمد لله ربّ العالمين الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة ، ولأخرنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد ، ويحسن علينا الخلافة ، إنّه رحيم ودود ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

    فقال يزيد :

    يا صيحةً تُحمد من صوائح




    ما أهون النوح على النوائح

    وفي سِيَرِ أعلام النبلاء وتاريخ ابن كثير وغيرهما : أنّ رأس الحسين عليه‌السلام صُلب بمدينة دمشق ثلاثة أيّام (١).

    خطبة السجّاد عليه‌السلام في مسجد دمشق :

    وفي فتوح ابن أعثم ومقتل الخوارزمي : أنّ يزيد أمر الخطيب أن يرقى المنبر ويثني على معاوية ويزيد ، وينال من الإمام عليّ والإمام الحسين عليهما‌السلام ، فصعد الخطيب المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وأكثر الوقيعة في عليّ والحسين عليهما‌السلام ، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد.

    فقال علي بن الحسين : «يا يزيد ، ائذن لي حتّى أصعد هذه الأعواد فأتكلّم بكلمات فيهّن لله رضاً ، ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب». فأبى يزيد.

    __________________

    (١) سير أعلام النبلاء ٣ / ٢١٦ ، مقتل الخوارزمي ٢ / ٧٥ ، تاريخ ابن كثير ٨ / ٢٠٤ ، تاريخ ابن عساكر ـ الحديث ٢٩٦. وراجع خطط المقريزي ٢ / ٢٨٩ ، والإتحاف بحبّ الأشراف / ٢٣.
    ٢٢٢

    فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، ائذن له ليصعد ، فعلّنا نسمع منه شيئاً. فقال لهم : إن صعد المنبر هذا لم ينزل إلاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان.

    فقالوا : وما قدر ما يحسن هذا؟ فقال : إنّه من أهل بيت قد زقّوا العلم زقّاً. ولم يزالوا به حتّى أذن له بالصعود ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال :

    «أيّها النّاس ، أُعطينا ستّاً وفُضّلنا بسبع ؛ أُعطينا العلم ، والحلم ، والسماحة ، والفصاحة ، والشجاعة ، والمحبّة في قلوب المؤمنين ، وفُضّلنا بأنّ منّا النبي المختار محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنّا الصدّيق ، ومنّا الطيار ، ومنّا أسد الله وأسد الرسول ، ومنّا سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول ، ومنّا سبطا هذه الأمّة وسيّدا شباب أهل الجنّة ، فمَنْ عرفني فقد عرفني ، ومَنْ لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي :

    أنا ابن مكّة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حُمل الركن بأطراف الرداء ، أنا ابن خير مَنْ ائتزر وارتدى ، أنا ابن خير مَنْ انتعل واحتفى ، أنا ابن خير مَنْ طاف وسعى ، أنا ابن مَنْ حجّ ولبّى ، أنا ابن مَنْ حُمل على البراق في الهواء ، أنا ابن مَنْ أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، فسبحان مَنْ أسرى! أنا ابن مَنْ بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى ، أنا ابن مَنْ دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن محمّد المصطفى.

    أنا ابن مَنْ ضرب خراطيم الخلق حتّى قالوا لا إله إلاّ الله ، أنا ابن مَنْ بايع البيعتين ، وصلّى القبلتين ، وقاتل ببدر وحنين ، ولم يكفر بالله طرفة عين ، يعسوب المسلمين ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، سمح سخي ، بهلول زكي ، ليث الحجاز ، وكبش العراق ، مكيّ مدنيّ ، أبطحيّ تهاميّ ، خيفيّ عقبيّ ، بدريّ اُحديّ ، شجريّ مهاجري ، أبي السبطين الحسن والحسين علي بن أبي طالب.

    أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن سيّدة النساء ، أنا ابن بضعة الرسول ...».

    قال : ولم يزل يقول أنا أنا حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وخشي يزيد أن تكون فتنة.
    ٢٢٣

    فأمر المؤذّن أن يؤذّن ، فقطع عليه الكلام وسكت.

    فلمّا قال المؤذن : الله أكبر.

    قال علي بن الحسين عليه‌السلام : «كبّرت كبيراً لا يقاس ، ولا يدرك بالحواس ، ولا شيء أكبر من الله».

    فلمّا قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله.

    قال علي : «شهد بها شعري وبشري ، ولحمي ودمي ، ومُخّي وعظمي».

    فلمّا قال : أشهد أن محمّداً رسول الله ، التفت علي عليه‌السلام من أعلى المنبر إلى يزيد وقال : «يا يزيد ، محمّد هذا جدّي أم جدّك؟ فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت ، وإن قلت أنّه جدّي فلِمَ قتلت عترته؟».

    قال : وفرغ المؤذّن من الأذان والإقامة فتقدّم يزيد وصلّى الظهر (١).

    حديث علي بن الحسين عليه‌السلام مع المنهال :

    قال ابن أعثم : خرج علي بن الحسين عليه‌السلام ذات يوم ، فجعل يمشي في أسواق دمشق ، فاستقبله المنهال بن عمرو الصحابي ، فقال له : كيف أمسيت يابن رسول الله؟

    قال : «أمسينا كبني إسرائيل في آل فرعون ، يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم. يا منهال ، أمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّداً منهم ، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأنّ محمّداً منها ، وأمسينا أهل بيت محمّد ونحن مغصوبون مظلومون ، مقهورون مقتّلون ، مثبورون مطرّدون ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون على ما أمسينا فيه يا منهال» (٢).

    انكسار حاجز الخوف عند البعض :

    قال ابن الأثير وروى الأوزاعي ، عن شداد بن عبيد الله قال : سمعت واثلة بن الأسقع

    __________________

    (١) فتوح ابن أعثم ٥ / ٢٤٧ ـ ٢٤٩ ، ومقتل الخوارزمي ٢ / ٦٩ ـ ٧١ ، وقد أوجزنا لفظ الخطبة.

    (٢) فتوح ابن أعثم ٥ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 10:31 am



    وقد جيء برأس الحسين ، فلعنه رجل من أهل الشام ولعن أباه ، فقام واثلة وقال : والله ، لا أزال أحبّ علياً والحسن والحسين وفاطمة بعد أن سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول فيهم ما قال ، لقد رأيتني ذات يوم وقد جئت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيت أمّ سلمة ، فجاء الحسن فأجلسه على فخذه اليمنى وقبّله ، ثمّ جاء الحسين فأجلسه على فخذه اليسرى وقبّله ، ثمّ جاءت فاطمة فأجلسها بين يديه ، ثم دعا بعلي ، ثمّ قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

    قال شداد : قلت لواثلة : ما الرجس؟

    قال : الشك في الله عز وجل (١).

    خبر قتل الحسين عليه‌السلام في المدينة :

    قال هشام : حدّثني عوانة بن الحكم قال : لمّا قتل عبيد الله بن زياد الحسين بن علي عليه‌السلام وجيء برأسه إليه ، دعا عبد الملك بن أبي الحارث السلمي فقال : انطلق حتّى

    __________________

    (١) أسد الغابة ٢ / ١٩. وفي مصنّف ابن أبي شيبة ١٢ / ٧٢ ، شواهد التنزيل ـ الحسكاني ٢ / ٤٢ ، مسند أحمد ٤ / ١٠٤ ، واللفظ للأخير : حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا محمد بن مصعب قال : ثنا الأوزاعي ، عن شداد أبي عمّار قال : دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم ، فذكروا عليّاً ، وفي رواية ابن أبي شيبة والحسكاني : فشتموا ، فشتمته معهم ، فلما قاموا قال : شتمت هذا الرجل؟ قلت : رأيت القوم شتموه فشتمته معهم. فلمّا قاموا قال لي : ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قلت : بلى. قال : أتيت فاطمة (رضي الله تعالى عنها) أسألها عن علي ، قالت : «توجه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله». فجلست انتظر حتّى جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومعه علي وحسن وحسين (رضي الله تعالى عنهم) ، آخذ كل واحد منهما بيده حتّى دخل ، فأدنى علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه ، وأجلس حسناً وحسيناً كلّ واحد منهما على فخذه ، ثمّ لفّ عليهم ثوبه (أو قال : كساء) ، ثمّ تلا هذه الآية : (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، وقال : اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي ، وأهل بيتي أحق. قال ابن أبي شيبة : قال أبو أحمد العسكري : يُقال أن الأوزاعي لم يرو في الفضائل حديثاً غير هذا ، والله أعلم. قال : وكذلك الزهري لم يرو فيها إلاّ حديثاً واحداً ، كانا يخافان بني اُميّة.
    ٢٢٥

    تقدم المدينة على عمرو بن سعيد بن العاص فبشّره بقتل الحسين عليه‌السلام ، (وكان عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة يومئذ).

    قال : فذهب ليعتل له ، فزجره وكان عبيد الله لا يصطلي بناره ، فقال : انطلق حتّى تأتي المدينة ولا يسبقك الخبر ، وأعطاه دنانير وقال : لا تعتل وإن قامت بك راحلتك فاشتر راحلة.

    قال عبد الملك : فقدمت المدينة فلقيني رجل من قريش فقال : ما الخبر؟ فقلت : الخبر عند الأمير. فدخلت على عمرو بن سعيد فقال : ما وراءك؟

    فقلت : ما سرَّ الأمير ؛ قُتل الحسين بن علي عليه‌السلام.

    فقال : ناد بقتله. فناديت بقتله ، فلم أسمع والله واعية قطّ مثل واعية نساء بني هاشم في دورهنّ على الحسين عليه‌السلام.

    فقال عمرو بن سعيد ، وضحك :

    عجّت نساءُ بني زياد عجّةً




    كعجيج نسوتنا غداةَ الأرنبِ

    والأرنب : وقعة كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب من رهط عبد المدان ، وهذا البيت لعمرو بن معد يكرب.

    ثم قال عمرو : هذه واعية بواعية عثمان بن عفان. ثمّ صعد المنبر فأعلم الناس بقتله (١).

    إرجاع ذريّة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى مدينة جدّهم :

    روى الطبري : إنّ يزيد بن معاوية كلَّف النعمان بن بشير بأن يجهِّزهم بما يصلحهم ، ويبعث معهم رجلاً من أهل الشام أميناً صالحاً ، وبعث معه خيلاً وأعواناً فيسير بهم إلى المدينة.

    __________________

    (١) تاريخ الطبري ٥ / ٤٦٦ سنة ٦١.
    ٢٢٦

    وصول آل الرسول إلى كربلاء :

    وفي مثير الأحزان واللهوف : إنّ آل الرسول لمّا بلغوا العراق طلبوا من الدليل أن يمرّ بهم على كربلاء ، فلمّا وصلوا مصرع الشهداء وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري ، وجماعة من بني هاشم قدموا لزيارة قبر الحسين عليه‌السلام ، فوافَوا في وقت واحد ، فتلاقوا بالحزن والبكاء ، واجتمع إليهم نساء ذلك السواد ، وأقاموا على ذلك أيّاماً ، ثمّ انفصلوا من كربلاء قاصدين مدينة جدّهم.

    إقامة العزاء في مدينة النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله :

    روى بشير بن حذلم قال : لمّا قرُبنا من المدينة حطَّ علي بن الحسين عليه‌السلام رحله ، وضرب فسطاطه وأنزل نساءه ، وقال : «يا بشير ، رحم الله أباك لقد كان شاعراً ، فهل تقدر على شيء منه؟». فقال : بلى يابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّي لشاعر. فقال عليه‌السلام : «ادخل المدينة وانع أبا عبد الله».

    قال بشير : فركبت فرسي وركضت حتّى دخلت المدينة ، فلمّا بلغت مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رفعت صوتي بالبكاء ، وأنشأت أقول :

    يا أهلَ يثربَ لا مقامَ لكم




    بها قُتل الحسينُ فأدمعي مدرارُ

    الجسمُ منه بكربلاء مضرّجٌ




    والرأسُ منه على القناةِ يدارُ

    قال : ثمّ قلت : هذا علي بن الحسين عليه‌السلام مع عمّاته وأخواته قد حلّوا بساحتكم ، ونزلوا بفنائكم ، وأنا رسوله إليكم أعرّفكم مكانه.

    قال : فلم يبقَ في المدينة مخدّرة ولا محجّبة إلاّ برزنَ من خدورهنّ ، وهنّ بين باكية ونائحة ولاطمة ، فلم يُرَ يوم أمّر على أهل المدينة منه ، وسألوه : مَنْ أنت؟ قال : فقلت : أنا بشير ابن حذلم ، وجَّهني علي بن الحسين ، وهو نازل في موضع كذا وكذا مع عيال أبي عبد الله ونسائه. قال : فتركوني مكاني وبادروني ، فضربت فرسي حتّى رجعت إليهم فوجدت
    ٢٢٧

    الناس قد أخذوا الطرق والمواضع ، فنزلت عن فرسي وتخطَّيتُ رقاب الناس حتّى قربت من باب الفسطاط ، وكان علي بن الحسين عليه‌السلام داخلاً فخرج وبيده خرقة يمسح بها دموعه وخادم معه كرسيّ ، فوضعه وجلس وهو مغلوب على لوعته ، فعزّاه الناس. فأومأ إليهم أن اسكتوا ، فسكنت فورتهم ، فقال : «الحمد لله ربّ العالمين ، مالك يوم الدين ، بارئ الخلائق أجمعين ، الذي بَعُد فارتفع في السماوات العلى ، وقرب فشهد النجوى ، نحمده على عظائم الأمور ، وفجائع الدهور ، وجليل الرزء ، وعظيم المصائب. أيّها القوم ، إنّ الله وله الحمد ابتلانا بمصيبة جليلة ، وثلمة في الإسلام عظيمة ، قُتل أبو عبد الله وعترته ، وسبي نساؤه وصبيته ، وداروا برأسه في البلدان من فوق عالي السنان. أيّها الناس ، فأيّ رجالات يسرّون بعد قتله؟ أيّة عين تحبس دمعها وتضن عن انهمالها؟ فلقد بكت السبع الشداد لقتله ، وبكت البحار والسماوات والأرض والأشجار والحيتان ، والملائكة المقرّبون وأهل السماوات أجمعون. أيّها الناس ، أيّ قلب لا ينصدع لقتله؟ أم أيّ فؤاد لا يحنّ إليه؟ أم أيّ سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام فلا يُصَمُّ؟

    أيّها الناس ، أصبحنا مطرودين مشرّدين ، كأنّا أولاد ترك أوكابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، والله لو أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تقدّم إليهم في قتالنا كما تقدّم إليهم في الوصاية بنا لما زادوا على ما فعلوه ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون».

    فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان ، وكان زمِناً فاعتذر إليه فقبل عذره وشكر له ، وترحّم على أبيه (١).

    __________________

    (١) مثير الأحزان / ٩٠ ـ ٩١ ، واللهوف / ٧٦ ـ ٧٧.
    ٢٢٨

    الباب الرابع

    آثار نهضة الحسين عليه‌السلام وشهادته

    مقدّمة الباب :

    الفصل الأوّل : ردود الفعل السريعة

    الفصل الثاني : تتابع الثورات وانهيار الحكم الأموي

    الفصل الثالث : إعادة انتشار أحادي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم‌السلام ، والروايات الصحيحة في السيرة والتاريخ

    الفصل الرابع : حركة الأئمّة من ذرّية الحسين عليهم‌السلام
    ٢٢٩
    ٢٣٠

    مقدّمة الباب : الواقع السياسي والفكري ، وحال الاُمّة خلال سبعين سنة من قتل الحسين عليه‌السلام :

    كانت حركة الحسين عليه‌السلام نوراً هادياً لمَنْ أراد الهداية ، وزلزالاً مدمّراً لكيان بني اُميّة ، ولخطّتهم في تحريف دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله. وقد ظنّوا أنّهم باعتقال أنصار الحسين عليه‌السلام في الكوفة ، على الشبهة والظنّ ، ومن ثمّ محاصرته عليه‌السلام وقتله وسبي نسائه سوف يطفئون النور ، ويوقفون الزلزال ، ويقضون عليه ، وما دَرَوْا أنّ القيام المخلص لله والقتل في سبيله هو من أعظم الوسائل التي يتألق بها نور الهداية ، ويستحكم بها الزلزال على المنحرفين ، وتظهر معالمه جليّة واضحة في كلّ البلاد الإسلاميّة.

    فقد ثار أهل المدينة على يزيد بعد سنتين (٦٣ هجرية) من قتل الحسين عليه‌السلام.

    وأعلن أهل مكّة تمرّدهم في غضون ذلك ..

    وعاجل الله تعالى يزيد فأماته مبكّراً ، واستقال ولده معاوية الثاني ومات بعد استقالته بأيام ، وتمزّقت الدولة الاُمويّة شرّ ممزّق.

    فاقتتل أهل الشام بينهم من أجل الملك حتّى صفا الأمر لمروان بن الحكم بعد وقعة مرج راهط التي أهلكت آلاف الناس ، ومن بعده لابنه عبد الملك.

    واقتتل أهل خراسان قال المدائني : لمّا مات يزيد بن معاوية ، وثب أهل خراسان بعمّالهم فأخرجوهم ، وغلب كلّ قوم على ناحية ، ووقعت الفتنة ، وغلب عبد الله بن
    ٢٣١

    خازم على خراسان ، ووقعت الحرب (١) ، وأقرَّ عبد الله بن الزبير عبد الله بن خازم على خراسان ، وكاتَبَه عبد الملك ليبايع له فرفض ، فثار عليه وكيع بن الدورقية وقتله (٢). وفي البصرة ، روى أبو مخنف قال : وثب الناس بعبيد الله بن زياد ، وكسر الخوارج أبواب السجون ، وخرجوا منها (٣) ، وقادهم نافع بن الأزرق ، ومن بعده عبيد الله بن الماحوز ، وجرت بينهم وبين أهل البصرة حروب كثيرة ، ثمّ هزمهم المهلّب بن أبي صفرة عن الأهواز.

    وفي الكوفة وثب رؤساء الجيش والشرط بعمرو بن حريث خليفة ابن زياد ومدير شرطته ، وكان هواهم مع ابن الزبير ، فأخرجوه من القصر ، واصطلحوا على عامر بن مسعود بن أميّة الجمحي القرشي ، وبايعوا لابن الزبير ، ثمّ كُسرت السجون وخرج الشيعة.

    واقتتل أهل اليمن فيما بينهم كذلك.

    وكان البلد الوحيد الذي وجدت فيه حركة تحمل خطّ الحسين عليه‌السلام ونهجه ، هو الكوفة بزعامة سليمان بن صرد ، ثمّ بزعامة المختار الثقفي ، ولكن عبد الله بن الزبير لا يحتمل ذلك ، وبخاصة وأنّ الكوفة كانت تابعة له ، فبعث أخاه مصعب بأهل البصرة وبقايا

    __________________

    (١) تاريخ الطبري ٥ / ٥٤٦.

    (٢) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب : عبد الله بن خازم السلمي أبو صالح البصري ، أمير خراسان ، يُقال : له صحبة ورواية. روى عنه سعد بن عثمان الرازي ، وسعيد بن الأزرق. قال أبو أحمد العسكري : كان من أشجع الناس ، ولي خراسان عشر سنين ، وافتتح الطبسين ، ثمّ ثار به أهل خراسان فقتلوه ، وكان الذي تولّى قتله وكيع بن الدورقية ، وحمل رأسه إلى عبد الملك بن مروان. وقال صالح بن الرحبية : قُتل سنة ٧١. وقال السلامي في تاريخه : لمّا وقعت فتنة ابن الزبير كتب إليه بن خازم بطاعته ، فأقرّه على خراسان ، فبعث إليه عبد الملك بن مروان يدعوه إلى طاعته فلم يقبل ، فلمّا قتل مصعب بعث إليه عبد الملك برأسه ، فغسله وصلّى عليه ، ثمّ ثار عليه وكيع بن الدورقية وغيره فقتلوه ، وبمعنى ذلك حكى أبو جعفر الطبري ، وزاد : وكان قتله في سنة ٧٢.

    (٣) تاريخ الطبري ٥ / ٥٦٧ ، عن أبي مخنف.
    ٢٣٢

    الجيش الذي قاتل الحسين عليه‌السلام الذي خرج من الكوفة فارّاً من المختار ، وطوّق الكوفة وقتل المختار ، وقتل بعد ذلك زوجة المختار ؛ لأنّها لم تتبرّأ منه ، ومعها ستة آلاف صبراً ممّن كان مع المختار في القصر.

    ولئن استطاع عبد الملك بعد عشرين سنة أن ينتصر على المعارضة والثوار في أنحاء البلاد الإسلاميّة ، وأن يستعيد وحدة الدولة الاُمويّة ، وفرض السياسة التي اختطّها معاوية من جديد ، فإنَّ حرارة الزلزال في الكوفة والمغتربين من أبنائها في خراسان لم تكن قد انتهت ، فكانت ثورة زيد في الكوفة ، وكان قدره فيها كقدر جدّه الحسين عليه‌السلام أن يكون وقوداً وزيتاً للثائرين. ثمّ كانت ثورة العباسيِّين بالكوفيين المغتربين ومَنْ معهم من أهل خراسان ، وانهار على أيديهم الحكم الأموي ، والأطروحة الاُمويّة للإسلام المبني على لعن علي عليه‌السلام إلى غير رجعة ، حيث لم يجئ حكم بعد ذلك يتبنّى لعن علي عليه‌السلام إلى اليوم ، ولن يجيء إلى آخر الدنيا.

    وانتشرت الأحاديث النبويّة التي عمل بنو اُميّة على طمسها ، وكتمانها وتحريفها ، واهتدى بها مَنْ أراد الهداية من الأمّة ، وهي محفوظة في كتب المسلمين جميعاً إلى اليوم. وأيّد الله تعالى الحسين تأييداً خاصاً حين بتر نسل يزيد فلا يوجد اليوم مَنْ ينتسب إليه ، وبارك الله تعالى في نسل الحسين عليه‌السلام فهو يملأ الدنيا ، ورزقه منهم تسعة أئمّة هدى أسباطاً ، أعلام هداية ، نشروا ما كان يحمله الحسين عليه‌السلام من تراث نبوي كتبه علي عليه‌السلام بيده الكريمة الطاهرة ، وأملاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من فيه الشريف المطهّر ، والتفّ حولهم شيعة يأخذون عنهم هذا التراث الإلهي ، ويحملون ظلامة الحسين عليه‌السلام غضّة طرية كلّ عام في عاشوراء ؛ ليهتدي بهديها مَنْ شاء من الناس.

    وفيما يلي الحديث عن طرف من أخبار الذين استاؤوا لقتله ، أو ندموا على مقاتلته ، أو ندموا لخذلانه.

    ثمّ الحديث عن أهم الثورات التي توالت على الحكم الأموي حتّى أطاحت به.
    ٢٣٣

    ثمّ الحديث عن انتشار أحاديث النبي في أهل بيته ،وفشل خطّة بني اُميّة في طمسها.

    ثمّ الحديث عن الأئمّة من ذرية الحسين عليه‌السلام : السجّاد ، والباقر ، والصادق عليهم‌السلام ، ونشرهم التراث النبوي الذي وصلهم من خلال أبيهم الحسين عليه‌السلام ، وتأسيس الشيعة عليه ، حيث برزوا كياناً علمياً متزامناً مع انهيار دولة بني اُميّة استطاع أن يشقّ طريقه إلى اليوم ، رغم خطّة بني العباس في تذويبه واحتوائه.
    ٢٣٤

    الفصل الأول : ردود الفعل السريعة لمقتل الحسين عليه‌السلام

    المسلمون زمن الحسين عليه‌السلام ؛ إمّا ناصرون ، وإمّا خاذلون ، وإمّا قاتلون :

    أمّا الناصرون : فكان غالبيتهم من أهل الكوفة ، وقد سُجن منهم ما يقرب من اثني عشر ألف (١) ، واختفى عدد آخر ، ولم يمكنه أن يخترق المفارز التي وضعت على الطرق ليلحق بالحسين عليه‌السلام. وكان قد سبق وجوه منهم إلى الحسين وبقوا معه في مكّة ، ثمّ رافقوه حتّى وصوله كربلاء ، فقاتلوا بين يديه حتّى قُتل. وهؤلاء لم يتجاوزوا الستين رجلاً ، بعد أن إنضاف إليهم ما دون العشرة ممّن لم يسجن ، واستطاع أن يخترق المفارز التي وضِعت على الطرق ، وليس من شك أنّ هؤلاء المسجونين والمختفين حين بلغهم قتل الحسين عليه‌السلام عاشوا في حزن عميق ، وأسى ملأ عليهم كيانهم ووجودهم. وقد سارع بعضهم للاستنكار على ابن زياد ممّن كان معذوراً من اللحاق بالحسين عليه‌السلام لفقدانه البصر ، ولازم المسجد للعبادة كعبد الله بن عفيف الأزدي ، فقُتِل ومضى شهيداً على ما مضى عليه الحسين عليه‌السلام. أمّا بقيتهم كالمختار ، وسليمان بن صرد ، والمسيّب بن نجية ، ورفاعة بن شداد وغيرهم فقد

    __________________

    (١) قال المظفر في تاريخ الشيعة / ٣٤ : إنّ عبيد الله بن زياد سجن اثني عشر ألفاً من الشيعة ، ولم يترك واحداً (من زعمائهم طليقاً). انظر أيضاً المختار بن عبيد الثقفي ـ للدكتور علي حسني الخربوطلي / ٧٤ ـ ٧٥.
    ٢٣٥

    تريث حتّى تتهيأ أسباب القيام بعمل نافع في الظرف المناسب ، وفق خطّة الحسين عليه‌السلام التي اطّلعوا عليها مسبقاً حين التقوا الحسين وهو في مكّة.

    أمّا الخاذلون : فهم كلّ المسلمين الذين كانوا في مكّة ممّن بلغته حركة الحسين عليه‌السلام ، ووصلهم نداؤه ولم يجيبوه. نعم ، يوجد منهم مَنْ أجازه الحسين عليه‌السلام بالبقاء كابن عباس وابن الحنفيّة ونظرائهم من حملة الحديث النبوي الصحيح. وممّا لا شك فيه أنّ قسماً من الخاذلين ؛ سواء من الكوفيين ، أو من غيرهم حين بلغهم نبأ شهادة الحسين عليه‌السلام قد ندموا ندماً شديداً ، ونموذجهم ولسان حالهم عبيد الله بن الحرّ ، وسيأتي الحديث عنه.

    أمّا القاتلون : فهم جيش بني اُميّة من أبناء الكوفة ، هذا الجيش الذي بناه معاوية بشكل خاصّ في فترة حكمه بعد وفاة الحسن عليه‌السلام ، وقد مرّ الحديث عنه وعن تربيته في الباب الأوّل ، ووجوه هؤلاء شبث بن ربعي ، وحجّار بن أبجر ، ومحمد بن الأشعث ، وعمر بن سعد ، وشمر بن ذي الجوشن وغيرهم. وهم المعروفون بأشراف الكوفة في لغة أبي مخنف وغيره ممّن كتب عن الحسين من الرواة في العهد العباسي. ولم يندم من هؤلاء الوجوه أحد. نعم ، ندم البعض ممّن كان في الجيش ولم يشترك بقتال وهم قليل.

    وفيما يلي طرف من أخبار مَنْ استاء لقتله ، ومَنْ ندم على خذلانه :

    نماذج ممّن استاء لقتله عليه‌السلام :

    زوجة خَوَلِّي :

    قال هشام : فحدّثني أبي عن النوار بنت مالك قالت : أقبل خولّي برأس الحسين فوضعه تحت إجّانة في الدار ، ثمّ دخل البيت فآوى إلى فراشه ، فقلت له : ما الخبر ما عندك؟

    قال : جئتُكِ بِغِنَى الدهر ، هذا رأس الحسين معكِ في الدار.

    قالت : فقلت : ويلك! جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟! لا والله ، لا يجمع رأسي ورأسك بيت أبداً.
    ٢٣٦

    زوجة كعب بن جابر :

    قال الطبري : لمّا رجع كعب بن جابر قالت له امرأته (أو أخته النوار بنت جابر) : أعنت على ابن فاطمة وقتلت سيّد القراء؟! لقد أتيت عظيماً من الأمر. والله ، لا أكلمك من رأسي كلمة أبداً.

    فقال كعب بن جابر :

    سلي تُخبَري عني وأنت ذميمةٌ




    غَداة حسينٍ والرماحُ شوارعُ

    ألم آتِ أقصى ما كرِهتِ ولم يُخِلْ




    عليَّ غداة الروعِ ما أنا صانعُ

    معي يَزَنيٌّ لم تخُنه كُعوبه




    وأبيضُ مخشوبُ الغِرارين قاطعُ

    فجرَّدتُه في عُصبة ليس دينُهم




    بديني وإنّي بابن حربٍ لقانعُ

    ولم ترَ عيني مثلَهم في زمانهم




    ولا قبلَهم في الناس إذ أنا يافعُ

    أشدَّ قِراعاً بالسيوف لدى الوغى




    ألا كلُّ مَنْ يحمي الذمارَ مقارعُ

    وقد صبروا للطعنِ والضربِ حُسَّراً




    وقد نازلوا لو أنَّ ذلك نافعُ

    قتلتُ بُريراً ثمّ حَمَّلتُ نعمة




    أبا منقذٍ لمّا دعا مَنْ يماصعُ

    قال أبو مخنف : حدّثني عبد الرحمن بن جندب قال : سمعته في إمارة مصعب بن الزبير وهو يقول : يا ربّ إنّا قد وفينا ، فلا تجعلنا يا ربّ كمَنْ قد غدر.

    أقول : يريد كعب بقوله : إنّه وفى ببيعته للخليفة يزيد ، ويريد بمَنْ غدر ببيعته ليزيد أنصار الحسين عليه‌السلام الذين قُتلوا بين يديه ، والذين سجنهم ابن زياد ، ثمّ خرجوا من السجن بعد ذلك وتحرّكوا مع سليمان بن صرد والمختار.

    مرجانة أمّ عبيد الله :

    قالت لابنها حين قتل الحسين عليه‌السلام : ويلك ماذا صنعت؟! وماذا ركبت؟!

    عبد الله بن الزبير :

    روى الطبري عن هشام ، عن أبي مخنف ، عن عبد الملك بن نوفل قال : حدّثني أبي قال :
    ٢٣٧

    لمّا قُتل الحسين عليه‌السلام قام ابن الزبير في أهل مكّة وعظّم مقتله ، وقال :

    رحم الله حسيناً ، وأخزى قاتل الحسين عليه‌السلام ...

    لقد اختار الحسين الميتة الكريمة على الحياة الذميمة ...

    أفبعد الحسين عليه‌السلام نطمئن إلى هؤلاء القوم ، ونصدّق قولهم ، ونقبل لهم عهداً؟!

    لا ولا نراهم لذلك أهلاً.

    أما والله لقد قتلوه ، طويلاً بالليل قيامه ، كثيراً في النهار صيامه ، أحقّ بما هم فيه منهم ، وأولى به في الدين والفضل.

    أما والله ما كان يبدِّل بالقرآن الغناء ، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء ، ولا بالصيام شرب الحرام ، (ولا بالمجالس في حلق الذكر الركض في تطلاب الصيد ـ يعرِّض بيزيد ـ فسوف يلقون غيّاً).

    فثار إليه أصحابه فقالوا له : أيّها الرجل ، أظهر بيعتك ؛ فإنّه لم يبقَ أحد إذ هلك الحسين ينازعك هذا الأمر. وقد كان يبايع الناس سرّاً ويظهر أنّه عائذ بالبيت.

    فقال لهم : لا تعجلوا (١).

    عثمان بن زياد أخو عبيد الله :

    قال الطبري : قال عثمان بن زياد أخو عبيد الله : والله ، لوددت أنّه ليس من بني زياد رجل إلاّ وفي أنفه خزامة إلى يوم القيامة ، وأنّ حسيناً لم يُقتل.

    ممّن ندم على خذلانه عبيد الله بن الحرّ :

    قال الطبري : روى أحمد بن زهير ، عن علي بن محمد ، عن علي بن مجاهد : أنّ عبيد الله بن الحرّ كان رجلاً من خيار قومه صلاحاً وفضلاً ، وصلاة واجتهاداً ، فلمّا قُتل عثمان وهاج الهَيج بين علي ومعاوية قال : أما إنّ الله ليعلم أنّي اُحبُّ عثمان ولأنصرنّه ميتاً.

    __________________

    (١) تاريخ الطبري ٥ / ٤٧٥.
    ٢٣٨

    فخرج إلى الشام فكان مع معاوية ، وخرج مالك بن مسمع إلى معاوية على مثل ذلك الرأي في العثمانية ، فأقام عبيد الله عند معاوية وشهد معه صفين ، ولم يزل معه حتّى قُتل علي عليه‌السلام ، فلمّا قُتل علي قدم الكوفة.

    أقول : قدم الكوفة بعد أن تمّ الصلح بين معاوية والحسن عليه‌السلام وصارت الكوفة تابعة لمعاوية.

    قال ابن سعد : لقي عبيد الله بن الحرّ الحسين بن علي عند قصر مقاتل ، فدعاه حسين إلى نصرته والقتال معه ، فأبى وقال : قد أبيت أباك قبلك (١).

    قال ابن سعد : فندم عبيد الله بن الحرّ على تركه نصرة حسين عليه‌السلام (٢).

    قال أبو مخنف : حدّثني عبد الرحمن بن جندب الأزدي أنّ عبيد الله بن زياد بعد قتل الحسين عليه‌السلام تفقّد أشراف أهل الكوفة فلم يرَ عبيد الله بن الحرّ ، ثمّ جاءه بعد أيام حتّى دخل عليه فقال : أين كنت يابن الحرّ؟

    قال : كنت مريضاً. قال : مريض القلب ، أو مريض البدن؟

    قال : أمّا قلبي فلم يمرض ، وأمّا بدني فقد منَّ الله عليَّ بالعافية. فقال له ابن زياد : كذبت ، ولكنّك كنت مع عدوّنا. قال : لو كنت مع عدوّك لرُئي مكاني ، وما كان مثل مكاني يخفى.

    قال : وغفل عنه ابن زياد غفلة ، فخرج ابن الحرّ فقعد على فرسه.

    فقال ابن زياد : أين ابن الحرّ؟ قالوا : خرج الساعة. قال : عليّ به. فحضرته الشرطة ، فقالوا له : أجب الأمير ، فدفع فرسه. ثمّ قال : أبلغوه أنّي لا آتيه والله طائعاً أبداً. ثمّ خرج حتّى أتى منزل أحمر بن زياد الطائي ، فاجتمع إليه في منزله أصحابه ، ثمّ خرج حتّى أتى كربلاء ، فنظر إلى مصارع القوم ، فاستغفر لهم هو وأصحابه ، ثمّ مضى حتّى نزل المدائن ،

    __________________

    (١) تاريخ الطبري ٥ / ٤٠٧.

    (٢) طبقات ابن سعد المفقود ١ / ٥١٣.
    ٢٣٩

    وقال في ذلك :
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 10:33 am



    وقال في ذلك :

    يقول أميرٌ غادرٌ حقَّ غادرٍ




    ألا كنتُ قاتلتَ الشهيدَ ابن فاطمهْ

    فيا ندمي إلاّ أكونَ نصرتُه




    ألا كلُّ نفسٍ لا تُسددُ نادمهْ

    وإنّي لأنّي لم أكن من حُماتِه




    لذو حسرةٍ ما إن تُفارِق لازمهْ

    سقى اللهُ أرواحَ الذين تآزروا




    على نصرهِ سُقيَاً من الغيثِ دائمهْ

    وقفتُ على أجداثهم ومجالِهمْ




    فكادَ الحشا ينفضُّ والعينُ ساجمهْ

    لَعمري لقد كانوا مصاليتَ في الوغى




    سِراعاً إلى الهيجا حماةً خضارمهْ

    تآسَوْا على نصرِ ابنِ بنتِ نبيّهم




    بأسيافهمِ آسادُ غيلٍ ضراغمهْ

    فإن يُقتَلوا فكلّ نفسٍ تقيّةٍ




    على الأرضِ قد أضحت لذلك واجمهْ

    وما أن رأى الراؤون أفضلَ منهمُ




    لدى الموتِ ساداتٍ وزُهراً قماقمهْ

    أتقتلهم ظلماً وترجو وِدادَنا




    فَدَع خُطّةً ليست لنا بملائمهْ

    لَعمري لقد راغمتُمونا بقتلهم




    فكم ناقمٍ منّا عليكم وناقمهْ

    أهُمُّ مِراراً أن أسيرَ بجحفلٍ




    إلى فئةٍ زاغت عن الحقِّ ظالمهْ

    فكُفُّوا وإلاّ ذُدتُكم في كتائبٍ




    أشدَّ عليكم من زُحوفِ الديالمهْ (١)

    وقال أيضاً :

    أيرجو ابنُ الزبيرِ اليومَ نصري




    بعاقبةٍ ولم أنصر حسينا

    وكان تخلُّفي عنه تَباباً




    وتَركي نصرَهُ غُبناً وحَيْنا (٢)

    ولو أنّي اُواسيه بنفسي




    أصبتُ فضيلةً وقَرَرْتُ عينا

    وقال أيضاً :

    يا لكِ حسرةً ما دمتُ




    حيّاً تَردَّدُ بين حلقي والتراقي

    __________________

    (١) تاريخ الطبري ٥ / ٤٧٠ ، الطبقات ١ / ٥١٥.

    (٢) التباب : الخسران. الحين بفتح الحاء : الهلاك.
    ٢٤٠

    حسينٌ حين يطلبُ بذلَ نَصري




    على أهلِ العداوةِ والشقاقِ

    ولو أنّي أُواسيهِ بنفسي




    لَنِلْتُ كرامةً يومَ التلاقِ

    مع ابن المصطفى نفسي فداهُ




    فولّى ثمّ ودَّع بالفراقِ

    غداةَ يقولُ لي بالقَصرِ قولاً




    أتتركُنا وتُزمِعُ بانطلاقِ

    فلو فَلَقَ التلَهُّفُ قلبَ حيٍّ




    لهَمَّ اليومَ قلبي بانفلاقِ

    فقد فازَ الأُلى نصروا حسيناً




    وخابَ الآخرونَ اُولي النفاقِ (١)

    (ومن الجدير ذكره أنّ حسرة عبيد الله بن الحرّ وندمه على ترك نصرة الحسين عليه‌السلام لم ترتفع به إلى وعي هدف حركة الحسين عليه‌السلام وشهادته) ، ومن هنا لم يصبح في صف الشيعة الثائرين لمواصلة خطّة الحسين عليه‌السلام ، بل اختار عبد الله بن الزبير مرّة ، وعبد الملك بن مروان أخرى ، ثمّ قُتل وهو من أنصار عبد الملك بن مروان (٢).

    ممّن ندم على مقاتلته :

    حفظت لنا كتب التاريخ كلمات وأبيات للمشاركين في قتل الحسين عليه‌السلام تكشف لنا عن ندمهم ، منهم رضي بن منقذ العبدي ، وينسب إليه قوله :

    لو شاء ربّي ما شهدتُ قتالهمْ




    ولا جعلَ النعماء عندي ابن جابرِ

    لقد كانَ ذاك اليوم عاراً وسُبَّة




    يعيِّره الأبناء بعد المعاشرِ

    فيا ليت أنّي كنت من قبل قتلِهِ




    ويوم حسين كنت في رمس قابر (٣)

    كانت هذه ردود فعل سريعة وانتهت سريعاً أيضاً.

    __________________

    (١) الطبقات ١ / ٥١٦.

    (٢) انظر تفاصيل ذلك في تاريخ الطبري ٦ / ١٢٩ ـ ١٣٦.

    (٣) تاريخ الطبري ٥ / ٤٣٣.
    ٢٤١

    قال ابن أعثم : لمّا قُتل الحسين عليه‌السلام استوسق العراقان جميعاً (الكوفة والبصرة) لعبيد الله بن زياد وأوصله يزيد بألف ألف درهم جائزة ، ثمّ علا أمره ، وارتفع قدره ، وانتشر ذكره ، وبذل الأموال ، واصطنع الرجال ، ومدحته الشعراء حتّى قال فيه المليح بن الزبير الأسدي :

    إليك عبيد الله تهوى ركابنا




    تسعفُ إخوانَ الفلاةِ وتدأبُ

    إذا ذكروا فضل امرئ ونوالَهُ




    ففضلُ عبيد الله أسنى وأطيبُ (١)

    أقول :

    استمر الحال كذلك إلى قريب من سنتين حتّى ثار أهل المدينة ، ولم تكن ثورتهم لأجل إحياء خطّة الحسين عليه‌السلام ، بل كانت تأثّراً بثورته وشهادته.

    واقتص منهم يزيد بقسوة متناهية.

    ثمّ غزا البيت الحرام ، حيث كان عبد الله بن الزبير قد أعلن ثورته هناك ، ورماه بالمنجنيق.

    ثمّ بتر الله عمر يزيد (هُو يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يونس / ٥٦ ، فمات بعد قتل الحسين بثلاث سنوات.

    واستقال ابنه معاوية الثاني بعد أن جاءته البيعة من الآفاق : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِه) الأنفال / ٢٤.

    واقتتل أهل الشام على السلطة.

    وتزلزلت الأرض تحت بني اُميّة حتّى انهار حكمهم سنة ١٣٢ هجرية كما سنبيّنه في الفصل الآتي.

    __________________

    (١) ‏الفتوج ٥ / ٢٥٢.
    ٢٤٢

    الفصل الثاني : تتابع الثورات وانهيار الحكم الأموي

    سير الحوادث خلال سبعين سنة من قتل الحسين عليه‌السلام :

    ١ ـ عهد يزيد.

    عاش يزيد بعد قتل الحسين عليه‌السلام ثلاث سنوات وشهر وبضعة أيام ، كانت أهم أعماله فيها غزو المدينة وإباحتها ثلاثة أيام للجند الشامي ، غزو الكعبة ورميها بالمنجنيق حتّى أصابها الضرر.

    ٢ ـ بعد موت يزيد.

    بويع لمعاوية بن يزيد بعد موت أبيه ، غير أنّه استقال ، ثمّ توفي بعد ذلك بمدّة يسيرة ، وبذلك انتهت أسرة معاوية.

    وتصدّعت الدولة وتمزّقت وعاشت (من سنة ٦٤ هجرية إلى سنة ٨٣ هجرية) حالة من التمزّق والحروب الداخلية ، ثمّ استقر الأمر لعبد الملك بن مروان سنة ٨٣ هجرية.

    ـ اقتتال أهل الشام بعد موت يزيد واستقالة ابنه معاوية (١).

    __________________

    (١) انتهى آخر اختلاف لأهل الشام وفلسطين آخر سنة ٦٦. قال المسعودي في مروج الذهب ٣ / ٩٧ ـ ٩٨ :
    ٢٤٣

    ـ اقتتال أهل الحجاز مع أهل الشام ، وانتصار ابن الزبير لمدّة سنوات. ثمّ انتصار عبد الملك عليه سنة ٧٣.

    ـ اقتتال أهل البصرة ، ثمّ استقرار الأمر لابن الزبير.

    ـ ثورة المختار وقتالهم لأهل الشام ، ثمّ قتال مصعب للمختار وانتصاره عليه ، ثمّ قتل عبد الملك لمصعب وانتصاره عليه.

    ـ اختلاف أهل اليمن واقتتالهم وانتصار خط ابن الزبير ، ثمّ البيعة لعبد الملك بن مروان. ـ اختلاف أهل خراسان واقتتالهم والبيعة لابن الزبير ، ثمّ لعبد الملك بن مروان سنة.

    ٣ ـ عهد عبد الملك بن مروان وولده الوليد (٧٢ ـ ٨٦)

    ـ ثورة ابن الأشعث.

    ٤ ـ الدولة الإسلاميّة في عهد عمر بن عبد العزيز (٩٩ ـ ١٠١)

    ٥ ـ الوضع السياسي في عهد هشام بن عبد الملك (١٠١ ـ ١٢٣)

    __________________

    وقد كان عبد الملك بن مروان سار في جيوش أهل الشام فنزل بطنان (من أعيان قرى مصر قريبة من الفسطاط ـ معجم البلدان) ينتظر ما يكون من أمر ابن زياد ، فأتاه مقتله ومقتل مَنْ كان معه ، وهزيمة الجيش بالليل. وأتاه في تلك الليلة مقتل حبيش بن دلجة ، وكان على الجيش بالمدينة لحرب ابن الزبير. (ثمّ جاءه خبر دخول ناتل بن قيس فلسطين من قبل ابن الزبير ، ومسير مصعب بن الزبير من المدينة إلى فلسطين) ، ثمّ جاءه خبر دمشق وأن عبيدها وأوباشها ودعارها قد خرجوا على أهلها ونزلوا الجبل ، ثمّ أتاه أنّ مَنْ في السجن بدمشق فتحوا السجن وخرجوا منه مكابرة ، وأنّ خيل الأعراب أغارت على حمص وبعلبك والبقاع ، وغير ذلك من المفظعات في تلك الليلة ، فلم يرَ عبد الملك في ليلة قبلها أشدّ ضحكاً ، ولا أحسن وجهاً ، ولا أبسط لساناً ، ولا أثبت جناناً منه تلك الليلة ؛ تجلّداً وسياسة للملوك ، وترك إظهار الفشل. وبعث بأموال وهدايا إلى ملك الروم فشغله وهادنه ، وسار إلى فلسطين وبها ناتل بن قيس على جيش ابن الزبير ، فالتقوا بأجنادين (موضع معروف بالشام من فلسطين من الرملة من كورة ببيت جبرين ، وبه للمسلمين مع الروم يوم مشهور) ، فقتل ناتل بن قيس وعامّة أصحابه ، وانهزم الباقون ، ونمي خبر مقتله وهزيمة الجيش إلى مصعب بن الزبير وهو في الطريق ، فولّى راجعاً إلى المدينة ، ورجع عبد الملك على دمشق فنزلها.
    ٢٤٤

    أ ـ ثورة زيد بن علي ، ثمّ ثورة ولده يحيى.

    ب ـ موت هشام ١٢٥ سنة واختلاف بني اُميّة.

    ج ـ حركة أبي حمزة الخارجي في المدينة.

    د ـ حركة عبد الله بن معاوية بن جعفر.

    ٦ ـ ثورة العباسيِّين وسقوط بني اُميّة
    ٢٤٥

    ثورة أهل المدينة

    رواية زهير بن أبي خيثمة وخليفة بن خياط :

    روى أحمد بن زهير بن أبي خيثمة (١) قال : حدّثنا أبي زهير (٢) قال : حدّثنا وهب بن جرير :

    __________________

    (١) قال ابن حجر في لسان الميزان : (أحمد بن زهير بن حرب بن شدّاد النسائي الأصل البغدادي ، أبو بكر بن أبي خيثمة الحافظ الكبير ابن الحافظ) ، ولد سنة خمس ومئتين ، سمع أباه ، وأبا نعيم ، وعفّان ، ومسلم بن إبراهيم ، وأبا سلمة التبوذكي في عدد كثير ، وصنّف التاريخ فجرّده. روى عنه أبو القاسم البغوي ، وأبو محمد بن صاعد ، ومحمد بن مخلّد ، وأبو بكر بن كامل ، وإسماعيل الصفّار ، وأبو زياد القطّان ، وقاسم بن أصبغ وآخرون. قال الخطيب : كان ثقة عالماً ، متقناً حافظاً ، بصيراً بأيام الناس وأئمّة الأدب ، أخذ علم الحديث عن أبيه ويحيى بن معين فأكثر عنه ، وعن أحمد بن حنبل وغيرهم ، وأخذ علم النسب عن مصعب الزبيري ، وأيام الناس عن أبي الحسن المدائني ، والأدب عن محمد بن سلام الجمحي. قال الخطيب : ولا أعرف أغزر فوائد من تاريخه ، وكان لا يحدّث به إلاّ كاملاً ، وقد أجاز روايته لجمع كبير. وقال الفرغاني : مات في آخر سنة ٩٨ بعد مئتين ، وكانت له معرفة بأيام الناس وأخبارهم ، وله مذهب ، كان الناس ينسبونه إلى القول بالقدر ، وكان مختصّاً بعلي بن عيسى ، انتهى كلامه. وأرّخ غيره وفاته في جمادى الأولى.

    (٢) قال ابن حجر في التهذيب : زهير بن حرب بن شدّاد الحرشي ، أبو خيثمة النسائي (خ م د س ق البخاري ومسلم ، وأبي داود والنسائي وابن ماجة) ، نزيل بغداد ، مولى بني الحريش بن كعب ، وكان اسم جدّه (اشتال) فعرب شداداً. روى عنه البخاري ومسلم ، وأبو داود وابن ماجة. وروى له النسائي بواسطة أحمد بن علي بن سعيد المروزي ، وابنه أبو بكر بن أبي خيثمة ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، وبقي بن مخلد ، وإبراهيم الحربي ، وموسى بن هارون ، وابن أبي الدنيا ، ويعقوب بن شيبة ، وأبو يعلى الموصلي ، وجماعة. قال معاوية بن صالح عن ابن معين : ثقة. وقال علي بن الجنيد عن ابن معين : يكفي قبيلة. وقال أبو حاتم : صدوق ،
    ٢٤٦

    وروى خليفة بن خياط (١) قال : حدّثنا وهب بن جرير (٢) ، قال : حدّثنا جويرية بن أسماء (٣) ، قال : سمعت أشياخ أهل المدينة يحدّثون أنّ معاوية لمّا حضرته الوفاة دعا يزيد ،

    __________________

    وقال الآجري : قلت لأبي داود : كان أبو خيثمة حجة في الرجال؟ قال : ما كان أحسن علمه. وقال النسائي : ثقة مأمون. وقال الحسين بن فهم : ثقة ثبت. وقال أبو بكر الخطيب : كان ثقة ثبتاً ، حافظاً متقناً. قال محمد بن عبد الله الحضرمي وغيره : مات سنة ٢٣٤. وقال أبو القاسم البغوي : كتبت عنه. وقال ابن قانع : كان ثقة ثبتاً. وقال صاحب الزهرة : روى عنه مسلم ألف حديث ، ومئتي حديث ، وإحدى وثمانين حديثاً. وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل : سُئل أبي عنه ، فقال : ثقة صدوق. وقال ابن وضاح : ثقة من الثقات ، لقيته ببغداد. وقال ابن حبان في الثقات : كان متقناً ضابطاً من أقران أحمد ويحيى بن معين.

    (١) قال ابن حجر في تقريب التهذيب : خليفة بن خياط العصفري (بضم العين المهملة وسكون الصاد المهملة وضم الفاء) أبو عمر البصري ، لقبه شباب (بفتح المعجمة وموحدتين الأولى خفيفة) ، صدوق ربّما أخطأ ، وكان أخباريّاً ، علاّمة من العاشرة ، مات سنة أربعين ومئتين ، روى له البخاري.

    (٢) قال الذهبي في تذكرة الحفاظ ١ / ٣٣٦ : وهب بن جرير بن حازم المحدّث الحافظ ، أبو العباس الأزدي ، مولاهم البصري ، أحد الأثبات. وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب : روى له الستة ، روى عنه أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، ويحيى بن معين ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو خيثمة ، وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ، وآخرون. وقال النسائي : ليس به بأس. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال العجلي : بصري ثقة ، كان عفّان يتكلّم فيه. وقال ابن سعد : مات سنة ست ومئتين. قلت : وقال : كان ثقة. وقال في التقريب : وهب بن جرير بن حازم بن زيد ، أبو عبد الله الأزدي البصري ، ثقة من التاسعة ، مات سنة ست ومئتين ، روى له الستة.

    (٣) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب : جويرية بن أسماء بن عبيد بن مخارق ، ويُقال : مخراق الضبعي ، أبو مخارق ، ويُقال : أبو أسماء البصري ، م د س ق البخاري ، ومسلم ، وأبي داود ، والنسائي ، وابن ماجة. روى عن أبيه ونافع والزهري ، وبديح مولى عبد الله بن جعفر ، ومالك بن أنس ، وهو من أقرانه ، وغيرهم. وعنه حبّان بن هلال ، وحجّاج بن منهال ، وابن اُخته سعيد بن عامر الضبعي ، وابن أخيه عبد الله بن محمد بن أسماء ، وأبو عبد الرحمن المقري ، وأبو سلمة ، ويحيى القطّان ، ويزيد بن هارون ، ومسدّد ، وأبو الوليد ، وغيرهم. قال ابن معين : ليس به بأس. وقال أحمد : ثقة ليس به بأس. وقال أبو حاتم : صالح. قال ابن حجر : أرّخ البخاري وغيره وفاته سنة ١٧٣ ، وكذلك ابن حبان في الثقات. وقال ابن سعد : كان صاحب علم كثير ، وذكره ابن المديني في الطبقة السابعة من أصحاب نافع. وقال ابن حبّان في مشاهير الأمصار ١ / ١٥٩ : جويرية بن أسماء بن عبيد ، من متقني البصريين ، كنيته أبو مخراق ، مات سنة ثلاث وسبعين ومئة ، وكان متقناً.
    ٢٤٧

    فقال له : إنّ لك من أهل المدينة يوماً ، فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة ؛ فإنّه رجل قد عرفت نصيحته.

    فلمّا هلك معاوية وفد إليه وفد من أهل المدينة (١) ، وكان ممّن وفد عليه عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر ، وكان شريفاً فاضلاً ، سيّداً عابداً ، معه ثمانية بنين له ، فأعطاه مئة ألف درهم ، وأعطى بنيه لكلّ واحد منهم عشرة آلاف سوى كسوتهم وحملانهم ، فلمّا قدم المدينة عبد الله بن حنظلة أتاه الناس.

    فقال له أهل المدينة : ما وراءك قال : جئتكم من عند رجل ، والله لو لم أجد إلاّ بنيَّ هؤلاء لجاهدته بهم.

    قالوا : قد بلغنا أنّه أجداك وأعطاك وأكرمك.

    قال : قد فعل ، وما قبلت منه إلاّ لأَتقوّى به ، وحضض الناس فبايعوه.

    فبلغ ذلك يزيد ، فبعث مسلم بن عقبة إليهم ، فقتل عبد الله بن حنظلة وبنوه ، وانهزم الناس.

    ودخل مسلم بن عقبة المدينة ، (فدعا الناس للبيعة على أنّهم خول ليزيد بن معاوية يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء) (٢).

    رواية محمد بن سعد :

    وقال ابن سعد في ترجمة عبد الله بن حنظلة الغسيل : هو ابن أبي عامر الراهب ، من الأوس ، واُمّه جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول. وكان حنظلة بن أبي عامر لمّا أراد

    __________________

    (١) كان ذلك بعد قتل الحسين عليه‌السلام ، حيث عزل يزيد الوليد بن عتبة وعيّن بدله عثمان بن محمد بن أبي سفيان.

    (٢) تاريخ الطبري ٥ / ٤٩٥ ، تاريخ خليفة بن خياط / ٢٣٧.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 10:42 am



    الخروج إلى أُحد وقع على امرأته جميلة بنت عبد الله بن أبي سلول ، فعلقت بعبد الله بن حنظلة في شوال على رأس اثنين وثلاثين شهراً من الهجرة ، وقُتل حنظلة بن أبي عامر يومئذ شهيداً ، وولدت جميلة عبد الله بن حنظلة بعد ذلك بتسعة أشهر ، فقبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ابن سبع سنين. وذكر بعضهم أنّه قد رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبا بكر وعمر ، وقد روى عن عمر.

    قال : وحدّثنا سعيد بن محمد ، عن عمرو بن يحيى ، عن عبّاد بن تميم ، عن عمّه عبد الله بن زيد وعن غيرهم أيضاً كلّ قد حدّثني ، قالوا : لمّا وثب أهل المدينة ليالي الحرّة فأخرجوا بني اُميّة عن المدينة ، وأظهروا عيب يزيد بن معاوية وخلافه ، أجمعوا على عبد الله بن حنظلة ، فأسندوا أمرهم إليه ، فبايعهم على الموت ، وقال :

    يا قوم ، اتقوا الله وحده لا شريك له ، فو الله ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء ، إنّ رجلاً ينكح الأمّهات والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة ، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت لله فيه بلاءً حسناً.

    فتواثب الناس يومئذ يبايعون من كلّ النواحي ، وما كان لعبد الله بن حنظلة تلك الليالي مبيت إلاّ المسجد ، وما كان يزيد على شربة من سويق يفطر عليها إلى مثلها من الغد يؤتى بها في المسجد يصوم الدهر ، وما رُئي رافعاً رأسه إلى السماء إخباتاً. فلمّا دنا أهل الشام من وادي القرى صلّى عبد الله بن حنظلة بالناس الظهر ، ثمّ صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :

    أيّها الناس ، إنّما خرجتم غضباً لدينكم فابلوا لله بلاءً حسناً ؛ ليوجب لكم به مغفرته ، ويحلّ به عليكم رضوانه ، قد خبّرني مَنْ نزل مع القوم السويداء وقد نزل القوم اليوم ذا خشب ومعهم مروان بن الحكم ، والله إن شاء الله محينه بنقضه العهد والميثاق عند منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    ٢٤٩

    فتصايح الناس وجعلوا ينالون من مروان ويقولون : الوزغ ابن الوزغ. وجعل بن حنظلة يهدّئهم ويقول : إنّ الشتم ليس بشيء ، ولكن أصدقوهم اللقاء ، والله ما صدق قوم قطّ إلاّ حازوا النصر بقدرة الله.

    ثمّ رفع يديه إلى السماء واستقبل القبلة ، وقال : اللّهمّ إنّا بك واثقون ، بك آمنّا ، وعليك توكلّنا ، وإليك ألجأنا ظهورنا.

    ثمّ نزل وصبح القوم المدينة ، فقاتل أهل المدينة قتالاً شديداً (حتى كثرهم أهل الشام) ، ودخلت المدينة من النواحي كلّها ، فلبس عبد الله بن حنظلة يومئذ درعين وجعل يحضّ أصحابه على القتال ، فجعلوا يقاتلون وقتل الناس ، فما ترى إلاّ راية عبد الله بن حنظلة ممسكاً بها مع عصابة من أصحابه وحانت الظهر ، فقال لمولى له : احمِ لي ظهري حتّى اُصلّي. فصلّى الظهر أربعاً متمكّناً ، فلمّا قضى صلاته ، قال له مولاه : والله يا أبا عبد الرحمن ما بقي أحد ، فعلامَ نقيم؟! ولواؤه قائم ما حوله خمسة. فقال : ويحك! إنّما خرجنا على أن نموت ، ثمّ انصرف من الصلاة وبه جراحات كثيرة ، فتقلّد السيف ونزع الدرع ولبس ساعدين من ديباج ، ثمّ حثّ الناس على القتال وأهل المدينة كالأنعام الشُّرُد ، وأهل الشام يقتلونهم في كلّ وجه ، فلمّا هُزم الناس طرح الدرع وما عليه من سلاح وجعل يقاتلهم وهو حاسر حتّى قتلوه. ولمّا قُتل عبد الله بن حنظلة لم يكن للناس مقام فانكشفوا في كلّ وجه ، وكان الذي ولي قتل عبد الله بن حنظلة رجلان شَرَعا فيه جميعاً ، وحزّا رأسه ، وانطلق به أحدهما إلى مسرف وهو يقول : رأس أمير القوم ، فأومأ مسرف بالسجود وهو على دابته. وكانت الحرّة في ذي الحجّة سنة ثلاث وستين (١).

    رواية أبي مخنف :

    قال هشام (٢) : قال أبو مخنف : ثمّ إنّ خيل مسلم ورجاله أقبلت نحو عبد الله بن

    __________________

    (١) طبقات ابن سعد ٥ / ٦٥.

    (٢) تاريخ الطبري ٥ / ٤٩٠ سنة ٦٣.
    ٢٥٠

    حنظلة الغسيل ورجاله بعده كما حدّثني عبد الله بن منقذ حتّى دنوا منه ، وركب مسلم بن عقبة فرساً له ، فأخذ يسير في أهل الشام ويحرّضهم ويقول : يا أهل الشام ، إنّكم لستم بأفضل العرب في أحسابها ولا أنسابها ، ولا أكثرها عدداً ولا أوسعها بلداً ولم يخصصكم الله بالذي خصّكم به من النصر على عدوّكم ، وحسن المنزلة عند أئمّتكم إلاّ بطاعتكم واستقامتكم ، وإنّ هؤلاء القوم وأشباههم من العرب غيّروا فغيّر الله بهم ، فتمّوا على أحسن ما كنتم عليه من الطاعة يتمم الله لكم أحسن ما ينيلكم من النصر والفلج. ثمّ جاء حتّى انتهى إلى مكانه الذي كان فيه ، وأمر الخيل أن تقدم على ابن الغسيل وأصحابه ، فأخذت الخيل إذا أقدمت على الرجال فثاروا في وجوهها بالرماح.

    مقتل معقل بن سنان الأشجعي :

    قال الحاكم في مستدرك الصحيحين ٣ / ٥٣٣ : كان معقل بن سنان بن مطهر بن عركي بن فتيان بن سبيع بن بكر بن أشجع شهد الفتح مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فحدّثني أبو عبد الرحمن بن عثمان بن زياد الأشجعي ، عن أبيه قال : كان معقل بن سنان الأشجعي قد صحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحمل لواء قومه يوم الفتح ، وكان شاباً طرياً ، وبقي بعد ذلك حتّى بعثه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، وكان على المدينة ، فاجتمع معقل بن سنان ومسلم بن عقبة الذي يعرف بمسرف ، (فقال معقل لمسرف ، وقد كان آنسه وحادثه إلى أن ذكر معقل يزيد بن معاوية).

    فقال معقل : إنّي خرجت كُرها لبيعة هذا الرجل ، وقد كان من القضاء والقدر خروجي إليه ؛ هو رجل يشرب الخمر ويزني بالحرم. ثمّ نال منه وذكر خصالاً كانت فيه ، ثمّ قال لمسرف : أحببت أن أضع ذلك عندك.

    فقال مسرف : أما أن أذكر ذلك لأمير المؤمنين يومي هذا فلا والله لا أفعل ، ولكن لله عليّ عهد وميثاق لا تمكنني يداي منك ولي عليك مقدرة إلاّ ضربت الذي فيه عيناك.
    ٢٥١

    فلمّا قدم مسرف المدينة وأوقع بهم أيام الحرّة ، (وكان معقل بن سنان يومئذ صاحب المهاجرين) ، فأتي به مسرف مأسوراً.

    فقال له : يا معقل بن سنان ، أعطشت؟ قال : نعم ، أصلح الله الأمير. قال : خوضوا له مشربة بلور. قال : فخاضوها له. فقال : أشربت ورويت؟ قال : نعم. قال : أما والله لا تشتهي بعدها بما يفرح ، يا نوفل بن مساحق (١) ، قم فاضرب عنقه. فقام إليه فقتله صبراً ، وكانت الحرّة في ذي الحجة سنة ثلاث وستين.

    وروى الطبري (٢) قال : قال هشام : وأمّا عوانة بن الحكم فذكر أنّ مسلم بن عقبة بعث عمرو بن محرز الأشجعي ، فأتاه بمعقل بن سنان ، فقال له مسلم : مرحباً بأبي محمد ، أراك عطشانَ؟! قال : أجل. قال : شوبوا له عسلاً بالثلج الذي حملتموه معنا (وكان له

    __________________

    (١) في تهذيب التهذيب : هو نوفل بن مساحق بن عبد الله الأكبر بن مخرمة بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي القرشي العامري أبو سعد. ويُقال : أبو مساحق المدني القاضي ، روى عن أبيه وعمر وسعيد بن زيد ، وعثمان بن حنيف وأمّ سلمة. وعنه ابنه عبد الملك وسالم أبو النضر ، وعمر بن عبد العزيز وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين ، وصالح بن كيسان ومنذر بن الجهم. ذكره بن سعد في الطبقة الثانية من المدنيين ، وقال : ولي القضاء بالمدينة. وقال النسائي : ثقة. وذكره بن حبان في الثقات ، وقال : إنّه مات في إمرة عبد الملك بن مروان سنة أربع وسبعين. وفيه نظر لأن الزبير بن بكار حكى أنّ الوليد بن عبد الملك قدم المدينة وهو خليفة فأجلس نوفلاً معه على السرير. قال : وحدّثني عمّي مصعب قال : كان نوفل من أشراف قريش ، وكانت له ناحية من الوليد ، وكان الوليد يطير الحمام ، فأدخل نوفلاً عليه ، وقال له : خصصتك بهذا المدخل. فقال : بل خسستني ، إنّما هذه عروة. فغضب عليه وسيّره إلى المدينة ، وكان يلي المساعي ولا يرفع إلى الأمراء منها شيئاً ، يقسّمها ويطعمها. قال : وقد ذكر البخاري وأبو حاتم الرازي أنّ نوفلاً هذا مات في أوّل ولاية عبد الملك ، وهذا موافق لما قال ابن حبان ؛ (لأنّ ابن الزبير قُتل في أواخر سنة ثلاث وسبعين ، واجتمع الناس إذ ذاك على عبد الملك) ، ولعل الذي اتفق لنوفل مع الوليد كان في حياة عبد الملك ، (ويكون قول الزبير في خلافته وهماً). وزعم الواقدي أنّ نوفلاً هذا كان على شرطة مسلم بن عقبة المري في وقعة الحرّة ، وأنّه قتل معقل بن سنان الأشجعي صبراً بأمر مسلم ، والله تعالى أعلم. أقول : ونوفل هذا والد عبد الملك أحد رواة أبي مخنف الأزدي.

    (٢) تاريخ الطبري ٥ / ٤٩٤ سنة ٦٣.
    ٢٥٢

    صديقاً قبل ذلك) فشابوه له ، فلمّا شرب معقل قال له : سقاك الله من شراب الجنّة. فقال له مسلم : أمّا والله لا تشرب بعدها شراباً أبداً حتّى تشرب من شراب الحميم. قال : أنشدك الله والرحم. فقال له مسلم : أنت الذي لقيتني بطبرية ليلة خرجت من عند يزيد فقلت : (سرنا شهراً ورجعنا من عند يزيد صفراً ، نرجع إلى المدينة فنخلع هذا الفاسق ونبايع لرجل من أبناء المهاجرين فيم غطفان وأشجع من الخلع والخلافة) إنّي آليت بيمين لا ألقاك في حرب أقدر فيه على ضرب عنقك إلاّ فعلت ، ثمّ أمر به فقتل.

    قال هشام : قال عوانة : وأتى يزيد بن وهب بن زمعة فقال : بايع. قال : أبايعك على سنّة عمر. قال : اقتلوه. قال : أنا أبايع. قال : لا والله ، لا أقيلك عثرتك. فكلّمه مروان بن الحكم لصهر كان بينهما ، فأمر بمروان (فوجئت) عنقه ، ثم قال :

    بايعوا على أنّكم خول ليزيد بن معاوية ، ثمّ أمر به فقتل (١).

    علي بن الحسين عليه‌السلام لم يشترك في واقعة الحرّة :

    روى الطبري (٢) عن أبي مخنف قال : قال عبد الملك بن نوفل : وفصل ذلك الجيش من عند يزيد ، وعليهم مسلم بن عقبة ، وقال له : إن حدث بك حدث فاستخلف على الجيش حصين بن نمير السكوني ، وقال له : ادع القوم ثلاثاً ، فإن هم أجابوك وإلاّ فقاتلهم ، فإذا أظهرت عليهم فأبحها ثلاثاً ، فما فيها من مال أو رقّة ، أو سلاح أو طعام فهو للجند ، فإذا مضت الثلاث فاكفف عن الناس ، وانظر علي بن الحسين عليه‌السلام فاكفف عنه ، واستوص به خيراً وادن مجلسه ؛ فإنّه لم يدخل في شيء ممّا دخلوا فيه ، وقد أتاني كتابه. وعلي عليه‌السلام لا يعلم بشيء ممّا أوصى به يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة ، وقد كان علي بن الحسين عليه‌السلام

    __________________

    (١) تاريخ الطبري ٥ / ٤٩٣ سنة ٦٣.

    (٢) تاريخ الطبري ٥ / ٤٨٥ سنة ٦٣.
    ٢٥٣

    لمّا خرج بنو اُميّة نحو الشام آوى إليه ثقل مروان بن الحكم وامرأته عائشة بنت عثمان بن عفّان ، وهي أمّ أبان بن مروان.

    قال الطبري : وقد حُدِّثْتُ عن محمد بن سعد ، عن محمد بن عمر قال : لمّا أخرج أهل المدينة عثمان بن محمد من المدينة كلّم مروان بن الحكم ابن عمر أن يغيب أهله عنده ، فأبى ابن عمر أن يفعل ، وكلّم علي بن الحسين عليه‌السلام ، وقال : يا أبا الحسن ، إنّ لي رحماً ، وحرمي تكون مع حرمك. فقال : «افعل». فبعث بحرمه إلى علي بن الحسين عليه‌السلام ، فخرج بحرمه وحرم مروان حتّى وضعهم بينبع ، وكان مروان شاكراً لعلي بن الحسين عليه‌السلام مع صداقة كانت بينهما قديمة (١).

    وروى الطبري قال : قال هشام : قال عوانة عن أبي مخنف قال : قال عبد الملك بن نوفل بن مساحق : ثمّ إنّ مروان أتى بعلي بن الحسين عليه‌السلام ، وقد كان علي بن الحسين عليه‌السلام حين أُخرجت بنو اُميّة منع ثقل مروان وامرأته وآواها ، ثمّ خرجت إلى الطائف فهي أمّ أبان ابنة عثمان بن عفّان فبعث ابنه عبد الله معها ، فشكر ذلك له مروان ...

    قال هشام : وقال عوانة بن الحكم : لمّا أُتي بعلي بن الحسين عليه‌السلام إلى مسلم قال : مَنْ هذا؟ قالوا : هذا علي بن الحسين. قال : مرحباً وأهلاً. ثمّ أجلسه معه على السرير والطنفسة ، ثمّ قال : إنّ أمير المؤمنين أوصاني بك قبلاً ، وهو يقول : إنّ هؤلاء الخبثاء شغلوني

    __________________

    (١) أقول : لعلها محرّف حميمة ، أو صميمة : أي صداقة قوية وشديدة ، وسرّ هذه الصداقة يوضحه قول الراوي (وكان مروان شاكراً لعلي بن الحسين عليه‌السلام) ؛ إذ لم يجد مروان لعائلته مأمناً في قضية الحرّة ، ولم يقبلها حتّى ابن عمر ، وقبلها الإمام السجّاد عليه‌السلام ، وقد استغلّ الإمام السجّاد عليه‌السلام هذه العلاقة فيما بعد لينتزع بعض الروايات المهمّة من مروان ، من قبيل ما رواه البخاري عن علي بن الحسين عليه‌السلام عن مروان ، قال : اختلف علي عليه‌السلام وعثمان في متعة الحجّ ... وكذلك قوله ما رواه الماوردي بسنده عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جدّه علي بن الحسين عليهم‌السلام قال : «دخل عليَّ مروان فقال لي : ما رأيت أكرم غلبة من أبيك ؛ ما كان إلاّ أن ولينا يوم الجمل حتّى نادى مناديه ، ألا لا يُتبع مدبر ، ولا يُذفف على جريح». كتاب قتال أهل البغي من كتاب الحاوي الكبير ـ للماوردي / ١١١.
    ٢٥٤

    عنك وعن وصلتك ، ثمّ قال لعلي عليه‌السلام : لعل أهلك فزعوا؟ قال : «إي والله». فأمر بدابته فاُسرجت ، ثمّ حمله فردّه عليها.

    روى الذهبي عن الواقدي ، عن أبي بكر بن أبي سبرة ، عن يحيى بن شبل ، عن أبي جعفر سأله عن يوم الحرّة هل خرج فيها أحد من بني عبد المطلب؟ قال : «لا ، لزموا بيوتهم ، فلمّا قدم مسرف وقتل الناس سأل عن أبي أحاضر هو؟ قالوا : نعم. قال : ما لي لا أراه؟ فبلغ ذلك أبي فجاءه ومعه ابنا محمد بن الحنفيّة ، فرحّب بهم وأوسع لأبي على سريره ، وقال : كيف أنت؟ إنّ أمير المؤمنين أوصاني بك خيراً» (١).

    موت مسرف بن عقبة :

    قال الطبري : ثمّ دخلت سنة أربع وستين ، ذكر الخبر عمّا كان فيها من الأحداث ، قال أبو جعفر : فمن ذلك مسير أهل الشام إلى مكّة لحرب عبد الله بن الزبير ، ومَنْ كان على مثل رأيه في الامتناع على يزيد بن معاوية.

    ولمّا فرغ مسلم بن عقبة من قتال أهل المدينة ، وإنهاب جنده أموالهم ثلاثاً ، شخص بمَنْ معه من الجند متوجهاً إلى مكّة.

    قال أبو مخنف : حتّى إذا انتهى مسلم بن عقبة إلى المشلَّل (ويُقال : إلى قفا المشلل) ، نزل به الموت ، وذلك في آخر المحرّم من سنة أربع وستين ، فدعا حصين بن نمير السكوني فقال له : يابن برذعة الحمار ، أما والله لو كان هذا الأمر إليّ ما ولّيتك هذا الجند ، ولكن أمير المؤمنين ولاّك بعدي ، وليس لأمر أمير المؤمنين مرد. خذ عنّي أربعاً : أسرع السير ، وعجّل الوقاع ، وعمّ الأخبار ، ولا تمكن قرشياً من إذنك. ثمّ إنّه مات فدفن بقفا المشلل.

    قال هشام بن محمد الكلبي : وذكر عوانة أنّ مسلم بن عقبة شخص يريد ابن الزبير حتّى إذا بلغ ثنية (هِرشى) نزل به الموت ، فبعث إلى رؤوس الأجناد فقال : إنّ أمير

    __________________

    (١) ‏ في تاريخ الإسلام ٥ / ٢٨.
    ٢٥٥

    المؤمنين عهد إليّ إن حدث بي حدث الموت أن أستخلف عليكم حصين بن نمير السكوني ، والله ، لو كان الأمر إليّ ما فعلت ، ولكن أكره معصية أمر أمير المؤمنين عند الموت. ثمّ دعا به فقال : انظر يابن برذعة الحمار ، فاحفظ ما أوصيك به ؛ عمّ الأخبار ، ولا ترع سمعك قريشاً أبداً ، ولا تردّنّ أهل الشام عن عدوّهم ، ولا تقيمنّ إلاّ ثلاثاً حتّى تناجز ابن الزبير الفاسق. ثمّ قال :

    «اللّهمّ إنّي لم أعمل عملاً قطّ بعد شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله أحبّ إليّ من قتلي أهل المدينة ، ولا أرجى عندي في الآخرة».

    ولمّا مات خرج حصين بن نمير بالناس ، فقدم على ابن الزبير مكّة وقد بايعه أهلها وأهل الحجاز.

    وفي فتوح ابن أعثم : أنّ مسلم بن عقبة قال في وصيته للحصين بن نمير : فانظر أن تفعل في أهل مكّة ، وفي عبد الله بن الزبير كما رأيتني فعلت بأهل المدينة. ثمّ جعل يقول :

    «اللّهمّ إنّك تعلم أنّي لم أعص خليفة قطّ ، اللّهمّ إنّي لا أعمل عملاً أرجو به النجاة إلاّ ما فعلت بأهل المدينة».

    ثمّ اشتدّ به الأمر فمات. فغسّلوه وكفّنوه ودفنوه ، وبايع الناس للحصين بن نمير السكوني من بعده ، وسار القوم يريدون مكّة ، وخرج أهل ذلك المنزل فنبشوه من قبره وصلبوه على نخلة. وبلغ ذلك أهل العسكر ، فرجعوا إلى أهل ذلك المنزل ، فوضعوا السيف فيهم ، فقُتل منهم مَنْ قُتل وهرب الباقون ، ثمّ أنزلوه من النخلة فدفنوه ، ثمّ أجلسوا على قبره مَنْ يحفظه (١).

    __________________

    (١) فتوح ابن أعثم ٥ / ٣٠١.
    ٢٥٦

    جيش الخلافة يحرق الكعبة :

    قال المسعودي : فسار الحصين حتّى أتى مكّة وأحاط بها ، وعاذ ابن الزبير بالبيت الحرام ، ونصب الحصين في مَنْ معه من أهل الشام المجانيق والعرّادات على البيت ، ورُمي مع الأحجار بالنار والنفط ، ومشّاقات الكتّان ، وغير ذلك من المحروقات ، فانهدمت الكعبة واحترقت البنيّة.

    ووقعت صاعقة فأحرقت من أصحاب المنجنيق أحد عشر رجلاً ، فكان ذلك يوم السبت لثلاث خلون من ربيع الأوّل ، وقبل وفاة يزيد بأحد عشر يوماً ، واشتدّ الأمر على أهل مكّة وابن الزبير (١).

    وقال اليعقوبي : رمى حصين بن نمير بالنيران حتّى أحرق الكعبة ، وكان عبيد الله بن عمير الليثي قاصّ ابن الزبير إذا تواقف الفريقان قام على الكعبة فنادى بأعلى صوته : يا أهل الشام! هذا حرم الله الذي كان مأمننا في الجاهلية ، يأمن فيه الطير والصيد ، فاتّقوا الله يا أهل الشام. فيصيح الشاميّون : الطاعة الطاعة ، الكرّ الكرّ ، الرواح قبل المساء ، فلم يزل على ذلك حتّى احترقت الكعبة. فقال أصحاب ابن الزبير : نطفئ النار ، فمنعهم وأراد أن يغضب الناس للكعبة. فقال بعض أهل الشام : إنّ الحرمة والطاعة اجتمعتا فغلبت الطاعة الحرمة (٢).

    وفي تاريخ الخميس ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي : واحترقت من شرارة نيرانهم أستار الكعبة وسقفها ، وقرنا الكبش الذي فدى الله إسماعيل ، وكان معلّقاً في الكعبة (٣).

    وقال الطبري وغيره : أقاموا عليه يقاتلونه بقيّة المحرّم وصفر كلّه ، حتّى إذا مضت ثلاثة أيام من شهر ربيع الأوّل يوم السبت (سنة ٦٤ هـ) ، قذفوا البيت بالمجانيق وحرّقوه

    __________________

    (١) مروج الذهب ٣ / ٧١ ـ ٧٢.

    (٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٥١ ـ ٢٥٢.

    (٣) تاريخ الخميس ٢ / ٣٠٣ ، تاريخ السيوطي / ٩.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 10:45 am



    بالنار ... قالوا : واستمرّ الحصار إلى مستهلّ ربيع الآخر حين جاءهم نعي يزيد ، وأنّه قد مات لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل (١).

    وفي تاريخ الطبري وغيره : بينا حصين بن نمير يُقاتل ابن الزبير إذ جاء موت يزيد ، فصاح بهم ابن الزبير ، وقال : إنّ طاغيتكم قد هلك ; فمَنْ شاء منكم أن يدخل في ما دخل فيه الناس فليفعل ، فمَنْ كره فليلحق بشامه ، فغدوا عليه يُقاتلونه.

    فقال ابن الزبير للحصين بن نمير : أُدنُ منيّ أحدّثك. فدنا منه فحدّثه فجعل فرس أحدهما يجفل (الجفل : الروث) ، فجاء حمام الحرم يلتقط من الجفل فكفّ الحصين فرسه عنهّنّ ، فقال له ابن الزبير : ما لك؟

    قال : أخاف أن يقتل فرسي حمام الحرم.

    فقال له ابن الزبير : أتحرّج من هذا وتريد أن تقتل المسلمين؟!

    فقال : لا اُقاتلك ، فأذن لنا نطوف بالبيت وننصرف عنك. ففعل.

    قالوا : فأقبل الحصين بمَنْ معه نحو المدينة.

    قالوا : واجترأ أهل المدينة وأهل الحجاز على أهل الشام ، فذلّوا حتّى كان لا ينفرد منهم رجل إلاّ أخذ بلجام دابّته ثمّ نكس عنها ، فكانوا يجتمعون في معسكرهم فلا يفترّقون. وقالت لهم بنو اُميّة : لا تبرحوا حتّى تحملونا معكم إلى الشام ففعلوا ، فمضى ذلك الجيش حتّى دخل الشام (٢).

    __________________

    (١) تاريخ الطبري ٧ / ١٤ ـ ١٥ ، وابن الأثير ٤ / ٤٩ ، وابن كثير ٨ / ٢٢٥. قال الطبري : حدّثني عمر بن شبة قال : حدّثنا محمد بن يحيى ، عن هشام بن الوليد المخزومي : أنّ الزهري كتب لجدّه (أسنان الخلفاء) ، فكان فيما كتب من ذلك : ومات يزيد بن معاوية وهو ابن تسع وثلاثين ، وكانت ولايته ثلاث سنين وستة أشهر في قول بعضهم ، ويُقال : ثمانية أشهر.

    (٢) تاريخ الطبري ٧ / ١٦ ـ ١٧.
    ٢٥٨

    حركة عبد الله بن الزبير ٦٤ ـ ٧٣

    ترجمة عبد الله بن الزبير :

    قال ابن عبد البر : قال علي بن زيد الجُدْعاني : كان عبد الله بن الزبير كثير الصلاة ، كثير الصيام ، شديد البأس ، كريم الجدّات والأمّهات والخالات ، إلاّ أنّه كانت فيه خلال لا تصلح معها الخلافة ؛ لأنّه كان بخيلاً ضيّق العطاء ، سيّء الخلق ، حسوداً ، كثير الخلاف. أخرج محمد بن الحنفيّة وعبد الله بن عباس إلى الطائف ، وكانت بيعته بعد موت معاوية بن يزيد ، واجتمع على طاعته أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان. وحجّ بالناس ثماني حجج ، وقُتل رحمه‌الله في أيام عبد الملك ، يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى. وقيل : جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين ، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة ، وصلب بعد قتله بمكة ، وبدأ الحجّاج بحصاره من أوّل ليلة من ذي الحجّة سنة اثنتين وسبعين ، فحاصره ستة أشهر وسبعة عشر يوماً إلى أن قُتل في النصف من جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين.

    وقال ابن عبد البرّ : قال علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه : «ما زال الزبير يُعدُّ منّا أهلَ البيت حتّى نشأ عبدُ الله». وبويع لعبد الله بن الزبير بالخلافة سنة أربع وستين. هذا قول أبي معشر ، وقال المدائني : بويع له بالخلافة سنة خمس وستين (١).

    __________________

    (١) الاستيعاب ـ ترجمة عبد الله بن الزبير.
    ٢٥٩

    قال ابن أبي الحديد : وكان شيخنا أبو القاسم البلخي إذا ذكر عنده عبد الله بن الزبير يقول : لا خير فيه. وقال مرّة : لا يعجبني صلاته وصومه ، وليسا بنافعين له مع قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : «لا يبغضك إلاّ منافق». وقال أبو عبد الله البصري رحمه‌الله لمّا سُئل عنه : ما صح عندي أنّه تاب من يوم الجمل ، ولكنّه استكثر ممّا كان عليه (١).

    وقال : توصل عبد الله بن الزبير إلى امرأة عبد الله بن عمر ، وهي أخت المختار بن أبي عبيد الثقفي ، في أن تكلّم بعلها عبد الله بن عمر أن يبايعه ، فكلّمته في ذلك ، وذكرت صلاته وقيامه وصيامه ، فقال لها : أما رأيتِ البغلات الشُّهُب (٢) التي كنّا نراها تحت معاوية بالحجر إذا قدم مكّة؟ قالت : بلى. قال : فإياها يطلب ابن الزبير بصومه وصلاته (٣).

    وقال ابن أبي الحديد : لمّا نزل علي عليه‌السلام بالبصرة ووقف جيشه بإزاء جيش عائشة ، قال الزبير : والله ما كان أمر قطّ إلاّ عرفت أين أضع قدمي فيه إلاّ هذا الأمر ؛ فإنّي لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر! فقال له ابنه عبد الله : كلا ، ولكنّك فرقت سيوف ابن أبي طالب ، وعرفت أنّ الموت الناقع تحت راياته. فقال الزبير : ما لك! أخزاك الله من ولد ، ما أشأمك!

    وكان عبد الله بن الزبير يبغض علياً عليه‌السلام وينتقصه ، وينال من عِرضه (٤).

    وقال : وروى عمر بن شبة وابن الكلبي والواقدي وغيرهم من رواة السير أنّه مَكَثَ أيام ادعائه الخلافة أربعين جمعة لا يصلّي فيها على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال : لا يمنعني من ذكره إلاّ أن تشمخ رجالٌ بآنافها.

    وفى رواية محمد بن حبيب وأبي عبيدة معمر بن المثنى أنّ له اُهَيل سوء يُنغِضِون رؤوسهم (٥) عند ذكره.

    __________________

    (١) شرح نهج البلاغة ١ / ٣٢٦.

    (٢) الشهبة في لون الخيل هي أن تشقّ معظم لونه خيط من الشعر الأبيض.

    (٣) شرح نهج البلاغة ١ / ٣٢٦.

    (٤) شرح نهج البلاغة ٢ / ١٦٦.

    (٥) ‏يغضون رؤوسهم : أي يحركونها.
    ٢٦٠

    وروى سعيد بن جبير أنّ عبد الله بن الزبير قال لعبد الله بن عباس : ما حديث أسمعه عنك؟ قال : وما هو؟ قال : تأنيبي وذمي؟

    فقال : إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «بئس المرء المسلم يشبع ويجوع جاره».

    فقال ابن الزبير : إنّي لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة ... (١).

    وقال : روى عمر بن شبة أيضاً عن سعيد بن جبير قال : خطب عبد الله بن الزبير فنال من علي عليه‌السلام ، فبلغ ذلك محمد بن الحنفيّة ، فجاء إليه وهو يخطب ، فوضع له كرسي فقطع عليه خطبته ، وقال : يا معشر العرب ، شاهت الوجوه! أينتقص علي وأنتم حضور؟! إنّ علياً كان يد الله على أعداء الله ، وصاعقة من أمره ، أرسله على الكافرين والجاحدين لحقِّه ، فقتلهم بكفرهم ؛ فشنئوه وأبغضوه ، وأضمروا له الشَّنَف والحسد وابنُ عمِّه صلى‌الله‌عليه‌وآله حي بعدُ لم يمت ، فلمّا نقله الله إلى جواره ، وأحبّ له ما عنده ، أظهرت له رجال أحقادها ، وشفت أضغانها ؛ فمنهم مَنْ ابتزَّ حقَّه ، ومنهم مَنْ ائتمر به ليقتله ، ومنهم مَنْ شتمه وقذفه بالأباطيل ... والله ما يشتم علياً إلاّ كافر يُسِرّ شتمَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويخاف أن يبوح به ، فيكنّي بشتم علي عليه‌السلام عنه.

    أما إنّه قد تخطّت المنيّة منكم مَنْ امتدّ عمره وسمع قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه : «لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق» ، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).

    فعاد ابن الزبير إلى خطبته وقال : عَذَرْتُ بني الفواطم يتكلّمون فما بال ابن الحنفيّة؟

    فقال محمد : يابن اُمّ رومان ، وما لي لا أتكلّم؟! وهل فاتني من الفواطم إلاّ واحدة؟ ولم يفتني فخرها لأنّها اُمّ أخوي ؛ أنا ابن فاطمة بنت عمران بن عائذ بن مخزوم جدّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنا ابن فاطمة بنت أسد بن هاشم كافلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والقائمة مقام اُمّه. أما والله ، لولا خديجة بنت خويلد ما تركت في بني أسد بن عبد العزى عظماً إلاّ هشمته. ثمّ قام فانصرف (٢).

    __________________

    (١) شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٢ ـ ٦٣.

    (٢) المصدر نفسه.
    ٢٦١

    وقال : إنّ عبد الله بن الزبير استنصر على يزيد بن معاوية بالخوارج واستدعاهم إلى ملكه ، فقال فيه الشاعر :

    يابن الزبير أتهوى فتية قتلوا




    ظلماً أباك ولمّا تُنزع الشُّكَكُ (١)

    ضحّوا بعثمان يوم النحر ضاحيةً




    أطيب ذاك الدم الزاكي الذي سفكوا

    فقال ابن الزبير : لو شايعني الترك والديلم على محاربة بني اُميّة لشايعتهم وانتصرت بهم (٢).

    قال ابن أبي الحديد : روى أبو الفرج علي بن الحسين الإصبهاني في كتاب مقاتل الطالبيِّين أنّ يحيى بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام لمّا آمنه الرشيد بعد خروجه بالديلم وصار إليه ، بالغ في إكرامه وبرّهُ ، فسعى به بعد مدّة عبد الله بن مصعب الزبيري (٣) إلى الرشيد ، وكان يبغضه ، وقال له : إنّه قد عاد يدعو إلى نفسه سرّاً. وحسّن له

    __________________

    (١) الشكك : الأدعياء.

    (٢) شرح نهج البلاغة ٥ / ١٣١.

    (٣) عبد الله بن مصعب الزبيري ، مبغض للطالبيِّين ، أحد بطانة هارون الرشيد ، وقد استغل هذه العلاقة للوقيعة بمَنْ قدر عليه منهم ، وابنه مصعب كان على سرّ أبيه أيضاً. قال ابن الأثير (في حوادث سنة ٢٣٦) : كان مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام منحرفاً عن علي. قال العلاّمة المقرّم رحمه‌الله (في كتابه السيدة سكينة / ٤٤) : إنّ أوّل مَنْ وضع الأحاديث الشائنة في ابنة الحسين سكينة مصعب الزبيري (المتوفى سنة ٢٣٦ هجرية) في كتابه نسب قريش ؛ لينصرف المغنّون والشعراء عن ابنتهم سكينة بنت خالد بن مصعب بن الزبير التي تجتمع مع ابن أبي ربيعة الشاعر والمغنّيات يغنين لهم ، وزاد عليها الزبير بن بكار وابنه. وقال العلاّمة الحلّي (في كشف اليقين / ٩٤ ، ط إيران) : كان الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام من أشدّ الناس عداوة لأمير المؤمنين وولده. وقال الشيخ المفيد (في المسائل السروية / ٦١) : لم يكن الزبير بن بكار مأموناً في الحديث ، ولا موثوق النقل فيما يرويه من القذائف في حقّ أهل البيت عليهم‌السلام ، ومنه تزويج عمر بأمّ كلثوم ؛ لبغضه أمير المؤمنين عليه‌السلام وتحامله عليه.
    ٢٦٢

    نقض أمانه ، فأحضره وجمع بينه وبين عبد الله بن مصعب ليناظره فيما قذفه به ، ورفعه عليه ، فجبهه ابن مصعب بحضرة الرشيد وادّعى عليه الحركة فى الخروج وشقّ العصا.

    فقال يحيى : يا أمير المؤمنين ، أتصدَّق هذا عليَّ وتستنصِحُه؟

    وهو ابن عبد الله بن الزبير الذي أدخل أباك عبد الله وولده الشعب ، وأضرم عليهم النار حتّى خلَّصه أبو عبد الله الجدلي صاحب علي بن أبي طالب عليه‌السلام منه عنوة؟!

    وهو الذي ترك الصلاة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعين جمعة في خطبته ، فلمّا التاث (١) عليه الناس قال : إنّ له أُهيل سوء ، إذا صلّيت عليه أو ذكرته أتلعوا (٢) أعناقهم ، واشرأبّوا لذكره ، فأكره أن أسُرَّهُم أو أُقِرَّ أعينهم.

    وهو الذي كان يشتم أباك ويلصق به العيوب حتّى ورم كبده ، ولقد ذُبحت بقرة يوماً لأبيك فوجدت كبدها سوداء قد نقبت ، فقال علي ابنه : أما ترى كبد هذه البقرة يا أبتِ؟ فقال : يا بني ، هكذا ترك ابن الزبير كبد أبيك. ثمّ نفاه إلى الطائف ، فلمّا حضرته الوفاة قال لابنه علي : يا بُني ، إذا متّ فالحق بقومك من بني عبد مناف بالشام ، ولا تقم في بلد لابن الزبير فيه إمرة ، فاختار له صحبة يزيد بن معاوية على صحبة عبد الله بن الزبير.

    ووالله إنّ عداوة هذا يا أمير المؤمنين لنا جميعاً بمنزلة سواء ، ولكنه قوي عليّ بك ، وضعف عنك ، فتقرّب بي إليك ليظفر منك بي بما يريد ؛ إذ لم يقدر على مثله منك ، وما ينبغي لك أن تسوِّغه ذلك فيَّ ؛ فإنّ معاوية بن أبي سفيان وهو أبعد نسباً منك إلينا ذكر الحسن بن علي عليه‌السلام يوماً فسبّه ، فساعده عبد الله بن الزبير على ذلك ، فزجره وانتهره ، فقال : إنّما ساعدتك يا أمير المؤمنين! فقال : إنّ الحسن لحمي ، آكُلُه ولا أوكَلُه (٣).

    __________________

    (١) التاث : أي هاج عليه الناس.

    (٢) أتلعوا أعناقهم : أي مدّوها.

    (٣) شرح نهج البلاغة ١٩ / ٩١ ، وبقيّة كلامه قوله : ومع هذا فهو الخارج مع أخي محمد على أبيك المنصور أبي جعفر ، والقائل لأخي في قصيدة طويلة أوّلها :
    ٢٦٣

    __________________

    إنّ الحمامةَ يوم الشعبِ من وثنٍ




    هاجت فؤادَ محبّ دائمِ الحزنِ

    يحرّض أخي فيها على الوثوب والنهوض إلى الخلافة ، ويمدحه ويقول له :

    لا عزّ ركنا نزارٍ عند سطوتها




    إنْ أسلمتك ولا ركنا ذوي يمنِ

    ألست أكرمهم عوداً إذا انتسبوا




    يوماً وأطهرهم ثوباً من الدرنِ

    وأعظمَ الناسِ عند الناسِ منزلةً




    وأبعدَ الناسِ من عيبٍ ومن وهنِ

    قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتها




    إنّ الخلافةَ فيكم يا بني حسنِ

    إنّا لنأمل أن ترتدّ اُلفتنا




    بعد التدابرِ والبغضاءِ والإحنِ

    حتّى يثار على الإحسانِ محسننا




    ويأمن الخائفُ المأخوذ بالدمنِ

    وتنقضي دولةٌ أحكام قادتها




    فينا كأحكام قومٍ عابدي وثنِ

    فطالما قد بروا بالجور أعظمنا




    بري الصناعِ قداحَ النبعِ بالسفنِ

    فتغيّر وجه الرشيد عند سماع هذا الشعر ، وتغيّظ على ابن مصعب ، فابتدأ ابن مصعب يحلف بالله الذي لا إله إلاّ هو ، وبأيمان البيعة أنّ هذا الشعر ليس له ، وإنّه لسديف ، فقال يحيى : والله يا أمير المؤمنين ما قاله غيره ، وما حلفت كاذباً ولا صادقاً بالله قبل هذا ، وإنّ الله عزّ وجلّ إذا مجّده العبد في يمينه فقال : والله الطالب الغالب الرحمن الرحيم ، استحيا أن يعاقبه ، فدعني أن اُحلّفه بيمين ما حلف بها أحد قطّ كاذباً إلاّ عوجل. قال : فحلّفه. قال : قل برئت من حول الله وقوّته ، واعتصمت بحولي وقوّتي ، وتقلّدت الحول والقوّة من دون الله استكباراً على الله ، واستعلاء عليه ، واستغناء عنه إن كنت قلت هذا الشعر. فامتنع عبد الله من الحلف بذلك ، فغضب الرشيد وقال للفضل بن الربيع : ما له لا يحلف إن كان صادقاً؟! هذا طيلساني عليّ ، وهذه ثيابي لو حلّفني بهذه اليمين إنّها لي لحلفت. فوكز الفضل عبد الله برجله ، وكان له فيه هوى ، وقال له : احلف ويحك! فجعل يحلف بهذه اليمين ووجهه متغيّر ، وهو يرعد ، فضرب يحيى بين كتفيه وقال : يابن مصعب ، قطعت عمرك ، لا تفلح بعدها أبداً. قالوا : فما برح من موضعه حتّى عرض له أعراض الجذام ، واستدارت عيناه ، وتفقّأ وجهه ، وقام إلى بيته ، فتقطّع وتشقّق لحمه ، وانتثر شعره ، ومات بعد ثلاثة أيام. وحضر الفضل بن الربيع جنازته ، فلمّا جُعل في القبر انخسف اللّحد به حتّى خرجت منه غبرة شديدة ، وجعل الفضل يقول : التراب! التراب! فطرح التراب وهو يهوى فلم يستطيعوا سدّه حتّى سُقّف بخشب وطم عليه ، فكان الرشيد يقول بعد ذلك للفضل : أرأيت يا عبّاسي ما أسرع ما اُديل ليحيى من ابن مصعب؟!
    ٢٦٤

    الحرب بين ابن الزبير والحجّاج :

    قال ابن الأثير : أرسل عبد الملك بن مروان الحجّاج لحرب ابن الزبير بمكة ، فنزل الطائف ، وأمدّه بطارق ، فقدم المدينة في ذي القعدة سنة ٧٢ هـ وأخرج عامل ابن الزبير عنها ، وجعل عليها رجلاً من أهل الشام اسمه ثعلبة (١).

    وقال : قدم الحجّاج مكّة في ذي القعدة وقد أحرم بحجّة فنزل بئر ميمون ، وحجّ بالناس في تلك السنّة الحجّاج إلاّ أنّه لم يطف حول الكعبة ، ولا سعى بين الصفا والمروة ؛ منعه ابن الزبير من ذلك.

    قال : ولم يحجّ ابن الزبير ولا أصحابه ؛ لأنّهم لم يقفوا بعرفة ولم يرموا الجمار.

    قال : ولمّا حَصَرَ الحجّاج ابن الزبير ، نصب المنجنيق على أبي قبيس ورمى به الكعبة ، وكان عبد الملك ينكر ذلك أيّام يزيد بن معاوية ، ثمّ أمر به (٢).

    وقال الذهبي : وألحّ عليه الحجّاج بالمنجنيق ، وبالقتال من كلّ وجه ، وحبس عنهم الميرة فجاعوا ، وكانوا يشربون من زمزم فتعصمهم ، وجعلت الحجارة تقع في الكعبة (٣).

    قال ابن كثير : وكان معه خمس مجانيق ، فألحّ عليها بالرمي من كلّ مكان. ثمّ ذكر مثل قول الذهبي (٤).

    وفي فتوح ابن أعثم : أمر الحجّاج أصحابه أن يتفرّقوا من كلّ وجه ؛ من ذي طوى ، ومن أسفل مكّة ، ومن قبل البطح ، فاشتدّ الحصار على عبد الله بن الزبير وأصحابه ، فنصبوا المجانيق وجعلوا يرمون البيت الحرام بالحجارة وهم يرتجزون بالأشعار.

    قال : فلم يزل الحجّاج وأصحابه يرمون بيت الله الحرام بالحجارة حتّى انصدع

    __________________

    (١) تاريخ ابن الأثير ٣ / ١٣٥.

    (٢) تاريخ ابن الأثير ٤ / ١٣٦.

    (٣) تاريخ الإسلام ـ للذهبي ٣ / ١١٤.

    (٤) ابن كثير ٨ / ٣٢٩.
    ٢٦٥

    الحائط الذي على بئر زمزم عن آخره ، وانتقضت الكعبة من جوانبها (١).

    مقتل ابن الزبير :

    قال الطبري : فلم تزل الحرب بين ابن الزبير والحجّاج حتّى كان قبيل مقتله ، وقد تفرّق عنه أصحابه ، وخرج عامّة أهل مكّة إلى الحجّاج في الأمان ، وخذله مَنْ معه خذلانا شديداً ، حتّى خرج إلى الحجّاج نحو من عشرة آلاف ، وفيهم ابناه حمزة وخبيب ، فأخذا منه لأنفسهما أماناً.

    وبعث الحجّاج برأس ابن الزبير ، ورأس عبد الله بن صفوان ، وعمارة بن عمرو بن حزم إلى المدينة فنُصبت بها ، ثمّ ذهب بها إلى عبد الملك بن مروان (٢).

    وفي تاريخ ابن كثير : وأرسل بالرؤوس مع رجل من الأزد ، وأمرهم إذا مرّوا بالمدينة أن ينصبوا الرؤوس بها ، ثمّ يسيروا بها إلى الشام ، ففعلوا ما أمرهم ، وأعطاهم عبد الملك خمسمئة دينار ، ثمّ دعا بمقراض فأخذ من ناصيته ونواصي أولاده فرحاً بمقتل ابن الزبير.

    قال : ثمّ أمر الحجّاج بجثّة ابن الزبير فصلبت على ثنيَّة كَداء عند الحُجون ، يُقال : منكَّسة ، ثمّ أنزل عن الجذع ودفن هناك (٣).

    قال الذهبي : واستوسق الأمر لعبد الملك بن مروان ، واستعمل على الحرمين الحجّاج بن يوسف ، فنقض الكعبة التي من بناء ابن الزبير وكانت تشعّثت من المنجنيق ، وانفلق الحجر الأسود من المنجنيق فشعَبوه (٤).

    __________________

    (١) فتوح ابن أعثم ٦ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦.

    (٢) تاريخ الطبري ٨ / ٢٠٢ ـ ٢٠٥.

    (٣) تاريخ ابن كثير ٨ / ٣٣٢ ، وفي فتوح ابن أعثم ٦ / ٢٧٩ أكّد أنّه صلبه منكوساً.

    (٤) تاريخ الإسلام ـ للذهبي ٣ / ١١٥ ، وشعَّبوه هنا بمعنى ضمّوا أجزاءه بعضها إلى بعض.
    ٢٦٦

    الحجّاج يختم أعناق أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

    وقال الطبري بعده : ثمّ انصرف إلى المدينة في صفر ، فأقام بها ثلاثة أشهر يتعبَّثُ بأهل المدينة ويتعنَّتهم ، وبنى بها مسجداً في بني سلمة فهو ينسب إليه ، واستخفَّ فيها بأصحاب رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فختم في أعناقهم ، وكان جابر بن عبد الله مختوماً في يده ، وأنس مختوماً في عنقه يريد أن يذلّه بذلك. وأرسل إلى سهل بن سعد فدعاه فقال : ما منعك أن تنصر أمير المؤمنين عثمان بن عفّان؟ قال : قد فعلت. قال : كذبت. ثمّ أمر به فختم في عنقه برصاص (١).

    __________________

    (١) تاريخ الطبري ٧ / ٢٠٦ في ذكر حوادث سنة ٧٤ هـ.
    ٢٦٧

    حركة الشيعة في الكوفة (سنة ٥ ٦ ـ ٦٧)

    الكوفة بعد موت يزيد :

    كان عبيد الله بن زياد حين يذهب إلى البصرة يستخلف على الكوفة الصحابي عمرو بن حريث ، وكان مدير شرطته فيها ، ومعاونه في ملاحقة أنصار الحسين عليه‌السلام وسجنهم قبل مجيئه إلى كربلاء. مات يزيد في ربيع الأوّل سنة ٦٤ هجرية ، وكان عبيد الله بن زياد في البصرة ، وعلى الكوفة خليفته عمرو بن حريث ، ولمّا بايع أهل البصرة لعبيد الله ريثما يجتمع الناس على خليفة (١) ، كتب إلى ابن حريث يأمره بالدعوة إلى بيعته ، غير أنّ يزيد بن رويم الشيباني أحد رؤوس الجيش الكوفي قال : لا حاجة لنا في بني اُميّة ولا في ابن مرجانة ، وهي أمّ عبيد الله ؛ إنّما البيعة لأهل الحِجْر ، يعني أهل الحجاز. فخلع أهل الكوفة ولاية بني اُميّة وإمارة ابن زياد ، وأرادوا أن ينصّبوا لهم أميراً.

    فقال جماعة (٢) : عمر بن سعد بن أبي وقاص يصلح لها. فلمّا همّوا بتأميره أقبل نساء همدان وغيرهن من نساء كهلان والأنصار ، وربيعة والنخع حتّى دخلنَ المسجد الجامع ؛ صارخات باكيات مُعوِلات ، يندبن الحسين عليه‌السلام ويقلنَ : أما رضي عمر بن سعد بقتل الحسين عليه‌السلام

    __________________

    (١) روى المسعودي في مروج الذهب ٣ / ٨٤ : أنّ أشراف البصرة ؛ منهم الأحنف بن قيس التميمي ، وقيس بن الهيثم السلمي ، ومسمع بن مالك العبدي بايعوا عبيد الله ، وتبعهم أهل البصرة.

    (٢) هم زملاء يزيد بن رويم ؛ أمثال شبث بن ربعي ، وحجّار بن أبجر ، ومحمد بن الأشعث ، وكان عمر بن سعد قائدهم العام.
    ٢٦٨

    حتّى أراد أن يكون أميراً علينا! فبكى الناس وأعرضوا عن عمر ، وكان المبرزات في ذلك نساء همدان ، وقد كان علي عليه‌السلام مائلاً إلى همدان ، مؤثراً لهم ، وهو القائل :

    فلو كنتُ بوّاباً على بابِ جنّة




    لقلتُ لهمدان ادخلوا بسلامِ (١)

    ثمّ اصطلحوا على عامر بن مسعود بن أميّة بن خلف الجمحي القرشي وبايعوا لابن الزبير.

    قال ابن حجر : وكان عامر يلقّب دُحروجَة الجُعَل ؛ لأنّه كان قصيراً ، ثمّ اتفق عليه أهل الكوفة بعد موت يزيد بن معاوية ، فأقرَّه ابن الزبير قليلاً ، ثمّ عزله بعد ثلاثة أشهر ، وولاّها عبد الله بن يزيد الخطمي.

    ويُقال : إنّ دُحروجة الجُعل هذا خطب أهل الكوفة فقال : إنّ لكلّ قوم شراباً فاطلبوه في مظانّه ، وعليكم بما يحِل ويُحمَد ، واكسروا شرابكم بالماء.

    وفي ذلك يقول الشاعر :

    مَنْ ذا يحرّمُ ماءَ المزنِ خالطه




    في قعرِ خابيةٍ ماءُ العناقيدِ

    إنّي لأكرهُ تشديدَ الرواةِ لنا




    فيها ويعجبني قولُ ابنِ مسعودِ

    وكثير من الناس يظنّ أنّ الشاعر عنى عبد الله بن مسعود وليس كذلك ، وإنّما عنى هذا (٢).

    قال ابن أبي الحديد : وكان عامر بن مسعود مع عائشة في حرب الجمل ، وهرب فنجا من القتل ، وله ولغيره من بني جمح يقول علي عليه‌السلام : «وأفلتتني أعيارُ بني جمح». (والعير : الحمار) (٣). وقد عاش حتّى ولاّه زياد صدقات بكر بن وائل ، وولاّه عبد الله بن الزبير بن العوّام الكوفة ، فكان يصلّي بالناس.

    __________________

    (١) مروج الذهب ٣ / ٨٥.

    (٢) الإصابة ٣ / ٦٠٣.

    (٣) جاء في شرح نهج البلاغة ١١ / ١٢٦ أنّ عامر بن مسعود بن أميّة بن خلف كان يسمّى دُحروجة الجُعل ؛ لقصره وسواده.
    ٢٦٩

    أقول :

    ودُحروجة الجُعَل هذا هو أحد شهود الزور على حجر بن عدي رحمه‌الله في الرسالة التي بعثها زياد إلى معاوية.

    قال ابن أبي الحديد : وقَدِم عبد الله بن يزيد الأنصاري الخطمي (١) من قِبَل عبد الله بن الزبير أميراً على الكوفة على حربها وثغرها ، وقدم معه من قبل ابن الزبير إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله الأعرج أميراً على خراج الكوفة ، وكان قدوم عبد الله بن يزيد الأنصاري الخطمي يوم الجمعة لثمان بقين من شهر رمضان سنة أربع وستين.

    خطّة الشيعة في التحرّك :

    يتّضح ممّا مضى أنّ الشيعة (أصحاب علي وأولاده عليهم‌السلام) كانوا قد أكلتهم المحنة والسجون ، والتشرّد والتهجير ، فلم يبقَ منهم وجود ظاهر ، فصار حالهم كما أخبر عنه علي عليه‌السلام : «ألا وإنّ أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني اُميّة ؛ فإنّها فتنة عمياء مظلمة ، عمت خطّتها ، وخُصّت بليتها ، وأصاب البلاء مَنْ أبصر فيها ، وأخطأ البلاء مَنْ عمي عنها. وأيم اللّه ، لتجدنَّ بني اُميّة لكم أرباب سوء بعدي كالنّاب الضروس ؛ تعذم بفيها ، وتخبط بيدها ، وتزبن برجلها ، وتمنع درّها ، لا يزالون بكم حتّى لا يتركوا منكم إلاّ نافعاً لهم ، وغير

    __________________

    (١) ابن حجر في الإصابة ٤ / ٢٦٧ ، والمزي في تهذيب الكمال ١٦ / ٣٠١. عبد الله بن يزيد بن زيد بن حصن بن عمرو بن الحارث بن خطمة بن جشم بن مالك بن الأوس الأنصاري الخطمي ، له ولأبيه صحبة ، وشهد بيعة الرضوان وهو صغير ، وكان يُكنّى أبا موسى ، روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشهد الجمل وصفين والنهروان مع علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وحديثه عنه في الترمذي وغيره. وعن البراء بن عازب وحديثه عنه في الصحيحين ، وعن أبي أيوب وأبي مسعود وحذيفة ، وقيس بن سعد وزيد بن ثابت وغيرهم ، روى عنه ابنه موسى ، وسبطه عدي بن ثابت ، والشعبي ، وأبو إسحاق ، وابن سيرين ، وآخرون. وولى إمرة مكّة من عبد الله بن الزبير يسيراً ، واستمر مقيماً بها ، وكان شهد قبل ذلك مع علي مشاهده ، وقال ابن حبان : كان الشعبي كاتبه لمّا كان أمير الكوفة. قال البغوي : سكن الكوفة وابتنى بها داراً ، ومات في زمن ابن الزبير.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 10:48 am



    وشبث بن ربعي قالوا لعبد الله بن يزيد الخطمي وإبراهيم الأعرج : أنّ سليمان بن صرد يريد قتال أعدائكما ، وأنّ المختار يريد الوثوب بكما والإفساد عليكما ، فأخذاه فحبساه وقيّداه.

    والذي تجدر الإشارة إليه هو أنّ هناك تشويهاً لحق بحركة سليمان بن صرد وزملائه ؛ فالعبارة حين نسبت إليه بعض الروايات كلمات من قبيل ما نسب إلى المسيَّب بن نجبة قوله : أمّا بعد ، فقد ابتلينا بطول العمر ... وقد بلا الله أخبارنا فوجدنا كاذبين في أمر ابن ابنة نبيّنا ، وقد بلغتنا كتبه ، وقد أتتنا رسله ، وسألنا نصره عوداً وبدءاً ، وعلانية وسرّاً ، فبخلنا بأنفسنا حتّى قُتل إلى جانبنا ، فلا نحن نصرناه بأيدينا ، ولا جادلنا عنه بألسنتنا ، ولا قويناه بأموالنا ، ولا طلبنا له النصرة إلى عشائرنا .... وما نسب إلى سليمان بن صرد بعد أن قلّده الثائرون رئاستهم قوله : إنّي أخاف ألاّ نكون أُخِّرنا إلى هذا الدهر الذي نكدت فيه المعيشة ، وعظمت فيه الرزية لما هو خير لنا ، إنّا كنّا نمد أعناقنا إلى آل بنيّنا ونمنّيهم النصر ، ونحثّهم على القدوم ، فلمّا قدموا علينا ونينا وعجزنا ، وداهنّا وتربصنا حتّى قُتل ... وأنّهم بكوا عند قبر الحسين عليه‌السلام ، ونادوا : يا لثارات الحسين عليه‌السلام ، وأظهروا التوبة من خِذلانه.

    إنّ هذه الروايات والكلمات وغيرها التي أكثر منها أبو مخنف في كتابه ، وعنه انتشرت ، ممّا ينبغي التريُّث في قبوله ؛ إذ أنّ أبا مخنف ألَّف كتابه هذا في زمن تبنى فيه أبو جعفر المنصور حملة إعلامية كالتي تبنّاها معاوية في زمانه ، استهدفت حملة معاوية تكريس النيل من علي عليه‌السلام ، وهذه استهدفت النيل من شيعة علي في الكوفة خاصّة ، وقد أشرنا إلى ذلك في المقدّمة (١).

    __________________

    (١) أشرنا إلى طرف من هذا الانقلاب في كتابنا (المدخل إلى دراسة مصادر السيرة والتاريخ) ـ الباب الثالث ـ الفصل السادس : العوامل المؤثرة في التدوين التاريخي عند المسلمين / ٤٦٩ ـ ٤٨٩.
    ٢٧٢

    حركة سليمان بن صرد

    قال الطبري : وفي هذه السنة (سنة ٦٤ هجرية) تحرّكت الشيعة بالكوفة ، واستعدوا للاجتماع بالنخيلة في سنة خمس وستين للمسير إلى أهل الشام للطلب بدم الحسين بن علي عليهما‌السلام ، وتكاتبوا في ذلك (١).

    قال المزي : سليمان بن صرد الخزاعي ، أبو مُطرِّف الكوفي ، له صحبة. روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن أبي بن كعب (دسي) ، وجبير بن مطعم (خ م د س ق) ، والحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأبيه علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

    روى عنه تميم بن سلمة ، وشقير العبدي ، وشمر ، وضبثم الضبي ، وعبد الله بن يسار الجهني (س) ، وعدي بن ثابت (خ م د سي) ، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي ، وأبو الضحى مسلم بن صبيح ، ويحيى بن يعمر (د) ، وأبو حنيفة والد عبد الأكرم بن أبي حنيفة (ق) ، وأبو عبد الله الجدلي (٢).

    قال أبو عمر بن عبد البرّ : كان خيِّراً فاضلاً ، له دين وعبادة. كان اسمه في الجاهلية يساراً فسمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سليمان. سكن الكوفة وابتنى بها داراً في خزاعة ، وكان

    __________________

    (١) تاريخ الطبري ٥ / ٥٥٢ سنة ٦٤ ، أنساب الأشراف ٦ / ٣٦٦ ، وفيه : أنّ ابتداء أمر التوابين كان في آخر سنة إحدى وستين ، وكان مهلك يزيد في شهر ربيع الأوّل سنة أربع وستين ، وكان أجل الشيعة الذي ضربوه لمَنْ كتبوا إليه في شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين.

    (٢) تهذيب الكمال ـ ترجمة سليمان بن صرد.
    ٢٧٣

    نزوله بها في أوّل ما نزلها المسلمون ، وكانت له سِنٌّ عالية ، وشرف في قومه ، وشهد مع علي عليه‌السلام صفين (١).

    قال ابن حجر : وكان خيِّراً فاضلاً ، شهد صفين مع علي عليه‌السلام ، وقَتَلَ حوشباً مبارزة ، ثمّ كان ممّن كاتب الحسين عليه‌السلام ثمّ تخلّف عنه ، ثمّ قدم هو والمسيّب بن نجبة في آخرين ، فخرجوا في الطلب بدمه ، وهم أربعة آلاف ، فالتقاهم عبيد الله بن زياد بعين الوردة بعسكر مروان ، فقُتل سليمان ومَنْ معه ، وذلك في سنة خمس وستين في شهر ربيع الآخر.

    وكان لسليمان يوم قُتل ثلاث وتسعون سنة ، وكان الذي قتل سليمان يزيد بن الحصين بن نمير ، رماه بسهم فمات ، وحُمِل رأسه ورأس المسيّب إلى مروان (٢).

    أقول :

    قول ابن حجر (كان ممّن كاتب الحسين عليه‌السلام ثمّ تخلّف عنه) : تعليقنا عليه هو : إنّ الذين كاتبوا الحسين عليه‌السلام قسمان :

    الأوّل : شيعة علي عليه‌السلام وهؤلاء لم يتخلّفوا ، وإنّما سُجن أغلبهم على التهمة والظنّ في الفترة التي قُتل فيها مسلم وهانئ ، واختفى بعضهم محاولاً اللحاق بالحسين عليه‌السلام ، وقد وفق بعضهم في اللحاق كحبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة وغيرهما ، ولم يوفق القسم الآخر بسبب قطع الطرق فبقي مختفياً ، وكان منهم سليمان بن صرد والمسيّب بن نجبة وغيرهما.

    الثاني : وجوه الجيش: أمثال حجّار بن أبجر ، وشبث بن ربعي ، ويزيد بن الحارث بن رويم ، وقطن بن عبد الله بن حصين ، ومحمد بن قيس بن الأشعث وغيرهم ، وهؤلاء عُرِفوا بِنِفاقهم وميلهم إلى الدنيا عندما اشتركوا في شهادة الزور على حجر ؛ إرضاءً لعبيد الله بن زياد ، ولم يكونوا محسوبين من شيعة علي عليه‌السلام وحملة علمه وحديثه ، وقد كتبوا

    __________________

    (١) الاستيعاب ـ ترجمة سليمان بن صرد.

    (٢) الإصابة في معرفة الصحابة ـ ترجمة سليمان بن صرد.
    ٢٧٤

    للحسين عليه‌السلام ـ إن صدّقنا رواية الكتب ـ لمّا نُمي إليهم أنّ حركة مسلم آخذة بالاتّساع ، وقدَّروا أنّ حركة الحسين سوف تنجح ، وهم طلاب دنيا ، وعندما استطاع ابن زياد أن يقضي على حركة مسلم ، ويسجن الناس على التهم والظنّ ، أنكر هؤلاء أنّهم كتبوا للحسين عليه‌السلام ، وأخذوا مواقعهم في الجيش الذي قاتل الحسين عليه‌السلام. وقد بقي هؤلاء على موقفهم وإصرارهم على الإثم حتّى بعد قتل الحسين عليه‌السلام وموت يزيد ، وقد كان هواهم مع ابن الزبير وبايعوا له ، ولم يتُب منهم أحد ، وقد قاتلوا المختار عند قيامه ، ثمّ انهزموا إلى البصرة ولجؤوا إلى مصعب ، وجاؤوا معه لقتال المختار وقضوا عليه.
    ٢٧٥

    حركة المختار بن أبي عبيد الثقفي

    ترجمة المختار :

    توجد في التراث الشيعي في حقّ المختار روايات تمدح وأخرى تقدح.

    فمن الروايات التي تمدح : ما رواه الكشي عن حمدويه قال : حدّثني يعقوب ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن المثنى ، عن سدير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا تسبّوا المختار ؛ فإنّه قتل قتلتنا ، وطلب بثأرنا ، وزوّج أراملنا ، وقسّم فينا المال على العسرة».

    وأيضاً ما رواه عن محمد بن الحسن ، وعثمان بن حامد ، قالا : حدّثنا محمد بن يزداد ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى بن يسار ، عن عبد الله بن الزبير ، عن عبد الله بن شريك ، قال : دخلنا على أبي جعفر عليه‌السلام يوم النحر وهو متّكئ ، وقد أرسل إلى الحلاّق ، فقعدت بين يديه ، إذ دخل عليه شيخ من أهل الكوفة ، فتناول يده ليقبّلها فمنعه ، ثمّ قال : «مَنْ أنت؟». قال : أنا أبو محمد الحكم بن المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، وكان متباعداً من أبي جعفر عليه‌السلام ، فمدّ يده إليه حتّى كاد يقعده في حجره بعد منعه يده ، ثمّ قال : أصلحك الله ، إنّ الناس قد أكثروا في أبي وقالوا ، والقول والله قولك. قال : «وأيّ شيء يقولون؟». قال : يقولون كذّاب ، ولا تأمرني بشيء إلاّ قبلته. فقال : «سبحان الله! أوَ لم يبنِ دورنا ، وقتل قاتلينا ، وطلب بدمائنا؟! رحم الله أباك ، رحم الله أباك ، ما ترك لنا حقّاً عند أحد إلاّ طلبه ؛ قتل قتلتنا ، وطلب بدمائنا».
    ٢٧٦

    ومن الروايات التي تقدح وتطعن : ما رواه الكشي أيضاً عن محمد بن الحسن ، وعثمان بن حامد ، قالا : حدّثنا محمد بن يزداد الرازي ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن عبد الله المزخرف ، عن حبيب الخثعمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان المختار يكذب على علي بن الحسين عليه‌السلام.

    وعن جبرئيل بن أحمد ، حدّثني العبيدي ، قال : حدّثني محمد بن عمرو ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كتب المختار بن أبي عبيدة إلى علي بن الحسين عليه‌السلام ، وبعث إليه بهدايا من العراق ، فلمّا وقفوا على باب علي بن الحسين دخل الآذن يستأذن لهم ، فخرج إليهم رسوله فقال : أميطوا عن بابي ؛ فإنّي لا أقبل هدايا الكذّابين ... (١).

    قال السيد الخوئي رحمه‌الله : وأمّا الروايات الذامّة فهي ضعيفة الإسناد جدّاً ، ولو صحّت فهي لا تزيد على الروايات الذامّة الواردة في حقّ زرارة ومحمد بن مسلم وبريد وأضرابهم ، ويكفي في حسن حال المختار إدخاله السرور في قلوب أهل البيت (سلام الله عليهم) بقتله قَتَلة الحسين عليه‌السلام ، وهذه خدمة عظيمة لأهل البيت عليهم‌السلام يستحق بها الجزاء من قبلهم. ثمّ إنّ خروج المختار وطلبه بثأر الحسين عليه‌السلام كان قد أخبره ميثم التمّار (٢) لمّا كانا في حبس عبيد الله بن زياد ، بأنّه يفلت ويخرج ثائراً بدم الحسين عليه‌السلام (١).

    __________________

    (١) اختيار معرفة رجال الكشي ١ / ٣٤.

    (٢) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٩٣ : وروى إبراهيم في كتاب الغارات عن أحمد بن الحسن الميثمي ، قال : كان ميثم التمّار مولى علي بن أبي طالب عليه‌السلام عبداً لامرأة من بني أسد رحمه‌الله ، فاشتراه علي عليه‌السلام منها وأعتقه ... وقد أطلعه علي عليه‌السلام على علم كثير وأسرار خفية من أسرار الوصية ، فكان ميثم يحدّث ببعض ذلك ، فيشك فيه قوم من أهل الكوفة ، وينسبون عليّاً عليه‌السلام في ذلك إلى المخرقة والإيهام والتدليس ، حتّى قال له يوماً بمحضر من خلق كثير من أصحابه ، وفيهم الشاك والمخلص : «يا ميثم ، إنّك تؤخذ بعدي وتُصلب ، فإذا كان اليوم الثاني ابتدر منخراك وفمك دماً حتّى تخضب لحيتك ، فإذا كان اليوم الثالث طعنت بحربة يقضى عليك ، فانتظر ذلك. والموضع الذي تُصلب فيه على باب دار عمرو بن حريث ، إنّك لعاشر عشرة أنت أقصرهم خشبة ، وأقربهم من المطهّرة (يعنى الأرض) ، ولأرينك النخلة التي تُصلب على جذعها». ثم أراه إياها بعد ذلك بيومين ، وكان ميثم يأتيها ،
    ٢٧٧

    __________________

    فيصلّي عندها ، ويقول : بوركت من نخلة ، لك خلقت ، ولي نبتِ. فلم يزل يتعاهدها بعد قتل علي عليه‌السلام حتّى قُطعت ، (فكان يرصد جذعها ويتعاهده ويتردد إليه ، ويبصره) ، وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول له : إنّي مجاورك فأحسن جواري. فلا يُعلم عمرو ما يريد ، فيقول له : أتريد أن تشتري دار ابن مسعود ، أم دار ابن حكيم؟ قال : وحجّ في السنة التي قُتل فيها ، فدخل على اُمّ سلمة رضي‌الله‌عنها ، فقالت له : مَنْ أنت؟ قال : عراقي. فاستنسبته ، فذكر لها أنّه مولى علي بن أبى طالب ، فقالت : أنت هيثم؟ قال : بل أنا ميثم. فقالت : سبحان الله! والله لربّما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوصي بك علياً في جوف الليل. فسألها عن الحسين بن علي ، فقالت : هو في حائط له. قال : أخبريه أنّي قد أحببت السلام عليه ، ونحن ملتقون عند ربّ العالمين إن شاء الله ، ولا أقدر اليوم على لقائه ، واُريد الرجوع. فدعت بطيب فطيّبت لحيته ، فقال لها : أما إنّها ستخضب بدم. فقالت : مَنْ أنباك هذا؟ قال : أنبأني سيّدي. فبكت اُمّ سلمة وقالت له : إنّه ليس بسيّدك وحدك ، هو سيّدي وسيّد المسلمين. ثمّ ودّعته ، فقدم الكوفة ، فأُخذ وأُدخل على عبيد الله بن زياد ، وقيل له : هذا كان من آثر الناس عند أبي تراب. قال : ويحكم! هذا الأعجمي؟! قالوا : نعم. فقال له عبيد الله : أين ربّك؟ قال : بالمرصاد. قال : قد بلغني اختصاص أبي تراب لك. قال : قد كان بعض ذلك ، فما تريد؟ قال : وإنّه ليُقال إنّه قد أخبرك بما سيلقاك. قال : نعم ، إنّه أخبرني أنّك تصلبني عاشر عشرة ، وأنا أقصرهم خشبة ، وأقربهم من المطهّرة. قال : لاُخالفنّه. قال : ويحك! كيف تخالفه ، إنّما أخبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخبر رسول الله عن جبرائيل ، وأخبر جبرائيل عن الله ، فكيف تخالف هؤلاء؟! أما والله ، لقد عرفت الموضع الذي أُصلب فيه أين هو من الكوفة ، وإنّي لأوّل خلق الله أُلجم في الإسلام بلجام كما يُلجم الخيل. فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، فقال ميثم للمختار وهما في حبس ابن زياد : إنّك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين عليه‌السلام ، فتقتل هذا الجبّار الذي نحن في سجنه ، وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخدّيه فلما دعا عبيد الله بن زياد بالمختار ليقتله طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد يأمره بتخلية سبيله ، وذاك أنّ أخته كانت تحت عبد الله بن عمر بن الخطاب ، فسألت بعلها أن يشفع فيه إلى يزيد فشفع ، فأمضى شفاعته وكتب بتخلية سبيل المختار على البريد ، فوافى البريد وقد أُخرج ليُضرب عنقه فأُطلق. وأمّا ميثم فأُخرج بعده ليُصلب ، وقال عبيد الله : لأمضينّ حكم أبي تراب فيه. فلقيه رجل فقال له : ما كان أغناك عن هذا يا ميثم! فتبسّم وقال : لها خُلقت ، ولي غذيت. فلمّا رُفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث ، فقال عمرو : لقد كان يقول لي : إنّي مجاورك. فكان يأمر جاريته كلّ عشية أن تكنس تحت خشبته وترشه ، وتجمر بالمجمر تحته ، فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم ومخازي بني اُميّة ، وهو مصلوب على الخشبة ، فقيل لابن زياد : قد فضحكم هذا العبد. فقال : ألجموه. فأُلجم ، فكان أوّل خلق الله أُلجم في الإسلام ، فلمّا كان في اليوم الثاني فاضت منخراه وفمه دماً ، فلمّا كان في اليوم الثالث طُعن بحربة فمات. وكان قتل ميثم قبل قدوم الحسين عليه‌السلام العراق بعشرة أيام.
    ٢٧٨

    أقول : أمّا في كتب الرجال السنّية فإنّ المختار مذموم جدّاً ، ولا توجد رواية واحدة تُثني عليه.

    قال ابن الأثير (٢) ، وقد نقل كلام ابن عبد البرّ القرطبي : المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي أبو إسحاق ، كان أبوه من أجلّة الصحابة. ولد المختار عام الهجرة. وأخباره أخبار غير مرضية ، وذلك مذ طلب الإمارة إلى أن قتله مصعب بن الزبير بالكوفة سنة سبع وستين. وكان قبل ذلك معدوداً في أهل الفضل والخير ، يرائي بذلك كلّه ويكتم الفسق ، فظهر منه ما كان يضمر ، والله أعلم (٣).

    قال ابن حجر في الإصابة : روى موسى بن إسماعيل ، عن أبي عوانة ، عن مغيرة ، عن ثابت بن هرمز ، قال : حمل المختار مالاً من المدائن من عند عمّه إلى علي ، فأخرج كيساً فيه خمسة عشر درهماً ، فقال : هذا من اُجور المومسات. فقال له علي : ويلك! ما لي وللمومسات؟! ثمّ قام وعليه مقطعة حمراء ، فلمّا سلّم قال علي : ما له قاتله الله؟! لو شقّ عن قلبه الآن لوجد ملآن من حبّ اللات والعزّى.

    وممّا ورد في ذلك : ما أخرجه أحمد في مسند عمرو بن الحمق من طريق السدي ، عن رفاعة القتباني قال : دخلت على المختار فألقى إليَّ وسادة ، وقال : لولا أنّ أخي جبرائيل قام عن هذه ، وأشار إلى أخرى عنده ، لألقيتها لك (٤).

    وقال ابن حبّان في ترجمة صفية بنت أبي عبيد في كتابه الثقات : هي أخت المختار المتنبي (٥) بالعراق.

    __________________

    (١) معجم رجال الحديث ـ السيد الخوئي ٩١ / ١٠٢.

    (٢) أُسد الغابة ـ ترجمة المختار بن أبي عبيد الثقفي.

    (٣) الاستيعاب ٤ / ١٤٦٥.

    (٤) رواها ابن عدي في الكامل ٤ / ١٧٢ ، قال : أخبرنا الفضل بن الحباب ، ثنا مسلم بن إبراهيم ، عن عبد الله بن ميسرة الحارثي الواسطي ، ثنا أبو عكاشة أنّ رفاعة دخل على المختار بن أبي عبيد فقال : انصرف عنّي جبريل آنفاً.

    (٥) المتنبّي : أي الذي ادّعى النبوّة.
    ٢٧٩

    قال ابن حجر : وأقوى (١) ما ورد في ذمّه ، ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يكون في ثقيف كذّاب ومبير ، فشهدت أسماء أنّ الكذّاب هو المختار المذكور.

    وذكر ابن سعد عن الواقدي بأسانيده : أنّ أبا عبيد والد المختار قدم من الطائف في زمن عمر حين ندب الناس إلى العرق ، فخرج أبو عبيدة فاستشهد يوم الجسر ، وبقي ولده بالمدينة ، وتزوّج عبد الله بن عمر صفية بنت أبي عبيد ، وأقام المختار بالمدينة منقطعاً إلى بني هاشم ، ثمّ كان مع علي بالعراق ، وسكن البصرة بعد علي ، وله قصّة مع الحسن بن علي لمّا ولّي الخلافة (٢).

    أقول :

    يريد بقصته مع الحسن عليه‌السلام ما رواه الطبري ، قال : حدّثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدّثنا عثمان بن عبد الحميد ، أو ابن عبد الرحمن المجازي الخزاعي أبو عبد الرحمن ، قال : حدّثنا إسماعيل بن راشد ، قال : بايع الناس الحسن بن علي عليه‌السلام بالخلافة ، ثمّ خرج بالناس حتّى نزل المدائن ، وبعث قيس بن سعد على مقدّمته في اثني عشر ألفاً ، وأقبل معاوية في أهل الشام حتّى نزل مسكن (٣). فبينا الحسن في المدائن إذ نادى مناد في العسكر : ألا إنّ قيس بن سعد قد قُتل فانفروا. فنفروا ونهبوا سرادق الحسن عليه‌السلام حتّى نازعوه بساطاً كان تحته ، وخرج الحسن حتّى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن ، وكان عمّ المختار بن أبي عبيد عاملاً على المدائن ، وكان اسمه سعد بن مسعود ، فقال له المختار (وهو غلام شاب) : هل لك في الغنى والشرف؟ قال : وما ذاك؟ قال : توثق الحسن وتستأمن

    __________________

    (١) أي أقوى سنداً.

    (٢) الإصابة ـ ابن حجر ٦ / ٢٧٥.

    (٣) اسم للطسوج الذي منه أوانا من أعمال دجيل ، والموضع الذي به قبر مصعب على جانب الآن (مراصد الاطلاع).
    ٢٨٠

    به إلى معاوية. فقال له سعد : عليك لعنة الله! أثب على ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأوثقه! بئس الرجل أنت! (١)

    وروى ابن عساكر : بسنده عن يعقوب بن سفيان (صاحب كتاب المعرفة والتاريخ) ، حدّثني أبو عثمان (يحيى بن سعيد الأموي ت سنة ١٩٤ هجرية) ، أخبرنا أبي سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص الأموي ، أخبرنا مجالد (ت سنة ١٤٤ هجرية) ، عن عامر الشعبي قال : كنت أجالس الأحنف بن قيس فاُفاخر أهل البصرة بأهل الكوفة ، فبلغ منه كلامي ذات يوم وأنا لا أدري ، فقال : يا جارية ، هاتي ذلك الكتاب. فجاءت به ، فقال : اقرأ ، (وما يدري أحد من القوم ما فيه). قال : فقرأته فإذا فيه ، بسم الله الرحمن الرحيم ، من المختار بن أبي عبيد إلى الأحنف بن قيس ومَنْ قبله من ربيعة ومضر ... ولقد بلغني أنّكم تكذّبوني وتؤذون رُسلي ، وقد كُذّبت الأنبياء واُوذوا من قبلي ، فلست بخير من كثير منهم ، والسلام. فلمّا قرأته قال : أخبرني عن هذا ، من أهل البصرة أو من أهل الكوفة؟ قلت : يغفر الله لك أبا بحر ، إنّما كنّا نمزح ونضحك. قال : لتخبرني مَنْ هو؟ قلت : يغفر الله لك يا أبا بحر. قال : لتخبرني. قلت : من أهل الكوفة. قال : فكيف تفاخر أهل البصرة وهذا منكم؟! (٢)

    وقال الذهبي : المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذّاب ، كان من كبراء ثقيف ، وذوي الرأي والفصاحة ، والشجاعة والدهاء وقلّة الدين ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يكون في ثقيف كذّاب ومبير (٣) ، فكان الكذّاب هذا. ادّعى أنّ الوحي يأتيه ، وأنّه يعلم الغيب ، (وكان المبير الحجّاج) قبحهما الله (٤).

    __________________

    (١) تاريخ الطبري ـ الطبري ٤ / ١٢١.

    (٢) تاريخ مدينة دمشق ـ ابن عساكر ٤٣ / ٤٨٤.

    (٣) أخرجه مسلم (٢٥٤٥) في فضائل الصحابة من حديث أسماء بنت أبي بكر ، وأخرجه أحمد ٢ / ٦٢ ، والترمذي (٢٢٢٠) و(٣٩٤٤) من حديث ابن عمر.

    (٤) سير أعلام النبلاء ـ الذهبي ٣ / ٥٣٨.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 10:50 am



    وقال : المختار بن أبي عبيد الثققي الكذّاب ، لا ينبغي أن يروى عنه شيء ؛ لأنّه ضالّ مضلّ ، كان يزعم أنّ جبرائيل عليه‌السلام ينزل عليه ، وهو شرّ من الحجاج أو مثله (١).

    قال أحمد بن حنبل : حدّثنا ابن نمير ، حدّثنا عيسى بن عمر ، حدّثنا السدي ، عن رفاعة الفِتْياني قال : دخلت على المختار ، فألقى لي وسادة ، وقال : لولا أنّ جبريل قام عن هذه ، لألقيتها لك ، فأردت أن أضرب عنقه ، فذكرت حديثاً حدثنيه عمرو بن الحمق ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أيّما مؤمن أمّن مؤمناً على دمه فقتله ، فأنا من القاتل برئ» (٢).

    المختار يكمل بقية الأشواط في خطّة الحسين عليه‌السلام :

    إنّ الروايات الآنفة الذكر وأمثالها التي تطعن بالمختار كلّها مطعون بسندها ، ومضامينها افتراء مبين.

    إنّ سبب هذا التشويه على المختار هو أنّه رحمه‌الله وفِّق لإكمال شوطين مقطعيين مهمّين في خطّة الحسين عليه‌السلام ، الخطّة التي كانت ترمي إلى إحياء مدرسة علي عليه‌السلام الفكرية والسياسية في الأمّة.

    الشوط الأوّل : إقامة الحكم العادل نظير حكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي عليه‌السلام في الكوفة ؛ لينفتح الجيل الجديد فيها ، الذي حُرم في عهد معاوية من معرفة السنّة النبويّة الصحيحة ، وحقائق التاريخ الإسلامي.

    الشوط الثاني : محاربة الطغمة الاُمويّة في الشام رأس الضلالة والإطاحة بها ومن الطبيعي إنّ الحسين عليه‌السلام كان قد أطلع خواص أصحابه ، ومنهم المختار وسليمان بن صرد على مفاصل خطّته ، وأشواطها العملية ، كما أطلعهم على مصير الشهادة المحتوم له

    __________________

    (١) في ميزان الاعتدال ـ الذهبي ٤ / ٨٠.

    (٢) المسند ٥ / ٢٢٣ ، وأخرجه أحمد ٥ / ٢٢٢ ، وابن ماجة (٢٦٨٨) من طريقين ، عن عبد الملك بن عمير ، عن رفاعة بن شداد الفتياني.
    ٢٨٢

    ولأهل بيته وأصحابه الذي يكونون معه ، كما أطلع المختار وبقيّة الخواص على دوره في إنفاذ الشوطين الباقيين ، وإنّ الخطّة لا تتعطّل بشهادته عليه‌السلام. وقد مرّ علينا آنفاً قول ميثم التمّار للمختار لمّا كانا في حبس عبيد الله بن زياد بأنّه يفلت ، ويخرج ثائراً بدم الحسين عليه‌السلام (١) ، وأنّه يقتل عبيد الله.

    وقد نهض المختار بالشوط الثاني ، وقدِّر له أن يقتل قتلة الحسين عليه‌السلام ، ويقتص منهم فعلاً بفعل ، وحركة بحركة ، ويحقّق انتصاراً عظيماً لمدرسة علي عليه‌السلام في الكوفة ومدنها ، والجزيرة ، وفي شمال العراق وقراها مدّة ستة عشر شهراً ، انبعثت فيها أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الصحيحة في أهل بيته ، وانتشرت الحقائق الصحيحة عن السيرة وتاريخ الخلفاء وسيرة علي عليه‌السلام.

    وكان هذا النصر على حساب حركة عبد الله بن الزبير وأطروحته الفكرية والسياسية ، وموقفها من علي ومدرسته في غنىً عن البيان ، وقد مرّت الإشارة إلى طرف منها. لقد اقتطع المختار الكوفة وما يتبعها من القرى والمدن من مملكة ابن الزبير ، مضافاً إلى أنّه نصر ابن الحنفيّة وابن عباس لمّا حصرهما ابن الزبير في الحرم ليضرم عليهما الحطب.

    وكان أيضاً على حساب عبد الملك بن مروان في الشام وأطروحته الفكرية والسياسية ، وهي أطروحة معاوية ، وكان المختار قد بعث جيشاً لقتال أهل الشام الذين بعثهم عبد الملك بقيادة عبيد الله بن زياد ، فهزم الجيش وقتل ابن زياد.

    وقد قُدِّر لابن الزبير أن يقضي على المختار وحركته ، ويقتل سبعة آلاف صبراً من الشيعة كما سيأتي ، وصارت الكوفة كلّها لابن الزبير من النصف من رمضان سنة ٦٧ هجرية إلى جمادى الأولى سنة ٧٢ ، وتحرّك الإعلام الزبيري لمدّة خمس سنوات في

    __________________

    (١) كما في خبر ميثم التمّار وقوله للمختار في السجن أنّه سوف يفلت ويقتل عبيد الله ، وأنّ ميثم يُرزق الشهادة.
    ٢٨٣

    العراق والحجاز يشوّه من حركة المختار وشخصيته.

    ثمّ واصل الإعلام الأموي منذ قتل مصعب حتّى نهاية بني اُميّة تلك المسيرة الإعلامية بشكل أشدّ.

    ثمّ انضاف إلى ذلك الإعلام العباسي في عهد المنصور ، وبخاصّة بعد تحرّك محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن المثنى رحمهم‌الله. قال المنصور يخاطب أهل الكوفة بعد قتل إبراهيم بن عبد الله بن الحسن سنة (١٤٥) هجرية : يا أهل الكوفة ، عليكم لعنة الله وعلى بلد أنتم فيه ... سبئية (١) ، خشبية (٢) ؛ قائل يقول : جاءت الملائكة ، وقائل يقول : جاء جبريل ... (٣).

    ومن ثمّ تكرّست الصورة السيئة على المختار في كتب الرواية التاريخية التي ظهرت في العهد العباسي ، وتبنت في قليل أو كثير سياسة الإعلام آنذاك ، ثمّ أخذ بتلك الروايات الكثير ممّن جاء بعدهم إلى اليوم من دون نقد وتمحيص.

    وفيما يلي طرف من أخبار حركة المختار ، تنخّلناها من مجموع روايات الطبري بعد أن استبعدنا ما تحتويه من التهم والافتراءات ممّا لا نطمئن إلى صحته :

    خلاصة حركة المختار :

    قال الطبري : ثمّ دخلت سنة ست وستين ، ذكر الخبر عن الكائن الذي كان فيها من الأمور الجليلة ، فممّا كان فيها من ذلك وثوب المختار بن أبي عبيد بالكوفة طالباً بدم الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وإخراجه منها عامل ابن الزبير عبد الله بن مطيع العدوي.

    __________________

    (١) أي أتباع عبد الله بن سبأ الذي ادّعي له أنّه مبتدع الوصية لعلي عليه‌السلام المشابهة لوصية موسى ليوشع عليه‌السلام ، الذي يترتب عليها البراءة ممّن تجاوز على موقعه.

    (٢) في النهاية ـ لابن الأثير : الخشبية : هم أصحاب المختار بن أبي عبيد ، ويُقال لضرب من الشيعة : الخشبية. وفي المشتبه ـ للذهبي : الخشبي : هو الرافضي في عرف السلف.

    (٣) مرّت فقرات أخرى من خطبة المنصور ، ومصدرها في البحوث التمهيديّة.
    ٢٨٤

    ذكر هشام بن محمد عن أبي مخنف : أنّ فضيل بن خديج حدّثه عن عبيدة بن عمرو وإسماعيل بن كثير من بني هند أنّ أصحاب سليمان بن صرد (رفاعة بن شداد ، والمثنى بن مخربة العبدي ، وسعد بن حذيفة بن اليمان ، ويزيد بن أنس ، وأحمر بن شميط الأحمسي ، وعبد الله بن شداد البجلي ، وعبد الله بن كامل) ، لمّا قدموا الكوفة من عين الوردة ، كتب المختار إليهم وهو محبوس : أمّا بعد ، فمرحباً بالعصبة الذين حكم الله لهم بالأجر حين رحلوا ، ورضي انصرافهم حين أقبلوا ، إنّ سليمان بن صرد رحمه‌الله قضى ما عليه وتوفّاه الله إليه ، فجعل روحه مع أرواح الأنبياء والصدّيقين والشهداء والصالحين ... أعدّوا واستعدوا ؛ فإنّي أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه ، والطلب بدماء أهل البيت ، والدفع عن الضعفاء ، وجهاد المحلّين. فأجابوه إلى ما دعاهم إليه ، وقالوا : إن شئت أخرجناك من محبسك. فقال : أنا أخرج من محبسي في أيامي هذه. وكانت صفية بنت عبيد أخته امرأة عبد الله بن عمر ، فكتب إلى عبد الله بن عمر يعلمه أنّ عبد الله بن يزيد وابن محمد بن طلحة حبساه لغير جناية ، فكتب إليهما يسألهما إخراجه فأخرجاه (١).

    قال الطبري : ولمّا نزل المختار داره عند خروجه من السجن اختلف إليه الشيعة ، واجتمعت عليه واتفق رأيها على الرضا به ، وكان الذي يبايع له الناس وهو في السجن خمسة نفر ؛ السائب بن مالك الأشعري ، ويزيد بن أنس ، وأحمر بن شميط ، ورفاعة بن شداد الفتياني ، وعبد الله بن شداد الجشمي.

    قال : فلم تزل أصحابه يكثرون وأمره يقوى ويشتدّ حتّى عزل ابن الزبير عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد بن طلحة ، وبعث عبد الله بن مطيع على عملهما إلى الكوفة.

    قال : وقدم عبد الله بن مطيع الكوفة في رمضان سنة خمس وستين يوم الخميس لخمس بقين من شهر رمضان ، وأقام على الصلاة والخراج ، وبعث على شرطته إياس بن مضارب العجلي.

    __________________

    (١) أنساب الأشراف ٦ / ٣٧٤.
    ٢٨٥

    وجاء إياس بن ضارب إلى ابن مطيع فقال له : لست آمن المختار ، فابعث إليه فليأتك ، فإذا جاءك فاحبسه في سجنك حتّى يستقيم أمر الناس ، فإنّ عيوني قد أتتني فخبّرتني أنّ أمره قد استجمع له ، وكأنّه قد وثب بالمصر.

    قال : فبعث إليه ابن مطيع زائدة بن قدامة ، وحسين بن عبد الله البرسمي من همدان فدخلا عليه فقالا : أجب الأمير. فتعلل لهما بوعكة أصابته ، فأقبلا إلى ابن مطيع فأخبراه بعلّته وشكواه ، فصدقهما ولَها عنه.

    الثورة الشعبيّة للمستضعفين من شيعة علي عليه‌السلام :

    قال الطبري : وفي هذه السنة (سنة ٦٦) وثب المختار بمَنْ كان بالكوفة من قتلة الحسين عليه‌السلام والمشايعين على قتله ، فقتل مَنْ قدر عليه منهم ، وهرب من الكوفة بعضهم فلم يقدر عليه.

    اجتمع رأي المختار وأصحابه على أن يخرجوا ليلة الخميس لأربع عشرة من ربيع الأوّل سنة ست وستين.

    نُمِّي الخبر إلى إياس بن مضارب العجلي ، وهو صاحب شرطة عبد الله بن مطيع ، فدخل عليه وقال له : إنّ المختار خارج عليك لا محالة ، فأرسل ابن مطيع إلى قواده وجمعهم ، وطلب منهم أن يكفي كلّ رجل منهم ناحيته.

    بعث زحر بن قيس إلى جبَّانة كندة ،

    وبعث شمر بن ذي الجوشن إلى جبَّانة سالم ،

    وبعث يزيد بن الحارث بن رويم (أبو حوشب) إلى جبَّانة مراد ،

    وبعث شبث بن ربعي إلى السَّبخة ،

    وبعث غيرهم إلى أماكن أُخرى.

    وأمر المختار بلأن ينادى بشعار : يا لثارات الحسين.

    وخرج إبراهيم بن الأشتر بكتيبة وهو يقول :
    ٢٨٦

    اللّهمّ إنّك تعلم أنّا غضبنا لأهل بيت نبيّك ، وثرنا لهم فانصرنا على مَنْ قتلهم ، وتمّم لنا دعوتنا.

    وأقبل إبراهيم في أصحابه حتّى مرّ بمسجد الأشعث ، ثمّ مضى حتّى أتى دار المختار ، فوجد الأصوات عالية والقوم يقتتلون ، وقد جاء شبث بن ربعي من قبل السبخة ، فعبّى له المختار يزيد بن أنس.

    وجاء حجَّار بن أبجر العجلي فجعل المختار في وجهه أحمر بن شميط ، فالناس يقتتلون.

    وجاء إبراهيم من قبل القصر ، فبلغ حَجَّاراً وأصحابه أنّ إبراهيم قد جاءهم من ورائهم ، فتفرّقوا قبل أن يأتيهم إبراهيم وذهبوا في الأزقة والسكك ، وجاء قيس بن طهفة في قريب من مئة رجل من بني نهد من أصحاب المختار ، فحمل على شبث بن ربعي وهو يقاتل يزيد بن أنس ، فخلى لهم الطريق حتّى اجتمعوا جميعاً.

    ثمّ إنّ شبث بن ربعي ترك لهم السكة ، وأقبل حتّى لقي ابن مطيع فقال : ابعث إلى اُمراء الجبابين فمرهم فليأتوك ، فاجمع إليك جميع الناس ، ثمّ انهدّ إلى هؤلاء القوم فقاتلهم ، وابعث إليهم مَنْ تثق به فليكفك قتالهم ؛ فإنّ أمر القوم قد قوي ، وقد خرج المختار وظهر واجتمع له أمره.

    خرج المختار في جماعة من أصحابه حتّى نزل في ظهر دير هند ممّا يلي بستان زائدة في السبخة ، ثمّ لحق به بقية أصحابه ، فاستجمعوا له قبل انفجار الفجر ، فأصبح قد فرغ من تعبيته.

    بعث ابن مطيع إلى أهل الجبابين ، فأمرهم أن ينضمّوا إلى المسجد ، وقال لراشد بن إياس بن مضارب : ناد في الناس فليأتوا المسجد ، فنادى المنادي : ألا برئت الذمّة من رجل لم يحضر المسجد الليلة ، فتوافى الناس في المسجد ، فلمّا اجتمعوا :
    ٢٨٧

    بعث ابن مطيع شبث بن ربعي في نحو من ثلاثة آلاف.

    وبعث راشد بن إياس في أربعة آلاف من الشرط ، وحجّار بن أبجر العجلي في ثلاثة آلاف ، والشمر بن ذي الجوشن في ثلاثة آلاف.

    وجاء شبث حتّى أحاط بالمختار وأصحابه ، وبعث ابن مطيع يزيد بن الحارث بن رؤيم في ألفين من قبل سكّة لحام جرير ، فوقفوا في أفواه تلك السكك ، وولّى المختار يزيد بن أنس خيله ، وخرج هو في الرجّالة وهو يقول :

    يا معشر الشيعة ، قد كنتم تُقتلون ، وتقطع أيديكم وأرجلكم ، وتسمل أعينكم ، وتُرفعون على جذوع النخل في حبّ أهل بيت نبيّكم ، وأنتم مقيمون في بيوتكم وطاعة عدوّكم ، فما ظنّكم بهؤلاء القوم إن ظهروا عليكم اليوم؟ إذاً والله لا يدعون منكم عيناً تطرف ، ويقتلونكم صبراً ، ولترون منهم في أولادكم وأزواجكم وأموالكم ما الموت خير منه. والله ، لا ينجيكم منهم إلاّ الصدق والصبر ، والطعن الصائب في أعينهم ، والضرب الدراك على هامهم ، فتيسروا للشدّة ، وتهيَّؤوا للحملة.

    واقتتل الناس فاشتدّ قتالهم ، وقُتل راشد بن إياس وانهزم أصحابه ، وأقبل إبراهيم بن الأشتر وخزيمة بن نصر ومَنْ كان معهم بعد قتل راشد نحو المختار ، وبعث النعمان بن أبي الجعد يبشّر المختار بالفتح عليه وبقتل راشد.

    قال الحارث بن كعب : إنّ إبراهيم لمّا أقبل نحونا رأينا شبثاً وأصحابه ينكصون وراءهم رويداً (١) رويداً ، فلمّا دنا إبراهيم من شبث وأصحابه حمل عليهم ، وأمرنا يزيد بن

    __________________

    (١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٨ سنة ٦٦.
    ٢٨٨

    أنس بالحملة عليهم فحملنا عليهم ، فانكشفوا حتّى انتهوا إلى أبيات الكوفة.

    قال عمرو بن الحجّاج الزبيدي لابن مطيع : أيّها الرجل ، لا يسقط في خلدك ، ولا تلق بيدك ، اخرج إلى الناس فاندبهم إلى عدوّك فاغزهم ؛ فإنّ الناس كثير عددهم ، وكلّهم معك إلاّ هذه الطاغية التي خرجت على الناس ، والله مخزيها ومهلكها ، وأنا أوّل منتدب ، فاندب معي طائفة ومع غيري طائفة.

    فخرج ابن مطيع ، فقام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّ من أعجب العجب عجزكم عن عصبة منكم قليل عددها ، خبيث دينها ، ضالة مضلّة.

    قال حصيرة بن عبد الله ، قال : إنّي لأنظر إلى ابن الأشتر حين أقبل في أصحابه حتّى إذا دنا منهم ، قال لهم : لا يهولنكم أن يُقال : جاءكم شبث بن ربعي وآل عتيبة بن النهاس وآل الأشعث وآل فلان وآل يزيد بن الحارث ... قال : فسمّى بيوتات من بيوتات أهل الكوفة ، ثمّ قال : إنّ هؤلاء لو قد وجدوا لهم حَرَّ السيوف قد انصفقوا عن ابن مطيع انصفاق المعزى عن الذئب.

    وانتهت المعارك بهرب شبث بن ربعي ومحمد بن الأشعث ونظرائهم إلى البصرة ، وقتل المختار ثلّة من قتلة الحسين ؛ شمر وعمر بن سعد وخولّي وغيرهم ، وأخرج ابن مطيع إلى الحجاز.

    بيعة عامّة الكوفيين للمختار :

    قال الطبري وابن أعثم : ثمّ نادى المختار في الناس : الصلاة جامعة. فاجتمعت الناس إلى المسجد الأعظم ، وخطب فيهم وبايعوه على كتاب الله وسنّة نبيّه والطلب بدماء أهل البيت ، وجهاد المحلّين ، والدفع عن الضعفاء.
    ٢٨٩

    المختار يولّي الولاة :

    قال أبو مخنف : حدّثني حصيرة بن عبد الله الأزدي ، وفضيل بن خديج الكندي ، والنضر بن صالح العبسي ، قالوا :

    أوّل رجل عقد له المختار راية عبد الله بن الحارث أخو الأشتر ، عقد له على أرمينية.

    وبعث محمد بن عمير بن عطارد على آذربيجان.

    وبعث عبد الرحمن بن سعيد بن قيس على الموصل.

    وبعث إسحاق بن مسعود على المدائن وأرض جوخى.

    وبعث قدامة بن أبي عسى بن ربيعة النصري.

    وهو حليف لثقيف على بِهقُباذ الأعلى.

    وبعث محمد بن كعب بن قرظة على بهقباذ الأوسط.

    وبعث حبيب بن منقذ الثوري على بهقباذ الأسفل.

    وبعث سعد بن حذيفة بن اليمان على حُلوان.

    أمر المختار مع شريح بن هانئ :

    قال ابن أبي الحديد : لمّا قام المختار بن أبي عبيد ، قال لشريح : ما قال لك أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم كذا؟ قال : إنّه قال لي : كذا. قال : فلا والله ، لا تقعد حتّى تخرج إلى بانقيا تقضي بين اليهود ، فسيره إليها فقضى بين اليهود شهرين (١).

    المختار يخلّص ابن الحنفيّة من إرهاب ابن الزبير :

    قال الطبري : وفي هذه السنة قدمت الخشبية مكّة ، ووافوا الحجّ وأميرهم أبو عبد الله الجدلي (٢).

    __________________

    (١) شرح نهج البلاغة ٤ / ٩٨.

    (٢) قال في الإصابة ٥ / ١١١ : أبو عبد الله الجدلي مشهور بكنيته ، وقيل اسمه : عبد الرحمن ، قال ابن منده : هو قديم ، ثمّ ذكر في الصحابة ولا يصح. قال ابن حجر : أرسل شيئاً وهو معدود في التابعين ، ذكره ابن
    ٢٩٠

    وكان السبب في ذلك فيما ذكر هشام عن أبي مخنف ، وعلي بن محمد ، عن مسلمة بن محارب : أنّ عبد الله بن الزبير حبس محمد بن الحنفيّة ومَنْ معه من أهل بيته ، وسبعة عشر رجلاً من وجوه أهل الكوفة بزمزم ، وكرهوا البيعة لمَنْ لم تجتمع عليه الأمّة ، وهربوا إلى الحرم ، وتوعّدهم بالقتل والإحراق ، وأعطى الله عهداً إن لم يبايعوا أن ينفذ فيهم ما توعّدهم به ، وضرب لهم في ذلك أجلاً. فأشار بعض مَنْ كان مع ابن الحنفيّة عليه أن يبعث إلى المختار ، وإلى مَنْ بالكوفة رسولاً يعلمهم حالهم وحال مَنْ معهم ، وما توعّدهم به ابن الزبير ؛ فوجّه ثلاثة نفر من أهل الكوفة إلى المختار وأهل الكوفة يعلمهم حاله وحال مَنْ معه ، وما توعّدهم به ابن الزبير من القتل والتحريق بالنار ، فقدموا على المختار.

    فوجّه المختار أبا عبد الله الجدلي في سبعين راكبا من أهل القوة.

    ووجه ظبيان بن عمارة أخا بني تميم ومعه أربعمئة وأبا المعتمر في مئة.

    وهانئ بن قيس في مئة ، وعمير بن طارق في أربعين ، ويونس بن عمران في أربعين ، وكتب إلى محمد بن علي مع الطفيل بن عامر ومحمد بن قيس بتوجيه الجنود إليه.

    فخرج الناس بعضهم في أثر بعض ، وجاء أبو عبد الله حتّى نزل ذات عرق في سبعين راكباً ، ثمّ لحقه عمير بن طارق في أربعين راكباً ، ويونس بن عمران في أربعين راكباً ، فتمّوا خمسين ومئة ، فسار بهم حتّى دخلوا المسجد الحرام ، وهم ينادون : يا لثارات الحسين! حتّى انتهوا إلى زمزم ، وقد أعدّ ابن الزبير الحطب ليحرقهم ، وكان قد بقي من الأجل يومان.

    فطردوا الحرس وكسروا أعواد زمزم ، ودخلوا على ابن الحنفيّة ، فقالوا له : خلّ بيننا

    __________________

    سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة ، وروى عن سلمان الفارسي ، وعن علي عليه‌السلام ، وعائشة وغيرهم. روى عنه الشعبي ، وأبو إسحاق السبيعي ، وسعيد بن خالد الجدلي وآخرون. ووثقه أحمد وابن معين والعجلي.
    ٢٩١

    وبين عدوّ الله ابن الزبير. فقال لهم : إنّي لا أستحلّ القتال في حرم الله.

    فقال ابن الزبير : أتحسبون أنّي مخلّ سبيلهم دون أن يبايع ويبايعوا؟ فقال أبو عبد الله الجدلي : إي وربّ الركن والمقام ، وربّ الحلّ والحرام ، لتخلينّ سبيله أو لنجالدنك بأسيافنا جلاداً يرتاب منه المبطلون.

    فقال ابن الزبير : والله ما هؤلاء إلاّ أكلة رأس ، والله لو أذنت لأصحابي ما مضت ساعة حتّى تقطف رؤوسهم. فقال له قيس بن مالك : أما والله إنّي لأرجو أن رمت ذلك أن يوصل إليك قبل أن ترى فينا ما تحبّ.

    فكفّ ابن الحنفيّة أصحابه وحذّرهم الفتنة ، ثمّ قدم أبو المعتمر في مئة ، وهانئ بن قيس في مئة ، وظبيان بن عمارة في مئتين ومعه مال حتّى دخلوا المسجد فكبّروا : يا لثارات الحسين! فلما رآهم ابن الزبير خافهم ، فخرج محمد بن الحنفيّة ومَنْ معه إلى شعب علي وهم يسبّون ابن الزبير ، ويستأذنون ابن الحنفيّة فيه ، فيأبى عليهم ، فاجتمع مع محمد بن علي في الشعب أربعة آلاف رجل ، فقسّم بينهم ذلك المال.

    الحرب مع أهل الشام :

    روى الطبري عن هشام بن محمد ، عن عوانة بن الحكم : أنّ مروان بن الحكم لمّا استوسقت له الشام بالطاعة ، بعث جيشين ؛ أحدهما إلى الحجاز عليه حبيش بن دلجة القيني ، وقد ذكرنا أمره وخبر مهلكه قبل ، والآخر منهما إلى العراق عليهم عبيد الله بن زياد ، وقد ذكرنا ما كان من أمره وأمر التوابين من الشيعة بعين الوردة. وكان مروان جعل لعبيد الله بن زياد إذ وجّهه إلى العراق ما غلب عليه ، وأمره أن ينهب الكوفة إذا هو ظفر بأهلها ثلاثاً.

    قال الطبري : ثمّ دخلت سنة سبع وستين ، ذكر الخبر عمّا كان فيها من الأحداث فممّا كان فيها من ذلك مقتل عبيد الله بن زياد ومَنْ كان معه من أهل الشام.
    ٢٩٢

    ذكر هشام بن محمد عن أبي مخنف قال : حدّثني أبو الصلت ، عن أبي سعيد الصيقل قال : مضينا مع إبراهيم بن الأشتر ونحن نريد عبيد الله بن زياد ومَنْ معه من أهل الشام ، فخرجنا مسرعين لا ننثني ، نريد أن نلقاه قبل أن يدخل أرض العراق.

    قال المسعودي : ثمّ التقى الجيشان بالخازر ، فكانت بينهم وقعة عظيمة قُتل فيها عبيد الله بن زياد ، والحصين بن نمير السكوني ، وشرحبيل بن ذي الكلاع ، وابن حوشب ذي الظليم ، وعبد الله بن إياس السلمي ، وأبو أشرس ، وغالب الباهلي ، وأشراف أهل الشام.

    قال الطبري : قال ابن الأشتر لأصحابه : قتلت رجلاً وجدت منه رائحة المسك ، شرقت يداه وغربت رجلاه ، تحت راية منفردة على شاطئ نهر خازر ، فالتمسوه فإذا هو عبيد الله بن زياد.

    المختار يحيي مدرسة علي عليه‌السلام في الكوفة :

    ثار المختار في ١٤ ربيع الأوّل سنة ٦٦ ، وقُتل رحمه‌الله في ١٤ رمضان سنة ٦٧ ، وقال ابن خياط : سنة ٦٨ هـ ، فكانت مدّة ولايته ثمانية عشر شهراً (١) ، وهي قصيرة جدّاً ، غير أنّها حقّقت أعظم الإنجازات على مستوى خطّة الحسين عليه‌السلام :

    ١ ـ فقد أقامت تجربة حكم عادلة في الكوفة ، استعادت فيها مدرسة علي في الكوفة والبلاد التابعة لها شمالاً وشرقاً أنفاسها بعد اختناق كاد يقضي عليها دام خمس عشرة سنة تقريباً ، ونشطت البقية الباقية من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي اتبعوا علياً ، والبقية الباقية ممّن تربّى على يد علي ونهل من علمه ؛ ليثقفوا الجيل الجديد بأحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم‌السلام ، وبسيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الصحيحة وسيرة علي عليه‌السلام. وبسبب هذه الفترة القصيرة امتد البناء الثقافي العلوي للكوفة ، وعبر أخطر عملية تذويب واحتواء قام بها ابن الزبير والحجّاج من بعده في العراق ، وبقيت الكوفة تحتل الثقل الأكبر في رواية أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في فضل أهل البيت عليهم‌السلام ، ورواية تراث علي عليه‌السلام وخطبه.

    __________________

    (١) تاريخ خليفة بن خياط.
    ٢٩٣

    ٢ ـ الاقتصاص من قتلة الحسين عليه‌السلام ؛ عمر بن سعد وشمر وخولّي وعبيد الله بن زياد ونظرائهم ، ولم يفلت منهم القليل.

    ٣ ـ حرب رأس ضلالة بني اُميّة في الشام ، وقتل عبيد الله بن زياد ، وهزيمة الجيش الشامي.

    ٤ ـ نصرة ابن الحنفيّة وابن عباس في الحجاز ، وإنقاذهم من القتل الذي كان ينتظرهم ؛ وذلك لأنّ ابن الزبير كانت أطروحته الفكرية هي إحياء سيرة الشيخين في الحجّ وغيره ، وكان ابن عباس وابن الحنفيّة يفتيان بمتعة الحجّ إحياء لمدرسة علي وسنّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يجد ابن الزبير طريقاً لتطويق ابن عباس وابن الحنفيّة إلاّ أن يفرض عليهما بيعته ليتقيدا بسياسته ، ولم يعطياه ذلك ، فحصرهم عند زمزم ، وأمهلهم لمدّة معينة ، ثمّ فُكّ الحصار عنهما كما مرّ علينا.

    وفيما يلي بعض شواهد إحياء مدرسة علي عليه‌السلام :

    موقف الزبير من متعة الحج :

    قال المسعودي : حدّثنا ابن عمّار ، عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال : حدّثني ابن عائشة والعتبي جميعاً عن أبويهما (وألفاظهما متقاربة) قالا : خطب ابن الزبير فقال : ما بال أقوام يفتون في المتعة ، وينتقصون حواري الرسول ، واُمّ المؤمنين عائشة؟ ما بالهم أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم؟ يعرض بابن عباس.

    فقال ابن عباس : يا غلام ، أصمدني صِمْدَه. فقال : يابن الزبير :

    قد أنصف القَارةَ مَن راماها




    إنّا إذا ما فئة نلقاها

    نردّ اُولاها على أُخراها

    أمّا قولك في المتعة ، فسل اُمّك تخبرك ؛ فإنّ متعة سطع مجمرها لمجمر سطع بين اُمّك وأبيك ، (يريد متعة الحج).

    وأمّا قولك : (اُمّ المؤمنين) فبنا سمّيت اُمّ المؤمنين ، وبنا ضرب الله عليها الحجاب.
    ٢٩٤

    وأمّا قولك : (حواري رسول الله) فقد لقيت أباك في الزحف مع أمام هدى ، فإن يكن على ما أقول فقد كفر بقتالنا ، وإن يكن على ما تقول فقد كفر بهربه عنّا. فانقطع ابن الزبير ودخل على اُمّه أسماء فأخبرها ، فقالت : صدق (١).

    بعض روايات زيد بن أرقم (ت ٦٨) أيام المختار :

    تربّى زيد بن أرقم الأنصاري الخزرجي في حجر عبد الله بن رواحة ، وتوفي النبي وهو ابن العشرينات ، شهد مع النبي سبع عشرة غزوة. (أبو عمرو ، ويُقال : أبو عامر ، ويُقال : أبو عمارة ، ويُقال : أبو أنيسة ، ويُقال : أبو حمزة ، ويُقال : أبو سعد ، ويُقال : أبو سعيد المدني) ، نزل الكوفة ، شهد صفين مع علي عليه‌السلام. قال ابن عبد البر : وكان من خواص أصحاب علي. قال خليفة بن خياط : مات بالكوفة أيام المختار سنة ست وستين. وقال الهيثم بن عدي وغير واحد : مات سنة ثمان وستين. قال المزي : روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن علي بن أبي طالب.

    روى عنه : أنس بن مالك خ فيما كتب إليه ، وإياس بن أبي رملة الشامي د س ق ، وثمامة بن عقبة المحلمي س ، وحبيب بن أبي ثابت (ت ١١٩) ، وحبيب بن يسار الكندي ت س ، وأبو عمر وسعد بن إياس الشيباني خ م د ت س ، وصبيح مولى اُمّ سلمة ت ق ، ويُقال : مولى زيد بن أرقم ، وطاووس بن كيسان م س ، وأبو حمزة طلحة بن يزيد مولى الأنصار خ د ت س ، وأبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي ت س (ت ١٠٠) روى حديث الثقلين ، وعبد الله بن الحارث البصري نسيب بن سيرين م س ، وعبد الله بن الخليل الحضرمي الكوفي د س ، وعبد خير الهمداني د س ق ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ع ، وأبو المنهال عبد الرحمن بن مطعم خ م س ، وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي م ت ، وعطاء بن أبي رباح د س ، وعطية العوفي ، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي خ م د

    __________________

    (١) مروج الذهب ٣ / ٨١.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 10:51 am



    ت س ، والقاسم بن عوف الشيباني م سي ق ، ومحمد بن كعب القرظي خ ت س ، وميمون أبو عبد الله ت س ق ، والنضر بن أنس بن مالك م د ت سي ق ، ونفيع أبو داود الأعمى ق ، ويزيد بن حيان التيمي م د س روى حديث الثقلين ، وأبو سعيد الأزدي ت ، وأبو مسلم البجلي د سي ، وأبو وقاص د ت أحد المجهولين (١).

    انطلق زيد وهو ابن الثمانينات في عهد المختار يحدّث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن علي عليه‌السلام ، وفيما يلي طرف ممّا عثرنا على أحاديثه :

    قال الطبراني : حدّثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ، ثنا إسرائيل ، عن عثمان بن المغيرة ، عن علي بن ربيعة ، قال : لقيت زيد بن أرقم داخلاً على المختار أو خارجاً (٢) ، قال : قلت : حديثاً بلغني عنك ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي». قال : نعم (٣).

    وقال أيضاً : حدّثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا جعفر بن حميد ، ح حدّثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدّثنا النضر بن سعيد أبو صهيب قالا : ثنا عبد الله بن بكير ، عن حكيم بن جبير ، عن أبي الطفيل ، عن زيد بن أرقم قال : نزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الجحفة ، ثمّ أقبل على الناس فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : «إنّي لا أجد لنبي إلاّ نصف عمر الذي قبله ، وإنّي أوشك أن أُدعى فأجيب ، فما أنتم قائلون؟». قالوا : نصحت. قال : «أليس تشهدون أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وأنّ الجنّة حقّ ، والنار حقّ ، وأنّ البعث بعد الموت حقّ؟». قالوا : نشهد. قال : فرفع يديه فوضعهما على صدره ، ثمّ قال : «وأنا أشهد معكم». ثمّ قال : «ألا تسمعون؟». قالوا : نعم. قال : «فإنّي فرطكم على الحوض ، وأنتم واردون عليّ الحوض ، وإنّ عرضه أبعد ما بين صنعاء وبُصرى ، فيه أقداح عدد النجوم من فضة ، فانظروا كيف

    __________________

    (١) تهذيب الكمال.

    (٢) المعرفة والتاريخ ، مسند أحمد ٤ / ٣٧١ ، مشكل الآثار ٤ / ٣٦٨ ، ينابيع المودّة ١ / ٣٦٨.

    (٣) المعجم الكبير ٥ / ١٨٦.
    ٢٩٦

    تخلفوني في الثقلين؟». فنادى مناد : وما الثقلان يا رسول الله؟ قال : «كتاب الله طرف بيد الله عزّ وجلّ وطرف بأيديكم ، فاستمسكوا به لا تضلوا ، والآخر عترتي ، وإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض ، وسألت ذلك لهما ربّي ؛ فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم». ثمّ أخذ بيد علي (رضي الله تعالى عنه) فقال : «مَنْ كنت أولى به من نفسي فعلي وليّه ، اللّهمّ وال مَنْ والاه ، وعاد مَنْ عاداه» (١).

    وقال أيضاً : حدّثنا أبو حصين القاضي ، ثنا يحيى الحماني ، ثنا أبو إسرائيل الملائي ، عن الحكم ، عن أبي سلمان المؤذّن ، عن زيد بن أرقم قال : نشد علي الناس : «أُنشد الله رجلاً سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : مَنْ كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهمّ وال مَنْ والاه ، وعاد مَنْ عاداه». فقام اثنا عشر بدريّاً ، فشهدوا بذلك. قال زيد : وكنت أنا فيمَنْ كتم ، فذهب بصري (٢).

    وقال أيضاً : حدّثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا أبو نعيم ، ثنا العلاء بن صالح ، ثنا أبو سلمان المؤذّن أنّه صلّى مع زيد بن أرقم على جنازة فكبّر عليها خمس تكبيرات ، فقلت : أوهمت أم عمداً؟ فقال : بل عمداً ؛ إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلّيها (٣).

    أقول : كان ذلك أيّام المختار ، وذلك لمّا ذكروا أنّ أبا سلمان هذا هو مؤذّن الحجّاج.

    وروى أيضاً قال : حدّثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا مسلم بن إبراهيم ، ثنا شعبة ، عن الحكم ، عن بن أبي ليلى قال : صلّيت خلف زيد بن أرقم على جنازة فكبّر عليها أربعاً ، ثمّ صلّيت خلفه على اُخرى فكبّر عليها خمساً ، فسألته ، فقال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يكبّرها (٤).

    __________________

    (١) المعجم الكبير ٥ / ١٦٦.

    (٢) المعجم الكبير ٥ / ١٧٥.

    (٣) المعجم الكبير ٥ / ١٧٤.

    (٤) المعجم الكبير ٥ / ١٦٨.
    ٢٩٧

    أقول : كان يصلّي أربعاً أيام زياد وغيره لفتوى السلطة ، وصلاّها خمساً أيام المختار إحياءً للسنّة النبويّة.

    روى أحمد ، حدّثنا إبراهيم ، ثنا أبو الوليد ، ثنا شعبة عن عمر (ويعني ابن مرّة) قال : سمعت أبا حمزة يقول : سمعت زيد بن أرقم يقول : أوّل مَنْ صلى مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله علي بن أبي طالب (١).

    وقال : حدّثنا علي بن الحسين ، ثنا إبراهيم بن إسماعيل ، ثنا أبي ، عن أبيه ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي ليلى الكندي (٢) أنّه حدّثه قال : سمعت زيد بن أرقم يقول ونحن ننتظر جنازة ، فسأله رجل من القوم ، فقال : أبا عامر ، أسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خم لعلي : «مَنْ كنت مولاه فعلي مولاه؟». قال : نعم. قال أبو ليلى : فقلت لزيد بن أرقم : قالها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : نعم ، قد قالها له أربع مرّات؟

    __________________

    (١) الفضائل ٢ / ٦٠٩.

    (٢) قال ابن حجر في تقريب التهذيب : أبو ليلى الكندي ، مولاهم الكوفي ، يُقال : هو سلمة بن معاوية ، وقيل بالعكس ، وقيل : سعيد بن بشر ، وقيل : المعلّى. ثقة من الثانية بخ د ق. تهذيب الكمال : بخ د ق أبو ليلى الكندي ، يُقال : مولاهم الكوفي ، قيل : اسمه سلمة بن معاوية ، وقيل : معاوية بن سلمة. وقال أبو حاتم ، عن زكريا بن عدي : اسمه سعيد بن أشرف بن سنان ، وقيل عن أبي سعيد الأشج : اسمه المعلّى. روى عن حجر بن عدي بن الأدبر وحريز ، (أو أبي) حريز ، وله صحبة ، وخباب بن الأرت ق ، وسويد بن غفلة د ق ، وسلمان الفارسي بخ ، وعثمان بن عفان ، وأمّ سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. روى عنه عبد الملك بن أبي سليمان ، وعثمان بن أبي زرعة الثقفي د ق ، وأبو إسحاق السبيعي ق ، وأبو جعفر الفرّاء بخ. قال أحمد بن سعد بن أبي مريم ، عن يحيى بن معين : ثقة مشهور. وفرّق الحاكم أبو أحمد بين أبي ليلى الكندي سلمة بن معاوية ، ويُقال : معاوية بن سلمة. روى عن سلمان وروى عنه أبو إسحاق ، وبين أبي ليلى الكندي ، روى عن سويد بن غفلة ، وروى عنه عثمان بن أبي زرعة. وذكر الراوي عن سويد بن غفلة ، فيمَنْ لم يقف على اسمه ، وقال : ضعّفه يحيى بن معين ، وقال : حدّثني علي بن محمد بن سختويه قال : سمعت محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال : سمعت يحيى (يعني ابن معين) ، وسُئل عن أبي ليلى الكندي ، فقال : كان ضعيفاً. روى له البخاري في الأدب ، وأبو داود وابن ماجة. قال ابن حجر في التهذيب : قلت : وقال العجلي : أبو ليلى الكندي كوفي تابعي ثقة.
    ٢٩٨

    فقال: نعم(١)).

    وروى الطبراني قال : حدّثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا أبو نعيم ، ثنا كامل أبو العلاء قال : سمعت حبيب بن أبي ثابت يحدّث عن يحيى بن جعدة (١) ، عن زيد بن أرقم قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى انتهينا إلى غدير خم ، أمر بدوح فكسح في يوم ما أتى علينا يوم كان أشدّ حرّاً منه ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : «يا أيّها الناس ، إنّه لم يُبعث نبي قطّ إلاّ عاش نصف ما عاش الذي كان قبله ، وإنّي أوشك أن أُدعى فأجيب ، وإنّي تارك فيكم ما لن تضلوا بعده كتاب الله». ثمّ قام وأخذ بيد علي (رضي الله تعالى عنه) فقال : «يا أيّها الناس ، مَنْ أولى بكم من أنفسكم؟». قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : «مَنْ كنت مولاه فعلي مولاه» (٢).

    أقول : لم يذكر الراوي قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «وعترتي» بعد قوله «كتاب الله» ، على سبيل الإشارة للحديث ؛ إذ لم يكن بصدد ذكر تمام الرواية ، وهذا ديدن لأهل الرواية معروف.

    وروى الحاكم قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر البزاز ببغداد ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدّثني أبي ، ثنا محمد بن جعفر ، ثنا عوف عن ميمون أبي عبد الله ، عن زيد بن أرقم قال : كانت لنفر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبواب شارعة في المسجد ،

    __________________

    (١) الفضائل ٢ / ٦١٣.

    (٢) تهذيب الكمال : د تم س ق يحيى بن جعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي ، وأمّ هانئ بنت أبي طالب أخت علي بن أبي طالب جدّته أمّ أبيه. روى عن خباب بن الأرت ، وزيد بن أرقم ، وعبد الله بن عمرو بن عبد القاري س ق ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الرحمن بن عبد القارئ ، وكعب بن عجرة ، وأبي الدرداء ، وأبي هريرة د ، وجدّته أمّ هانئ بنت أبي طالب تم س ق. روى عنه ثوير بن أبي فاختة ، وحبيب بن أبي ثابت ، وعلي بن زيد بن جدعان ، وعمرو بن دينار مد س ق ، ومجاهد بن جبر المكي ، ومحمد بن الحارث بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي ، وأبو العلاء هلال بن خباب تم س ق ، وأبو الزبير المكي د. قال أبو حاتم والنسائي : ثقة ، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات. روى له أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.

    (٣) المعجم الكبير ٥ / ١٧١.
    ٢٩٩

    فقال يوماً : «سدّوا هذه الأبواب إلاّ باب علي». قال : فتكلم في ذلك ناس. فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : «أمّا بعد ، فإنّي اُمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب علي ، فقال فيه قائلكم. والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ، ولكن أمرت بشيء فاتبعته». هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (١).

    المعجم الكبير ٣ / ٤٠ حدّثنا محمد بن راشد ، ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، ثنا حسين بن محمد ، ثنا سليمان بن قرم ، عن أبي الجحاف ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن صبيح مولى اُمّ سلمة (رضي الله تعالى عنها) ، عن جدّه ، عن زيد بن أرقم قال : مرّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على بيت فيه فاطمة وعلي وحسن وحسين (رضي الله تعالى عنهم) ، فقال : «أنا حرب لمَنْ حاربتم ، وسلم لمَنْ سالمتم».

    الترمذي ٥ / ٦٩٩ حدّثنا سليمان بن عبد الجبار البغدادي ، حدّثنا علي بن قادم ، حدّثنا أسباط بن نصر الهمداني ، عن السدي ، عن صبيح مولى اُمّ سلمة ، عن زيد بن أرقم : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين : «أنا حرب لمَنْ حاربتم ، وسلم لمَنْ سالمتم».

    قال أبو عيسى : هذا حديث غريب ، إنّما نعرفه من هذا الوجه ، وصبيح مولى اُمّ سلمة ليس بمعروف.

    أقول : (روى أحمد في مسنده) حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا تليد بن سليمان قال : ثنا أبو الحجاف ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : نظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي والحسن والحسين وفاطمة فقال : «أنا حرب لمَنْ حاربكم ، وسلم لمَنْ سالمكم».

    المستدرك ٣ / ١٣٩ حدّثنا بكر بن محمد الصيرفي بمرو ، ثنا إسحاق ، ثنا القاسم بن أبي شيبة ، ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي ، ثنا (تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٤٢ بسنده عن) عمار بن زريق ، عن أبي إسحاق (المعجم الكبير ٥ / ١٩٤) ، عن زياد بن مطرف ، عن زيد بن أرقم (رضي الله تعالى عنه)

    __________________

    (١) المستدرك ٣ / ١٣٥ ، السنن الكبرى ٥ / ١١٨ ، فضائل الصحابة ٢ / ٥٨١.
    ٣٠٠

    قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ يريد أن يحيا حياتي ، ويموت موتي ، ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي فليتولّ علي بن أبي طالب ؛ فإنّه لن يخرجكم من هدى ، ولن يدخلكم في ضلالة». (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه).

    الطبقات الكبرى ٣ / ٢٣ روح بن عبادة قال : أخبرنا عون ، عن ميمون ، عن البرّاء بن عازب وزيد بن أرقم قالا : لمّا كان عند غزوة جيش العسرة وهي تبوك ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي بن أبي طالب : «إنّه لا بدّ من أن اُقيم أو تُقيم». فخلّفه ، فلمّا فصل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غازياً قال ناس : ما خلّف علياً إلاّ لشيء كرهه منه. فبلغ ذلك علياً ، فأتبع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى انتهى إليه ، فقال له : «ما جاء بك يا علي؟». قال : «لا يا رسول الله ، إلاّ إنّي سمعت ناساً يزعمون أنّك إنّما خلّفتني لشيء كرهته منّي». فتضاحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : «يا علي ، أما ترضى أن تكون منّي كهارون من موسى غير أنّك لست بنبي؟». قال : «بلى يا رسول الله». قال : «فإنّه كذلك».

    الفضائل ٢ / ٦٤٥ حدّثنا الفضل بن الحباب ، ثنا إبراهيم بن بشار الرمادي ، نا سفيان ، ثنا الأجلح بن عبد الله الكندي ، عن الشعبي ، عن عبد الله بن الخليل ، عن زيد بن أرقم قال : أتى علي باليمن بثلاثة نفر وقعوا على جارية في طهر واحد ، فولدت ولداً فادعوه ، فقال علي لأحدهم : «تطيب به نفساً لهذا؟». قال : لا. وقال لآخر : «تطيب به نفساً لهذا؟». قال : لا. وقال للآخر : «تطيب به نفساً لهذا؟». قال : لا. فقال : «أراكم شركاء متشاكسون. إنّي مقرع بينكم فأيّكم أصابته القرعة أغرمته ثلثي القيمة ، وألزمته الولد». فذكروا ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : «ما أجد فيها إلاّ ما قال علي».

    الفضائل ٢ / ٦٦٤ حدّثنا الحسن ، ثنا الحسن بن علي بن راشد ، نا شريك ، ثنا الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطفيل ، عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ أحبّ أن يستمسك بالقضيب الأحمر الذي غرسه الله عزّ وجلّ في جنّة عدن بيمينه ، فليتمسّك بحبّ علي بن أبي طالب».
    ٣٠١

    وروى ابن ديزيل ، قال : حدّثنا يحيى بن زكريا ، قال : حدّثنا على بن القاسم ، عن سعيد بن طارق ، عن عثمان بن القاسم ، عن زيد بن أرقم ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ألا أدلّكم على ما إن تساءلتم عليه لم تهلكوا؟ إنّ وليكم الله ، وإنّ إمامكم علي بن أبى طالب ، فناصحوه وصدّقوه ؛ فإنّ جبريل أخبرني بذلك» (١).

    وعن إسماعيل السدي ، عن زيد بن أرقم ، قال : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في الحجرة يوحى إليه ، ونحن ننتظره حتّى اشتدّ الحرّ ، فجاء علي بن أبي طالب ومعه فاطمة وحسن وحسين عليهم‌السلام ، فقعدوا في ظلّ حائط ينتظرونه ، فلمّا خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، رآهم فأتاهم ووقفنا نحن مكاننا ، ثمّ جاء إلينا وهو يظلهم بثوبه ، ممسكاً بطرف الثوب ، وعلي ممسك بطرفه الآخر ، وهو يقول : «اللّهمّ إنّي أحبّهم فأحبّهم ، اللّهمّ إنّي سلم لمَنْ سالمهم ، وحرب لمَنْ حاربهم». قال : فقال ذلك ثلاث مرّات (٢).

    وروى المدائني ، عن زيد بن أرقم قال : خرج الحسن عليه‌السلام وهو صغير ، وعليه بردة ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخطب ، فعثر فسقط ، فقطع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الخطبة ونزل مسرعاً إليه ، وقد حمله الناس ، فتسلّمه وأخذه على كتفه ، وقال : «إنّ الولد لفتنة ، لقد نزلت إليه وما أدرى». ثمّ صعد فأتمّ الخطبة (٣).

    قال الواقدي : فحدّثني ابن أبي سبرة ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن رافع بن إسحاق ، عن زيد بن أرقم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خطبهم فأوصاهم ، فقال : «أوصيكم بتقوى الله ، وبمَنْ معكم من المسلمين خيراً ؛ اغزو باسم الله وفي سبيل الله ، قاتلوا مَنْ كفر بالله ، لا تغدروا ولا تغلوا ، ولا تقتلوا وليداً ، وإذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث ، فأيّتهنّ أجابوك إليها فاقبل منهم ، واكفف عنهم. ادعهم إلى الدخول في

    __________________

    (١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٣ / ٩٨.

    (٢) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٣ / ٢٠٨.

    (٣) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٦١ / ٢٧.
    ٣٠٢

    الإسلام ، فإن فعلوا فاقبل واكفف ، ثمّ ادعهم إلى التحوّل من دارهم إلى المهاجرين ، فإن فعلوا فأخبرهم أنّ لهم ما للمهاجرين ، وعليهم ما على المهاجرين. وإن دخلوا في الإسلام واختاروا دارهم فأخبرهم أنّهم يكونون كأعراب المسلمين ، يجري عليهم حكم الله ، ولا يكون لهم في الفيء ولا في الغنيمة شيء إلاّ أن يجاهدوا مع المسلمين ، فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم ، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم. وإن أنت حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوا أن تستنزلهم على حكم الله فلا تستنزلهم على حكم الله ، ولكن أنزلهم على حكمك ؛ فإنّك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا ، وإن حاصرت أهل حصن أو مدينة وأرادوا أن تجعل لهم ذمّة الله وذمّة رسول الله فلا تجعل لهم ذمّة الله وذمّة رسول الله ، ولكن اجعل لهم ذمّتك وذمّة أبيك وأصحابك ؛ فإنّكم إن تخفروا (١) ذممكم وذمم آبائكم خير لكم من أن تخفروا ذمّة الله وذمّة رسوله» (٢).

    قال ابن أبي الحديد : وروى عن زيد بن أرقم من طرق مختلفة أنّه قيل له : بأيّ شيء كفّرتم عثمان؟ فقال : بثلاث ؛ جعل المال دولة بين الأغنياء ، وجعل المهاجرين من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنزلة مَنْ حارب الله ورسوله ، وعمل بغير كتاب الله (٣).

    وكذلك روايات عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعامر بن واثلة وعطية ونظرائهم ، وستأتي في فصل قادم من هذا الكتاب.

    الحرب بين مصعب والمختار :

    قال الطبري : وفي هذه السنة (٦٧ هـ) سار مصعب بن الزبير إلى المختار فقتله.

    قال هشام بن محمد ، عن أبي مخنف ، حدّثني حبيب بن بديل قال : لمّا قدم شبث على مصعب بن الزبير البصرة ، وتحته بغلة له قد قطع ذنبها ، وقطع طرف اُذنها ، وشقّ قباءه

    __________________

    (١) الأخفار : عدم الوفاء للمجير. والخفارة : الذمّة. (كتاب العين ـ مادة خَفَر).

    (٢) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١٥ / ٦٤.

    (٣) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٣ / ٥١.
    ٣٠٣

    وهو ينادي : يا غوثاه! يا غوثاه! فأتى مصعب ، فقيل له : إنّ بالباب رجلاً ينادي : يا غوثاه! يا غوثاه! مشقوق القباء ، من صفته كذا وكذا ، فقال لهم : نعم ، هذا شبث بن ربعي ، لم يكن ليفعل هذا غيره ، فأدخلوه. فأُدخل عليه ، وجاءه أشراف الناس من أهل الكوفة فدخلوا عليه ، فأخبروه بما أُصيبوا به ، وسألوه النصر لهم والمسير إلى المختار معهم.

    أقول : ولا بدّ أنّ شبثاً وأصحابه قالوا لمصعب : إنّ المختار وأصحابه قد أظهر هو وسبائيته البراءة من الأسلاف الصالحين (١).

    قال أبو مخنف : فحدّثني أبو يوسف بن يزيد أنّ مصعب لمّا أراد المسير إلى الكوفة حين أكثر الناس عليه قال لمحمد بن الأشعث : إنّي لا أسير حتّى يأتيني المهلّب بن أبي صفرة. فكتب مصعب إلى المهلّب وهو عامله على فارس : أن أقبل إلينا لتشهد أمرنا ، فإنّا نريد المسير إلى الكوفة.

    فخرج المهلّب وأقبل بجموع كثيرة وأموال عظيمة معه.

    وخرج مصعب ، فقدّم أمامه عبّاد بن الحصين الحبطي من بني تميم على مقدّمته ، وبعث عمر بن عبيد الله بن معمر على ميمنته ، وبعث المهلّب بن أبي صفرة على ميسرته ، وجعل مالك بن مسمع على خمس بكر بن وائل ، ومالك بن المنذر على خمس عبد القيس ،

    __________________

    (١) روى الطبري قال : قال أبو مخنف : فحدّثني قدامة بن حوشب قال : جاء شبث بن ربعي ، وشمر بن ذي الجوشن ، ومحمد بن الأشعث ، وعبد الرحمن بن سعيد بن قيس ، حتّى دخلوا على كعب بن أبي كعب الخثعمي ، فتكلّم شبث وقال فيما يعتب المختار : إنّه زعم أنّ ابن الحنفيّة بعثه إلينا ، وقد علمنا أنّ ابن الحنفيّة لم يفعل ، وأظهر هو وسبائيته البراءة من أسلافنا الصالحين (تاريخ الطبري ٤ / ٥١٨). أقول : إنّ أبا مخنف يجعل هذه الواقعة في الكوفة بعد روايته قيام ثورة ضدّ المختار من قِبل شبث وأصحابه من قَتَلة الحسين ، ولم يكن قد بدأ بقتلهم ، غير أننا نرى أنّ المختار حين قام وجرت معركة بينه وبين شبث وأصحابه وابن مطيع مع المختار وأصحابه لم يؤمن قتلة الحسين عليه‌السلام ، بل قتلهم في تلك الواقعة واقتصّ منهم ، ثمّ هرب شبث وأصحابه إلى البصرة ، وشبث يعرف أنّ اُطروحة المختار وأصحابه هي أطروحة علي ، (وموقف علي عليه‌السلام من الحكّام الذين قبله معروف). والسبائية في النصّ لقب ظهر في العهد العباسي الأوّل يشير إلى الشيعة القائلين بالنصّ لعلي عليه‌السلام ، الذي يترتّب عليه البراءة من عدوّه.
    ٣٠٤

    والأحنف بن قيس على خمس تميم ، وزياد بن عمرو الأزدي على خمس الأزد ، وقيس بن الهيثم على خمس أهل العالية. ومعهم بقيّة الجيش الذي قاتل الحسين عليه‌السلام الذين فرّوا إلى البصرة ؛ منهم شبث بن ربعي ، ومحمد بن الأشعث ، وزحر بن قيس ، وحجّار بن أبجر وغيرهم ، ومنهم أيضاً عبيد الله بن الحرّ الجعفي.

    وبلغ ذلك المختار ، فقام في أصحابه ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال :

    يا أهل الكوفة ، يا أهل الدين وأعوان الحقِّ ، وأنصار الضعيف ، وشيعة الرسول وآل الرسول ، إنّ فُرّارَكم الذين بغوا عليكم أتوا أشباههم من الفاسقين فاستغووهم عليكم ؛ ليمصح (١) الحق وينتعش الباطل ، ويقتل أولياء الله ، والله لو تهلكون ما عبد الله في الأرض إلاّ بالفري على الله واللعن لأهل بيت نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

    ثمّ التقى أصحاب مصعب مع أصحاب المختار ، وجرت بينهما وقعات كثيرة انتهت بقتل المختار ، وقتل سبعة آلاف من المقاتلين وغيرهم ممّن تحصّنوا بالقصر ، ثمّ استؤمنوا ثمّ قُتلوا جميعاً.

    مصعب يقتل سبعة آلاف من الشيعة صبراً :

    قال بجير بن عبد الله المسلي ، أحد المحصورين في القصر حين اُتي به مصعب ومعه منهم ناس كثير يخاطب مصعباً :

    الحمد لله الذي ابتلانا بالإسار وابتلاك بأن تعفو عنّا ، وهما منزلتان إحداهما رضا الله والاُخرى سخطه. مَنْ عفا عفا الله عنه وزاده عزّاً ، ومَنْ عاقب لم يأمن القصاص.

    __________________

    (١) مصح الشيء يمصح مصوحاً ، إذا رسخ. (كتاب العين)
    ٣٠٥

    يابن الزبير ، نحن أهل قبلتكم وعلى ملّتكم ، ولسنا تركاً ولا ديلماً ؛ فإن خالفنا إخواننا من أهل مصرنا ؛ فإمّا أن نكون أصبنا وأخطئوا ، وإمّا أن نكون أخطأنا وأصابوا ، فاقتتلنا كما اقتتل أهل الشام بينهم ، فقد اختلفوا واقتتلوا ثمّ اجتمعوا ، وكما اقتتل أهل البصرة بينهم فقد اختلفوا واقتتلوا ، ثم اصطلحوا واجتمعوا ، وقد ملكتم فأسجحوا (١) ، وقد قدرتم فاعفو.

    فما زال بهذا القول ونحوه حتّى رقَّ لهم الناس ، ورقَّ لهم مصعب ، وأراد أن يخلّي سبيلهم.

    فقام عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فقال : تخلّي سبيلهم؟! اخترنا يابن الزبير أو اخترهم.

    ووثب محمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني فقال : قتل أبي وخمسمئة من همدان ، وأشراف العشيرة ، وأهل المصر ، ثمّ تخلّي سبيلهم ودماؤنا ترقرق في أجوافهم؟! اخترنا أو اخترهم.

    ووثب كلّ قوم وأهل بيت كان أُصيب منهم رجل ، فقالوا نحواً من هذا القول ، فلمّا رأى مصعب بن الزبير ذلك أمر بقتلهم.

    فنادوه بأجمعهم : يابن الزبير ، لا تقتلنا ، اجعلنا مقدّمتك إلى أهل الشام غداً ، فوالله ما بك ولا بأصحابك عنّا غداً غنى إذا لقيتم عدوّكم ؛ فإن قتلنا لم نقتل حتّى نرقهم لكم ، وإن ظفرنا بهم كان ذلك لك ولمَنْ معك.

    فأبى عليهم وتبع رضا العامّة.

    قال أبو مخنف : وحدّثني أبي قال : حدّثني أبو روق : أنّ مسافر بن سعيد بن نمران قال لمصعب بن الزبير :

    __________________

    (١) الأسجاح : حسن العفو. (كتاب العين)
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 10:53 am



    يابن الزبير ، ما تقول لله إذا قدمت عليه وقد قتلت أمّة من المسلمين صبراً؟ حكموك في دمائهم فكان الحقّ في دمائهم ألاّ تقتل نفساً مسلمة بغير نفس مسلمة ؛ فإن كنّا قتلنا عدّة رجال منكم فاقتلوا عدّة مَنْ قتلنا منكم وخلّوا سبيل بقيتنا ، وفينا الآن رجال كثير لم يشهدوا موطناً من حربنا وحربكم يوماً واحداً ، كانوا في الجبال والسواد يجبون الخراج ويؤمنون السبيل.

    فلم يستمع له.

    قال أبو جعفر : وحدّثني عمر بن شبة قال : حدّثنا علي بن محمد قال : لمّا قُتل المختار شاور مصعب أصحابه في المحصورين الذين نزلوا على حكمه. فقال عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، ومحمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس وأشباههم ممّن وترهم المختار : اقتلهم.

    وضجّت ضجّة وقالوا : دم منذر بن حسان.

    فقال عبيد الله بن الحرّ : أيّها الأمير ، ادفع كلّ رجل في يديك إلى عشيرته تمنّ عليهم بهم ؛ فإنّهم إن كانوا قتلونا فقد قتلناهم ، ولا غنى بنا عنهم في ثغورنا. فأمر مصعب بالقوم جميعاً فقتلوا ، وكانوا ستة آلاف.

    فقال عقبة الأسدي :

    قتلتم ستةَ الآلاف صبراً




    مع العهدِ الموثّقِ مكتفينا

    وما كانوا غداةَ دعوا فغروا




    ذلولاً ظهره للواطئينا

    جعلتم ذمّةَ الحبطي جسراً




    بعهدهمُ بأوّلِ خائنينا

    قال أبو مخنف : حدّثني محمد بن يوسف أنّ مصعباً لقي عبد الله بن عمر ، فسلّم عليه وقال له : أنا ابن أخيك مصعب.
    ٣٠٧

    فقال له ابن عمر : نعم ، أنت القاتل سبعة آلاف (١) من أهل القبلة في غداة واحدة ، عش ما استطعت.

    فقال مصعب : إنّهم كانوا كفرة سحرة.

    فقال ابن عمر : والله ، لو قتلت عدّتهم غنماً من تراث أبيك لكان ذلك سرفاً.

    ثمّ إنّ مصعب أمر بكفّ المختار فقطعت ، ثمّ سمرت بمسمار حديد إلى جنب المسجد ، فلم يزل على ذلك حتّى قدم الحجّاج بن يوسف فنظر إليها ، فقال : ما هذه؟ قالوا : كفّ المختار. فأمر بنزعها.

    مصعب يقتل زوجة المختار بفتوى أخيه عبد الله :

    قال المسعودي : وكان من جملة مَنْ أدركه الإحصاء ممّن قتله مصعب مع المختار سبعة آلاف رجل ، كلّ هؤلاء طالبون بدم الحسين عليه‌السلام وقتلة أعدائه ، فقتلهم مصعب وسمّاهم الخشبية.

    وتتبّع مصعب الشيعة بالقتل بالكوفة وغيرها.

    اُتي بحرم المختار فدعاهنّ إلى البراءة منه ففعلنّ ، إلاّ حرمتين له :

    إحداهما بنت سمرة بن جندب الفزاري ، والثانية ابنة النعمان بن بشير الأنصاري ، وقالتا : كيف نبرأ من رجل يقول ربّي الله؟! كان صائماً نهاره ، قائماً ليله ، قدّم دمه لله ولرسوله في طلب قتلة ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهله وشيعته ، فأمكنه الله منهم حتّى شفى النفوس.

    فكتب مصعب إلى أخيه عبد الله بخبرهما وما قالتاه.

    فكتب إليه : إنْ هما رجعتا عمّا هما عليه وتبرّأتا منه وإلاّ فاقتلهما.

    فعرضهما مصعب على السيف ، فرجعت بنت سمرة ولعنته وتبرّأت منه ، وقالت :

    __________________

    (١) قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ٢ / ٢٠ : إنّهم كانوا ثمانية آلاف.
    ٣٠٨

    لو دعوتني إلى الكفر مع السيف لكفرت ، أشهد أنّ المختار كافر.

    وأبت ابنة النعمان بن بشير ، وقالت : شهادة أُرزقها فأتركها؟ كلاّ ، إنّها موتة ثمّ الجنّة والقدوم على الرسول وأهل بيته. والله ، لا يكون آتي مع ابن هند فاتبعه وأترك علي بن أبي طالب. اللّهمّ اشهد أنّي متّبعة لنبيّك وابن بنته وأهل بيته وشيعته ، ثمّ قدّمها فقُتلت صبراً (١).

    فقال عمر بن أبي ربيعة القرشي في قتل مصعب عمرة بنت النعمان بن بشير :

    إنّ من أعجبِ العجائب




    عندي قتلَ بيضاءَ حرّةٍ عطبولِ

    قُتلت هكذا على غيرِ جرمٍ




    إنّ لله درَّها من قتيلِ

    كُتب القتلُ والقتالُ علينا




    وعلى المحصناتِ جرُّ الذيولِ

    فقال سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت في ذلك :

    ألم تعجب الأقوامُ من قتلِ حرّةٍ




    من المحصناتِ الدينِ محمودةِ الأدبْ

    من الغافلاتِ المؤمناتِ بريئةٍ من




    الذمِّ والبهتانِ والشكِ والكذبْ

    عجبتُ لها إذ كُفّنت وهي حيّة ألا




    إنّ هذا الخطب من أعجبِ العجبْ

    بعث مصعب عمّاله على الجبال والسواد ، ثمّ إنّه كتب إلى ابن الأشتر يدعوه إلى طاعته ويقول له : إن أنت أجبتني ودخلت في طاعتي فلك الشام وأعنّة الخيل ، وما غلبت عليه من أرض المغرب ما دام لآل الزبير سلطان.

    وكتب عبد الملك بن مروان من الشام إليه يدعوه إلى طاعته ويقول : إن أنت أجبتني ودخلت في طاعتي فلك العراق. فدعا إبراهيم أصحابه ، فقال : ما ترون؟ فقال بعضهم : تدخل في طاعة عبد الملك. وقال بعضهم : تدخل مع ابن الزبير في طاعته. فقال ابن الأشتر : ذاك لو لم أكن أصبت عبيد الله بن زياد ولا رؤساء أهل الشام تبعت عبد الملك ، مع أنّي لا أحبّ أن أختار على أهل مصري مصراً ، ولا على عشيرتي عشيرة. فكتب إلى مصعب ، فكتب إليه مصعب : أن اقبل ، فأقبل إليه بالطاعة.

    __________________

    (١) مروج الذهب ٣ / ٩٩ ـ ١٠٠.
    ٣٠٩

    استخلف مصعب على الكوفة القُباع ، وكان والياً من قبله على البصرة ، وأمره أن يجعل عمرو بن حريث خليفته ، وولّى القُباع شُرَطَه شبث بن رِبعي.

    عبد الله بن الزبير يُحيي سيرة الشيخين في الكوفة :

    صفا الجو لعبد الله بن الزبير في الحجاز والعراق واليمن وجزء من فارس مدّة خمس سنوات ، ونفّذ سياسته الإعلامية (١) التي يريد ضدّ علي عليه‌السلام وشيعته بأسلوبين :

    الاُسلوب الأوّل : استخدمه في الحجاز ، وهو المنع من العمل بمدرسة علي في إحياء السنّة النبويّة ، والمنع من نشر أحاديث النبي في أهل بيته ، وتطويق ابن عباس وابن الحنفيّة وأصحابهم ، ثمّ إبعادهم أخيراً إلى الطائف. وقد استمرت هذه السياسة بعد قتل ابن الزبير حين حكم بنو اُميّة الجاز ... وفي ضوء ذلك كان محبّو أهل البيت في الحجاز في تلك الفترة قليلين. روى أبو عمر النهدي قال : سمعت علي بن الحسين عليه‌السلام يقول : «ما بمكة والمدينة عشرون رجلاً يحبّنا» (٢).

    __________________

    (١) كانت سياسة عبد الله بن الزبير الإعلامية ذات شقين ؛ الأوّل : يرتبط بالموقف من مدرسة علي ، وهو ما ذكرناه في المتن. الثاني : يرتبط بالموقف من بني اُميّة ويرتكز على تبنّي نشر أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بني اُميّة.

    (٢) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٤ / ١٠١ كان سعيد بن المسيب منحرفاً عن أمير المؤمنين ، وجبهه محمد بن علي في وجهه بكلام شديد. روى عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبي داود الهمداني قال : شهدت سعيد بن المسيب ، وأقبل عمر بن علي بن أبي طالب ، فقال له سعيد : يابن أخي ، ما أراك تكثر غشيان مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما تفعل إخوتك وبنو عمك؟ فقال عمر : يابن المسيّب ، أكلّما دخلت المسجد أجيء فأشهدك؟ فقال سعيد : ما أحبّ أن تغضب. سمعت أباك يقول : «إنّ لي من الله مقاماً لهو خير لبني عبد المطلب ممّا على الأرض من شيء». فقال عمر : وأنا سمعت أبي يقول : «ما كلمة حكمة في قلب منافق فيخرج من الدنيا حتّى يتكلّم بها». فقال سعيد : يابن أخي ، جعلتني منافقاً؟! فقال : هو ما أقول. ثمّ انصرف.

    وكان الزهري من المنحرفين عنه. وروى جرير بن عبد الحميد ، عن محمد بن شيبة قال : شهدت مسجد المدينة ، فإذا الزهري وعروة بن الزبير جالسان يذكران علياً فنالا منه ، فبلغ ذلك علي بن الحسين عليه‌السلام
    ٣١٠

    الاُسلوب الثاني : استخدمه في العراق وبخاصّة في الكوفة ، وهو إعلان البراءة من المختار ، ووضع الأحاديث الكاذبة ضدّه ، ثم عرض الناس على البراءة أو القتل ، وقد افتتح ابن الزبير عهده في الكوفة بعد قتل المختار بقتل سبعة آلاف من الشيعة صبراً بعد أن آمنهم على نفوسهم ، ولم يتورّع عبد الله بن الزبير أن يأمر أخاه مصعباً بعرض زوجتي المختار على البراءة من المختار أو القتل ، فتبرّأت ابنة سمرة بن جندب خوفاً ، ولم تتبرّأ ابنة النعمان بن بشير ؛ رغبة في الشهادة.

    لقد أعادت ولاية مصعب وسياسته إلى الذاكرة في الكوفة عهد زياد وابنه عبيد الله فيها.

    بقي ابن الزبير يكره أهل العراق ولا يخفي ذلك عنهم.

    عبد الله بن الزبير يطعن أهل العراق :

    قال ابن قتيبة : قدم مصعب على أخيه عبد الله بن الزبير في سنة إحدى وسبعين ومعه رؤساء أهل العراق ووجوهم وأشرافهم ، فقال : يا أمير المؤمنين ، قد جئتك برؤساء أهل العراق وأشرافهم ، كلّ مطاع في قومه ، وهم الذين سارعوا إلى بيعتك ، وقاموا بإحياء دعوتك ، ونابذوا أهل معصيتك ، وسعوا في قطع عدوّك (١).

    فقال له عبد الله بن الزبير اسكت:

    فوالله ، لوددت أنّ لي بكلّ عشرة من أهل العراق واحداً من أهل الشام ، صرف الدينار بالدراهم.

    فقال أبو حاضر الأسدي : يا أمير المؤمنين ، إنّ لنا ولك مثلاً ، أفتأذن في ذكره؟

    قال : نعم.

    __________________

    فجاء حتّى وقف عليهما ، فقال : «أمّا أنت يا عروة ، فإنّ أبي حاكم أباك إلى الله فحكم لأبي على أبيك ، وأمّا أنت يا زهري ، فلو كنت بمكة لأريتك كرامتك». (بحار الأنوار ـ العلامة المجلسي ٦٤ / ١٤٣).

    (١) الإمامة والسياسة ٢ / ٢٠.
    ٣١١

    قال : مَثَلُنا ومثَلُك ومَثَل أهل الشام ، قول الأعشى :

    عُلِّقْتُها عَرَضاً وعُلِّقت رجلاً غيري




    وعُلِّقَ اُخرى غيرَها الرَّجُلُ

    أحبَّك أهلُ العراق وأحببتَ أهل الشام ، وأحبَّ أهلُ الشام عبدَ الملك ، فما تصنع؟(١)

    أقول :

    يريد المتكلّم بأهل العراق في حديثه : أهل البصرة ، ورؤوس الجيش الكوفي الذين قاتلوا الحسين ؛ شبث بن ربعي ، وحجّار بن أبجر ، ومحمد بن الأشعث ، ونظراءهم الذين بايعوا لدُحروجة الجُعل والياً لعبد الله بن الزبير بعد موت يزيد.

    قال البلاذري : ولمّا جاء عبد الله بن الزبير خبر مقتل أخيه مصعب أضرب عن ذكره أياماً ، ثمّ صعد المنبر فجلس عليه مليّاً لا يتكلّم ، والكآبة بادية في وجهه ، ثمّ قال : ... إنّه أتانا خبر من العراق أحزننا ... إنّ أهل العراق أهل الغدر والنفاق ، أسلموه وباعوه بأقل ثمن وأخَسِّه ... (٢).

    أقول :

    إنّ أهل الغدر هؤلاء الذين يشير إليهم ابن الزبير هم الذين عُرِفوا بنفاقهم وارتباطهم ببني اُميّة أيام علي عليه‌السلام ، ثمّ تولّوا الأمور بعد وفاة الحسن عليه‌السلام ، ونفّذوا خطّة معاوية وابنه يزيد في تصفية مدرسة علي عليه‌السلام ، كما مرّ بحثه في فصل خطّة معاوية في تصفية التشيّع في الكوفة.

    وهل يترقّب عبد الله بن الزبير من الوجوه التي شهدت على حجر بن عدي زوراً لقتله ، أو قتلت الحسين عليه‌السلام وصحبه وأهل بيته أن تكون وفيّة له ولأخيه مصعب ، وهي ترى مصعباً لا يتوّرع عن قتل سبعة آلاف من المسلمين صبراً ، ولا يتوّرع عن قتل زوجة المختار ؛ لأنّها لم تتبرأ من زوجها ، وشهدت بقيامه الليل وصيامه النهار؟

    __________________

    (١) شرح نهج البلاغة ٧ / ٧٥.

    (٢) أنساب الأشراف ٧ / ١٠٣.
    ٣١٢

    وليس من شك أنّ التعميم ليس في محلّه ؛ لأنّ إبراهيم الأشتر الذي وفى بعهده مع مصعب وقُتل معه ، وقد نبّه مصعباً بأنّ الوجوه التي معه سوف يغدرون به ، هو من وجوه العراق ، وغالبية مَنْ قُتل من أصحاب الحسين عليه‌السلام هم من وجوه أهل العراق ، وسليمان بن صرد وصحبه الذين استشهدوا في عين الوردة هم من وجوه أهل العراق ، والمختار ومَنْ استشهد معه هم من وجوه أهل العراق.
    ٣١٣

    العراق تحت إمرة بني مروان

    قال عوانة : لمّا صح عند مصعب وصول عبد الملك يريده ، بعث إلى ابن الأشتر فأقدمه عليه وجعله على مقدّمته ، وكاتب عبد الملك وجوه أهل الكوفة والبصرة ورغّبهم في الأموال والأعمال ، وكتب عبد الملك إلى إبراهيم بن الأشتر فجعل له ولاية العراقين ، فأخذ كتابه فدفعه إلى مصعب ، وقال له : إنّ عبد الملك لم يكتب إليّ إلاّ وقد كتب إلى هؤلاء الوجوه بمثله وقد أفسدهم عليك ، فأنا أرى أن تأخذ وجوه أهل المصرين فتشدّهم بالحديد. فقال له : يا أبا النعمان ، أتأخذ الناس بالظنّة؟ قال : فأجمعهم في أبيض المدائن ؛ لئلاّ يشهدوا الحرب معك. قال : إذاً أفسد قلوب عشائرهم. قال : فابعثهم إلى أخيك بمكة. فقال : ليس هذا برأي. قال : فإن لقيت العدو فلا تمدّني بواحد منهم ، واتّهمهم (١).

    وقال الهيثم بن عدي : كتب عبد الملك إلى إبراهيم بن الأشتر ـ وهو مع مصعب ـ كتاباً ، فأتى به إلى مصعب قبل أن يقرأه ، فلمّا قرأه مصعب قال له : يا أبا النعمان ، أتدري ما فيه؟ قال : لا. قال : يعرض عليك ما سقت دجلة ، أو ما سقى الفرات ، فإن أبيت جمعهما لك ، وإنّ هذا لما يرغب فيه. فقال إبراهيم : ما كنت لأتقلّد الغدر والخيانة ، وما عبد الملك من أحد بأياس منه منّي ، وما ترك أحداً ممّن معك إلاّ وقد كتب إليه ... وذكر مثل خبر عوانة ، ولم يقبل مصعب برأي إبراهيم فيهم ، وقال له : ووالله ، لو لم أجد إلاّ النمل لقاتلت به أهل الشام.

    __________________

    (١) أنساب الأشراف ٧ / ٩٠ ، طبعة دار الفكر ـ بيروت.
    ٣١٤

    فلمّا اصطفّ الناس مال عتاب بن ورقاء فذهب ، وكان على خيل أهل الكوفة ، وجعل إبراهيم يقول لرجل رجل : تقدّم فيأبون عليه ، فتقدّم هو وقاتل حتّى قُتل. ثمّ تقدّم مصعب فقال لحجّار بن أبجر : تقدّم يا أبا أسيد إلى هؤلاء الأنتان. قال : ما تتأخّر إليه أنتن. ثمّ قال للغضبان بن القَبَعْثَرى : تقدم يا أبا السِّمط. فقال : ما أرى. ثمّ التفت إلى قطن بن عبد الله الحارثي وهو على مذحج وأسد ، فقال : تقدّم. فقال : أسفك دماء مذحج في غير شيء (١).

    قال المدائني : سار مصعب وحوله نفر يسير ، وقد خذله أهل العراق لعِدَة عبد الملك إيّاهم ، ووعد حجّار بن أبجر ولاية إصبهان ، ووعدها غضبان بن القَبْعَثرَى ، وعتاب بن ورقاء ، وقطن بن عبد الله الحارثي ، ومحمد بن عمير بن عطارد (٢).

    مقتل مصعب وانتصار عبد الملك :

    قال عروة بن المغيرة : خرج مصعب يسير ، فوقعت عينه عليَّ. فقال : ياعروة ، كيف صنع الحسين عليه‌السلام؟ فأخبرته بإبائه النزول على حكم ابن زياد ، وعزمه على الحرب ، فقال :

    إنّ الاُلى بالطفّ من آلِ هاشمٍ




    تآسوا فسنُّوا للكرامِ التآسيا

    والبيت لسليمان بن قتة.

    فقاتل مصعب حتّى قُتل (٣). كان ذلك سنة اثنتين وسبعين ، قُتل في مسكن.

    قال أبو نعيم : قُتل مصعب وهو ابن ست وثلاثين سنة.

    ثمّ وجّه عبد الملك الحجّاج إلى عبد الله بن الزبير ، وجعل على شُرَط الكوفة قطن بن

    __________________

    (١) أنساب الأشراف ٧ / ٩٤.

    (٢) ونقل البلاذري في أنساب الأشراف أنّ عمرو بن حريث ، وكان خليفة مصعب على الكوفة ، ممّن كاتب عبد الملك ، وكان مائلاً إليه.

    (٣) أنساب الأشراف ٧ / ٩٨.
    ٣١٥

    عبد الله بن الحصين الحارثي وكان عثمانياً لم يمِل إلى عبد الملك أحدٌ مَيلَه (أقول : وكان أحد شهود الزور على حجر أيام ولاية زياد) ، وجعل ولايتها لبشر بن مروان.

    وولّى عبد الله بن خالد بن أسيد من بني اُميّة البصرة ، ثمّ عزله عنها وضمّها إلى بشر ، ثمّ جمع العراقين لبشر (١).

    وروى الذهبي في ميزان الاعتدال ٤ / ١٤٦ في ترجمة عمّار الدهني ، قال : قال علي بن المديني : قال سفيان بن عيينة : قطع بشر بن مروان عرقوبيه (٢) في التشيّع.

    وهذا يفيدنا أنّ عبد الملك بدأ بمواصلة خطّة سلفه معاوية ، وخطّة عبد الله بن الزبير في اضطهاد الشيعة بمجرّد استلامهم الحكم في العراق.

    __________________

    (١) ‏أنساب الأشراف ٧ / ١٠٦ ، انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (وتوفي بالبصرة وله نيف وأربعون سنة).

    (٢) عرقوبيه : تثنية عرقوب وهو العصبة الناتئة من القصب إلى الساق.
    ٣١٦

    العراق تحت إمرة الحجاج

    قُتل عبد الله بن الزبير على يد الحجّاج ، وولّى عبد الملك الحجّاج الحجاز واليمن واليمامة مدّة سنتين ، ابتدأت بقتل ابن الزبير في ١٧ جمادى الثانية سنة ٧٣ هجرية ، وانتهت برجب سنة ٧٥ هجرية ، وبعدها جعله عبد الملك والياً على العراق بعد وفاة أخيه بشر بن مروان في رجب سنة ٧٥ هجرية ، واستمرت ولايته إلى شوال سنة ٩٥ هجرية.

    روى اليعقوبي أنّ عبد الملك كتب إلى الحجّاج : أمّا بعد يا حجّاج ، فقد ولّيتك العراقين صدقة ، فإذا قدمت الكوفة فطَأْها وطأة يتضاءل منها أهل البصرة (١).

    ولمّا قدم الحجّاج العراق استعان بوُلد المغيرة بن شعبة

    فولّى عروة بن المغيرة الكوفة.

    وولّى حمزة بن المغيرة همدان.

    وولّى مُطرِّف بن المغيرة المدائن.

    وفي أوّل خطّبة خطبها الحجّاج بالكوفة قال لهم :

    إنّكم أهل بغي وخلاف ، وشقاق ونفاق ، طالما أوضعتم في

    الضلال ، وسننتم سنن البغي ... وإيّاي وهذه الزرافات والجماعات

    وكان ويكون ، وما أنتم وذاك؟ إنّي أرى الدماء بين العمائم واللحى

    والذي نفس الحجّاج بيده ، لتسلكنّ طريق الحقّ

    __________________

    (١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٧٣.
    ٣١٧

    ولتستقيمنّ عليه أو لأجعلنّ لكلّ امرئ منكم شغلاً في جسده ...

    ألا لا يركبنّ أحد منكم إلاّ وحده ... وقد بلغني رفضكم

    للمهلّب ، وإقبالكم إلى مصركم عصاة مخالفين. وأقسم بالله لا أجد

    رجلاً بعد ثلاثة ممّن أخلّ بمركزه إلاّ ضربت عنقه.

    ثمّ دعا بالعرفاء فقال لهم : الحقوا الناس بالمهلّب ، وأتوني بكتبه بموافاتهم ، ولا أستبطئكم فأضرب أعناقكم (١).

    قال البلاذري : ثمّ أمر مناديه أن برئت الذمّة من عاصٍ مخلٍ بمركزه وجدناه بالكوفة بعد ثلاث ، فالحقوا ببعث المهلّب وبمكاتبكم من الثغور ، ومغازيكم للخوارج.

    وجاء عمير بن ظابئ بن الحارث البرجمي التميمي (وكان سيد الحي) (٢) فقال : أصلح الله الأمير ، إنّي شيخ كبير عليل ، وهذا ابني حنظلة وليس في بني تميم رجل أشدّ منه ظهراً وبطشاً ، فإن رأيت أن تخرجه مكاني بديلاً فافعل. فقال الحجّاج : اضربوا عنقه. فضربوا عنقه ، فلمّا ضُربت عنق عمير تطايرت عُصاة الجيوش إلى مكاتبهم التي رفضوها ، ولحق كلّ مخل بثغره ومركزه. وكان الحجّاج أوّل مَنْ ضرب أعناق العصاة.

    ثمّ عيَّن أخاه لأمّه عروة بن المغيرة بن شعبة نائباً عنه طوال مدّة غيابه.

    وخرج إلى البصرة وخطب وهدَّد بذلك أيضاً ، فأتاه شريك بن عمرو اليشكري (وكان به فتق ، وكان أعور يضع على عينه قطنة فسُمّي ذا الكرسف) ، فقال له : أصلح الله الأمير ، إنّي عرضت على بشر بن مروان فأمر العراض أن يوقعوا على اسمي (زمناً) وأعطوني ، فهذا عطائي قد جئتك به لتردّه إلى بيت المال. فأمر به فضُربت عنقه لاستعفائه ، وكان عريفاً ، فلم يبقَ بالبصرة عاص إلاّ لحق بالمهلّب وبمكتبه.

    وجيء برجل وقت غداء الناس عند الحجّاج ، فقيل له : هذا عاص. فقال الرجل : والله

    __________________

    (١) أنساب الأشراف ٧ / ٢٧٤.

    (٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٨.
    ٣١٨

    ما شهدت عسكراً قط ، ولا أُثبت لي اسم قطّ في ديوان ، وإنّما أنا نسّاج. فضرب عنقه (١).

    ثورات العراقيين على الحجّاج :

    ثار على الحجّاج جنده من أهل البصرة سنة ٧٦ هجرية بقيادة عبد الله بن الجارود.

    ثمّ ثار عليه جنده من أهل الكوفة سنة ٧٧ هجرية بقيادة مطرف بن المغيرة.

    ثمّ ثار عليه جنده من المصرين في البصرة والكوفة بقيادة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث سنة ٨١ هجرية ، ولم يستطع الحجّاج إخضاع التمرّد الأخير إلاّ بواسطة جند أهل الشام ، وبقي محتفظاً بجند أهل الشام ليضبط ولايته ، وبنى لهم مدينة واسط لكي لا يختلطوا بالعراقيين فيتأثّروا بهم.

    وفيما يلي موجز عنها :

    تمرّد عبد الله بن الجارود :

    كان هذا التمرّد محدوداً ، وكان يستهدف الحجّاج خاصّة دون خلع بني اُميّة ، وانتهى التمرّد بقتل ابن الجارود. ولمّا كتب الحجّاج إلى عبد الملك بخبره أجابه : إذا رابَكَ من أهل العراق ريب فاقتل أدناهم يُرعَب منك أقصاهم (٢).

    ثورة مطرِّف بن المغيرة بن شعبة :

    حاول مطرف في ثورته أن يحيي منهج ابن الزبير بشكل عام ، فقد أعلن ثورته عام ٧٧ هجرية وخلع عبد الملك والحجّاج ، ويروي البلاذري عن أبي عبيدة وابن الهيثم أنّ مطرفاً سمع الحجّاج يقول : أرسول أحدكم أكرم أم خليفته؟ فوجم ، وقال : كافر ، والله والله إنّ قتله حلال.

    __________________

    (١) ‏أنساب الأشراف ٧ / ٢٨٠.

    (٢) أنساب الأشراف ٧ / ٢٩٢.
    ٣١٩

    وكان ممّا خطب به مطرِّف أصحابه : إنّ الله كتب الجهاد على خلقه وأمر بالعدل والإحسان ، وقال فيما أنزل علينا : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) المائدة / ٢ ، وإنّي أُشهد الله أنّي قد خلعت عبد الملك بن مروان والحجّاج بن يوسف ، فمَنْ أحبّ منكم صحبتي ، وكان على مثل رأيي فليتابعني ؛ فإنّ له الأسوة وحسن الصحبة ، ومن أبى فليذهب حيث شاء ؛ فإنّي لست أحبّ أن يتبعني مَنْ ليست له نيّة في جهاد أهل الجور.

    أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه وإلى قتال الظلمة ، فإذا جمع الله لنا أمرنا كان هذا الأمر شورى بين المسلمين يرتضون لأنفسهم مَنْ أحبّوا.

    وكان ممّا يكتبه إلى الآخرين : أمّا بعد ، فإنّا ندعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه ، وإلى جهاد مَنْ عَنِدَ عن الحقّ واستأثر بالفيء ، وترك حكم الكتاب (١).

    انتهت هذه الثورة بمقتل مطرف على يد قوات الحجّاج على مقربة من أصفهان.

    ثورة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس ٨١ ـ ٨٤ هجرية :

    في عام ٧٨ جعل عبد الملك بن مروان إقليمي خراسان وسجستان ولايتين تابعتين للحجّاج ، وعيَّن الحجّاج المهلّب بن أبي صفرة على خراسان ، وعيَّن عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي البصري عاملاً على سجستان.

    ولمّا قدم عبيد الله بن أبي بكرة سجستان امتنع زونبيل صاحب الترك عن دفع الجزية ، فأمره الحجّاج أن يغزوه ، فقاد ابن أبي بكرة جيشاً قوامه عشرين ألفاً من أهل الكوفة والبصرة الذين كانوا يرابطون في سجستان ، ولمّا وصلوا على مقربة من كابل وقعوا في كمائن نُصبت لهم ، ولم ينج منهم سوى خمسة آلاف رجل (وذلك عام ٧٩

    __________________

    (١) تاريخ الطبري ٥ / ١١١.
    ٣٢٠

    هجرية) ، وكان بضمنهم عبيد الله بن أبي بكرة نفسه ، وكان معظم القتلى من أهل الكوفة.

    وبعث الحجّاج بعد أن أخذ موافقة عبد الملك جيشاً آخر قوامه أربعين ألفاً ؛ عشرين ألف من الكوفة ، ومثلهم من البصرة بقيادة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي ، وقدم ابن الأشعث سجستان (أواخر عام ٧٩ هجرية) ، ونجح في فتح المدن التابعة لزونبيل ، وآثر ابن الأشعث الاكتفاء بذلك لسنته تلك ، وكتب إلى الحجّاج بذلك ، غير أنّ الحجاج لم يوافقه ، وبعث إليه بكتاب يسفِّه رأيه ويأمره بالتوغّل في أرض زونبيل ، وقرر ابن الأشعث عدم تنفيذ أمر الحجّاج ، واتهمه بالعمل على التغرير به كما غرّر بجيش عبيد الله بن أبي بكرة ، وانبرى عدد من الخطباء يذمّون الحجّاج ويتّهمونه بالعمل على هلاكهم.

    قال أبو مخنف (١) : فحدّثني مطرِّف بن عامر بن واثلة الكناني أنّ أباه كان أوّل متكلّم يومئذ ، وكان شاعراً خطيباً ، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه : أمّا بعد ، فإنّ الحجّاج والله ما يرى بكم إلاّ ما رأى القائل الأوّل ، إذ قال لأخيه : احمل عبدك على الفرس ؛ فإنّ هلك هلك ، وإن نجى فلك.

    إنّ الحجاج والله ما يبالي أن يخاطر بكم فيقحمكم بلاداً كثيرة اللهوب واللصوب (٢) ، فإن ظفرتم فغنمتم كلّ البلاد وحاز المال ، وكان ذلك زيادة في سلطانه ، وإن ظفر عدوّكم كنتم أنتم الأعداء البغضاء الذي لا يبالي عنتهم ، ولا يبقي عليهم. اخلعوا عدوّ الله الحجّاج وبايعوا عبد الرحمن ، فإنّي أُشهدكم أنّي أوّل خالع.

    فنادى الناس من كلّ جانب : فعلنا فعلنا ، قد خلعنا عدوّ الله. فوثب الناس إلى عبد الرحمن فبايعوه ، فقال : تبايعوني على خلع الحجّاج عدوّ الله ، وعلى النصرة لي وجهاده معي حتّى ينفيه الله من أرض العراق. فبايعه الناس.

    ولمّا دخل الناس فارس اجتمع الناس بعضهم إلى بعض وقالوا : إنّا إذا خلعنا

    __________________

    (١) تاريخ الطبري ٥ / ١٤٦.

    (٢) اللهوب : الجبال الوعرة. واللصوب : المسالك الضيقة بين الجبال.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 10:55 am



    الحجّاج عامل عبد الملك فقد خلعنا عبد الملك. فاجتمعوا إلى عبد الرحمن فبايعوه ، وكانت بيعته : تبايعون على كتاب الله وسنّة نبيّه ، وخلع أئمّة الضلالة ، وجهاد المحلّين ، فإذا قالوا : نعم ، بايع ، فلمّا بلغ الحجّاج خلعه كتب إلى عبد الملك يخبره خبر عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، ويسأله أن يعجّل بعثه الجنود إليه.

    قال أبو مخنف : حدّثني فضيل بن خديج أنّ مكتبه كان بكرمان ، وكان بها أربعة آلاف فارس من أهل الكوفة وأهل البصرة ، فلمّا مرّ بهم ابن محمد بن الأشعث انجفلوا معه.

    هزيمة الحجّاج :

    وعزم الحجّاج رأيه على استقبال ابن الأشعث ، فسار بأهل الشام حتّى نزل تستر ، وقدم بين يديه مطهر بن حرّ العكّي أو الجذامي ، وعبد الله بن رميثة الطائي ، ومطهر على الفريقين ، فجاؤوا حتّى انتهوا إلى دجيل وقد قطع عبد الرحمن بن محمد خيلاً له عليها عبد الله بن أبان الحارثي في ثلاثمئة فارس ، وكانت مسلحة له وللجند ، فلمّا انتهى إليه مطهر بن حرّ أمر عبد الله بن رميثة الطائي فأقدم عليهم.

    قال أبو مخنف : فحدّثني أبو الزبير الهمداني قال : كنت في أصحاب ابن محمد إذ دعا الناس وجمعهم إليه ، ثمّ قال : اعبروا إليه من هذا المكان. فأقحم الناس خيولهم دجيل من ذلك المكان الذى أمرهم به ، فوالله ما كان بأسرع من أن عبر معظم خيولنا ، فما تكاملت حتّى حملنا على مطهر بن حرّ والطائي فهزمناهما يوم الأضحى في سنة ٨١ ، وقتلناهم قتلاً ذريعاً ، وأصبنا عسكرهم.

    وأتت الحجّاج الهزيمة وهو يخطب ، فصعد إليه أبو كعب بن عبيد بن سرجس فأخبره بهزيمة الناس ، فقال : أيّها الناس ، ارتحلوا إلى البصرة ، إلى معسكر ومقاتل وطعام ومادة ؛ فإنّ هذا المكان الذي نحن به لا يحمل الجند. ثمّ انصرف راجعاً ، وتبعته خيول أهل العراق ، فكلّما أدركوا منهم شاذاً قتلوه ، وأصابوا ثقلاً حووه. ومضى الحجّاج لا يلوى على شيء
    ٣٢٢

    حتى نزل الزاوية ، وبعث إلى طعام التجّار الكلاء فأخذه ، فحمله إليه وخلى البصرة لأهل العراق ، وكان عامله عليهم الحكم بن أيوب بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي ، وجاء أهل العراق حتّى دخلوا البصرة ، وقد كان الحجّاج حين صدم تلك الصدمة ، وأقبل راجعاً ، دعا بكتاب المهلّب فقرأه ، ثمّ قال : لله أبوه! (أي صاحب حرب هو) ، أشار علينا بالرأي ولكنّا لم نقبل.

    وقال غير أبي مخنف : كان عامل البصرة يومئذ الحكم بن أيوب على الصلاة والصدقة ، وعبد الله بن عامر بن مسمع على الشرط ، فسار الحجّاج في جيشه حتّى نزل رستقباذ (١) ، وهي من دسبتي من كور الأهواز ، فعسكر بها ، وأقبل ابن الأشعث فنزل تستر وبينهما نهر ، فوجّه الحجّاج مطهر بن حرّ العكي في ألفي رجل فأوقعوا بمسلحة لابن الأشعث ، وسار ابن الأشعث مبادراً فواقعهم ، وهي عشية عرفة من سنة ٨١ ، فيقال : إنّهم قتلوا من أهل الشام ألفاً وخمسمئة ، وجاءه الباقون منهزمين ، ومعه يومئذ مئة وخمسون ألف ، ففرّقها في قوّاده وضمّنهم إياها ، وأقبل منهزماً إلى البصرة.

    وخطب ابن الأشعث أصحابه فقال : أمّا الحجّاج فليس بشيء ولكنّا نريد غزو عبد الملك. وبلغ أهل البصرة هزيمة الحجّاج ، فأراد عبد الله بن عامر بن مسمع أن يقطع الجسر دونه ، فرشاه الحكم بن أيوب مئة ألف فكفّ عنه ، ودخل الحجّاج البصرة فأرسل إلى ابن عامر فانتزع المئة ألف منه ، فلمّا دخل عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث البصرة بايعه على حرب الحجّاج ، وخلع عبد الملك جميع أهلها من قرّائها وكهولها ، وخندق الحجّاج عليه ، وخندق عبد الرحمن على البصرة ، وكان دخول عبد الرحمن البصرة في آخر ذي الحجة من سنة ٨١.

    قال أبو مخنف : حدّثني أبو الزبير الهمداني : وخرج أهل الكوفة يستقبلون ابن الأشعث حين أقبل ، فاستقبلوه بعد ما جاز قنطرة زُبارة (٢) ، فلمّا دخل الكوفة مال إليه أهل الكوفة

    __________________

    (١) موضع من أرض دستوا (مراصد الاطلاع).

    (٢) ناحية بالكوفة.
    ٣٢٣

    كلّهم وبايعوه ، وسقط إليه أهل البصرة ، وتقوّضت إليه المسالح والثغور ، وجاءه فيمَنْ جاءه من أهل البصرة عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وعرف بذلك ، وكان قد قاتل الحجّاج بالبصرة بعد خروج ابن الأشعث ثلاثاً ، وأقبل الحجّاج من البصرة فسار في البرّ حتّى مرَّ بين القادسية والعذيب ، ومنعوه من نزول القادسية ، وبعث إليه عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث عبد الرحمن بن العباس في خيل عظيمة من خيل المصرين فمنعوه من نزول القادسية ، ثمّ سايروه حتّى ارتفعوه على وادي السباع ، ثمّ تسايروا حتّى نزل الحجّاج دير قُرَّة ونزل عبد الرحمن بن العباس دَير الجماجم ، ثمّ جاء ابن الأشعث فنزل بدير الجماجم والحجّاج بدير قُرَّة.

    وجاءت الحجّاج أيضاً إمدادات من قبل عبد الملك من قبل أن ينزل دير قرّة ، جاءه عبد الله بن عبد الملك بن مروان في عشرين ألف من أهل الشام ، ومحمد بن مروان في عشرين ألف من أهل الجزيرة (١).

    وقعة دير الجماجم وفشل ثورة ابن الأشعث :

    وبعث ابن الأشعث عبد الله بن إسحاق بن الأشعث لحشر الناس من الكوفة ، وأمر كميل بن زياد أن يحرّض الناس ، فأُخرج وهو شيخ كبير ، فحُمل حتّى أُقعد على المنبر ، فخطب خطبة طويلة منها قوله : إنّه والله لا ينفي عنكم الظلم والعدوان إلاّ التناصح والتآسي ، واجتماع الكلمة ، وصلاح ذات البين ، والصبر على الطعان بالرماح والضرب بالسيوف (٢).

    واجتمع أهل الكوفة وأهل البصرة ، وأهل الثغور والمسالح بدَيْر الجماجم ، والقرّاء من أهل المصرين (الكوفة والبصرة) ، فاجتمعوا جميعاً على حرب الحجّاج ، وجمعهم عليه

    __________________

    (١) أنساب الأشراف ٧ / ٣٣٦.

    (٢) أنساب الأشراف ٧ / ٣٣٩.
    ٣٢٤

    بغضهم والكراهية له ، وهم إذ ذاك مئة ألف مقاتل ممّن يأخذ العطاء ، ومعهم مثلهم من مواليهم.

    فكانوا يخرجون في كلّ يوم فيقتتلون ، واشتدّ القتال بينهم.

    فلمّا بلغ ذلك رؤوس قريش وأهل الشام قِبَل عبد الملك ومواليه قالوا : إن كان إنّما يرضي أهل العراق أن تنزع عنهم الحجّاج [فانزعه] ؛ فإنّ نزع الحجّاج أيسر من حرب أهل العراق ، فانزعه عنهم تخلص لك طاعتهم ، وتحقن به دماءنا ودماءهم. فبعث ابنه عبد الله بن عبد الملك ، وبعث إلى أخيه محمد بن مروان بأرض الموصل يأمره بالقدوم عليه ، فاجتمعا جميعاً عنده كلاهما في جنديهما ، فأمرهما أن يعرضا على أهل العراق نزع الحجّاج عنهم ، وأن يجري عليهم اُعطياتهم كما تجري على أهل الشام ، وأن ينزل ابن محمد أيّ بلد من العراق شاء يكون عليه والياً ما دام حياً ، (وكان عبد الملك والياً) ، فإن هم قبلوا ذلك عزل عنهم الحجّاج ، (وكان محمد بن مروان أمير العراق) ، وإن أبوا أن يقبلوا فالحجّاج أمير جماعة أهل الشام وولي القتال ، ومحمد بن مروان وعبد الله بن عبد الملك في طاعته. فلم يأت الحجّاج أمر قط كان أشدّ عليه ولا أغيظ له ولا أوجع لقلبه منه ؛ مخافة أن يقبلوا فيُعزل عنهم.

    فكتب إلى عبد الملك : يا أمير المؤمنين ، والله لئن أعطيت أهل العراق نزعي لا يلبثون إلاّ قليلاً حتّى يخالفوك ويسيروا إليك ، ولا يزيدهم ذلك إلاّ جرأة عليك. ألم ترَ وتسمع بوثوب أهل العراق مع الأشتر على ابن عفّان ، فلمّا سألهم ما يريدون ، قالوا : انزع سعيد بن العاص ، فلمّا نزعه لم تتم لهم السنة حتّى ساروا إليه فقتلوه؟ إنّ الحديد بالحديد يفلح ، خار الله لك فيما ارتأيت ، والسلام عليك.

    فأبى عبد الملك إلاّ عرض هذه الخصال على أهل العراق ؛ إرادة العافية من الحرب ، فلمّا اجتمعا مع الحجّاج خرج عبد الله بن عبد الملك فقال : يا أهل العراق ، أنا عبد الله ابن أمير المؤمنين ، وهو يعطيكم كذا وكذا ، فذكر هذه الخصال التي ذكرنا. وقال محمد بن مروان :
    ٣٢٥

    أنا رسول أمير المؤمنين إليكم ، وهو يعرض عليكم كذا وكذا ، فذكر هذه الخصال.

    قالوا : نرجع العشية. فرجعوا ، فاجتمعوا عند ابن الأشعث ، فلم يبق قائد ولا رأس قوم ولا فارس إلاّ أتاه ، فحمد الله ابن الأشعث وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فقد أعطيتم أمراً انتهازكم اليوم إياه فرصة ، ولا آمن أن يكون على ذي الرأي غداً حسرة ، وإنّكم اليوم على النصف ، وإن كانوا اعتدوا بالزاوية فأنتم تعتدون عليهم بيوم تستر ، فاقبلوا ما عرضوا عليكم وأنتم أعزّاء أقوياء ، والقوم لكم هائبون.

    فوثب الناس من كلّ جانب فقالوا : إنّ الله قد أهلكهم ، فأصبحوا في الضنك والمجاعة والقلّة والذلّة ، ونحن ذووا العدد الكثير والمادة القريبة ، لا والله لا نقبل ، فأعادوا خلعه ثانية ـ وكان اجتماعهم على خلعه بالجماجم أجمع من خلعهم إيّاه بفارس ـ

    فرجع محمد بن مروان وعبد الله بن عبد الملك إلى الحجّاج فقالا : شأنك بعسكرك وجندك ، فاعمل برأيك فإنّا قد اُمرنا أن نسمع لك ونطيع.

    وبرزوا للقتال ، فجعل الحجّاج على ميمنته عبد الرحمن بن سليم الكلبي ، وعلى ميسرته عمارة بن تميم اللخمي ، وعلى خيله سفيان بن الأبرد الكلبي ، وعلى رجاله عبد الرحمن بن حبيب الحكمي.

    وجعل ابن الأشعث على ميمنته الحجّاج بن جارية الخثعمي ، وعلى ميسرته الأبرد بن قرّة التميمي ، وعلى خيله عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث الهاشمي ، وعلى رجاله محمد بن سعد بن أبي وقاص ، وعلى مجففته عبد الله رزام الحارثي ، وجعل على القرّاء جبلة بن زحر بن قيس الجعفي.

    وكان معه خمسة عشر رجلاً من قريش.

    وكان فيهم عامر الشعبي ، وسعيد بن جبير ، وأبو البختري الطائي ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.

    ثمّ إنّهم أخذوا يتزاحفون في كلّ يوم ويقتتلون ، وأهل العراق تأتيهم موادهم من
    ٣٢٦

    الكوفة ومن سوادها فيما شاؤوا من خصبهم وإخوانهم من أهل البصرة ، وأهل الشام في ضيق شديد ، قد غلت عليهم الأسعار ، وقلّ عندهم الطعام ، وفقدوا اللحم ، وكانوا كأنّهم في حصار ، وهم على ذلك يغادون أهل العراق ويراوحونهم ، فيقتتلون أشدّ القتال ، وكان الحجّاج يدني خندقه مرّة وهؤلاء أخرى حتّى كان اليوم الذي أُصيب فيه جبلة بن زحر.

    ثمّ إنّ ابن الأشعث بعث إلى كميل بن زياد النخعي ، وكان رجلاً ركيناً وقوراً ، عند الحرب له بأس وصوت في الناس ، وكانت كتيبته تُدعى كتيبة القرّاء ، يحمل عليهم فلا يكادون يبرحون ، ويحملون فلا يكذبون ، فكانوا قد عرفوا بذلك.

    قال الطبري : ثمّ دخلت سنة ثلاث وثمانين : ذكر الأحداث التي كانت فيها ، فما كان فيها من ذلك هزيمة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بدير الجماجم.

    ذكر هشام بن محمد ، عن أبى مخنف قال : حدّثني أبو الزبير الهمداني قال : كنت في خيل جبلة بن زحل ، فلمّا حمل عليه أهل الشام مرّة بعد مرّة نادانا عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه فقال :

    يا معشر القرّاء ، إنّ الفرار ليس بأحد من الناس بأقبح منه بكم ؛ إنّي سمعت (علياً رفع الله درجته في الصالحين ، وأثابه أحسن ثواب الشهداء والصدّيقين) يقول : يوم لقينا أهل الشام أيّها المؤمنون إنّه مَنْ رأى عدواناً يُعمل به ومنكراً يُدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم وبرئ ، ومَنْ أنكر بلسانه فقد أجر وهو أفضل من صاحبه ، ومَنْ أنكر بالسيف لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى
    ٣٢٧

    ونوّر في قلبه باليقين ، فقاتلوا هؤلاء المحلِّين المحدِثين المبتدِعين الذين قد جهلوا الحقّ فلا يعرفونه وعملوا بالعدوان فليس ينكرونه.

    وقال أبو البختري : أيّها الناس ، قاتلوهم على دينكم ودنياكم ، فوالله لئن ظهروا عليكم ليفسدنّ عليكم دينكم ، وليغلبنّ على دنياكم.

    وقال سعيد بن جبير : قاتلوهم ولا تأثموا من قتالهم بنيّة ويقين ، وعلى آثامهم قاتلوهم ؛ على جورهم في الحكم ، وتجبّرهم في الدين ، واستذلالهم الضعفاء ، وإماتتهم الصلاة.

    أقول : وقُدِّر لأهل العراق في هذه المعركة ـ التي استمرت أكثر من ثلاثة شهور ، ابتداء من مطلع ربيع الأوّل إلى الرابع عشر من جمادى الآخرة ـ الهزيمة ، ومضى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث مع ابن جعدة بن هبيرة ومعه اُناس من أهل بيته ، ثمّ جاء حتّى انتهى إلى بيته وعليه السلاح وهو على فرسه لم ينزل عنه ، ثمّ ودّع أهله وخرج من الكوفة.

    (قال هشام) : حدّثني أبو مخنف ، عن أبى يزيد السكسكي قال : خرج محمد بن سعد بن أبي وقاص بعد وقعة الجماجم حتّى نزل المدائن ، واجتمع إليه ناس كثير ، وخرج الحجّاج فبدأ بالمدائن فأقام عليها خمساً حتّى هيّأ الرجال في المعابر ، فلمّا بلغ محمد بن سعد عبورهم إليهم خرجوا حتّى لحقوا بابن الأشعث جميعاً ، وأقبل نحوهم الحجّاج ، فخرج الناس معه إلى مَسْكَن على دُجيل ، وأتاه أهل الكوفة والفلول من الأطراف وتلاوم الناس على الفرار ، وبايع أكثرهم بسطام بن مصقلة على الموت ، وانهزم أهل العراق أيضاً (١) ، وقُتل أبو البختري الطائي ، وعبد الرحمن بن أبى ليلى ، ومضى ابن الأشعث والفَلُّ (٢) من المنهزمين معه ، وتجمّعت بعض فلول ابن الأشعث ، وحاربوا المهلّب في خراسان

    __________________

    (١) قال خليفة : قال أبو الحسن : قال عوانة : قتل الحجّاج بمسكن خمسة آلاف أسير ، أو أربعة آلاف.

    (٢) الفل : المنهزم ، والجمع الفلول. (كتاب العين)
    ٣٢٨

    وانهزموا أيضاً (١).

    وأُخذ عدد من الأسرى فيهم محمد بن سعد بن أبي وقاص ، وعمرو بن موسى بن عبيد الله بن معمر ، وعياش بن الأسود بن عوف الزهري ، والهلقام بن نعيم بن القعقاع بن معبد بن زرارة ، وفيروز حصين ، وأبو العلج مولى عبيد الله بن معمر ، ورجل من آل أبي عقيل ، وسوار بن مروان ، وعبد الرحمن بن طلحة بن عبد الله بن خلف ، وعبد الله بن فضالة الزهراني ، ولحق الهاشمي بالسند ، وأتى ابن سمرة مرو ، ثمّ انصرف يزيد إلى مرو وبعث بالأسرى إلى الحجّاج مع سبرة بن نخف بن أبى صفرة ، وخلى عن ابن طلحة وعبد الله بن فضالة ، وقال محمد بن سعد بن أبي وقاص ليزيد أن يخلي سبيله ، فلم يستجب له.

    وقيل : إنّ الحجّاج لمّا أتى بهؤلاء الأسرى من عند يزيد بن المهلب قال لحاجبه : إذا دعوتك بسيدهم فأتني بفيروز ، فأبرز سريره ، (وهو حينئذ بواسط القصب قبل أن تُبنى مدينة واسط) ، ثمّ قال لحاجبه : جئني بسيدهم. فقال لفيروز : قم. فقال له الحجّاج : أبا عثمان ، ما أخرجك مع هؤلاء ، فوالله ما لحمك من لحومهم ، ولا دمك من دمائهم؟ قال : فتنة عمّت الناس فكنّا فيها. قال : اكتب لي أموالك. قال : ثمّ ماذا؟ قال : اكتبها أوّل. قال : ثمّ أنا آمن على دمي؟ قال : اكتبها ثمّ أنظر. قال : اكتب يا غلام ألف ألف ألفي ألف (فذكر مالاً كثيراً) ، فقال الحجّاج : أين هذه الأموال؟ قال : عندي. قال : فأدّها. قال : وأنا آمن على دمي؟ قال : والله لتؤدّينها ثمّ لأقتلنك. قال : والله لا تجمع مالي ودمي. فقال الحجّاج للحاجب : نحّه. فنحاه.

    ثمّ قال : ائتني بمحمد بن سعد بن أبي وقاص ، فدعاه ، فقال له الحجّاج : (إيهاً باطل

    __________________

    (١) اختلفت المصادر في ذكر الطريقة التي لقي فيها ابن الأشعث مصرعه بعد أن أجمعت أنّه لجأ إلى رتبيل في سجستان ، وأنّ الأخير استجاب لضغوط الحجّاج وإغراءاته بتسليم ابن الأشعث. تذكر بعض المصادر أنّه بعث به مقيّداً ، وأنّ ابن الأشعث رمى بنفسه من فوق جبل فمات ، ثمّ احتز رأسه وبعث به إلى الحجّاج ، وبعضها تذكر أنّ رتبيل قتله وبعث برأسه سنة ٨٤ هجرية.
    ٣٢٩

    الشيطان!) أعظم الناس تيهاً وكبراً ، تأبى بيعة يزيد بن معاوية تشبهاً بحسين ، ثمّ تتابع حوالك كندة؟ وجعل يضرب بعود في يده رأسه حتّى أدماه ، فقال له محمد : أيّها الرجل ، ملكت فأسجح. فضرب عنقه.

    ثمّ أمر بفيروز فعُذّب ، فكان فيما عذّب به أن كان يشدّ عليه القصب الفارسي المشقوق ثمّ يجر عليه حتّى يخرق جسده ، ثمّ ينضح عليه الخلّ والملح ، فلمّا أحسّ بالموت قال لصاحب العذاب : إنّ الناس لا يشكّون أنّي قد قُتلت ، ولي ودائع أموال عند الناس لا تؤدّى إليكم أبداً ، فأظهروني للناس ليعلموا أنّي حي فيؤدّوا المال. فأعلم الحجّاج ، فقال : أظهروه. فاُخرج إلى باب المدينة ، فصاح في الناس : مَنْ عرفني فقد عرفني ، ومَنْ أنكرني فأنا فيروز حصين ، إنّ لي عند أقوام مالاً ، فمَنْ كان لي عنده شيء فهو له ، وهو منه في حلّ ، فلا يؤدّينّ منه أحد درهماً ، ليبلغ الشاهد الغائب. فأمر به الحجّاج فقُتل (١).

    قال البلاذري : وكان ممّن خرج مع ابن الأشعث هو عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، فلحق بعمّان وهو شيخ كبير ، فمات بها.

    انتقام الحجّاج من أهل الكوفة :

    وجاء الحجّاج حتّى دخل الكوفة ، وخطب فيها قائلاً :

    يا أهل العراق ، إنّ الشيطان قد استبطنكم فخالط اللحم منكم والعصب ، والأعضاء والأطراف. ألستم أصحابي بالأهواز حين رمتم النكر ، وسعيتم بالغدر ، ويوم الزاوية بما كان من فشلكم وتخاذلكم ، ويوم دير الجماجم؟ فما الذي أذكر منكم يا أهل العراق ، وما الذي أتوقع ، وما الذي أستبقيكم له؟ إن بُعثتم إلى

    __________________

    (١) تاريخ الطبري. أقول : وقد روى عن النضر بن شميل ، تاريخ الطبري ٥ / ١٨٢ عن هشام بن حسان أنّه قال : بلغ ما قتل الحجّاج صبراً مئة وعشرين ، أو مئة وثلاثين ألفاً.
    ٣٣٠

    الثغور جبنتم ، وإن أمنتم رجعتم ، وإن خفتم نافقتم. هل استنبحكم نابح ، واستغواكم غاوٍ ، واستخفكم ناكث ، واستفزّكم عاص إلاّ بايعتموه وتابعتموه؟ وهل شغب شاغب ، ونعب ناعب ، وظهر كاذب إلاّ كنتم أشياعه وأنصاره؟ ثمّ يا أهل الشام ، أنا لكم كالظليم المحافظ على فراخه ، ينفي عنهنّ القذر ، ويباعد المدر ، ويحرسهنّ من الذباب. أنتم العُدَّة والجُنَّة إنّ حارب محارب ، وجانب مجانب (١).

    وكتب : عبد الملك إلى الحجّاج : أن ادعُ الناس إلى البيعة ، فمَنْ أقرّ بالكفر فخلّ سبيله ، إلاّ رجلاً نصب راية أو شتم أمير المؤمنين (٢).

    وأجلس مصقلة بن كرب بن رقبة العبدي إلى جنبه ، وكان خطيباً فقال : اشتم كلّ امرئ بما فيه ممّن كنّا أحسنّا إليه ، فاشتمه بقلّة شكره ، ولؤم عهده ، ومَنْ علمت منه عيباً فعبه بما فيه ، وصغِّر إليه نفسه ، وكان لا يبايعه أحد إلاّ قال له : أتشهد أنّك قد كفرت؟ فإذا قال : نعم ، بايعه وإلاّ قتله.

    فجاء إليه رجل من خثعم (قد كان معتزلاً للناس جميعاً من وراء الفرات) ، فسأله عن حاله ، فقال : ما زلت معتزلاً وراء هذه النطفة ، منتظراً أمر الناس حتّى ظهرت فأتيتك لأبايعك مع الناس.

    قال : أمتربّص؟ أتشهد أنّك كافر؟

    قال : بئس الرجل أنا إن كنت عبدت الله ثمانين سنة ، ثمّ أشهد على نفسي بالكفر!

    __________________

    (١) أنساب الأشراف ٧ / ٣٤٥ ، شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١ / ٣٤٤ ، والخطبة في البيان والتبيين ٢ / ١٣٨ ، العقد ٤ / ١١٥ ، نهاية الإرب ٧ / ٢٤٥.

    (٢) تاريخ خليفة بن خياط العصفري / ٢١٧.
    ٣٣١

    قال : إذاً أقتلك. قال : وإن قتلتني فوالله ما بقي من عمري إلاّ ظمأ حمار (١) ، وإنّي لأنتظر الموت صباح مساء.

    قال : اضربوا عنقه.

    فضربت عنقه.

    مقتل كميل بن زياد :

    قال ابن أبي الحديد (٢) : هو كميل بن زياد بن سهيل بن هيثم بن سعد بن مالك بن الحارث بن صهبان بن سعد بن مالك بن النخع ، كان من أصحاب علي عليه‌السلام وشيعته وخاصته ، وقتله الحجّاج على المذهب فيمَنْ قُتل من الشيعة.

    وقال ابن حجر (٣) : كميل بن زياد النخعي التابعي الشهير ، له إدراك ، قال ابن أبي خيثمة وخليفة بن خياط : مات سنة اثنتين وثمانين من الهجرة ، زاد بن أبي خيثمة : وهو ابن سبعين سنة بتقديم السين فيكون قد أدرك من الحياة النبويّة ثماني عشرة سنة. وروى عن عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم. قال ابن سعد : شهد صفين مع علي ، وكان شريفاً مطاعاً ، ثقة قليل الحديث ، ووثقه ابن معين وجماعة. وقال ابن عمار : كان من رؤساء الشيعة. وأخرج ابن أبي الدنيا من طريق الأعمش قال : دخل الهيثم بن الأسود على الحجّاج ، فقال له : ما فعل كميل بن زياد؟ قال : شيخ كبير في البيت. قال : فأين هو؟ قال : ذلك شيخ كبير خرِف. فدعاه ، فقال له : أنت صاحب عثمان؟ قال : ما صنعت بعثمان لطمني فطلبت القصاص فأقادني فعفوت. قال : فأمر الحجّاج بقتله.

    وقال جرير عن مغيرة : طلب الحجّاج كميل بن زياد فهرب منه ، فحرم قومه عطاءهم ، فلمّا رأى كميل ذلك قال : أنا شيخ كبير قد نفد عمري ، لا ينبغي أن أحرم قومي

    __________________

    (١) ظمأ حمار : أي شيء يسير ، وإنّما خصّ الحمار ؛ لأنّه أقل الدواب صبراً عن الماء.

    (٢) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١٧ / ١٤٩.

    (٣) الإصابة ـ ابن حجر ٥ / ٤٨٥.
    ٣٣٢

    عطاءهم. فخرج إلى الحجّاج ، فلما رآه قال له كميل : إنّه ما بقي من عمري إلاّ القليل ، فاقض ما أنت قاض ، فإنّ الموعد الله ، وقد أخبرني أمير المؤمنين علي أنّك قاتلي. قال : بلى ، قد كنت فيمَنْ قتل عثمان ، اضربوا عنقه. فضُربت عنقه (١).

    وهرب عبد الرحمن بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب إلى السدّ (٢) فمات بها (٣).

    قال خليفة بن خياط : كانت بينهم بالجماجم إحدى وثمانين وقيعة ، كلّها على الحجّاج إلاّ آخر وقعة كانت على ابن الأشعث ، فانهزم. وقُتل من القرّاء بدير الجماجم ؛ أبو البختري سعد مولى حذيفة ، وأبو البختري الطائي. وانكشف ابن الأشعث من دير الجماجم ، فأتى البصرة وتبعه الحجّاج ، فخرج منها إلى مسكن من أرض دجيل الأهواز ، وأتبعه الحجّاج فالتقوا بمسكن ، فانهزم ابن الأشعث ، وقُتل من أصحابه ناس كثير وغرق ناس كثير. افتقد ليلة دجيل بمسكن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعبد الله بن شداد بن الهاد ، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود. وأسر الحجّاج ناساً كثيراً منهم : عمران بن عصام العنزي ، وعبد الرحمن بن ثروان ، وأعشى همدان ، وفيروز حصين. قال أبو اليقظان : حدّثني سلم بن الجارود بن أبي سبرة الهذلي ، قال : أتي الحجّاج بعمران بن عصام العنزي ، فقال : عمران؟ قال : نعم. قال : ألم أقدم العراق فأوفدتك إلى أمير المؤمنين ، ولا يوفد مثلك؟ قال : بلى. قال : وزوّجتك سيدة قومها ماوية بنت مسمع ولم تكن لها بأهل؟ قال : بلى. قال : فما حملك على الخروج مع عدو الله ابن الأشعث؟ قال : أخرجني باذان. قال : فأين كنت عن حجلة أهلك؟ قال : أخرجني باذان. قال : فأين كنت على خرب البصرة؟ فأمر به فضُربت عنقه. ثمّ سار ابن الأشعث يريد خراسان ، وتبعه الفل فتركهم ، وسار إلى رتبيل

    __________________

    (١) الإصابة ٥ / ٦٥٣. أقول : تهمة كميل بن زياد بعثمان أصلها من رواية سيف بن عمر. انظر تاريخ الطبري ٣ / ٤٣٠.

    (٢) وهو اسم لماء سماء في حزم بني عوال ، جبيل لغطفان.

    (٣) أنساب الأشراف ٧ / ٣٥١.
    ٣٣٣

    بسجستان ، فقام بأمر الناس عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، فلقيه المفضّل بن المهلّب بهراة ، وهو وال لأخيه يزيد فهزمه ، وأسر ناساً من أصحابه منهم محمد بن سعد بن مالك والهلقام بن نعيم. أوّل وقعة كانت بينهم يوم تستر ، يوم النحر آخر سنة إحدى وثمانين ، والوقعة الثانية بالزاوية في المحرّم أوّل سنة اثنتين وثمانين ، والوقعة الثالثة بظهر المربد في صفر يوم الأحد سنة اثنتين وثمانين ، والوقعة الرابعة بدير الجماجم ، كانت الهزيمة في جمادى لأربع عشرة ليلة خلت منه سنة اثنتين وثمانين ، والوقعة الخامسة في شعبان سنة اثنتين وثمانين ليلة دجيل.

    قال خليفة : تسمية القرّاء الذين خرجوا مع ابن الأشعث ؛ مسلم بن يسار مزني ، وعقبة بن عبد الغافر العوذي قُتل في المعركة ، وعقبة بن وساج البرساني قُتل في المعركة ، وعبد الله بن غالب الجهضمي قُتل في المعركة ، والنضر بن أنس بن مالك ، وأبو الجوزاء قُتل في المعركة ، وعمران بن عصام الضبعي قُتل صبراً ، وسيار بن سلامة أبو المنهال الرياحي ، ومالك بن دينار ، ومرّة بن دباب الهرادي ، وأبو نجيد الجهضمي ، وأبو شيخ الهنائي ، والحسن بن أبي الحسن اُخرج كرهاً لم يُقتل. ومن أهل الكوفة سعيد بن جبير ، وعامر الشعبي ، وعبد الله بن شداد بن الهادي فُقد ليلة دجيل ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى فُقد ليلة دجيل. وحدّثني غندر قال : حدّثني شعبة ، عن حصين قال : رأيت ابن أبي ليلى يحضض الناس ليالي الجماجم. وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، والمعرور بن سويد ، ومحمد بن سعد بن مالك قُتل صبراً ، وطلحة بن مصرف الأيامي ، وزبيد بن الحارث الأيامي ، وعطاء بن السائب مولى ثقيف ، وأبو البختري الطائي قُتل في المعركة.

    قال خليفة : عن الحسن الجفري ، عن مالك بن دينار قال : خرج مع ابن الأشعث خمسمئة من القرّاء كلّهم يرون القتال ، وقتل طفيل بن عامر بن واثلة (١).

    __________________

    (١) تاريخ خليفة بن خياط / ٢١٦ ـ ٢٢٢.
    ٣٣٤

    وكتب عبد الملك إلى الحجّاج أيضاً : أن جمِّر أهل العراق ، وتابع عليهم البعوث ، واستعن عليهم بالفقر ؛ فإنّه جند الله الأكبر. ففعل ذلك بهم سنتين ، ثمّ أعطاهم بعد ذلك عطاءهم (١).

    الكوفة على عهد الوليد :

    قال اليعقوبي : وكتب الوليد إلى خالد بن عبد الله القسري (عامله على الحجاز) يأمره بإخراج مَنْ بالحجاز من أهل العراقين وحملهم إلى الحجّاج بن يوسف ، فبعث خالد إلى المدينة عثمان بن حيان المري لإخراج مَنْ بها من أهل العراقين ، فأخرجهم جميعاً ـ وجماعاتهم في الجوامع ـ إلى الحجّاج ، ولم يترك تاجراً ولا غير تاجر ، ونادى : ألا برئت الذمّة ممّن آوى عراقياً. وكان لا يبلغه أنّ أحداً من أهل العراق في دار أحد من أهل المدينة إلاّ أخرجه (٢).

    قال ابن عساكر : أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، عن أبي محمد الجوهري ، عن أبي عمر بن حيوية ، أنا سليمان بن إسحاق ، نا الحارث بن أبي أسامة ، نا محمد بن سعد ، أنا محمد بن عمر الواقدي ، قال : فحدّثني محمد بن عبد الله بن أبي حرّة عن عمّه قال : رأيت عثمان بن حيان أخذ عبيدة بن رباح ومنقذ العراقي في أناس من أهل العراق فحبسهم ، ثمّ بعث بهم في جوامع إلى الحجّاج بن يوسف ، ولم يترك بالمدينة أحداً من أهل العراق تاجراً ولا غير تاجر من كلّ بلد إلاّ أُخرجوا ، فرأيتهم في الجوامع. وسمعته يخطب على المنبر وهو يقول بعد حمد الله : أيّها الناس ، إذا وجدنا أهل غش لأمير المؤمنين في قديم الدهر وحديثه ، وقرضوا إليكم مَنْ لا يزيدكم إلاّ خبالاً أهل العراق ؛ هم أهل الشقاق والنفاق ، وهم والله عش النفاق ، وبيضته التي انفلقت عنه. والله ما سبرت عراقياً قطّ فوجدت عنده

    __________________

    (١) أنساب الأشراف ٧ / ٣٥٨.

    (٢) لا نعلم في أيّ سنة ، ولكنّ اليعقوبي كان قد ذكر قبله حوادث سنة ٩٢ ، وذكر بعده حوادث سنة ٩٥ هجرية.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 10:57 am



    ديناً ، وإنّ أفضلهم حالاً عند نفسه الذي يقول في آل أبي طالب ما يقول ، وما هم لهم بشيعة ، إنّهم لأعداء لهم ولغيرهم ، ولكن لما يريد الله من سفك دمائهم ، والتقرّب إليه بذلك منهم. وإنّي والله لا اُؤتى بأحد منكم أكرى أحداً منهم منزلاً ولا أنزله إلاّ هدمت منزله ، وأحللت به ما هو أهله. إنّ البلدان مصّرها عمر بن الخطاب وهو مجتهد على ما يصلح رعيته ، فجعل يمرّ عليه مَنْ يريد الجهاد فيستشيره : الشام أحبّ إليك أمّ العراق؟ فيقول : الشام أحبّ إليّ.

    إنّي رأيت العراق داء عضالاً ، وبها فرّخ الشيطان. والله [لقد أعضلوا بي] (١) وإنّي لأراني ساُفرّقهم في البلدان ، ثمّ أقول : لو فرّقتهم لأفسدوا مَنْ دخلوا عليه مع جدل وحجاج ، وكيف ولم ، وسرعة وجيف (٢) في الفتنة ، فإذا خبروا عند السيف لم يخبر منهم طائل ، ولم يصلحوا على عثمان ، وهو من بعد الإمام المظلوم الشهيد فلقي منهم الأمرين ، وكانوا هم أوّل الناس فتق هذا الفتق ، ونقضوا عرى الإسلام عروة عروة ، وأنفلوا البلدان.

    والله إنّي لأتقرّب إلى الله بكلّ ما أفعل بهم ؛ لما أعرف من رأيهم ومذاهبهم ، ثمّ وليهم أمير المؤمنين فلم يصطلحوا عليه ، ثمّ يزيد بن معاوية فلم يصطلحوا ، ووليهم رجل الناس جلداً (يعني عبد الملك) ، فبسط عليهم السيف وأخافهم ، فاستقاموا له ، أحبّوا أو كرهوا ؛ وذلك أنّه خبرهم فعرفهم (٣).

    قال ابن عساكر : وأنا محمد بن عمر ، حدّثني خالد بن القاسم ، عن سعيد بن عمرو قال : رأيت منادي عثمان بن حيّان ينادي : برئت ذمّة آله ممّن آوى عراقياً ، وكان عندنا رجل من أهل البصرة له فضل يُقال له : سوادة ، من العبّاد ، فقال : والله ما أحبّ أن اُدخل عليكم مكروهاً ، بلّغوني مأمني.

    قال : قلت : لا خير لك في الخروج ؛ إنّ الله يدفع عنّا وعنك.

    __________________

    (١) وردت العبارة في المصدر الأساس (والله لو عضلوا أبي) ، وما أثبتناه بين المعقوفتين هو من تاريخ الطبري. (موقع معهد الإمامين الحسنَين)

    (٢) وجفَ : الوجف : سرعة السير. (كتاب العين)

    (٣) تاريخ مدينة دمشق ٣٨ / ٣٤٤.
    ٣٣٦

    قال : فأدخلته بيتي ، وبلغ عثمان بن حيّان فبعث أحراساً ، فأدخلته إلى بيت آخر ، فما قدروا على شيء (وكان الذي سعى بي عدوّاً) ، فقلت : أصلح الله الأمير! تؤتي بالباطل فلا تعاقب عليه؟! قال : فضرب الذي سعى بي عشرين سوطاً.

    وأخرجنا العراقي ، فكان يصلّي معنا ، ما يغيب عنّا يوماً واحداً ، وحدب عليه أهل دارنا وقالوا : نموت دونك. فما برح معنا في بني اُميّة بن زيد حتّى عُزل الخبيث (١).

    أقول : نزع سليمان عثمان بن حيّان عن المدينة لتسع ليال بقين من رمضان سنة ست وتسعين ، وكانت إمارته على المدينة ثلاث سنين إلاّ سبع ليال ، وولّى سليمان بن حزم على المدينة (٢).

    قال إسحاق بن الأشعث بن قيس الكندي : قال : كنت في صحابة عمر بن عبد العزيز فاستأذنته في الانصراف إلى أهلي بالكوفة ، فقال لي عمر : إذا أتيت العراق فأقرّهم ولا تستقرّهم ، وعلّمهم ولا تتعلّم منهم ، وحدّثهم ولا تسمع حديثهم.

    قال المؤلِّف : وكان من بين هؤلاء العراقيين المختفين في الحجاز سعيد بن جبير ، الذي قتله الحجّاج بعد [أن] سلّمه إليه خالد القسري.

    __________________

    (١) تاريخ دمشق ـ لابن عساكر ٣٨ / ٣٤٥.

    (٢) قال ابن عساكر : وفي سنة أربع وتسعين نزع الوليد عمر بن عبد العزيز عن أهل المدينة وولاّها عثمان بن حيّان القرشي. قال : وفي سنة ست وتسعين نزع عثمان بن حيّان عن أهل المدينة وأمّر أبا بكر بن حزم الأنصاري. وقال : كان عثمان بن حيّان أميراً على المدينة في خلافة الوليد بن عبد الملك. قال : وكان ابن حزم يومئذ قاضياً. قال : فعزل عثمان بن حيّان بعد ذلك وولي أبا بكر بن حزم بعده.
    ٣٣٧

    ثورة زيد بن علي رحمه‌الله

    قال البلاذري وهو يترجم لزيد بن علي رحمه‌الله : وقرأت في كتب سالم كاتب هشام كتاباً نسخته :

    أمّا بعد ، فقد عرفت حال أهل الكوفة في حبِّهم أهل البيت ، ووضعهم إيّاهم في غير مواضعهم ؛ لافتراضهم على أنفسهم طاعتهم ، ووظَّفوا عليهم شرائع دينهم ، ونحلتهم إيّاهم عظيم ما هو كائن ممَّا استأثر الله بعلمه دونهم ، حتّى حملوهم على تفريق الجماعة والخروج على الأئمة. وقد قَدِم زيد بن علي على أمير المؤمنين في خصومة ، فرأى رجلاً جدلاً لسناً ، حوَّلاً قُلَّباً (١) ، خليقاً بصوغ الكلام وتمويهه ، واجترار الرجال بحلاوة لسانه ، وكثرة مخارجه في حججه ، وما يدلي به عند الخصام من العلو على الخصم بالقوَّة المؤدّية إلى الفلج رحمه‌الله ، فعجِّل إشخاصه إلى الحجاز ، ولا تدعه المقام قِبَلك ؛ فإنَّه إن أعاره القوم أسماعهم فحشاها من لين لفظه ، وحلاوة منطقه مع ما يدلي به من القرابة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجدهم مُيَّلاً إليه (٢) ، غير مُتَّئِدة قلوبهم ، ولا ساكنة أحلامهم ، ولا مصونة عندهم أديانهم ، وبعض التحامل عليه فيه أذى له ، وإخراجه وتركه مع السلامة للجميع ، والحقن للدماء ، والأمن للفرقة أحبُّ إليَّ من أمر فيه سفك دمائهم ، وانتشار كلمتهم ، وقطع نسلهم. والجماعة حبل الله المتين ، ودين الله القويم ، وعروته الوثقى ، فادع إليك أشراف أهل المصر ، وأوعدهم العقوبة

    __________________

    (١) رجل حوَّل : ذو حيل ، كتاب العين.

    (٢) إلى هنا ينتهي نصّ الكتاب لدى البلاذري ٣ / ٤٣٤.
    ٣٣٨

    في الأبشار ، واستصفاء الأموال ؛ فإنَّ مَنْ له عقد أو عهد منهم سيبطئ عنه ، ولا يخف معه إلاَّ الرعاع وأهل السواد ، ومَنْ تنهضه الحاجة استلذاذاً للفتنة ، واُولئك ممَّن يستعبد إبليس وهو يستعبدهم ، فبادرهم بالوعيد ، واعضضهم بسوطك ، وجرِّد فيهم سيفك ، وأخف الأشراف قبل الأوساط ، والأوساط قبل السفلة. واعلم أنَّك قائم على باب اُلفة ، وداع إلى طاعة ، وحاضّ على جماعة ، ومشمِّر لدين الله ، فلا تستوحش لكثرتهم ، واجعل معقلك الذي تأوي إليه ، وصغوك الذي تخرج منه الثقة بربِّك ، والغضب لدينك ، والمحاماة عن الجماعة ، ومناصبة مَنْ أراد كسر هذا الباب الذي أمرهم الله بالدخول فيه ، والتشاح عليه ؛ فإنَّ أمير المؤمنين قد أعذر إليه ، وقضى من ذمامه ، فليس له منزى إلى ادّعاء هو له ظلمة من نصيب نفسه ، أو فيء ، أو صلة لذي قربى إلاَّ الذي خاف أمير المؤمنين من حمل بادرة السفلة على الذي عسى أن يكونوا به أشقى وأضلَّ. ولهم أمر ، ولأمير المؤمنين أعزّ وأسهل إلى حياطة الدين والذبِّ عنه ؛ فإنَّه لا يحبُّ أن يرى في أمَّته حالاً متفاوتاً ، نكالاً لهم مفنياً ، فهو يستديم النظرة ، ويتأتى للرشاد ، ويجتنبهم على المخاوف ، ويستجرهم إلى المراشد ، ويعدل بهم عن المهالك ، فعل الوالد الشفيق على ولده ، والراعي الحدب على رعيته. واعلم أنَّ من حجّتك عليهم في استحقاق نصر الله لك عند معاندتهم توفيتك أطماعهم واُعطية ذرّيتهم ، ونهيك جندك أن ينزلوا حريمهم ودورهم ، فانتهز رضا الله فيما أنت بسبيله ؛ فإنَّه ليس ذنب أسرع تعجيل عقوبة مَنْ بغى ، وقد أوقعهم الشيطان ، ودلاّهم فيه ، ودلَّهم عليه ، والعصمة بتارك البغي أولى ، فأمير المؤمنين يستعين الله عليهم ، وعلى غيرهم من رعيته ، ويسأل إلهه ومولاه ووليه أن يصلح منهم ما كان فاسداً ، وأن يسرع بهم إلى النجاة والفوز إنَّه سميع قريب (١).

    قال البلاذري : وكتب زيد إلى أهل الآفاق كتباً يصف فيها جور بني اُميّة ، وسوء سيرتهم ، ويحضهم على الجهاد ، ويدعوهم إليه ، وقال : لا تقولوا خرجنا غضباً لكم ، ولكن قولوا خرجنا غضباً لله ودينه.

    __________________

    (١) تاريخ الطبري ٧ / ١٧٠ ـ ١٧١ ، ولم يذكر الطبري مصدره الذي أخذ الرواية عنه.
    ٣٣٩

    وكان زيد إذا بويع قال : أدعوكم إلى كتاب الله ، وسنّة نبيّه ، وجهاد الظالمين ، والدفع عن المستضعفين ، وإعطاء المحرومين ، وقسم هذا الفيء على أهله ، ورد المظالم ، وإقفال الُمجَمَّرة ، ونصرنا أهل البيت على مَنْ نصب لنا الحرب ، أتبايعون على هذا؟ فيبايعونه ويضع يده على يد الرجل ثمّ يقول : عليك عهد الله وميثاقه لتفينَّ لنا ، ولتنصحنَّ في السرّ والعلانية ، والرخاء والشدّة ، والعسرة واليسرة. فيماسح على ذلك (١).

    قال البلاذري : وبعث يوسف بن عمر إلى اُمّ امرأة لزيد أزدية ، فهدم دارها وحُملت إليه ، فقال لها : أزوَّجتِ زيداً؟ قالت : نعم ، زوّجته وهو سامع مطيع ، ولو خطب إليك إذ كان كذلك لزوَّجته. فقال : شُقّوا عليها ثيابها. فجلدها بالسياط وهي تشتمه وتقول : ما أنت بعربي ، تعرِّيني وتضربني لعنك الله! فماتت تحت السياط ، ثمّ أمر بها فأُلقيت في العراء ، فسرقها قومها ودفنوها في مقابرهم.

    وأخذ امرأة قوَّت زيداً على أمره فأمر بها أن تُقطع يدها ورجلها ، وضرب عنق زوجها.

    وضرب امرأة أشارت على اُمّها أن تؤوي ابنة لزيد خمسمئة سوط.

    وهدم دوراً كثيرة.

    وأُتِيَ يوسف بعبد الله بن يعقوب السلمي من ولد عتبة بن فرقد (وكان زوَّجَ ابنته من يحيى بن زيد) ، فقال له يوسف : ائتني بابنتك. قال : وما تصنع بها؟ جارية عاتق (٢) في البيت. قال : أقسم لتأتيني بها أو لأضربنَّ عنقك. (وقد كان كتب إلى هشام يصف طاعته) فأبى أن يأتيه بابنته ، فضرب عنقه ، وأمر العريف أن يأتيه بابنة عبد الله بن يعقوب فأبى ، فأمر به فدُقَّت.

    قال البلاذري : ولمّا فرغ يوسف من أمر زيد صعد منبر الكوفة فشتم أهلها ، وقال : يا

    __________________

    (١) أنساب الأشراف ٣ / ٤٣٤ ـ ٤٣٥.

    (٢) العاتق : الجارية أوّل ما أدركت.
    ٣٤٠

    أهل المِدْرَة الخبيثة ، (والله ما يقعقع لي بالشِّنان ولا تقرن بي الصعبة) لقد هممت أن أخرب بلدكم ، وأن أحربكم بأموالكم ، والله ما أطلت منبري إلاّ لأسمعكم عليه ما تكرهون ، فإنّكم أهل بغي وخلاف ، ولقد سألت أمير المؤمنين أن يأذن لي فيكم ، ولو فعل لقتلت مقاتلتكم ، وسبيت نساءكم. إنّ يحيى بن زيد (١) ليتنقل في حجال نسائكم كما كان أبوه يفعل ، وما فيكم مطيع إلاّ حكيم بن شريك المحاربي. والله لو ظفرت بيحياكم لعرقت خصييه كما عرقت خصيتي أبيه (٢).

    قصيدة الفضل بن عبد الرحمن المطلبي :

    قال الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب : لمّا قُتل زيد بن علي عليه‌السلام في سنة اثنتين وعشرين ومئة في خلافة هشام بن عبد الملك.

    وذلك أنّ هشاماً كتب إلى عامله بالبصرة ـ وهو القاسم بن محمد الثقفي ـ أن يشخص كلّ مَنْ بالعراق من بني هاشم إلى المدينة خوفاً من خروجهم. وكتب إلى عامل المدينة أن يحبس قوماً منهم ، وأن يعرضهم في كلّ أسبوع مرّة ، ويقيم لهم الكفلاء على ألا يخرجوا منها ، فقال الفضل بن عبد الرحمن من قصيدة له طويلة :

    كلّما حُدِّثوا بأرض نقيقا




    ضمَّنونا السجون أو سيَّرونا

    أشخصونا إلى المدينة أسرى




    لا كفاهمُ ربّي الذي يحذرونا

    خلّفوا أحمد المطهَّر فينا




    بالذي لا يحبّ واستضعفونا

    قتلونا بغير ذنب إليهمْ




    قاتلَ اللهُ أمةً قتّلونا

    __________________

    (١) ترجم البلاذري ليحيى بن زيد وحركته ومقتله في الجوزجان في أنساب الأشراف ٣ / ٤٥٣ ـ ٤٥٨.

    (٢) أنساب الأشراف ٣ / ٤٤٨ ـ ٤٥٠.
    ٣٤١

    ما رعَوْا حقّنا ولا حفظوا




    في نا وصاة الإله بالأقربينا

    جعلونا أدنى عدوّ إليهم




    فهمُ في دمائنا يسبحونا

    أنكروا حقّنا وجاروا علينا




    وعلى غير إحنة أبغضونا

    غير أنّ النبي منّا وأنّا




    لم نزل في صِلاتهم راغبينا

    إن دعونا إلى الهدى لم يجيبو نا




    وكانوا عن الهدى ناكبينا

    أو أمرنا بالعرف لم يسمعوا منا




    وردّوا نصيحة الناصحينا

    ولقِدْماً ما ردّ نصح ذوي الرأي




    فلم يتبعهمُ الجاهلونا

    فعسى الله أن يُديل أناساً




    من اُناسٍ فيصبحوا ظاهرينا

    فتقرّ العيونُ من قوم سوء




    قد أخافوا وقتّلوا المؤمنينا

    ليت شعري هل توجِفَنْ بيَ




    الخيلُ عليها الكماة مستلئِمينا (١)

    من بني هاشم ومن كلّ حيٍّ




    ينصرون الإسلام مستنصرينا

    في اُناس آباؤهم نصروا الدين




    وكانوا لربّهم ناصرينا

    تحكم المرهفات في الهامِ




    منهم بأكفّ المعاشر الثائرينا (٢)

    أين قتلى منّا بغيتم عليهم




    ثمّ قتّلتموهم ظالمينا

    ارجعوا هاشماً وردّوا أبا اليق‍




    ظان وابن البديل في آخرينا

    وارجعوا ذا الشهادتين وقتلى




    أنتمُ في قتالهم فاجرونا

    ثمّ ردّوا حجراً وأصحاب حجرٍ




    يوم أنتم في قتلهم معتدونا

    ثمّ ردّوا أبا عمير وردّوا لي




    رُشيداً وميثماً والذينا

    قُتلوا بالطفّ يوم حسينٍ




    من بني هاشمٍ وردّوا حسينا

    أين عمرو وأين بشرٌ وقتلى




    معهم بالعراء ما يدفنونا

    __________________

    (١) الكماة : الشجعان. والمستلئم : لابس اللامة ، وهي الدرع في الحرب.

    (٢) المرهفات : السيوف. والهام : الرؤوس.
    ٣٤٢

    ارجعوا عامراً وردّوا زهير




    ثمّ عثمان فارجعوا عازمينا

    وارجعوا الحرّ وابن قينٍ وقوماً




    قتلوا حين جاوزوا صفّينا

    وارجعوا هانئاً وردّوا إلينا




    مسلماً والرواع في آخرينا

    ثمّ ردّوا زيداً إلينا وردّوا




    كلّ مَنْ قد قتلتمُ أجمعينا

    لن تردّوهم إلينا ولسنا




    منكمُ غير ذلكم قابلينا

    ٣٤٣

    ثورة العباسيِّين وسقوط دولة بني اُميّة مشاهد من انهيار دولة بني اُميّة على يد العباسيِّين

    هزيمة مروان الحمار ومقتله :

    سار عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس للقاء مروان بن محمد بن مروان ، (وهو آخر خلفاء الاُمويِّين) ، فالتقيا بالزاب (١) من أرض الموصل فهزم مروان ، واستولى عبد الله بن علي على عسكره ، وقتل من أصحابه خلقاً عظيماً ، فأتى مروان حرّان (٢) ، وكانت داره ومقامه ، ثمّ هرب منها ونزلها عبد الله بن علي ، فهدم قصر مروان بها ، وكان قد أنفق على بنائه عشرة آلاف ألف درهم ، واحتوى على خزائن مروان وأمواله. وعبر مروان الفرات حتّى أتى الشام وعبد الله يتبعه ، فسار مروان بأهله وعترته من بني اُميّة وخواصه ، حتّى نزل بنهر أبي فطرس (٣) من بلاد فلسطين ، ثمّ عبر إلى مصر. وسار عبد الله بن علي حتّى نزل دمشق ونواحيها ، وقتل من بني اُميّة قريباً من ثمانين رجلاً ، قتلهم مُثلة (٤).

    __________________

    (١) هو الزاب الأعلى بين الموصل وأربل.

    (٢) مدينة قديمة قصبة ديار مضر ، بينها وبين الرها يوم (مراصد الاطلاع).

    (٣) فطرس : ضبطه صاحب مراصد الاطلاع بضم الفاء وسكون الطاء وضم الراء وسين مهملة ، وقال : موضع قرب الرملة من أرض فلسطين.

    (٤) يُقال : مثل فلان بالقتيل مثلة ومثلاً ، أي جدعه وظهرت آثار فعله عليه.
    ٣٤٤

    وعبر مروان الفرات حتّى أتى الشام وعبد الله يتبعه ، فسار مروان بأهله وعترته من بني اُميّة وخواصه حتّى نزل بنهر أبي فطرس من بلاد فلسطين.

    وقتل عبد الله بن علي بدمشق خلقاً كثيراً من أصحاب مروان وموالي بني اُميّة وأتباعهم ، ونزل عبد الله على نهر أبي فطرس ، فقتل من بني اُميّة هناك بضعاً وثمانين رجلاً ، قتلهم مُثلة ، وذلك في ذي القعدة من سنة ثنتين وثلاثين ومئة (١).

    واحتذى أخوه داود بن علي بالحجاز فعله ، فقتل منهم قريباً من هذه العدّة بأنواع المثل.

    وصل مروان إلى مصر ، فاتبعه عبد الله بجنوده ، فقتله (ببوصير (٢) الأشمونين) من صعيد مصر ، وقتل خواصّه وبطانته ، وشاهد مَنْ بقي منهم أنواع الشدائد وضروب المكاره ، ووقع عبيد الله بن مروان في عدّة ممّن نجا معه في أرض البجة (٣) ، وقطعوا البحر إلى ساحل جدّة ، وتنقّل فيمن نجا معه من أهله ومواليه في البلاد مستترين راضين أن يعيشوا سَوَقة بعد أن كانوا ملوكاً ، فظُفِر بعبيد الله أيام السفاح ، فحبس فلم يزل في السجن بقية أيام السفاح وأيام المنصور وأيام المهدي وأيام الهادي وبعض أيام الرشيد. وأخرجه الرشيد وهو شيخ ضرير ، فسأله عن خبره ، فقال : يا أمير المؤمنين ، حبست غلاماً بصيراً ، واُخرجت شيخاً ضريراً! فقيل : إنّه هلك في أيام الرشيد ، وقيل : عاش إلى أن أدرك خلافة الأمين.

    ممّا قيل من الشعر في التحريض على قتل بني اُميّة :

    وروى أبو الفرج أيضاً ، عن محمد بن خلف وكيع ، قال : دخل سديف مولى آل أبي لهب على أبي العباس بالحيرة ، وأبو العباس جالس على سريره ، وبنو هاشم دونه على

    __________________

    (١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٧ / ١٢٠.

    (٢) اسم لأربع قرى بمصر (مراصد الاطلاع).

    (٣) البجة : مدينة بين فارس وإصبهان (مراصد الاطلاع) ، التنبيه والإشراف ـ للمسعودي / ٢٨٥.
    ٣٤٥

    الكراسي ، وبنو أمية حوله على وسائد قد ثنيت لهم ، وكانوا في أيام دولتهم يجلسونهم والخليفة منهم على الأسرّة ، ويجلس بنو هاشم على الكراسي ، فدخل الحاجب ، فقال : يا أمير المؤمنين ، بالباب رجل حجازي أسود راكب على نجيب متلثّم ، يستأذن ولا يخبر باسمه ، ويحلف لا يحسر اللثام عن وجهه حتّى يرى أمير المؤمنين. فقال : هذا سديف مولانا ، أدخله. فدخل فلمّا نظر إلى أبي العباس وبنو أمية حوله حسر اللثام عن وجهه ، ثم أنشد :

    أصبحَ الملكُ ثابتَ الآساس




    بالبهاليل من بني العباسِ (١)

    بالصدورِ المقدّمين قديماً




    والبحورِ القماقمِ الرؤّاسِ

    يا إمامَ المطهّرين من الذمِّ




    ويا رأسَ منتهى كلّ راسِ

    أنتَ مهدي هاشم وفتاها




    كم اُناسٍ رجوكَ بعدَ اُناسِ

    لا تقيلنَّ عبد شمس عثاراً




    واقطعن كلّ رقلةٍ وغراسِ

    أنزلوها بحيث أنزلها اللهُ




    بدارِ الهوانِ والإنعاسِ

    خوفُها أظهرَ التودّدَ منها




    وبها منكمُ كحزِّ المواسي

    أقصهم أيّها الخليفة واحسم عنك




    بالسيفِ شأفةَ الأرجاسِ

    واذكرن مصرعَ الحسينِ وزيدٍ




    وقتيلاً بجانبِ المهراسِ

    والقتيل الذي بحرّان أمسى




    ثاوياً بين غربةٍ وتناسِ (٢)

    فلقد ساءني وساءَ سوائي




    قربُهم من نمارقٍ وكراسي (٣)

    نعمَ كلبُ الهراشِ مولاك شبلٌ




    لو نجا من حبائلِ الإفلاسِ

    __________________

    (١) قال في الكامل : الآساس : جمع أس ، وتقديرها (فعل) (بضم العين وسكون اللام) ، و(إفعال) ، وقد يُقال : للواحد أساس ، وجمعه اُسس. والبهلول : الضحّاك. وقال المرصفي : الأجود تفسيره بالعزيز الجامع لكلّ خير.

    (٢) القتيل الذي بحرّان : هو إبراهيم بن محمد بن علي ، وهو الذي يُقال له الإمام.

    (٣) سوائي : أي سواي. والنمارق : واحدتها نمرقة ، وهي الوسائد.
    ٣٤٦

    قال : فتغيّر لون أبي العباس ، وأخذه زمع (١) ورعدة ، فالتفت بعض ولد سليمان بن عبد الملك إلى آخر فيهم كان إلى جانبه ، فقال : قتلنا والله العبد!

    فأقبل أبو العباس عليهم ، فقال : يا بني الزواني ، لا أرى قتلاكم من أهلي قد سلفوا وأنتم أحياء تتلذذون في الدنيا ، خذوهم. فأخذتهم الخراسانية (بالكافر كوبات) فأهمدوا إلاّ ما كان من عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، فإنّه استجار بداود بن علي وقال : إنّ أبي لم يكن كآبائهم ، وقد علمت صنيعته إليكم. فأجاره واستوهبه من السفاح ، وقال له : قد علمت صنيع أبيه إلينا. فوهبه له وقال : لا يريني وجهه ، وليكن بحيث نأمنه. وكتب إلى عمّاله في الآفاق بقتل بني اُميّة (٢).

    فأمّا أبو العباس المبرّد ، فإنّه روى في الكامل (٣) هذا الشعر على غير هذا الوجه ، ولم ينسبه إلى سديف ، بل إلى شبل مولى بني هاشم.

    قال أبو العباس : دخل شبل بن عبد الله مولى بني هاشم على عبد الله بن علي ، وقد أجلس ثمانين من بني اُميّة على سمط الطعام ، فأنشده :

    أصبحَ الملكُ ثابتَ الآساس




    بالبهاليلِ من بني العباسِ

    طلبوا وترَ هاشم وشفوها




    بعد ميلٍ من الزمانِ وياسِ

    لا تقيلنّ عبدَ شمسٍ عثاراً




    واقطعن كلّ رقلةٍ وأواسي

    ذلُّها أظهرَ التودّدَ منها




    وبها منكمُ كحزِّ المواسي (٤)

    ولقد غاظني وغاظَ سوائي




    قربُها من نمارقٍ وكراسي

    أنزلوها بحيث أنزلها اللهُ




    بدارِ الهوانِ والإتعاسِ

    __________________

    (١) الزمع : شدّة الرعدة.

    (٢) الأغاني ٤ / ٢٤٤ ـ ٢٤٦.

    (٣) الكامل ٨ / ١٣٤ ـ ١٣٥ بشرح المرصفي.

    (٤) مروج الذهب ٣ / ٢٦١ وما بعدها.
    ٣٤٧

    واذكروا مصرعَ الحسينِ وزيدٍ




    وقتيلاً بجانبِ المهراسِ

    والقتيل الذي بحرّان أضحى




    ثاوياً بين غربةٍ وتناسي

    نعمَ شبلُ الهراش مولاك شبلٌ




    لو نجا من حبائلِ الإفلاسِ (١)

    فأمر بهم عبد الله فشدخوا بالعمد ، وبسطت البسط عليهم وجلس عليها ، ودعا بالطعام وأنّه ليسمع أنين بعضهم حتّى ماتوا جميعاً ، وقال لشبل : لولا أنّك خلطت شعرك بالمسألة لأغنمتك أموالهم ، ولعقدت لك على جميع موالى بني هاشم.

    قال أبو العباس : فأمّا سديف ، فإنّه لم يقم هذا المقام ، وإنّما قام مقاماً آخر ، دخل على أبي العباس السفاح ، وعنده سليمان بن هشام بن عبد الملك ، وقد أعطاه يده فقبلها وأدناه ، فأقبل على السفاح ، وقال له :

    لا يغرنّك ما ترى من رجالٍ




    إنّ تحتَ الضلوعِ داءً دويّا

    فضع السيفَ وارفعِ السوطَ حتى




    لا ترى فوقَ ظهرها اُمويّا

    فقال سليمان : ما لي ولك أيّها الشيخ؟! قتلتني قتلك الله!

    فقام أبو العباس فدخل ، وإذا المنديل قد ألقى في عنق سليمان ثمّ جرّ فقُتل.

    فأمّا سليمان بن يزيد بن عبد الملك بن مروان فقُتل بالبلقاء ، وحُمل رأسه إلى عبد الله بن علي.

    أخبار متفرّقة في انتقال الملك من بني اُميّة إلى بني العباس :

    وذكر صاحب مروج الذهب أنّه أرسل عبد الله أخاه صالح بن علي ومعه عامر بن إسماعيل ، أحد الشيعة الخراسانية إلى مصر ، فلحقوا مروان ببوصير ، فقتلوه وقتلوا كلّ مَنْ

    __________________

    (١) قال أبو العباس : الرقلة : النخلة الطويلة. والأواسي : جمع آسية ، وهي أصل البناء كالأساس. وقتيل المهراس : حمزة عليه‌السلام ، والمهراس : ماء باُحد. وقتيل حرّان : إبراهيم الإمام.
    ٣٤٨

    كان معه من أهله وبطانته ، وهجموا على الكنيسة التي فيها بناته ونساؤه ، فوجدوا خادماً بيده سيف مشهور يسابقهم على الدخول ، فأخذوه وسألوه عن أمره ، فقال : إنّ أمير المؤمنين أمرني إن هو قُتل أن أقتل بناته ونساءه كلّهنّ قبل أن تصلوا إليهن. فأرادوا قتله ، فقال : لا تقتلوني ، فإنّكم إن قتلتموني فقدتم ميراث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

    فقالوا : وما هو؟ فأخرجهم من القرية إلى كثبان من الرمل ، فقال : اكشفوا ها هنا. فإذا البردة والقضيب وقعب (١) (ومخصر) (٢) مخضب قد دفنها مروان ؛ ضنّاً بها أن تصير إلى بني هاشم. فوجّه به عامر بن إسماعيل إلى صالح بن علي ، فوجّه به صالح إلى أخيه عبد الله ، فوجّه به عبد الله إلى أبي العباس ، وتداوله خلفاء بني العباس من بعد.

    واُدخل بنات مروان وحرمه ونساؤه على صالح بن علي ، فتكلّمت ابنة مروان الكبرى فقالت : يا عمّ أمير المؤمنين ، حفظ الله لك من أمرك ما تحبّ حفظه ، وأسعدك في أحوالك كلّها ، وعمّك بخواص نعمه ، وشملك بالعافية في الدنيا والآخرة ، نحن بناتك وبنات أخيك وابن عمّك ، فليسعنا من عدلكم ما وسعنا من جوركم. قال : إذاً لا نستبقي منكم أحداً ؛ لأنّكم قد قتلتم إبراهيم الإمام ، وزيد بن علي ، ويحيى بن زيد ، ومسلم بن عقيل ، وقتلتم خير أهل الأرض حسيناً وإخوته وبنيه وأهل بيته ، وسقتم نساءه سبايا ـ كما يُساق ذراري الروم ـ على الأقتاب إلى الشام.

    فقالت : يا عمّ أمير المؤمنين ، فليسعنا عفوكم إذاً.

    قال : أمّا هذا فنعم ، وإن أحببت زوّجتك من ابني الفضل بن صالح.

    قالت : يا عمّ أمير المؤمنين ، وأي ساعة عرس ترى؟! بل تلحقنا بحرّان. فحملهنّ إلى حرّان (٣) ، فعلت أصواتهن عند دخولهن بالبكاء على مروان ، وشققن جيوبهن ، وأعولن

    __________________

    (١) القعب : القدح الغليظ. (كتاب العين)

    (٢) المخصرَةُ : عصاً أو نحوها بيد صاحبها. (كتاب العين)

    (٣) مروج الذهب ٣ / ٢٦١ ـ ٢٦٣.
    ٣٤٩

    بالصياح والنحيب حتّى ارتج العسكر بالبكاء منهنّ على مروان.

    كان عبد الرحمن بن حبيب بن مسلمة الفهري عامل إفريقية لمروان ، فلمّا حدثت الحادثة هرب عبد الله والعاص ابنا الوليد بن يزيد بن عبد الملك إليه ، فاعتصما به ، فخاف على نفسه منهما ، ورأى ميل الناس إليهما فقتلهما.

    وكان عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك يريد أن يقصده ويلتجئ إليه ، فلمّا علم ما جرى لابني الوليد بن يزيد خاف منه ، فقطع المجاز بين إفريقية والأندلس ، وركب البحر حتّى حصل بالأندلس ، فالأمراء الذين ولوها كانوا من ولده. ثمّ زال أمرهم ودولتهم على أيدي بني هاشم أيضاً ، وهم بنو حمود الحسنيّون ، من ولد إدريس بن الحسن عليه‌السلام.

    ولمّا أتى أبو العباس برأس مروان ، سجد فأطال ، ثمّ رفع رأسه ، وقال : الحمد لله الذي لم يبقِ ثأرنا قبلك وقبل رهطك ، الحمد لله الذي أظفرنا بك ، وأظهرنا عليك. ما أبالي متى طرقني الموت ، وقد قتلت بالحسين عليه‌السلام ألفاً من بني اُميّة ، وأحرقت شلو هشام بابن عمّي زيد بن علي كما أحرقوا شلوه ، وتمثل (١) :

    لو يشربونَ دمي لم يرو شاربهمْ ولا دماؤهم جمعاً ترويني.

    ثمّ حوّل وجهه إلى القبلة فسجد ثانية ، ثمّ جلس فتمثل :

    أبى قومُنا أن ينصفونا فأنصفت




    قواطعُ في أيماننا تقطرُ الدما

    إذا خالطت هامَ الرجالِ تركتها




    كبيضِ نعامٍ في الثرى قد تحطّما

    ثمّ قال : أمّا مروان ، فقتلناه بأخي إبراهيم ، وقتلنا سائر بني اُميّة بحسين ، ومَنْ قُتل معه وبعده من بني عمّنا أبي طالب (٢).

    وروى المسعودي في كتاب مروج الذهب عن الهيثم بن عدي قال : حدّثني عمرو بن هانئ الطائي قال : خرجت مع عبد الله بن علي لنبش قبور بني اُميّة في أيّام أبي العباس

    __________________

    (١) مروج الذهب ٣ / ٢٧١ ـ ٢٧٢.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 10:58 am



    السفاح ، فانتهينا إلى قبر هشام بن عبد الملك فاستخرجناه صحيحاً ، ما فقدنا منه إلاّ عرنين أنفه ، فضربه عبد الله بن علي ثمانين سوطاً ثمّ أحرقه ، واستخرجنا سليمان بن عبد الملك من أرض دابق فلم نجد منه شيئاً إلاّ صلبه ورأسه وأضلاعه فأحرقناه ، وفعلنا مثل ذلك بغيرهما من بني اُميّة ، وكانت قبورهم بقنسرين. ثمّ انتهينا إلى دمشق ، فاستخرجنا الوليد بن عبد الملك ، فما وجدنا في قبره قليلاً ولا كثيراً ، واحتفرنا عن عبد الملك فما وجدنا إلاّ شئون (١) رأسه ، ثمّ احتفرنا عن يزيد بن معاوية فلم نجد منه إلاّ عظماً واحداً ، ووجدنا من موضع نحره إلى قدمه خطّاً واحداً أسود كأنّما خطّ بالرماد في طول لحده ، وتتبعنا قبورهم في جميع البلدان ، فأحرقنا ما وجدنا فيها منهم.

    قال ابن أبي الحديد : قرأت هذا الخبر على النقيب أبي جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي بن عبد الله في سنة خمس وستمئة ، وقلت له : أمّا إحراق هشام بإحراق زيد فمفهوم ، فما معنى جلده ثمانين سوطاً؟ فقال رحمه الله تعالى : أظنّ عبد الله بن علي ذهب في ذلك إلى حدّ القذف ؛ لأنّه يُقال : إنّه قال لزيد : يابن الزانية لمّا سبّ أخاه محمداً الباقر عليه‌السلام ، فسبّه زيد وقال له : سمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الباقر وتسميه أنت البقرة! لشدّ ما اختلفتما! ولتخالفنّه في الآخرة كما خالفته في الدنيا ، فيرد الجنة وترد النار. وهذا استنباط لطيف.

    قال مروان لكاتبه عبد الحميد بن يحيي حين أيقن بزوال ملكه : قد احتجت إلى أن تصير مع عدوّي وتظهر الغدر بي ؛ فإنّ إعجابهم ببلاغتك ، وحاجتهم إلى كتابتك تدعوهم إلى اصطناعك وتقريبك ، فإن استطعت أن تسعى لتنفعني في حياتي ، وإلاّ فلن تعجز عن حفظ حرمي بعد وفاتي.

    لمّا أشرف عبد الله بن على يوم الزاب في المسودة ، وفي أوائلهم البنود السود تحملها الرجال على الجمال البخت ، وقد جعل لها بدلاً من القنا خشب الصفصاف (٢) والغرب ،

    __________________

    (١) الشئون : موصل قبائل الرأس ، واحد شأن.

    (٢) الصفصاف : نوع من الشجر.
    ٣٥١

    قال مروان لمَنْ قرب منه : أما ترون رماحهم كأنّها النخل غلظاً؟! أما ترون أعلامهم فوق هذه الإبل كأنّها قطع الغمام السود؟! فبينما هو ينظرها ويعجب ، إذ طارت قطعة عظيمة من الغربان السود ، فنزلت على أوّل عسكر عبد الله بن علي ، واتصل سوادها بسواد تلك الرايات والبنود ومروان ينظر ، فازداد تعجّبه وقال : أما ترون إلى السواد قد اتصل بالسواد ، حتّى صار الكل كالسحب السود المتكاثفة! ثمّ أقبل على رجل إلى جنبه فقال : ألا تعرّفني مَنْ صاحب جيشهم؟ فقال : عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. قال : ويحك! أمن ولد العباس هو؟ قال : نعم. قال : والله لوددت أن علي بن أبي طالب عليه‌السلام مكانه في هذا الصف.

    قال : يا أمير المؤمنين ، أتقول هذا لعلي مع شجاعته التي ملأ الدنيا ذكرها؟!

    قال : ويحك! إنّ علياً مع شجاعته صاحب دين ، وإنّ الدين غير الملك ، وإنّا نروي عن قديمنا أنّه لا شيء لعلي ولا لولده في هذا. ثمّ قال : مَنْ هو من ولد العباس؟ قال : لمّا كان ساير عبد الله بن علي في آخر أيام بني اُميّة عبد الله بن حسن بن حسن ، ومعهما داود بن علي ، فقال داود لعبد الله بن الحسن : لِمَ لا تأمر ابنيك بالظهور؟ فقال عبد الله بن حسن : لم يأن لهما بعد. فالتفت إليه عبد الله بن علي ، فقال : أظنّك ترى أنّ ابنيك قاتلا مروان؟! فقال عبد الله بن حسن : إنّه ذلك.

    قال : هيهات! ثمّ تمثل :

    سيكفيكَ الجعالة مستميتٌ




    خفيفُ الحاذِ من فتيانِ جرمِ

    أنا والله أقتل مروان وأسلبه ملكه ، لا أنت ولا ولداك.

    وروى أبو الفرج أيضاً : أنّ أبا العباس دعا بالغداء حين قتلوا ، وأمر ببساط فبسط عليهم ، وجلس فوقه يأكل وهم يضطربون تحته ، فلمّا فرغ قال : ما أعلم أنّي أكلت أكلة
    ٣٥٢

    قطّ كانت أطيب ، ولا أهنأ في نفسي من هذه. فلمّا فرغ من الأكل قال : جرّوا بأرجلهم وألقوهم في الطريق ليلعنهم الناس أمواتاً ، كما لعنوهم أحياء.

    قال : فلقد رأينا الكلاب تجرّهم بأرجلهم ، وعليهم سراويلات الوشى حتّى أنتنوا ، ثمّ حفرت لهم بئر فألقوا فيها.

    وروى أبو الفرج في الكتاب المذكور أنّ سديفاً أنشد أبا العباس وعنده رجال من بني اُميّة ، فقال :

    يابنَ عمِّ النبي أنتَ ضياءٌ




    استبنّا بكَ اليقينَ الجليّا

    جرّدِ السيفَ وارفعِ العفو حتى




    لا ترى فوقَ ظهرها اُمويّا

    قطن البغض في القديمِ وأضحى




    ثابتاً في قلوبهم مطويّا

    وهي طويلة ، فقال أبو العباس : يا سديف ، خُلق الإنسان من عجل! ثمّ أنشد أبو العباس متمثّلاً :

    أحيا الضغائنَ آباءٌ لنا سلفوا




    فلن تبيدَ وللآباءِ أبناءُ

    ثمّ أمر بمَنْ عنده فقتلوا.

    وروى أبو الفرج أيضاً ، عن على بن محمد بن سليمان النوفلي ، عن أبيه ، عن عمومته ، أنّهم حضروا سليمان بن علي بالبصرة ، وقد حضر جماعة من بني اُميّة عنده ، عليهم الثياب الموشاة (١) المرتفعة ـ قال أحد الرواة المذكورين : فكأنّي أنظر إلى أحدهم وقد أسودّ شيب في عارضيه من الغالية ـ فأمر بهم فقتلوا وجرّوا بأرجلهم ، فألقوا على الطريق ، وأنّ عليهم لسراويلات الوشى ، والكلاب تجرّهم بأرجلهم.

    وروى أبو الفرج الأصفهاني ، قال : أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، عن عمر بن شبة ، قال : قال سديف لأبي العباس يحضّه على بني اُميّة ، ويذكر مَنْ قتل مروان وبنو أميّة من أهله :

    __________________

    (١) الموشاة : الوشي هو نقش الثوب ، ويكون كلّ من لون.
    ٣٥٣

    كيف بالعفو عنهم وقديماً




    قتلوكم وهتّكوا الحرماتِ

    أين زيدٌ وأين يحيى بن زيدٍ




    يا لها من مصيبةٍ وتراتِ

    والإمام الذي أُصيب بحرّان




    إمامُ الهدى ورأسُ الثقاتِ

    قتلوا آلَ أحمد لا عفى الذنب




    لمروان غافرُ السيئاتِ

    قال أبو الفرج : وأخبرني علي بن سليمان الأخفش ، قال : أنشدني محمد بن يزيد المبرّد لرجل من شيعة بني العباس يحضّهم على بني اُميّة :

    إياكم أن تلينوا لاعتذارهمُ




    فليسَ ذلك إلاّ الخوفُ والطمعُ

    لو أنّهم أمنوا أبدوا عداوتهمْ




    لكنّهم قمعوا (١) بالذلِّ فانقمعوا

    أليسَ في ألفِ شهرٍ قد مضت




    لهم سُقيتمُ جرعاً من بعدها جرعُ

    حتّى إذا ما انقضت أيامُ مدّتهمْ




    متّوا إليكم بالارحامِ التي قطعوا

    هيهات لا بدّ أن يسقوا بكأسهمُ ريّاً




    وأن يحصدوا الزرع الذي زرعوا

    إنّا وإخواننا الأنصار شيعتُكمْ




    إذا تفرّقت الأهواءُ والشيعُ (٢)

    قال أبو الفرج : وروى ابن المعتز في قصّة سديف مثل ما ذكرناه من قبل ، إلاّ أنّه قال فيها : فلمّا أنشده ذلك التفت إليه أبو الغمر سليمان بن هشام ، فقال : يا ماص بظر اُمّه! أتجبهنا بمثل هذا ونحن سروات الناس؟!

    فغضب أبو العباس ، وكان سليمان بن هشام صديقه قديماً وحديثاً ، يقضي حوائجه في أيامهم ويبرّه ، فلم يلتفت إلى ذلك ، وصاح بالخراسانية : خذوهم (٣). فقتلوهم جميعاً إلاّ سليمان بن هشام فأقبل عليه أبو العباس ، فقال : يا أبا الغمر ، ما أرى لك في الحياة بعد هؤلاء خيراً.

    __________________

    (١) قمعت فلاناً فانقمع : أي ذللته فذلّ.

    (٢) بعده في الأغاني ٤ / ٣٥١ : إيّاكمُ أن يقول الناسُ إنّهمُ قد مُلّكوا ثمّ ما ضروا ولا نفعوا.

    (٣) من الأغاني ٤ / ٣٥١ ، وانظر طبقات الشعراء لابن المعتز / ٣٩ ـ ٤٠.
    ٣٥٤

    قال : لا والله. قال : فاقتلوه. (وكان إلى جنبه) فقُتل ، وصُلبوا في بستانه حتّى تأذّى جلساؤه بريحهم ، فكلّموه في ذلك فقال : والله ، إنّ ريحهم عندي لألذّ وأطيب من ريح المسك والعنبر ؛ (غيظاً عليهم وحنقاً).

    لمّا ضرب عبد الله بن علي أعناق بني اُميّة ، قال له قائل من أصحابه : هذا والله جهد البلاء. فقال عبد الله : كلاّ ، ما هذا وشرطة حجّام إلاّ سواء ، إنّما جهد البلاء فقر مدقع ، بعد غنى موسع.

    خطب سليمان بن علي لمّا قتل بني اُميّة بالبصرة. فقال : (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء / ١٠٥) قضاء فصل ، وقول مبرم ، فالحمد لله الذي صدق عبده ، وأنجز وعده ، وبعداً للقوم الظالمين الذين اتّخذوا الكعبة غرضاً ، والدين هزواً ، والفيء إرثاً ، والقرآن عضين ، لقد حاق بهم ما كانوا به يستهزئون ، ذلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ.

    أمهلهم حتّى اضطهدوا العترة ، ونبذوا السنّة.

    ثمّ أخذهم ، فـ (هلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً). ضرب الوليد بن عبد الملك علي بن عبد الله بن العباس بالسياط ، وشهره بين الناس يدار به على بعير ، ووجهه ممّا يلي ذنب البعير ، وصائح يصيح أمامه : هذا علي بن عبد الله الكذّاب. فقال له قائل (وهو على تلك الحال) : ما الذي نسبوك إليه من الكذب يا أبا محمد؟ قال : بلغهم قولي : أنّ هذا الأمر سيكون في ولدي ، والله ليكونن فيهم حتّى يملكه عبيدهم الصغار العيون ، العراض الوجوه ، الذين كأنّ وجوههم المجان المطرقة (١).

    وروي أنّ علي بن عبد الله دخل على هشام ومعه ابنا ابنه الخليفتان : أبو العباس

    __________________

    (١) المجان المطرقة : ما يكون بين جلدين أحدهما فوق الآخر ، والذي جاء في الحديث : «كأنّ وجوههم المجان المطرقة» ، أيّ التراس التي ألبست العقبة شيئاً فوق الشيء ، أراد أنّهم عراض الوجوه غلاظها. لسان العرب ١٠ / ٢٢٠.
    ٣٥٥

    وأبو جعفر ، فكلّمه فيما أراد ثمّ ولّى ، فقال هشام : إنّ هذا الشيخ قد خرف وأهترّ ؛ يقول : إنّ هذا الأمر سينتقل إلى ولده! فسمع علي بن عبد الله كلامه ، فالتفت إليه وقال : إي والله ليكونن ذلك ، وليملكن هذان.

    وقد روى أبو العباس المبرّد في كتاب (الكامل) هذا الحديث ، فقال : دخل علي بن عبد الله بن العباس على سليمان بن عبد الملك فيما رواه محمد بن شجاع البلخي ، ومعه ابنا ابنه الخليفتان بعد : أبو العباس وأبو جعفر ، فأوسع له على سريره وبرّه ، وسأله عن حاجته ، فقال : ثلاثون ألف درهم عليّ دين ، فأمر بقضائها. قال : واستوص بابني هذين خيراً ، ففعل ، فشكره علي بن عبد الله ، وقال : وصلتك رحم ، فلمّا ولّى قال سليمان لأصحابه : إنّ هذا الشيخ قد اختلّ وأسن وخلط ، وصار يقول : إنّ هذا الأمر سينتقل إلى ولده! فسمع ذلك علي بن عبد الله ، فالتفت إليه وقال : إي والله ليكونن ذلك ، وليملكن هذان. قال أبو العباس المبرّد : وفي هذه الرواية غلط ؛ لأنّ الخليفة في ذلك الوقت لم يكن سليمان ، وإنّما ينبغي أن يكون دخل على هشام ؛ لأنّ محمد بن علي بن عبد الله بن العباس كان يحاول التزويج في بني الحارث بن كعب ، ولم يكن سليمان بن عبد الملك يأذن له ، فلمّا قام عمر بن عبد العزيز جاء فقال : إنّي أردت أن أتزوّج ابنة خالي من بني الحارث بن كعب ، فتأذن لي؟ فقال عمر بن عبد العزيز : تزوّج يرحمك الله مَنْ أحببت. فتزوّجها فأولدها أبا العباس السفاح وعمر بن عبد العزيز بعد سليمان.

    وأبو العباس ينبغي ألا يكون تهيّأ لمثله أن يدخل على خليفة حتّى يترعرع ، ولا يتمّ مثل هذا إلاّ في أيام هشام بن عبد الملك.

    قال أبو العباس المبرّد : وقد جاءت الرواية أنّ أمير المؤمنين علياً عليه‌السلام لمّا ولد لعبد الله بن العباس مولود فقده وقت صلاة الظهر.

    فقال : «ما بال ابن العباس لم يحضر؟».

    قالوا : ولد له ولد ذكر يا أمير المؤمنين.
    ٣٥٦

    قال : «فامضوا بنا إليه». فأتاه فقال له : «شكرت الواهب ، وبورك لك في الموهوب. ما سمّيته؟».

    فقال : يا أمير المؤمنين ، أو يجوز لي أن اُسمّيه حتّى تسمّيه؟

    فقال : «أخرجه إلي». فأخرجه ، فأخذه فحنّكه ودعا له ثمّ ردّه إليه ، وقال : «خذ إليك أبا الأملاك ، قد سمّيته علياً ، وكنّيته أبا الحسن».

    قال : فلمّا قدم معاوية خليفة قال لعبد الله بن العباس : لا أجمع لك بين الاسم والكنية ، قد كنيته أبا محمد ، فجرت عليه.

    قلت : سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن محمد بن أبي زيد (رحمه الله تعالى) ، فقلت له : من أي طريق عرف بنو اُميّة أنّ الأمر سينتقل عنهم ، وأنّه سيليه بنو هاشم ، وأوّل مَنْ يلي منهم يكون اسمه عبد الله؟ ولِمَ منعوهم عن مناكحة بني الحارث بن كعب ؛ لعلمهم أنّ أوّل مَنْ يلي الأمر من بني هاشم تكون اُمّه حارثية؟ وبأيّ طريق عرف بنو هاشم أنّ الأمر سيصير إليهم ، ويملكه عبيد أولادهم حتّى عرفوا صاحب الأمر بعينه كما قد جاء في الخبر؟

    فقال : أصل هذا كلّه محمد بن الحنفيّة ، ثمّ ابنه عبد الله المكنّى أبا هاشم. قلت له : أفكان محمد بن الحنفيّة مخصوصاً من أمير المؤمنين عليه‌السلام بعلم يستأثر به على أخويه حسن وحسين عليهما‌السلام؟ قال : لا ، ولكنّهما كتما وأذاع.

    ثمّ قال : قد صحت الرواية عندنا عن أسلافنا ، وعن غيرهم من أرباب الحديث أنّ علياً عليه‌السلام لمّا قبض أتى محمد ابنه أخويه حسناً وحسيناً عليهما‌السلام ، فقال لهما : أعطياني ميراثي من أبي. فقالا له : «قد علمت أنّ أباك لم يترك صفراء ولا بيضاء». فقال : قد علمت ذلك ، وليس ميراث المال أطلب ، إنّما أطلب ميراث العلم.

    قال أبو جعفر (رحمه الله تعالى) : فروى أبان بن عثمان عمّن يروي له ذلك ، عن جعفر بن محمد عليه‌السلام ، قال : فدفعا إليه صحيفة ، لو أطلعاه على أكثر منها لهلك ، فيها ذكر دولة بني العباس.
    ٣٥٧

    قال أبو جعفر : وقد روى أبو الحسن على بن محمد النوفلي ، قال : حدّثني عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس ، قال : لمّا أردنا الهرب من مروان بن محمد ، لمّا قبض على إبراهيم الإمام جعلنا نسخة الصحيفة ـ التي دفعها أبو هاشم بن محمد بن الحنفيّة إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، وهي التي كان آباؤنا يسمونها صحيفة الدولة ـ في صندوق من نحاس صغير ، ثمّ دفناه تحت زيتونات بالشراة (١) لم يكن بالشراة من الزيتون غيرهن ، فلمّا أفضى السلطان إلينا وملكنا الأمر ، أرسلنا إلى ذلك الموضع ، فبحث وحفر فلم يوجد فيه شيء ، فأمرنا بحفر جريب من الأرض في ذلك الموضع حتّى بلغ الحفر الماء ولم نجد شيئاً.

    قال أبو جعفر : وقد كان محمد بن الحنفيّة صرّح بالأمر لعبد الله بن العباس وعرفه تفصيله ، ولم يكن أمير المؤمنين عليه‌السلام قد فصل لعبد الله بن العباس الأمر ، وإنّما أخبره به مجملاً ، كقوله في هذا الخبر : «خذ إليك أبا الأملاك». ونحو ذلك ممّا كان يعرض له به ، ولكن الذي كشف القناع وأبرز المستور عليه هو محمد بن الحنفيّة. وكذلك أيضاً ما وصل إلى بني اُميّة من علم هذا الأمر ؛ فإنّه وصل من جهة محمد بن الحنفيّة ، وأطلعهم على السرّ الذي علمه ، ولكن لم يكشف لهم كشفه لبني العباس ؛ فإنّ كشفه الأمر لبني العباس كان أكمل.

    قال أبو جعفر : فأمّا أبو هاشم ؛ فإنّه قد كان أفضى بالأمر إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس وأطلعه عليه ، وأوضحه له ، فلمّا حضرته الوفاة عقيب انصرافه من عند الوليد بن عبد الملك مرّ بالشراة ، وهو مريض ومحمد بن علي بها ، فدفع إليه كتبه وجعله وصيه ، وأمر الشيعة بالاختلاف إليه.

    قال أبو جعفر : وحضر وفاة أبي هاشم ثلاثة نفر من بني هاشم ؛ محمد بن علي هذا ،

    __________________

    (١) الشراة : صقع بالشام بين المدينة ودمشق ، ومن بعض نواحيه القرية المعروفة بالحميمة. ياقوت / ١٥٠ مجملاً.
    ٣٥٨

    ومعاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وعبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، فلمّا مات خرج محمد بن معاوية بن عبد الله بن جعفر من عنده وكل واحد منهما يدّعي وصايته ؛ فأمّا عبد الله بن الحارث فلم يقل شيئاً.

    قال أبو جعفر (رحمه الله تعالى) : وصدق محمد بن علي ، أنّه إليه أوصى أبو هاشم ، وإليه دفع كتاب الدولة ، وكذب معاوية بن عبد الله بن جعفر ، لكنّه قرأ الكتاب ، فوجد لهم فيه ذكراً يسيراً ، فادعى الوصية بذلك ، فمات وخرج ابنه عبد الله بن معاوية يدّعي وصاية أبيه ، ويدّعي لأبيه وصاية أبي هاشم ، ويظهر الإنكار على بني اُميّة ، وكان له في ذلك شيعة يقولون بإمامته سرّاً حتّى قُتل.

    دخلت إحدى نساء بني اُميّة على سليمان بن علي وهو يقتل بني اُميّة بالبصرة ، فقالت : أيّها الأمير ، إنّ العدل ليملّ من الإكثار منه والإسراف فيه ، فكيف لا تملّ أنت من الجور وقطيعة الرحم؟!

    فأطرق ثمّ قال لها :

    سننتم علينا القتلَ لا تنكرونهُ




    فذوقوا كما ذقنا على سالفِ الدهرِ

    ثمّ قال :

    يا أمة الله ، وأوّل راض سنّة مَنْ يسيرها

    ألم تحاربوا علياً وتدفعوا حقّه؟

    ألم تسمّوا حسناً وتنقضوا شرطه؟

    ألم تقتلوا حسيناً وتسيّروا رأسه؟

    ألم تقتلوا زيداً وتصلبوا جسده؟

    ألم تقتلوا يحيى وتمثّلوا به؟

    ألم تلعنوا علياً على منابركم؟

    ألم تضربوا أبانا علي بن عبد الله بسياطكم؟
    ٣٥٩

    ألم تخنقوا الإمام بجراب النورة في حبسكم؟

    ثمّ قال : ألك حاجة؟ قالت : قبض عمّالك أموالي. فأمر بردّ أموالها عليها.

    كان مروان سديد الرأي ، ميمون النقيبة ، حازماً ، فلمّا ظهرت المسودة ولقيهم ، كان ما يدبر أمراً إلاّ كان فيه خلل ، ولقد وقف يوم الزاب وأمر بالأموال فأُخرجت ، وقال للناس : اصبروا وقاتلوا ، وهذه الأموال لكم ، فجعل ناس يصيبون من ذلك المال ويشتغلون به عن الحرب ، فقال لابنه عبد الله : سر في أصحابك فامنع مَنْ يتعرّض لأخذ المال ، فمال عبد الله برايته ومعه أصحابه ، فتنادى الناس : الهزيمة! الهزيمة! فانهزموا ، وركب أصحاب عبد الله بن علي أكتافهم.

    لمّا قتل مروان ببوصير ، قال الحسن بن قحطبة : أخرجوا إليّ إحدى بنات مروان. فأخرجوها إليه وهي ترعد ، قال : لا بأس عليك.

    قالت : وأي بأس أعظم من إخراجك إياي حاسرة ولم أرَ رجلاً قبلك قطّ!

    فأجلسها ، ووضع رأس مروان في حجرها ، فصرخت واضطربت.

    فقيل له : ما أردت بهذا؟ قال : فعلت بهم فعلهم بزيد بن علي ، لمّا قتلوه جعلوا رأسه في حجر زينب بنت علي بن الحسين عليه‌السلام.

    بويع أبو العباس السفاح بالخلافة يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلون من شهر ربيع الأوّل سنة اثنتين وثلاثين ومئة ، فصعد المنبر بالكوفة فخطب ، فقال : الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه ، وكرّمه وشرّفه وعظّمه ، واختاره لنا ، وأيّده بنا ، وجعلنا أهله وكهفه ، وحصنه والقوام به ، والذّابين عنه ، والناصرين له ، وخصّنا برحم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنبتنا من شجرته ، واشتقّنا من نبعته ، وأنزل بذلك كتاباً يُتلى ، فقال سبحانه : (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (الشورى / ٢٣).

    فلمّا قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قام بالأمر أصحابه (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى / ٣٨) فعدلوا ، وخرجوا خماصاً (١) ، ثمّ

    __________________

    (١) خماصاً : جياعاً.
    ٣٦٠

    وثب بنو حرب وبنو مروان فابتزّوها وتداولوها ، واستأثروا بها ، وظلموا أهلها ، فأملى الله لهم حيناً ، فلمّا آسفوه (١) انتقم منهم بأيدينا ، وردّ علينا حقّنا ، فأنا السفاح المبيح ، والثائر المبير (٢).

    وكان موعوكاً فاشتدت عليه الوعكة ، فجلس على المنبر ولم يستطع الكلام.

    فقام عمّه داود بن علي (وكان بين يديه) ، فقال : يا أهل العراق ، إنّا والله ما خرجنا لنحفر نهراً ، ولا لنكنز (لجيناً ولا عقياناً) ، وإنّما أخرجتنا الأنفة من ابتزاز الظالمين حقّنا. ولقد كانت اُموركم تتصل بنا فترمضنا ونحن على فرشنا ، لكم ذمّة الله وذمّة رسوله وذمّة العباس أن نحكم فيكم بما أنزل الله ، ونعمل فيكم بكتاب الله ، ونسير فيكم بسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. واعلموا أنّ هذا الأمر ليس بخارج عنّا حتّى نسلّمه إلى عيسى بن مريم.

    يا أهل الكوفة ، إنّه لم يخطب على منبركم هذا خليفة حقّ إلاّ علي بن أبي طالب وأمير المؤمنين هذا ، فاحمدوا الله الذي ردّ إليكم أموركم. ثمّ نزل.

    وقد روى حديث خطبة داود بن علي برواية أخرى ، وهي الأشهر ، قالوا : لمّا صعد أبو العباس منبر الكوفة ، حصر فلم يتكلّم ، فقام داود بن علي ، وكان تحت منبره حتّى قام بين يديه تحته بمرقاة ، فاستقبل الناس ، وقال : أيّها الناس ، إنّ أمير المؤمنين يكره أن يتقدّم قوله فعله ، ولأثر الفعال أجدى عليكم من تشقيق المقال ، وحسبكم كتاب الله تمثلاً فيكم ، وابن عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خليفة عليكم. أقسم بالله قسماً برّاً ، ما قام هذا المقام أحد بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحقّ به من علي بن أبي طالب وأمير المؤمنين هذا ، فليهمس هامسكم ، ولينطق ناطقكم. ثمّ نزل.

    ومن خطب داود التي خطب بها بعد قتل مروان :

    شكراً شكراً! أظنّ عدو الله أن لن يظفر به ، أرخى له في زمامه حتّى عثر في فضل

    __________________

    (١) آسفوه : أغضبوه.

    (٢) المبير : المهلك ، وقد وردت هذه الخطبة برواية أوسع من هذه في الطبري.
    ٣٦١

    خطامه ، فالآن عاد الحقّ إلى نصابه ، وطلعت الشمس من مطلعها ، وأخذ القوس باريها ، وصار الأمر إلى النزعة (١) ، ورجع الحقّ إلى مستقرّه ، أهل بيت نبيّكم ، أهل الرأفة والرحمة.

    وخطب عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس ، لمّا قُتل مروان ، فقال : الحمد لله الذي لا يفوته مَنْ طلب ، ولا يعجزه مَنْ هرب ، خدعت والله الأشقر نفسه ، إذ ظنّ أنّ الله ممهله ، ويأبى الله إلاّ أن يتم نوره ولو كره الكافرون. فحتى متى وإلى متى؟! أما والله لقد كرهتهم العيدان (٢) التي افترعوها (٣) ، وأمسكت السماء درها (٤) ، والأرض ريعها (٥) ، وقحل (٦) الضرع ، وحفز الفنيق (٧) ، وأسمل (٨) جلباب الدين ، وأُبطلت الحدود ، وأُهدرت الدماء ، وكان ربّك بالمرصاد ، فدمدم (٩) عليهم ربّهم بذنبهم فسوّاها ، ولا يخاف عقباها ، وملكنا الله أمركم. عباد الله ، لينظر كيف تعملون ، فالشكر الشكر ؛ فإنّه من دواعي المزيد ، أعاذنا الله وإياكم من مضلاّت الأهواء ، وبغتات الفتن ، فإنّما نحن به وله.

    لمّا أمعن داود بن علي قتل بني اُميّة بالحجاز قال له عبد الله بن الحسن : يابن عمّي ، إذا أفرطت في قتل أكفائك فمَنْ تباهي بسلطانك؟! وما يكفيك منهم أن يروك غادياً ورائحاً فيما يسرّك ويسوؤهم؟!

    كان داود بن علي مثل ببني اُميّة ، يسمل العيون ، ويبقر البطون ، ويجدع الأنوف ، ويصطلم الآذان.

    __________________

    (١) النزعة : جمع نازع ، وهو الرامي يشدّ إليه السهم ، يريد : رجع الحقّ إلى أهله.

    (٢) العيدان : يريد أعواد المنابر.

    (٣) وافترعوا : اعتلوها.

    (٤) درّها ، أي مطرها.

    (٥) الريع : النماء.

    (٦) قحل : يبس جلده على لحمه.

    (٧) الفنيق : الفحل المكرم لا يؤذي لكرامته ، والحفز : السرعة في المشي.

    (٨) أسمل : خلق وبلى.

    (٩) دمدم عليهم : طحنهم فأهلكهم.
    ٣٦٢

    وكان عبد الله بن علي بنهر أبي فطرس يصلبهم منكسين ، ويسقيهم النورة والصبر ، والرماد والخل ، ويقطع الأيدي والأرجل. وكان سليمان بن علي في البصرة يضرب الأعناق.

    خطب السفاح في الجمعة الثانية بالكوفة ، فقال :

    يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ، والله لا أعدكم شيئاً ولا أتوعدكم إلاّ وفيت بالوعد والوعيد ، ولأعملنّ اللين حتّى لا تنفع إلاّ الشدّة ، ولأغمدنّ السيف إلاّ في إقامة حدّ ، أو بلوغ حقّ ، ولأعطينكم حتّى أرى العطية ضياعاً. إنّ أهل بيت اللعنة والشجرة الملعونة في القرآن كانوا لكم أعداء ، لا يرجعون معكم من حالة إلاّ إلى ما هو أشدّ منها ، ولا يلي عليكم منهم والٍ إلاّ تمنيتم مَنْ كان قبله ، وإن كان لا خير في جميعهم ، منعوكم الصلاة في أوقاتها ، وطالبوكم بأدائها في غير وقتها ، وأخذوا المدبر بالمقبل والجار بالجار ، وسلّطوا شراركم على خياركم ، فقد محقّ الله جورهم ، وأزهق باطلهم بأهل بيت نبيّكم ، فما نؤخر لكم عطاء ، ولا نضيع لأحد منكم حقّاً ، ولا نجهزكم في بعث ، ولا نخاطر بكم في قتال ، ولا نبذلكم دون أنفسنا ، والله على ما نقول وكيل بالوفاء والاجتهاد ، وعليكم بالسمع والطاعة. ثمّ نزل.

    لمّا صعد السفّاح منبر الكوفة يوم بيعته وخطب الناس ، قام إليه السيد الحميري فأنشده :

    دونكموها يا بني هاشمٍ




    فجدّدوا من آيها الطامسا (١)

    دونكموها لا علا كعبُ




    مَن أمسى عليكم مُلكَها نافسا

    دونكموها فالبسوا تاجَها




    لا تعدموا منكم له لابسا

    خلافةُ الله وسلطانُه




    وعنصرٌ كان لكم دارسا

    قد ساسها من قبلكم ساسةٌ




    لم يتركوا رطباً ولا يابسا

    __________________

    (١) الأبيات في الأغاني ٧ / ٢٤٠ ، طبع الدار.
    ٣٦٣

    لو خُيّر المنبرُ فرسانَه




    ما اختار إلاّ منكم فارسا

    والملك لو شوور في سائسٍ




    لما ارتضى غيركم سائسا

    لم يُبقِ عبد الله بالشام من




    آل أبي العاص امرأً عاطسا

    فلست من أن تملكوها إلى




    هبوط عيسى منكم آيسا

    ما استوثق الأمر لأبي العباس السفّاح وفد إليه عشرة من أمراء الشام فحلفوا له بالله ، وبطلاق نسائهم ، وبأيمان البيعة بأنّهم لا يعلمون ـ إلى أن قُتل مروان ـ أنّ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أهلاً ولا قرابة إلاّ بني اُميّة.

    وروى أبو الحسن المدائني ، قال : حدّثني رجل قال : كنت بالشام ، فجعلت لا أسمع أحداً يسمّي أحداً أو يناديه : يا علي ، ويا حسن ، أو يا حسين ، وإنّما أسمع معاوية ، والوليد ، ويزيد ، حتّى مررت برجل فاستسقيته ماء ، فجعل ينادي : يا علي ، يا حسن ، يا حسين. فقلت : يا هذا ، إنّ أهل الشام لا يسمّون بهذه الأسماء! قال : صدقت ، إنّهم يسمّون أبناءهم بأسماء الخلفاء ، فإذا لعن أحدهم ولده أو شتمه فقد لعن اسم بعض الخلفاء ، وأنا سمّيت أولادي بأسماء أعداء الله ، فإذا شتمت أحدهم أو لعنته فإنّما ألعن أعداء الله.

    كانت أمّ إبراهيم بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس اُمويّة من ولد عثمان بن عفان ، قال إبراهيم : فدخلت على جدّي عيسى بن موسى مع أبي موسى ، فقال لي جدّي : أتحبّ بني اُميّة؟ فقال له موسى (أبي) : نعم ، إنّهم أخواله.

    فقال : والله لو رأيت جدّك علي بن عبد الله بن العباس يضرب بالسياط ما أحببتهم ، ولو رأيت إبراهيم بن محمد يُكره على إدخال رأسه في جراب النورة لما أحببتهم ، وسأحدّثك حديثاً إن شاء الله أن ينفعك به نفعك : لمّا وجّه سليمان بن عبد الملك ابنه أيوب بن سليمان إلى الطائف وجّه معه جماعة ، فكنت أنا ومحمد بن علي بن عبد الله جدّي معهم ، وأنا حينئذ حديث السنّ ، وكان مع أيوب مؤدّب له يؤدّبه ، فدخلنا عليه
    ٣٦٤

    يوماً أنا وجدّي ، وذلك المؤدّب يضربه ، فلمّا رآنا الغلام ، أقبل على مؤدّبه فضربه ، فنظر بعضنا إلى بعض ، وقلنا : ما له قاتله الله؟! حين رآنا كره أن نشمت به ، ثمّ التفت أيوب إلينا ، فقال : ألا أخبركم يا بني هاشم بأعقلكم وأعقلنا؟!

    أعقلنا مَنْ نشأ منّا يبغضكم ، وأعقلكم مَنْ نشأ منكم يبغضنا ،

    وعلامة ذلك أنّكم لم تسمّوا بمروان ، ولا الوليد ، ولا عبد الملك ،

    ولم نسمِّ نحن بعلي ولا بحسن ولا بحسين (١).

    خطب أبو مسلم بالمدينة في السنّة التي حجّ فيها في خلافة السفّاح ، فقال : الحمد لله الذي حمد نفسه ، واختار الإسلام ديناً لعباده ، ثمّ أوحى إلى محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك ما أوحى ، واختاره من خلقه ، نفسه من أنفسهم ، وبيته من بيوتهم ، ثمّ أنزل عليه في كتابه الناطق الذي حفظه بعلمه ، وأشهد ملائكته على حقّه ، قوله : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٢) ، ثمّ جعل الحقّ بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته ، فصبر مَنْ صبر منهم بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على اللأواء والشدّة ، وأغضى على الاستبداد والأثرة. ثمّ إنّ قوماً من أهل بيت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، جاهدوا على ملّة نبيّه وسنّته بعد عصر من الزمان مَنْ عمل بطاعة الشيطان وعداوة الرحمن ، بين ظهراني قوم آثروا العاجل على الآجل ، والفاني على الباقي ، إن رتق جور فتقوه ، أو فتق حقّ رتقوه ، أهل خمور وماخور (٣) ، وطنابير (٤) ومزامير ، إن ذكّروا لم يذكروا ، أو قدّموا إلى الحقّ أدبروا ، وجعلوا الصدقات في الشبهات ، والمغانم في المحارم ، والفيء في الغي. هكذا كان زمانهم ، وبه كان يعمل سلطانهم ، وزعموا أنّ غير آل محمد أولى بالأمر منهم ،

    __________________

    (١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٧ / ١٦٠.

    (٢) سورة الأحزاب / ٣٣.

    (٣) الماخور : بيت الريبة.

    (٤) والطنابير : جمع طنبور ، وهو آلة من آلات الطرب ، ذو عنق طويل ، وستة أوتار من نحاس.
    ٣٦٥

    فلِمَ وبِمَ أيّها الناس؟! ألكم الفضل بالصحابة دون ذوي القرابة؟ الشركاء في النسب ، والورثة في السلب (١) مع ضربهم على الدين جاهلكم ، وإطعامهم في الجدب جائعكم. والله ، ما اخترتم من حيث اختار الله لنفسه ساعة قط ، وما زلتم بعد نبيّه تختارون تيميّاً مرّة ، وعدويّاً مرّة ، واُمويّاً مرّة ، وأسديّاً مرّة ، وسفيانيّاً مرّة ، ومروانيّاً مرّة ، حتّى جاءكم مَنْ لا تعرفون اسمه ولا بيته ، يضربكم بسيفه ، فأعطيتموها عنوة وأنتم صاغرون. ألا إنّ آل محمد أئمّة الهدى ، ومنار سبيل التقى ، القادة الذادة السادة ، بنو عمّ رسول الله ، ومنزل جبريل بالتنزيل. كم قصم الله بهم من جبار طاغ ، وفاسق باغ. شيّد الله بهم الهدى ، وجلا بهم العمى ، لم يسمع بمثل العباس ، وكيف لا تخضع له الأمم لواجب حقّ الحرمة؟ أبو رسول الله بعد أبيه ، وإحدى يديه ، وجلدة بين عينيه. أمينه يوم العقبة ، وناصره بمكة ، ورسوله إلى أهلها ، وحاميه يوم حنين عند ملتقى الفئتين ، لا يخالف له رسماً ، ولا يعصي له حكماً ، إنّ في هذا أيّها الناس لعبرة لأولي الأبصار باستدراج الله إيّاهم آمنين مكره ، مطرحين صيانة الخلافة ، مستخفين بحقّ الرياسة ، ضعيفين عن رسوم السياسة ، فسلبهم الله العزّة ، وألبسهم الذلّة ، وأزال عنهم النعمة.

    وقد جاءنا في بعض الروايات أنّ السفّاح لمّا أراد أن يقتل القوم الذين انضمّوا إليه من بني اُميّة جلس يوماً على سرير بهاشمية الكوفة (٢) ، وجاء بنو اُميّة وغيرهم من بني هاشم والقوّاد والكتّاب ، فأجلسهم في دار تتصل بداره ، وبينه وبينهم ستر مسدول ، ثمّ أخرج إليهم أبا الجهم بن عطية وبيده كتاب ملصق ، فنادى بحيث يسمعون : أين رسول الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام؟ فلم يتكلّم أحد. فدخل ثمّ خرج ثانية فنادى : أين رسول زيد بن علي بن الحسين؟ فلم يجبه أحد. فدخل ثمّ خرج ثالثة فنادى : أين رسول يحيى بن زيد بن علي؟ فلم يردّ أحد عليه. فدخل ثمّ خرج رابعة فنادى : أين رسول

    __________________

    (١) السلب : ما يسلب.

    (٢) هاشمية الكوفة : مدينة بناها السفّاح.
    ٣٦٦

    إبراهيم بن محمد الإمام؟ والقوم ينظر بعضهم إلى بعض ، وقد أيقنوا بالشرّ ، ثمّ دخل وخرج ، فقال لهم : إنّ أمير المؤمنين يقول لكم : هؤلاء أهلي ولحمي ، فماذا صنعتم بهم؟ ردّوهم إليَّ ، أو فأقيدوني من أنفسكم. فلم ينطقوا بحرف ، وخرجت الخراسانية بالأعمدة فشدخوهم عن آخرهم (١).

    __________________

    (١) شرح نهج البلاغة ٧ / ١٦٤.
    ٣٦٧

    الفصل الثالث : إعادة انتشار أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم‌السلام والروايات الصحيحة في السيرة والتاريخ

    تحقق أهداف الحسين عليه‌السلام :

    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (الصف / ١٤).

    قال الحسين عليه‌السلام يوم عاشوراء :

    اللّهمّ إن كنتَ حَبَسْتَ عنّا النصر ، فاجعلْ ذلك لما هو خير في العاقبة ، وانتقم لنا من القوم الظالمين (١).

    شاء الله أن يحبس النصر عن الحسين عليه‌السلام ، فيُسْجَنَ أنصاره في الكوفة ، ويُقتل مسلم وهانئ ، ثمّ يُحاصر هو وأهل بيته وأنصاره ، ويُقتل مظلوماً مدافعاً عن نفسه وعياله ، ويُقتل معه أهل بيته وأنصاره الذين بايعوه على النصرة بين يديه ، وقد ضربوا أروع المثل في الوفاء ، ثمّ سيقت الرؤوس ونساء الحسين عليه‌السلام سبايا إلى الكوفة ثمّ إلى الشام.

    __________________

    (١) الطبقات ١ / ٤٧١.
    ٣٦٨

    وفي قبال ذلك استوسق الملك ليزيد ، وصفا له الجو سنتان إلاّ سبعاً وثلاثين يوماً بعد قتل الحسين (١).

    وظاهر ذلك أنّ الحسين عليه‌السلام قد فشل في تحقيق ما كان يستهدفه من هدف.

    فهل كان الأمر كذلك؟ أم أنّ الحسين عليه‌السلام كان قد نجح كلّ النجاح في حركته ، وتحقّق له هدفه في حركته تلك ، واستجيبَ دعاؤه بأن يكون الخير كلّ الخير في عاقبة الحركة التي بدأها وقتل من أجلها ، مضافاً إلى انتقام الله له من الظالمين؟

    ونرى من الضروري قبل الإجابة على السؤال أن نستذكر الأمر الذي استهدفه من حركته ، ودفع الحسين عليه‌السلام حياته ثمناً له ، وهو قضيتان :

    القضية الأولى :

    كسر الطوق المفروض على الحديث النبوي الصحيح في أهل بيته عليهم‌السلام ، وبيان عظيم منزلتهم عند الله ورسوله ، والحديث النبوي الصحيح في توهين بني اُميّة ، وكذلك الحديث الصحيح في السنن والأحكام التي خالفها الخلفاء بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ انتشار تلك الأحاديث من جديد ليأخذ أهل البيت عليهم‌السلام مقامهم في المجتمع بوصفهم أئمّة هدى منصوص عليهم ؛ ليتمكّنوا من نشر حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي كتبه علي عليه‌السلام بيده ، ثمّ ليلتفّ حولهم ويواليهم ، ويأخذ عنهم معالم الدين مَنْ شاء أن يفعل ذلك دون حرج أو خوف.

    القضية الثانية :

    إفهام المسلمين جميعاً أنّ طاعة بني اُميّة ليست من الدين في شيء بل على العكس من ذلك ؛ فإنّ الدين يدعو إلى البراءة منهم ، والوقوف بوجههم ، ومجاهدتهم والإطاحة بهم.

    ونحن حين ننظر إلى مجريات الحوادث في الواقع التاريخي خلال سبعين سنة بعد قتل الحسين عليه‌السلام ، نجد أنّ كلا القضيتين قد حقّق الحسين عليه‌السلام بداياتها الأساسية في الشهور

    __________________

    (١) قتل الحسين عليه‌السلام في ١٠محرّم سنة ٦١ هجرية ، وكانت وقعة الحرّة في الثالث من ذي الحجّة سنة ٦٣ هجرية.
    ٣٦٩

    الخمسة من تصدّيه المعلن ، الذي انتهى بشهادته المرتقبة من قِبَله ومن قِبَل الأمّة ، ثمّ جعل الله تعالى شهادة الحسين عليه‌السلام وظلامته أوسع الأبواب لتتحرّك تلك البدايات باتّجاه تحقيق تينك القضيتين بأتمّ درجة مرجوّة. وفيما يلي بيان مختصر عن ذلك ونفضّل البدء بالحديث عن القضية الثانية أوّلاً :

    تفهيم الأمّة أنّ الدّين يدعو إلى الإطاحة ببني اُميّة :

    يتّضح تحقّق هذا الهدف من معرفة حال حركة الأمّة ، ووضع الدولة الاُمويّة خلال السنوات السبعين التي تلت قتل الحسين عليه‌السلام.

    لقد كان حال الأجيال الجديدة آنذاك ـ وهم أكثرية الأمّة ـ قبل حركة الحسين عليه‌السلام هو التأثر بالضلال الأموي ، ومن ثمّ التعامل مع الحاكم الأموي على أنّه خليفة الله وحجّته ، وأنّ طاعته هي الدين ، ومن هؤلاء مَنْ هو رعية ، ومنهم مَنْ هو في الجيش والشرطة والإدارة.

    ونموذج هذا القسم الثاني شمر بن ذي الجوشن ، إذ كان يدعو الله بعد الصلاة ليغفر له ، فيقول له صاحبه : كيف يغفر لك وقد أعنت على قتل ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟! قال : ويحك! فكيف نصنع؟ إنّ أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم ، ولو خالفناهم كنّا شرّاً من هذه الحمر الشقاء (١) ، (يريد إنّ معصية خليفة الله توجب النار).

    وأمّا حال الأجيال السابقة فإنّ أكثرهم يفهم الانحراف على أنّه تعطيل الأحكام والاستئثار بالفيء ، غير أنّهم يخشون صولة النظام وبطشه ، وقلّة منهم ـ وهم شيعة علي الذين صبَّ النظام الأموي جام غضبه عليهم ـ يفهمون أنّ الذي يجري إنّما هو محق لرسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

    وبإزاء هذا الوضع ليس من راية للتغيير ، أو ثائر على النظام إلاّ الخوارج ، وهؤلاء لا يتعاطف معهم أحد ؛ لأنّهم يكفِّرون كلّ الناس من جهة ، ويبادئون الأبرياء بالقتال من جهة

    __________________

    (١) لسان الميزان (ترجمة شمر بن ذي الجوشن).
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 11:00 am



    أخرى. هذا مضافاً إلى أنّ النظام الأموي كان قد تبنّى نشر أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله التي تدين الخوارج الذين خرجوا على علي عليه‌السلام خاصة في النهروان ، وترفع من شأن مَنْ يقاتلهم مع حذف ما يرتبط بعلي عليه‌السلام بصفته المحور في تلك الأحاديث ، وجعلها أحاديث عامّة موجّهة إلى كلّ مَنْ يخرج على الخليفة (١).

    __________________

    (١) من قبيل ما رواه البخاري في المختصر ٦ / ٣٥٤١ قال : حدّثنا موسى بن إسماعيل ، حدّثنا عبد الواحد ، حدّثنا الشيباني ، حدّثنا يسير بن عمر ، وقال : قلت لسهل بن حنيف : هل سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في الخوارج شيئاً؟ قال : سمعته يقول ـ وأهوى بيده قبل العراق ـ : «يخرج منه قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية». وما رواه الطبراني في المعجم الكبير ٨ / ٢٦٨ قال : حدّثنا بشر بن موسى ، ثنا الحميدي ، ثنا سفيان ، ثنا أبو غالب قال : رأيت أبا اُمامة الباهلي أبصر رؤوس الخوارج على درج دمشق ، فقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : كلاب أهل النار! كلاب أهل النار! كلاب أهل النار! ثمّ بكى وقال : شرّ قتلى تحت أديم السماء ، وخير قتلى مَنْ قتلوه. والرواية الأولى محرّفة بالنقيصة ، والثانية محرّفة بالزيادة. أمّا أصل الرواية فهي ما رواه أبو داود في سننه ٤ / ٢٤٤ قال : حدّثنا الحسن بن علي عليه‌السلام ، ثنا عبد الرزاق ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سلمة بن كهيل قال : أخبرني زيد بن وهب الجهني أنّه كان في الجيش الذين كانوا مع علي عليه‌السلام الذين ساروا إلى الخوارج ، فقال علي عليه‌السلام : «أيّها الناس ، إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يخرج قوم من أمّتي يقرؤون القرآن ، ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئاً ، ولا صلاتكم إلى صلاتهم شيئاً ، ولا صيامكم إلى صيامهم شيئاً ، يقرؤون القرآن يحسبون أنّه لهم وهو عليهم ، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وآله لنكلوا على العمل. وآية ذلك أنّ فيهم رجلاً له عضد وليست له ذراع على عضده ، مثل حلمة الثدي ، عليه شعرات بيض ، أفتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم؟ والله إنّي لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم ؛ فإنّهم قد سفكوا الدم الحرام ، وأغاروا في سرح الناس ، فسيروا على اسم الله». قال سلمة بن كهيل : فنزلني زيد بن وهب منزلاً منزلاً حتّى مرّ بنا على قنطرة ، قال : فلمّا التقينا وعلى الخوارج عبد الله بن وهب الراسبي ، فقال لهم : ألقوا الرماح وسلّوا السيوف من جفونها ؛ فإنّي أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء. قال : فوحشوا برماحهم ، واستلّوا السيوف ، وشجرهم الناس برماحهم. قال : وقتلوا بعضهم على بعضهم. قال : وما أصيب من الناس يومئذ إلاّ رجلان ، فقال علي عليه‌السلام : «التمسوا فيهم المخدّج». فلم يجدوا. قال : فقام علي عليه‌السلام بنفسه حتّى أتى ناساً قد قُتل بعضهم على بعض ، فقال : «أخرجوهم». فوجدوه ممّا يلي الأرض ، فكبّر وقال : «صدق الله ، وبلغ رسوله». فقام إليه عبيدة السلماني فقال : يا أمير المؤمنين ، والله الذي لا إله إلاّ هو ، لقد سمعت هذا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. فقال : «إي والله الذي لا إله إلاّ هو» حتّى استحلفه ثلاثاً وهو يحلف.
    ٣٧١

    والذي حصل بعد حركة الحسين عليه‌السلام وشهادته هو اتضاح حقيقة الحاكم الأموي ، وأنّ طاعته ليست من الدين في شيء بل الدين يدعو إلى القيام والثورة بوجهه ، وذلك من خلال أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الصحيحة التي انتشرت ، واقترافه الجريمة البشعة بقتل الحسين عليه‌السلام ، الذي أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عنه وبكاه منذ ولادته. ومن هنا نجد ثورة أهل المدينة ضدّ يزيد ، ثمّ ثورة أهل مكّة ، وقد جاءت الطريقة المروعة التي تعامل بها الاُمويّون مع ثوار المدينة ومكة ، وغزوهم مكّة ، ورمي البيت الحرام بالمنجنيق ، ووقوع الحريق فيه مؤكّدة ؛ لما بدأه الحسين عليه‌السلام مع بني اُميّة أنّهم ليسوا من أهل الدين ، وأنّ الدين يأمر بحربهم والنهوض ضدّهم. واستمرت الثورات بعد ذلك على بني اُميّة بعد يزيد من قبل أهل العراق خاصّة كثورة سليمان بن صرد ، ثمّ ثورة المختار ، ثمّ ثورة زيد بن علي ، ثمّ ثورة عبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب ، ثمّ ثورة العباسيِّين أخيراً الذين استطاعوا القضاء على حكم بني اُميّة بشعار الثار للحسين عليه‌السلام سنة ١٣٢.

    انكسار الطوق المفروض على حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم‌السلام :

    لقد كسر الحسين عليه‌السلام بنفسه هذا الطوق في مكّة مدّة أربعة أشهر وأيام حين لم يُعِر أهمية لقرار السلطة بالمنع عن نشر أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم‌السلام ، حيث أخذ يذكِّر ويُسمِع القادمين من الآفاق للعمرة أو للحجّ ، ثمّ يدفعهم ليسألوا من بقايا أخيار صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين بين أظهرهم بما قاله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل البيت عليهم‌السلام بشكل عام ، أو ما قاله في أبيه علي عليه‌السلام ، أو في أخيه الحسن عليه‌السلام ، أو فيه خاصة ؛ سواء في بيان عظيم منزلتهم عند الله ورسوله ، أو في بيان شهادته عليه‌السلام.

    وما يجري عليه من بني اُميّة وأعوانهم الظلمة ، والثواب العظيم لمَنْ يوفّق لنصرته والقتل بين يديه. ثمّ ختمت تلك الأيام العامرة بنشاط الحسين عليه‌السلام وأصحابه فكريّاً وسياسيّاً بالخروج من مكّة اضطراراً حين علم أنّ السلطة قد دسّت إليه مَنْ يقتله في مكّة ، وكره الحسين عليه‌السلام أن تستباح به حرمة الحرم.
    ٣٧٢

    وليس من شك فإنّ قضية إخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادة الحسين عليه‌السلام ، وما يرتبط بها من أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم‌السلام ، سوف تكون الشغل الشاغل لهؤلاء الحجّاج ، حيث سينقلونها إلى قرباهم ومَنْ يثقون به من أصدقائهم ، ومن ثمّ سوف يترقّب الجميع تحقق النبوءة ؛ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يكذب ، وحين يصلهم خبر تحقّقها وبشاعة ما جرى على الحسين عليه‌السلام من قبل بني اُميّة وجندهم ، وما ظهر من الحسين عليه‌السلام من إصرار على موقفه في إحياء أحاديث جدّه وتوعية الأمّة بها ، ثمّ تضحيته بكلّ غال ونفيس من أجل ذلك ، أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ، ليس من شك أنّ ذلك سيؤدي إلى انتشار أكبر لتلك الأحاديث. ومن الطبيعي أن يكون ذلك سرّاً في بادئ الأمر ؛ تفادياً لعقوبة النظام وشراسته في هذه المسألة خاصة ، أمّا حين تتصدّع وحدة الدولة بعد موت يزيد ، ويختلف أهل الشام ، ويقتتلون فيما بينهم كما حصل بين مروان بن الحكم ومَنْ معه ، والضحاك بن قيس الفهري ومَنْ معه ، وهما من أبرز وجوه النظام العاملين على تقويمه. ويضاف إلى ذلك استقلال الحجاز والبصرة بقيادة ابن الزبير ، واستقلال الكوفة وما والاها بقيادة المختار ، واستقلال اليمن بقيادة نجدة الخارجي ، واستقلال خراسان بقيادة عبد الله بن خازم ، ليس من شك أنّ وضعاً كهذا سوف تغيب فيه رقابة السلطة على الحديث النبوي الصحيح ، ويبدأ الناس يحدّثون بما عندهم. ومن الطبيعي أن يكون الحديث المرتبط بأهل البيت وعلي عليهم‌السلام الذي كانت الدولة تلعنه على المنابر ، والحسين عليه‌السلام الذي قُتل وسُيِّر رأسه ورؤوس أهل بيته وأصحابه إلى الشام ، وإخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادة الحسين عليه‌السلام وبكائه عليه منذ ولادته هو من أهم تلك الأحاديث.

    وإذا عرفنا أنّ الدولة الاُمويّة لم تسترجع قوتها ووحدتها ، ومن ثمّ فرض سياستها السابقة كما كانت عليه زمن معاوية ويزيد إلاّ بعد عشرين سنة تقريباً ، استطعنا أن ندرك بسهولة كيف أنّ الله تعالى هيّأ لحركة الحسين عليه‌السلام التبليغيّة القصيرة جدّاً الظرف المناسب ؛ لتمتدّ وتتسع بعد شهادته مدّة عشرين سنة تقريباً في ظلّ الاختلاف السياسي الشامل
    ٣٧٣

    الذي عمّ البلاد الإسلاميّة بعد موت يزيد. حيث أتيحت الفرصة لصحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ممّن حمل حديثه عنه وعن علي عليه‌السلام في مدن إقامتهم أن ينشروا أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم‌السلام خاصّة ، وكذلك الأحاديث الصحيحة في متعة الحجّ وغيرها ، وكذلك سيرة علي عليه‌السلام :

    فمن الصحابة في المدينة : اُمّ سلمة (ت ٦١) ، وأبو سعيد الخدري (ت ٦٤) ، وعبد الله بن عباس (ت ٦٨) بالمدينة ومكة والطائف وتوفي بها وله نيف وسبعون سنة ، وجابر بن عبد الله الأنصاري (ت ٧٤) عن (٩٤) سنة ، وسلمة بن الأكوع (ت ٧٤) ، وسهل بن سعد الساعدي (ت ٩١).

    وفي الكوفة : سليمان بن صرد قُتل سنة (٦٦) ، وزيد بن أرقم (ت ٦٨) ، وعدي بن حاتم (ت ٦٧) ، والبرّاء بن عازب (ت ٧٢) ، وعامر بن واثلة (ت ١١٠) بمكة منفيّاً من الكوفة منذ تولّي الحجّاج الكوفة ، وهو آخر مَنْ توفي من الصحابة.

    وفي البصرة : مالك بن الحويرث (ت ٧٤) ، وأنس بن مالك أخذ يحدّث بفضائل علي لمّا أصابته دعوة علي عليه‌السلام (ت ٩٠).

    وفي مرو وخراسان : بريدة بن الحصيب (ت ٦٢) ، وأبي برزة الأسلمي (ت ٦٤).

    وفي الشام : واثلة بن الأسقع (ت ٨٥) عن ثمان وتسعين سنة ، وهو آخر مَنْ مات من الصحابة بدمشق.

    ومن التابعين ، وهم بقية أصحاب علي ، وأغلبهم كوفيون ، أمثال : الحارث الأعور الهمداني (ت ٦٥) ، وسعد بن حذيفة بن اليمان (من رجال عهد المختار) ، والأصبغ بن نباتة (ت بعد سنة ٧٠) ، وحَبّة بن جوين (ت ٧٦) ، أبي البختري قُتل (٨٢) ، زاذان (ت ٨٢) ، زر بن حبيش (ت ٨١) ، عبد الله بن الحارث بن نوفل (ت ٨٤) ، عبد الرحمن بن أبي ليلى (ق ٨٢) ، فضالة بن أبي فضالة (ت ٧٠ ـ ٨٠) ، كميل بن زياد (قتله الحجّاج ٨٢) ، قيس بن عبّاد (قتله الحجّاج ٨٣) ، وزيد بن وهب الجهني (ت ٨٤ وقيل ٩٦) ، ومسلم بن صبيح (ت ١٠٠) (رحمهم الله).
    ٣٧٤

    ومنهم بصريون ، مثل : أبي الأسود الدؤلي ، وخِلاس الهَجَري (١).

    ومنهم مدنيون ، أمثال : عمر بن أبي سلمة (ت ٨٣) ، وإياس بن سلمة بن الأكوع (ت ١١٩) ، ويزيد بن أميّة (ت ٧٠ ـ ٨٠).

    وهكذا يتّضح أنّ الهدف الأساس للحسين عليه‌السلام في ثورته ، وهو كسر الطوق المفروض على الحديث النبوي الصحيح ، وإنقاذه من الاندثار في المجتمع بتهيئة الجو الذي يسمح لرواتها المسنّين من الصحابة والتابعين بنشرها من جديد في الأمّة قد تحقّق على مرحلتين : الأولى : في عهد الحسين عليه‌السلام مدّة خمسة شهور. الثانية : بعد شهادته عليه‌السلام مدّة عشرين سنة تقريباً.

    وفيما يلي نماذج ممّن نهض بإحياء حديث النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم‌السلام خاصّة :

    روايات اُمّ سلمة (ت ٦١) :

    فضائل الصّحابة (لأحمد بن حنبل) ٢ / ٦٤٨ : حدّثنا عبد الله ، قثنا أحمد بن عمران الأخنسي قال : سمعت محمّد بن فضيل ، قثنا أبو نضر (٢) عبد الله بن عبد الرّحمن الأنصاري ، عن مساور الحميري ، عن أمّه ، عن اُمّ سلمة قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليّ عليه‌السلام : «لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق».

    السنن الكبرى ٤ / ٢٦١ : أنبأ محمّد بن قدامة قال : جرير ، عن المغيرة ، عن أمّ موسى قالت : قالت اُمّ سلمة : والّذي تحلف به اُمّ سلمة إن كان لأقرب النّاس عهداً برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ عليه‌السلام. قالت : لمّا كان غداة قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أرسل إليه رسول الله وكأن أرى في حاجة أظنّه ، بعثه فجعل يقول : «جاء عليّ» ثلاث مرّات ، فجاء قبل طلوع الشّمس ، فلمّا أن جاء عرفنا أنّ له إليه حاجة ، فخرجنا من البيت ، وكنّا عدنا

    __________________

    (١) كان من شرطة علي عليه‌السلام ، وله صحيفة كتبها عنه يحدّث بها ، توفي قبيل المئة بتقدير الذهبي ، نقلاً عن ابن حجر في تهذيب التهذيب.

    (٢) في كتاب السنّة ـ لابن مخلّد / ١٣١٩ : عن أبي نصر عبد الله بن عبد الرّحمن … : «لا يبغض عليّاً مؤمن ، ولا يحبّه منافق».
    ٣٧٥

    رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ في بيت عائشة ، فكنت في آخر مَنْ خرج من البيت ، ثمّ جلست أدناهنّ من الباب فأكبّ عليه عليّ عليه‌السلام فكان آخر النّاس عهداً جعل يسارّه ويناجيه.

    التّرمذي ٥ / ٣٥٢ : حدّثنا عبد بن حميد ، حدّثنا عفّان بن مسلم ، حدّثنا حمّاد بن سلمة ، أخبرنا عليّ بن زيد ، عن أنس بن مالك : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يمرّ بباب فاطمة عليها‌السلام ستّة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول : الصّلاة يا أهل البيت (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً). قال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ، إنّما نعرفه من حديث حمّاد بن سلمة. قال : وفي الباب عن أبي الحمراء ، ومعقل بن يسار ، واُمّ سلمة.

    سنن البيهقي ٧ / ٥٦ : أخبرنا أبو الحسن عليّ بن أحمد بن عبدان ، أنبأ أحمد بن عبيد الصفّار ، نا محمّد بن يونس ، ثنا الفضل بن دكين ، نا ابن أبي غنية ، عن أبي الخطّاب الهجري ، عن محدوج الذهلي ، عن جسرة ، عن اُمّ سلمة (رضي الله تعالى عنها) قالت : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فوجه هذا المسجد ، فقال : «ألا لا يحلّ هذا المسجد لجنب ، ولا لحائض إلاّ لرسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ؛ ألا قد بيّنت لكم الأسماء أن لا تضلّوا».

    المعجم الكبير ٢٣ / ٣٠٨ : حدّثنا إبراهيم بن دحيم ، ثنا موسى بن يعقوب ، حدّثني هاشم بن هاشم (١) ، عن وهب بن عبد الله بن زمعة (١) قال : أخبرتني اُمّ سلمة أنّ رسول

    __________________

    (١) مشاهير علماء الأمصار ١ / ١٣٨ : هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص من سادات المدنيين ، وقدماء مشايخهم ، مات سنة أربع وأربعين ومئة. وفي تهذيب التهذيب ع الستة : هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص الزّهري المدني ، ويُقال : هاشم بن هاشم بن هاشم وهو أصحّ ؛ لأنّ هاشم بن عتبة قُتل بصفّين سنة سبع وثلاثين ، فيبعد أن يكون صاحب التّرجمة ابنه ؛ لبعد ما بين وفاتيهما ، روى عن سعيد بن المسيّب وعامر وعائشة ابني سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن وهب بن زمعة ، وعبد الله بن نسطاس ، وإسحاق بن عبد الله بن الحارث بن كنانة ، وأبي صالح مولى السّعديين ، وعنه مالك والداروردي ، ويحيى بن أبي زائدة ، وموسى بن يعقوب الزّمعي ، وأبو أسامة وأبو ضمرة ، وشجاع بن الوليد وعبد الله بن نمير ، ومروان بن
    ٣٧٦

    الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اضطجع ذات يوم للنوم ، فاستيقظ وهو خائر النفس ، فاضطجع فرقد ، فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبّلها ، فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال : «أخبرني جبريل أن هذا يُقتل بأرض العراق ـ وأشار إلى الحسين عليه‌السلام ـ فقلت لجبريل : أرني تربة الأرض التي يُقتل فيها ، فهذه تربتها».

    روى القندوزي والسمهودي بسنده قال : أخرج بن عقدة من طريق عمرو بن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هيبرة ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن اُمّ سلمة قالت : أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليّ عليه‌السلام بغدير خمّ ، فرفعها حتّى رأينا بياض إبطيه ، فقال : «مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه». ثمّ قال : «أيّها النّاس ، إنّي مخلّف فيكم الثّقلين ؛ كتاب الله وعترتي ، ولن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض». ورواه عنها السّمهودي الشّافعي في جواهر العقدين كما في ينابيع المودّة / ٤٠.

    المستدرك ٤ / ٢٠ : أخبرنا أبو عبد الله الصفّار ، ثنا أحمد بن مهران ، أنبأ عبد الله بن موسى ، أنبأ إسماعيل بن نشيط قال : سمعت شهر بن حوشب قال : أتيت اُمّ سلمة أعزّيها بقتل الحسين بن عليّ.

    التاريخ الكبير ٣ / ٣٢٤ ، تهذيب الكمال ٩ / ١٨٦ : واللّفظ الأخير عن أبي سعيد

    __________________

    معاوية وصفوان بن عيسى وإبراهيم بن حميد الرّاسبي ، وأحمد بن بشير الكوفي ومكّي بن إبراهيم. قال صالح بن أحمد ، عن أبيه : ليس به بأس. وقال بن معين والنسائي : ثقة ، ذكره ابن حبان في الثقات ، وقال : مات سنة أربع وأربعين ومئة. وقال البخاري ، عن مكي : سمعت منه سنة أربع. وقال أحمد بن حنبل ، عن مكي : سمعت منه سنة سبع وأربعين ، قلت : (وقال ابن سعد في الطبقة الخامسة من أهل المدينة : هاشم بن هاشم بن عتبة أمّه أمّ ولد ، فولد هاشم بن هاشم هاشماً ، واُمّه أمّ عمرو بنت سعد ، وقد روى هاشم عن عامر بن سعد وغيره ، وروى عنه ابن نمير وأبو ضمرة) انتهى. فكلامه محتمل لأن يكون الراوي هو هاشم بن هاشم ، أو ابنه ، وهو الأقرب ، ويترجّح ما ظنّه المؤلّف. وقال العجلي : هاشم بن هاشم بن عتبة ، مدنيّ ثقة. وقال البزّار : ليس به بأس.

    (١) قال في مشاهير علماء الأمصار ١ / ٧١ : وهب بن عبد الله بن زمعة بن الأسود من عبّاد أهل المدينة قُتل يوم الحرّة.
    ٣٧٧

    الأشج قال : حدّثنا أبو خالد الأحمر قال : حدّثني رزين (١) قال : حدّثتني سلمى قالت : دخلت على اُمّ سلمة وهي تبكي ، فقلت : ما يبكيك؟ قالت : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب ، فقلت : ما لك يا رسول الله؟ قال : «شهدت قتل الحسين عليه‌السلام آنفاً».

    روايات مصعب بن عبد الرّحمن بن عوف :

    معرفة الثقات ٥ / ٤١١ : مصعب بن عبد الرّحمن بن عوف الزّهري القرشي ، كنيته أبو زرارة ، يروي عن أبيه ، روى عنه أهل المدينة ، قُتل يوم الحرّة سنة ثلاث وستين ، وكان على قضاء مكّة ، أمّه أمّ ولد.

    الطبقات الكبرى ٥ / ١٧٥ : مصعب بن عبد الرّحمن بن عوف … وكانت وفاة مصعب بن عبد الرّحمن بمكة في سنة أربع وستين ، وكان ثقة قليل الحديث.

    مصنّف ابن أبي شيبة ١٢ / ٦٥ الحديث رقم ١٢١٣٥ : عن عبيد الله عن طلحة بن جبير ، عن المطلّب بن عبد الله بن مصعب بن عبد الرّحمن ، عن عبد الرّحمن بن عوف قال : لمّا افتتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكّة انصرف إلى الطائف ، فحاصرها تسع عشرة ، أو ثمان عشرة فلم يفتحها ، ثمّ ارتحل روحة أو غدوة فنزل ثمّ هجر ، ثمّ قال : «أيّها النّاس ، إنّي فرط لكم ،

    __________________

    (١) رزين بن حبيب الجهني ، ويُقال : البكري الكوفي الرّماني ، ويُقال : التمّار ، ويُقال : البزاز ، بياع الأنماط ، روى عن الأصبغ بن نباتة ، وعامر الشعبي ، وأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين ، وأبي الرقاد العبسي ، وسلمى البكرية. روى عنه إسماعيل بن زكريا ، وحبان بن عليّ العنزي ، وسفيان الثوري ، وأبو خالد سليمان بن حيان الأحمر ، وعبد الله بن المبارك ، وعبيد الله بن موسى ، وعيسى بن يونس ، وأبو نعيم الفضل بن دكين ، ومروان بن معاوية الفزاري ، ووكيع بن الجراح. قال أبو بكر الأثرم ، عن أحمد بن حنبل وإسحاق بن منصور ، عن يحيى بن معين : رزين بيّاع الرّمان ثقة. وقال أبو حاتم : صالح الحديث ، ليس به بأس ، وهو أحبّ إليّ من إسحاق بن خليد مولى سعيد بن العاص. ومنهم مَنْ فرّق بين رزين بياع الأنماط يروي عن الأصبغ بن نباته ، ويروي عنه عيسى بن يونس ، وبين رزين بن حبيب الجهني بياع الرّمان. ومنهم مَنْ جعلهما واحداً ، والله أعلم. روى له التّرمذي حديثاً واحداً.
    ٣٧٨

    واُوصيكم بعترتي خيراً ، وإنّ موعدكم الحوض. والذي نفسي بيده لتقيمنّ الصّلاة ، ولتؤتنّ الزكاة ، أو لأبعثنّ إليكم رجلا منّي أو لنفسي فليضربنّ أعناق مقاتليهم ، وليسبينّ ذراريهم». فرأى النّاس أنّه أبو بكر أو عمر ، فأخذ بيد عليّ عليه‌السلام فقال : «هذا».

    روايات أبي سعيد الخدري (ت ٦٤) :

    الكامل في الضعفاء ١ / ١٦٩ : معمّر بن سهل حدّثنا أبو سمرة أحمد بن سالم ، حدّثنا شريك ، عن الأعمش ، عن عطيّة ، عن أبي سعيد ، عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «عليّ خير البريّة».

    الكامل في الضّعفاء ٢ / ١٤٤ : ثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، ثنا جعفر بن سليمان ، ثنا أبو هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري قال : كان لعليّ ـ أحسبه (قال) ـ من النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مدخلاً لم يكن لأحد من النّاس.

    الصّواعق المحرقة / ٨٩ : قال أخرج الدّيلمي ، عن أبي سعيد الخدري أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئوُلُونَ عن ولاية عليّ). قال الواحدي : روي في قوله تعالى : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئوُلُونَ) ، أي عن ولاية عليّ.

    المستدرك على الصحيحين للحسكاني / ٣٠٧ : بسنده عن خلف عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قوله تعالى : (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) قال : «ذاك أخي عليّ بن أبي طالب».

    المستدرك للحسكاني / ٣٣٨ : بسنده عن فضيل بن مرزوق ، عن عطيّة ، عن أبي سعيد قال : لمّا نزلت (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) ، أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة عليها‌السلام فدكاً.

    شواهد التنزيل للحسكاني / ٣٦٥ : بسنده عن الفضيل بن مرزوق ، عن عطيّة العوفي ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ : «يا أبا الحسن ، قل : اللّهمّ اجعل لي عندك عهداً ، واجعل لي في صدور المؤمنين مودّة». فنزلت هذه الآية : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدّاً). قال : «لا تلقى رجلاً مؤمناً إلاّ في قلبه حبّاً لعليّ بن أبي طالب».
    ٣٧٩

    الدّرّ المنثور ٢ / ٢٩٨ : أخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

    الدّرّ المنثور ٣ / ٢٥٩ : تفسير قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ، أخرج ابن مردويه ، وابن عساكر كلاهما عن أبي سعيد الخدري قال : لمّا نصّب رسول الله عليّاً يوم غدير خمّ فنادى له بالولاية ، هبط جبرائيل بهذه الآية : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ ...).

    الحافظ أبو نعيم الإصبهاني المتوفّى ٤٣٠ ، روى في كتابه (ما نزل من القرآن في عليّ عليه‌السلام) قال : حدّثنا محمّد بن أحمد بن عليّ بن مخلّد (المحتسب المتوفى ٣٥٧) قال : حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة قال : حدّثني يحيى الحماني قال : حدّثني قيس بن الربيع ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري رحمه‌الله : أن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا النّاس إلى عليّ عليه‌السلام في غدير خمّ ، فأمر بما تحت الشّجرة من الشوك فقمّ وذلك يوم الخميس ، فدعا عليّاً عليه‌السلام فأخذ بضبعيه فرفعهما حتّى نظر النّاس إلى بياض إبطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزلت هذه الآية : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) الآية. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الله أكبر على إكمال الدّين ، وإتمام النّعمة ، ورضا الرّب برسالتي ، وبالولاية لعليّ عليه‌السلام من بعدي». ثم قال : «مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهمّ وال مَنْ والاه ، وعاد مَنْ عاداه ، وانصر مَنْ نصره ، واخذل مَنْ خذله». فقال حسّان : ائذن لي يا رسول الله أن أقول في عليّ عليه‌السلام أبياتاً تسمعهن. فقال : «قل على بركة الله». فقام حسّان فقال : يا معشر مشيخة قريش ، أتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية. ثمّ قال :

    يناديهم يُوم الغدير نبيُّهمْ




    بخمّ فاسمع بالرسول مناديا

    يقول فمَنْ مولاكمُ ووليّكم




    فقالوا ولم يبدوا هناكَ التّعاميا

    إلهكَ مولانا وأنت وليّنا




    ولم تَرَ مِنّا في الولاية عاصيا

    فقال له قم يا عليّ فإنّني




    رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

    ٣٨٠

    فمَنْ كنت مولاه فهذا وليُّه




    فكونوا له أنصارَ صدقٍ مواليا

    هناك دعا اللّهمّ والِ وليّه




    وكن للذي عادا عليّاً معاديا

    الحافظ ابن مردويه الإصفهاني المتوفى (٤١٠ هـ) ، روى من طريق أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري : إنّها نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خمّ حين قال لعليّ : «مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه». ثمّ رواه عن أبي هريرة وفيه : إنّه اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة ، يعني مرجعه صلى‌الله‌عليه‌وآله من حجّة الوداع (١).

    المعجم الكبير ٣ / ٥٢ : حدّثنا عليّ بن عبد العزيز ، ثنا أبو نعيم ، ثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطيّة العوفي ، عن أبي سعيد الخدري ، عن اُمّ سلمة قالت : نزلت هذه الآية في بيتي (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب / ٣٣) وهي جالسة على الباب ، فقلت : يا رسول الله ، ألست من أهل البيت؟ قال : «أنتِ إلى خير».

    مسند أحمد ٣ / ١٤ : عن أسود بن عامر ، عن أبي إسرائيل إسماعيل بن أبي إسحق الملاّئي ، (٣ / ٧) عن أبي النّضر ، عن محمّد بن أبي طلحة ، عن الأعمش ، (٣ / ٢٦ ، ٣ / ٥٩) عن أبن نمير عبد الملك بن أبي سليمان ، كلّهم عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي ، الثّقلين أحدهما أكبر من الآخر ؛ كتاب الله حبل ممدود من السّماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عَلَيَّ الحوض».

    الدّرّ المنثور ٣ / ٢٠٩ : وأخرج ابن حبّان ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري رحمه‌الله قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر رحمه‌الله يؤدّي عنه براءة ، فلمّا أرسله بعث إلى عليّ عليه‌السلام فقال : «يا عليّ ، إنّه لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو أنت». فحمله على ناقته العضباء ، فسار حتّى لحق بأبي بكر رحمه‌الله فأخذ منه براءة ، فأتى أبو بكر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد دخله من ذلك مخافة أن يكون

    __________________

    (١) تفسير ابن كثير ٢ / ١٤.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 11:02 am



    قد أنزل فيه شيء ، فلمّا أتاه قال : ما لي يا رسول الله؟ قال : «خير ، إنّه لا يبلّغ عنّي غيري ، أو رجل منّي».

    الدّرّ المنثور ٦ / ٦٦ : أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري رحمه‌الله في قوله : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) قال : ببغضهم عليّ بن أبي طالب.

    الدّرّ المنثور ٦ / ٦٦ : وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رحمه‌الله قال : ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ ببغضهم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

    المعجم الكبير ٦ / ٢٢١ : حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا إبراهيم بن الحسن الثعلبي ، ثنا يحيى بن يعلى ، عن ناصح بن عبد الله ، عن سماك بن حرب (١) ، عن أبي سعيد الخدري ، عن سلمان قال : قلت : يا رسول الله لكلّ نبيّ وصيّ فمَنْ وصيّك؟ فسكت عنّي ، فلمّا كان بعد رآني ، فقال : «يا سلمان». فأسرعت إليه ، قلت : لبّيك. قال : «تعلم مَنْ وصيّ موسى؟». قلت : نعم يوشع بن نون. قال : «لِمَ؟». قلت : لأنّه كان أعلمهم. قال : «فإنّه وصيّي ، وموضع سرّي ، وخير مَنْ أترك بعدي ، وينجز عدتي ، ويقضي ديني عليّ بن أبي طالب». قال أبو القاسم : قوله : «وصيّي» يعني أنّه أوصاه في أهله لا بالخلافة ، وقوله : «خير مَنْ أترك بعدي» يعني من أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله.

    السنن الكبرى ٥ / ١٥٨ : أخبرنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى قال : حدّثنا

    __________________

    (١) مشاهير علماء الأمصار : سماك بن حرب أبو المغيرة ، مات في آخر ولاية هشام بن عبد الملك. طبقات خليفة : سماك بن حرب الذهلي أيضاً ابن أوس بن خالد بن نزار بن معاوية بن حارثة بن ربيعة بن عامر بن ذهل بن ثعلبة. يُكنّى : أبا المغيرة. مات في ولاية يوسف بن عمر. قال ابن عدي في الكامل ٣ / ٤٦٠ : أخبرنا أبو خليفة ، ثنا محمّد بن عبد الله الخزاعي ، ثنا حمّاد بن سلمة ، عن سماك بن حرب ، عن أنس : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث ببراءة مع أبي بكر إلى مكّة ، فلمّا بلغ ذي الحليفة بعث إليه فردّه فقال : «لا يذهب بها إلاّ رجل من أهل بيتي». فبعث عليّاً. قال ابن عدي : لا أعلم يرويه عن سماك غير حمّاد بن سلمة ، قال ابن عدي : ولسمّاك حديث كثير مستقيم إن شاء الله كلّها ، وقد حدّث عنه الأئمّة وهو من كبار تابعي الكوفيين ، وأحاديثه حسان عن مَنْ روى عنه ، وهو صدوق لا بأس به.
    ٣٨٢

    محاضر بن المورع قال : حدّثنا الأجلح ن عن حبيب أنّه سمع الضّحاك المشرقي يحدّثهم ومعهم سعيد بن جبير وميمون بن أبي شبيب ، وأبو البختري وأبو صالح ، وذرّ الهمداني والحسن العرني أنّه سمع أبا سعيد الخدري يروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوم يخرجون من هذه الأمّة ، فذكر من صلاتهم وزكاتهم وصومهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السّهم من الرّمية ، لا يجاوز القرآن تراقيهم ، يخرجون في فرقة من النّاس يقاتلهم أقرب النّاس إلى الحقّ.

    مسند أحمد ٣ / ٣٣ : حدّثنا عبد الله ، حدّّثني أبي ، ثنا وكيع ، ثنا عكرمة بن عمّار ، عن عاصم بن شميخ ، عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا حلف واجتهد في اليمين قال : «لا والذي نفس أبي القاسم بيده ، ليخرجنّ قوم من اُمّتي تحقّرون أعمالكم مع أعمالهم ، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السّهم من الرمية». قالوا : فهل من علامة يُعرفون بها؟ قال : «فيهم رجل ذو يديه أو ثديه ، محلقي رؤوسهم». قال أبو سعيد : فحدّثني عشرون أو بضع وعشرون من أصحاب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ عليّاً (رضي الله تعالى عنه) ولي قتلهم.

    قال : فرأيت أبا سعيد بعد ما كبر ويداه ترتعش يقول : قتالهم أحلّ عندي من قتال عدّتهم من التّرك.

    السنن الكبرى ٥ / ١٥٤ : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ومحمّد بن قدامة واللفظ له ، عن جرير ، عن الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري قال : كنّا جلوساً ننتظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرج إلينا قد انقطع شسع نعله ، فرمى بها إلى عليّ فقال : «إنّ منكم مَنْ يُقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله». فقال أبو بكر : أنا؟ قال : «لا». قال عمر : أنا؟ قال : «لا ، ولكن صاحب النعل».

    مسند أبي الجعد / ٣٠١ : وبه قال : نا فضيل ، عن عطية قال : أنا أبو سعيد قال : غزا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غزاة تبوك وخلّف عليّاً في أهله ، فقال بعض النّاس : ما منعه أن يخرج به إلاّ أنّه كره صحبته ، فبلغ ذلك عليّاً ، فذكر ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ،
    ٣٨٣

    وسلّم فقال : «يابن أبي طالب ، أما ترضى أن تنزل منّي بمنزلة هارون من موسى؟».

    السنن الكبرى ٥ / ١٤٩ : أخبرنا عمرو بن منصور قال : حدّثنا أبو نعيم قال : حدّثنا يزيد بن مردانية ، عن عبد الرّحمن بن أبي أنعم (١) ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة».

    سنن التّرمذي ٥ / ٦٦٣ : محمّد بن فضيل ، عن الأعمش ، عن عطيّة ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال النّبي : «إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما».

    سنن التّرمذي ٥ / ٦٣٥ : حدّثنا قتيبة ، حدّثنا جعفر بن سليمان ، عن أبي هارون ، عن أبي سعيد الخدري قال : إنا كنّا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم عليّ بن أبي طالب. قال : هذا حديث غريب إنّما نعرفه من حديث أبي هارون ، وقد تكلّم شعبة في أبي هارون. وقد روي هذا عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، حدّثنا واصل بن عبد الأعلى ، حدّثنا محمّد بن فضيل ، عن عبد الله بن عبد الرّحمن أبي النصر ، عن المساور الحميري ، عن أمّه قالت : دخلت على اُمّ سلمة فسمعتها تقول : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «لا يحبّ عليّاً منافق ، ولا يبغضه مؤمن». قال : وفي الباب عن عليّ ، وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ، وعبد الله بن عبد الرّحمن هو أبو نصر الوراق ، وروى عنه سفيان الثوري.

    ابن عساكر ـ تاريخ دمشق ٣٨ / ٣٣ : بسنده عن جعفر بن سليمان قال : سمعت أبا هارون العبدي يحدّث عن أبي سعيد الخدري قال : كانت لعليّ من رسول الله دخلة لم

    __________________

    (١) المعجم الكبير ٣ / ٣٩ : حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا منجاب بن الحارث ، ثنا عليّ بن مسهر ، عن عبد الرّحمن بن زياد بن أنعم ، عن معاوية بن قرة ، عن أبيه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما خير منهما».
    ٣٨٤

    تكن لأحد من النّاس.

    أحمد في الفضائل ٢ / ٦٦١ : حدّثنا محمّد بن هشام بن البختري ، قثنا الحسين بن عبيد الله العجلي ، قثنا الفضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اُعطيت في عليّ خمساً هنّ أحبّ إليّ من الدّنيا وما فيها ؛ أمّا واحدة فهو تكأتي بين يدي الله عزّ وجلّ حتّى يفرغ من الحساب ؛ وأمّا الثّانية فلواء الحمد بيد آدم عليه‌السلام ومَنْ ولد تحته ؛ وأمّا الثّالثة فواقف على عقر حوضي يسقي مَنْ عرف من أمّتي ؛ وأمّا الرّابعة فساتر عورتي ومسلّمي إلى ربّي عزّ وجلّ ؛ وأمّا الخامسة فلست أخشى عليه أن يرجع زانياً بعد إحصان ، ولا كافراً بعد إيمان».

    التّاريخ الكبير ٤ / ١٩٣ : سهم بن حصين الأسدي ، حدّثني يوسف بن راشد ، نا عليّ بن قادم الخزاعي ، أنا إسرائيل ، عن عبد الله بن شريك ، عن سهم بن حصين الأسدي : قدمت مكّة أنا وعبد الله بن علقمة (١). قال ابن شريك : وكان ابن علقمة سبّاباً لعليّ ، فقلت : هل لك في هذا (يعني أبا سعيد الخدري). فقلت : هل سمعت لعليّ منقبة؟ قال : نعم ، فإذا حدّثتك فسل المهاجرين والأنصار وقريشاً ؛ قام النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خمّ فأبلغ ، فقال : «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ ادنُ يا عليّ». فدنا ، فرفع يده ورفع النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يده حتّى نظرت إلى بياض إبطيه ، فقال : «مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه». سمعته أذناي. قال ابن شريك : فقدّم عبد الله بن علقمة وسهم ، فلمّا صلّينا الفجر قام ابن علقمة قال : أتوب إلى الله من سبّ عليّ. قال أبو عبد الله : وسهم مجهول ولا يدري.

    شرح نهج البلاغة ٤ / ١١٠ : قال ابن أبي الحديد : روى جعفر بن زياد ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري قال : كنّا بنور إيماننا نحبّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فمَنْ

    __________________

    (١) الإصابة : علقمة بن خالد بن الحارث بن أبي أسيد بن رفاعة بن ثعلبة بن هوازن بن أسلم ، أبو أوفى الأسلمي ، مشهور بكنيته وهو والد عبد الله ، له صحبة ، قال ابن مندة : كان أبو أوفى من أصحاب الشجرة.
    ٣٨٥

    أحبّه عرفنا أنّه منّا.

    المطالب العالية بالزّوائد الثّمانية (٣٩٧٤) : عن أبي يعلى بسنده عن أبي سعيد : كنت عند النّبي في نفر من المهاجرين والأنصار ، فخرج علينا رسول الله فقال : «ألا أخبركم بخياركم؟». قالوا : بلى. قال : «فإنّ خياركم الموفون المطيبون …». قالوا : مرّ عليّ بن أبي طالب فقال : «إنّ الحقّ مع ذا ، إنّ الحقّ مع ذا».

    المعجم الكبير ٢٢ / ٤٠٥ : حدّثنا محمّد بن حيّان المازني ، ثنا كثير بن يحيى ، ثنا سعيد بن عبد الكريم بن سليط وأبو عوانة ، عن داود بن أبي عوف أبي الجحاف ، عن عبد الرّحمن بن أبي زنّاد أنّه سمع عبد الله بن الحارث بن نوفل يقول : ثنا أبو سعيد الخدري : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دخل على فاطمة ذات يوم وعليّ نائم ، وهي مضطجعة وأبنائها إلى جنبها ، فاستسقى الحسن ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى لقحة فحلب لهم فأتى به ، فاستيقظ الحسين فجعل يعالج أن يشرب قبله حتّى بكى. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ أخاك استسقى قبلك». فقالت فاطمة : «كأنّ الحسن آثر عندك». قال : «ما هو بآثر عندي منه ، وإنّما هما عندي بمنزلة واحدة ، وإنّي وإيّاكِ وهما وهذا النائم لفي مكان واحد يوم القيامة».

    ذخائر العقبى محبّ الدين الطبري / ٢٥ : عن أبي سعيد رحمه‌الله : لمّا نزلت هذه الآية : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) دعا رسول الله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً ، وقال : «اللّهمّ هؤلاء أهلي».

    روايات عبد الله بن عبّاس (ت ٦٨) :

    تاريخ بغداد ٦ / ٢٢١ : إسماعيل بن محمّد بن عبد الرّحمن المدائني حدّث عن جويبر بن سعيد ، روى عنه سلام بن سليمان المدائني ، أخبرنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل ، حدّثنا كوهي بن الحسن الفارسي ، حدّثنا أحمد بن القاسم أخو أبي الليث
    ٣٨٦

    الفرائضي ، حدّثنا محمّد بن حبش المأموني ، حدّثنا سلام بن سليمان الثقفي ، حدّثنا إسماعيل بن محمّد بن عبد الرّحمن المدائني ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن بن عبّاس قال : نزلت في عليّ ثلاثمئة آية.

    الدّرّ المنثور ٦ / ٣٧٩ : وأخرج ابن مردويه عن عليّ قال : «قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألم تسمع قول الله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)؟ أنت وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض ، إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرّاً محجّلين».

    الدر المنثور ٣ / ٣٨٩ : (اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) قال : وأخرج ابن زردويه عن ابن عبّاس في قوله : (اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) قال : مع عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

    شواهد التنزيل ـ الحسكاني ١ / ٤٨٣ : بسنده عن حصين (١) وابن عبّاس قال : سمعت أسماء بنت عميس تقول : سمعت رسول الله يقول : «اللّهمّ إنّي أقول كما قال أخي موسى بن عمران : اللّهمّ اجعل لي وزيراً من أهلي عليّ بن أبي طالب».

    تاريخ بغداد ٥ / ١٥ روى الخطيب بسنده عن ابن عبّاس : (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ) بفضل الله عليّ ، وبرحمته عليّ.

    الدّرّ المنثور ٢ / ١٠٠ : وأخرج عبد الرزّاق وعبد بن حميد ، وابن جرير وابن المنذر ، وابن أبي حاتم والطّبراني وابن عساكر من طريق عبد الوهاب بن مجاهد ، عن أبيه ، عن ابن عبّاس في قوله : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً). قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب ، كانت له أربعة دراهم ؛ فأنفق بالليل درهماً ، وبالنهار درهماً ، وسرّاً درهماً ، وعلانية درهماً.

    __________________

    (١) الجرح والتعديل ـ للرازي ٣ / ١٩٨ : حصين بن يزيد التغلبي أو الثعلبي ، روى عن ابن مسعود وأسماء بنت عميس ، روى عنه أبو اليقظان وعمران بن سليمان المرادي ، سمعت أبي يقول ذلك.
    ٣٨٧

    شواهد التنزيل ـ الحسكاني ١ / ١٧٤ : عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس في قول الله : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) نزلت في عليّ.

    الواحدي ـ أسباب النزول / ٣٣١ : عن عطاء ، عن ابن عبّاس ، المحبّ الطبري في الرياض النّضرة ٢ / ٢٢٧ [نزلت] سورة هل أتى في عليّ.

    الدّرّ المنثور ٤ / ٤٥ : وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في المعرفة ، والديلمي ، وابن عساكر ، وابن النّجار قال : لمّا نزلت (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يده على صدره فقال : «أنا المنذر». وأومأ بيده إلى منكب عليّ رضي‌الله‌عنه ، فقال : «أنت الهادي يا علي ، بك يهتدي المهتدون من بعدي».

    الدر المنثور ٥ / ١٧٨ : أخرج أبو الفرج الإصبهاني في كتاب الأغاني والواحدي ، وابن عدي وابن مردويه ، والخطيب وابن عساكر من طرق عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما قال : قال الوليد بن عقبة لعلي بن أبي طالب رحمه‌الله : أنا أحدّ منك سناناً ، وأبسط منك لساناً ، وأملأ للكتيبة منك. فقال له علي رحمه‌الله : «اسكت! فإنّما أنت فاسق». فنزلت : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) يعني بالمؤمن عليّاً ، وبالفاسق الوليد بن عقبة بن أبي معيط.

    معرفة علوم الحديث ـ للحاكم النيسابوري / ٤٩ : حدّثنا عليّ بن عبد الرّحمن بن عيسى الدهقان بالكوفة قال : حدّثنا الحسين بن الحكم الحبري قال : ثنا الحسن بن الحسين العرني قال : ثنا حبان بن عليّ العنزي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن بن عبّاس وفي قوله عزّ وجلّ : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ... الْكاذِبِينَ) (نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى نفسه ، ونساءنا ونساءكم في فاطمة ، وأبناءنا وأبناءكم في الحسن والحسين ، والدعاء على الكاذبين نزلت في العاقب والسيد وعبد المسيح وأصحابهم).

    قال الحاكم : وقد تواترت الأخبار في التفاسير عن عبد الله بن عبّاس وغيره أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ يوم المباهلة بيد عليّ والحسن والحسين ، وجعلوا
    ٣٨٨

    فاطمة وراءهم ، ثمّ قال : «هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا ، فهلمّوا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين».

    الدّرّ المنثور ٣ / ٢٩٠ : أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس في قوله : (اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) قال : مع عليّ بن أبي طالب.

    الدّرّ المنثور ٦ / ٢٠٣ : أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ) الآية. قال : نزلت في رجل كان مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة من قريش كتب إلى أهله وعشيرته بمكة يخبرهم وينذرهم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سائر إليهم ، فأخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بصحيفته ، فبعث عليّ بن أبي طالب رحمه‌الله فأتاه بها.

    الدّرّ المنثور ٦ / ٢٤٤ : أخرج ابن أبى حاتم بسند ضعيف عن علي قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قال : هو علي بن أبي طالب».

    الدّرّ المنثور ٥ / ١٩٩ : أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما قال : شهدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تسعة أشهر يأتي كلّ يوم باب علي بن أبي طالب رحمه‌الله عند وقت كلّ صلاة فيقول : «السّلام عليّكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، الصّلاة رحمكم الله». كلّ يوم خمس مرّات.

    الدّرّ المنثور ٥ / ٢٢٠ : أخرج الحاكم عن ابن أبي مليكة قال : جاء رجل من أهل الشام فسبّ عليّا رحمه‌الله عند ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما ، فحصبه ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما وقال : يا عدو الله! آذيت رسول الله ، (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) ، لو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيّاً لآذيته.

    الدّرّ المنثور ٦ / ٧ : أخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم ، والطبراني وابن مردويه بسند ضعيف من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس قال : لمّا نزلت هذه الآية : (قُلْ لا
    ٣٨٩

    أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) قالوا : يا رسول الله ، مَنْ قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودّتهم؟ قال : «علي وفاطمة وولداها».

    المستدرك ٣ / ١٦٢ : حدّثنا مكرم بن أحمد القاضي ، ثنا أحمد بن عليّ الأبار ، ثنا إسحاق بن سعيد بن أركون الدمشقي ، ثنا خليد بن دعلج أبو عمرو السدوسي أظنّه عن قتادة ، عن عطاء ، عن بن عبّاس (رضي الله تعالى عنهما) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «النّجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس». هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

    المعجم الكبير ٣ / ٤٦ : حدّثنا عليّ بن عبد العزيز ، حدّثنا مسلم بن إبراهيم ، ثنا الحسن بن أبي جعفر ، عن أبي الصهباء ، عن سعيد بن جبير ، عن بن عبّاس (رضي الله تعالى عنه) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح مَنْ ركب فيها نجا ، ومَنْ تخلّف عنها غرق».

    الدّرّ المنثور ٣ / ١٨٠ : وأخرج الحاكم وصحّحه عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما قال : شرى عليّ رحمه‌الله نفسه ولبس ثوب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ نام مكانه ، وكان المشركون يحسبون أنّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت قريش تريد أن تقتل النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجعلوا يرمقون عليّاً ويرونه النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجعل عليّ رحمه‌الله يتصوّر فإذا هو علي رحمه‌الله ، فقالوا : إنّك للئيم! إنّك لتتصوّر وكان صاحبك لا يتصوّرك ، ولقد استنكرناه منك.

    الدّرّ المنثور ٣ / ٢١٠ : أخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة ، وأحمد والترمذي ، وصحّحه ابن المنذر والنحاس والحاكم ، وصحّحه ابن مردويه والبيهقي في الدّلائل عن زيد بن تبيع رحمه‌الله قال : سألنا عليّاً رحمه‌الله بأيّ شيء بعثت مع أبي بكر رحمه‌الله في الحجّ؟ قال : «بعثت بأربع ؛ لا يدخل الجنّة إلاّ نفس مؤمنة ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يجتمع مؤمن وكافر
    ٣٩٠

    بالمسجد الحرام بعد عامه هذا ، ومَنْ كان بينه وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عهد فعهده إلى مدّته ، ومَنْ لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر».

    المعجم الكبير ١١ / ٧٣ : حدّثنا الحسن بن علوية القطان ، ثنا أحمد بن محمّد السكري ، ثنا موسى بن أبي سليم البصري ، ثنا مندل ، ثنا الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس (رضي الله تعالى عنهما) قال : خرجت أنا والنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ (رضي الله تعالى عنه) في حشان المدينة ، فمررنا بحديقة ، فقال عليّ (رضي الله تعالى عنه) : «ما أحسن هذه الحديقة يا رسول الله!». فقال : «حديقتك في الجنّة أحسن منها». ثم أومأ بيده إلى رأسه ولحيته ثمّ بكى حتّى [بكينا] على بكائه. قيل : ما يبكيك؟ قال : «ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتّى يفقدوني».

    البزار في كشف الأستار ٢٦٤٦ : عن الحسين بن عيسى ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : كان الحسين رحمه‌الله جالساً في حجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال جبريل : أتحبّه؟ فقال : «وكيف لا أحبّه وهو ثمرة فؤادي؟» فقال : أما إنّ أمّتك ستقتله ، لأريك من موضع قبره ، فقبض قبضة فإذا هي تربة حمراء.

    المجتبى من السنن ٥ / ١٥٣ : أخبرنا محمّد بن عليّ بن الحسين بن شقيق قال : أنبأنا أبي قال : أنبأنا أبو حمزة ، عن مطرف ، عن سلمة بن كهيل ، عن طاوس ، عن بن عبّاس قال : سمعت عمر يقول : والله إنّي لأنهاكم عن المتعة وإنّها لفي كتاب الله ، ولقد فعلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (يعني العمرة في الحج).

    صحيح مسلم ٢ / ١١١٠ : وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب ، واللفظ لأبي بكر قالا : حدّثنا سفيان بن عيينة ، عن يحيى بن سعيد سمع عبيد بن حنين ، وهو مولى العباس قال : سمعت بن عبّاس يقول : كنت أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلبثت سنة ما أجد له موضعاً حتّى صحبته إلى مكّة ، فلمّا كان بمرّ الظهران ذهب يقضي حاجته ، فقال : أدركني بإداوة من ماء ، فأتيته بها ،
    ٣٩١

    فلمّا قضى حاجته ورجع ، ذهبت أصبّ عليه ، وذكرت فقلت له : يا أمير المؤمنين ، مَنْ المرأتان؟ فما قضيت كلامي حتّى قال : عائشة وحفصة.

    سنن التّرمذي ٥ / ٦٤٢ : حدّثنا محمّد بن حميد ، حدّثنا إبراهيم بن المختار ، عن شعبة ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عبّاس قال : أوّل مَنْ صلّى عليّ. قال : هذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه من حديث شعبة ، عن أبي بلج إلاّ من حديث محمّد بن حميد ، وأبو بلج اسمه يحيى بن سليم. وقد اختلف أهل العلم في هذا ، فقال بعضهم : أوّل مَنْ أسلم أبو بكر الصديق ، وقال بعضهم : أوّل مَنْ أسلم عليّ ، وقال بعض أهل العلم : أوّل مَنْ أسلم من الرّجال أبو بكر ، وأسلم عليّ وهو غلام بن ثمان سنين ، وأوّل مَنْ أسلم من النساء خديجة.

    المستدرك ٤ / ٩٩ : أخبرنا حمزة بن العباس العقبي ببغداد ، ثنا العباس بن محمّد الدوري ، ثنا شبابة بن سوار ، ثنا ورقاء بن عمر ، عن مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس (رضي الله تعالى عنهما) قال : بعث النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اليمن عليّاً ، فقال : «علّمهم الشرائع ، واقضِ بينهم». قال : «لا علم لي بالقضاء». فدفع في صدره فقال : «اللّهمّ أهده للقضاء». هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

    السنن الكبرى ٥ / ١١٢ : أخبرنا محمّد بن المثنى قال : حدّثنا يحيى بن (حمّاد قال : مسند أحمد ١ / ٣٣٠ المعجم الكبير ١٢ / ٩٧) ، حدّثنا الوضّاح ، وهو أبو عوانة قال : حدّثنا يحيى قال : حدّثنا عمرو بن ميمون قال : إنّي لجالس إلى ابن عبّاس إذ أتاه تسعة رهط (فقالوا : إمّا أن تقوم معنا ، وإمّا أن تخلونا يا هؤلاء) ، وهو يومئذ صحيح قبل أن يُعمى قال : أنا أقوم معكم ، فتحدّثوا فلا أدري ما قالوا ، فجاء وهو ينفض ثوبه وهو يقول : اُفٍّ وتفٍّ ، يقعون في رجل له عشر! وقعوا في رجل قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لأبعثنّ رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، لا يخزيه الله أبداً». فأشرف مَنْ استشرف ، فقال : «أين عليّ؟». فقالوا : هو في الرحى يطحن ، وما كان أحدكم ليطحن ، فدعاه وهو أرمد ما يكاد أن يبصر ، فنفث في عينيه
    ٣٩٢

    ثمّ هزّ الراية ثلاثاً فدفعها إليه ، فجاء بصفية بنت حيي.

    وبعث أبا بكر بسورة التوبة ، وبعث عليّاً خلفه فأخذها منه ، فقال : «لا يذهب بها إلاّ رجل هو منّي وأنا منه».

    ودعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن والحسين وعليّاً وفاطمة ، فمدّ عليهم ثوباً فقال : «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً».

    وكان أوّل مَنْ أسلم من النّاس بعد خديجة.

    ولبس ثوب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونام ، فجعل المشركون يرمون كما يرمون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم يحسبون أنّه نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجاء أبو بكر فقال : يا نبيّ الله ، فقال عليّ : «إنّ نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد ذهب نحو بئر ميمون». فأتبعه فدخل معه الغار ، وكان المشركون يرمون عليّاً حتّى أصبح.

    وخرج بالناس في غزوة تبوك فقال عليّ : «أخرج معك؟». فقال : «لا». فبكى ، فقال : «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّك لست بنبي. إنّه لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي».

    قال : وقال له رسول الله : «أنت وليي في كلّ مؤمن بعدي».

    وقال : «سدوا أبواب المسجد غير باب عليّ». فكان يدخل المسجد وهو جنب وهو في طريقه ليس له طريق غيره.

    وقال (فيه) صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ كنت وليّه فعليّ وليّه ، مَنْ كنت مولاه فإنّ مولاه عليّ».

    قال ابن عبّاس : وقد أخبرنا الله في القرآن أنّه قد رضي عن أصحاب الشجرة ، فهل حدّثنا بعد أنّه سخط عليهم (١)؟ قال : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعمر حين قال : ائذن لي فلأضرب عنقه ـ يعني حاطباً ـ قال : «ما يدريك لعل الله قد اطّلع على أهل بدر

    __________________

    (١) لا يبعد أنّ هذا المقطع ليس من كلام ابن عباس ، بل هو من إضافة بعض الرواة ، وتفصيل الكلام ليس هذا محله.
    ٣٩٣

    فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».

    السنن الكبرى ٥ / ١١٩ : أخبرني محمّد بن وهب قال : حدّثنا مسكين قال : حدّثنا شعبة ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن بن عبّاس ، وأبو بلج هو يحيى بن أبي سليمان قال : أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأبواب المسجد فسدّت إلاّ باب عليّ.

    المعجم الكبير ١٠ / ٢٨٢ : حدّثنا عبيد العجلي ، ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، ثنا حسين بن محمّد المروذي ، عن سليمان بن قرم ، عن محمّد بن سعيد ، عن داود بن عليّ بن عبد (الله بن عبّاس) ، عن أبيه ، عن ابن عبّاس (رضي الله تعالى عنه) قال : أتى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بطير ، فقال : «اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك». فجاء عليّ ، فقال : «اللّهمّ وإليّ».

    المعجم الكبير ١٢ / ١٢٢ : حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا عون سلام ، ثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك (١) ، عن ابن عبّاس في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا

    __________________

    (١) الضعفاء العقيلي ٢ / ٢١٨ : الضحاك بن مزاحم خرساني ، حدّثنا محمّد بن موسى قال : حدّثنا صالح بن أحمد قال : حدّثنا على بن عبد الله قال : سمعت يحيى يقول : كان شعبة ينكر أن يكون الضحاك بن مزاحم لقي بن عبّاس قط. قال يحيى : وكان الضحاك بن مزاحم عندنا ضعيف ، حدّثنا محمّد قال : حدّثنا صالح قال : سمعت يحيى قال : كان شعبة لا يحدّث عن الضحاك بن مزاحم. حدّثنا محمّد قال : حدّثنا صالح ، حدّثنا علي قال : سمعت أبا داود قال : أخبرنا شعبة قال : سمعت عبد الملك بن ميسرة يقول : الضّحاك بن مزاحم لم يلقَ ابن عبّاس ، إنما لقي سعيد بن جبير فأخذ عنه التفسير. حدّثنا محمّد قال : حدّثنا صالح قال : حدّثنا علي قال : سمعت سلم بن قتيبة قال : حدّثني شعبة قال : قلت لمشاش الضحاك : سمع من ابن عبّاس؟ قال : لا ، ولا كلمة. مشاهير علماء الأمصار ١ / ١٩٤ : الضحاك بن مزاحم الهلالي أبو القاسم ، وقد قيل : أبو محمّد. مولده ببلخ ، وكان يقيم بمرو مدّة وببلخ زماناً ، وربما أقام ببخارى وبسمرقند حيناً ، وهم إخوة ثلاثة : مسلم ومحمّد والضحاك ، فأمّا الضحاك فإنّ أمّه كانت حاملاً به سنتين ، وولد وله سنتان اثنتان ، وكان ممّن عنى بعلم القرآن عناية شديدة مع لزوم الورع ، وكان معلّم كتاب يعلّم الصبيان فلا يأخذ منهم شيئاً ، إنما يحتسب في تعليمهم. مات سنة خمس ومئة ، لم يسمع من ابن عبّاس ولا من أحد من الصّحابة شيئاً. ورواية أبي إسحاق السبيعي عن الضّحاك قال : قلت لابن عبّاس : وهم ، وهم فيه شريك. كيف يقول لابن عبّاس ولم يره؟ وإنّما لقي سعيد بن جبير بالرّي فأخذ عنه التفسير. الكامل في الضعفاء ٤ / ٩٤ : حدّثنا محمّد بن أحمد بن حمّاد ، حدّثني صالح ، ثنا عليّ : سمعت يحيى يقول : كان شعبة
    ٣٩٤

    الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) قال : المحبّة في صدور المؤمنين ، نزلت في عليّ بن أبي طالب (كرّم الله وجهه).

    شواهد التنزيل ـ للحسكاني ١ / ٣٦٥ : بسنده عن يعقوب بن جعفر بن سليمان قال : حدّثني أبي ، عن أبيه عليّ بن عبد الله ، عن ابن عبّاس في قوله : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) قال النّبي (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) قال : هو عليّ بن أبي طالب.

    المعجم الكبير ١٢ / ١٢٢ : حدّثنا الحسين بن إسحاق التستري ، ثنا يوسف بن محمّد بن سابق ، ثنا أبو مالك الجنبي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عبّاس قال : لمّا عقد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اللواء لعليّ يوم خيبر ، دعا له هنيهة فقال : «اللّهمّ أعنه ، وأعزّ به ، وارحمه وارحم به ، وانصره به. اللّهمّ والِ مَنْ والاه ، وعادِ مَنْ عاداه».

    المعجم الكبير ١١ / ٦٦ : حدّثنا عبد الرّحمن بن خلاّد الدورقي ، ثنا ملحان بن سليمان الدورقي ، ثنا عبد الله بن داود الخريببي ، ثنا الأعمش ، عن مجاهد ، عن بن عبّاس قال : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على عليّ وفاطمة وهما يضحكان ، فلمّا رأيا النّبي سكتا ، فقال لهما النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما لكما كنتما تضحكان فلمّا رأيتماني سكتّما؟». فبادرت فاطمة فقالت : «بأبي أنت يا رسول الله! قال هذا : أنا أحبّ إلى رسول الله منكِ ، فقلتُ : بل أنا أحبّ إلى رسول الله منكَ». فتبسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : «يا بُنية ، لك رقّة الولد ، وعليٌّ أعزّ عليّ منك».

    __________________

    لا يحدّث عن الضّحاك بن مزاحم قال : وكان شعبة ينكر أن يكون الضّحاك بن مزاحم لقي بن عبّاس قط. ثنا بن حمّاد ، ثنا صالح ، ثنا عليّ قال : سمعت أبا داود يقول : ثنا شعبة سمعت عبد الملك بن ميسرة يقول : الضحاك بن مزاحم لم يلقَ ابن عبّاس إنّما لقي سعيد بن جبير بالرّي وأخذ عنه التفسير. الكاشف ١ / ٥٠٩ : الضحاك بن مزاحم الهلالي الخراساني ، عن أبي هريرة ، وابن عبّاس ، وابن عمر ، وأنس وطاووس ، وعنه عليّ بن الحكم البناني ، وقرّة بن خالد ، ومقاتل بن حيان. وثّقه أحمد وابن معين. قال عبد الملك بن ميسرة : قلت له : أسمعت من ابن عبّاس؟ قال : لا. وقال شعبة : كان عندنا ضعيفاً ، وأمّا أبو جناب الكلبي فروى عن الضحاك قال : جاورت ابن عبّاس سبع سنين. مات (١٠٥).
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 11:03 am



    المعجم الكبير ١١ / ٦٥ : حدّثنا المعمري ومحمّد بن عليّ الصائغ المكي قالا : ثنا عبد السّلام بن صالح الهروي ، ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمَنْ أراد العلم فليأته من بابه». البزار في كشف الأستار / ٢٥٢٥ : عن محمّد بن المثنى ، عن يحيى بن حمّاد ، عن أبي عوانة ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عبّاس : أنّ النّبي قال لعليّ : «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».

    الرياض النضرة ٢ / ١٦٦ : عن ابن عبّاس أنّه مرّ بعد ما حُجب بصره بمجلس من مجالس قريش وهم يسبّون عليّاً ، فقال لقائده : ما سمعت هؤلاء يقولون؟ قال : يسبّون عليّاً ، فرجع إليهم وقال لهم : أيّكم السّاب الله؟ قالوا : سبحان الله! مَنْ سب الله فقد أشرك. قال : أيّكم السّاب لرسول الله؟ قالوا : سبحان الله! من سبّ رسول الله فقد كفر. قال : فأيّكم السّاب لعليّ؟ قالوا : أمّا هذا فقد كان. قال : فأنا أشهد بالله لسمعت رسول الله يقول : «مَنْ سبّ عليّاً فقد سبّني ، ومَنْ سبّني فقد سبّ الله ، ومَنْ سبّ الله أكبه الله على منخره». ثمّ تولّى عنهم … قال : أخرجه أبو عبد الله الملاّ.

    المستدرك ٣ / ١٢٠ : حدّثني أبو عمرو محمّد بن عبد الواحد الزاهد صاحب (ثعلب إملاء ببغداد) ، ثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا زكريا بن يحيى المصري ، حدّثني المفضل بن فضالة ، حدّثني سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن بن عبّاس (رضي الله تعالى عنهما) قال : لعليّ أربع خصال ليست لأحد ؛

    هو أوّل عربيّ وأعجمي صلّى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو الذي كان لواؤه معه في كلّ زحف ، والذي صبر معه يوم المهراس ، وهو الذي غسلّه وأدخله قبره.

    مسند أحمد ١ / ٣٦٨ : عن مقسم ، عن ابن عبّاس قال : راية النّبي كانت مع عليّ. قال ابن حجر في التهذيب ٣ / ٤٧٥ عن مقسم ، عن ابن عبّاس : كانت راية النّبي في المواطن كلّها مع عليّ.
    ٣٩٦

    مصنف ابن أبي شيبة ١٢ / ٨٦ رقم ١٢١٩٠ : عبد الله بن نمير ، عن حجّاج ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عبّاس : أنّ النّبي قال لعليّ : «أنت أخي وصاحبي».

    المعجم الصغير ٢ / ١٦١ : حدّثنا محمّد بن سهل بن الصباح الصفّار الإصبهاني ، حدّثنا أحمد بن الفرات الرازي ، حدّثنا سهل بن عبد ربّه السندي الرازي ، حدّثنا عمرو بن أبي قيس ، عن مطرف ، عن طريف ، عن المنهال بن عمرو ، عن التميمي ، عن ابن عبّاس قال : كنّا نتحدث أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عهد إلى عليّ عليه‌السلام سبعين عهداً لم يعهدها إلى غيره ، (لم يروه عن مطرف إلاّ عمرو بن قيس ، ولا عن عمرو بن سهل) تفرّد به أحمد بن الفرات ، واسم التميمي أربدة.

    تاريخ بغداد ٤ / ٢١٨ : عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرّحمن بن بهمان قال : سمعت جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو آخذ بضبع عليّ يوم الحديبية وهو يقول : «هذا أمير البررة ، قاتل الفجرة ، منصور مَنْ نصره ، مخذول مَنْ خذله». (مدّ بها صوته). قال أبو الفتح : تفرّد به عبد الرزّاق وحده ، قلت : ولم يروه عن عبد الرزّاق غير أحمد بن عبد الله هذا ، وهو أنكر ما حفظ عليه ، والله أعلم (١).

    تاريخ بغداد ٤ / ٣٩ : أبو الأزهر أحمد بن الأزهر ، وأخبرنا محمّد بن عمر بن بكير المقرئ واللفظ له ، حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ، حدّثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار ، حدّثنا أبو الأزهر ، حدّثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزّهري ، عن عبيد الله بن عبد الله

    __________________

    (١) قال المحدّث أحمد بن محمّد الحسني في فتح الملك العليّ / ٥٨ : وليس كما قال الخطيب ، بل تابعه عليه أحمد بن طاهر بن حرملة بن يحيى بن عبد الرزاق كما ذكره ابن عدي وابن الجوزي ، ثمّ إنّه لإنكاره في تفرّد أبي جعفر السّامري عن عبد الرزاق مثل هذا الحديث ؛ فإنّ عبد الرزاق كان يعلم أنّ مَنْ حدّث بفضائل عليّ يُجرح ويُبدع ويُتّهم ويُكذب ، فكان لا يحدّث بها إلاّ أهلها ، وقد قال في حقّه الذهبي (ميزان الاعتدال ٢ / ٦٠٩) : إنّه كان يعرف الأمور فلا يتجاسر أن يحدّث بها. سامح الله الذهبي يسمّي التحديث بفضائل عليّ جسارة!
    ٣٩٧

    عن ابن عبّاس قال : نظر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي عليه‌السلام فقال : «أنت سيّد في الدّنيا سيّد في الآخرة ، ومَنْ أحبّك فقد أحبّني ، وحبيبي حبيب الله ، وعدوّك عدوّي وعدوّ الله ، والويل لمَنْ أبغضك من بعدي». قال أبو الفضل : فسمعت أبا حاتم يقول : سمعت أبا الأزهر يقول : خرجت مع عبد الرزّاق إلى قريته فكنت معه في الطريق ، فقال لي : يا أبا الأزهر ، أفيدك حديثاً ما حدّثت به غيرك ، قال : فحدّثني بهذا الحديث : أخبرني محمّد بن أحمد بن يعقوب ، أخبرنا محمّد بن نعيم الضبي قال : سمعت أبا عليّ الحسين بن عليّ الحافظ يقول : سمعت أحمد بن يحيى بن زهير التستري يقول : لمّا حدّث أبو الأزهر النيسابوري بحديثه عن عبد الرزاق في الفضائل أخبر يحيى بن معين بذلك ، فبينا هو عنده في جماعة أهل الحديث إذ قال يحيى بن معين : مَنْ هذا الكذّاب النيسابوري الذي حدّث عن عبد الرزاق بهذا الحديث؟ فقام أبو الأزهر فقال : هو ذا أنا. فتبسّم يحيى بن معين وقال : أما إنّك لست بكذّاب (وتعجّب من سلامته) وقال : الذنب لغيرك في هذا الحديث. قال ابن نعيم وسمعت أبا أحمد الحافظ يقول : سمعت أبا حامد الشرقي وسُئل عن حديث أبي الأزهر ، عن عبد الرزاق ، عن معمر في فضائل عليّ. فقال أبو حامد : هذا حديث باطل ؛ والسبب فيه أنّ معمراً كان له ابن أخ رافضي ، وكان معمر يمكّنه من كتبه فأدخل عليه هذا الحديث ، وكان معمر رجلاً مهيباً لا يقدر عليه أحد في السؤال والمراجعة ، فسمعه عبد الرزاق في كتاب ابن أخي معمر. قال ابن نعيم : فسمعت محمّد بن حامد البزار يقول : سمعت مكي بن عبدان يقول : سمعت أبا الأزهر يقول : خرج عبد الرزاق إلى قريته فبكّرت إليه يوماً حتّى خشيت على نفسي من البكور ، فوصلت إليه قبل أن يخرج لصلاة الصبح ، فلمّا خرج رآني فقال : كنت البارحة ها هنا؟ قلت : لا ولكنّي خرجت في الليل ، فأعجبه ذلك ، فلمّا فرغ من صلاة الصبح دعاني وقرأ عليّ هذا الحديث ، وخصّني به دون أصحابي. قلت : وقد رواه محمّد بن حمدون النيسابوري ، عن محمّد بن علي بن سفيان النجّار ، عن عبد الرزّاق ، فبرئ أبو الأزهر من عهدته إذ قد توبع على روايته ، والله أعلم.
    ٣٩٨

    الاستيعاب ٣ / ١١٠٤ بسنده عن جويبر ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن عبد الله بن عبّاس قال : والله لقد أعطي عليّ بن أبي طالب تسعة أعشار العلم ، وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر.

    الاستيعاب ٣ / ٤٠ عن طاووس ، عن ابن عبّاس : كان عليّ والله قد مُلئ علماً وحلماً.

    المستدرك ٣ / ١١٩ حدّثنا محمّد بن صالح بن هانئ ، ثنا أحمد بن نصر ، أخبرنا محمّد بن عليّ الشيباني بالكوفة ، ثنا أحمد بن حازم الغفاري ، وأنبأ محمّد بن عبد الله العمري ، ثنا محمّد بن إسحاق ، ثنا محمّد بن يحيى وأحمد بن يوسف قالوا : ثنا أبو نعيم ، ثنا بن أبي غنية ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، عن بريدة الأسلمي (رضي الله تعالى عنه) قال : غزوت مع عليّ إلى اليمن ، فرأيت منه جفوة فقدمت على رسول الله فذكرت عليّاً فتنقصته فرأيت وجه رسول يتغيّر فقال : «يا بُريدة ، ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟». قلت : بلى يا رسول الله. فقال : «مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه». وذكر الحديث. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

    الكامل في الضعفاء ٤ / ٢٢٨ : ثنا عليّ ، ثنا عبد الله ، ثنا أبي ، عن الأعمش ، عن عباية الأسدي ، عن ابن عبّاس قال : ستكون فتنة ، فإن أدركها أحد منكم فعليه بخصلتين ؛ كتاب الله وعليّ بن أبي طالب ؛ فإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول (وهو آخذ بيد عليّ) : «هذا أوّل مَنْ آمن بي ، وأوّل مَنْ يصافحني ، وهو فاروق هذه الأمّة ، يفرق بين الحقّ والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظلمة ، وهو الصّديق الأكبر ، وهو بابي الذي اُوتى منه ، وهو خليفتي من بعدي».

    المستدرك ٣ / ١٩٧ : حدّثني أبو بكر محمّد بن أحمد بن بالويه ، ثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله ، ثنا حجّاج بن نصير ، ثنا قرّة بن خالد ، ثنا عامر بن عبد الواحد ، عن أبي الضحى ، عن ابن عبّاس (رضي الله تعالى عنهما) قال : ما كنّا نشك وأهل البيت متوافرون أنّ الحسين بن عليّ يُقتل بالطفّ.
    ٣٩٩

    شواهد التنزيل ـ الحسكاني / ٥٢ : بسنده عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس قال : ما أنزل الله آية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلاّ وعليّ رأسها وأميرها. وفي رواية : ولقد عاتب الله أصحاب محمّد في غير مكان ، وما ذكر عليّاً إلاّ بخير.

    الحسكاني / ٥٨ : عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله لعليّ بن أبي طالب : «أنت الطريق الواضح ، وأنت الصراط المستقيم ، وأنت يعسوب المؤمنين».

    روايات جابر بن عبد الله الأنصاري (ت ٧٤) :

    الدّرّ المنثور مجلد ٣ / ٢١٠ : أخرج إسحاق بن راهويه والدارمي ، والنسائي وابن خزيمة ، وابن حبّان وأبو الشيخ ، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر رحمه‌الله : أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث أبا بكر على الحجّ ، ثمّ أرسل عليّاً رحمه‌الله ببراءة فقرأها على النّاس في موقف الحجّ حتّى ختمها.

    الدّرّ المنثور ٦ / ١٨ : أخرج ابن مردويه من طريق محمّد بن مروان ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن جابر بن عبد الله ، عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله تعالى : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ) الزخرف / ٤١ نزلت في علي بن أبي طالب أنّه ينتقم من الناكثين والقاسطين بعدي.

    تفسير ابن كثير : قال جابر : وفيهم نزلت : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ …) قال جابر : (أنفسنا وأنفسكم) رسول الله وعليّ بن أبي طالب ، و(أَبْناءَنا) الحسن والحسين ، و(نساءنا) فاطمة (١).

    __________________

    (١) أقول : وقال في فتح القدير ـ للشوكاني ١ / ٣١٦. قال جابر : أنفسنا وأنفسكم رسول الله وعليّ … ، ورواه الحاكم من وجه آخر عن جابر وصحّحه ، وأخرج مسلم والتّرمذي ، وابن المنذر والحاكم والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص قال : لمّا نزلت : (قل تعالوا ... الآية) دعا رسول الله عليّاً وفاطمةً وحسناً وحسيناً وقال : «اللّهمّ هؤلاء أهلي».
    ٤٠٠

    الدّرّ المنثور ٦ / ٣٧٩ : وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال : كنّا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل علي ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «والّذي نفسي بيده ، إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة». ونزلت : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ، فكان أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أقبل علي قالوا : جاء خير البريّة.

    أحمد بن حنبل في الفضائل ٢ / ٥٦٤ عن وكيع ، عن الأعمش ، عن عطية بن سعد العوفي قال : دخلنا على جابر بن عبد الله وقد سقط حاجباه على عينيه فسألناه عن عليّ ، فقلت : أخبرني عنه ، قال : فرفع حاجبيه بيده فقال : ذاك من خير البشر.

    أحمد بن حنبل فضائل الصّحابة ٢ / ٦٧١ : حدّثنا الهيثم بن خلف ، قثنا عبد الملك بن عبد ربّه أبو إسحاق الطائي ، نا معاوية بن عمّار ، عن أبي الزبير قال : قلت لجابر : كيف كان عليّ فيكم؟ قال : ذلك من خير البشر ، ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ ببغضهم إيّاه.

    الحسكاني في شواهد التنزيل ٣ / ٤١٧ : بسنده عن وكيع بن الجراح ، حدّثنا الأعمش ، عن عطية العوفي قال : دخلنا على جابر بن عبد الله الأنصاري وقد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، فقلنا : أخبرنا عن عليّ ، فرفع حاجبيه بيده ثمّ قال : ذاك من خير البريّة (١).

    فضائل الصّحابة ٢ / ٦٦٥ : حدّثنا أبو يعليّ حمزة بن داود الأبلي بالأبلة ، قثنا سليمان بن الربيع النهدي الكوفي ، قثنا كادح بن رحمة قال : حدّثنا مسعر ، عن عطية عن جابر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «رأيت على باب الجنّة مكتوباً لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليّ أخو رسول الله».

    مسند أحمد بن حنبل فضائل الصّحابة ٢ / ٦٦٦ : حدّثنا أبو يعلى حمزة ، قثنا سليمان

    __________________

    (١) رواه البلاذري ٣ / ١١٣ عن المدائني ، عن يونس بن أرقم ، عن محمّد بن عبد الله بن عطية العوفي.
    ٤٠١

    ابن الربيع ، قثنا كادح قال : نا الحسن بن أبي جعفر ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (فذكر الحديث وقال في آخره) : «عليّ أخي وصاحب لوائي».

    المستدرك ٣ / ١٣٨ : حدّثني أبو بكر محمّد بن عليّ الفقيه الإمام الشاشي القفال ببخارى ، وأنا سألته حدّثني النعمان بن الهارون البلدي ببلد من أصل كتابه ، ثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني ، ثنا عبد الرزاق ، ثنا سفيان الثوري ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن عبد الرّحمن بن عثمان التيمي قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمَنْ أراد العلم فليأت الباب».

    المستدرك ٣ / ١٤٠ : حدّثني أبو بكر محمّد بن عليّ الفقيه الإمام الشاشي ببخارى ، ثنا النعمان بن هارون البلدي ، ثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني ، ثنا عبد الرزاق ، ثنا سفيان الثوري ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم (١) ، عن عبد الرّحمن بن عثمان(١) قال :

    __________________

    (١) مشاهير الأمصار ١ / ٨٧ : عبد الله بن عثمان بن خثيم من القارة ، أبو عثمان ، ممّن صحب أبا الطفيل عامر بن واثلة زماناً ، وكان من أهل الفضل والنسك ، والفقه والحفظ. مات سنة اثنتين وثلاثين ومئة. تهذيب الكمال ، خت م ٤ عبد الله بن عثمان بن خثيم القاري من القارة ، أبو عثمان المكي حليف بني زهرة. روى عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة بخ ت ق ، وسعيد بن جبير خت ٤ ، وسعيد بن أبي راشد ت ق ، وشهر بن حوشب بخ ت ق ، وطلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله ، وأبي الطفيل عامر بن واثلة د ت ق ، وعبد الله بن سلمان الأغر ، وعبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة م ، وعبد الله بن كثير الداري ، وعبد الرّحمن بن بهمان ق ، وعبد الرّحمن بن سابط ت ، وعبد الرّحمن بن نافع بن لبينة الطائفي ، وعبيد الله بن عياض عخ ، وعثمان بن جبير ق ، وعطاء بن أبي رباح خت ، وعليّ الأزدي ، وعمرو بن عبد الله بن عمرو بن عبد القاري ، والقاسم بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن مسعود ق ، ومجاهد بن جبر المكي سي ، ومحمّد بن الأسود بن خلف الخزاعي ، وأبي الزبير محمّد بن مسلم المكي ٤ ، ونافع بن سرجس مولى بن سباع ، ونافع مولى بن عمر ت ، ووهب بن منبه ، ويوسف بن ماهك المكي د ت ق ، ويونس بن خباب ق ، وصفية بنت شيبة د ، وقيلة أمّ بني أنمار ق ، ولها صحبة. روى عنه إسماعيل بن عليّة ، وإسماعيل بن عياش ت ق ، وبشر بن المفضل بخ ت ، وجرير بن عبد الحميد ت ، وحفص بن غياث ، وحمّاد بن سلمة د ق ، وداود بن عبد الرّحمن العطار د س ، وروح بن القاسم ، وزائدة بن قدامة ، وزهير بن معاوية بخ د ، وسفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة ، وعبد الله بن إدريس ، وعبد الله بن رجاء المكي ر د ق ، وعبد ربّه بن عطاء القرشي صد ، وعبد
    ٤٠٢

    سمعت جابر بن عبد الله (رضي الله تعالى عنهما) يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو آخذ بضبع عليّ بن أبي طالب (رضي الله تعالى عنه) وهو يقول : «هذا أمير البررة ، قاتل الفجرة ، منصور مَنْ نصره ، مخذول مَنْ خذله». ثمّ مدّ بها صوته. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

    (جامع التّرمذي ٥ / ٦٦٢ : حدّثنا نصر بن عبد الرّحمن الكوفي. المعجم الكبير ٣ / ٦٦) : حدّثنا زيد بن الحسن هو الأنماطي ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّته يوم عرفة ، وهو على ناقته القصواء يخطب ، فسمعته يقول : «يا أيّها النّاس ، إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا ؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي». قال : وفي الباب عن أبي ذر وأبي سعيد ، وزيد بن أرقم وحذيفة بن أسيد قال : وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. قال : وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان وغير واحد من أهل العلم. قال في كنز العمال : أخرجه ابن أبي شيبة ، والخطيب في المتّفق والمفترق عن جابر.

    بقي بن مخلد / ١٣٥٦ : أبو بكر بن أبي شيبة ، عن المطلب بن زياد ، عن عبد الله بن محمّد

    __________________

    الرّحمن بن عبد الله المسعودي ، وعبد الرحيم بن سليمان خت ق ، وعبد الملك بن حريج س ، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ت ، وعدي بن الفضل ، وعليّ بن صالح المكي ت ، وعليّ بن عاصم ، وفضيل بن سليمان ت ق ، والقاسم بن يحيى بن عطاء بن مقدم خت ، ومحمّد بن أبي الضيف ق ، ومعمر بن راشد د ت ق ، والوضاح أبو عوانة ، ووهيب بن خالد سي ، ويحيى بن سليم الطائفي عخ م د ق ، ويعليّ بن شبيب ق ، قال : أحمد بن سعد بن أبي مريم ، عن يحيى بن معين : ثقة ، حجّة. وقال العجلي : ثقة. وقال أبو حاتم : ما به بأس صالح الحديث. وقال النسائي : ثقة ، وقال في موضع آخر ليس بالقوي. وذكره ابن حبّان في كتاب الثقات قال : عمرو بن عليّ مات سنة اثنتين وثلاثين ومئة ، استشهد به البخاري في الصحيح ، وروى له في القراءة خلف الإمام وغيره ، وروى له الباقون.

    (١) (أقول : عثمان تصحيف بهمان كما في تهذيب التهذيب) عبد الرّحمن بن بهمان حجازي ، روى عن جابر وعبد الرّحمن بن حسان بن ثابت. وعنه عبد الله بن عثمان بن خثيم ، قال ابن المديني : لا نعرفه ، وذكره ابن حبان في الثقات. له حديث يأتي في ابن حسان. قلت : ووثقه العجلي.
    ٤٠٣

    ابن عقيل ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله : «مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه».

    ذخائر العقبى ـ للمحبّ الطبري / ١٨ : عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله : «لا يحبّنا أهل البيت إلاّ مؤمن تقي ، ولا يبغضنا إلاّ منافق شقي».

    المعجم الكبير ٣ / ٣٩ : وحدّثنا أحمد بن عمرو القطراني ، ثنا محمّد بن الطفيل ، حدّثنا شريك ، عن جابر ، عن عبد الرّحمن بن سابط ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة».

    سنن البيهقي ٧ / ٢٠٦ : أخبرنا محمّد بن عبد الله الحافظ ، أنبأ عبد الله بن محمّد بن موسى ، ثنا محمّد بن أيوب ، أنبأ موسى بن إسماعيل ، ثنا همّام ، عن قتادة ، عن أبي نضرة ، عن جابر (رضي الله تعالى عنه) قال : قلت : إنّ ابن الزبير ينهى عن المتعة ، وأنّ ابن عبّاس يأمر بها. قال : على يدي جرى الحديث ؛ تمتّعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومع أبي بكر (رضي الله تعالى عنه) ، فلمّا ولي عمر خطب النّاس فقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الرسول ، وإنّ هذا القرآن هذا القرآن ، وإنّهما كانتا متعتان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أنهى عنهما واُعاقب عليهما ؛ إحداهما متعة النساء ، ولا أقدر على رجل تزوّج امرأة إلى أجل إلاّ غيّبته بالحجارة ، والأخرى متعة الحجّ ، أفصلوا حجكم من عمرتكم ؛ فإنّه أتمّ لحجّكم وأتمّ لعمرتكم. أخرجه مسلم في الصحيح من وجه آخر عن همام. قال الشيخ : ونحن لا نشكّ في كونها على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكنّا وجدناه نهى عن نكاح المتعة عام الفتح بعد الإذن فيه ، ثمّ لم نجده أذن فيه بعد النهي عنه حتّى مضى لسبيله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان نهي عمر بن الخطاب (رضي الله تعالى عنه) عن نكاح المتعة موافقاً لسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذنا به. ولم نجده صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن متعة الحجّ في رواية صحيحة عنه ، ووجدنا في قول عمر (رضي الله تعالى عنه) ما دلّ على أنّه أحبّ أن يفصل بين الحجّ والعمرة ليكون أتمّ لهما ، فحملنا نهيه عن متعة الحجّ عن التنزيه وعلى اختيار الأفراد على غيره لا على التحريم ، وبالله التوفيق.
    ٤٠٤

    التّرمذي ٥ / ٦٤٠ : حدّثنا خلاّد بن أسلم أبو بكر البغدادي ، حدّثنا النضر بن شميل ، أخبرنا عوف الأعرابي ، عن عبد الله بن عمرو بن هند الجملي قال : قال عليّ : «كنت إذا سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطاني ، وإذا سكت ابتدأني». قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وفي الباب عن جابر وزيد بن أسلم وأبي هريرة واُمّ سلمة.

    مسند أبي يعلى ٤ / ١١٨ : حدّثنا أبو هشام ، حدّثنا بن فضيل (كتاب السنّة بقي بن مخلد ١٣٢١ ، عن وهبان بن بقية ، عن خالد) حدّثنا الأجلح ، عن أبي الزبير ، عن جابر : قال لمّا كان يوم الطائف ناجى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً فأطال نجواه ، فقال بعض أصحابه : لقد أطال نجوى بن عمّه ، فبلغه ذلك فقال : «ما أنا انتجيته بل الله انتجاه».

    مسند أحمد بن حنبل في الفضائل ٢ / ٧٧٥ : حدّثنا عبد الله ، قثنا أبي ، قثنا وكيع ، عن ربيع بن سعيد ، عن بن سابط قال : دخل الحسين بن عليّ عليهما‌السلام المسجد ، فقال جابر بن عبد الله : مَنْ أحبّ أن ينظر إلى سيّد شباب الجنّة فلينظر إلى هذا ، سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

    الكامل في الضعفاء ٣ / ٢٥٥ : نا عليّ بن أحمد يعرف بابن أبي قرية ، ثنا عباد بن يعقوب ، أخبرنا عليّ بن هاشم ، عن سليمان بن قرم ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا وهذا ـ يعني عليّاً ـ نجيء يوم القيامة كهاتين» ، وجمع بين أصبعيه السبابتين.

    المستدرك ٢ / ١٦٣ : أخبرني الحسين بن عليّ التميمي ، حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمّد ، حدّثنا هارون بن حاتم ، أنبأ عبد الرّحمن بن أبي حمّاد ، حدّثني إسحاق بن يوسف ، عن عبد الله بن محمّد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله (رضي الله تعالى عنه) قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليّ : «يا عليّ ، النّاس من شجر شتّى ، وأنا وأنت من شجرة واحدة». ثمّ قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 11:05 am

    (١) عليّ بن زيد بن جدعان ، الإمام أبو الحسن التيمي القرشي البصري الأعمى ، عالم البصرة ، عن أنس بن مالك وسعيد بن المسيب ، وأبي عثمان النهدي وعروة بن الزبير وخلق. وعنه قتادة وشعبة ، والسفيانان والحمّادان ، وعبد الوارث وإسماعيل بن عليّة. ولد أعمى ، وهو من أوعية العلم ، وفيه تشيّع. قال أبو زرعة وأبو حاتم : ليس بقوي. وقال أحمد ويحيى : ضعيف. وقال التّرمذي : صدوق ، ربما رفع الموقوف. قال منصور بن زاذان : قلنا لعليّ بن زيد : لمّا مات الحسن أجلس موضعه. قلت : لم يحتج به الشيخان لكن قرنه مسلم بغيره ، ومات سنة تسع وعشرين ومئة ، وقيل : سنة إحدى وثلاثين ومئة (رحمه الله تعالى) (تذكرة الحفاظ ١ / ١٤٠).
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 11:06 am

    ن عليّ إلى عبيد الله بن زياد جعل ينكت بقضيب في يده ويقول : إن كان لحسن الثغر! فقلت : والله لأسوءنّك ، لقد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقبل موضع قضيبك من فيه.

    التّرمذي ٥ / ٣٥٢ : حدّثنا عبد بن حميد ، حدّثنا عفّان بن مسلم ، حدّثنا حمّاد بن سلمة ، أخبرنا عليّ بن زيد (١) ، عن أنس بن مالك : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يمرّ بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر ، يقول : (الصلاة يا أهل البيت ، إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً). قال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ، إنّما نعرفه من حديث حمّاد بن سلمة. قال : وفي الباب عن أبي الحمراء ومعقل بن يسار واُمّ سلمة.

    التّرمذي ٥ / ٢٧٥ : حدّثنا محمّد بن بشار ، حدّثنا عفّان بن مسلم وعبد الصمد بن عبد الوارث قالا : حدّثنا حمّاد بن سلمة ، عن سماك بن حرب ، عن أنس بن مالك قال : بعث النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ببراءة مع أبي بكر ، ثمّ دعاه فقال : «لا ينبغي لأحد أن يبلّغ هذا إلاّ

    __________________

    (١) عليّ بن زيد بن جدعان ، الإمام أبو الحسن التيمي القرشي البصري الأعمى ، عالم البصرة ، عن أنس بن مالك وسعيد بن المسيب ، وأبي عثمان النهدي وعروة بن الزبير وخلق. وعنه قتادة وشعبة ، والسفيانان والحمّادان ، وعبد الوارث وإسماعيل بن عليّة. ولد أعمى ، وهو من أوعية العلم ، وفيه تشيّع. قال أبو زرعة وأبو حاتم : ليس بقوي. وقال أحمد ويحيى : ضعيف. وقال التّرمذي : صدوق ، ربما رفع الموقوف. قال منصور بن زاذان : قلنا لعليّ بن زيد : لمّا مات الحسن أجلس موضعه. قلت : لم يحتج به الشيخان لكن قرنه مسلم بغيره ، ومات سنة تسع وعشرين ومئة ، وقيل : سنة إحدى وثلاثين ومئة (رحمه الله تعالى) (تذكرة الحفاظ ١ / ١٤٠).
    ٤١٩

    رجل من أهلي». فدعا عليّا فأعطاه إيّاه. قال : هذا حديث حسن غريب من حديث أنس بن مالك.

    التّرمذي ٥ / ٦٣٦ : حدّثنا سفيان بن وكيع ، حدّثنا عبيد الله بن موسى ، عن عيسى بن عمر ، عن السدي ، عن أنس بن مالك قال : كان عند النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله طير ، فقال : «اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير». فجاء عليّ فأكل معه. قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث السدي إلاّ من هذا الوجه ، وقد روي من غير وجه عن أنس وعيسى بن عمر هو كوفي ، والسدي إسماعيل بن عبد الرّحمن وسمع من أنس بن مالك ، ورأى الحسين بن عليّ. وثقه شعبة وسفيان الثوري وزائدة ، ووثقه يحيى بن سعيد القطان.

    المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤١ : حدّثني أبوعليّ الحافظ ، أنبأ أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن أيوب الصفّار ، وحميد بن يونس بن يعقوب الزيات قالا : ثنا محمّد بن أحمد بن عياض بن أبي طيبة ، ثنا أبي ، ثنا يحيى بن حسان ، عن سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، عن أنس بن مالك (رضي الله تعالى عنه) قال : كنت أخدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقدّم لرسول الله فرخ مشوي ، فقال : «اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير». قال : فقلت : اللّهمّ اجعله رجلاً من الأنصار ، فجاء عليّ (رضي الله تعالى عنه) فقلت : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على حاجة ، ثمّ جاء فقلت : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على حاجة ، ثمّ جاء فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «افتح». فدخل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما حبسك عليّ؟». فقال : «إنّ هذه آخر ثلاث كرّات يردّني أنس يزعم أنّك على حاجة». فقال : «ما حملك على ما صنعت؟». فقلت : يا رسول الله ، سمعت دعاءك فأحببت أن يكون رجلاً من قومي. فقال رسول الله : «إنّ الرجل قد يحبّ قومه». هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً ، ثمّ صحت الرواية عن عليّ وأبي سعيد الخدري وسفينة ، وفي
    ٤٢٠

    حديث ثابت البناني عن أنس زيادة ألفاظ.

    المعجم الكبير ٣ / ١٠٦ : حدّثنا بشر بن موسى ، ثنا عبد الصمد بن حسان المروذي ح ، وحدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ومحمّد بن محمّد التمّار البصري ، وعبدان بن أحمد قالوا : ثنا شيبان بن فروخ قال : ثنا عمارة بن زاذان الصيدلاني قال : ثنا ثابت البناني ، عن أنس بن مالك قال : استأذن ملك المطر ربّه عزّ وجلّ أن يزور النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأذن له ، فجاءه وهو في بيت اُمّ سلمة ، فقال : «يا اُمّ سلمة ، احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد». فبينما هم على الباب إذ جاء الحسين ، ففتح الباب فجعل يتقفز على ظهر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يلتئمه ويقبله ، فقال له الملك : تحبّه يا محمّد؟ قال : «نعم». قال : أما إنّ أمّتك ستقتله ، وإن شئت أن أريك من تربة المكان الذي يُقتل فيها. قال : فقبض قبضة من المكان الذي يُقتل فيه فأتاه بسهلة حمراء ، فأخذته اُمّ سلمة فجعلته في ثوبها. قال ثابت : كنّا نقول : إنّها كربلاء.

    المعجم الكبير ٣ / ٢٦٥ : حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا عبد الصمد بن حسان قال : أنا عمارة ـ يعني ابن زاذان ـ عن ثابت ، عن أنس قال : استأذن ملك المطر أن يأتي النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأذن له ، فقال لاُمّ سلمة : «احفظي علينا الباب لا يدخل أحد». فجاء الحسين بن عليّ (رضي الله تعالى عنهما) فوثب حتّى دخل ، فجعل يصعد على منكب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له الملك : أتحبّه؟ قال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «نعم». قال : فإنّ اُمّتك تقتله ، وإن شئت أريتك المكان الذي يُقتل فيه. قال : فضرب بيده فأراه تراباً أحمر ، فأخذت اُمّ سلمة ذلك التراب فصرّته في طرف ثوبها. قال : فكنّا نسمع يُقتل بكربلاء.

    المعجم الكبير ١١ / ٦٥ : حدّثنا المعمري ومحمّد بن عليّ الصائغ المكي قالا : ثنا عبد السّلام بن صالح الهروي ، ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد (١) ، عن ابن عبّاس قال :

    __________________

    (١) تذكرة الحفّاظ : مجاهد بن جبر ، الإمام أبو الحجّاج المخزومي ، مولاهم المكّي المقري ، المفسّر الحافظ مولى السائب بن أبي السائب المخزومي ، سمع سعداً وعائشة ، وأبا هريرة وأمّ هانئ ، وعبد الله بن عمر
    ٤٢١

    قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمَنْ أراد العلم فليأته من بابه».

    روى ابن المغازلي في مناقب عليّ / ٥١ : بسنده عن عبد الملك بن عمير (١) ، عن أنس

    __________________

    وابن عبّاس ، ولزمه مدّة وقرأ عليه القرآن ، وكان أحد أوعية العلم ، روى عنه قتادة والحكم بن عتيبة ، وعمرو بن دينار ومنصور ، والأعمش وأيوب ، وابن عون وعمر بن ذرّ وخلق. قال مجاهد : عرضت القرآن على ابن عبّاس ثلاث عرضات ، أقف عند كلّ آية أسأله فيم نزلت؟ وكيف كانت؟ قرأ على مجاهد ابنُ كثير وأبو عمرو بن العلاء وابن محيصن. قال قتادة : أعلم ممّن بقى بالتفسير مجاهد. وقال ابن جريج : لأن أكون سمعت من مجاهد أحبّ إليّ من أهلي ومالي. وقال خصيف : أعلمهم بالتفسير مجاهد. وروى إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد قال : ربّما أخذ لي ابن عمر (رضي الله تعالى عنهما) بالركاب. وقال الأعمش : كنت إذا رأيت مجاهداً (ازدريته مبتذلاً كأنّه خربندج قد ضلّ حماره) (في صفوة الصفوة : خربندج كلمة فارسية لم توردها المعاجم العربية ، ومعناها قربنده ، ومعناها مؤجر الحمار) ، وهو مهتم لذلك ، فإذا انطق خرج من فيه اللؤلؤ. وقال حميد الأعرج : كان مجاهد يكبر من : والضحى. قال غير واحد : توفي سنة ثلاث ومئة. وروى الواقدي عن بن جريج قال : بلغ ثلاثاً وثمانين سنة. ذكر محمّد بن حميد ، أخبرنا عبد الله بن عبد القدوس ، عن الأعمش قال : كان مجاهد لا يسمع بأعجوبة إلاّ ذهب لينظر إليها ، ذهب إلى حضرموت ليرى بئر برهوت ، وذهب إلى بابل وعليه والٍ ، فقال له مجاهد : تعرض عليّ هاروت وماروت. فدعا رجلاً من السحرة فقال : اذهب به. فقال اليهودي : بشرط أن لا تدعو الله عندهما. قال : فذهب به إلى قلعة فقطع منها حجراً ، ثمّ قال : خذ برجلي. فهوى به حتّى انتهى إلى جوبة (الجوبة من الأرض : الدارة في المكان المبني بالوطي من الأرض القليل الشجر) ، فإذا هما معلقين منكسين كالجبلين ، فلما رأيتهما قلت : سبحان الله خالقكما! فاضطربا ، فكأنّ الجبال تدكدكت ، فغشي عليّ وعلى اليهودي ، ثم أفاق قبلي فقال : قد أهلكت نفسك وأهلكتني.

    (١) تذكرة الحفاظ ١ / ١٣٥ : ع عبد الملك بن عمير الإمام أبو عمرو اللخمي الكوفي ، حدّث عن جابر بن سمرة وجندب بن عبد الله ، وعدي بن حاتم وابن الزبير ، وربعي بن حراش وخلق. وعنه زائدة والسفيانان وإسرائيل ، وعبيدة بن حميد وزياد البكائي وآخرون. ولي قضاء الكوفة بعد الشعبي وكان من العلماء الأعلام. قال النسائي وغيره : ليس به بأس ، واحتج به الشيخان. وقال أبو حاتم : ليس بحافظ. وقال يحيى بن معين : هو مختلط. قلت : ما اختلط الرجل ، ولكنّه تغيّر تغيّر الكبر ، وضعفه أحمد بن حنبل لغلطه ، عاش أزيد من مئة عام. مات في ذي الحجّة سنة ست وثلاثين ومئة بلا نزاع وقع لي من عواليه. تهذيب الكمال ١٨ / ٣٧٠ ع : عبد الملك بن عمير بن سويد بن جارية القرشي ، ويقال : اللخمي ،
    ٤٢٢

    __________________

    أبو عمرو ، ويقال : أبو عمر الكوفي المعروف بالقبطي ، رأى عليّ بن أبي طالب وأبا موسى الأشعري ، وروى عن أسيد بن صفوان فق ، وكان قد أدرك النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأشعث بن قيس ، وإياد بن لقيط تم س ، وجابر بن سمرة خ م س ، وجبر بن عتيك الأنصاري س ، وجرير بن عبد الله البجلي ، وجندب بن عبد الله البجلي خ م س ، وحصين بن أبي الحرّ العنبري س ، وحصين بن قبيصة س ق ، ويُقال : ابن عقبة الفزاري. وخالد بن ريعي الأسدي ، وربعي بن حراش خ م د ت ق ، والربيع بن عملية ، ورفاعة بن شداد س ق ، وزياد أبي الأوبر الحارثي ، وزيد بن عقبة الفزاري د ت س ، وسعيد بن حريث ق ، وسعيد بن فيروز الديلمي ، وشبيب بن نعيم س ، وعبد الله بن الحارث بن نوفل خ م ، وعبد الله بن الزبير بن العوام س ، وعبد الله بن معقل بن مقرن مد ، وعبد الرّحمن بن أبي بكرة الثقفي ع ، وعبد الرّحمن بن سعيد بن وهب الهمداني بخ ، وعبد الرّحمن بن عبد الله بن مسعود ت س ، وعبد الرّحمن بن أبي ليلى م سي ، وعبيد الله بن جرير بن عبد الله البجلي ، وعثمان بن سليمان بن أبي حثمة عخ ، والعريان بن الهيثم النخعي س ، وعطية القرظي ع. وعلقمة بن وائل بن حجر الحضرمي م ، وعمرو بن حريث خ م ت س ق ، وعمرو بن ميمون الأودي خ ت س ، وقبيصة بن جابر بخ ، وقزعة بن يحيى خ م ت ق ، ومحارب بن دثار ، ومحمّد بن المنتشر م س ق ، ومصعب بن سعد بن أبي وقاص خ م ت س ، والمغيرة بن شعبة ، والمنذر بن جرير بن عبد الله البجلي م ق ، وموسى بن طلحة بن عبيد الله م ت ص ، والنعمان بن بشير ، ووراد كاتب المغيرة بن شعبة خ م س ، وأبي الأحوص الجشمي بخ م ، وأبي بردة بن أبي موسى الأشعري خ م ، وأبي بكر بن عمارة بن رويبة الثقفي م ، وأبي سلمة بن عبد الرّحمن م ٤ ، وأمّ عطية الأنصارية د ، وأمّ العلاء الأنصارية د. روى عنه إبراهيم بن محمّد بن مالك الهمداني ، وأسباط بن محمّد القرشي ، وإسحاق بن الصباح الأشعثي الكبير ، وإسرائيل بن يونس م ، وإسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ق ، وإسماعيل بن أبي خالد ، وإسماعيل بن مجالد بن سعيد ت ، وأسيد بن القاسم الكناني ، وجرير بن حازم ، وجرير بن عبد الحميد خ م ، وحبان بن عليّ العنزي ، والحسين بن واقد المروزي س ، وحمّاد بن سلمة م ، وداود بن نصير الطائي س. وزائدة بن قدامة خ م ، وزكريا بن أبي زائدة م ، وزهير بن معاوية ، وزياد بن عبد الله البكائي م ، وزيد بن أبي أنيسة ، وسفيان الثوري خ م ، وسفيان بن عيينة م ت ، وسليمان التيمي ، وسليمان الأعمش ، وشريك بن عبد الله م ت ، وشعبة بن الحجّاج خ م ، شعيب بن صفوان م تم س ، وشهر بن حوشب م (وهو من أقرانه) ، وشيبان بن عبد الرّحمن م ، وعبد الحكيم بن منصور ت ، وعبد الرّحمن بن عبد الله المسعودي ، وعبد الرّحمن بن محمّد المحاربي ، وعبيد الله بن عمرو الرقي خت م ت ق ، وعبيدة بن حميد خ ، وعليّ بن الحكم البناني ، وعليّ بن سليمان بن كيسان الكيساني. وعمر بن عبيد الطنافسي م س ، وعمر بن الهيثم الهاشمي فق ، وعمرو بن قيس الملائي ، وقرّة بن خالد السدوسي س ، ومحمّد بن حسان د ، ومحمّد بن شبيب الزهراني م س ، ومروان بن معاوية الفزاري ، ومسعر بن كدام م ، ومعتمر بن سليمان وابنه موسى بن عبد الملك بن عمير ، وهشيم بن بشير م ، وأبو عوانة
    ٤٢٣

    ابن مالك قال : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده جماعة من أصحابه فقالوا : والله يا رسول الله ، إنّك أحبّ إلينا من أنفسنا وأولادنا. قال : فدخل حينئذ عليّ ، فنظر إليه النّبي وقال له : «كذب مَنْ زعم أنّه يبغضك ويحبّني» (١).

    تاريخ بغداد ١١ / ١٧٣ : عيسى بن محمّد بن عبيد الله أبو موسى حدّث بدمشق عن الحسين بن إبراهيم البابي ، روى عنه بن عدي أيضاً ، أخبرنا أبو سعد الماليني قراءة ، أخبرنا عبد لله بن عدي الحافظ بجرجان ، حدّثنا عيسى بن محمّد بن عبد الله أبو موسى البغدادي بدمشق ، حدّثنا الحسين بن إبراهيم البابي ، حدّثنا حميد الطويل ، عن أنس بن مالك قال : قال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لمّا عرج بي رأيت على ساق العرش مكتوباً : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، أيّدته بعليّ ، نصرته بعليّ».

    تاريخ بغداد ١٢ / ٩١ : عليّ بن محمّد بن شداد أبو الحسن المطرز حدّث عن محمّد بن محمّد الباغندي وأبي القاسم البغوي ، حدّثنا عنه عبيد الله بن محمّد بن عبيد الله النجار ، أخبرنا النجار ، حدّثنا أبو الحسن عليّ بن محمّد بن شداد المطرز ، حدّثنا محمّد بن محمّد بن سليمان الباغندي ، حدّثنا أبو سهيل القطيعي ، حدّثنا حمّاد بن زيد بمكة ، وعيسى بن واقد ، عن أبان بن أبي عيّاش ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّما مثلي ومثل أهل بيتي كسفينة نوح ، مَنْ ركبها نجا ، ومَنْ تخلّف عنها غرق».

    __________________

    الوضاح بن عبد الله خ م ، والوليد بن أبي ثور عخ ، وأبو المحياة يحيى بن يعلى التيمي ت ق ، ويزيد بن زياد بن أبي الجعد سي ، وأبو بكر بن عيّاش ، وأبو حمزة السكري س. روى في الطبقات الكبرى ٦ / ٣١٥ : أنّه ولد في ثلاث سنين بقين من خلافة عثمان. قال : أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، عن أبي بكر بن عيّاش قال : قال لي عبد الملك بن عمير يوماً وأنا عنده : أتى عليّ مئة وثلاث سنين ، قال : وقال سفيان بن عيينة : (هما كبيرا أهل الكوفة يومئذ) ، هذا ابن مئة ، وهذا ابن مئة ، (يعني عبد الملك بن عمير وزياد بن علاقة). قالوا : وولي عبد الملك بن عمير القضاء بالكوفة قبل الشعبي ، وكان يلقّب القبطي ، وتوفي بالكوفة في ذي الحجّة سنة ست وثلاثين ومئة.

    (١) أخرجه أيضاً الذهبي في ميزان الاعتدال ، وابن حجر في لسان الميزان ، وابن عدي في الكامل ٢ / ٣٦٣.
    ٤٢٤

    المستدرك ٣ / ١٣٢ : حدّثنا عبدان بن يزيد بن يعقوب الدقاق من أصل كتابه ، ثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل ، ثنا أبو نعيم ضرار بن صرد ، ثنا معتمر بن سليمان قال : سمعت أبي يذكر عن الحسن ، عن أنس بن مالك (رضي الله تعالى عنه) : أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ : «أنت تبيّن لأمّتي ما اختلفوا فيه من بعدي». هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

    التّرمذي ٦ / ٢١٥ : ثنا الحسين بن إسحاق التستري ، ثنا عليّ بن بحر ، ثنا سلمة بن الفضل الأبرش ، ثنا عمران الطائي قال : سمعت أنس بن مالك يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الجنّة تشتاق إلى أربعة ؛ عليّ بن أبي طالب ، وعمّار بن ياسر ، وسلمان الفارسي ، والمقداد بن الأسود (رضي الله تعالى عنهم)».

    روايات بريدة بن الحصيب (ت ٦٢) :

    مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ٩ / ١٢٨ : عن بريدة قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً أميراً على اليمن ، وبعث خالد بن الوليد على الجبل ، فقال : «إن اجتمعتما فعليّ على النّاس». فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله ، وأخذ عليّ جارية من الخمس ، فدعا خالد بن الوليد بريدة فقال : اغْتَنمْها فأخبر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما صنع. فقدمت المدينة ودخلت المسجد ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في منزله ، وناس من أصحابه على بابه ، فقالوا : ما الخبر يا بريدة؟ فقلت : خيراً فتح الله على المسلمين. فقالوا : ما أقدمك؟ قلت : جارية أخذها عليّ من الخمس ، فجئت لأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. فقالوا : فأخبر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّه يسقط من عين النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسمع الكلام ، فخرج مغضباً فقال : «ما بال أقوام ينتقصون عليّاً؟! مَنْ تنقّص عليّاً فقد تنقّصني ، ومَنْ فارق عليّاً فقد فارقني ؛ إنّ عليّاً منّي وأنا منه ، خُلق من طينتي ، وخُلقت من طينة إبراهيم ، وأنا أفضل من إبراهيم (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ
    ٤٢٥

    بعض والله سميع عليم) (آل عمران / ٣٤). يا بريدة ، أما علمت أنّ لعليّ أكثر من الجارية التي أخذ ، وأنّه وليّكم بعدي؟». فقلت : يا رسول الله ، بالصّحبة ألا بسطت يدك فبايعتني على الإسلام جديداً؟ قال : فما فارقته حتّى بايعته على الإسلام. رواه الطبراني في الأوسط.

    مسند أحمد ٥ / ٣٦١ : حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا وكيع ، ثنا الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن بن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ كنت وليه فعليّ وليّه».

    المعجم الأوسط ١ / ٢٢٩ : حدّثنا أحمد بن رشدين قال : حدّثنا محمّد بن أبي السري العسقلاني قال : حدّثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن بن طاووس ، عن أبيه ، عن بريدة : أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ : «مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه». لم يرو هذا الحديث عن طاووس إلاّ ابنه ، ولا عن ابن طاووس إلاّ معمر وابن عيينة ، تفرّد به عبد الرزاق.

    السنن الكبرى ٥ / ١٠٩ : أخبرنا محمّد بن بشار قال : حدّثنا محمّد بن جعفر قال : حدّثنا عوف ، عن ميمون ، عن أبي عبد الله أنّ عبد الله بن بريدة حدّثه ، عن بريدة الأسلمي قال : لمّا كان حيث نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بحضرة أهل خيبر أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اللواء عمر ، فنهض معه مَنْ نهض من النّاس ، فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لأعطين اللواء رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله». فلمّا كان من الغد تصادر أبو بكر وعمر فدعيا عليّاً وهو أرمد ، فتفل في عينيه ونهض معه من النّاس مَنْ نهض ، فلقي أهل خيبر فإذا مرحب يرتجز وهو يقول :

    قد علمت خيبرُ أنّي مرحبُ




    شاكي السلاحِ بطلٌ مجربُ

    أطعنُ أحياناً وحيناً أضربُ




    إذا الليوثُ أقبلت تلهّبُ

    فاختلف هو وعليّ ضربتين ، فضربه عليّ على هامته حتّى عضّ السيف منها أبيض
    ٤٢٦

    رأسه ، وسمع أهل العسكر صوت ضربته ، فما تتام آخر النّاس مع عليّ حتّى فتح الله له ولهم.

    الدر المنثور قوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) أخرج ابن مردويه ، عن بريدة : قرأ رسول الله الآية ، فقام إليه رجل فقال : أيّ بيوت هذه يا رسول الله؟ قال : «بيوت الأنبياء». فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول الله ، هذا البيت منها؟ قال : «نعم من أفاضلها». (قال المؤلِّف : أشار إلى بيت عليّ وفاطمة عليهما‌السلام).

    أقول : روى النسائي في الخصائص / ١٠٧ بسنده ، عن سعيد بن عبيد قال : جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عليّ ، قال : لا اُحدّثك عنه ، ولكن انظر إلى بيته من بيوت رسول الله. قال : فإنّي أبغضه. قال : أبغضك الله.

    وفي مصنف ابن أبي شيبة ١٢ / ٨٢ رقم ١٢١٧٦ ، خلف بن خليفة ، عن أبي هارون قال : كنت مع ابن عمر جالساً إذ جاءه ابن الأزرق ، فقام على رأسه فقال : والله إنّي لأبغض عليّاً. فرفع إليه ابن عمر رأسه فقال : أبغضك الله! تبغض رجلاً سابقة من سوابقه خير من الدنيا وما فيها؟!

    تاريخ بن عساكر ٤٢ / ١٣٢ : بسنده ، عن المفضل بن صالح ، عن جابر الجعفي ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه أنّ رسول الله قال لفاطمة : «أما ترضين أنّي زوّجتك أقدمهم سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأفضلهم حلماً. والله إنّ بنيك لمَنْ شباب أهل الجنّة» (١).

    المستدرك ٣ / ١٦٨ : حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب ، ثنا العباس بن محمّد الدوري ، ثنا شاذان الأسود بن عامر ، ثنا جعفر بن زياد الأحمر ، عن عبد الله بن عطاء ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : كان أحبّ النساء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة ، ومن الرجال عليّ. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

    __________________

    (١) أقول : الفقرة الأخيرة من الحديث محرّفة ، وصحيحها سيّدا شباب أهل الجنّة.
    ٤٢٧

    المستدرك ٣ / ١٤٣ : حدّثنا أبو بكر بن إسحاق ، أنبأ بشر بن موسى ، ثنا محمّد بن سعيد بن الإصبهاني ، ثنا شريك ، وأخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدّثني أبي ، ثنا الأسود بن عامر وعبد الله بن نمير قال : ثنا شريك ، عن أبي ربيعة الأيادي ، عن بن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الله أمرني بحبّ أربعة من أصحابي ، وأخبرني أنّه يحبّهم». قال : قلنا : مَنْ هم يا رسول الله ، وكلّنا نحبّ أن نكون منهم؟ فقال : «ألا إنّ عليّاً منهم». ثم سكت ، ثم قال : «أما إنّ عليّاً منهم». ثمّ سكت. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

    روايات أبي برزة الأسلمي (ت ٦٤) :

    الدّرّ المنثور ٤ / ٤٥ : وأخرج ابن مردويه ، عن أبي برزة الأسلمي رضي‌الله‌عنه : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إنّما أنت منذر» ، ووضع يده على صدر نفسه ، ثمّ وضعها على صدر عليّ ويقول : «ولكلّ قوم هاد».

    أخرج ابن أبي حاتم في التفسير ، عن أبي برزة الأسلمي : أنّ النّبي قال لعليّ : «إنّي أمرت أن أدنيك ولا أقصيك ، وأعلّمك وأن تعي ، وحقّ لك أن تعي ، وحقّ لك أن تعي». قال : فنزلت هذه الآية (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ).

    روايات واثلة بن الأسقع (ت ٨٥) :

    اُسد الغابة ٢ / ١٩ : وروى الأوزاعي عن شداد بن عبيد الله قال : سمعت واثلة بن الأسقع وقد جيء برأس الحسين فلعنه رجل من أهل الشام ولعن أباه ، فقام واثلة وقال : والله لا أزال أحبّ عليّاً والحسن والحسين وفاطمة بعد أن سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول فيهم ما قال. لقد رأيتني ذات يوم وقد جئت إلى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيت اُمّ سلمة ، فجاء الحسن فأجلسه على فخذه اليمنى وقبّله ، ثمّ جاء الحسين فأجلسه على فخذه اليسرى وقبّله ، ثمّ جاءت فاطمة فأجلسها بين يديه ، ثمّ دعا بعليّ ثمّ قال :
    ٤٢٨

    (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً). قلت لواثلة : ما الرجس؟ قال : الشك في الله عزّ وجلّ.

    مصنف ابن أبي (شيبة ١٢ / ٧٢ ، الحسكاني ٢ / ٤٢ ، مسند أحمد ٤ / ١٠٤) ، واللفظ للأخير : حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا محمّد بن مصعب قال : ثنا الأوزاعي ، عن شداد أبي عمار قال : دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم فذكروا عليّاً (وفي رواية ابن أبي شيبة والحسكاني : فشتموا فشتمته معهم ، فلمّا قاموا قال : شتمت هذا الرجل؟ قلت : رأيت القوم شتموه فشتمته معهم) ، فلمّا قاموا قال لي : ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قلت : بلى. قال : أتيت فاطمة (رضي الله تعالى عنها) أسألها عن عليّ ، قالت : «توجّه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله». فجلست أنتظر حتّى جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه عليّ وحسن وحسين (رضي الله تعالى عنهم) ، آخذ كلّ واحد منهما بيده حتّى دخل ، فأدنا عليّاً وفاطمة فأجلسهما بين يديه ، وأجلس حسناً وحسيناً كلّ واحد منهما على فخذه ، ثمّ لفّ عليهم ثوبه (أو قال : كساء) ، ثمّ تلا هذه الآية (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، وقال : «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي ، وأهل بيتي أحقّ».

    قال ابن أبي شيبة : قال أبو أحمد العسكري : يُقال أنّ الاوزاعي لم يرو في الفضائل حديثاً غير هذا ، والله أعلم. قال : وكذلك الزهري لم يرو فيها إلاّ حديثاً واحداً ، كانا يخافان بني اُميّة.

    روايات الحارث الأعور الهمداني (ت ٦٥) :

    قال البزار في كشف الأستار / ٢٦١٢ : حدّثنا الحسين بن عليّ بن جعفر ، حدّثنا عليّ بن ثابت ، حدّثنا سعيد بن سليمان ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن عليّ قال : قال رسول الله : «إنّي مقبوض ، وإنّي قد تركت فيكم الثّقلين ، يعني كتاب الله وأهل بيتي ، وإنّكم لن تضلّوا بعدهما».
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 11:08 am



    مسند أبي يعلى ١ / ٣٤٧ : حدّثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، حدّثنا جعفر بن سليمان ، حدّثني النضر بن حميد الكوفي ، عن أبي الجارود ، عن الحارث الهمداني قال : رأيت عليّاً جاء حتّى صعد ، فحمد وأثنى عليه ، ثمّ قال : «قضاء قضاه الله على لسان نبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، النّبي الأمّي ، أنه لا يحبّني إلاّ مؤمن ، ولا يبغضني إلاّ منافق ، وقد خاب من افترى». قال : قال النصر : وقال عليّ : «أنا أخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وابن عمّه ، لا يقولها أحد بعدي».

    المعجم الكبير ٣ / ٥٣ : حدّثنا عبيد بن غنام ، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدّثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن عليّ (رضي الله تعالى عنه) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة».

    المعجم الكبير ٣ / ٤٧ : حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا محمّد بن حفص بن راشد الهلالي ، ثنا الحسين بن عليّ ، ثنا ورقاء بن عمر ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن عليّ (رضي الله تعالى عنه) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للحسين بن عليّ : «مَنْ أحبّ هذا فقد أحبّني».

    الخطيب في تلخيص المتشابه : بسنده عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن عليّ قال : «قال رسول الله : أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمَنْ أراد العلم فليأت الباب» (١).

    تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٦٠ : بسنده عن ضمرة ، عن عطاء ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن عليّ قال : «رسول الله على بينة من ربّه ، وأنا الشاهد منه» (٢).

    روايات الأصبغ بن نباتة (ت بعد سنة ٧٠) :

    المستدرك ٣ / ١٥٠ : حدّثناه أبو بكر بن بالويه ، ثنا محمّد بن يونس القرشي ، ثنا عبد

    __________________

    (١) فتح الملك العليّ / ٥٤.

    (٢) وفي ترجمة عليّ عليه‌السلام ـ لابن عساكر ـ تحقيق المحمودي ٢ / ٤٢١ قال : وقد رواه الحافظ الحسكاني في تفسير الآية بسند آخر ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن عليّ عليه‌السلام.
    ٤٣٠

    العزيز بن الخطاب ، ثنا عليّ بن غراب بن أبي فاطمة ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن أبي أيوب الأنصاري (رضي الله تعالى عنه) قال : سمعت النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليّ بن أبي طالب : «تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات والنهروانات وبالشعفات». قال أبو أيوب : قلت : يا رسول الله ، مع مَنْ نقاتل هؤلاء الأقوام؟ قال : «مع عليّ بن أبي طالب».

    الرياض النضرة ٢ / ٢٢٢ : عن الأصبغ قال : أتينا مع عليّ فمررنا بموضع قبر الحسين ، فقال عليّ : «ها هنا مناخ ركابهم ، وها هنا موضع رحالهم ، وها هنا مهراق دمائهم ، فتية من آل محمّد يُقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض».

    أبو نعيم في حلية الأولياء ، وأبو الحسن الحربي في أماليه : بسنده عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن عليّ قال : «قال رسول الله : أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، كذب مَنْ زعم أنّه يدخلها من غير بابها» (١).

    روى ابن الأثير في اُسد الغابة ٣ / ٣٠٧ و ٥ / ٢٠٥ ، عن الحافظ ابن عقدة ، عن محمّد بن إسماعيل بن إسحاق الراشدي ، حدّثنا محمّد بن خلف النميري ، حدّثنا عليّ بن الحسن العبدي ، عن الأصبغ قال : نشد عليّ النّاس في الرحبة مَنْ سمع النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم ما قال إلاّ قام ، ولا يقوم إلاّ مَنْ سمع رسول الله يقول. فقام بضعة عشر رجلاً فيهم أبو أيوب الأنصاري ، وأبو عمرة بن عمرو بن محصن ، وأبو زينب (ابن عوف الأنصاري) ، وسهل بن حنيف ، وخزيمة بن ثابت ، وعبد الله بن ثابت الأنصاري ، وحبشي بن جنادة الصلولي ، وعبيد بن عازب الأنصاري ، والنعمان بن عجلان الأنصاري ، وثابت بن وديعة الأنصاري ، وأبو فضالة الأنصاري (٢) ، وعبد الرّحمن بن عبد

    __________________

    (١) فتح الملك ١ / ٥٥ ، الغدير ٣ / ٧١.

    (٢) تعجيل المنفعة ١ / ٥١٣ : أبو فضالة الأنصاري ، عن عليّ (رضي الله تعالى عنه) ، وعنه ابنه فضالة. قال أبو حاتم : له صحبة ، وشهد بدراً ، وقُتل مع علي بصفين. قلت : ذلك في نفس المسند من وجه لين. قال أحمد : حدّثنا هاشم بن القاسم ، ثنا محمّد بن راشد. وأخرج بن أبي خيثمة واللفظ له ، عن عارم ، عن محمّد بن
    ٤٣١

    ربّ الأنصاري ، فقالوا : نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «ألا مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهمّ والِ مَنْ والاه ، وعادِ مَنْ عاداه ، وأحبّ مَنْ أحبّه ، وابغض مَنْ أبغضه ، وأعن مَنْ أعانه».

    شرح نهج البلاغة ٢ / ١٩٥ : قال نصر : وحدّثنا عمر بن سعد قال : حدّثنا سعد بن طريف ، عن الأصبغ ابن نباته قال : قال علي : «ما يقول النّاس في هذا القبر؟». (وفي النخيلة وبالنخيلة قبر عظيم يدفن اليهود موتاهم حوله). فقال الحسن بن علي عليه‌السلام : «يقولون هذا قبر هود لمّا عصاه قومه جاء فمات ها هنا». فقال : «كذبوا ؛ لأنّا أعلم به منهم ، هذا قبر يهودا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بكر يعقوب». ثمّ قال : «ها هنا أحد من مهره؟». فأتي بشيخ كبير فقال : «أين منزلك؟». قال : على شاطئ البحر. قال : «أين أنت من الجبل؟». قال : أنا قريب منه. قال : «فما يقول قومك فيه؟». قال : يقولون إنّ فيه قبر ساحر. قال : «كذبوا ، ذاك قبر هود النبي ، وهذا قبر يهودا بن يعقوب». ثمّ قال : «يحشر من ظهر الكوفة سبعون ألفاً على غرّة الشّمس يدخلون الجنّة بغير حساب».

    __________________

    راشد ، عن عبد الله بن محمّد بن عقيل ، عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري قال : خرجت مع أبي عائداً لعليّ بن أبي طالب من مرض أصابه ثقل منه ، فقال له أبي : ما يقيمك بمنزلك هذا؟ لو أصابك أجلك لم يلك إلاّ أعراب جهينة ؛ تُحمل إلى المدينة فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلّوا عليّك. فقال علي : «إنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عهد إليّ لا أموت حتّى اُؤمر ، ثمّ تخضب هذه (يعنى لحيته) من هذه (يعنى هامته)». فقال فضالة : فقُتل ، وقُتل معه أبو فضالة بصفين. قال : وكان أبو فضالة من أهل بدر. وكذا أخرجه أسد بن موسى في فضائل الصحابة ، عن محمّد بن راشد مطوّلاً ، وقال في آخره : قال فضالة : فصحبه أبي إلى صفين وقُتل معه ، وذكره البخاري من طريق محمّد بن راشد مختصراً ، وأخرجه الحارث بن أبي أسامة ، عن الحسن بن موسى ، عن محمّد بن راشد مطوّلاً أيضاً. أيضاً في الإصابة ٧ / ٣٢٢ بترجمة أبي فضالة الأنصاري.

    تعجيل المنفعة ١ / ٣٣٣ : فضالة بن أبي فضالة الأنصاري كوفي ، ، عن أبيه ، وله صحبة ، وعنه عبد الله بن محمّد بن عقيل ، وثقه ابن حبّان. وقال ابن خراش : لأبيه صحبة ، وهو مجهول. وقال أبو حاتم : كان أبوه بدريّاً. وروى هو عن أبيه ، وعن عليّ (رضي الله تعالى عنه). قلت : الذي في المسند روايته عن عليّ ، وفيه قصّة لأبيه مع عليّ ، وفيها أنّه قُتل مع عليّ بصفين ، وعلى روايته عن عليّ اقتصر ابن حبّان في الثقات.
    ٤٣٢

    شرح نهج البلاغة ٥ / ٢٥٨ : قال نصر : وحدّثنا يحيى بن يعلى ، عن الأصبغ بن نباته قال : جاء رجل إلى علي فقال : يا أمير المؤمنين ، هؤلاء القوم الذين نقاتلهم الدعوة واحدة ، والرسول واحد ، والصلاة واحدة ، والحج واحد فماذا نسمّيهم؟ قال : «سمّهم بما سمّاهم الله في كتابه». قال : ما كلّ ما في الكتاب أعلمه. قال : أما سمعت الله تعالى يقول : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ... وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ)؟ فلمّا وقع الاختلاف كنّا نحن أولى بالله وبالكتاب وبالنّبي وبالحقّ ، فنحن الذين آمنوا وهم الذين كفروا ، وشاء الله قتالهم فقاتلهم بمشيئته وإرادته».

    روايته لوصية أمير المؤمنين لولده الحسن : روى أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري في كتاب الزواجر والمواعظ ، وقد ذكر عدّة طرق لروايتها ، منها : ما ذكره بسنده إلى الحسن بن طريف بن ناصح ، عن الحسن بن علوان ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة (١).

    روايته لعهد أمير المؤمنين إلى مالك الأشتر ، رواه النجاشي في الفهرست ، عن ابن الجندي ، عن عليّ بن همام ، عن الحميري ، عن هارون بن مسلم ، عن الحسين بن علوان ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ.

    الحسكاني في شواهد التنزيل ١ / ٥٧ : بسنده عن زكريا بن ميسرة (٢) ، عن الأصبغ بن نباتة قال : قال عليّ : «نزل القرآن أرباعاً ؛ فربع فينا ، وربع في عدوّنا ، وربع تفسير سنن وأمثال ، وربع فرائض وأحكام ، ولنا كرائم القرآن».

    __________________

    (١) كشف المحطة إلى ثمرة المهجة ، الفصل ١٥٤ / ١٥٤.

    (٢) تهذيب الكمال ٩ / ٣٧٤ : ق زكريا بن ميسرة البصري ، روى عن النهاس بن قهم ق ، عن أنس في الحجامة ، وعن أبي غالب الترس ، عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه في الفتن ، وروى عنه عثمان بن مطرق ، ويونس بن عبيد ، وروى له ابن ماجة. أقول : من الرواة عنه أبو حمزة الثمالي كما في تفسير فرات.
    ٤٣٣

    الحسكاني ج ٢٦٣ / ١٩٨ (١) : بسنده عن حسين بن علوان ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة قال : كنت جالساً عند عليّ فأتاه عبد الله بن الكوّاء فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن قول الله وَبَيْنَهُما حِجابٌ (وَعَلَى الأْعْرافِ رِجالٌ). فقال : «ويحك يابن الكوّاء! نحن نوقف يوم القيامة بين الجنّة والنار ، فمَنْ ينصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنّة ، ومَنْ أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النار».

    الحسكاني ١ / ٥٢٤ : بسنده عن حسن بن حسن بن علوان ، عن سعد الإسكاف ، عن الأصبغ ، عن عليّ في قول الله تعالى (وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآْخِرَةِ عن الصِّراطِ لَناكِبُونَ) قال : «عن ولايتنا».

    ابن الجوزي في اللئالي ١ / ١٩٢ ، الحسكاني : عن محمّد بن كثير ، عن الأصبغ بن نباتة قال : (إِنَّ الأْبْرارَ يَشْرَبُونَ) يعني بهم عليّاً وفاطمة والحسن والحسين. (يوفون بالنَّذر) : عليّ وفاطمة ، ثمّ ساق قصّة مرض الحسن والحسين ، ونذر عليّ وفاطمة الصوم لشفائهما.

    الطبقات الكبرى ٦ / ٥ قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباته ، عن عليّ قال : «الكوفة جمجمة الإسلام ، وكنز الإيمان ، وسيف الله ، ورمحه يضعه حيث يشاء. وأيم الله ، لينصرنّ الله بأهلها في مشارق الأرض ومغاربها كما انتصر بالحجاز».

    عاصم بن أبي ضمرة (ت ٧٤) :

    المستدرك ٣ / ١٦٤ : أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن بطة الإصبهاني ، ثنا عبد الله بن محمّد بن زكريا الإصبهاني ، ثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ، ثنا الأجلح بن عبد الله الكندي ، عن حبيب بن ثابت ، عن عاصم بن ضمرة ، عن عليّ (رضي الله تعالى عنه) قال : «أخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ أوّل مَنْ يدخل الجنّة أنا وفاطمة والحسن والحسين. قلت : يا رسول الله ، فمحبّونا؟ قال : من ورائكم». صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

    __________________

    (١) هكذا وردت الأرقام هنا ، ولا نعرف ما هو المقصود منها ، ولكننا راجعنا الرواية في شواهد التنزيل فوجدناها في ج ١ ص ٢٦٣. (موقع معهد الإمامين الحسنَيَن)
    ٤٣٤

    روى الخطيب في تلخيص المتشابه بسنده عن أبي إسحاق عاصم بن ضمرة ، عن عليّ قال : «قال رسول الله : أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمَنْ أراد العلم فليأت الباب» (١).

    مصنف ابن أبي شيبة ١٢ / ٦٨ رقم ١٢١٤٣ : شريك ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة قال : خطب الحسن بن عليّ حين قُتل عليّ فقال : «يا أهل العراق ، لقد كان فيكم بين أظهركم رجل قُتل الليلة ، وأُصيب اليوم ، لم يسبقه الأوّلون بعلم ، ولا يدركه الآخرون ، كان النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا بعثه في سرية إنّ جبريل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، فلا يرجع حتّى يفتح الله عليه».

    روايات حبّة بن جوين العرني (ت ٧٦) :

    السنن الكبرى ٥ / ١٠٥ : أخبرنا أبو عبد الرّحمن أحمد بن شعيب بن عليّ النسائي قال : أخبرنا محمّد بن المثنى قال : حدّثنا عبد الرّحمن يعني ابن مهدي (مسند أحمد ١ / ١٤١ ، عن يزيد) (الآحاد والمثاني ـ لابن أبي عاصم ١ / ١٤٩ عن شبابة) قال : حدّثنا شعبة ، عن سلمة بن كهيل قال : سمعت حبّة العرني قال : سمعت عليّاً يقول : «أنا أوّل مَنْ صلى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

    الدّرّ المنثور ٣ / ٣٢٩ : أخرج أبو الشيخ ، عن حبّة العرني قال : جاء رجل إلى عليّ رحمه‌الله فقال : إنّي قد اشتريت راحلة ، وفرغت من زادي ، اُريد بيت المقدس لأصلي فيه ؛ فإنّه قد صلى فيه سبعون نبيّاً ، ومنه فار التنور ، يعني مسجد الكوفة.

    اُسد الغابة ١ / ٣٦٧ : حبّة بن جوين البجلي ثمّ العرني أبو قدامة كوفي من أصحاب عليّ رحمه‌الله ، ذكره أبو العباس بن عقدة في الصّحابة ، وروى عن يعقوب بن يوسف بن زياد ، وأحمد بن الحسين بن عبد الملك قال : أخبرنا نصر بن مزاحم ، أخبرنا عبد الملك بن مسلم الملائي ، عن أبيه ، عن حبّة بن جوين العرني البجلي قال : لمّا كان يوم غدير خم دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

    __________________

    (١) فتح الملك / ٥٤.
    ٤٣٥

    الصلاة جامعة نصف النهار قال : فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أيّها النّاس ، أتعلمون أنّي أولى بكم من أنفسكم؟». قالوا : نعم. قال : «فمَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهمّ والِ مَنْ والاه ، وعادِ مَنْ عاداه». وأخذ بيد عليّ حتّى رفعها حتّى نظرت إلى آباطهما وأنا يومئذ مشرك. أخرجه أبو موسى.

    قال ابن الأثير : لم يكن لحبّة بن جوين صحبة ، وإنّما كان من أصحاب علي وابن مسعود ، وقوله أنّه شهدهما وهو مشرك فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال هذا في حجّة الوادع ، ولم يحجّ تلك السنة مشرك ؛ لأنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سيّر عليّاً سنة تسع إلى مكّة في الموسم ، وأمره أن ينادي أن لا يحجّ بعد العام مشرك ، وحجّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سنة عشر حجّة الوداع ، والإسلام قد عمّ جزيرة العرب.

    وأمّا نسب حبّة فهو : حبّة بن جوين بن علي بن عبد بهم بن مالك بن غانم بن مالك بن هوازن بن عرينة بن نذير بن قسر بن عبقر بن أنمار بن أراش البجلي ثمّ العرني.

    أقول : حبّة راوي مناشدة عليّ ، ولم يكن شاهداً لوقعة الغدير ، ومن المحتمل أنّ الراوي قد خلط كلام حبّة ، وهو قوله : (وأنا يومئذ مشرك) مع كلام أحد شهود الوقعة ، وهو قوله : (حتّى نظرت إلى آباطهما).

    روى الحافظ ابن المغازلي الشافعي في المناقب / ٢٠ بسنده عن الجرّاح الكندي (١) أبي إسحاق الهمداني ، عن عبد خير وعمر ذي مرّة وحبّة العرني قالوا : سمعنا عليّ بن أبي طالب ينشد النّاس في الرحبة : «مَنْ سمع رسول الله يقول : مَنْ كنت مولاه ...»؟ فقام اثنا عشر رجلاً من أهل بدر ، منهم زيد بن أرقم ، فقالوا : نشهد أنّا سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خم : «مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه».

    __________________

    (١) قال في التقريب : الجرّاح بن الضحّاك بن قيس الكندي الكوفي ، صدوق من السابعة ت. وفي الكاشف : الجرّاح الكندي بالرّي ، عن علقمة بن مرثد وجماعة ، وعنه جرير وإسحاق بن سليمان ، صالح الحديث ت.
    ٤٣٦

    أقول : ذكر زيد بصفته أحد الذين قاموا ، يناقضه ما روي أنّ زيداً كان قد كتم وأصابته دعوة عليّ. هذا مضافاً إلى أنّ زيداً كانت أولى مشاهده مع النّبي هي الخندق لصغر سنه ، ومن هنا فإنّ ذكره لزيد سهواً من أحد الرواة ، عن أبي إسحاق ، أو من أبي إسحاق نفسه وهو الأرجح ، حيث ذكروا أنّه اختلط في آخر عمره أو نسي. والظاهر أنّ الجرّاح الكندي روى عن أبي إسحاق في أُخريات عمره ، بدليل هو من الطبقة السابعة.

    شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٩١ : روى إبراهيم بن ميمون الأزدي ، عن حبّة العرني قال : كان جويرية بن مسهر العبدي صالحاً ، وكان لعلي بن أبي طالب صديقاً ، وكان علي يحبّه ، ونظر يوماً إليه وهو يسير فناداه : «يا جويرية ، الحق بي ؛ فإنّي إذا رأيتك هويتك». قال إسماعيل بن أبان : فحدّثني الصباح ، عن مسلم ، عن حبّه العرني قال : سرنا مع علي عليه‌السلام يوماً ، فالتفت فإذا جويرية خلفه بعيداً فناداه : «يا جويرية ، الحق بي لا أباً لك! ألاّ تعلم أنّي أهواك وأحبّك؟». قال : فركض نحوه ، فقال له : «إنّي محدّثك بأمور فاحفظها». ثمّ اشتركا فى الحديث سرّاً ، فقال له جويرية : يا أمير المؤمنين ، إنّي رجل نسي. فقال له : «إنّي أُعيد عليّك الحديث لتحفظه». ثمّ قال له في آخر ما حدّثه إيّاه : «يا جويرية ، أحبب حبيبنا ما أحبّنا ، فإذا أبغضنا فابغضه ، وابغض بغيضنا ما أبغضنا ، فإذا أحبّنا فأحبه». قال : فكان ناس ممّن يشك في أمر علي عليه‌السلام يقولون : أتراه جعل جويرية وصيه كما يدّعي هو من وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : يقولون ذلك لشدة اختصاصه له ، حتّى دخل على علي عليه‌السلام يوماً وهو مضطجع ، وعنده قوم من أصحابه ، فناداه جويرية : أيّها النائم ، استيقظ ؛ فلتضربنّ على رأسك ضربة تُخضّب منها لحيتك. قال : فتبسم أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال : «أُحدثك يا جويرية بأمرك. أما والذي نفسي بيده ، لتعتلنّ إلى العتل الزنيم ، فليقطعنّ يدك ورجلك ، وليصلبنّك تحت جذع كافر». قال : فوالله ما مضت إلاّ أيام على ذلك حتّى أخذ زياد جويرية فقطع يده ورجله وصلبه إلى جانب جذع ابن مكعبر ، وكان جذعاً طويلاً ، فصلبه على جذع قصير إلى جانبه.

    شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٧٦ : روى إبراهيم بن ديزيل فى كتاب صفين ، عن مسلم الضبي ،
    ٤٣٧

    عن حبة العرني قال : كان رجلاً أسود منتن الريح ، له ثدي كثدي المرأة إذا مدّت ، كانت بطول اليد الأخرى ، وإذا تركت اجتمعت وتقلّصت وصارت كثدي المرأة ، عليها شعرات مثل شوارب الهرّة. فلمّا وجدوه قطعوا يده ونصبوها على رمح ، ثمّ جعل عليّ عليه‌السلام ينادي : «صدق الله وبلغّ رسوله». لم يزل يقول ذلك هو وأصحابه بعد العصر إلى أن غربت الشّمس أو كادت.

    شرح نهج البلاغة ٣ / ٢٠٥ ـ ٢٠٧ : قال نصر : فروى حبّة أنّ عليّاً عليه‌السلام لمّا نزل على الرقّة نزل بموضع يُقال له : البليخ ، على جانب الفرات ، فنزل راهب هناك من صومعته فقال لعلي عليه‌السلام : إنّ عندنا كتاباً توارثناه عن آبائنا كتبه أصحاب عيسى بن مريم ، أعرضه عليّك؟ قال : «نعم». فقرأ الراهب الكتاب : بسم الله الرّحمن الرحيم الذي قضى فيما قضى ، وسطّر فيما كتب ، إنّه باعث في الأمّيين رسولاً منهم يعلّمهم الكتاب والحكمة ، ويدلّهم على سبيل الله ، لا فظّ ولا غليظ ، ولا صخّاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة بل يعفو ويصفح. اُمّته الحمّادون الذين يحمدون الله على كلّ نشر ، وفي كلّ صعود وهبوط ، تذلّ ألسنتهم بالتكبير والتهليل والتسبيح ، وينصره الله على مَنْ ناواه. فإذا توفّاه الله اختلفت اُمّته من بعده ، ثم اجتمعت فلبثت ما شاء الله ، ثمّ اختلفت ، فيمرّ رجل من اُمّته بشاطئ هذا الفرات يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويقضي بالحقّ ولا يركس ، حكم الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح ، والموت أهون عليه من شرب الماء على الظمآن ، يخاف الله في السرّ وينصح له في العلانية ، لا يخاف في الله لومة لائم. فمَنْ أدرك ذلك النبي من أهل هذه البلاد فأمن به كان ثوابه رضواني والجنة ، ومَنْ أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره ؛ فإن القتل معه شهادة. ثمّ قال له : أنا مصاحبك فلا أفارقك حتّى يصيبني ما أصابك. فبكى عليه‌السلام ثمّ قال : «الحمد لله الذي لم أكن عنده منسيّاً ، الحمد لله الذي ذكرني عنده في كتب الأبرار». فمضى الراهب معه ، فكان فيما ذكروا يتغدى مع أمير المؤمنين ويتعشى حتّى أُصيب يوم صفين ، فلمّا خرج النّاس يدفنون قتلاهم قال عليه‌السلام : «اطلبوه». فلمّا وجدوه
    ٤٣٨

    صلّى عليه ودفنه ، وقال : «هذا منّا أهل البيت». واستغفر له مراراً.

    قال ابن أبي الحديد : روى هذا الخبر نصر بن مزاحم في كتاب صفين ، عن عمر بن سعد ، عن مسلم الأعور ، عن حبّة العرني. ورواه أيضاً إبراهيم بن ديزيل الهمداني بهذا الإسناد عن حبّة أيضاً في كتاب صفين.

    شرح نهج البلاغة ٤ / ٨٣ قال ابن أبي الحديد : وروى حبّة العرني ، عن علي عليه‌السلام أنّه قال : «إنّ الله عزّ وجلّ أخذ ميثاق كلّ مؤمن على حبّي ، وميثاق كلّ منافق على بغضي ، فلو ضربت وجه المؤمن بالسيف ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا على المنافق ما أحبّني».

    روايات أبي البختري (قُتل ٨٢) :

    سنن ابن ماجة ٢ / ٧٧٤ : حدّثنا عليّ بن محمّد ، ثنا يعلى وأبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرّة ، عن أبي البختري ، عن عليّ قال : «بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اليمن ، فقلت : يا رسول الله ، تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم ولا أدري ما القضاء؟». قال : «فضرب بيده في صدري ثمّ قال : اللّهمّ اهدِ قلبه وثبت لسانه». قال : «فما شككت بعد في قضاء بين اثنين».

    السنن الكبرى ٥ / ١٤٢ : أخبرنا محمّد بن المثنى قال : حدّثنا أبو معاوية قال : حدّثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرّة ، عن أبي البختري ، عن عليّ قال : «كنت إذا سألت أُعطيت ، وإذا سكت ابتُديت».

    نهج البلاغة ٤ / ١٠٤ : روى سفيان الثوري ، عن عمرو بن مرّة ، عن أبي البختري قال : أثنى رجل على علي بن أبي طالب في وجهه وكان يبغضه. فقال علي : «أنا دون ما تقول ، وفوق ما في نفسك».

    مصنف ابن أبي شيبة (ط. الرياض ٧ / ٥٣٧) : حدّثنا يحيى بن آدم قال : حدّثنا مسعود بن سعد الجعفي ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي البختري قال : لمّا انهزم أهل الجمل قال
    ٤٣٩

    عليّ : «لا يُطلبنّ عبد خارجاً من العسكر ، وما كان من دابة أو سلاح فهو لكم ، وليس لكم أمّ ولد ، والمواريث على فرائض الله ، وأي امرأة قُتل زوجها فلتعتدّ أربعة أشهر وعشراً». قالوا : يا أمير المؤمنين ، تحلّ لنا دماؤهم ولا تحلّ لنا نساؤهم؟! قال : فخاصموه ، فقال : «كذلك السيرة في أهل القبلة». قال : «فهاتوا سهامكم وأقرعوا على عائشة ، فهي رأس الأمر وقائدهم». قال : فتفرّقوا وقالوا : نستغفر الله. قال : فخاصمهم عليّ.

    الاستيعاب ٢ / ٦٩٨ ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن أبي البختري ، عن حجر بن عدي ، عن شراحيل بن مرّة الكوفي سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي رحمه‌الله : «أبشر ، فإنّ حياتك وموتك معي».

    روايات زاذان (ت ٨٢) :

    الفضائل ٢ / ٥٨٥ : حدّثنا عبد الله ، قثنا أبي ، قثنا ابن نمير ، نا عبد الملك ، عن أبي عبد الرحيم الكندي ، عن زاذان أبي عمر قال : سمعت عليّاً في الرحبة وهو ينشد النّاس مَنْ شهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم وهو يقول ما قال؟ فقام ثلاثة عشر رجلاً فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول : «مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهمّ والِ مَنْ والاه ، وعادِ مَنْ عاداه».

    فضائل الصّحابة ٢ / ٦٤٧ : حدّثنا عبد الله بن محمّد قال : حدّثني جدّي ، قثنا حجّاج بن محمّد ، قثنا بن جريح ، قثنا كذا أبو حرب بن أبي الأسود ، عن أبي الأسود قال ابن جريح ورجل آخر ، عن زاذان قال : سُئل عليّ عن نفسه ، فقال : «إنّي اُحدث بنعمة ربّي ؛ كنت والله إذا سألت أُعطيت ، وإذا سكت ابتُديت ، فبين الجوانح منّي علم جم».

    الحسكاني ١ / ٤٠١ بسنده عن إسماعيل بن سليمان ، عن يعمر زاذان ، عن ابن الحنفيّة في قوله تعالى : (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) قال : هو عليّ بن أبي طالب.

    المعجم الكبير ٩ / ٧٦ : حدّثنا عبيد بن كثير التمّار الكوفي ، ثنا محمّد بن الجنيد ، ثنا يحيى
    ٤٤٠

    ابن سالم ، عن هاشم بن البريد ، عن بيان بن أبي بشر ، عن زاذان ، عن عبد الله قال : قرأت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعين سورة ، وختمت القرآن على خير النّاس عليّ بن أبي طالب (رضي الله تعالى عنه).

    الكامل في الضعفاء : حدّثنا جعفر بن أحمد بن عليّ بن بيان الغافقي ، ثنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إسحاق الكوفي الأنصاري ، ثنا أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي ، عن أبي هاشم الرماني ، عن زاذان بن عمر ، عن سلمان الفارسي قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ضرب فخذ عليّ بن أبي طالب وصدره ، وسمعته يقول : «محبّك محبّي ، ومحبّي محبّ الله ، ومبغضك مبغضي ، ومبغضي مبغض الله».

    المعجم الكبير ٦ / ٢٤١ : ، حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي والحسين بن إسحاق التستري قال : ثنا يحيى الحماني ، ثنا قيس بن الربيع ، عن محمّد بن رستم ، عن زاذان ، عن سلمان (رضي الله تعالى عنه) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ أحب الحسن والحسين أحببته ، ومن أحببته أحبّه الله ، ومَنْ أبغضهما أبغضته ، ومَنْ أبغضته أبغضه الله».

    الحسكاني ٢ / ١٧ بسنده عن أبي اليقظان (١) ، عن زاذان ، عن الحسن بن عليّ قال : «لمّا

    __________________

    (١) تهذيب التهذيب ٧ / ١٣٢ : عثمان بن عمير البجلي ، أبو اليقظان الكوفي الأعمى ، ويُقال : ابن قيس ، ويُقال : ابن أبي حميد. روى عن أنس وزيد بن وهب ، وأبي الطفيل وأبي وائل ، وعدي بن ثابت وأبي حرب بن الأسود وغيرهم. وعنه حصين بن عبد الرّحمن ، وهو من أقرانه ، والأعمش وشعبة ، والثوري وشريك ، ومهدي بن ميمون وآخرون. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : قال أبي عثمان بن عمير (أبو اليقظان) ، ويُقال : عثمان بن قيس ضعيف الحديث. كان ابن مهدي ترك حديثه ، وقال أبي : خرج في الفتنة مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن. وقال عمرو بن عليّ : لم يرضَ يحيى ولا عبد الرّحمن أبا اليقظان. وقال الدوري عن ابن معين : ليس حديثه بشيء ، وقال ابن أبي حاتم : ثنا أبي سألت محمّد بن عبد الله بن نمير عن عثمان بن عمير فضعّفه. قال : وسألت أبي عنه ، فقال : ضعيف الحديث ، منكر الحديث ، كان شعبة لا يرضاه ، وذكر أنّه حضره فروى عن شيخ ، فقال له شعبة : كم سنّك؟ فقال : كذا ، فإذا قد مات الشيخ وهو ابن سنتين. وقال إبراهيم بن عرعرة ، عن أبي أحمد الزبيري : كان الحارث بن حصين ، وأبو اليقظان يؤمنان بالرجعة ، ويُقال : كان يغلو في التشيّع. قلت : نسبه أحمد بن حنبل فقال : هو عثمان بن عمير بن
    ٤٤١

    نزلت جمعنا رسول الله وإياه في كساء خيبري ، ثمّ قال : اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب الرجس عنهم وطهّرهم تطهيراً».

    الحسكاني ٢ / ١٤٣ ، تاريخ إصبهان ٢ / ١٦٥ بسنده عن أبي هاشم الرماني ، عن زاذان ، عن عليّ قال : «إنّه لا يحفظ مودّتنا إلاّ كلّ مؤمن». ثمّ قرأ (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى).

    روايات زر بن حبيش (ت ٨١) وهو ابن مئة واثنتان وعشرون سنة :

    صحيح مسلم ١ / ٨٦ : بقي بن مخلّد (١٣٢٥) ، حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدّثنا وكيع وأبو معاوية ، عن الأعمش ح ، وحدّثنا يحيى بن يحيى واللفظ له ، أخبرنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، عن زر قال : قال عليّ : «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، إنّه لعهد النّبي الأمي صلى‌الله‌عليه‌وآله إليَّ أن لا يحبّني إلاّ مؤمن ، ولا يبغضني إلاّ منافق».

    المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٨ : حدّثنا أبو سعيد عمرو بن محمّد بن منصور العدل ، ثنا السري بن خزيمة ، ثنا عثمان بن سعيد المري ، ثنا عليّ بن صالح ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله (رضي الله تعالى عنه) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحسن والحسين

    __________________

    عمرو بن قيس البجلي ، وقد ينسب إلى جدّ أبيه. ذكره البخاري في الأوسط في فصل مَنْ مات ما بين العشرين ومئة إلى الثلاثين. وقال : منكر الحديث ، ولم يسمع من أنس. وقال في الكبير : كان يحيى وعبد الرّحمن لا يحدّثان عنه ، وهو ابن قيس البجلي ، وهو عثمان بن أبي حميد الكوفي. وقال الجوزجاني ، عن أحمد : منكر الحديث ، وفيه ذلك الداء. قال : وهو على المذهب منكر الحديث. وقال البرقاني ، عن الدارقطني : متروك. وقال الحاكم ، عن الدارقطني : زائغ لم يحتج به. وقال ابن عبد البر : كلّهم ضعفه. وقال أبو أحمد الحاكم : ليس بالقوي عندهم. وقال ابن حبان : اختلط حتّى كان لا يدري ما يقول ، لا يجوز الاحتجاج به. وقال ابن عدي : رديء المذهب ، غال في التشيّع ، يؤمن بالرجعة ، ويكتب حديثه مع ضعفه. تقريب التهذيب ١ / ٦٦٣ : عثمان بن عمير بالتصغير ، ويُقال : ابن قيس ، والصواب أنّ قيساً جدّ أبيه ، وهو عثمان بن أبي حميد أيضاً البجلي ، أبو اليقظان الكوفي الأعمى ، ضعيف واختلط ، وكان يدلّس ويغلو في التشيّع ، من السادسة ، مات في حدود الخمسين ومئة د ت ق.
    ٤٤٢

    سيدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما خير منهما». هذا حديث صحيح بهذه الزيادة ولم يخرجاه.

    الإصابة ٢ / ١٥ : حبيب بن بديل بن ورقاء الخزاعي له ولأبيه ولأخيه عبد الله صحبة. ذكره بن شاهين في الصّحابة ، وروى حديثه ابن عقدة في كتاب الموالاة بإسناد ضعيف من رواية أبي مريم ، عن زر بن حبيش قال : قال عليّ : «مَنْ ها هنا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟». فقام اثنا عشر رجلاً ، منهم : قيس بن ثابت ، وحبيب بن بديل بن ورقاء فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «مَنْ كنت مولاه فعلى مولاه». قال في الإصابة في ترجمة الحسن : وعند أبي يعلى من طريق عاصم ، عن زر ، عن عبد الله كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره ، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما ، فإذا قضى الصلاة وضعهما في حجره ، فقال : «مَنْ أحبّني فليحبّ هذين».

    روى ابن الأثير في اُسد الغابة ١ / ٣٦٨ عن كتاب الموالاة لابن عقدة بإسناده ، عن أبي مريم زر بن حبيش قال : خرج عليّ بن القصر فاستقبله ركبان متقلّدي السيوف ، فقالوا : السّلام عليّك يا أمير المؤمنين ، السّلام عليّك يا مولانا ، ورحمة الله وبركاته. فقال عليّ عليه‌السلام : «مَنْ ها هنا من أصحاب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله؟». فقام اثنا عشر ، منهم : قيس بن ثابت بن شماس ، وهاشم بن عتبة ، وحبيب بن بديل بن ورقاء ، فشهدوا أنّهم سمعوا النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه».

    روايات عبد الله بن الحارث بن نوفل (ت ٨٤) :

    السنن الكبرى ٥ / ١٥١ : أخبرنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى قال : حدّثنا عليّ بن ثابت قال : حدّثنا منصور بن أبي الأسود ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن سليمان بن عبد الله بن الحارث ، عن جدّه ، عن عليّ قال : «مرضت فعادني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدخل عليّ وأنا مضطجع ، فاتّكأ إلى جنبي ، ثمّ سجاني بثوبه ، فلمّا رآني قد هديت
    ٤٤٣

    قام إلى المسجد يصلّي ، فلمّا قضى صلاته جاء فرفع الثوب عنّي وقال : قم يا عليّ فقد برئت. فقمت كأنّما لم أشتك شيئاً قبل ذلك ، فقال : ما سألت ربّي شيئاً في صلاتي إلاّ أعطاني ، وما سألت لنفسي شيئاً إلاّ وقد سألت لك».

    خالفه جعفر بن زياد الأحمر فقال : عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث ، عن عليّ.

    أقول : في كتاب السنّة ـ لبقي بن مخلّد / ١٣٢٣ عن محمّد بن عبد الرحيم أبي يحيى وسليمان بن عبد الجبار قال : حدّثنا عليّ بن قادم ، عن جعفر بن زياد الأحمر ، عن يزيد بن زياد ، عن عبد الله بن الحارث … وفي آخره قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إلاّ أعطانيه ، إلاّ أنّه قال لي : لا نبي بعدك». قال القاضي : لا أعرف في فضيلة عليّ حديثاً أفضل منه.

    مصنف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٣ : معاوية بن هشام قال : ثنا عمار ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن عبد الله بن الحارث ، عن عليّ قال : «إنّما مثلنا في هذه الأمّة كسفينة نوح ، وكباب حطّة في بني إسرائيل».

    تاريخ الطبري ٢ / ٣٢٠ : حدّثنا ابن حميد قال : حدّثنا سلمة قال : حدّثني محمّد بن إسحاق ، عن عبد الغفار بن القاسم ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله ابن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، عن عبد الله بن عبّاس ، عن عليّ بن أبي طالب قال : «لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأْقْرَبِينَ) دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لي : يا عليّ ، إنّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعاً ، وعرفت أنّي متى اُباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ، فصمت عليه حتّى جاءني جبرئيل فقال : يا محمّد ، إنّك إلاّ تفعل ما تؤمر به يعذّبك ربّك. فاصنع لنا صاعاً من طعام ، واجعل عليه رجل شاة ، واملأ لنا عساً من لبن ، ثمّ اجمع لي بني عبد المطلب حتّى اُكلّمهم واُبلغهم ما أمرت به. ففعلت ما أمرني به ، ثمّ دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلاً ، يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، فيهم أعمامه : أبو طالب ، وحمزة ، والعباس ، وأبو لهب. فلمّا اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي
    ٤٤٤

    صنعت لهم فجئت به ، فلمّا وضعته تناول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حذية من اللحم فشقّها بأسنانه ، ثمّ ألقاها في نواحي الصحفة ، ثمّ قال : خذوا بسم الله ، فأكل القوم حتّى ما لهم بشيء حاجة ، وما أرى إلاّ موضع أيديهم. وأيم الله الذي نفس عليّ بيده ، وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدّمت لجميعهم ، ثمّ قال : اسق القوم. فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتّى رووا منه جميعاً. وأيم الله ، إنّ كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله. فلمّا أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يكلّمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال : لهدّ ما سحركم صاحبكم! فتفرّق القوم ولم يكلّمهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. قال : الغد يا عليّ ، إنّ هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول فتفرّق القوم قبل أن اُكلّمهم ، فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت ثمّ اجمعهم إليّ». قال : «ففعلت ثمّ جمعتهم ، ثمّ دعاني بالطعام فقرّبته لهم ، ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا حتّى ما لهم بشيء حاجة ، ثمّ قال : اسقهم. فجئتهم بذلك العس فشربوا حتّى رووا منه جميعاً ، ثمّ تكلّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا بني عبد المطلب ، إنّي والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به ، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟». قال : «فأحجم القوم عنها جميعاً ، وقلت ، وإنّي لأحدثهم سنّاً ، وأرمصهم عيناً ، وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم ساقاً : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي ثمّ قال : إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا». قال : «فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لأبنك وتطيع» (١).

    المعجم الكبير ٢٢ / ٤٠٥ ، حدّثنا محمّد بن حيان المازني ، ثنا كثير بن يحيى ، ثنا سعيد بن عبد الكريم بن سليط وأبو عوانة ، عن داود بن أبي عوف أبي الجحاف ، عن عبد الرّحمن بن أبي زناد أنّه سمع عبد الله بن الحارث بن نوفل يقول : ثنا أبو سعيد الخدري أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دخل على فاطمة ذات يوم وعليّ نائم ، وهي مضطجعة وأبناؤها إلى

    __________________

    (١) تاريخ الطبري ٢ / ٣٢١.
    ٤٤٥

    جنبها ، فاستسقى الحسن فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى لقحة فحلب لهم فأتى به ، فاستيقظ الحسين فجعل يعالج أن يشرب قبله حتّى بكى ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ أخاك استسقى قبلك». فقالت فاطمة : «كأنّ الحسن آثر عندك!». قال : «ما هو بآثر عندي منه ، وإنّما هما عندي بمنزلة واحدة ، وإنّي وإياكِ وهما وهذا النائم لفي مكان واحد يوم القيامة».

    روايات عبد الرّحمن بن أبي ليلى (قُتل ٨٢) :

    الدّرّ المنثور ٥ / ١٧٨ : أخرج ابن أبي حاتم ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى رضي‌الله‌عنه في قوله (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) قال : نزلت في علي بن أبي طالب رحمه‌الله والوليد بن عقبة.

    السنن الكبرى ٥ / ١٠٨ : أخبرنا أحمد بن سليمان قال : حدّثنا عبيد الله قال : أخبرنا بن أبي ليلى ، عن الحكم والمنهال ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه : أنّه قال لعليّ وكان يسير معه : إنّ النّاس قد أنكروا منك أنّك تخرج في البرد في الملاءتين ، وتخرج في الحرّ في الحشو والثوب الغليظ. قال : «أوَ لم تكن معنا بخيبر؟». قال : بلى. قال : «فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث أبا بكر وعقد له لواء فرجع ، وبعث عمر وعقد له لواء فرجع بالناس ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لأعطين الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، ليس بفرار. فأرسل إليّ وأنا أرمد ، قلت : إنّي أرمد. فتفل في عيني وقال : اللّهمّ اكفه أذى الحرّ والبرد ، فما وجدت حرّاً بعد ذلك ولا برداً».

    المستدرك ٢ / ٥٢٤ : أخبرني عبد الله بن محمّد الصيدلاني ، حدّثنا محمّد بن أيوب ، أنبأ يحيى بن المغيرة السعدي ، حدّثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال : قال عليّ بن أبي طالب (رضي الله تعالى عنه) : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد ولا يعمل بها أحد بعدي ؛ آيّة النجوى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ
    ٤٤٦

    آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً). قال : «كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم ، فناجيت النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكنت كلّما ناجيت النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قدّمت بين يدي نجواي درهماً ، ثمّ نسخت فلم يعمل بها أحد ، فنزلت : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ). هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

    السنن الكبرى ٦ / ٢٠٤ : أخبرنا أحمد بن سليمان قال : حدّثنا يزيد قال : حدّثنا العوام قال : حدّثني عمرو بن مرة ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى ، عن عليّ (رضي الله تعالى عنه) قال : «أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى وضع قدمه بيني وبين فاطمة ، فعلمنا ما نقول إذا أخذنا مضجعنا : ثلاثاً وثلاثين تسبيحة ، وثلاثاً وثلاثين تحميدة ، وأربعاً وثلاثين تكبيرة». قال عليّ : «فما تركتها بعد». قال له رجل : ولا ليلة صفين؟ قال : «ولا ليلة صفين».

    المعجم الكبير ٧ / ٧٧ : حدّثنا عليّ بن عبد العزيز ، ثنا ضرار بن صرد أبو نعيم ، ثنا عليّ بن هشام ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن أبي فروة ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لأعطين الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله». فدعا عليّاً ، فأعطاه إيّاها.

    مسند أحمد ١ / ١١٩ : حدّثنا عبد الله ، حدّثني عبيد الله بن عمر القواريري ، ثنا يونس بن أرقم ، ثنا يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال : شهدت عليّاً (رضي الله تعالى عنه) في الرحبة ، ينشد النّاس : «أنشد الله مَنْ سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خم : مَنْ كنت مولاه فعلى مولاه لما قام». فشهد قال عبد الرّحمن : فقام اثنا عشر بدريّاً كأنّي أنظر إلى أحدهم فقالوا : نشهد إنّا سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خم : «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأزواجي اُمّهاتهم؟». فقلنا : بلى يا رسول الله. قال : «فمَنْ كنت مولاه فعلى مولاه ، اللّهمّ والِ مَنْ والاه ، وعادِ مَنْ عاداه».

    مسند أحمد ١ / ١١٩ : حدّثنا عبد الله ، ثنا أحمد بن عمر الوكيعي ، ثنا زيد بن الحباب ، ثنا
    ٤٤٧

    الوليد بن عقبة بن نزار العنسي ، حدّثنا سماك بن عبيد بن الوليد العبسي قال : دخلت على عبد الرّحمن بن أبي ليلى فحدّثني أنّه شهد عليّاً (رضي الله تعالى عنه) في الرحبة قال : «أنشد الله رجلاً سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وشهده يوم غدير خم إلاّ قام ، ولا يقوم إلاّ مَنْ قد رآه». فقام اثنا عشر رجلاً فقالوا : قد رأيناه وسمعناه ، حيث أخذ بيده يقول : «اللّهمّ والِ مَنْ والاه ، وعادِ مَنْ عاداه ، وانصر مَنْ نصره ، واخذل مَنْ خذله». فقام إلاّ ثلاثة لم يقوموا ، فدعا عليهم فأصابتهم دعوته.

    شرح نهج البلاغة ١٤ / ١١ : قال أبو مخنف : فحدّثني موسى بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه قال : … لمّا دخل الحسن وعمّار الكوفة اجتمع إليهما النّاس ، فقام الحسن فاستنفر النّاس ، فحمد الله وصلّى على رسوله ، ثمّ قال : «أيّها النّاس ، إنّا جئنا ندعوكم إلى الله وإلى كتابه وسنّة رسوله ، وإلى أفقه مَنْ تفقّه من المسلمين ، وأعدل مَنْ تعدلون ، وأفضل مَنْ تفضّلون ، وأوفى مَنْ تبايعون. مَنْ لم يعبه القرآن ، ولم تجهله السنّة ، ولم تقعد به السابقة إلى مَنْ قرّبه الله تعالى إلى رسوله قرابتين ؛ قرابة الدين وقرابة الرحم ، إلى مَنْ سبق النّاس إلى كلّ مأثرة ، إلى مَنْ كفى الله به رسوله والنّاس متخاذلون ، فقرب منه وهم متباعدون ، وصلّى معه وهم مشركون ، وقاتل معه وهم منهزمون ، وبارز معهم وهم محجمون ، وصدَّقه وهم يكذِّبون. إلى مَنْ لم ترد له رواية ، ولا تُكفا له سابقة ، وهو يسألكم النصر ، ويدعوكم إلى الحقّ ، ويأمركم بالمسير إليه لتوازروه وتنصروه على قوم نكثوا بيعته ، وقتلوا أهل الصلاح من أصحابه ، ومثلوا بعمّاله ، وانتهبوا بيت ماله ، فاشخصوا إليه رحمكم الله ، فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، واحضروا بما يحضر به الصالحون».

    شرح نهج البلاغة ١٩ / ٣٠٥ : وروى ابن جرير الطبري في تاريخه ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى الفقيه ، وكان ممّن خرج لقتال الحجّاج مع ابن الأشعث ، إنّه قال فيما كان يحضّ به النّاس على الجهاد : إنّي سمعت عليّاً رفع الله درجته في الصالحين ، وأثابه ثواب الشهداء والصديقين يقول يوم لقينا أهل الشام : «أيّها المؤمنون ، إنّه مَنْ رأى عدواناً يُعمل به ، ومنكراً يُدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم وبريء ، ومَنْ أنكره بلسانه فقد أجر وهو أفضل من
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 11:09 am



    صاحبه ، ومَنْ أنكره بالسيف لتكون كلمة الله هي العليّا وكلمة الظالمين السفلى ، فذلك الذي أصاب سبيل الهدى ، وقام على الطريق ، ونُوّر في قلبه اليقين» (١).

    تفسير الطبري ٢٦ / ١٢٦ : حدّثنا محمّد بن بشار قال : ثنا عبد الرّحمن قال : ثنا سفيان ، عن هلال الوزان ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى في قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) (الحجرات / ٦) ، قال : نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط.

    روايات قيس بن عبّاد (قتله الحجاج ٨٣) :

    البخاري ٤ / ١٤٥٨ : حدّثني محمّد بن عبد الله الرقاشي ، حدّثنا معتمر قال : سمعت أبي يقول : حدّثنا أبو مجلز ، عن قيس بن عباد ، عن عليّ بن أبي طالب (رضي الله تعالى عنه) أنّه قال : «أنا أوّل مَنْ يجثو بين يدي الرّحمن للخصومة يوم القيامة». وقال قيس بن عباد : وفيهم اُنزلت : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ ...). قال : هم الذين تبارزوا يوم بدر : حمزة ، وعليّ ، وعبيدة (أو أبو عبيدة بن الحارث) ، وشيبة بن ربيعة ، وعتبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة.

    روايات زيد بن وهب الجهني (ت ٨٤ ، وقيل : ٩٦) :

    السنن الكبرى : أخبرني زكريا بن يحيى قال : حدّثنا عثمان قال : حدّثنا عبد الله بن نمير قال : حدّثنا مالك بن مغول (المصنف لابن أبي شيبة ١٢ / ٦٢ الحديث رقم

    __________________

    (١) شرح نهج البلاغة ١٩ / ٣٠٦ قال ابن أبي الحديد : وقال عليه‌السلام في كلام له غير هذا يجري هذا المجرى : «فمنهم المنكر للمنكر بيده ولسانه وقلبه فذلك المستكمل لخصال الخير ، ومنهم المنكر بلسانه وقلبه والتارك بيده فذلك متمسّك بخصلتين من خصال الخير ومضيّع خصلة ، ومنهم المنكر بقلبه والتارك بيده ولسانه فذاك الذي ضيع أشرف الخصلتين من الثلاث وتمسّك بواحدة ، ومنهم تارك لإنكار المنكر بلسانه وقلبه ويده فذلك ميّت الأحياء. وما أعمال البرّ كلّها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إلاّ كنفثة في بحر لجيّ ، وإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقرّبان من أجل ، ولا ينقصان من رزق ، وأفضل من ذلك كلّه كلمة عدل عند إمام جائر».
    ٤٤٩

    / ١٢١٢٨ عبد الله بن نمير) عن الحارث بن حصيرة ، عن أبي سليمان الجهني قال : سمعت عليّاً على المنبر يقول : «أنا عبد الله ، وأخو رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا يقولها إلاّ كذّاب مفتري». فقال رجل : أنا عبد الله وأخو رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخُنق فحُمل.

    السنن الكبرى ٥ / ١٦٣ : أخبرنا العباس بن عبد العظيم قال : حدّثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سلمة بن كهيل قال : حدّثنا زيد بن وهب أنّه كان في الجيش الذين كانوا مع عليّ الذين ساروا إلى الخوارج ، فقال عليّ : «أيّها النّاس ، إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : سيخرج قوم من اُمّتي يقرؤون القرآن ، ليس قراءتكم إلى قراءتهم شيئاً ، ولا صلاتكم إلى صلاتهم شيئاً ، ولا صيامكم إلى صيامهم شيئاً. يقرؤون القرآن يحسبون أنّه لهم وهو عليهم ، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لو يعلمون الجيش الذي يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وآله لاتكلوا عن العمل ، وآية ذلك أنّ فيهم رجلاً له عضد وليست له ذراع ، على رأس عضده مثل حلمة ثدي المرأة ، عليه شعرات بيض ، فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم. والله إنّي لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم ؛ فإنّهم قد سفكوا الدم الحرام ، وأغاروا في سرح النّاس ، فسيروا على اسم الله». قال سلمة : فنزلني زيد منزلاً منزلاً حتّى مررنا على قنطرة ، فلمّا التقينا على الخوارج عبد الله بن وهب الراسبي ، فقال لهم : ألقوا الرماح ، وسلّوا سيوفكم من جفونها ؛ فإنّي أخاف أن يناشدوكم. قال : فسلّوا السيوف وألقوا جفونها ، وشجرهم النّاس (يعني برماحهم) ، فقتل بعضهم على بعض ، وما أُصيب من النّاس يومئذ إلاّ رجلان. قال عليّ : «التمسوا فيهم المخدّج». فلم يجدوه ، فقام عليّ بنفسه حتّى أتى ناساً قتلى بعضهم على بعض ، قال : «جرّدوهم». فوجدوه ممّا يلي الأرض ، فكبّر عليّ وقال : «صدق الله ، وبلّغ صلى‌الله‌عليه‌وآله». فقام إليه عبيدة السلماني فقال : يا أمير المؤمنين ، والله الذي لا إله إلاّ هو سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : «أي والله الذي لا إله إلاّ هو ،
    ٤٥٠

    لسمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، حتّى استحلفه ثلاثاً وهو يحلف له.

    شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٧٦ : روى إبراهيم بن ديزيل في كتاب صفين ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب قال : لمّا شجرهم علي عليه‌السلام بالرماح قال : «اطلبوا ذا الثدية». فطلبوه طلباً شديداً حتّى وجدوه في وهدة من الأرض تحت ناس من القتلى ، فاُتي به وإذا رجل على ثديه مثل سبلات السنور ، فكبّر علي عليه‌السلام وكبّر النّاس معه سروراً بذلك.

    المعجم الكبير ١٠ / ١٨٣ : حدّثنا عبدان بن أحمد ، ثنا يحيى بن حاتم العسكري ، ثنا بشر بن مهران ، ثنا شريك ، عن عثمان بن المغيرة ، عن زيد بن وهب ، عن بن مسعود قال : أوّل شيء علمت من أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قدمت مكّة في عمومة لي ، فاُرشدنا على العباس بن عبد المطلب ، فانتهينا إليه وهو جالس إلى زمزم فجلسنا إليه ، فبينا نحن عنده إذ (أقبل رجل من باب الصفا أبيض تعلوه حمرة ، له وفرة جعد إلى أنصاف أذنيه ، أشم ، أقنى ، أذلف ، براق الثنايا ، أدعج العينين ، كث اللحية ، دقيق المسربة ، شثن الكفين والقدمين ، عليه ثوبان أبيضان كأنّه القمر ليلة البدر). يمشي على يمينه غلام أمرد حسن الوجه ، مراهق أو محتلم ، تقفوهم امرأة قد سترت محاسنها ، حتّى قصد نحو الحجر فاستلمه ، ثمّ استلم الغلام ، ثمّ استلمت المرأة ، ثمّ طاف بالبيت سبعاً والغلام والمرأة يطوفان معه ، ثمّ استلم الركن ورفع يديه وكبّر ، وقام الغلام عن يمينه ورفع يديه ، وقامت المرأة خلفهما فرفعت يديها وكبّرت ، وأطال القنوت ، ثمّ ركع فأطال الركوع ، ثمّ رفع رأسه من الركوع فقنت وهو قائم ، ثمّ سجد وسجد الغلام والمرأة معه ، يصنعان مثل ما يصنع ويتبعانه. قال : فرأينا شيئاً لم يكن نعرفه بمكة ، فأنكرنا ، فأقلبنا على العباس فقلنا : يا أبا الفضل ، إنّ هذا الدين لم نكن نعرفه فيكم ، أشيء حدث؟ قال : أجل والله ، أما تعرفون هذا؟ قلنا : لا. قال : هذا ابن أخي محمّد بن عبد الله ، والغلام عليّ بن أبي طالب ، والمرأة خديجة بنت خويلد. أمّا والله ، ما على ظهر الأرض أحد يعبد الله على هذا الدين إلاّ هؤلاء الثلاثة.

    المعجم الكبير ٥ / ١٧١ : حدّثنا إبراهيم بن نائلة الإصبهاني ، ثنا إسماعيل بن
    ٤٥١

    عمرو البجلي ، ثنا أبو إسرائيل الملائي ، عن الحكم ، عن أبي سليمان زيد بن وهب ، عن زيد بن أرقم قال : ناشد عليّ النّاس في الرحبة مَنْ سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول الذي قال له ، فقام ستة عشر رجلاً فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «اللّهمّ مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهمّ والِ مَنْ والاه ، وعادِ مَنْ عاداه». قال زيد بن أرقم : فكنت فيمَنْ كتم فذهب بصري ، وكان عليّ (رضي الله تعالى عنه) دعا على مَنْ كتم.

    فتح الباري ١٣ / ٥٧ : أخرج البزّار من طريق زيد بن وهب قال : بينا نحن حول حذيفة إذ قال : كيف أنتم وقد خرج أهل بيت نبيّكم فرقتين يضرب بعضكم وجوه بعض بالسيف؟ قلنا : يا أبا عبد الله ، فكيف نصنع إذا أدركنا ذلك؟ قال : انظروا إلى الفرقة التي تدعو إلى أمر عليّ بن أبي طالب ؛ فإنّها على الهدى.

    تاريخ الطبري ٥ / ١٦ : قال أبو مخنف : حدّثني مالك بن أعين ، عن زيد بن وهب الجهني أنّ ابن بديل قام في أصحابه فقال : ألا إنّ معاوية ادّعى ما ليس أهله ، ونازع هذا الأمر مَنْ ليس مثله ، وجادل بالباطل ليدحض به الحقّ ، وصال عليكم بالأعراب والأحزاب ، قد زيّن لهم الضلالة ، وزرع في قلوبهم حبّ الفتنة ، ولبس عليهم الأمر ، وزادهم رجساً إلى رجسهم. وأنتم على نور من ربّكم وبرهان مبين ؛ فقاتلوا الطغاة الجفاة ولا تخشوهم ، فكيف تخشونهم وفي أيديكم كتاب الله عزّ وجلّ طاهراً مبروراً؟ أَتَخْشَوْنَهُمْ؟ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ قَاتِلُوهُمْ ، يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، وقد قاتلناهم مع النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مرّة ، وهذه ثانية ، والله ما هم في هذه بأتقى ولا أزكى ولا أرشد ، قوموا إلى عدوّكم بارك الله عليكم. فقاتل قتالاً شديداً هو وأصحابه.

    تاريخ الطبري ٥ / ٢٥ : قال أبو مخنف : حدّثني مالك بن أعين الجهني ، عن زيد بن وهب أنّ عليّاً لمّا رأى ميمنته قد عادت إلى مواقعها ومصافها ، وكشفت مَنْ بإزائها من عدوّها حتّى ضاربوهم في مواقفهم ومراكزهم ، أقبل حتّى انتهى إليهم ، فقال : «إنّي قد رأيت
    ٤٥٢

    جولتكم وانحيازكم عن صفوفكم ، يحوزكم الطغاة الجفاة ، وأعراب أهل الشام ، وأنتم لهاميم (١) العرب ، والسنام الأعظم ، وعمّار الليل بتلاوة القرآن ، وأهل دعوة الحقّ إذ ضلّ الخاطئون. فلولا إقبالكم بعد إدباركم ، وكرّكم بعد انحيازكم ، وجب عليكم ما وجب على المولى يوم الزحف دبره وكنتم من الهالكين. ولكن هوّن وجدي وشفى بعض اُحاح نفسي أنّي رأيتكم باُخرة حزتموهم كما حازوكم ، وأزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم ، تحسّونهم بالسيوف ، تركب أُولاهم أُخراهم كالإبل المطردة إليهم ، فالآن فاصبروا ، نزلت عليكم السكينة ، وثبّتكم الله عزّ وجلّ باليقين ؛ ليعلم المنهزم أنّه مسخط ربّه وموبق نفسه. إنّ في الفرار موجدة الله عزّ وجلّ عليه ، والذلّ اللازم ، والعار الباقي ، واعتصار الفيء من يده ، وفساد العيش عليه. وإنّ الفار منه لا يزيد في عمره ولا يرضي ربّه ، فموت المرء محقّاً قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتأنيس لها والإقرار عليها».

    تاريخ الطبري (٤ / ٣٧) قال الطبري : حدّثت عن هشام بن الكلبي ، عن أبي مخنف قال : حدّثني مالك بن أعين الجهني ، عن زيد بن وهب الجهني أنّ عمّار بن ياسر رحمه‌الله قال يومئذ : أين مَنْ يبتغي رضوان الله عليه ، ولا يؤوب إلى مال ولا ولد؟ فأتته عصابة من النّاس فقال : أيّها النّاس ، اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين يبغون دم ابن عفّان ، ويزعمون أنّه قُتل مظلوماً ، والله ما طلبتهم بدمه ولكنّ القوم ذاقوا الدنيا فاستحبّوها واستمرؤوها ، وعلموا أنّ الحقّ إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرّغون فيه من دنياهم ، ولم يكن للقوم سابقة في الإسلام يستحقّون بها طاعة النّاس والولاية عليهم ، فخدعوا أتباعهم أن قالوا : إمامنا قُتل مظلوماً ؛ ليكونوا بذلك جبابرة ملوكاً ، وتلك مكيدة بلغوا بها ما ترون ، ولولا هي ما تبعهم من النّاس رجلان. اللّهمّ إن تنصرنا فطالما نصرت ، وإن تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب الأليم. ثمّ مضى ومضت تلك العصابة التي أجابته حتّى دنا من عمرو ، فقال : يا عمرو ، بعت دينك بمصر؟! تباً لك تباً! طالما بغيت في الإسلام عوجاً.

    __________________

    (١) لهاميم : جمع لهميم ، وهو السابق الجواد من الخيل.
    ٤٥٣

    وقال لعبيد الله بن عمر بن الخطاب : صرعك الله! بعت دينك من عدوّ الإسلام وابن عدوّه!

    الحسكاني ١ / ٣٦ بسنده عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن حذيفة ، أنّ اُناساً تذاكروا فقالوا : ما نزلت آية في القرآن فيها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلاّ في أصحاب محمّد ، فقال حذيفة : ما نزلت في القرآن (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلاّ كان لعليّ لُبُّها ولُبابها.

    الحسكاني ٢ / ٢٥٩ بسنده عن زيد بن وهب ، عن حذيفة في قوله (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قال : هو علي بن أبي طالب.

    تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٤٢ : أخبرنا أبو الحسن عليّ بن المسلم ، أنا أبو القاسم بن أبي العلاء ، أنا أبو بكر محمّد بن عمر بن سليمان النصيبي ، نا أبو بكر أحمد بن يوسف بن خلاد ، نا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المهوي ، نا بشر بن مهران الفرّاء ، أنا شريك ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن حذيفة قال : قال رسول الله : «مَنْ أحبّ أن يحيا حياتي ويموت موتي … وليتول عليّ بن أبي طالب بعدي».

    روايات مسلم بن صبيح (ت ١٠٠) :

    المستدرك ٣ / ١٦٠ : حدّثنا أبو بكر محمّد بن الحسين بن مصلح الفقيه بالرّي ، ثنا محمّد بن أيوب ، ثنا يحيى بن المغيرة السعدي ، ثنا جرير بن عبد الحميد ، عن الحسن بن عبد الله النخعي ، عن مسلم بن صبيح ، عن زيد بن أرقم (رضي الله تعالى عنه) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم الثّقلين ؛ كتاب الله وأهل بيتي ، وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض». هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

    المستدرك ٣ / ١٩٧ : حدّثني أبو بكر محمّد بن أحمد بن بالويه ، ثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله ، ثنا حجّاج بن نصير ، ثنا قرّة بن خالد ، ثنا عامر بن عبد الواحد ، عن أبي الضحى ، عن بن عبّاس (رضي الله تعالى عنهما) قال : ما كنّا نشك وأهل البيت متوافرون أنّ الحسين بن عليّ يُقتل بالطفّ.
    ٤٥٤

    الفصل الرابع : حركة الأئمّة من ذرية الحسين عليهم‌السلام

    أهل البيت عليهم‌السلام يُعرضون على الأمّة من جديد :

    بانتشار حديث الغدير ، وحديث الثقلين ، وحديث المباهلة ، وحديث الكساء وغيرها من الأحاديث النبويّة الصحيحة في أهل البيت.

    عرفت الأجيال الجديدة من الأمّة موقع أهل البيت عليهم‌السلام في الإسلام ، وأنّهم امتداد رسالي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأئمّة هدى ، وحجج على الناس. وتحرّك الناس لموالاتهم ، واتّجهوا عملياً نحو ذريّة الحسن والحسين عليهما‌السلام بصفتهم البقيّة الباقية عملياً من ذريّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من ابنته الزهراء عليها‌السلام ، ولم يكن آنذاك غير شخصيتين بارزتين هما : الحسن المثنى بن الحسن بن علي ، وعلي بن الحسين بن علي عليه‌السلام ، وكلاهما كان بقيّة ملحمة كربلاء ؛ ارتثّ الأوّل وأخذه أخواله فنجا من القتل ، ومرض علي بن الحسين عليه‌السلام قبل المعركة بالذَّرَب (١) فتعذّر عليه أن يُقاتل ، وصار العدو يرثي لحاله ؛ لشدّة مرضه ، وبذلك أنجاه الله تعالى من القتل.

    __________________

    (١) الذرب : وهو الإسهال.
    ٤٥٥

    وكانت ذريّة الحسن عليه‌السلام من الحسن المثنى ، من وُلْده : عبد الله المحض ، وإبراهيم الغمر ، والحسن المثلث ، وداود ، وجعفر ، ومن زيد من ولده الحسن (١).

    وكانت ذريّة الحسين عليه‌السلام من علي بن الحسين عليه‌السلام ، من ستة من ولده ، وهم : محمد الباقر عليه‌السلام ، وعبد الله الباهر ، وعمر الأشرف ، وزيد ، والحسين الأصغر ، وعلي.

    __________________

    (١) قال السيد علي بن محمد العلوي العمري النسابة في المجدي من أعلام القرن الخامس في أنساب الطالبيِّين / ٢٠٢ : العقب من ولد الحسن بن علي من أربعة رجال ، وهم : الحسن وزيد ، وعمر والحسين الأثرم ، انقرض اثنان ، وهما : عمر والحسين. وقال في / ٢٠٣ : وما وجدت أنا لزيد بن الحسن إلاّ بنتاً ، وأمّا محمد الحسن الذي منه عقبه ، وهم سبعة رجال ، وهم : القاسم وعلي ، وإسماعيل وإبراهيم ، وزيد وعبد الله وإسحاق.
    ٤٥٦

    ذرّية الحسن بن علي عليه‌السلام

    من المفيد جدّاً أن نورد ترجمة لكلّ من الحسن بن الحسن ، وزيد بن الحسن.

    الحسن المثنى بن الحسن عليه‌السلام :

    أورد العلامة الأبطحي في موسوعته الرجالية (١) ترجمة وافية للحسن المثنى نورد أكثرها فيما يلي : قال :

    أبو محمد الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، أمّه خولة بنت منظور الفزاريّة ، ذكرها بنسبها مع قصّة تزويج الإمام الحسن السبط عليه‌السلام بها أرباب السير والتراجم والنسب (٢).

    قال المفيد (٣) : وأمّا الحسن عليه‌السلام فكان جليلاً ، رئيساً ، فاضلاً ، ورعاً ، وكان يلي صدقات أمير المؤمنين عليه‌السلام في وقته ... ومضى الحسن بن الحسن عليه‌السلام ولم يدّعِ الإمامة ، ولا ادّعاها له مدّعٍ كما وصفناه من حال أخيه زيد رحمه‌الله.

    وقال ابن زهرة الحسيني في غاية الاختصار : وأمّا الحسن المثنى الجليل ، أمّه

    __________________

    (١) تهذيب المقال ـ السيد محمد علي الأبطحي ٢ / ٣٠١.

    (٢) منهم الشيخ المفيد في الإرشاد ، وابن عنبة في عمدة الطالب ، والبخاري في سرّ السلسلة ، وابن زهرة في غاية الاختصار ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ، وابن سعد في الطبقات ٥ / ٣١٥.

    (٣) الإرشاد ٢ / ٢٥.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 11:11 am



    خولة بنت منظور .... وكان الحسن المثنى من رواة الحديث في الفقه وغيره. روى عنه أصحابنا والعامّة بطرقهم ، وروى عن أبيه الإمام أبي محمد الحسن عليه‌السلام (١).

    وروى الحسن المثنى عن فاطمة بنت الحسين عليها‌السلام ، وعبد الله بن جعفر ، وجماعة. روى عنه ابنه عبد الله ، وابن عمّه الحسن بن محمد بن الحنفيّة ، وإبراهيم بن الحسن ، وسهل بن أبي صالح ، وحنان بن سدير الكوفي ، وجماعة ذكره ابن عساكر وابن حجر.

    وقد روى ابن عساكر وغيره أخباراً مكذوبة مفتعلة موضوعة ممّا نسب إليه ، كما وضع الكذابون أخباراً فيما ينافي مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، ثمّ نسبوها بأئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ممّا لا يخفى على المتتبع في أخبارهم ، ولا يسع المقام لتحقيق ذلك.

    ذكر المؤرّخون وأصحاب السير والحديث والأنساب وغيرهم (٢) : أنّ الحسن بن الحسن أبا محمد حضر مع عمّه الحسين عليه‌السلام يوم الطفّ ، وشهد المعركة ، وواسى عمّه في الصبر على السيوف والرماح حتّى اُثخن بالجراح ووقع على الأرض بين القتلى ، وكان به رمق فبرئ. وهم بين مَنْ ذكر أنّه اُسر مع السبايا وحمل معهم (٣) ، وبين مَنْ ذكر أنّه انتزع منهم ولم يحمل معهم ، وبين مَنْ أهمل ذلك. واتفقوا على أنّه برئ ولحق بالمدينة وعاش مدّة.

    قال أبو الفرج (٤) : وحُمل أهله عليه‌السلام أسرى وفيهم عمرو وزيد والحسن بنو الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، وكان الحسن بن الحسن بن علي قد أرتثّ جريحاً فحُمل معهم.

    __________________

    (١) قال الأبطحي ذكره ابن عساكر في التاريخ ، وابن حجر في تهذيب التهذيب ٢ / ٢٦٢ ، والذهبي في سير أعلام النبلاء ٣ / ١٦٤ ، وغيرهم. وروى الصدوق قدس‌سره في الخصال ٢ / ٩٤ باب (١٦) بإسناده عنه عليه‌السلام في حقّ العالم. وروى الأربلي في كشف الغمة ٢ / ١٧٥ عن الحسن المثنى ، عن أبيه عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ من واجب المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم». ورواه بطريق آخر عنه عليه‌السلام في ٢ / ٢٠٣. وقد ذكرناه في طبقات أصحاب أبيه عليه‌السلام ، وأصحاب عمّه الحسين عليه‌السلام ، وأصحاب السجّاد عليه‌السلام.

    (٢) انفرد أبو مخنف من بين الرواة وأصحاب السير حين ذكر أنّ الحسن بن الحسن يوم الطفّ كان طفلاً.

    (٣) قال أبو مخنف : واستُصغر الحسن بن الحسن فلم يقتل. الطبري ٤ / ٣٥٩.

    (٤) في مقاتل الطالبيِّين / ٧٩.
    ٤٥٨

    وقال الشيخ المفيد (١) : وكان الحسن بن الحسن عليه‌السلام حضر مع عمّه الحسين عليه‌السلام الطفّ. فلمّا قُتل الحسين عليه‌السلام واُسر الباقون من أهله ، جاءه أسماء بن خارجة فانتزعه من بين الاُسارى ، وقال : والله لا يصل إلى ابن خولة أبداً. فقال عمر بن سعد : دعوا لأبي حسان ابن أخته. ويُقال : إنّه اُسر ، وكان به جراح قد اُشفي منها.

    وقال ابن عنبة (٢) : وكان الحسن بن الحسن عليه‌السلام شهد الطفّ مع عمّه الحسين عليه‌السلام واُثخن بالجراح ، فلمّا أرادوا أخذ الرؤوس وجدوا به رمقاً ، فقال أسماء بن خارجة بن عيينة بن خضر بن حذيفة بن بدر الفزاري : دعوه لي ؛ فإن وهبه الأمير عبيد الله بن زياد (لعنه الله) لي ، وإلاّ رأى رأيه فيه. فتركوه له ، فحمله إلى الكوفة ، وحكوا ذلك لعبيد الله بن زياد فقال : دعوا لأبي حسان ابن اُخته. وعالجه أسماء حتّى برئ ، ثمّ لحق بالمدينة.

    وقال السيد ابن طاووس صاحب اللهوف : كان الحسن بن الحسن المثنى قد واسى عمّه في الصبر على السيوف ، وطعن الرماح ، وكان قد نُقل من المعركة وقد اُثخن بالجراح وبه رمق فبرئ.

    وقال ابن حمزة الحسيني النقيب في غاية الاختصار : وشهد الحسن بن الحسن الطفّ مع عمّه الحسين عليه‌السلام فأفلت.

    وقال الذهبي (٣) : ولم يفلت من أهل بيت الحسين عليه‌السلام سوى ولده علي الأصغر ، فالحسينية من ذريته ، وكان مريضاً ، وحسن بن حسن بن علي عليه‌السلام وله ذريّة.

    قال المفيد (٤) : روي أنّ الحسن بن الحسن عليه‌السلام خطب إلى عمّه الحسين عليه‌السلام إحدى ابنتيه ، فقال له الحسين عليه‌السلام : «اختر يا بُني أحبّهما إليك». فاستحيى الحسن ولم يحر جواباً ،

    __________________

    (١) الإرشاد ٢ / ٢٥.

    (٢) عمدة الطالب / ١٠٠.

    (٣) سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٠٣.

    (٤) الإرشاد ٣ / ٢٥.
    ٤٥٩

    فقال له الحسين عليه‌السلام : «فإنّي قد اخترت لك ابنتي فاطمة ، فهي أكثرهما شبهاً باُمّي فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

    وكان الحسن المثنى رحمه‌الله يتولّى صدقات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام في عصره ، وكان تولّى صدقاته وصدقات فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) أيضاً من بعد علي عليه‌السلام للحسن ، ثمّ للحسين ، ثمّ من بعده لأكبر ولدها إذا كان يرضى بهديه وإسلامه وأمانته كما في أخبارها.

    وقد ذكره أصحابنا وجمهور المخالفين بتولّي صدقاته عليه‌السلام (٢) ، وكان تولّيه الصدقات أيام عبد الملك بن مروان كما صرّحوا بذلك.

    قال المفيد (٣) بإسناده عن عبد الملك بن عبد العزيز قال : لمّا ولي عبد الملك بن مروان الخلافة ردّ إلى علي بن الحسين عليهما‌السلام صدقات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصدقات علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

    __________________

    (١) قال الأبطحي : ورواه نحوه ابن زهرة الحسيني في (غاية الاختصار / ٤١) وفيه : فهي أكبرهما سنّاً ، وأكثرهما شبهاً الخ. وفي عمدة الطالب / ٩٩ نحوه مع تفاوت يسير. وقال البخاري في سر السلسلة / ٦ : خطب الحسن بن الحسن بن علي عليه‌السلام إلى عمّه الحسين عليه‌السلام إحدى بناته ، فأبرز إليه فاطمة وسكينة ، وقال : «يابن أخي ، اختر أيّتهما شئت». فاختار فاطمة بنت الحسين عليه‌السلام ، وكانت أشبه الناس بفاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فزوّجه ... وأشار إلى قوله هذا ابن عنبة في العمدة. وقال في غاية الاختصار / ٤١ : وكان الحسن بن الحسن عليه‌السلام خطب إلى عمّه الحسين عليه‌السلام ، فقال الحسين عليه‌السلام : «يابن أخي ، قد كنت انتظر هذا منك ، انطلق معي». فجاء به حتّى أدخله منزله ، فخيّره في ابنتيه فاطمة وسكينة ، فاختار فاطمة ، فزوّجه إيّاها. قال المؤلِّف : وفي التبيين في أنساب القرشيين ـ تأليف المقدسي (ت ٦٢٠) هجرية / ١٠٦ : إنّ الحسن بن الحسن لمّا توفي أبوه أخذه عمّه الحسين إلى منزله ، فأخرج له ابنتيه فاطمة وسكينة ، فاختار فاطمة وزوّجه إيّاها.

    (٢) كما في إرشاد الشيخ المفيد ، وغاية الاختصار ـ لابن زهرة ، وعمدة الطالب ، وأنساب الأشراف ـ لأحمد بن يحيى البلاذري ١ ق ١ / ٢٢٦ ، وتاريخ ابن عساكر ١١ / ١٠٦ ، وتهذيب التهذيب ٢ / ٢٦٣.

    (٣) الإرشاد ٢ / ١٤٩.
    ٤٦٠

    قال ابن عنبة (١) : وكان الحسن بن الحسن يتولّى صدقات أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، ونازعه فيها زين العابدين علي بن الحسين عليه‌السلام ، ثمّ سلّمها له.

    قال الأبطحي : الظاهر أنّ ما ذكره في عمدة الطالب غير صحيح ، فإنّ الولي لها شرعاً حسب وقف أربابها هو علي بن الحسين عليه‌السلام ، كما إنّ الحكومة الخارجية أثبتتها وأرجعتها إليه كما صرحوا بذلك ، ولعله كان بأمره وإذنه عليه‌السلام تفضّلاً منه.

    وروى الكليني (٢) في باب النصّ على أبي جعفر عليه‌السلام بطرق فيها الحسن كالصحيح وغيره عن أبي عبد الله عليه‌السلام يقول : «إنّ عمر بن عبد العزيز كتب إلى ابن حزم (واليه على القضاء بالمدينة) أن يرسل إليه بصدقة علي عليه‌السلام وعمر وعثمان ، وابن حزم بعث إلى زيد بن الحسن ، وكان أكبرهم ، فسأله عن الصدقة ، فقال زيد : إنّ الوالي كان بعد علي عليه‌السلام الحسن ، وبعد الحسن الحسين ، وبعد الحسين علي بن الحسين ، وبعد علي بن الحسين محمد بن علي ، فابعث إليه».

    ولمّا ولّى عبد الملك الحجّاج بن يوسف على مكّة والمدينة واليمن ، واتصل به عمر بن علي عليه‌السلام ، فسأله أن يدخله في صدقات أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال الحسن : لا اُغيّر شرط علي عليه‌السلام ، ولا اُدخل فيها مَنْ لم يدخل. فقال له الحجّاج : إذاً أدخله أنا معك. فتوجّه الحسن إلى عبد الملك بالشام ودخل عليه فأخبره بقول الحجّاج ، فقال : ليس له ذلك. وكتب إلى الحجّاج كتاباً في ذلك.

    وروى ابن عساكر بسنده عن الزبير بن بكار قال : وكان الحسن بن الحسن وصي أبيه وولي صدقة علي بن أبي طالب في عصره ، وكان الحجّاج بن يوسف قال له يوماً وهو يسايره في موكبه بالمدينة (وحجّاج يومئذ أمير المدينة) : أدخل عمّك عمر بن علي معك في صدقة علي ؛ فإنّه عمّك وبقية أهلك. قال : لا اُغيّر شرط علي ، ولا اُدخل فيها مَنْ

    __________________

    (١) عمدة الطالب / ٩٩.

    (٢) أصول الكافي ١ / ٣٠٥.
    ٤٦١

    لم يدخل. قال : إذاً أدخله معك. فنكص عنه الحسن حين غفل الحجّاج ، ثم كان وجهه إلى عبد الملك حتّى قدم عليه ، فوقف ببابه يطلب الإذن ، فمرّ به يحيى بن الحكم ، فلمّا رآه يحيى عدل إليه فسلّم عليه ، وسأله عن مقدمه وخبره ، وتحفّى به ، ثمّ قال : إنّي سأنفعك عند أمير المؤمنين (يعني عبد الملك). فدخل الحسن على عبد الملك فرحّب به ، وأحسن مساءلته (وكان الحسن بن الحسن قد أسرع إليه الشيب) ، فقال له عبد الملك : لقد أسرع إليك الشيب. (ويحيى بن الحكم في المجلس). فقال له يحيى : وما يمنعه يا أمير المؤمنين! شيبه أماني أهل العراق ؛ كلّ عام يقدم عليه ركب يمنّونه الخلافة. فأقبل عليه الحسن بن الحسن فقال : بئس والله الرفد رفدت! وليس كما قلت ، ولكنّا أهل بيت يسرع إلينا الشيب. وعبد الملك يسمع ، فأقبل عليه عبد الملك فقال : هلمّ ما قدمت له. فأخبره بقول الحجّاج ، فقال : ليس ذلك له ، اكتبوا له كتاباً لا يجاوزه. فوصله وكتب له ، فلمّا خرج من عنده لقيه يحيى بن الحكم فعاتبه الحسن على سوء محضره ، وقال : ما هذا الذي وعدتني. فقال له يحيى : إيهاً عنك! والله لا يزال يهابك ، ولولا هيبته إياك ما قضى لك حاجة ، وما ألوتك رفداً (١).

    قال الأبطحي : يظهر من ذلك عدم صحة ما نسب إليه في دعوى الإمامة ؛ ولذلك سعى عليه كذباً إلى عبد الملك بن مروان ووليد بن عبد الملك.

    قال ابن عنبة عند ذكر الحسن بن الحسن عليه‌السلام (٢) : وكان عبد الرحمان بن الأشعث قد دعا إليه وبايعه ، فلمّا قُتل عبد الرحمان توارى الحسن.

    وقيل لعبد الملك : إنّ أهل العراق يدعونه إلى الخروج معهم عليك ، فعاتب الحسن بن الحسن عليه‌السلام ، فجعل يعتذر إليه ويحلف له ، فكلّمه خالد بن يزيد بن معاوية في قبول عذره (٣).

    __________________

    (١) تاريخ دمشق ابن عساكر ترجمة الحسن بن الحسن.

    (٢) عمدة الطالب / ١٠٠.

    (٣) الأغاني ـ لأبي الفرج ١٣ / ١٥.
    ٤٦٢

    ولمّا أمره هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة والي عبد الملك على المدينة أن يشتم آل علي علياً عليه‌السلام ، وآل الزبير عبد الله بن الزبير ، وأبوا جميعاً وكتبوا وصاياهم ، فأمر الوالي بإرشاد أخته أن يشتم آل علي آل الزبير وآل الزبير آل علي ، فكان الحسن بن الحسن عليه‌السلام أوّل مَنْ أقيم إلى جانب المنبر ، وكان رجلاً رقيق البشرة عليه يومئذ قميص كتّان رقيق فأمره هشام بسب آل الزبير فامتنع ، وقال : إنّ لآل الزبير رحماً ، يا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار؟! فأمر هشام حرسياً عنده أن اضربه ، فضربه سوطاً واحداً من فوق قميصه ، فخلص إلى جلده فسرّحه حتّى سال دمه تحت قدمه في المرمر (١).

    وقيل للوليد بن عبد الملك : إنّ الحسن بن الحسن عليه‌السلام يكاتب أهل العراق ، فكتب إلى عامله بالمدينة عثمان بن حيّان المري : انظر الحسن بن الحسن فاجلده مئة ضربة ، وقفه للناس يوماً ، ولا أراني إلاّ قاتله. فجيء بالحسن والخصوم بين يديه ، فقام إليه علي بن الحسين عليه‌السلام فقال : «أخي ، تكلّم بكلمات الفرج يفرّج الله عنك : لا إله إلاّ الله الحكيم الكريم ، سبحان الله ربّ السماوات السبع وربّ العرش العظيم ، الحمد لله ربّ العالمين». فلمّا قالها انفرجت فرجة من الخصوم ، فرآه عثمان فقال : أرى وجه رجل قد افتُريت عليه كذبة ، خلّوا سبيله وأنا كاتب إلى أمير المؤمنين بعذره ، فإنّ الشاهد يرى ما لا يراه الغائب. وقيل : إنّ والي المدينة كان يومئذ هشام بن إسماعيل (٢).

    قال المفيد (٣) : وقبض الحسن بن الحسن عليه‌السلام وله خمس وثلاثون سنة رحمه‌الله ، وأخوه زيد بن الحسن حي ، ووصى إلى أخيه من أمّه إبراهيم بن محمد بن طلحة.

    وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق ١١ / ١١٠ بإسناده عن مصعب قال : وتوفي الحسن بن الحسن فأوصى إلى إبراهيم بن محمد بن طلحة ، وهو أخوه لاُمّه.

    __________________

    (١) ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق ١١ / ١٠٨.

    (٢) ذكره ابن عساكر في ترجمته ١١ / ١٠٧ ، ورواه نحوه بطريق آخر لكن فيها : إنّ الوالي كان هشام بن إسماعيل. ورواه النسائي في كلمات الفرج كما في تهذيب التهذيب.

    (٣) الإرشاد / ١٩٧.
    ٤٦٣

    وقال في عمدة الطالب (١) : دس إليه الوليد بن عبد الملك مَنْ سقاه سمّاً فمات وعمره إذ ذاك خمس وثلاثون سنة ، وكان يشبه برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

    قال الأبطحي : إنّه رحمه‌الله أدرك أباه عليه‌السلام وروى عنه ، ولا تصح روايته عنه إلاّ إذا كان له من العمر ما يصح في مثله الرواية ، وقد مضى أبوه الإمام السبط أبو محمد الحسن عليه‌السلام شهيداً في صفر سنة خمسين كما صرّح بذلك المفيد في الإرشاد ، وابن عنبة في عمدة الطالب. وقد حضر مع عمّه كربلاء سنة (٦١). وعانده الحجّاج أيّام إمارته على الحجاز سنة (٧٣) أو بعدها في توليه الصدقات ، وفي تشييع جنازة جابر الأنصاري الصحابي ودخوله قبره سنة (٧٨) قبل دخول عبد الملك المدينة ، وعزله الحجّاج عن الحجاز. وروى عن الحسن المثنى الحسن المثلث ابنه المولود سنة (٧٧) على ما يأتي ، ولا تصح روايته إلاّ بعد سنين من ولادته. وفي سنة (٨٥) أو ما يقاربها اُقيم بأمر هشام بن إسماعيل والى المدينة إلى جانب منبر مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمره بسبب الزبي فامتنع فضرب بسوط حتّى سال الدم تحت قدمه في المرمر كما تقدّم. ولعل ذلك كان حين ما أمر عبد الملك واليه بأخذ البيعة من الناس عند عقده العهد من بعده لولده ، وعند ذلك ضرب سعيد بن المسيب ستين سوطاً وصمم. ذكره اليافعي في سنة (٨٥) ، وبويع للوليد بن عبد الملك سنة (٨٦) ، وكتب إلى عثمان بن حيّان عامله بالمدينة أن أجلد الحسن بن الحسن عليه‌السلام مئة ضربة ، وقفه للناس يوماً ، ولا أراني إلاّ قاتله (الحديث كما تقدّم). ولعله لذلك ذكر في العمدة كما تقدّم : أنّ الوليد دسّ مَنْ سقاه سمّاً. وقال في تهذيب التهذيب ٣ / ٢٦٣ في ترجمته : قرأت بخطّ الذهبي مات سنة (٩٧). قال : فإن صح ذلك فهذا في أيام سليمان بن عبد الملك فقد مات الوليد سنة (٩٦). وقد ظهر من ذلك كلّه أنّ ما في الإرشاد وعمدة الطالب في مدّة عمر الحسن بن الحسن عليه‌السلام غير مستقيم ، ولعله كان فيهما تصحيفاً من النّساخ.

    __________________

    (١) قال الأبطحي : وفيه أقوال اُخر : سنة ٤٤ ، أو ٤٩ ، أو ٥١ ، أو ٥٦ ، أو ٥٨ ، أو ٥٩.
    ٤٦٤

    قال الشيخ المفيد : ومضى الحسن بن الحسن ولم يدّعِ الإمامة ، ولا ادّعاها له مدّعٍ كما وصفناه في حال أخيه زيد رحمه‌الله (١).

    أقول : وأعقب الحسن المثنى من خمسة رجال ؛ عبد الله المحض ، وإبراهيم الغمر ، والحسن المثلث ، واُمّهم فاطمة بنت الحسين بن علي ، ومن داود ، وجعفر ، واُمّهما اُمّ ولد رومية تدعى جيبة (٢) ، فعقبه خمسة أسباط (٣).

    زيد بن الحسن بن علي عليه‌السلام :

    قال ابن عنبة : وكان زيد يُكنّى أبا الحسين. وقال الموضح النسابة : أبا الحسن ، وكان يتولّى صدقات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتخلّف عن عمّه الحسين فلم يخرج معه إلى العراق ، وبايع بعد قتل عمّه الحسين عبد الله بن الزبير ؛ لأنّ أخته لأمّه وأبيه كانت تحت عبد الله بن الزبير. قاله أبو النصر البخاري. فلمّا قُتل عبد الله أخذ زيد بيد أخته ورجع إلى المدينة ، وله في ذلك مع الحجّاج قصّة ، وكان زيد بن الحسن جواداً ممدوحاً ، عاش مئة سنة ، وقيل : خمساً وتسعين ، وقيل : تسعين. ومات بين مكّة والمدينة بموضع يُقال له : حاجر ، واُمّ زيد فاطمة بنت أبي مسعود.

    قال الشيخ المفيد : زيد بن الحسن رحمه‌الله فكان على صدقات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأسن ، وكان جليل القدر ، كريم الطبع ، كثير البرّ. ومدحه الشعراء ، وقصده الناس من الآفاق لطلب فضله ؛

    فذكر أصحاب السيرة أنّ زيد بن الحسن كان يلي صدقات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا ولي سليمان بن عبد الملك كتب إلى عامله بالمدينة : أمّا بعد ، فإذا جاءك كتابي هذا فاعزل

    __________________

    (١) الإرشاد ٢ / ٢٦.

    (٢) وهي التي علّمها الإمام الصادق عليه‌السلام الدعاء المعروف بدعاء اُمّ داود ، وكان به خلاص ابنها داود من الحبس.

    (٣) عمدة الطالب ـ ابن عنبة / ١٠١.
    ٤٦٥

    زيداً عن صدقات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وادفعها إلى فلان بن فلان ـ رجل من قومه ـ وأعنه على ما استعانك عليه ، والسّلام.

    فلمّا استخلف عمر بن عبد العزيز إذا كتاب قد جاء منه : أمّا بعد ، فإنّ زيد بن الحسن شريف بني هاشم ، وذو سنّهم ، فإذا جاءك كتابي هذا فاردد إليه صدقات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأعنه على ما استعانك عليه ، والسّلام.

    وفي زيد بن الحسن يقول محمد بن بشير الخارجي :

    إذا نزلَ ابنُ المصطفى بطنَ تلعةٍ (١)




    نفى جدبها واخضرَّ بالنبتِ عودُها

    وزيدٌ ربيعُ الناسِ في كلِّ شتوةٍ




    إذا أخلفت أنواؤها (٢) ورعودُها

    وروى ابن عساكر عن ابن وهب ، حدّثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري قال : بلغني أنّ الوليد بن عبد الملك كتب إلى زيد بن حسن بن علي يسأله أن يبايع لعبد العزيز بن الوليد ويخلع سليمان بن عبد الملك ، ففرق زيد بن الحسن من الوليد فأجابه ، فلمّا استخلف سليمان وجد كتاب زيد بن حسن إلى الوليد بذلك ، فكتب إلى أبي بكر بن حزم (وهو أمير المدينة) ادع زيد بن حسن وأقرأه هذا الكتاب ، فإن عرفه فاكتب إليّ بذلك ، وإن هو نَكَل فقدِّمه فاصبر يمينه على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كتب بهذا الكتاب ولا أمر به.

    قال : فأرسل إليه أبو بكر بن حزم فأقرأه الكتاب.

    فقال : أنظرني ما بيني وبين العشاء أستخير الله عزّ وجلّ.

    قال : فأرسل زيد بن حسن إلى القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله يستشيرهما في ذلك ، قال فأقاما ربيعة معهما ، فذكر لهما ذلك وقال لهما : إنّي لم أكن آمن الوليد على دمي لو لم أجبه ، فقد كتبت هذا الكتاب فترون أن أحلف؟ فقالوا : لا تحلف ولا تبارز الله عند

    __________________

    (١) التلعة : مسيل ماء من أعلى الأرض إلى بطن الوادي.

    (٢) الأنواء : جمع نوء ، وهو سقوط نجم وطلوع نجم ، وكانت العرب تنسب المطر إلى الأنواء ، فتقول : مطرنا بنوء كذا.
    ٤٦٦

    منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّا نرجو أن ينجيك الله بالصدق. فأقرَّ بالكتاب ولم يحلف ، فكتب بذلك أبو بكر ، فكتب سليمان إلى أبي بكر أن يضربه مئة سوط ، ويدر عنه عباءة ، ويمشيه حافياً.

    قال : فحبس عمر بن عبد العزيز الرسول في غسل سليمان وقال : لا تخرج حتّى اُكلّم أمير المؤمنين فيما كتب في زيد بن حسن ؛ لعلّي أستطيب نفسه فيترك هذا الكتاب.

    قال : فجلس الرسول ، ومرض سليمان ، فقال للرسول : لا تخرج فإنّ أمير المؤمنين مريض. قال : إلى أن رمي في جنازة سليمان ، وأفضى الأمر إلى عمر بن عبد العزيز فدعا بالكتاب فحرقه (١).

    قال ابن عنبة : وكان لزيد ابنة اسمها نفيسة خرجت إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان فولدت منه ، ماتت بمصر ولها هناك قبر يزار ، وهي التي تسمّيها أهل مصر (الست نفيسة) ويعظّمون شأنها ، ويقسمون بها. وقد قيل : إنّ صاحبة القبر بمصر نفيسة بنت الحسن بن زيد ، وإنّها كانت تحت إسحاق بن جعفر الصادق.

    توفي زيد بالبطحاء على ستة أميال من المدينة سنة (١٢٠) وله تسعون سنة ، وحمل إلى البقيع ، فرثاه جماعة من الشعراء وذكروا مآثره ، ويحكوا فضله. فممّن رثاه قدامة بن موسى الجمحي فقال :

    فإن يكُ زيدٌ غالت الأرضُ شخصَه




    فقد بانَ معروفٌ هناك وجودُ

    وإن يكُ أمسى رهنَ رمسٍ فقد ثوى




    بهِ وهو محمودُ الفعالِ فقيدُ

    سميعٌ إلى المعترّ يعلمُ أنّه




    سيطلبهُ المعروفُ ثمّ يعودُ

    وليس بقوّالٍ وقد حطّ رحله




    لملتمسِ المعروفِ أينَ تريدُ

    إذا قصرَ الوغدُ الدني نما به




    إلى المجدِ آباءٌ لهُ وجدودُ

    مباذيلُ للمولى محاشيدُ للقرى




    وفي الروعِ عندَ النائباتِ اُسودُ

    __________________

    (١) تاريخ مدينة دمشق ـ ابن عساكر ١٩ / ٣٧٩.
    ٤٦٧

    إذا انتحلَ العزّ الطريف فإنّهم




    لهم إرثُ مجدٍ ما يرامُ تليدُ

    إذا مات منهم سيدٌ قامَ سيدٌ




    كريمٌ يبّني بعدهُ ويشيدُ

    والعقب منه في ابنه الحسن بن زيد ، ويُكنّى أبا محمد ، كان أمير المدينة من قبل المنصور الدوانيقي ، وعمل له على غير المدينة أيضاً ، وكان مظاهراً لبني العباس على بني عمّه الحسن المثنى ، وهو أوّل مَنْ لبس السواد من العلويين ، وبلغ من السن ثمانين سنة ، وتوفّي ـ على ما قال ابن الخداع ـ بالحجاز سنة ثمان وستين ومئة ، وأدرك زمن الرشيد ، ولا عقب لزيد إلاّ منه.

    أعقب الحسن بن زيد بن الحسن من سبعة رجال وهم ؛ القاسم وعلي ، وإسماعيل وإبراهيم ، وزيد وعبد الله وإسحاق (١).

    قال الشيخ المفيد رحمه‌الله : وخرج زيد بن الحسن رحمه‌الله من الدنيا ولم يدّعِ الإمامة ، ولا ادّعاها له مدّعٍ من الشيعة ولا غيرهم ، وذلك إنّ الشيعة رجلان ؛ إمامي وزيدي.

    فالإمامي يعتمد في الإمامة النصوص ، وهي معدومة في ولد الحسن عليه‌السلام باتفاق ، ولم يدّعِ ذلك أحد منهم لنفسه فيقع فيه ارتياب.

    والزيدي يراعي في الإمامة بعد علي والحسن والحسين عليهم‌السلام الدعوة والجهاد ، وزيد بن الحسن (رحمة الله عليه) كان مسالماً لبني اُميّة ، ومتقلّداً من قبلهم الأعمال ، وكان رأيه التقية لأعدائه ، والتألّف لهم والمداراة ، وهذا يُضاد عند الزيدية علامات الإمامة كما حكيناه (٢).

    __________________

    (١) انظر المجدي في أنساب الطالبيِّين ـ للسيد علي بن محمد العلوي العمري النسابة أعلام القرن الخامس / ٢٠٢ ، وأيضاً عمدة الطالب.

    (٢) الإرشاد ـ الشيخ المفيد ٢ / ٢٠.
    ٤٦٨

    ذرّية الحسين عليه‌السلام

    علي بن الحسين عليه‌السلام :

    علي بن الحسين ، المعروف بزين العابدين ، وأيضاً بالسجّاد عليه‌السلام. وذريّة الحسين منه ، وقد سجّلت له كتب التراجم السنيّة سيرة عبقة متميّزة في الورع والعبادة والعلم. كما سجّلت لولده الباقر عليه‌السلام وحفيده الصادق عليه‌السلام السيرة نفسها.

    قال جمال الدين في عمدة الطالب ، عن كتاب مناقب بني هاشم للجاحظ أنّه قال في حق زين العابدين علي بن الحسين عليه‌السلام ما نصّه : وأمّا علي بن الحسين بن علي فلم أَرَ الخارجي في أمره إلاّ كالشيعي ، ولم أَرَ الشيعي إلاّ كالمعتزلي ، ولم أَرَ المعتزلي إلاّ كالعامي ، ولم أَرَ العامي إلاّ كالخاصي ، ولم أجد أحداً يتمارى في تفضيله ويشك في تقديمه (١).

    قال ابن حجر : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي زين العابدين ، ثقة ، ثبت ، عابد ، فقيه ، فاضل مشهور (٢).

    وقال أبو بكر بن البرقي : ونسل الحسين بن علي كلّه من قِبل علي الأصغر ، واُمّه اُمّ ولد ، وكان أفضل أهل زمانه (٣).

    __________________

    (١) مناهل الضرب ـ للأعرجي / ٣٨٨.

    (٢) تقريب التهذيب.

    (٣) تهذيب الكمال.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 11:13 am



    وقال ابن حبان : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسن ، من فقهاء أهل البيت (١).

    روى ابن عساكر عن الزهري قال : كان علي بن الحسين من أفضل أهل بيته وأفقههم ، وأحسنهم طاعة ، وأحبّهم إلى مروان بن عبد الحكم وعبد الملك بن مروان (٢).

    وروى عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري قال : لم أدرك من أهل البيت أفضل من علي بن الحسين.

    وروى عن زيد بن أسلم قال : ما جالست في أهل القبلة مثله (يعني علي بن الحسين) (٣).

    وروى عن أبي حازم أنّه كان يقول : ما رأيت هاشمياً أفضل من علي بن الحسين (٤).

    وروى عن مالك أنّه قال : لم يكن في أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل علي بن الحسين (٥).

    وقال ابن سعد : كان علي بن حسين ثقة مأموناً ، كثير الحديث ، عالياً رفيعاً ورعاً.

    وهو عند يحيى بن سعيد الأنصاري أفضل هاشمي رآه بالمدينة (٦).

    وهو عند سعيد بن المسيب أورع مَنْ رآه.

    وقال مصعب بن عبد الله الزبيري عن مالك : ولقد أحرم علي بن الحسين ، فلمّا أراد أن يقول : لبيك ، قالها فأغمي عليه حتّى سقط من ناقته فهشم ، ولقد بلغني أنّه كان يصلّي في كلّ يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات ، وكان يسمّى بالمدينة زين العابدين لعبادته.

    __________________

    (١) مشاهير علماء الأمصار ١ / ٦٣.

    (٢) تاريخ مدينة دمشق ـ ابن عساكر ١٤ / ٣٧١.

    (٣) تاريخ مدينة دمشق ـ ابن عساكر ١٤ / ٣٧٣.

    (٤) تاريخ مدينة دمشق ـ ابن عساكر ١٤ / ٣٧٣.

    (٥) تاريخ مدينة دمشق ـ ابن عساكر ١٤ / ٣٧٣.

    (٦) تهذيب الكمال ـ ترجمة علي بن الحسين بن أبي طالب.
    ٤٧٠

    وقال سفيان بن عيينة عن أبي حمزة الثمالي : إنّ علي بن الحسين كان يحمل الخبز بالليل على ظهره يتتبع المساكين في ظلمة الليل ، ويقول : «إنّ الصدقة في سواد الليل تطفئ غضب الربّ» (١).

    وقال جرير بن عبد الحميد عن عمرو بن ثابت : لمّا مات علي بن الحسين وجدوا بظهره أثراً ، فسألوا عنه ، فقالوا : هذا ممّا كان ينقل الجرب بالليل على ظهره إلى منازل الأرامل.

    وقال محمد بن زكريا الغلابي ، حدّثنا عبيد الله بن محمد بن عائشة قال : حدّثني أبي وغيره أنّ هشام بن عبد الملك حجّ في خلافة عبد الملك أو الوليد ، فطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام ، فنصب له منبر ، فجلس عليه وأطاف به أهل الشام ، فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين عليه إزار ورداء ، أحسن الناس وجهاً ، وأطيبهم رائحة ، بين عينيه سجادة كأنّها ركبة عنز ، فجعل يطوف بالبيت ، فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحّى له الناس عنه حتّى يستلمه ؛ هيبة له وإجلالاً ، فغاظ ذلك هشاماً ، فقال رجل من أهل الشام لهشام : مَن هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة فأفرجوا له عن الحجر؟ فقال هشام : لا أعرفه ؛ (لئلاّ يرغب فيه أهل الشام) ، فقال الفرزدق ـ وكان حاضراً ـ : ولكنّي أعرفه. فقال الشامي : مَنْ هو يا أبا فراس؟ فقال الفرزدق قصيدته المشهورة (٢).

    __________________

    (١) تاريخ الإسلام ـ للذهبي ٧ / ٤٣٣ ، حلية الأولياء ٣ / ١٣٥ ، صفوة الصفوة ٢ / ٩٦.

    (٢) تاريخ دمشق ٤١ / ٤٠١.

    ومنها قوله :

    هذا الذي تعرفُ البطحاءُ وطأته




    والبيتُ يعرفهُ والحلُّ والحرمُ

    هذا ابنُ خيرِ عبادِ اللهِ كلِّهمُ




    هذا التقي النقي الطاهرُ العلمُ

    إذا رأته قريشٌ قال قائلُها




    إلى مكارمِ هذا ينتهي الكرمُ

    مشتقّةٌ من رسولِ اللهِ نبعتُهُ




    طابت عناصرُهُ والخيمُ والشيمُ

    ٤٧١

    محمد الباقر عليه‌السلام :

    أمّا عن ولده محمد الباقر عليه‌السلام :

    فقد قال الذهبي فيه : أبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين ، الإمام الثبت الهاشمي ، العلوي المدني ، أحد الأعلام ، وكان سيّد بني هاشم في زمانه ، اشتهر بالباقر من قولهم : بقر العلم ، يعني شقّه فعلم أصله وخفيه (١).

    وقال ابن سعد : كان ثقة كثير الحديث.

    وقال ابن البرقي : كان فقيهاً فاضلاً.

    وقال محمد بن المنكدر (٢) ما رأيت أحداً يُفَضَّل على علي بن الحسين حتّى رأيت ابنه محمداً (٣).

    جعفر الصادق عليه‌السلام :

    أمّا عن حفيده جعفر الصادق عليه‌السلام ، فقد قال ابن حجر فيه : جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي ، أبو عبد الله المعروف بالصادق ، صدوق فقيه إمام.

    __________________

    ينجاب نورُ الهدى عن نورِ غرّته




    كالشمسِ ينجابُ عن إشراقها العتمُ

    حمّالُ أثقال أقوامٍ إذا فدحوا




    حلو الشمائلِ تحلو عنده نعمُ

    هذا ابنُ فاطمةٍ إن كنتَ جاهله




    بجدِّهِ أنبياءُ اللهِ قد خُتموا

    وغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق ، فحُبس بعسفان بين مكّة والمدينة ، فبلغ ذلك علي بن الحسين ، فبعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم ، وقال : «اعذر أبا فراس ، فلو كان عندنا أكثر منها لوصلناك بها». فردّها وقال : يابن رسول الله ، ما قلت الذي قلت إلاّ غضباً لله ولرسوله ، وما كنت لأرزأ عليه شيئاً. فردّها إليه وقال : «بحقّي عليك لما قبلتها ، فقد رأى الله مكانك وعلم نيّتك». فقبلها.

    (١) تذكرة الحفاظ ١ / ١٢٤.

    (٢) قال ابن حبّان مشاهير علماء الأمصار / ١٠٧ : محمد بن المنكدر بن عبد الله القرشي ، أبو عبد الله ، وهم إخوة ثلاثة ؛ أبو بكر ومحمد وعمر ، وكان محمد من سادات قريش ، وعبّاد أهل المدينة ، وقرّاء التابعين. مات سنة ثلاثين ومئة وقد نيف على السبعين ، وكان يصفر لحيته ورأسه بالحناء.

    (٣) سير أعلام النبلاء ترجمة محمد بن علي.
    ٤٧٢

    قال إبراهيم بن محمد الرماني (أبو نجيح) : سمعت حسن بن زياد يقول : سمعت أبا حنيفة وسُئل : مَنْ أفقه مَنْ رأيت؟ فقال : ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد (١) ؛ لمّا أقدمه المنصور الحيرة بعث إليّ فقال : يا أبا حنيفة ، إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد ، فهيّئ له من مسائلك تلك الصعاب. فقال : فهيّأت له أربعين مسألة ، ثمّ بعث إليّ أبو جعفر فأتيته بالحيرة ، فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه ، فلمّا بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخلني لأبي جعفر ، فسلّمت وأذن لي أبو جعفر فجلست ، ثمّ التفت إلى جعفر فقال : يا أبا عبد الله ، تعرف هذا؟ قال : «نعم ، هذا أبو حنيفة». ثمّ أتبعها : «قد أتانا». ثمّ قال : يا أبا حنيفة ، هات من مسائلك ، سل أبا عبد الله. فابتدأتُ أسأله ، قال : فكان يقول في المسألة أنتم تقولون فيها كذا وكذا ، وأهل المدينة يقولون كذا ، ونحن نقول كذا ، فربّما تابعنا ، وربّما تابع أهل المدينة ، وربّما خالفنا جميعاً ، حتّى أتيت على أربعين مسألة ما أخرج منها مسألة ، ثمّ قال أبو حنيفة : أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس؟(٢)

    تحرّك هؤلاء الأئمّة الثلاثة من ذرّية الحسين عليه‌السلام في الأجواء التي صنعتها شهادة الحسين وظلامته ، لا باتّجاه تعريف الناس بتكليفهم إزاء السلطة الاُمويّة الذي تبلور وتعمّق بما فيه الكفاية ، بل باتّجاه أمرين آخرين كانا بحاجة إلى بلورة وتأسيس وهما :

    البكاء على الحسين عليه‌السلام والحزن عليه :

    ١ ـ البكاء على الحسين عليه‌السلام والحزن عليه كحالة لا تبرد بمرور الزمن ، وسلوك يُثاب عليه فاعله لبكاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبكاء الأنبياء السابقين عليه ، في قبال البكاء أو الحزن الذي يبرد بمرور الزمن لأنّه سلوك مبني على الانفعال العاطفي ليس إلاّ. وقد جسّد الأئمّة ذلك بقولهم وسلوكهم.

    __________________

    (١) الكاشف ـ للذهبي ١ / ٢٩٥ ، تذكرة الحفاظ ١ / ١٦٦.

    (٢) الكامل في الضعفاء ـ لابن عدي ٢ / ١٣١ ، تهذيب الكمال ٥ / ٧٤.
    ٤٧٣

    روى المزي ، قال أبو حمزة محمد بن يعقوب بن سوار عن جعفر بن محمد : سُئل علي بن الحسين عن كثرة بكائه ، فقال : «لا تلوموني ؛ فإنّ يعقوب فقد سبطاً من ولده فبكى حتّى ابيضّت عيناه ولم يعلم أنّه مات ، ونظرت أنا إلى أربعة عشر رجلاً من أهل بيتي ذُبحوا في غداة واحدة ، فترون حزنهم يذهب من قلبي؟! أبداً» (١).

    وقال الباقر عليه‌السلام : «كان أبي يقول : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه‌السلام دمعة حتّى تسيل على خده بوّأه الله بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً» (٢).

    وقال أبو عمارة المنشد : ما ذكر الحسين عليه‌السلام عند أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام في يوم قطّ فرُئي أبو عبد الله ذلك اليوم مبتسماً قطّ إلى الليل.

    وروي عنه عليه‌السلام أنّه كان يقول : «إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ، ما خلا البكاء والجزع على الحسين عليه‌السلام فإنّه فيه مأجور» (٣).

    وروي عن الرضا عليه‌السلام قال : «كان أبي إذا دخل المحرّم لا يُرى ضاحكاً ، حتّى إذا كان يوم العاشر كان ذلك يوم مصيبته وحزنه وبكائه» (٤).

    نشر أحاديث علي عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

    ٢ ـ نشر أحاديث الجامعة وغيرها ممّا كتبه علي عليه‌السلام بيده وأملاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من فِلْق فيه ، وكان الحسين عليه‌السلام قد أودع هذه الكتب عند اُمّ سلمة قبل خروجه إلى مكّة ، ولمّا رجع علي بن الحسين سلّمتها له ، ثمّ صارت إلى الباقر عليه‌السلام دون إخوته بوصية خاصّة من أبيه زين العابدين عليه‌السلام ، ثمّ صارت إلى الإمام الصادق عليه‌السلام. وكان الصادق أكثر مَنْ توفرت له الفرصة ، والظرف المناسب لنشر أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما كتبها علي عليه‌السلام ، وذلك بعد سقوط

    __________________

    (١) تهذيب الكمال ـ ترجمة علي بن الحسين عليهما‌السلام.

    (٢) كامل الزيارات / ١٠٠.

    (٣) كامل الزيارات.

    (٤) أمالي الشيخ الصدوق / ١١١.
    ٤٧٤

    حكم بني اُميّة وبداية حكم بني العباس ، حيث كانوا منشغلين بتثبيت ملكهم وسلطانهم ، وكتب أصحاب الصادق عنه أربعمئة مصنّف عُرفت عند الشيعة بالأصول الأربعمئة التي اعتمدها المحمّدون الثلاثة في تأليف موسوعاتهم الحديثية الأربعة المعروفة ، وهي : الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني (ت ٣٢٩) ، ومَنْ لا يحضره الفقيه لمحمد بن علي بن بابويه الصدوق (ت ٣٨١) ، والتهذيب والاستبصار لمحمد بن الحسن الطوسي (ت ٤٦٠).

    حصة الكوفة من نشاط الأئمّة عليهم‌السلام :

    أولى هؤلاء الأئمّة الكوفة عناية خاصّة بصفتها مركز الثقل لشيعتهم ، واستطاعوا أن يعيدوا البناء الشيعي فيها كما كان على عهد علي والحسن عليهم‌السلام. هذا البناء الذي عمل معاوية على محوه والقضاء عليه ، واستهدفه في جملة ما استهدفه من أهداف ؛ وبسبب ذلك لم يتّخذ العباسيون الكوفة عاصمة لهم ؛ لوضوح ولائها للحسنيّين والحسينيّين.

    روى حنان بن سدير ، عن أبيه قال : دخلت أنا وأبي وجدّي وعمّي حماماً بالمدينة ، فإذا رجل في بيت المسلخ ، فقال لنا : مَنْ القوم؟ فقلنا : من أهل العراق. فقال : وأيّ العراق؟ قلنا : كوفيّون. فقال : مرحباً بكم يا أهل الكوفة ، أنتم الشعار دون الدثار. فسألنا عنه فإذا هو علي بن الحسين عليه‌السلام (١).

    عن محمد الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الله عرض ولايتنا على أهل الأمصار فلم يقبلها إلاّ أهل الكوفة» (٢).

    وروي عن الصادق عليه‌السلام في فضل الكوفة قال : «تربة تحبّنا ونحبّها».

    وعن عبد الله بن الوليد قال : دخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام فسلّمنا عليه ، وجلسنا بين يديه ، فسألنا : «مَنْ أنتم؟». فقلنا : من أهل الكوفة. فقال : «أما إنّه ليس بلد من البلدان أكثر محبّاً لنا من أهل الكوفة … إنّ الله هداكم لأمر جهله الناس ، أحببتمونا وأبغضنا الناس ،

    __________________

    (١) الوسائل ١ / ٣٦٨ عن الكافي ، ورواه الصدوق (مَنْ لا يحضره الفقيه ١ / ١١٨) أيضاً.

    (٢) كامل الزيارات / ٣١٣ ، بصائر الدرجات / ٩٦.
    ٤٧٥

    وصدقتمونا وكذّبنا الناس ، واتّبعتمونا وخالفنا الناس ، فجعل الله محياكم محيانا ، ومماتكم مماتنا» (١).

    وروى الطبري قال : لمّا ظهر محمد وإبراهيم ابنا عبد الله بن الحسن أرسل أبو جعفر إلى عبد الله بن علي بن عباس وهو محبوس عنده : أنّ هذا الرجل قد خرج ، فإن كان عندك رأي فأشر به علينا (وكان ذا رأي عندهم). فقال : إنّ المحبوس محبوس الرأي ، فأخرجني حتّى يخرج رأيي. فأرسل إليه أبو جعفر : لو جاءني حتّى يضرب بابي ما أخرجتك ، وأنا خير لك منه وهو مُلك أهل بيتك. فأرسل إليه عبد الله : ارتحل الساعة حتّى تأتي الكوفة ، فاجثم على أكبادهم ؛ فإنّهم شيعة أهل هذا البيت وأنصارهم (٢).

    وروى المزي عن إبراهيم بن محمد الرماني (أبو نجيح) قال : سمعت حسن بن زياد يقول : سمعت أبا حنيفة وسُئل مَنْ أفقه مَنْ رأيت ، فقال : ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد. لمّا أقدمه المنصور الحيرة بعث إليّ فقال : يا أبا حنيفة ، إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيئ له من مسائلك تلك الصعاب (٣).

    خلاصة :

    وخلاصة الكلام أنّ الهدف الأوّل من قيام الحسين عليه‌السلام وهو إحياء مدرسة أبيه علي عليه‌السلام بإحياء أحاديث جدّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل البيت عليهم‌السلام ؛ لينفتح الطريق للأئمّة من ذرية الحسين عليه‌السلام ، والبقية الباقية من شيعة علي ليبلغوا أحاديث علي عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإحياء مدرسته ، وقد تحقّقت كما أراده الحسين عليه‌السلام ، وعمل به ، وجعل الله تعالى شهادته الطريق الأوسع لنشر ذلك ، ومعلم هذا التحقق ظاهرتان :

    __________________

    (١) الكافي ٨ / ٢٣٦.

    (٢) تاريخ الطبري ٧ / ٥٦٥.

    (٣) الكامل في الضعفاء ـ لابن عدي ٢ / ١٣١. تهذيب الكمال ٥ / ٧٤.
    ٤٧٦

    الظاهرة الأولى :

    وجود أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في تعظيم أهل بيته عليهم‌السلام ، وأحاديثه في ذمّ بني اُميّة في كلّ الكتب السنيّة المعتبرة كالصحاح الستة ونظرائها ، كمسند أحمد بن حنبل ، ومسند ابن أبي شيبة ، والمعجم الكبير والأوسط والصغير للطبراني ، والمستدرك على الصحيحين وغيرها ، وقد دوّنت هذه الموسوعات الحديثية في القرنين الأوليين بعد انهيار النظام الأموي.

    الظاهرة الثانية :

    انتشار أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله برواية علي عليه‌السلام في كتابه الصحيفة الجامعة وغيرها في الكتب الأربعة ، وهي المصادر المعتبرة لدى الشيعة. هذه الأحاديث التي تكوّن المضمون الديني الأساسي بعد القرآن عند الشيعة. هذه الأحاديث التي نشرها علي عليه‌السلام حين أقبلت الأمّة عليه ونصرته وبايعته ، وعمل معاوية على محاربتها بتصفية حملتها من الشيعة ، ثمّ أراد الحسين عليه‌السلام إعادة نشرها وتهيئة الأجواء الآمنة لحملتها ورواتها ، ثمّ قُتل ولم يتيسّر له ذلك ، وإنّما تيسّر للبقية الباقية من شيعة أبيه فنشروا أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم‌السلام ، كما تيسّر للأئمّة من ذرية الحسين عليهم‌السلام من بعده وبخاصّة الباقر والصادق عليهما‌السلام ؛ ليكوِّنوا أجيالاً شيعيّة جديدة تأخذ معالم دينها من أهل بيت النبي عليهم‌السلام ؛ عملاً بوصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمر الله تعالى فيهم. وبرز فيهم علماء أمثال زرارة ، ومحمد بن مسلم ، ويونس بن عبد الرحمن ، ومحمد بن أبي عمير ونظرائهم ، يحملون حديث علي عليه‌السلام وفتاواه ، ثمّ فتاوى ذرّيته الطاهرين عليهم‌السلام ، كما كان حجر بن عدي ، وعمرو بن الحمق الخزاعي ، وميثم الثمار ، ورشيد الهجري ، وحبيب بن مظاهر ، وبرير الهمداني ، ونافع بن هلال ، ومسلم بن عوسجة ، وسليمان بن صرد ، والمختار بن عبيد الثقفي ، وكميل بن زياد ونظراؤهم من وجوه وعلماء شيعة علي عليه‌السلام الذين عمل على تصفيتهم النظام الأموي والنظام الزبيري ، بسبب نشاطهم في نشر الحديث النبوي الصحيح. وقد استمر خطّ التشيع لآل البيت عليهم‌السلام إلى اليوم على الرغم من محاولات أثيمة جرت لاستئصاله ، ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره.
    ٤٧٧

    وممّا لا شك فيه أنّ كلتا الظاهرتين ما كانتا لتوجدا على الساحة الإسلاميّة العامّة في ظلّ استمرار السياسة الاُمويّة ، وغياب حركة الحسين عليه‌السلام ، بل هما الأثر المباشر لحركته في مكّة ، ثمّ اتّسع الأثر وتعمّق بعد مقتله (صلوات الله عليه) في سبيل ذلك.
    ٤٧٨

    الباب الخامس :

    خلاصة وخاتمة

    الحسين عليه‌السلام المظلوم الفاتح

    حركة الواقع السياسي والاجتماعي

    التغيير المطلوب

    الحسين عليه‌السلام هو التوحيد

    المعني بالتغيير المطلوب القادر عليه

    الحسين عليه‌السلام عُدّة إلهية لتحقيق التغير المطلوب

    خطّة الحسين عليه‌السلام لتحقيق التغيير

    معالم التغيير بعد شهادة الحسين
    ٤٧٩
    ٤٨٠

    الحسين عليه‌السلام المظلوم الفاتح

    مفردات الواقع السياسي والاجتماعي الذي تحرّك فيه الحسين عليه‌السلام :

    أولاً : دولة معاوية القوية بجيشها وقوى أمنها الداخلي : عُني معاوية خلال السنوات العشر الأولى من حكمه ببناء الجيش من خلال عودته إلى سياسة الفتوح ، ثمّ بنى قوى الأمن الداخلي من خلال متابعة الخوارج ، واستطاع بعد ذلك أن يستفيد منها في تثبيت منهجه التربوي والثقافي الجديد ، والسيطرة على الإعلام ومؤسسات التربية الدينية والثقافية ، كالمساجد والكتاتيب ، والمؤسسات الاقتصادية والعسكرية. تبنت هذه الدولة في إعلامها اليومي ومنهجها الفكري والثقافي لمدّة عشر سنوات من سنة (٥٠) هـ إلى سنة (٦٠) هـ تربية الأمّة على إسلام يبتني على ثلاثة اُمور أساسية :

    أ ـ البغض لعلي عليه‌السلام ولعنه على منابر المسلمين ، وترويج الأحاديث الكاذبة في ذمّه ، والمنع من ذكر أيّ رواية عن النبي في فضله ، ومعاقبة المخالف بالقتل والتهجير والسجن ، وقطع الأيدي والنفي والحرمان من العطاء.

    قال أبو عثمان الجاحظ (١) : إنّ معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة : اللّهمّ العن أبا تراب ، ألحد في دينك ، وصدّ عن سبيلك ، فالعنه لعناً وبيلاً ، وعذّبه عذاباً أليماً. وكتب بذلك

    __________________

    (١) هو عمرو بن بحر الليثي البصري ، اللغوي النحوي ، كان مائلاً إلى النصب.
    ٤٨١

    إلى الآفاق ، فكانت هذه الكلمات يشار بها على المنابر
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 11:15 am

    قال أبو جعفر الإسكافي (ت ٢٢٠) (١) : إنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة ، وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه‌السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جُعَلاً يُرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه. منهم أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة. ومن التابعين عروة بن الزبير ، ومرّة الهمداني ، والأسود بن يزيد ، ومسروق الأجدع ، وأبو وائل شقيق بن سلمة ، وأبو عبد الرحمن السُّلمي القارئ ، وقيس بن حازم ، وسعيد بن المسيب ، والزهري ، ومكحول ، وحريز بن عثمان وغيرهم (٢).

    روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مسنداً متصلاً بعمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنّ آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء ، إنّما ولييّ الله وصالح المؤمنين (٣).

    __________________

    (١) قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٥ / ٤١٦ : محمد بن عبد الله ، أبو جعفر الإسكافي أحد المتكلّمين من معتزلة البغداديين ، له تصانيف معروفة ، وكان الحسين بن يزيد الكرابيسي صاحب الشافعي يتكلّم معه ويناظره.

    (٢) شرح النهج ٤ / ٥٦ ـ ١١٠.

    (٣) رواه البخاري ٥ / ٢٢٣٣ (الموسوعة الذهبية) ، مسلم ١ / ١٩٧ ، مسند أحمد ٤ / ٢٠٣ ، وفيها (آل أبي فلان). قال في فتح الباري ١٠ / ٤٢٣ قال : أبو بكر بن العربي في سراج المريدين : كان في أصل حديث عمرو بن العاص أنّ آل أبي طالب ، فغير آل أبي فلان ، كذا جزم به. وتعقّبه بعض الناس وبالغ في التشنيع عليه ، ونسبه إلى التحامل على آل أبي طالب ، ولم يصب هذا المنكر ؛ فإنّ هذه الرواية التي أشار إليها ابن العربي موجودة في مستخرج أبي نعيم من طريق الفضل بن الموفق ، عن عنبسة بن عبد الواحد بسند البخاري عن بيان بن بشر ، عن قيس بن أبي حازم ، عن عمرو بن العاص رفعه : أنّ لبني أبي طالب رحماً أبلهاً ببلالها. وقد أخرجه الإسماعيلي من هذا الوجه أيضاً لكن أبهم لفظ طالب ، وكأنّ الحامل لمَنْ أبهم هذا الموضع ظنّهم أنّ ذلك يقتضي نقصاً في آل أبي طالب ، وليس كما توهّموه كما سأوضحه إن شاء الله تعالى. قوله : ليسوا بأوليائي كذا للأكثر ، وفي نسخة من رواية أبي ذر : بأولياء ، فنقل ابن التين عن الداودي أنّ المراد بهذا النفي مَنْ لم يسلم منهم ، أي فهو من إطلاق الكل وإرادة البعض ، والمنفي على هذا المجموع لا الجميع. وقال الخطابي : الولاية المنفية ولاية القرب والاختصاص لا ولاية الدين ، ورجح ابن التين الأول وهو الراجح ؛ فإنّ من جملة آل أبي طالب علياً وجعفر ، أو هما من أخصّ الناس بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لِما لهما من السابقة والقدم في الإسلام ونصر الدين. وقد استشكل بعض الناس صحة هذا
    ٤٨٢

    روى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدايني في كتاب الأحداث ، قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله : أن برئت الذمّة ممّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته. فقامت الخطباء في كلّ كورة ، وعلى كلّ منبر يلعنون علياً ويبرؤون منه ، ويقعون فيه وفي أهل بيته. قال الباقر عليه‌السلام : «وكان عُظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن عليه‌السلام ، فقُتلت شيعتنا بكلّ بلدة ، وقُطعت الأيدي والأرجل على الظنّة ، وكان مَنْ يذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سجن ، أو نُهب ماله ، أو هُدمت داره ، ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين» (١).

    ب ـ الولاء لمعاوية ومَنْ يجيء بعده من الحكّام ، وتوصيفه بخليفة الله ، واعتبار طاعته أعظم طاعات الله ، ومعصيته أعظم معاصي الله ، وترويج الأحاديث الكاذبة التي تحطّ من شخصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بما يوافق الحكّام ، ومدح معاوية وإكرام فاعل ذلك بالعطاء ، والتشفيع والتولية ، والتوظيف في مرافق الدولة.

    روى الترمذي بسنده عن سعيد بن عبد العزيز (راوي شامي) ، عن ربيعة بن يزيد

    __________________

    الحديث لِما نسب إلى بعض رواته من النصب ، وهو الانحراف عن علي وآل بيته. قلت : أمّا قيس بن أبي حازم ، فقال يعقوب بن شيبة : تكلّم أصحابنا في قيس ؛ فمنهم مَنْ رفع قدره وعظّمه ، وجعل الحديث عنه من أصح الأسانيد ، حتّى قال ابن معين : هو أوثق من الزهري ، ومنهم مَنْ حمل عليه ، وقال : له أحاديث مناكير. وأجاب مَنْ أطراه : بأنّها غرائب وأفراده لا يقدح فيه. ومنهم مَنْ حمل عليه في مذهبه ، وقال : كان يحمل على علي ؛ ولذلك تجنّب الرواية عنه كثير من قدماء الكوفيين. وأجاب مَنْ أطراه : بأنّه كان يقدّم عثمان على علي فقط. قلت : والمعتمد عليه أنّه ثقة ثبت ، مقبول الرواية ، وهو من كبار التابعين ، سمع من أبي بكر الصديق فمَنْ دونه ، وقد روى عنه حديث الباب إسماعيل بن أبي خالد ، وبيان بن بشر وهما كوفيان ، ولم ينسبا إلى النصب ، لكن الراوي عن بيان وهو عنبسة بن عبد الواحد أموي قد نسب إلى شيء من النصب. وأمّا عمرو بن العاص ، وإن كان بينه وبين علي ما كان فحاشاه أن يُتَهم ، وللحديث محمل صحيح لا يستلزم نقصاً في مؤمني آل أبي طالب ، وهو أنّ المراد بالنفي المجموع كما تقدّم ، ويحتمل أن يكون المراد بآل أبي طالب أبو طالب نفسه ، وهو إطلاق سائغ.

    (١) شرح نهج البلاغة ١١ / ٤٤.
    ٤٨٣

    (راوي شامي) ، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة (صحابي سكن الشام) (١) ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لمعاوية : اللّهمّ اجعله هادياً مهديّاً ، واهدِ به (٢).

    ورووا أنّه قال : ائتمن الله على وحيه ثلاثة : جبرئيل في السماء ، ومحمداً في الأرض ، ومعاوية بن أبي سفيان (٣).

    ج ـ السكوت على الظلم مهما بلغت شدّته وقسوته ، من خلال ترويج أحاديث كاذبة تدعو إلى ذلك.

    فرووا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : تسمع وتطع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك (٤).

    وأنّه قال : فإن رأيت يومئذ لله عزّ وجلّ في الأرض خليفة فألزمه وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك (٥).

    __________________

    (١) عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني ، قال أبو حاتم وابن السكن : له صحبة ، ذكره البخاري وابن سعد ، وابن البرقي وابن حبان ، وعبد الصمد بن سعيد في الصحابة ، وذكره أبو الحسن بن سميع في الطبقة الأولى من الصحابة الذين نزلوا حمص ، وكان اختارها سكن الشام وحديثه عند أهلها. وأخرج الترمذي والطبراني وغيرهما من طريق سعيد بن عبد العزيز (الشامي) عن ربيعة بن يزيد (الشامي) ، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني (وكان من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله) أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لمعاوية : اللّهمّ علّمه الكتاب والحساب ، وقه العذاب. لفظ الطبراني ولفظ الترمذي : اللّهمّ اجعله هادياً مهدياً ، واهدِ به. وأخرج بن قانع من طريق الوليد بن مسلم ، عن سعيد بن عبد العزيز أنّه سمعه يحدّث عن يونس بن ميسرة (الشامي) ، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة أنّه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نحو اللفظ الثاني. وأخرجه البخاري في التاريخ قال : قال لي أبو مسهر (فذكره بالعنعنة ليس فيه) وكان من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذكره من طريق مروان عن سعيد فقال فيه : سمع عبد الرحمن ، سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (الإصابة ـ لابن حجر).

    (٢) جامع الترمذي ٥ / ٦٨٧ ، مسند أحمد ٤ / ٢١٦ ، مسند الشاميين ١ / ١٨١ ، الآحاد والمثاني ٢ / ٣٥٨ ، المعجم الأوسط ـ للطبراني ١ / ٣٨٠ ، وقد رواه عن سعيد بن عبد العزيز ، عن يونس بن ميسرة بن حلبس ، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة.

    (٣) سير أعلام النبلاء ـ للذهبي ، وتاريخ دمشق ـ لابن عساكر ـ ترجمة معاوية.

    (٤) صحيح مسلم ٣ / ١٤٧٦.

    (٥) مسند أحمد ٥ / ٤٠٣.
    ٤٨٤

    د ـ الطاعة المطلقة للخليفة ، واعتبارها رأس الطاعات.

    ورووا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : مَنْ خرج من الطاعة ، وفارق الجماعة ، مات ميتة جاهلية (١).

    وأنّه قال : ثلاثة لا تسأل عنهم : رجل فارق الجماعة وعصى إمامه فمات عاصياً فلا تسأل عنه ، وأمة (أو عبد) أبق من سيده ، وامرأة غاب زوجها وكفاها مؤنة الدنيا فتبرّجت وتمرّجت بعده (٢). أقول : المراد بالإمام في الرواية الحاكم الأعلى للمسلمين.

    ثانياً : على أساس تلك السياسة صار الجيل الجديد في الأمّة يبغض علياً ويلعنه.

    نشأ على أساس تلك التربية والمنهج جيل جديد في الأمّة ما بين سنّ الخامسة عشر وسنّ الخامسة والعشرين ، وقد كان هذا الجيل المادة الأساسية للجيش وقوى الشرطة ، وبقية المواقع الاجتماعية والإدارية. أمّا معلّموه فهم جماعة من الصحابة الذين حاربوا علياً في الجمل وصفين ، أو الذين أغراهم معاوية بالمال ، وجماعة من التابعين الذين ساروا على منهجهم.

    من هؤلاء الصحابة مسلم بن عقبة المرّي (٣) قائد جيش أهل الشام في واقعة الحرّة

    __________________

    (١) صحيح مسلم ٣ / ١٤٧٦.

    (٢) الأدب المفرد / ٢٠٧ ، وفيه قال : حدّثنا عثمان بن صالح قال : أخبرنا عبد الله بن وهب قال : حدّثنا أبو هانئ الخولاني ، عن أبي علي الجنبي ، عن فضالة بن عبيد ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : … ، مسند أحمد ٦ / ١٩ ، صحيح ابن حبّان ١٠ / ٤٢٢ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ٢٠٦ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ١٨ / ٣٠٦.

    (٣) قال ابن حجر في الإصابة : مسلم بن عقبة المرّي أبو عقبة الأمير من قبل يزيد بن معاوية على الجيش الذين غزوا المدينة يوم الحرّة ، ذكره ابن عساكر وقال : أدرك النبي وشهد صفين مع معاوية ، وكان على الرجّالة ، وعمدته في إدراكه أنّه استند إلى ما أخرجه محمد بن سعد في الطبقات ، عن الواقدي بأسانيده قال : لمّا بلغ يزيد بن معاوية أنّ أهل المدينة أخرجوا عامله من المدينة وخلعوه ، وجّه إليهم عسكراً ، أمر عليهم مسلم بن عقبة المرّي (وهو يومئذ شيخ ابن بضع وتسعين سنة ، فهذا يدلّ على أنّه كان في العهد
    ٤٨٥

    في المدينة. قال في وصيته عند موته : اللّهمّ إنّك تعلم أنّي لم أعصِ خليفة قطّ ، اللّهمّ إنّي لم أعمل عملاً أرجو به النجاة قطّ إلاّ ما فعلت بأهل المدينة (١). وفي رواية اليعقوبي : اللّهمّ إنّ عذّبتني بعد طاعتي لخليفتك يزيد بن معاوية ، وقتل أهل الحرّة فإنّي إذن لشقي (٢).

    ومن التابعين شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين ، قال أبو إسحاق : كان يصلّي معنا ، ثمّ يقول : اللّهمّ إنّك تعلم أنّي شريف فاغفر لي. قلت : كيف يغفر الله لك وقد أعنت على قتل ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟! قال : ويحك! فكيف نصنع؟! إنّ أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم ، ولو خالفناهم كنّا شرّاً من هذه الحمر الشقاء (٣).

    ثالثاً : شيعة علي عليه‌السلام يتعرّضون للتصفية

    وهم طبقة من المحدِّثين فيهم مئات من الصحابة وآلاف التابعين ، لهم معتقد بعلي قام على أساس أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرته مع علي عليه‌السلام ، وكذلك قام هذا المعتقد على أساس أحاديث علي عليه‌السلام وسيرته في المجتمع خلال السنوات الخمس التي حكم فيها ، وهي سيرة أحيت المعطّل من كتاب الله ، والمكتوم من سنّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتذوّق خلالها الناس كرامة الحياة التي يدعو الأنبياء إليها.

    __________________

    النبوي كهلاً. وقد أفحش مسلم القول والفعل بأهل المدينة ، وأسرف في قتل الكبير والصغير حتّى سمّوه مسرفاً ، وأباح المدينة ثلاثة أيام لذلك والعسكر ينهبون ويقتلون ويفجرون ، ثمّ رفع القتل وبايع مَنْ بقي على أنّهم عبيد ليزيد بن معاوية ، وتوجّه بالعسكر إلى مكّة ليحارب ابن الزبير لتخلّفه عن البيعة ليزيد ، فعوجل بالموت ، فمات بالطريق ، وذاك سنة ثلاث وستين ، واستمر الجيش إلى مكّة فحاصروا ابن الزبير ، ونصبوا المنجنيق على أبي قبيس فجاءهم الخبر بموت يزيد بن معاوية وانصرفوا ، والقصّة معروفة في التواريخ.

    (١) فتوح [ابن] أعثم ٥ / ٣٠١.

    (٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٥١.

    (٣) لسان الميزان ـ ترجمة شمر بن ذي الجوشن ، وفيه : شمر بن ذي الجوشن أبو السابغة الضبابي ، عن أبيه ، وعنه أبو إسحاق السبيعي ليس بأهل للرواية ؛ فإنّه أحد قتلة الحسين (رضي الله تعالى عنه) ، وقد قتله أعوان المختار. أقول : إنّما صار ليس بأهل للرواية بعد قتله الحسين عليه‌السلام.
    ٤٨٦

    * تركز شيعة علي عليه‌السلام في الكوفة بصفتها البلد الذي شهد حركة علي الفكرية والتربوية والسياسية.

    * حمل شيعة علي كل ذكرياتهم عن علي عليه‌السلام وما تعلموه منه ، وهو كلّ الإسلام الذي جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووعاه علي وعياً تاماً دون غيره من الصحابة ، ونشروه في البقاع التي لم تعرف عن علي عليه‌السلام وسيرته ، وبخاصّة الشام أيام سنوات الصلح بين الحسن ومعاوية.

    * صار الشيعة وبخاصّة في العراق غرضاً لخطّة معاوية في التصفية والإبادة والتطويق ؛ بصفتهم العقبة الكؤود أمام منهجه التربوي الجديد.

    ومن هنا سجّلت في الكوفة مظالم لم تسجّل في غيرها من بلاد المسلمين :

    * تهجير خمسين ألف بعيالاتهم من الكوفة والبصرة إلى خراسان سنة ٥٠ هجرية ، كان فيهم الصحابي بريدة بن الحصيب ، والصحابي أبو برزة الأسلمي وغيرهما ممّن عُرف بولائه لعلي (١).

    * قتل حجر بن عدي الكندي وعمرو بن الحمق الخزاعي وأصحابهما بتلفيق تهمة الخروج على الدولة.

    * نفي صعصعة بن صوحان العبدي (٢) وآمنة بنت الشريد زوجة عمرو بن الحمق (٣) ، كان معاوية قد سجنها رهينة حتّى يسلّم زوجها نفسه ، ولمّا قُتل نفاها إلى حمص وماتت بها ، وغيرهما.

    * قتل رشيد الهجري وميثم التمّار وجويرية بن مسهر ونظرائهم.

    __________________

    (١) فتوح البلدان ٣ / ٥٠٧.

    (٢) الإصابة ـ ترجمة صعصعة. وفيه : أن الذي نفاه هو المغيرة ، ولكنّا نرجّح أنّ الذي نفاه بأمر معاوية هو ابن زياد ؛ لِما ذكرناه من أنّ مرحلة القتل والنفي والتشريد بُدئ بها في عهد زياد لا المغيرة.

    (٣) أنساب الأشراف ـ القسم الرابع ١ / ٢٧٣.
    ٤٨٧

    * قطع أيدي ثمانين حصبوه بالحجارة على لعنه علياً (١).

    قال سليم : اشتدّ البلاء بالأمصار كلّها على شيعة علي وأهل بيته ، وكان أشدّ الناس بلية أهل الكوفة ؛ لكثرة مَنْ بها من الشيعة ، واستعمل عليها زياداً ، وجمع له العراقيين ، كان يتتبّع الشيعة … فقتلهم على التهم والظنّ والشبه تحت كلّ كوكب وتحت كلّ حجر ومدر ، وأحلأهم وأخافهم ، وقطع الأيدي والأرجل منهم ، وصلبهم على جذوع النخل ، وسمل أعينهم ، وطردهم وشرّدهم (٢).

    وكان آخر ما عزم على فعله زياد في الكوفة سنة ثلاث وخمسين هو أن جمع الناس فملأ منهم المسجد والرحبة والقصر ؛ ليعرضهم على البراءة

    __________________

    (١) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٤٦٢ ، الطبري ٥ / ٢٣٥.

    (٢) شرح النهج ١٥ / ٤٣.
    ٤٨٨

    من علي عليه‌السلام (١) ، فمَنْ أبى ذلك عرضه على السيف (٢). ولكنّ الله تعالى قد سلّط عليه الطاعون أشغله عنهم ، ومات بعدها بأيّام (٣).

    __________________

    (١) مختصر تاريخ دمشق ٩ / ٨٨ (ترجمة زياد).

    (٢) مروج الذهب ـ للمسعودي ٣ / ٢٦. قال عبد الرحمن بن السائب : فإنّي لمع نفر من الأنصار والناس في أمر عظيم ، قال : فهوّمت تهويمة (التهويم : أن يأخذ الرجل النعاس حتّى يهتز الرأس) ، فرأيت شيئاً مثل عنق العير أهدب أهدل (الأهدل : الساقط الشفة ، وبعير هدِل إذا كان طويل المشفر مسترخيه) ، فقلت : ما أنت؟ قال : أنا النقاد ذو الرقبة ، بُعثت إلى صاحب هذا القصر. فاستيقظت فزعاً ، فقلت لأصحابي : هل رأيتم ما رأيت؟ قالوا : لا ، فأخبرتهم ، قال : ويخرج علينا خارج من القصر فقال : إنّ الأمير يقول لكم انصرفوا عنّي فإنّي عنكم مشغول ، وإذا الطاعون قد ضربه.

    فأنشأ عبد الرحمن بن السائب يقول :

    ما كان منتهياً عمّا أراد بنا




    حتّى تناوله النقّاد ذو الرقبهْ

    فأثبت الشقّ منه ضربةً ثبتت




    كما تناول ظلماً صاحب الرحَبَهْ

    قال المسعودي : يعني بصاحب الرحبة علي بن أبي طالب عليه‌السلام (مروج الذهب ٣ / ٢٦٠).

    (٣) قال البلاذري في أنساب الأشراف ق ٤ ج ١ / ٢٧٨ : كان زياد عند معاوية وقد وقع الطاعون بالعراق ، فقال له : إنّي أخاف عليك يا أبا المغيرة الطاعون ، فلمّا صار إلى العراق طعن فمكث شهراً فمات.
    ٤٨٩

    حركة الواقع السياسي والاجتماعي

    استطاع معاوية أن يحكم قبضته على حركة المجتمع لتحقيق أربعة أهداف هي :

    ١ ـ القضاء على شيعة علي المنتشرين في البلاد الإسلاميّة ، وتحويل الكوفة بصفتها مركز التشيع لعلي إلى سابق عهدها قبل هجرة علي إليها مدينة موالية للخليفة سامعة مطيعة له.

    ٢ ـ تكوين أجيال جديدة توالي الاُمويِّين بصفتهم أئمّة الدين وحماته ، وتبغض أهل البيت عليهم‌السلام وعلياً عليه‌السلام بصفتهم أعداء الله ورسوله ، وتحفظ روايات كاذبة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذمّ علي وأهل بيته عليهم‌السلام ، وروايات كاذبة في الحطّ من سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بما يوافق هوى الحكّام ، ومدح معاوية وأهل بيته.

    ٣ ـ حصر الملك في ذريته وأسرته.

    ٤ ـ تحريف السنّة النبوية ، وتفسير القرآن بما ينسجم مع الأهداف الآنفة الذكر.
    ٤٩٠

    التغيير المطلوب

    ممّا لا شك فيه أن المطلوب إسلامياً في وضع سياسي واجتماعي كهذا هو تحقيق ثلاثة أمور وهي :

    أ ـ كسر الطوق السياسي والاجتماعي المفروض على الحديث النبوي الصحيح في أهل البيت وعلي عليه‌السلام خاصّة ؛ ليطرح أهل البيت عليهم‌السلام وعلي عليه‌السلام في الأمّة من جديد امتداداً رسالياً للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومحوراً للولاء ومصدراً مطهراً للتثقيف بعد الرسول.

    ب ـ إنقاذ شيعة الكوفة بصفتهم حملة علم علي عليه‌السلام وسيرته من حالة التصفية والاختناق ، والحصار الاجتماعي والسياسي التي يعيشونها.

    ج ـ تفهيم الأمّة أنّ السكوت على ظلم بني اُميّة ليس من الدين في شيء ، بل الدين يدعو إلى قتالهم والإطاحة بهم ؛ بصفتهم قد بلغوا القمّة في الظلم والانحراف ، وإقامة حكومة إسلاميّة تستهدي تجربة علي عليه‌السلام وتجربة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    ٤٩١

    الحسين عليه‌السلام هو الوحيد المعني بالتغيير المطلوب القادر عليه

    وممّا لا شك فيه أنّ الشخص الوحيد المعني بالتغيير المطلوب القادر عليه هو الحسين بن علي عليه‌السلام ؛ وذلك لأنّه سيد بني هاشم الذين يعيشون المحنة بعميدهم علي عليه‌السلام ، وهو مرجع شيعة أبيه وأخيه الممتحنين في العراق ، ولأنه يتبوأ في المجتمع الإسلامي أرفع مقام اجتماعي وديني ؛ لكونه حفيد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

    وفي قبال الحسين عليه‌السلام هناك الخوارج وعبد الله بن الزبير ، وكلاهما معني بتغيير السلطة والمنهج التربوي الذي يخصّ الولاء لبني اُميّة ، أمّا فيما يرتبط بعلي وشيعته فهم والأمويون مدرسة واحدة وموقف واحد (١).

    __________________

    (١) أمّا عبد الله بن الزبير فموقفه من علي معروف بدءاً من حرب الجمل وانتهاء بفترة حكمه ، حيث أظهر بغض علي وتناوله في خطبه ، وتصدى له في بعضها محمد بن الحنفيّة وابن عباس. وتذكر المصادر التاريخية أنّه جمع الحطب ليحرقهم إن لم يبايعوه ، ثمّ نفاهم إلى الطائف. أمّا موقفه من شيعة علي فيكفي فيه ما صنعه بأصحاب المختار بعد قتل المختار ، حيث قتل منهم سبعة آلاف صبراً ، منهم زوجة المختار إذ رفضت أن تتبرأ من المختار ، وسجنها مصعب ثمّ استشار أخاه عبد الله في شأنها فأمره بقتلها. أمّا الخوارج فموقفهم من علي وشيعته لا يحتاج إلى بيان.
    ٤٩٢

    الحسين عليه‌السلام عُدَّة إلهية لتحقيق التغير المطلوب

    كان الانقلاب الفكري الذي قام به معاوية ، والوضع الاجتماعي والفكري الذي انتجه خطيراً جدّاً ، فهو يشبه إلى حدّ كبير الوضع الذي صنعه فرعون مع بني إسرائيل والمجتمع المصري ودين الله الذي جاء به يوسف من قبل. الوضع الذي اقتضت الحكمة الإلهية معه أن يبعث موسى لينقذ بني إسرائيل ، ويجدّد دين يوسف ، ويقيم الحجّة على المجتمع المصري ليحيى مَنْ حي عن بينة ويهلك مَنْ هلك عن بينة. وكذلك الحال مع الوضع الذي صنعه معاوية مع أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والمجتمع الإسلامي عامّة وشيعة علي خاصة. ولمّا كانت النبوّة قد ختمت بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله اقتضت الحكمة الإلهية أن يقوم أوصياؤه (وهم ليسوا بأنبياء) بما كان يقوم به أوصياء الأنبياء الذين كانوا في الغالب أنبياء أيضاً.

    اقتضت الحكمة الإلهية أن يعرِّف النبي بأوصيائه من بعده ، ويعرِّف أيضاً بأبرز ما يقومون به ، ويحدّد الموقف منه ؛ لتعرف الأمّة كيف تنظر إلى فعل هذا الوصي ، وكيف تتعامل معه ، ومن ذلك أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام أنّ يقاتل الناكثين والقاسطين والمفسدين من بعده ، وقوله للزبير : «ستقاتل علياً وأنت له ظالم» (١) ، وقوله لعائشة : تنبحها كلاب الحوأب (١) ،

    __________________

    (١) فتح الباري ١٣ / ٥١ عن كتاب عمر بن شبة في أخبار البصرة قال : أخرج ابن إسحاق من طريق إسماعيل بن أبي خالد ، عن عبد السّلام (ت ١٤٥) رجل من حيّه قال : خلا علي بالزبير يوم الجمل فقال :
    ٤٩٣

    وقوله في الحسن عليه‌السلام : «إنّ ابني هذا سيّد ، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» (٢). وكذلك وممّا لا شك فيه أنّ هذه الأقوال من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تفتح القلوب لفعل الوصي الذي يجيء في ظرف فتنة ، واختلاف وتشوش في الرؤية عند غالبية المسلمين. ومن ذلك قوله في الحسين عليه‌السلام : إنّه يُقتل مظلوماً ، وقد استقبل ولادته بذرف الدموع الساخنة عليه. وليس من شك يأتي قول النبي هذا وبكاؤه تأييداً لموقف الحسين عليه‌السلام ، وتصويباً لموقفه الذي يتألف من ركنين هما ؛ رفضه لبيعة يزيد ، وخروجه بأهله إلى العراق ، ثمّ يُحاصر هناك ويُعرض عليه البيعة ، أو الموت فيختار الموت على البيعة ، في قبال مَنْ يحاول أن يضع اللوم على الحسين عليه‌السلام في عدم تقديره للظرف ، وتعريضه لنفسه ولأهل بيته لنكبة قلّ نظيرها في التاريخ (٣).

    __________________

    «أنشدك الله ، هل سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول وأنت لاوي يدي : لتقاتلنه وأنت ظالم له ، ثمّ لينصرن عليك»؟ قال : قد سمعت ، لا جرم لا اُقاتلك.

    (١) روى أبو يعلى في مسنده ٨ / ٢٨٢ : حدّثنا عبد الرحمن بن صالح ، حدّثنا محمد بن فضيل ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم قال : مرّت عائشة بماء لبني عامر يُقال له : الحوأب ، فنبحت عليها الكلاب ، فقالت : ما هذا؟ قالوا : ماء لبني عامر. فقالت : ردّوني! ردّوني! سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «كيف بإحداكنّ إذا نبحت عليها كلاب الحوأب؟!».

    (٢) المعجم الكبير ـ للطبراني ٣ / ٣٤.

    (٣) يراجع أمثال ابن العربي ، وصاحب كتاب أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ ، وأيضاً الذهبي في المنتقى / ٧٤.
    ٤٩٤

    خطّة الحسين عليه‌السلام لتحقيق التغيير

    ارتكزت خطّة الحسين عليه‌السلام لتحقيق التغيير على أمرين أساسيين هما :

    أوّلاً : السكوت في عهد معاوية ، والعمل سرّاً لنشر أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل البيت ريثما يموت معاوية : نعم ، تذكر المصادر التاريخية أنّ معاوية بعث برسالة تهديد إلى الحسين عليه‌السلام بعد قتل حجر وتردّد العراقيين على بيته ، فبعث الحسين عليه‌السلام برسالة يردّ فيها على معاوية ، وكان آخر نشاط سرّي نوعي في هذه المرحلة هو المؤتمر السرّي الذي عقده بحضور بني هاشم وعدد من الصحابة والتابعين قبل موت معاوية بسنة.

    كتب معاوية إلى الحسين عليه‌السلام : … فمتى تنكرني أنكرك ، ومتى تكدني أكدك ، فاتق الله في شق عصا هذه الأمّة وأن تردهم إلى فتنة.

    فكتب إليه الحسين عليه‌السلام : «... أمّا ما ذكرت أنّه رقي إليك عنّي ، فإنّه إنّما رقاه إليك الملاّقون المشاؤون بالنميمة ... ما أردت لك حرباً ولا عليك خلافاً ، وإنّي لأخشى الله في ترك ذلك منك ، ومن الإعذار فيه إليك وإلى أوليائك الفاسقين الملحدين حزب الظلمة.

    ألست القاتل حجر بن عدي أخا كنده وأصحابه المصلّين العابدين ، الذين كانوا ينكرون الظلم ، ويستفضعون البدع ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ولا يخافون في الله لومة لائم؟!

    ثمّ قتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلّظة ، والمواثيق المؤكّدة ... ؛ جرأة على الله ، واستخفافاً بعهده.
    ٤٩٥
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 11:16 am



    ولعمري ، ما وفيت بشرط ، ولقد نقضت عهدك بقتلك هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوك ونقضوا عهدك ، ولم تفعل ذلك بهم إلاّ لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقّنا.

    فابشر يا معاوية بالقصاص ، وأيقن بالحساب ...

    وليس الله بناس لأخذك بالظنّة ، وقتلك أولياءه على التهم ، ونفيك إيّاهم من دورهم إلى دار الغربة» (١).

    قال سليم بن قيس : لمّا كان قبل موت معاوية بسنة حجّ الحسين بن علي عليهما‌السلام ، وعبد اللّه بن عباس ، وعبد اللّه بن جعفر ، فجمع الحسين بني هاشم ، ثمّ رجالهم ونساءهم ومواليهم ، ومَنْ حجّ من الأنصار ممّن يعرفه الحسين عليه‌السلام وأهل بيته ، ثمّ أرسل رسلاً : «لا تدعون أحداً حجّ العام من أصحاب رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله المعروفين بالصلاح والنسك إلاّ اجمعوهم لي». فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمئة رجل وهم في سرادقه ، عامتهم من التابعين ، ونحو من مئتي رجل من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقام فيهم خطيباً وقال : «أمّا بعد ، فإنّ هذا الطاغية قد فعل ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم ، اسمعوا مقالتي واكتبوا قولي ، ثمّ ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم ؛ فمَنْ أمنتم من الناس ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقّنا ؛ فإنّي أتخوّف أن يُدْرَسَ (٢) هذا الأمر ، ويذهب الحقّ ويُغلب ، واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون».

    وما ترك شيئاً ممّا أنزله الله فيهم من القرآن إلاّ تلاه وفسّره ، ولا شيئاً ممّا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أبيه وأخيه وأمّه وفي نفسه وأهل بيته إلاّ رواه ... ، وكلّ ذلك يقول أصحابه ، اللّهمّ نعم ، وقد سمعنا وشهدنا ، ويقول التابعي : اللّهمّ قد حدّثني به مَنْ أثق به ، وأئتمنه من الصحابة.

    __________________

    (١) رجال الكشي ترجمة عمرو بن الحمق ، طبقات ابن سعد ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام ، أنساب الأشراف ترجمة معاوية ، مختصر تاريخ دمشق ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام.

    (٢) دروس الشيء : انمحاؤه.
    ٤٩٦

    فقال : «أنشدكم الله إلاّ حدّثتم به مَنْ تثقون به وبدينه» (١).

    ثانياً : التحرك العلني للحسين عليه‌السلام بعد موت معاوية

    وكانت خطواته الأساسية ثلاث هي :

    أوّلاً : الإعلان عن عدم إعطاء بيعة ليزيد وإن كلّفه ذلك حياته ؛ وذلك لأنّ بيعته تعني إقرار المنهج التحريفي للإسلام الذي نهض به بنو اُميّة ، وتعني إقرارهم على منع نشر الحديث الصحيح في أهل البيت وعلي عليه‌السلام.

    قال عليه‌السلام : «لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد» (٢). وهو في ذلك نظير جدّه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال لعمّه أبي طالب : «ياعمّ ، والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتّى يظهره الله أو أهلك دونه» (٣). والقضية واحدة عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعند الحسين عليه‌السلام ، قريش تريد من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يترك دعوة التوحيد ويقرّ عبادة الأصنام ، وبنو أميّة تريد من الحسين عليه‌السلام أن يترك أحاديث جدّه في أهل بيته الذين عيّنهم بأمر الله تعالى حججاً على الناس تموت ، وتحلّ بدلها أحاديث كاذبة قيلت على لسانه في بني اُميّة والخلفاء منهم على أنّهم حجج الله وأئمّة الهدى.

    ثانياً : الانطلاق من مكّة في الحركة :

    وذلك بصفتها المكان الوحيد الذي يقصده المسلون من كلّ الأقطار للعمرة والحجّ ، والحسين عليه‌السلام بأمس الحاجة إلى مكان كهذا من أجل كسر الطوق المفروض على الحديث الصحيح ، هذا مضافاً إلى تحرّكه على أخيار الأمّة القادمين من الآفاق لطلب نصرتهم ، وقد بقي في مكّة أربعة أشهر : شعبان ورمضان وشوال وذو القعدة ، وأيام من ذي الحجّة ، التفّ حوله المعتمرون والقادمون للحجّ يسمعون منه حديثه عن جدّه في فضل أبيه ، أو في فضله ، أو في جهاد الظالمين ، أو فيما سوف يُرتكب منه ، وقتله مظلوماً بشط الفرات.

    __________________

    (١) كتاب سليم بن قيس (تحقيق محمد باقر الأنصاري / ٣٢١).

    (٢) فتوح ابن أعثم ٥ / ٣١ ، مقتل الخوارزمي.

    (٣) تاريخ الطبري ٣ / ٦٧.
    ٤٩٧

    قال الطبري : فأقبل الحسين حتّى نزل مكّة ، فأقبل أهلها يختلفون إليه ويأتونه ومَنْ كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق. وقال ابن كثير : فعكف الناس على الحسين يفدون إليه ، ويقدمون عليه ويجلسون حواليه ، ويستمعون كلامه حين سمعوا بموت معاوية وخلافة يزيد.

    وأما ابن الزبير فإنّه لزم مصلاّه عند الكعبة ، وجعل يتردّد في غبون (١) ذلك إلى الحسين عليه‌السلام في جملة الناس ، ولا يمكنه أن يتحرّك بشيء ممّا في نفسه مع وجود الحسين ؛ لِما يعلم من تعظيم الناس له وتقديمهم إيّاه (٢).

    أقول : بقي الحسين عليه‌السلام في مكّة شهر شعبان ورمضان ، وشوال وذي القعدة وثمانية أيام من ذي الحجّة ، وممّا لا شك فيه أنّ الحسين عليه‌السلام في هذه الفترة ، وفي حلقاته مع المعتمرين وأهل الآفاق كان قد كسر الطوق الذي فرضه معاوية على الحديث النبوي الصحيح في علي وأهل بيته ، أو في ذم بني اُميّة ، أو في بيان أحكام متعة الحج وغير ذلك. وبدأ يذكِّر الناس ويُسْمِع مَنْ لم يَسمَع منهم أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في تفسير القرآن ، وفي فضل أبيه علي عليه‌السلام وفي فضله وفضل أخيه الحسن عليه‌السلام ، وفي ذمّ بني اُميّة ونزوهم على منبر الرسول ، وفي الموقف الصحيح عند ظهور الظلم والبدع وغير ذلك.

    من قبيل : حديث الغدير ، وحديث الدار ، وحديث المنزلة ، وحديث الثقلين ، وحديث الكساء ، وحديث رؤيا النبي والشجرة الملعونة في القرآن ، وغيرها.

    ومن قبيل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ رأى سلطاناً جائراً ، مستحلاً لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنّة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله» (٣).

    ثمّ يذكِّرهم بجرائم بني اُميّة ومخالفاتهم لأحكام الله وسنّة رسوله ، وتعطيلهم الحدود ، وقتلهم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، كحجر بن عدي ، وعمرو بن الحمق

    __________________

    (١) غبن الرجل يغبنه غبناً : مر به وهو مائل فلم يره ولم يفطن له (لسان العرب مادة غبن).

    (٢) البداية والنهاية ٨ / ١٥١.

    (٣) تاريخ الطبري ٥ / ٤٠٣.
    ٤٩٨

    وغيرهم ، ونفي الأخيار والنساء ، كصعصعة بن صوحان العبدي ، وآمنة بنت الشريد زوجة عمرو بن الحمق بعد أن كانت رهينة الحبس لحين يسلّم زوجها نفسه.

    ويقول لهم : «ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلوا حرام الله ، وحرّموا حلاله ، وأنا أحقّ مَنْ غَيَّر» (١).

    ويقول لهم : «ألا ترون أنّ الحقّ لا يُعملُ به ، وإلى الباطل لا يُتَناهى عنه ، لَيَرْغبَ المؤمن في لقاء الله ، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة ، ولا الحياة مع الظالمين إلاّ برماً» (٢).

    ويقول لهم : «إنّي أدعوكم إلى إحياء معالم الحق وإماتة البدع» (٣).

    ثمّ يذكرهم بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه : «حسين منّي وأنا من حسين (٤) ، أحبّ الله مَنْ أحبّ حسيناً» (٥). وبقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه وفي أخيه : «الحسن والحسين سبطان من الأسباط (٦) ، الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» (٧).

    ولا بدّ أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قد ذكّرهم وأخبرهم بما أعلنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله منذ ولادة الحسين عليه‌السلام بأنّه تقتله الفئة الباغية (٨) ظلماً وعدواناً.

    ثمّ يقول لهم : «وأيم الله ، لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقضوا فيَّ حاجتهم ، وواللهِ لَيَعْتَدُنَّ عليَّ كما اعتدت اليهود في السبت» (٩). ويقول لهم : «كأني

    __________________

    (١) تاريخ الطبري ٥ / ٤٠٣.

    (٢) تاريخ بن عساكر ١٤ / ٢١٧ عن الزبير بن بكار ، تاريخ الطبري ٥ / ٤٠٤.

    (٣) الأخبار الطوال ـ للدينوري / ٢٣١.

    (٤) مسند أحمد ٤ / ١٧٣.

    (٥) مسند أحمد ٤ / ١٧٣.

    (٦) التاريخ الكبير ـ للبخاري ٨ / ٤١٥.

    (٧) مسند أحمد ٣ / ٣.

    (٨) ذخائر العقبى ٩ / ١٩٠ ، وفي مجمع الزوائد ومعجم الطبراني قال النبي : «واهاً لفراخ آل محمد من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف!». وأحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قتل الحسين عليه‌السلام في المصادر السنية والشيعية بل والكتابية كثيرة جدّاً.

    (٩) الطبري ٤ / ٢٨٩ ، ابن الأثير ٤ / ٣٨ ، الناقص من طبقات ابن سعد ١ / ٤٣٣ عن معاوية بن قرّة ، تاريخ
    ٤٩٩

    بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملأن منّي أكراشاً جوفاً ، وأجربة سغباً ، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم ، رضا الله رضانا أهل البيت ، ويوفينا اُجور الصابرين ، لن تشذ عن رسول الله لحمته» (١).

    لقد كان الحسين عليه‌السلام يحدّث بهذا وأمثاله سرّاً وعلانية في جو من الاستضعاف والخوف والإرهاب ، يبصِّر المسلمين ، ويستنهض هممهم ، ويطلب نصرتهم ، ويذكِّرهم بتكليفهم الشرعي ، نظير ما كان يصنعه جدّه رسول الله في مكّة يوم استضعفته قريش وعذبت اصحابه ، فقتل مَنْ قُتل ، وسُجن مَنْ سُجن ، وتُشرد مَنْ تُشرد.

    وليس من شك أن هذه الحركة التبليغيّة العلنية من الحسين عليه‌السلام تقوم على أساس ما أمر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من تبليغ حديثه إلى الناس ، وما أمر به الله ورسوله من إظهار العلم عند ظهور البدع ، وقد تخيّر لها الحسين عليه‌السلام بتوفيق إلهي خاص ظرفها المناسب ، وهي تعني في الوقت نفسه أنّ السلطة الاُمويّة في الشام سوف لن تسكت على مثل هذه الحركة بل سيكون موقفها منها هو العمل على القضاء عليها بكل وسيلة ممكنة ، وبأقسى ما يتصوّر من العقوبة ؛ لتكون للآخرين نكالاً وعبرة.

    ثالثاً : الهجرة إلى الكوفة :

    بصفتها البلد الممتحن ، وفيها بقية تلاميذ علي عليه‌السلام ، وحملة خطبه وأحاديثه وأقضيته ، وأخبار سيرته ، والخطّة هي أن يهاجر إليها وينطلق بأهلها في مواجهة الاُمويِّين ، وتطويق انحرافهم والإطاحة بهم.

    __________________

    ابن عساكر ١٤ / ٢١٦ عن معاوية بن قرّة ، وابن كثير ج ٨. أقول : وذلك لمّا قتلوا يحيى عليه‌السلام. وفي فتوح أعثم ٥ / ٤٢ أنّ الحسين قال لعبد الله بن عمر : «أما علمت أنّ من هوان الدنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريا اُهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل … فلم يعجّل عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر؟». ثمّ قال له : «اتقِ الله يا أبا عبد الرحمن ، ولا تدعنّ نصرتي».

    (١) اللهوف ـ لابن طاووس / ٣٨.
    ٥٠٠

    جاء إلى الحسين عليه‌السلام (وهو في مكة) ثلّة من وجوه الشيعة الكوفيين ؛ برير الهمداني ، وعابس بن حبيب الشاكري الهمداني (١) ، وشوذب مولى عابس (٢) ، وحجّاج بن مسروق الجعفي ، ويزيد بن مغفل المذحجي الجعفي (٣) ، والصحابي أنس بن الحارث وغيرهم ، أنهى عددهم الذهبي إلى ستين شيخاً (٤) ، وبقوا مع الحسين عليه‌السلام حماية له إضافة إلى بني هاشم.

    أرسل الحسين ابن عمّه مسلم بن عقيل عليهم‌السلام إلى الكوفة يتحرّك لتهيئة الأجواء ، وأمره أن ينزل على هانئ بن عروة شيخ مذحج ، أهم وأقوى شخصية اجتماعية وسياسية في الكوفة (٥) ، وكتب مسلم للحسين عليه‌السلام يخبره أنّ الأجواء مهيّأة لقدومه.

    __________________

    (١) من أصحاب علي عليه‌السلام ، واشترك في حروبه ، وكان من وجوه الشيعة. التحق بالحسين عليه‌السلام في مكّة ، ثمّ قدم معه. كان من أشجع الناس.

    (٢) اشترك مع علي عليه‌السلام في حروبه ، وكان من وجوه الشيعة ، وأخذ عنه أهل الكوفة العلم والحديث. صحب مولاه عابساً إلى مكّة بعد قدوم مسلم ، وجاء معه من مكّة إلى كربلاء.

    (٣) كان قد أدرك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشهد القادسية في عهد عمر ، وكان أحد الشجعان من الشيعة ، والشعراء المجيدين ، وكان من أصحاب علي عليه‌السلام. حارب معه في صفين ، وبعثه في حرب الخريت ، وكان مع الحسين عليه‌السلام في مجيئه من مكّة.

    (٤) قال الذهبي ٣ / ٣٠٥ : فسار (الحسين) في آله ، وفي ستين شيخاً من أهل الكوفة في عشر ذي الحجّة.

    (٥) قال ابن حجر في الإصابة : هانئ بن عروة بن الفضفاض بن نمران بن عمرو بن قماس بن عبد يغوث المرادي ، ثمّ الغطيفي. مخضرم ، سكن الكوفة ، وكان من خواصّ علي عليه‌السلام. ولمّا بايع أهل الكوفة مسلم بن عقيل بن أبي طالب للحسين بن علي نزل على هانئ المذكور. فلمّا قدم عبيد الله بن زياد قتل مسلم بن عقيل ، وقتل هانئ بن عروة وهو ابن بضع وتسعين سنة ، فيكون أدرك من الحياة النبوية فوق الأربعين. وتحت عنوان عروة بن الفضفاض قال : وكان ابنه هانئ بن عروة من رؤساء أهل الكوفة ، وهو الذي نزل مسلم بن عقيل بن أبي طالب عنده لمّا أرسله الحسين بن علي لأخذ البيعة على أهل الكوفة ، فقبض عبد الله بن زياد عليهما فقتلهما وفي ذلك يقول الشاعر : فإن كنتِ لا تدرين ما الموت فانظري إلى هانئٍ في السوق وابنِ عقيلِ وكان من معالم قوته الاحتماعية أنّه قال لابن زياد لمّا انكشف أمره : قد أمنتك على نفسك ومالك (الإمامة والسياسة ٢ / ٥ ، العقد الفريد ٤ / ٣٧٧). وفي رواية قال له هانئ : يابن أخي ، إنّه قد جاء حقّ هو أحق من حقّك وحقّ أهل بيتك (طبقات ابن سعد المفقود ١ / ٤٦٠) ، فضرب ابن زياد وجهه بعصاً بيده ، ثمّ قدّمه فضرب عنقه.
    ٥٠١

    نمي الخبر إلى يزيد فعزل النعمان بن بشير ؛ خوفاً من أن لا يُقْدِم على الحسين عليه‌السلام (١) ، وضم الكوفة إلى عبيد الله بن زياد وطلب منه الذهاب إليها ، ومواجهة حركة مسلم. واستطاع ابن زياد أن يسيطر على الحركة الشعبية الكامنة في الخفاء بواسطة قوى الشرطة والأمن الداخلي الموالية للنظام ، ثمّ ألقى القبض على هانئ ومسلم وقتلهما ، وزج في السجون آلاف (٢) من المستضعفين على الشبهة والظنّة ، وقطع الطرق المؤدّية إلى الكوفة (٣) بالجيش والشرطة الذين رُبّوا على الولاء لبني اُميّة ، والطاعة للنظام منذ عشرين سنة.

    بعث يزيد إلى مكّة مَنْ يقتل الحسين عليه‌السلام غيلة ، ويصل الخبر إلى الحسين عليه‌السلام ، ويقترن ذلك مع وصول كتاب مسلم الذي يخبر فيه أنّ الأجواء مهيّأة للحسين عليه‌السلام. خرج الحسين عليه‌السلام يوم الثامن من ذي الحجّة من مكّة خوفاً من أن يُغتال في الموسم ، أو يُقتل في الحرم وتستباح به حرمة الحرم (٤) ، وقد حاول والي مكّة منعه من الخروج ولم يفلح.

    __________________

    (١) طبقات ابن سعد المفقود ١ / ٤٥٩.

    (٢) قدر الدكتور الخربوطلي المصري في كتابه المختار بن عبيد الثقفي (٧٤ – ٧٩) إنّ عدد الذين سجنهم ابن زياد يبلغ اثني عشر ألفاً من الشيعة ، منهم المختار نفسه ، ثم اُطلق ونفي إلى الحجاز.

    (٣) قال ابن سعد في الجزء المفقود ١ / ٤٦٦ : وجعل الرجل والرجلان والثلاثة يتسللون إلى حسين من الكوفة فبلغ ذلك عبيد الله ، فخرج فعسكر بالنخيلة ، واستعمل على الكوفة عمر بن حريث ، وأخذ الناس بالخروج إلى النخيلة ، وضبط الجسر فلم يترك أحداً يجوزه.

    (٤) روى الطبري ٥ / ٣٨٦ ، قال هشام : عن عوانة بن الحكم ، عن لبطة بن الفرزدق بن غالب ، عن أبيه قال : حججت بأمّي فأنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم في أيام الحجّ ، وذلك في سنة ستين إذ لقيت الحسين بن علي خارجاً من مكّة معه أسيافه وأتراسه ، فقلت : لمَنْ هذا القطار؟ فقيل : للحسين بن علي. فأتيته فقلت : بأبي واُمّي يابن رسول الله! ما أعجلك عن الحجّ؟ فقال : «لو لم أعجل لاُخذت». وروى البسوي في كتاب المعرفة والتاريخ / ٥٣٢ كتاب ابن عباس إلى يزيد بعد قتل الحسين وواقعة الحرّة ، جاء فيه : فما أنس من الأشياء فلست بناس إطرادك حسيناً رحمه‌الله من حرم رسول الله إلى حرم الله ، وتسييرك إليه الرجال لتقتله في الحرم ، فما زلت بذلك وعلى ذلك حتّى أشخصته إلى العراق ، فخرج خائفاً يترقب ، فتزلزلت به خيلك ؛ عداوة لله ولرسوله ولأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. وفي رواية اليعقوبي ٢ / ٢٤٧ : فما زلت بذلك كذلك حتّى أخرجته من مكّة إلى أرض الكوفة ، تزأر به خيلك
    ٥٠٢

    دخل الحسين عليه‌السلام أرض العراق ، وتحصره طلائع جيش النظام بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي ، ولا تدعه يدخل الكوفة ، ولا يخرج عن أرض العراق ، وانتهى المطاف بحصره في كربلاء ، واجتمعت عليه كتائب جيش النظام الأموي بقيادة عمر بن سعد ، وعرضوا عليه البيعة ، وتسليم نفسه للسلطة أو يقاتلوه.

    اختار الحسين عليه‌السلام الموت على البيعة أو التسليم ، وهو شعاره منذ اليوم الأوّل من حركته ، وكذلك كان موقف مَنْ معه من أهل بيته وأصحابه من الكوفيين من الذين صحبوه من مكّة ، ومن الذين استطاعوا الفرار من الكوفة واللحاق به ، أمثال : عمرو بن خالد الصيداوي (١) ، وأبي الشعثاء يزيد بن زياد بن مهاصر البهدلي الكندي (٢) ، وحبيب بن مظاهر الأسدي ، ومسلم بن عوسجة الأسدي (٣) ، وأبي ثمامة الصائدي (٤) ، ونافع بن هلال الجملي وغيرهم (٥).

    قُتل الحسين وأصحابه وأهل بيته عليهم‌السلام جميعاً بعد معركة غير متكافئة ، وقُطعت رؤوسهم ، وسُيّرت إلى الكوفة مع عيال الحسين ، ومن هناك سُيّروا إلى الشام.

    __________________

    وجنودك زئير الأسد ، عداوة منك لله ولرسوله ولأهل بيته ، ثمّ كتبت إلى ابن مرجانة أن يستقبله بالخيل والأسنّة والسيوف.

    (١) خرج من الكوفة بعد قتل مسلم هو ومولاه سعد بن مجمع بن عبد الله وابنه عائذ ودليلهم الطرماح قال ابن الاثير في الكامل : لمّا رآهم الحرّ حجزهم ، فقال له الحسين : «هؤلاء أصحابي ولأمنعنهم ممّا أمنع منه نفسي». فكفّ عنهم الحرّ.

    (٢) خرج من الكوفة إلى الحسين فصادفه في الطريق قبل أن يلاقيه الحرّ.

    (٣) كان هو وحبيب مع مسلم بن عقيل ، ثمّ خرج مع حبيب بعد قتل مسلم والتحقا بالحسين عليه‌السلام.

    (٤) كان من أصحاب علي عليه‌السلام الذين شهدوا معه مشاهده كلّها ، وبعده صحب الحسن عليه‌السلام ثمّ بقي في الكوفة إلى أن هلك معاوية ، ثمّ بعد أن اجتمع مع مَنْ اجتمع من وجوه الشيعة في دار سليمان بن صرد خرج مع نافع بن هلال بعد قتل مسلم والتحق بالحسين عليه‌السلام.

    (٥) ويذكر الطبري ٥ / ٣٥٤ عن أبي مخنف قال : خرج يزيد بن نبيط وهو من عبد القيس إلى الحسين عليه‌السلام ، وكان له بنون عشرة فقال : أيّكم يخرج معي فانتدب معه ابنان له ؛ عبد الله وعبيد الله ، فتقدى في الطريق حتّى انتهى إلى حسين عليه‌السلام فدخل في رحله بالأبطح ، ثمّ أقبل معه حتّى أتى فقاتل معه فقُتل معه هو وابناه.
    ٥٠٣

    معالم التغيير بعد شهادة الحسين عليه‌السلام

    لئن شاء الله تعالى أن يُقتل الحسين عليه‌السلام بعد خمسة شهور من حركته الهادية ، فقد شاء أيضاً أن يتحرّك الواقع السياسي والاجتماعي بعد الحسين عليه‌السلام بالاتجاه الذي يخدم الأهداف التي تحرّك الحسين عليه‌السلام لها وقُتل من أجلها ، ثمّ يتحقق كلّ ما أراد تحقيقه. وبيان ذلك كما يلي :

    أوّلاً :

    تفهمت الأمّة أنّ الطاعة المطلقة للخليفة ليست من الدين في شيء ، وأنّ الدين يدعو مجاهدة سلطة بني اُميّة والإطاحة بهم ، ومن ثمّ نهضت ثائرة تحت لواء هذا القائد ، أو ذاك من مختلف الاتجاهات ، وقد استمرت الثورات عليهم حتّى سقطوا على يد بني العباس ، ولم تعد سلطة بعد ذلك تتبنّى لعن علي والتربية على بغضه.

    ثانياً :

    تنفس الشيعة ، الصحابة والتابعون من جديد في الكوفة بشكل عام حين ارتفع الضغط الخاص عليهم مدّة عشر سنوات تقريباً بعد موت يزيد أيام بيعتها لابن الزبير (٦٤ ـ ٦٧) ، وأيام المختار بشكل خاص لمدّة سنة ونصف (١٤ ربيع الأوّل ٦٦ ـ ١٤ رمضان ٦٧) حين استطاعوا أن يُطهِّروا المجتمع الكوفي من قتلة الحسين عليه‌السلام ـ الذين كانوا يمثلون قمّة الانحراف وبؤرة الفساد فيه ـ ويعيدوا التثقيف الصحيح باتجاه علي عليه‌السلام
    ٥٠٤

    وأهل بيته ، وعلى الرغم من قصر مدّة حكم المختار ، وقتله على يد مصعب الزبيري ، وقتل سبعة آلاف شيعي صبراً بعده بضمنهم عمرة بنت النعمان بن بشير زوجة المختار ؛ لأنّها لم تتبرّأ من زوجها المختار ، ثمّ ظلم الحجّاج وتتبّعه لشيعة علي عليه‌السلام بقيت الكوفة قلعة صامدة على التشيّع ، أبيَّة على الترويض ، ممّا اضطر الحجّاج في حركة ابن الأشعث (سنة ٨٠ ـ ٨٣) أن يستعين بجيش شامي للقضاء عليها ، ولم يسكن الكوفة بعد ذلك خوفاً على جيش أهل الشام من التأثّر بفكرهم فبنى واسط خاصّة لهم ، واستطاع الأئمّة من ذرية الحسين وبخاصّة الباقر والصادق عليه‌السلام أن يثقفوا قواعدهم الشعبية الكوفية من جديد ، وبذلك عادت الكوفة كسابق عهدها أيام علي عليه‌السلام قلعة للتشيّع ورواية أهل البيت عليهم‌السلام.

    ثالثاً :

    تصدّعت وحدة الدولة ، وغابت السلطة المركزية (١) لبني اُميّة التي كانت تلاحق المحدِّثين الصادقين ، ولم تسترجع سيطرتها كاملة إلاّ بعد خمس وعشرين سنة من قتل الحسين عليه‌السلام ، وبذلك كُسِر الطوق المفروض على الحديث الصحيح ، وطُرح علي والمطهرون من ذريته عليهم‌السلام من جديد أئمّة هداة في المجتمع ، وذلك حين انطلق خلال هذه الفترة بقيّة الصحابة والتابعين من شيعة علي عليه‌السلام وغيرهم في المدينة ومكة ، والكوفة والبصرة ، والشام وخراسان

    __________________

    (١) استقل ابن الزبير في مكّة والمدينة والعراق ، ثمّ ثار المختار في الكوفة واقتطعها عن ابن الزبير مدّة سنة ونصف ، من ١٤ ربيع الأوّل سنة ٦٦ إلى ١٤ رمضان سنة ٦٧ ، ثمّ رجعت له بعد قتل المختار على يد مصعب وأهل البصرة وجيش المهلّب ، وفلول الجيش الذي قتل الحسين عليه‌السلام.

    اختلف أهل الشام وصاروا رايتين ؛ راية تدعو لابن الزبير ، وراية تدعو لمروان ، واقتتلوا بسبب ذلك ثمّ غلبة مروان ، واقتتل أهل خراسان لسنين ثمّ بيعتهم أخيراً لعبد الملك.

    استقل نجدة الخارجي في اليمن ثمّ قُتل نجدة من قبل أصحاب ابن الزبير.

    قُتل عبد الله بن الزبير من قبل أصحاب عبد الملك بن مروان وصفا الملك لبني اُميّة من جديد.

    ثار العراقيون من جديد بقيادة ابن الأشعث (٨١ ـ ٨٥) ، واستقر الملك بعد لبني اُميّة لمدّة أربعين سنة تقريباً ، واُزعج مرّة أخرى من قبل العراقيين بقيادة زيد وقُتل سنة ١٢٢ ، ثمّ مات هشام سنة ١٢٥ ولم يستقر الملك لبني اُميّة بعد ذلك ؛ إذ اختلفت كلمتهم ثمّ زالت دولتهم على يد بني العباس سنة ١٣٢.
    ٥٠٥

    وغيرها ينشرون حديث النبي في أهل بيته كلّ حسب استطاعته ، وبقدر ما تسمح له ظروفه.

    فمن الصحابة في المدينة اُمّ سلمة (ت ٦١) ، وأبو سعيد الخدري (ت ٦٤) ، وعبد الله بن عباس (ت ٦٨) بالمدينة ومكة والطائف وتوفي بها وله نيف وسبعون سنة ، وجابر بن عبد الله الأنصاري (ت ٧٤) عن (٩٤) سنة ، وسلمة بن الأكوع (ت ٧٤) ، وسهل بن سعد الساعدي (ت ٩١).

    وفي الكوفة سليمان بن صرد قُتل سنة (٦٦) ، وزيد بن أرقم (ت ٦٨) ، وعدي بن حاتم (ت ٦٧) ، والبراء بن عازب (ت ٧٢) ، وعامر بن واثلة (ت ١١٠) بمكة منفياً من الكوفة منذ تولّى الحجّاج الكوفة ، وهو آخر مَنْ توفى من الصحابة.

    وفي البصرة : مالك بن الحويرث (ت ٧٤) ، وأنس بن مالك أخذ يحدّث بفضائل علي عليه‌السلام لمّا أصابته دعوة علي عليه‌السلام (ت ٩٠).

    وفي مرو وخراسان : بريدة بن الحصيب (ت ٦٢) ، وأبو برزة الأسلمي (ت ٦٤).

    وفي الشام : واثلة بن الأسقع (ت ٨٥) ، وهو آخر مَنْ مات من الصحابة بدمشق.

    ومن التابعين ، وهم بقيّة أصحاب علي عليه‌السلام وأغلبهم كوفيون ، أمثال : الحارث الأعور الهمداني (ت ٦٥) ، سعد بن حذيفة بن اليمان (من رجال عهد المختار) ، والأصبغ بن نباتة (ت بعد سنة ٧٠) ، وحبّة بن جوين (ت ٧٦) ، أبي البختري (قُتل ٨٢) ، زاذان (ت ٨٢) ، زر بن حبيش (ت ٨١) ، عبد الله بن الحارث بن نوفل ت ٨٤ ، عبد الرحمن بن أبي ليلى (ق ٨٢) ، فضالة بن أبي فضالة (ت ٧٠ ـ ٨٠) ، كميل بن زياد (قتله الحجّاج ٨٢) ، قيس بن عبّاد (قتله الحجّاج ٨٣) ، وزيد بن وهب الجهني (ت ٨٤ ، وقيل : ٩٦) ، ومسلم بن صبيح (ت ١٠٠).

    ومنهم بصريون مثل أبي الأسود الدؤلي ، وخِلاس الهَجَري (١)

    __________________

    (١) كان من شرطة علي عليه‌السلام ، وله صحيفة كتباً عنه يحدّث بها ، توفي قبيل المئة بتقدير الذهبي نقلاً عن ابن حجر في تهذيب التهذيب.
    ٥٠٦

    ومنهم مدنيون أمثال : عمر بن أبي سلمة (ت ٨٣) ، وإياس بن سلمة بن الأكوع (ت ١١٩) ، ويزيد بن أميّة (ت ٧٠ ـ ٨٠).

    ولولا هذه السنوات الخمس والعشرين من غياب السلطة المركزية التي أنتجتها حركة الحسين عليه‌السلام وشهادته لما استطاع أولئك الصحابة والتابعون من نشرهم حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيان منزلة علي وأهل بيته عليهم‌السلام ، أو ذمّ بني اُميّة ، أو نشرهم حديث علي عليه‌السلام وخطبه التي نجدها اليوم في كتب الحديث والتاريخ لدى عامة المسلمين.

    ولولا انتشار أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته لما استطاع الأئمّة من ذريّة الحسين عليهم‌السلام أن ينشروا سنّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله برواية علي عليه‌السلام.
    ٥٠٧

    خلاصة

    قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (الصف / ١٤).

    وروى البخاري أنّ أعرابياً قال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : الرجل يُقاتل للمغنم ، والرجل يُقاتل ليُذكر ويُقاتل ليرى مكانه في سبيل الله ، فقال : «مَنْ قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» (١).

    وجّه الحسين عليه‌السلام أصحابه في المرحلة السرّية من حركته في مواجهة الانقلاب الفكري لمعاوية (٥٠ ـ ٥٩) ؛ ليواصلوا نشر الأحاديث النبوية الصحيحة في علي وأهل البيت عليهم‌السلام بين مَنْ يثقون به من الناس ، وكان آخر نشاط نوعي في هذا السبيل هو المؤتمر السرّي الذي عقده الحسين عليه‌السلام في مكّة في موسم الحجّ لسنة (٥٩) هجرية ، أي قبل موت معاوية بسنة ، وحضره عدد كبير من الصحابة والتابعين ، وكانت المادة الأساسية في هذا المؤتمر هي خطاب الحسين عليه‌السلام الذي أطلع المؤتمرين آنذاك على خطورة الوضع الفكري

    __________________

    (١) صحيح البخاري (المختصر) ٣ / ١١٣٧.
    ٥٠٨

    والسياسي ، ثمّ حثّهم على نشر الحقائق الدينية في علي وأهل البيت عليهم‌السلام ، وقد استهلّ خطابه بقوله : «إنّي خفت دروس هذا الأمر» ، (أي أمر ولاية أهل البيت).

    أعلن الحسين عليه‌السلام بعد موت معاوية عن حركته التبليغيّة ؛ ليقاوم بدعتين سادتا وانتشرتا انتشاراً مطبقاً :

    الأولى : التربية العامّة على بغض علي عليه‌السلام ولعنه والبراءة منه ، ورواية الأحاديث الكاذبة في ذمّه والطعن عليه ، ومعاقبة مَنْ يظهر خلافه لهذه السياسة.

    الثانية : التربية العامّة على الولاء المطلق للخليفة ، والتقرّب إلى الله بطاعته ومحبّته ، ورواية الأحاديث الكاذبة في فضل بني اُميّة ، وإكرام مَنْ يتجاوب مع هذه السياسة. اختار الحسين عليه‌السلام مكّة قاعدة ينطلق منها في حركته تلك ، يحيط به بنو هاشم لحمايته من أجل أن يقوم بممارسته التبليغيّة ، ونشر أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في علي عليه‌السلام ، الممارسة التي تعاقب الدولة عليها بعقوبة الإعدام كما يُقال بلغة العصر. وتحرّك الحسين عليه‌السلام على أخيار المسلمين القادمين من مختلف البلاد الإسلاميّة لأداء العمرة والحجّ يحدِّث الجيل الجديد منهم بما حرَّمت الدولة الحديث به فلم يسمعوه ، ويستنهض الجيل القديم ويذكّرهم بتكليفهم الشرعي إزاء ظهور البدع ، ومن ثمّ يطلب النصرة من الجميع ليحموه من دولة الضلال ؛ لكي يواصل هو وأخيار الصحابة والتابعين تبليغ أحاديث جدّه وسنته للأمّة.

    تجاوب مع الحسين عليه‌السلام وجوه شيعة أبيه في العراق ، وبخاصّة في الكوفة الممتحنة في السنوات السابقة من النظام الأموي ، وبايعوه على النصرة ودعوه إلى البلد لينهض به في مقاومة بني اُميّة كما نهض جدّه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأهل المدينة لمقاومة قريش ، وشاء الله تعالى أن تنكشف الحركة في الكوفة وتُسحق في مهدها ، ويُسجن أنصار الحسين فيها ، ويُقتل هانئ أبرز وجه في الكوفة وأقواه سياسياً واجتماعياً ، ويُقتل بعده مسلم بن عقيل ، وتُقطع الطرق المؤدّية إلى الكوفة لقطع الطريق على المختفين من أنصار الحسين عليه‌السلام من أن
    ٥٠٩

    يلحقوا به ، ويطوق الركب الحسيني القادم من مكّة خوفاً من أن تُستحل حرمتها به حيث كان يزيد قد دسّ الرجال ليقتلوا الحسين عليه‌السلام غِيلة في الموسم.

    عرض جيش الدولة على الحسين عليه‌السلام أن يسلّم نفسه للسلطة ، وأبى الحسين ومَنْ معه ذلك ، وجرت معركة غير متكافئة ، وقُتل الحسين عليه‌السلام وأهل بيته وأصحابه ، ورُفعت رؤوسهم على الرماح ، وداست الخيل صدر الحسين عليه‌السلام ، واُخذت نساؤه وأطفاله أسرى إلى الشام.

    صفا الجو ليزيد وبني اُميّة سنتين تقريباً بعد قتل الحسين ، وقدّروا أنّهم أطفأوا النور الحسيني ، وأنّ زلزال الخطر عليهم وعلى خطّتهم زال إلى غير رجعة ، وما دَرَوْا أنّ القيام المخلص لله والقتل في سبيله هو من أعظم الوسائل التي يتألّق بها نور الهداية ، ويستحكم بها الزلزال على المنحرفين ، وتظهر معالمه جلية واضحة في كلّ البلاد الإسلاميّة.

    فقد ثار أهل المدينة على يزيد بعد سنتين (٦٣) هجرية من قتل الحسين عليه‌السلام.

    وأعلن أهل مكّة تمرّدهم في غضون ذلك.

    وعاجل الله تعالى يزيد فأماته مبكرّاً ، واستقال ولده معاوية الثاني ، ومات بعد استقالته بأيام ، وتمزّقت الدولة الاُمويّة شرّ ممزّق.

    فاقتتل أهل الشام بينهم من أجل الملك ، وصاروا رايتين : راية تدعو لابن الزبير ، وأخرى تدعو لمروان ، ثمّ صفا الأمر لمروان بن الحكم بعد وقعة مرج راهط ، التي أهلكت آلاف الناس ، ومن بعده لابنه عبد الملك.

    واقتتل أهل خراسان قال المدائني : لمّا مات يزيد بن معاوية وثب أهل خراسان بعمّالهم فأخرجوهم ، وغلب كلّ قوم على ناحية ، ووقعت الفتنة ، وغلب عبد الله بن حازم على خراسان ، ووقعت الحرب (١) ، وأقرَّ عبد الله بن الزبير عبد الله بن خازم على

    __________________

    (١) تاريخ الطبري ٥ / ٥٤٦.
    ٥١٠
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام   الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 11:18 am



    خراسان ، وكاتَبَه عبد الملك ليبايع له فرفض ، فثار عليه وكيع بن الدورقية وقتله (١).

    وفي البصرة روى أبو مخنف قال : وثب الناس بعبيد الله بن زياد وكسر الخوارج أبواب السجون ، وخرجوا منها (٢) ، وقادهم نافع بن الأزرق ومن بعده عبيد الله بن الماحوز ، وجرت بينهم وبين أهل البصرة حروب كثيرة ، ثمّ هزمهم المهلّب بن أبي صفرة عن الأهواز.

    وفي الكوفة وثب رؤساء الجيش والشرط ، بعمرو بن حريث خليفة ابن زياد ومدير شرطته ، وكان هواهم مع ابن الزبير فأخرجوه من القصر ، واصطلحوا على عامر بن مسعود بن أميّة الجمحي القرشي ، وبايعوا لابن الزبير ، ثمّ كسرت السجون وخرج الشيعة.

    واقتتل أهل اليمن فيما بينهم كذلك.

    وكان البلد الوحيد الذي وجدت فيه حركة تحمل خطّ الحسين عليه‌السلام ونهجه ، هو الكوفة

    __________________

    (١) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب : عبد الله بن خازم بن أسماء بن الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حرام بن السمال بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم السلمي ، أبو صالح البصري أمير خراسان ، يُقال : له صحبة ورواية. روى عنه سعد بن عثمان الرازي وسعيد بن الأزرق. قال أبو أحمد العسكري : كان من أشجع الناس ، ولي خراسان عشر سنين ، وافتتح الطبسين (تثنية طبس ، قصبة ناحية بين نيسابور وأصبهان تسمّى قهستان) (مراصد الاطلاع) ، ثمّ ثار به أهل خراسان فقتلوه ، وكان الذي تولّى قتله وكيع بن الدورقية ، وحمل رأسه إلى عبد الملك بن مروان. وقال خليفة بن خياط : قام بأمر الناس في وقعة قازن بباذغيس (ناحية تشمل على قرى اعمال هراة ومرو) وكتب إلى ابن عامر بالفتح فأقره على خراسان حتّى قُتل عثمان. وقال صالح بن الرحبية : قتل سنة (٧١). وقال السلامي في تاريخه : لمّا وقعت فتنة ابن الزبير كتب إليه ابن خازم بطاعته ، فأقرّه على خراسان ، فبعث إليه عبد الملك بن مروان يدعوه إلى طاعته فلم يقبل ، فلمّا قُتل مصعب بعث إليه عبد الملك برأسه ، فغسله وصلّى عليه ، ثمّ ثار عليه وكيع بن الدورقية وغيره فقتلوه. وبمعنى ذلك حكى أبو جعفر الطبري وزاد : وكان قتله في سنة (٧٢).

    (٢) تاريخ الطبري ٥ / ٥٦٧ عن أبي مخنف.
    ٥١١

    بزعامة سليمان بن صرد ، ثمّ بزعامة المختار الثقفي ، ولكن عبد الله بن الزبير لا يحتمل ذلك ، وبخاصّة وإنّ الكوفة كانت تابعة له ، فبعث أخاه مصعب بأهل البصرة وبقايا الجيش الذي قاتل الحسين عليه‌السلام الذي خرج من الكوفة فارّاً من المختار ، وطوق الكوفة وقتل المختار ، وقتل بعد ذلك زوجة المختار ؛ لأنّها لم تتبرّأ منه ، ومعها ستة آلاف صبراً ممّن كان مع المختار في القصر.

    ولئن استطاع عبد الملك بعد عشرين سنة أن ينتصر على المعارضة والثوّار في أنحاء البلاد الإسلاميّة ، وأن يستعيد وحدة الدولة الاُمويّة وفرض السياسة التي اختطها معاوية من جديد ، فإنَّ حرارة الزلزال في الكوفة ، والمغتربين من أبنائها في خراسان لم تكن قد انتهت ، فكانت ثورة زيد في الكوفة ، وكان قدره فيها كقدر جدّه الحسين عليه‌السلام أن يكون وقوداً وزيتاً للثائرين. ثمّ كانت ثورة العباسيِّين بالكوفيين المغتربين ومَنْ معهم من أهل خراسان ، وانهار على أيديهم الحكم الأموي والأطروحة الاُمويّة للإسلام ، المبني على لعن علي عليه‌السلام إلى غير رجعة ، حيث لم يجئ حكم بعد ذلك يتبنّى لعن علي عليه‌السلام إلى اليوم ، ولن يجيء إلى آخر الدنيا.

    وانتشرت الأحاديث النبوية التي عمل بنو اُميّة على طمسها وكتمانها وتحريفها ، واهتدى بها مَنْ أراد الهداية من الأمّة ، وهي محفوظة في كتب المسلمين جميعاً إلى اليوم. وأيد الله تعالى الحسين عليه‌السلام تأييداً خاصاً حين بتر نسل يزيد فلا يوجد اليوم مَنْ ينتسب إليه ، وبارك الله تعالى في نسل الحسين عليه‌السلام فهو يملأ الدنيا ، ورزقه منهم تسعة أئمّة هدى أسباطاً ، أعلام هداية ، نشروا ما كان يحمله الحسين عليه‌السلام من تراث نبوي كتبه علي عليه‌السلام بيده الكريمة الطاهرة ، وأملاه النبي من فيه الشريف المطهّر ، والتفّ حولهم شيعة يأخذون عنهم هذا التراث الإلهي ، ويحملون ظلامة الحسين عليه‌السلام غضة طرية كلّ عام في عاشوراء ؛ ليهتدي بهديها مَنْ شاء من الناس.
    ٥١٢

    الأعلام المترجم لهم في الكتاب

    إبراهيم بن محمد أبي إسحاق الفزاري ، ١٦٦.

    إبراهيم بن محمد بن عرفة الواسطي ، ٧٦.

    أبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي ، ٧٠.

    أبو ثمامة الصائدي ، ٥٠٣.

    أبو سلمان المؤذن ، ٤١٠.

    أبو ليلى الكندي ، ٢٩٨.

    أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي ، ١٦.

    أبو عبد الله الجدلي ، ٢٩٠.

    أحمد بن زهير بن أبي خيثمة ، ٢٤٦.

    إسحاق بن طلحة بن عبيد الله (التميمي) ، ٩٣.

    أنس بن الحارث نبيه ، ١٦٦.

    برير الهمداني ، ١٦٦.

    بكير بن عثمان البجلي ، ٩٧.

    جعفر الصادق عليه‌السلام ، ٤٧٢.

    جويرية بن أسماء بن عبيد بن مخارق ، ٢٤٧.

    جويرية بن مسهر ، ١١١.

    حبيب بن مظاهر الأسدي ، ١٦٧.

    حجار بن أبجر العجلي ، ٩٨.

    حجر بن عدي الكندي ، ٨٨.

    حريز بن عثمان أبو عون الحمصي ، ٦٩.

    الحسن المثنى بن الحسن عليه‌السلام ، ٤٥٧.

    حصين بن تميم الطهوي ، ١٧٢.

    حصين بن يزيد التغلبي أو الثعلبي ، ٣٨٧.

    الحكم بن أبي العاص ، ١٧٢.

    الحكم بن عمرو أبو عمرو الغفاري ، ٦٠.

    حمران بن أعين ، ٤١٨.

    خلاس الهجري ، ٣٧٥.

    خليفة بن خياط ، ٣٤٧.




    الربيع بن زياد الحارثي ، ٨٣.

    رزين بن حبيب الجهني ، ٣٧٨.

    رشيد الهجري ، ١١٠.

    زحر بن قيس الجعفي ، ٩٩.

    زهير بن حرب بن شداد الحرشي ، ٢٤٦.

    زيد بن أرقم ، ٢٩٥.

    زيد بن الحسن بن علي عليه‌السلام ، ٤٦٥.

    سعيد بن عبد الملك بن واقد الحراني ، ١٦٦.

    سفيان بن الليل ، ٥١.

    سلمان بن ربيعة بن يزيد الباهلي ، ١٧٤.

    سليمان بن صرد ، ٢٧٣.

    سماك بن حرب ، ٣٨٢.

    سمرة بن جندب الفزاري ، ٨٥.

    شبث بن ربعي ، ٩٧.

    شمر بن ذي الجوشن العامري ، ٩٨.

    الضحاك بن مزاحم ، ٣٩٤.

    عابس بن حبيب الشاكري الهمداني ، ٥٠١.

    عامر بن مسعود بن أمية بن خالف ، ٩٦.

    العباس بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام ، ١٦٠.

    عبد الرحمن بن أبي أنعم ، ٣٨٤.

    عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي ، ٩٩.

    عبد الرحمن بن أبي ميرة ، ٤٨٤.

    عبد الرحمن بن بهمان ، ٤٠٣.

    عبد الرحمن بن عبد ربّه ، ١٨٩.

    عبد الله بن الزبير ، ٢٣٧.

    عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهم ، ١٥٩.

    عبد الله بن حنظلة الغسيل ، ٢٤٨.

    عبد الله بن خازم السلمي ، ٥١٠.
    ٥١٣

    عبد الله بن شريك العامري ، ١٨٧.

    عبد الله بن عباس ، ١٥٩.

    عبد الله بن عثمان بن خثيم ، ٤٠٢.

    عبد الله بن مصعب الزبيري ، ٢٦٢.

    عبد الملك بن عمير ، ٤٢٢.

    عزرة بن عزرة الأحمسي ، ١٠٠.

    عقيصا أبو سعيد التيمي ، ١٦٨.

    عكرمة بن عمار الحنفي العجلي ، ٤٠٦.

    علقمة بن خالد بن الحارث ، ٣٨٥.

    علي بن الحسين عليه‌السلام ، ٤٦٩.

    علي بن رباح اللخمي ، ٦٨.

    علي بن زيد بن جدعان ، ٤١٩.

    علي بن عبد الله بن عباس ، ٦٨.

    عمارة بن عقبة بن أبي معيط الأموي ، ٩٤.

    عمر بن سعد بن أبي وقاص القرشي ، ٩٤.

    عمرو بن الحمق الخزاعي ، ١٠٩.

    عمرو بن بحر الليثي اللغوي النحوي ، ٤٨١.

    عمرو بن حريث القرشي المخزومي ، ٨٦.

    عمرو بن الحجّاج الزبيدي ، ٩٨.

    عمرو بن خالد الصيداوي ، ١٦٧.

    فضالة بن عبيد الأنصاري ، ١٢٣.

    قبيصة بن ضبيعة العبسي ، ١٠١.

    قطن بن عبد الله بن حصين الحارثي ، ٩٧.

    القعقاع بن شور الذهلي ، ٩٨.

    قيس بن أبي حازم ، ٤٨٣.

    كثير بن شهاب بن حصين الحارثي ، ٩٦.

    لبيد بن عطارد التميمي ، ٩٨.




    محفز بن ثعلبة من عائذة قريش ، ٩٩.

    محمد الباقر عليه‌السلام ، ٤٧٢.

    محمد بن عبد الله أبو جعفر الإسكافي ، ٤٨٢.

    محمد بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، ١٦٠.

    محمد بن عمير بن عطارد التميمي ، ٩٨.

    مروان بن أبي حفصة ، ٧٤.

    مروان بن الحكم ، ٣٦.

    مسلم بن عقبة المري ، ١٣٠.

    مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليهم‌السلام ، ١٦٠.

    مصعب بن عبد الرحمن بن عوف ، ٣٧٨.

    معروف بن خربوذ ، ٤١٧.

    المنذر بن الزبير بن العوام ، ٩٤.

    ميسرة بن حبيب النهدي ، ٥٥.

    نفطويه ، ٧٦.

    نوفل بن مساحق بن عبد الله الأكبر ، ٢٥٢.

    هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، ٣٧٦.

    هانئ بن عروة ، ٥٠١.

    وائل بن حجر الحضرمي ، ٩٦.

    ابو ثمامة الصائدي ، ١٦٧.

    السائب بن الأقرع الثقفي ، ٩٧.

    شوذب مولى عابس ، ٥٠١.

    مسلم بن عوسجة الأسدي ، ٥٠٣.

    موسى بن طلحة التميمي ، ٩٣.

    وهب بن جرير بن حازم ، ٢٤٧.

    وهب بن عبد الله بن زمعة ، ٣٦٧.

    يحيى بن جعدة بن هبيرة ، ٢٩٩.

    يزيد بن زياد بن مهاصر البهدلي ، ١٦٧.

    يزيد بن معقل المذحجي الجعفي ، ٥٠١.
    ٥١٤

    المصادر والمراجع

    * القرآن الكريم

    * نهج البلاغة

    * أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ / إبراهيم شعوط

    * الإتحاف بحب الأشراف / الشبراوي

    * الآحاد والمثاني / ابن أبي عاصم الضحاك وفاة : ٣٨٧ / ط دار الدراية

    * الأخبار الطوال / الدينوري وفاة : ٢٨٢ / ط دار إحياء الكتاب العربي / ١٩٦٠

    * اختيار معرفة الرجال (الطوسي) / ط مؤسسة آل البيت / قم ١٤٠٤

    * إدارة العراق في صدر الإسلام / رمزية عبد الوهاب الخيرو

    * الأدب المفرد / البخاري وفاة : ٣٥٦ / ط : ١٤٠٦ مؤسسة الكتب الثقافية / بيروت

    * إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري/العسقلاني

    * الاستيعاب / ابن عبد البر وفاة : ٤٦٣ / ط دار الجيل / ١٤١٣

    * اُسد الغابة في معرفة الصحابة / ابن الأثير وفاة : ٦٣ / ط دار الكتاب العربي بيروت

    * الإصابة في تمييز الصحابة / ابن حجر العسقلاني وفاة : ٨٥٣ / ط دار الكتب العلمية / ١٤١٥

    * الأغاني / الإصبهاني وفاة : ٣٥٦ / ط دار الكتب العلمية / بيروت ١٤١٢

    * الإمام الحسن عليه‌السلام المصلح العظيم (مخطوط) قراءة جديدة / السيد سامي البدري

    * الإمامة والسياسة / ابن قتيبة وفاة : ٢٧٦ / ط مؤسسة الحلبي

    * أنساب الأشراف / البلاذري وفاة : ٢٧٩ / ط مؤسسة الأعلمي / ١٣٩٤

    * أنساب الطالبيِّين / علي بن محمد بن علي العلوي وفاة : ٧٠٩ / ط كلية السيد المرعشي / ١٤٠٩

    * بحار الأنوار / العلاّمة المجلسي وفاة : ١١١١ / ط مؤسسة الوفاء / بيروت ١٤٠٣




    * البخاري / محمد بن إسماعيل البخاري وفاة : ٢٥٦ / ط دار الفكر للطباعة / ١٤٠١

    * البداية والنهاية / ابن كثير وفاة : ٢٥٦ / ط دار الفكر للطباعة / ١٤٠١

    * بلاغات النساء / ابن طيفور وفاة : ٣٨٠ / ط مكتبة بصيرتي

    * البيان والتبيين / الجاحظ وفاة : ٢٥٥ / مكتبة أرومية / قم ١٣٤٥

    * تاريخ الإسلام / الذهبي

    * تاريخ الخميس / الديار بكري

    * تاريخ السيوطي / السيوطي

    * تاريخ الشيعة / الشيخ محمد حسين المظفر

    * تاريخ الطبري / أبو جعفر محمد بن جرير الطبري وفاة : ٣١٠ / ط مؤسسة الأعلمي / بيروت ١٤٠٣

    * التاريخ الكبير / البخاري وفاة : ٢٥٦ / ط المكتبة الإسلاميّة / ديار بكر / تركيا

    * تاريخ اليعقوبي / أحمد بن أبي يعقوب وفاة : ٣٨٤ / ط دار صادر / بيروت

    * تاريخ بغداد / الخطيب البغدادي وفاة : ٤٦٣ / ط دار الكتب العلمية / بيروت ١٤١٧

    * تاريخ بن خياط / خليفة بن خياط وفاة : ٢٤٠ / ط دار الفكر للطباعة والنشر

    * تاريخ يحيى بن معين / يحيى بن معين وفاة : ٢٣٣ / ط دار القلم

    * تذكرة الحفاظ / الذهبي وفاة : ٧٤٨ / ط دار إحياء التراث / بيروت

    * تذكرة خواص الأمّة / سبط ابن الجوزي

    * تعجيل المنفعة / ابن حجر العسقلاني وفاة : ٨٥٣ / ط دار الكتاب العربي

    * التعديل والتجريح / الحافظ الباجي وفاة : ٤٧٤ / ط وزارة الأوقاف المصرية

    * تقريب التهذيب / ابن حجر العسقلاني وفاة : ٨٥٣ / ط دار المكتبة العلمية / ١٤١٥

    * التنبيه والإشراف / المسعودي / دار صعب / بيروت
    ٥١٥

    * تهذيب التهذيب / ابن حجر العسقلاني وفاة : ٨٥٣ / ط دار الفكر / بيروت ١٤٠٤

    * تهذيب الكمال / المزي وفاة : ٧٤٣ / ط مؤسسة الرسالة / بيروت ١٤٠٦

    * تهذيب المقال / السيد محمد علي الأبطحي (معاصر) / ط ابن المؤلف

    * تهذيب تاريخ دمشق / ابن عساكر / تحقيق : روحية النحاس / ط دار الفكر دمشق / ١٤٠٤

    * تيسير أعلام النبلاء / الذهبي وفاة : ٧٤٨ / ط مؤسسة الرسالة / بيروت

    * جامع البيان / أبو جعفر محمد بن جرير الطبري وفاة : ٣١٠ / ط دار الفكر / بيروت ١٤١٥

    * الجامع الصحيح المختصر / البخاري وفاة : ٢٥٦ / ط الموسوعة الذهبية

    * الجمل / الشيخ المفيد وفاة : ٤١٣ / ط مكتبة الداوري / قم

    * حاشية السندي على النسائي / الإمام السندي وفاة : ١١٣٨ / ط دار الكتب العلمية

    * الحاوي الكبير / الماوردي

    * الحجاج بن يوسف الثقفي / إحسان صدقي العمد / ط دار الكتب المصرية

    * حلية الأولياء / أبو نعيم الإصبهاني وفاة : ٤٣٠ / ط دار الفكر

    * خزانة الأدب / عبد القادر البغدادي وفاة : ١٠٩٣ / ط دار الكتب العلمية / بيروت ١٩٩٨

    * الخصال / الشيخ الصدوق وفاة : ٢٨١ / ط جامعة المدرسين / قم ١٤٠٣

    * خطط المقريزي / المقريزي / ط مكتبة مدبولي القاهرة / ١٩٩٨

    * الخوارج والشيعة / يوليوس فلهوزن / ترجمة عبد الرحمن البدوي / الكويت / ١٩٧٨

    * الدر المنثور / السيوطي وفاة : ٩١١ / ط دار المعارف للنشر / بيروت

    * الدولة الاُمويّة / الشيخ محمد الخضري / ط دار المعرفة / بيروت بيروت ١٤١٨

    * الديباج على صحيح مسلم / السيوطي وفاة : ٩١١ / ط دار ابن عفان / ١٤١٦




    * ديوان الشريف الرضي / الشريف الرضي

    * ذخائر العقبى / احمد بن محمد المكي وفاة : ٦٩٤ / ط مكتبة القدسي القاهرة / ١٣٥٦

    * الروض المعطار / الحميري

    * سر السلسلة / أبو نصر البخاري وفاة : ٣٤١ / ط الشريف الرضي / ١٤١٣

    * السنّة لابن مخلد / ابن مخلد

    * سنن أبو داود / ابن الأشعث السجستاني وفاة : ٢٧٥ / ط دار الفكر / ١٤١٠

    * سنن البيهقي / البيهقي وفاة : ٤٥٨ / ط دار الفكر

    * سنن الترمذي / الترمذي وفاة : ٣٧٩ / ط دار الفكر / بيروت ١٤٠٣

    * سنن الدارمي / عبد الله بن بهرام الدارمي وفاة : ٣٥٥ / ط مطبعة الاعتدال / دمشق / ١٣٤٩

    * السنن الصغرى / النسائي وفاة : ٣٠٣

    * السنن الكبرى / النسائي وفاة : ٣٠٣ / ط دار الكتب العلمية / بيروت ١٤١١

    * سنن النسائي / النسائي وفاة : ٣٠٣ / ط دار الكتب العلمية / ١٤١١

    * السيدة سكينة / للمقرم

    * السيرة النبوية / ابن هشام الحميري وفاة : ٢١٨ / ط مكتبة محمد علي صبيح / ١٣٨٣

    * شبهات وردود / السيد سامي البدري

    * شرح الأخبار / القاضي النعمان المغربي وفاة : ٣٦٣ / ط جامعة المدرسين / ١٤١٤

    * شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد وفاة : ٦٥٦ / ط دار إحياء الكتب العربية / ١٣٧٨

    * شواهد التنزيل / الحسكاني وفاة : ق ٥ / ط مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والآثار الإيرانية / ١٤١١

    * صحيح ابن حبان / ابن حبان وفاة : ٣٥٤ / ط مؤسسة العرب

    * صحيح مسلم / الإمام مسلم وفاة : ٢٦١ / ط دار الفكر / بيروت

    * صفوة الصفوة / أبو فرج ابن الجوزي

    * الضعفاء / العقيلي وفاة : ٣٢٢ / ط دار الكتب العلمية / بيروت ١٤١٨
    ٥١٦

    * طبقات ابن سعد المفقود / ابن سعد

    * الطبقات الكبرى / ابن سعد وفاة : ٢٣٠ / ط دار صادر / بيروت

    * طبقات فحول الشعراء / ابن المعتز

    * العراق في العهد الأموي (رسالة دكتوراه) / الخربوطلي / ط دار المعارف بمصر / ١٩٥٩

    * العقد الفريد / أحمد بن محمد بن عبد ربّه الأندلسي

    * عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب / ابن عتبة وفاة : ٨٢٨ / ط المطبعة الحيدرية النجف / ١٣٨٠

    * غاية الاختصار / ابن زهرة الحسيني

    * الغدير / العلامة الأميني وفاة : ١٣٩٢ / ط دار الكتاب العربي / بيروت ١٣٩٧

    * فتح الباري / ابن حجر العسقلاني وفاة : ٨٥٣ / ط دار المعرفة / بيروت

    * فتح القدير / للشوكاني وفاة : ١٢٥٥ / ط عالم الكتب

    * فتح الملك العلي / أحمد بن صديق المغربي / ط مكتبة أمير المؤمنين إصبهان / ١٤٠٣

    * الفتوح / ابن أعثم وفاة : ٣١٤ / ط دار الأضواء / ١٤١١

    * فتوح البلدان / البلاذري وفاة : ٢٧٩ / ط مكتبة النهضة المصرية

    * الفضائل / أحمد بن حنبل

    * قاموس الرجال / التستري (معاصر) / جامعة المدرسين قم ١٤١٩

    * الكافي / الكليني وفاة : ٣٢٩ / ط دار الكتب الإسلاميّة / ١٤٠٥

    * كامل‏ الزيارات / ابن قولويه وفاة : ٣٦٧ / ط مؤسسة النشر والثقافة / ١٤١٧

    * الكامل في التاريخ / ابن الأثير وفاة : ٦٣٠ / دار صادر / بيروت ١٣٨٦

    * الكامل في الضعفاء / عبد الله ابن عدي وفاة : ٣٦٥ / ط دار الفكر للطباعة والنشر / ١٤٠٩

    * كتاب التمهيد / القاضي أبو بكر محمد الطيب الباقلاني

    * كتاب العين / الخليل وفاة : ١٧٥) جامعة المدرسين / قم ١٤١٤




    * كتاب سليم بن قيس / سليم بن قيس وفاة : ٩٠ / تحقيق : محمد باقر الأنصاري

    * كشف الغمة / الأربلي وفاة : ٦٩٣ / ط دار الأضواء / بيروت ١٤٠٥

    * كشف المحجة إلى ثمرة المهجة / ابن طاووس وفاة : ٦٦٤ / ط المطبعة الحيدرية / النجف / ١٣٧٠

    * كشف اليقين / الحلي

    * كنز العمال / المتقي الهندي وفاة : ٩٧٥ / مؤسسة الرسالة / بيروت ١٤٠٩

    * لسان العرب / لابن منظور وفاة : ٧١١ / ط نشر أدب الحوزة قم ١٤٥٥

    * لسان الميزان / ابن حجر العسقلاني وفاة : ٨٥٣ / ط مؤسسة الأعلمي / بيروت ١٣٩٥

    * اللهوف في قتلى الطفوف / السيد ابن طاووس وفاة : ٦٦٤ / ط أنوار الهدى / ١٤١٧

    * مثير الأحزان / نجم الدين جعفر بن محمد بن نما وفاة : ٦٤٥ / ط الحيدرية / النجف / ١٣٦٩

    * المجروحين / ابن حبان وفاة : ٣٥٤ / تحقيق محمود إبراهيم زايد / ط دار الباز للنشر والتوزيع

    * مجلة المجمع العلمي بدمشق العدد : ١٣٤ / ٤٥٥

    * مجمع الزوائد / الهيثمي وفاة : ٨٠٧ / ط دار الكتب العلمية / بيروت ١٤٠٨

    * المختار بن عبيد الثقفي / الدكتور الخربوطلي / ط وزارة الثقافة والإرشاد القومي / المؤسسة المصرية العامة للنشر

    * مختصر صحيح البخاري / طبعة الموسوعة الذهبية

    * المدخل إلى دراسة مصادر السيرة والتاريخ / السيد سامي البدري

    * مراصد الاطلاع / صفي الدين البغدادي وفاة : ٧٣٩ / ط دارالمعرفة / بيروت

    * مروج الذهب / المسعودي وفاة : ٣٤٦ / ط دار الأندلس / بيروت ١٣٨٥

    * المسائل السروية / الشيخ المفيد وفاة : ٤١٣ / ط دار المفيد / ١٤١٤

    * المستدرك على الصحيحين / الحاكم النيسابوري وفاة : ٤٠٥ / تحقيق يوسف المرعشلي / ط دار المعرفة / بيروت
    ٥١٧

    * مسند أبي داود الطيالسي / سليمان بن داود الطيالسي وفاة : ٣٠٤ / ط دار المعرفة / بيروت

    * مسند أبي يعلى / أبو يعلى وفاة : ٣٠٧ / ط تحقيق حسين سليم أسد / دار المأمون

    * مسند أحمد بن حنبل / أحمد بن حنبل وفاة : ٢٤١ / ط دار صادر / بيروت

    * مسند الشاميين / الطبراني وفاة : ٣٦٠) مؤسسة الرسالة / بيروت ١٤١٧

    * مشاهير علماء الأمصار / ابن حبان وفاة : ٣٥٤ / ط دار الوفاء / المنصورة / ١٤١١

    * مشكل الآثار / الطحاوي وفاة : ٣٢١ / ط مجلس دائرة المعارف النظامية / حيدر آباد / الهند / ١٣٣٣

    * المصنف / ابن أبي شيبة وفاة : ٢٣٥ / ط دار الفكر / ١٤٠٩

    * المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية / ابن حجر العسقلاني / تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي

    * معالم المدرستين / العلامة العسكري / مؤسسة النعمان / بيروت ١٤١٠

    * المعجم الكبير / الطبراني وفاة : ٣٤٠ / ط دار إحياء التراث العربي

    * معجم رجال الحديث / الخوئي وفاة : ١٤١١ / ط الخامسة ١٤١٣

    * معرفة الثقاة / ابن حبان وفاة : ٣٥٤

    * المعرفة والتاريخ / للبسوي وفاة : ٣٧٧ / ط مطبعة الإرث بغداد

    * مقاتل الطالبيِّين / أبو الفرج الإصبهاني وفاة : ٣٥٦ / ط المكتبة الحيدرية / ١٣٨٥

    * مقتل الإمام الحسين / أبو مخنف وفاة : ١٥٧ / ط المطبعة العلمية / قم

    * مقتل الخوارزمي / للخوارزمي

    * المقنعة / الشيخ المفيد وفاة : ٤١٣ / ط جامعة المدرسين / ١٤١٠

    * مَنْ لا يحضره الفقيه / الصدوق وفاة : ٣٨١ / ط جامعة المدرسين / قم

    * مناهل الضرب / الأعرجي




    * موجز التاريخ الإسلامي / أحمد محمود العسيري

    * موسوعة التاريخ الإسلامي / الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي / ط مجمع الفكر الإسلامي / ١٤٣٠

    * الموطأ / للإمام مالك وفاة : ١٧٩ / ط دار إحياء التراث / ١٤٠٦

    * نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي / حسن فرحان المالكي / ط مؤسسة اليمامة / ١٤١٧

    * النصائح الكافية / محمد بن عقيل العلوي وفاة : ١٣٥٠ / ط دار الثقافة والطباعة / ١٤١٢

    * النهاية / ابن الأثير وفاة : ٦٠٦ / ط مؤسسة إسماعيليان / قم ١٤٠٦

    * نهج البلاغة / الشريف الرضي وفاة : ٤٠٦ / ط دار الذخائر / إيران / ١٤١٣

    * نيل الأوطار / الشوكاني وفاة : ١٢٥٥ / ط دار الجيل / بيروت ١٩٧٣

    * وسائل الشيعة / الحر العاملي وفاة : ١١٠٤ / ط مدرسة آل البيت / ١٤١٤

    * وقعة صفين / ابن مزاحم وفاة : ٢١٢ / ط الموسوعة العربية الحديثة / القاهرة / ١٣٨٢

    * ينابيع المودة / القندوزي وفاة : ١٢٩٤ / ط دار الأسوة / إيران / ١٤١٦

    ٥١٨

    المحتويات

    المقدمة.......................................................................................... ٩

    الباب الأوّل : بحوث تمهيديّة

    ١ ـ الأطروحات الأساسية لتي عرّفت بالحسين عليه‌السلام........................................... ١٣

    الأطروحة الاُمويّة ـ الحسين عليه‌السلام مارق عن الدين............................................. ١٣

    الأطروحة العباسية ـ الحسين عليه‌السلام ثائر شرعي غير أنّه أخطأ في تقديره الأمور................... ١٤

    أطروحة الأئمّة من ذرية الحسين عليهم‌السلام ـ الحسين عليه‌السلام وارث الأنبياء وإمام هدى................. ١٤

    ٢ ـ كتاب أبي مخنف حول مقتل الحسين عليه‌السلام وحركة المختار.................................. ١٦

    ٣ ـ الوظيفة الإلهية للأئمّة الاثني عشر عليهم‌السلام................................................... ٢٤

    الإمامة الإلهية لأهل البيت عليهم‌السلام لها نظير في الأمم السابقة....................................... ٢٤

    التناظر التكويني بين الأئمّة من أهل البيت والأئمة من بني إسرائيل................................ ٢٥

    ما هي الوظيفة الإلهية لأهل البيت عليهم‌السلام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله؟........................................ ٢٦

    نظرية الحكم الإسلامي في الفكر الإمامي الاثني عشري......................................... ٢٧

    المراحل التاريخية لعمل الأئمّة عليهم‌السلام في مواجهة الفتن ، والضلالات الأساسية...................... ٢٩

    ٤ ـ خلاصة بالواقع التاريخي لسيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي والحسن عليهما‌السلام في أداء وظيفتهم الإلهية قبل حركة الحسين عليه‌السلام ٣١

    عهد النبوة الخاتمة........................................................................... ٣١

    عهد خلافة قريش المسلمة................................................................... ٣٤

    حركة علي عليه‌السلام لإحياء السنّة النبوية......................................................... ٣٧

    صلح الحسن عليه‌السلام لحفظ وحدة القبلة وتثقيف أهل الشام بالسنة.................................. ٤٠

    ضلالة بني اُميّة.............................................................................. ٤٢

    المعركة حول الهداية......................................................................... ٤٤

    الباب الثاني : الانقلاب الأموي

    الفصل الأول : معاوية ينقض عهده مع الحسن عليه‌السلام............................................. ٤٩
    ٥١٩

    بنو اُميّة في حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله................................................................ ٤٩

    معاوية ينقض عهوده مع الحسن عليه‌السلام......................................................... ٥٢

    استلحاق زياد.............................................................................. ٥٦

    معاوية يستصفي الذهب والفضة من الغنائم.................................................... ٥٩

    لعن علي عليه‌السلام وسبه على المنابر.............................................................. ٦١

    المنع من نشر حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حق علي عليه‌السلام............................................. ٧١

    اختلاق أخبار قبيحة في علي وأهل بيته عليهم‌السلام.................................................. ٧٢

    اختلاق الفضائل في الخلفاء الأوائل وفي بني اُميّة................................................ ٧٦

    ترويع شيعة علي عليه‌السلام....................................................................... ٧٨

    الفصل الثاني : خطّة معاوية لتصفية التشيّع في الكوفة............................................ ٧٩

    عقبتان أمام مخطط معاوية بعد وفاة الحسن عليه‌السلام................................................ ٧٩

    الجيش والشرطة............................................................................. ٨٠

    المرحلة الأولى في حياة الحسن عليه‌السلام........................................................... ٨٠

    المرحلة الثانية بعد وفاة الحسن عليه‌السلام........................................................... ٨٠

    إجراءات زياد بن عبيد الثقفي في الكوفة...................................................... ٨١

    الفصل الثالث : مقتل حجر بن عدي وأصحابه.................................................. ٨٨

    ترجمة حجر................................................................................ ٨٨

    سبب قتل حجر............................................................................ ٨٩

    شهادة الزور وشهداء الزور.................................................................. ٩١

    حجر ومن معه في مرج عذراء.............................................................. ١٠١

    البراءة من علي عليه‌السلام أو القتل............................................................... ١٠٣

    أصداء قتل حجر.......................................................................... ١٠٥

    الكوفة بعد قتل حجر رضي‌الله‌عنه................................................................ ١٠٨

    رشيد الهجري............................................................................. ١١٠

    جويرية بن مسهر.......................................................................... ١١١

    نجاح تخطيط معاوية في الكوفة.............................................................. ١١٢

    الفصل الرابع : أطروحة معاوية للحكم........................................................ ١١٧

    الحاكم الأموي خليفة الله................................................................... ١١٧

    عهد الوليد بن يزيد بن عبد الملك........................................................... ١١٨

    وخلاصة هذا العهد أمور................................................................... ١٢١

    ادعاء معاوية الخلافة عن الله تعالى........................................................... ١٢١
    ٥٢٠

    روايات موضوعة لإسناد الأطروحة الاُمويّة................................................... ١٢٣

    فتوح البلدان غطاء عام للانقلاب الأموي.................................................... ١٢٥

    جيش خليفة الله........................................................................... ١٢٩

    خلاصة بما قام به معاوية وولاته............................................................. ١٣٢

    خلاصة بمعالم الضلال الأموي............................................................... ١٣٣

    الباب الثالث : حركة الحسين عليه‌السلام في مواجهة الانقلاب الأموي

    الفصل الأول : السكوت والعمل السري في عهد معاوية....................................... ١٣٩

    خلاصة خطبة معاوية....................................................................... ١٣٩

    رد فعل الأمة إزاء غدر معاوية.............................................................. ١٤١

    الحسين عليه‌السلام بين موقفين................................................................... ١٤٣

    خطة الحسين عليه‌السلام في التغيير................................................................ ١٤٦

    نشاط الحسين عليه‌السلام زمن معاوية............................................................. ١٤٧

    رسالة الحسين عليه‌السلام إلى معاوية بعد قتل حجر وأصحابه....................................... ١٤٨

    الوليد بن عتبة يحجب أهل العراق عن الحسين بعد سنة ٥٧ هجرية............................. ١٥١

    مؤتمر الشيعة في الحج قبل موت معاوية بسنة.................................................. ١٥١

    الفصل الثاني : نهضة الحسين عليه‌السلام للتغيير بعد موت معاوية..................................... ١٥٣

    الحسين عليه‌السلام لا يبايع ليزيد................................................................. ١٥٣

    ماذا تعني البيعة؟........................................................................... ١٥٣

    خلاصة السياسة الاُمويّة.................................................................... ١٥٣

    الموقف المترقب من الحسين عليه‌السلام إزاء السياسة الاُمويّة......................................... ١٥٥

    الحسين عليه‌السلام لا يبايع ليزيد................................................................. ١٥٩

    الحسين عليه‌السلام في مكّة...................................................................... ١٥٩

    عبد الله بن عباس...................................................................... ١٥٩

    عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.......................................................... ١٥٩

    محمد بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام المعروف بابن الحنفيّة.................................... ١٦٠

    العباس بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام...................................................... ١٦٠

    مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليهم‌السلام...................................................... ١٦٠

    أحاديث الحسين عليه‌السلام في مكّة.............................................................. ١٦٠

    الكوفة المستضعفة تستجيب للحسين عليه‌السلام................................................... ١٦٥

    موقف السلطة الاُمويّة من حركة الحسين عليه‌السلام............................................... ١٦٨
    ٥٢١

    قتل مسلم وهانئ.......................................................................... ١٧٠

    قطع الطرق ومحاصرة الحسين عليه‌السلام.......................................................... ١٧٢

    الفصل الثالث : طرف من أخبار شهادة الحسين عليه‌السلام وأهل بيته وأصحابه (رضوان الله عليهم)... ١٨٥

    شمر يأخذ الأمان للعباس وأخوته............................................................ ١٨٥

    خيل الله تستعد لغزو الحسين عليه‌السلام.......................................................... ١٨٦

    الحسين عليه‌السلام يطلب إمهاله ليلة العاشر من المحرم.............................................. ١٨٧

    كلام الحسين عليه‌السلام مع أصحابه ليلة العاشر................................................... ١٨٧

    سرور برير الهمداني بالشهادة............................................................... ١٨٩

    تعبئة الحسين عليه‌السلام أصحابه................................................................. ١٩٠

    تعبئة عمر بن سعد جيشه................................................................... ١٩١

    دعاء الحسين عليه‌السلام يوم العاشر.............................................................. ١٩١

    خطاب الحسين عليه‌السلام يوم العاشر............................................................ ١٩٢

    ندم الحر وتوبته............................................................................ ١٩٥

    الحسين عليه‌السلام يكره أن يبدأهم بقتال......................................................... ١٩٦

    شهادة عبد الله بن عمير الكلبي............................................................. ١٩٦

    شهادة برير............................................................................... ١٩٧

    عمرو بن قرظة الأنصاري.................................................................. ١٩٨

    شهادة مسلم بن عوسجة.................................................................. ١٩٨

    شهادة عابس بن شبيب.................................................................... ١٩٩

    شهادة نافع............................................................................... ٢٠٠

    هجوم جيش ابن سعد على أصحاب الحسين عليه‌السلام........................................... ٢٠٠

    آخر صلاة للحسين عليه‌السلام وأصحابه......................................................... ٢٠١

    شهادة حبيب بن مظاهر................................................................... ٢٠٢

    شهادة الحنفي............................................................................. ٢٠٣

    شهادة زهير بن القين...................................................................... ٢٠٣

    شهادة بقية أصحاب الحسين عليه‌السلام.......................................................... ٢٠٣

    شهادة ذرية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وآل أبي طالب عليهم‌السلام............................................. ٢٠٤

    شهادة العباس بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام.................................................. ٢٠٦

    شهادة عبد الله الرضيع..................................................................... ٢٠٧

    شهادة الإمام الحسين عليه‌السلام................................................................. ٢٠٧

    الخيول تطأ جسد الحسين عليه‌السلام............................................................. ٢١٠
    ٥٢٢

    يدفنون قتلاهم ويتركون الحسين عليه‌السلام وقتلاه................................................. ٢١٠

    بنات الحسين عليه‌السلام وأخواته سبايا........................................................... ٢١٠

    زينب عليها‌السلام وابن زياد..................................................................... ٢١٢

    شهادة عبد الله بن عفيف الأزدي........................................................... ٢١٣

    موقف زيد بن أرقم........................................................................ ٢١٤

    تسيير الرؤوس وعيال الحسين عليه‌السلام إلى الشام................................................. ٢١٥

    علي بن الحسين عليه‌السلام يواصل عمله التبليغي وهو أسير......................................... ٢١٥

    يزيد يستقبل الرؤوس وسبابا آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.................................................. ٢١٧

    أحد أحبار اليهود يستنكر على يزيد......................................................... ٢١٧

    يزيد يتمثل بأبيات ابن الزبعرى.............................................................. ٢١٨

    خطبة زينب عليها‌السلام في مجلس الخلافة.......................................................... ٢١٩

    خطبة السجّاد عليه‌السلام في مسجد دمشق....................................................... ٢٢٢

    حديث علي بن الحسين عليه‌السلام مع المنهال..................................................... ٢٢٤

    انكسار حاجز الخوف عند البعض.......................................................... ٢٢٤

    خبر قتل الحسين عليه‌السلام في المدينة............................................................. ٢٢٥

    إرجاع ذرية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله غلى مدينة جدّهم................................................ ٢٢٦

    وصول آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى كربلاء........................................................ ٢٢٧

    إقامة العزاء في مدينة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله............................................................. ٢٢٧

    الباب الرابع : آثار نهضة الحسين عليه‌السلام وشهادته

    مقدمة الباب : الواقع السياسي والفكري وحال الأمة خلال سبعين سنة من قتل الحسين عليه‌السلام.... ٢٣١

    الفصل الأول : ردود الفعل السريعة لمقتل الحسين عليه‌السلام........................................ ٢٣٥

    المسلمون زمن الحسين عليه‌السلام إما ناصرون وإما خاذلون وإما قاتلون............................. ٢٣٥

    نماذج ممن استاء لقتله عليه‌السلام................................................................. ٢٣٦

    زوجة خولّي........................................................................... ٢٣٦

    زوجة كعب بن جابر................................................................... ٢٣٧

    مرجانة أمّ عبيد الله..................................................................... ٢٣٧

    عبد الله بن الزبير....................................................................... ٢٣٧

    عثمان بن زياد أخو عبيد الله............................................................ ٢٣٨

    ممن ندم على خذلانه عبيد الله بن الحرّ....................................................... ٢٣٨

    ممن ندم على مقاتلته....................................................................... ٢٤١
    ٥٢٣

    الفصل الثاني : تتابع الثورات وانهيار الحكم الأموي............................................ ٢٤٣

    سير الحوادث خلال سبعين سنة من قتل الحسين عليه‌السلام......................................... ٢٤٣

    ثورة أهل المدينة............................................................................. ٢٤٦

    رواية زهير بن أبي خيثمة وخليفة بن خياط................................................... ٢٤٦

    رواية محمد بن سعد........................................................................ ٢٤٨

    رواية أبي مخنف............................................................................ ٢٥٠

    مقتل معقل بن سنان الأشجعي.............................................................. ٢٥١

    علي بن الحسين عليه‌السلام لم يشترك في واقعة الحرة............................................... ٢٥٣

    موت مسرف بن عقبة...................................................................... ٢٥٥

    جيش الخلافة يحرق الكعبة.................................................................. ٢٥٧

    حركة عبد الله بن الزبير ٦٤ ـ ٧٢.......................................................... ٢٥٩

    ترجمة عبد الله بن الزبير.................................................................... ٢٥٩

    الحرب بين ابن الزبير والحجّاج.............................................................. ٢٦٥

    مقتل ابن الزبير............................................................................ ٢٦٦

    الحجّاج يختم أعناق أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله..................................................... ٢٦٧

    حركة الشيعة في الكوفة سنة ٦٥ ـ ٦٧...................................................... ٢٦٨

    الكوفة بعد موت يزيد...................................................................... ٢٦٨

    خطة الشيعة في التحرك.................................................................... ٢٧٠

    حركة سليمان بن صرد...................................................................... ٢٧٣

    حركة المختار بن أبي عبيد الثقفي............................................................. ٢٧٦

    ترجمة المختار............................................................................. ٢٧٦

    المختار يكمل بقية الأشواط في خطة الحسين عليه‌السلام............................................ ٢٨٢

    خلاصة حركة المختار..................................................................... ٢٨٤

    الثورة الشعبية للمستضعفين من شيعة علي عليه‌السلام.............................................. ٢٨٦

    بيعة عامة الكوفيين للمختار................................................................ ٢٨٩

    المختار يولي الولاة......................................................................... ٢٩٠

    أمر المختار مع شريح بن هانئ.............................................................. ٢٩٠

    المختار يخلص ابن الحنفيّة من إرهاب ابن الزبير............................................... ٢٩٠

    الحرب مع أهل الشام...................................................................... ٢٩٢

    المختار يحيي مدرسة علي عليه‌السلام في الكوفة................................................... ٢٩٣

    موقف الزبير من متعة الحج.................................................................. ٢٩٤
    ٥٢٤

    بعض روايات زيد بن أرقم (ت ٦٨) أيام المختار............................................. ٢٩٥

    الحرب بين مصعب والمختار................................................................ ٣٠٣

    مصعب يقتل سبعة آلاف من الشيعة صبراً.................................................... ٣٠٥

    مصعب يقتل زوجة المختار بفتوى أخيه عبد الله.............................................. ٣٠٨

    عبد الله بن الزبير يحيي سيرة الشيخين في الكوفة.............................................. ٣١٠

    عبد الله بن الزبير يطعن أهل العراق.......................................................... ٣١١

    العراق تحت إمرة بني مروان.................................................................. ٣١٤

    مقتل مصعب وانتصار عبد الملك............................................................ ٣١٥

    العراق تحت إمرة الحجّاج.................................................................... ٣١٧

    ثورات العراقيين على الحجّاج.............................................................. ٣١٩

    تمرّد عبد الله بن الجارود.................................................................... ٣١٩

    ثورة مطرف بن المغيرة بن شعبة............................................................. ٣١٩

    ثورة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس ٨١ ـ ٨٤ هجرية............................. ٣٢٠

    هزيمة الحجّاج............................................................................. ٣٢٢

    وقعة دير الجماجم وفشل ثورة ابن الأشعث.................................................. ٣٢٤

    انتقام الحجّاج من أهل الكوفة.............................................................. ٣٣٠

    مقتل كميل بن زياد........................................................................ ٣٣٢

    الكوفة على عهد الوليد.................................................................... ٣٣٥

    ثورة زيد بن علي عليه‌السلام...................................................................... ٣٣٨

    قصيدة الفضل بن عبد الرحمن المطلبي........................................................ ٣٤١

    ثورة العباسيِّين وسقوط دولة بني اُميّة مشاهد من انهيار دولة بني اُميّة على يد العباسيِّين........... ٣٤٤

    هزيمة مروان الحمار ومقتله................................................................. ٣٤٤

    مما قيل من الشعر في التحريض على قتل بني اُميّة.............................................. ٣٤٥

    أخبار متفرقة في انتقال الملك من بني اُميّة إلى بني العباس....................................... ٣٤٨

    الفصل الثالث : إعادة انتشار أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم‌السلام والروايات الصحيحة في السيرة والتاريخ ٣٦٨

    تحقق أهداف الحسين عليه‌السلام................................................................. ٣٦٨

    تفهيم الأمة أن الدين يدعو إلى الإطاحة ببني اُميّة.............................................. ٣٧٠

    انكسار الطوق المفروض على حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم‌السلام............................ ٣٧٢

    روايات اُمّ سلمة (ت ٦١)................................................................. ٣٧٥

    روايات مصعب بن عبد الرحمن بن عوف.................................................... ٣٧٨

    روايات أبي سعيد الخدري (ت ٦٤)......................................................... ٣٧٩
    ٥٢٥

    روايات عبد الله بن عباس (ت ٦٨)......................................................... ٣٨٦

    روايات جابر بن عبد الله الأنصاري (ت ٧٤)................................................ ٤٠٠

    روايات سلمة بن الأكوع (ت ٧٤)......................................................... ٤٠٦

    روايات سهل بن سعد الساعدي (ت ٩١)................................................... ٤٠٧

    روايات زيد بن أرقم (ت ٦٨).............................................................. ٤٠٧

    روايات البراء بن عازب (ت ٧٢)........................................................... ٤١٣

    روايات عامر بن واثلة (ت ١١٠)........................................................... ٤١٥

    روايات أنس بن مالك (ت ٩٠)............................................................ ٤١٩

    روايات بريدة بن الحصيب (ت ٦٢)........................................................ ٤٢٥

    روايات أبي برزة الأسلمي (ت ٦٤)........................................................ ٤٢٨

    روايات واثلة بن الأسقع (ت ٨٥).......................................................... ٤٢٨

    روايات الحارث الأعور الهمداني (ت ٦٥)................................................... ٤٢٩

    روايات الأصبغ بن نباتة (ت بعد سنة ٧٠)................................................... ٤٣٠

    عاصم بن أبي ضمرة (ت ٧٤).............................................................. ٤٣٤

    روايات حبة بن جوين العرني (ت ٧٦)...................................................... ٤٣٥

    روايات أبي البختري (قتل ٨٢)............................................................. ٤٣٩

    روايات زاذان (ت ٨٢)................................................................... ٤٤٠

    روايات زر بن حبيش (ت ٨١) وهو ابن مئة واثنتان وعشرون سنة............................. ٤٤٢

    روايات عبد الله بن الحارث بن نوفل (ت ٨٤)............................................... ٤٤٣

    روايات عبد الرحمن بن أبي ليلى (قتل ٨٢)................................................... ٤٤٦

    روايات قيس بن عباد (قتله الحجّاج ٨٣).................................................... ٤٤٩

    روايات زيد بن وهب الجهني (ت ٨٤ وقيل : ٩٦)........................................... ٤٤٩

    روايات مسلم بن صبيح (ت ١٠٠)......................................................... ٤٥٤

    الفصل الرابع : حركة الأئمة من ذرية الحسين عليهم‌السلام............................................ ٤٥٥

    أهل البيت عليهم‌السلام يعرضون على الأمة من جديد................................................ ٤٥٥

    ذرية الحسن بن علي عليه‌السلام.................................................................... ٤٥٧

    الحسن المثنى بن الحسن عليه‌السلام................................................................ ٤٥٧

    زيد بن الحسن بن علي عليه‌السلام............................................................... ٤٦٥

    ذرية الحسين عليه‌السلام........................................................................... ٤٦٩

    علي بن الحسين عليهما‌السلام.................................................................... ٤٦٩

    محمد الباقر عليه‌السلام.......................................................................... ٤٧٢
    ٥٢٦

    جعفر الصادق عليه‌السلام....................................................................... ٤٧٢

    البكاء على الحسين عليه‌السلام والحزن عليه....................................................... ٤٧٣

    نشر أحاديث علي عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله..................................................... ٤٧٤

    حصة الكوفة من نشاط الأئمة عليهم‌السلام........................................................ ٤٧٥

    خلاصة................................................................................... ٤٧٦

    الباب الخامس : خلاصة وخاتمة

    الحسين عليه‌السلام المظلوم الفاتح................................................................ ٤٨١

    حركة الواقع السياسي والاجتماعي......................................................... ٤٩٠

    التغيير المطلوب............................................................................ ٤٩١

    الحسين عليه‌السلام هو الوحيد المعني بالتغيير المطلوب القادر عليه.................................... ٤٩٢

    الحسين عليه‌السلام عدة إلهية لتحقيق التغيير المطلوب............................................... ٤٩٣

    خطة الحسين عليه‌السلام لتحقيق التغيير........................................................... ٤٩٥

    معالم التغيير بعد شهادة الحسين عليه‌السلام........................................................ ٥٠٤

    خلاصة................................................................................... ٥٠٨

    الأعلام المترجم لهم في الكتاب............................................................... ٥١٣

    المصادر والمراحع............................................................................ ٥١٥

    المحتويات................................................................................... ٥١٩

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
     مواضيع مماثلة
    -
    » طب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم
    » المبحث الثاني في الامامة العامة وهي الخلافة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
    » الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الاموي
    » الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ
    » الامام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: -28- منتدى موسوعة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام-
    انتقل الى: