الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
اهل البيت
المواضيع الأخيرة
» تعبير عن التواضع
اعراب القرأن ج1 Emptyأمس في 2:32 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  آيات قرآنية عن التواضع
اعراب القرأن ج1 Emptyأمس في 2:30 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  كلمات في التواضع
اعراب القرأن ج1 Emptyأمس في 2:27 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» أجمل عبارات عن التواضع
اعراب القرأن ج1 Emptyأمس في 2:25 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» مقالة عن التسامح
اعراب القرأن ج1 Emptyأمس في 2:11 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  تعبير حول التسامح
اعراب القرأن ج1 Emptyأمس في 2:09 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» ما هو العفو والتسامح
اعراب القرأن ج1 Emptyأمس في 9:43 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» تعريف التسامح الفكري
اعراب القرأن ج1 Emptyأمس في 9:41 am من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مفهوم التسامح لغةً
اعراب القرأن ج1 Emptyأمس في 9:37 am من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     اعراب القرأن ج1

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2892
    نقاط : 4517
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اعراب القرأن ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: اعراب القرأن ج1   اعراب القرأن ج1 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 7:22 am

    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
    تمهيد لا تقديم
    هذا الكتاب يحمل اسم «إعراب القرآن» ويحمل إلى جانب هذا العنوان اسم مؤلف: هو «الزجّاج».
    وحول اسم الكتاب ، وحول اسم المؤلف دراسة ، سيكون مكانها في آخر الكتاب مع الفهارس.
    من أجل هذا جعلت هذه الكلمة تمهيدا لا تقديما ، أردت أن أشير إلى هذا الذي شككت فيه ، وإلى هذا الذي أنتويه. كما أردت أن أشير إلى أن هذه التقسمة ، التي ستخرج بالكتاب في أقسام ثلاثة ـ هذا أولها ـ ليست من صنع المؤلف ، فلقد جعل المؤلف كتابه أبوابا تبلغ التسعين ، لم يفعل غير هذا ، وجعلته أنا أقساما يمليها الحجم ويمليها التيسير ؛ يضم كل قسم أبوابا كاملة. ولسوف يضم هذا القسم الأول تسعة عشر بابا. ولسوف تمضي صفحات الأقسام متصلة ، لتكون مجموعها كتابا واحدا ، تفصل بينه هذه التجزئة ، ولتستوي فهارسه في يسر لا يضار بتلك التجزئة.
    هذا ما أردت أن أمهد به ، لأصل القارئ بالكتاب وبعملي ، فلا يسبق بالاستدراك عليّ قبل أن يبلغ الكتاب أجله.
    وإلى اللقاء مع هذه الدراسة التي أرجو أن ينفعني فيها المضي في الكتاب إلى آخره تحقيقا ، وأن يعينني عليها الاستيعاب الكامل بما يكشف ، والتنقيب المتصل بما ينفع ، والله المستعان.
    إبراهيم الأبياري


    بسم الله الرّحمن الرّحيم
    مقدّمة المؤلف
    الباب الأول ما ورد في التنزيل من إضمار الجمل.
    الباب الثاني ما جاء في التنزيل من حذف المضاف.
    الباب الثالث ما جاء في التنزيل معطوفا بالواو والفاء وثم من غير ترتيب الثاني على الأول.
    الباب الرابع ما جاء في التنزيل وقد حذف منه حرف الجر.
    الباب الخامس ما جاء في التنزيل وقد زيدت فيه «لا» و «ما» ، وفي بعض ذلك اختلاف وفي بعض ذا اتفاق.
    الباب السادس ما جاء في التنزيل من الأسماء التي سميت بها الأفعال.
    الباب السابع ما جاء في التنزيل من أسماء الفاعلين مضافة إلى ما بعدها بمعنى الحال أو الاستقبال. الباب الثامن ما جاء في التنزيل من إجراء «غير» في الظاهر على المعرفة.
    الباب التاسع ما جاء في التنزيل من كاف الخطاب المتصلة بالكلمة ولا موضع لها من الإعراب.
    الباب العاشر ما جاء في التنزيل من المبتدأ ويكون الاسم على إضمار المبتدأ وقد أخبر عنه بخبرين.
    الباب الحادي عشر ما جاء في التنزيل من الإشمام والروم.
    الباب الثاني عشر ما جاء في التنزيل ويكون الجار والمجرور في موضع الحال محتملا ضميرا من صاحب الحال.

    الباب الثالث عشر ما جاء في التنزيل دالا على جواز تقديم خبر المبتدأ.
    الباب الرابع عشر ما جاء في التنزيل وقد حذف الموصوف وأقيم صفته مقامه.
    الباب الخامس عشر ما جاء في التنزيل من حذف الجار والمجرور.
    الباب السادس عشر ما جاء في التنزيل وقد حذف منه همزة الاستفهام.
    الباب السابع عشر ما جاء في التنزيل من اجتماع الهمزتين.
    الباب الثامن عشر ما جاء في التنزيل من لفظ «من» و «ما» و «الذي» و «كل» و «أحد» وغير ذلك.
    الباب التاسع عشر ما جاء في التنزيل من ازدواج الكلام والمطابقة والمشاكلة وغير ذلك.
    الباب العشرون ما جاء في التنزيل من حذف المفعول أو المفعولين.
    الباب الحادي والعشرون ما جاء في التنزيل من الظروف التي يرتفع ما بعدهن بهن.
    الباب الثاني والعشرون ما جاء في التنزيل من «هو» و «أنت» فصلا ويسميه الكوفيون «العماد».
    الباب الثالث والعشرون ما جاء في التنزيل من المضمرين إلى أي شيء يعود مما قبلهم.
    الباب الرابع والعشرون ما جاء في التنزيل وقد بدل الاسم من المضمر الذي قبله والمظهر. الباب الخامس والعشرون ما جاء في التنزيل من الكلمات التي فيها همزة ساكنة.
    الباب السادس والعشرون ما جاء في التنزيل من العطف على الضمير المرفوع.
    الباب السابع والعشرون ما جاء في التنزيل مما لحقت فيه إن التي للشرط وما لحقت النون فعل الشرط.
    الباب الثامن والعشرون ما جاء في التنزيل عقب اسمين كفيا عن أحدهما اكتفاء بذكره.

    الباب التاسع والعشرون ما جاء في التنزيل مما صار الفعل فيه عوضا عن نقصان لحق الكلمة.
    الباب الثلاثون ما جاء في التنزيل وقد حمل فيه اللفظ على المعنى ، وحكم عليه بما يحكم على معناه لا على اللفظ.
    الباب الحادي والثلاثون ما جاء في التنزيل من حذف «إن» وحذف المصادر والفصل بين الصلة والموصول.
    الباب الثاني والثلاثون ما جاء في التنزيل من حذف حرف النداء والمنادى.
    الباب الثالث والثلاثون ما جاء في التنزيل وقد حذف منه المضاف إليه.
    الباب الرابع والثلاثون ما جاء في التنزيل من حروف الشرط
    ودخلت عليه اللام الموطئة للقسم.
    الباب الخامس والثلاثون ما جاء في التنزيل من التجريد.
    الباب السادس والثلاثون ما جاء في التنزيل من الحروف الزائدة في تقدير وهي غير زائدة في تقدير آخر.
    الباب السابع والثلاثون ما جاء في التنزيل من التقديم والتأخير وغير ذلك.
    الباب الثامن والثلاثون ما جاء في التنزيل من اسم الفاعل الذي يتوهم فيه جريه على غير من هو له ، ولم يبرز فيه الضمير.
    الباب التاسع والثلاثون ما جاء في التنزيل نصبا على المدح ورفعا عليه.
    الباب الأربعون ما جاء في التنزيل من المبتدأ المحذوف خبره.
    الباب الحادي والأربعون ما جاء في التنزيل من «إن» المكسورة المخففة من «إنّ».
    الباب الثاني والأربعون ما جاء في التنزيل من المفرد ويراد به الجمع.
    الباب الثالث والأربعون ما جاء في التنزيل من المصادر المنصوبة بفعل المضمر دل عليه ما قبله.
    الباب الرابع والأربعون ما جاء في التنزيل من دخول لام إن على اسمها وخبرها. الباب الخامس والأربعون ما جاء في التنزيل وفيه اختلاف بين سيبويه وأبي العباس.

    الباب السادس والأربعون ما جاء في التنزيل من إدخال همزة الاستفهام على الشرط والجزاء.
    الباب السابع والأربعون ما جاء في التنزيل من إضمار الحال والصفة جميعا.
    الباب الثامن والأربعون ما جاء في التنزيل من الجمع يراد به التثنية.
    الباب التاسع والأربعون ما جاء في التنزيل منصوبا على المضاف إليه.
    الباب الخمسون ما جاء في التنزيل وإن فيه بمعنى أي.
    الباب الحادي والخمسون ما جاء في التنزيل من المضاعف وقد أبدلت من لامه حرف لين.
    الباب الثاني والخمسون ما جاء في التنزيل من حذف واو العطف.
    الباب الثالث والخمسون ما جاء في التنزيل من الحروف التي أقيم بعضها مقام بعض.
    الباب الرابع والخمسون ما جاء في التنزيل من اسم الفاعل المضاف إلى المكنى.
    الباب الخامس والخمسون ما جاء في التنزيل في جواب الأمر.
    الباب السادس والخمسون ما جاء في التنزيل من المضاف الذي اكتسب من المضاف إليه بعض أحكامه.
    الباب السابع والخمسون ما جاء في التنزيل وصار المضاف إليه عوضا عن شيء محذوف.
    الباب الثامن والخمسون ما جاء في التنزيل معطوفا وليس المعطوف مغايرا للمعطوف عليه.
    الباب التاسع والخمسون ما جاء في التنزيل من التاء في المضارع.
    الباب الستون ما جاء في التنزيل من واو الحال تدخل على الجملة من الفعل والفاعل.
    الباب الحادي والستون ما جاء في التنزيل من حذف «هو» من الصلة.
    الباب الثاني والستون ما جاء في التنزيل من إجراء غير اللازم مجرى اللازم ، وإجراء اللازم مجرى غير اللازم.
    الباب الثالث والستون ما جاء في التنزيل من الحروف المحذوفة لشبهها بالحركات.

    الباب الرابع والستون ما جاء في التنزيل أجرى فيه الوصل مجرى الوقف.
    الباب الخامس والستون ما جاء في التنزيل من باب النسب. الباب السادس والستون ما جاء في التنزيل أضمر فيه المصدر لدلالة الفعل عليه.
    الباب السابع والستون ما جاء في التنزيل على وزن مفعل بفتح العين ويراد به المصدر ويوهمك أنه مكان.
    الباب الثامن والستون ما جاء من حذف إحدى التاءين في أول المضارع.
    الباب التاسع والستون ما جاء في التنزيل حمل فيه الاسم على الموضع دون اللفظ.
    الباب السبعون ما جاء في التنزيل حمل فيه ما بعد إلا على ما قبله وقد تم الكلام.
    الباب الحادي والسبعون ما جاء في التنزيل وقد حذف منه ياء النسب.
    الباب الثاني والسبعون ما جاء في التنزيل وقد أبدل المستثنى من المستثنى منه.
    الباب الثالث والسبعون ما جاء في التنزيل وأنت تظنه فعلت الضرب في معنى ضربته.
    الباب الرابع والسبعون ما جاء في التنزيل مما تخرج على أبنية التصريف.
    الباب الخامس والسبعون ما جاء في التنزيل من القلب والإبدال.
    الباب السادس والسبعون ما جاء في التنزيل من إذا الزمانية
    وإذا المكانية وغير ذلك.
    الباب السابع والسبعون ما جاء في التنزيل من أحوال النون عند الحروف.
    الباب الثامن والسبعون ما جاء في التنزيل وقد وصف المضاف بالمبهم.
    الباب التاسع والسبعون ما جاء في التنزيل وذكر الفعل وكنى عن مصدره.
    الباب الثمانون ما جاء في التنزيل وعبر عن العقلاء بلفظ العقلاء.
    الباب الحادي والثمانون ما جاء في التنزيل وظاهره يخالف ما في كتاب سيبويه ، وربما يشكل على البزّل الحذّاق فيغفلون عنه.
    الباب الثاني والثمانون ما جاء في التنزيل من اختلافهم في لفظة «ما» من أي قسمة هي؟

    الباب الثالث والثمانون ما جاء في التنزيل من تفنن الخطاب والانتقال من الغيبة إلى الخطاب ، ومن الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى المتكلم.
    الباب الرابع والثمانون نوع آخر من إضمار الذكر.
    الباب الخامس والثمانون ما جاء في التنزيل حمل فيه الفعل على موضع الفاء في جواب الشرط فجزمه.
    الباب السادس والثمانون ما جاء في التنزيل وقد رفض فيه الأصل واستعمل ما هو فرع.
    الباب السابع والثمانون ما جاء في التنزيل من القراءة التي رواها سيبويه في كتابه.
    الباب الثامن والثمانون وهذا نوع آخر من القراءات.
    الباب التاسع والثمانون ما جاء في التنزيل من ألفاظ استعملت استعمال القسم وأجيبت بجواب القسم.
    الباب التسعون ما جاء في التنزيل من الأفعال المفرغة لما بعد إلا.
    فهذه تسعون بابا أخرجتها من التنزيل بعد فكر وتأمّل ؛ وطول الإقامة على درسه ، ليتحقّق للناظر فيه قول القائل : (1)
    أحبب النّحو من العلم فقد
    يدرك المرء به أعلى الشّرف

    إنما النّحويّ في مجلسه
    كشهاب ثاقب بين السّدف

    يخرج القرآن من فيه كما
    تخرج الدّرة من بين الصّدف

    وأنشد أبو الحسن الكسائي : (1)
    إنما النحو قياس يتّبع
    وبه في كل أمر ينتفع

    فإذا ما أبصر النحو الفتى
    مرّ في المنطق مرّا فاتسع

    __________________
    (1) نسبت هذه الأبيات لجامع العلوم علي بن الحسين (إثبات الرواة : 2 : 249 ، بنية الوعاة : 2 : 160 ومعجم الأدباء : 13 : 116).
    (2) هو أبو الحسن علي بن الكسائي إمام في اللغة والنحو والقراءة ، من أهل الكوفة وكانت وفاته سنة تسع وثمانين ومائة (189 ه‍) (إنباه الرواة : 2 : 256).


    واتّقاه كلّ من جالسه
    من جليس ناطق أو مستمع

    وإذا لم يبصر النحو الفتى
    هاب أن ينطق جبنا (2) فانقمع

    فتراه ينصب الجرّ وما
    كان من نصب ومن جرّ (3) رفع

    يقرأ القرآن لا يعرف ما
    صرّف الإعراب فيه وصنع

    وإذا يبصره (4) يقرؤه
    وإذا ما شكّ في حرف رجع

    ناظرا فيه وفي إعرابه
    فإذا ما عرف الحقّ (5) صدع

    __________________
    (2) في إنباه الرواة (2 : 267) : «فانقطع».
    (3) رواية البيت في إنباه الرواة :
    فتراه ينصب الرفع وما
    كان من نصب ومن خفض رفع

    (4) في إنباه الرواة : «يعرفه».
    (5) في إنباه الرواة : «اللحن».


    الأول
    هذا باب ما ورد في التنزيل من إضمار الجمل
    ولا شك أنك قد عرفت الجمل ، ألا ترى أنهم زعموا أنّ الجمل اثنتان (1) : فعليّة واسميّة ، وقد ورد القبيلان فى التّنزيل.
    وذكر إضمار الجمل سيبويه فى مواضع : من ذلك قوله :
    «العباد مجزيّون بأعمالهم ، إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشر» (2) أي إن عملوا خيرا فالمجزىّ به خير.
    ومثله :
    «هذا ولا زعماتك» (3) ، أي : ولا أتوهّم. أو : «فرقا خير من حب» (4) ، أي : أفرق (5).
    __________________
    (1) في الأصل : «اثنان».
    (2) هو من شواهد النحو ، ويروى «الناس مجزيون بأعمالهم» إلخ.
    (3) هذا مثل ، يقال لمن يزعم زعمات ويصح غيرها. أي هذا هو الحق ولا أتوهم زعماتك وما زعمت.
    ومنه قول ذي الرمة :
    لقد خط رومى ولا زعماته
    لعتبة خطا لم تطبق مفاصله

    وانظر الكتاب لسيبويه (1 : 141) وشرح المفصل لابن يعيش (1 : 27).
    (4) قيل : أول من تكلم بذلك رجل عند الحجاج ، وكان صنع عملا فاستجاده الحجاج ، وقال : كل هذا حبا؟ فقال الرجل مجيبا : «أو فرقا خيرا من حب!» أي فعلت هذا لأني أفرقك فرقا خيرا من حب.
    (5) في الأصل : «الفرق» وهو تحريف. والتصويب من شرح المفصل لابن يعيش (1 : 113) والكتاب لسيبويه (1 : 136).

    قال (1) : وحدثنا أبو الخطّاب (2) أنه سمع بعض العرب ، وقيل له : لم أفسدتم مكانكم هذا؟ قال : الصبيان يا أبى. فنصب ، كأنه حذر أن يلام فقال : لم الصّبيان (3).
    ومن ذلك قوله عزوجل : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (4).
    قال : التقدير : أبدأ باسم الله. أو : بدأت باسم الله ، أو : ابدأ باسم الله. وأضمر قوم فيها اسما مفردا على تقدير : ابتدائى باسم الله : فيكون الظرف خبرا للمبتدأ.
    وفيه [....] (5) :
    فإذا قدّرت «أبدأ» أو «ابدأ» (6) يكون «باسم الله». فى موضع النصب مفعولا به (7).
    وإذا قدرت : ابتدائى باسم الله ، يكون التقدير : ابتدائى كائن باسم الله ، ويكون فى «باسم الله» ضمير انتقل إليه من الفاعل (Cool المحذوف ، الذي هو الخبر حقيقة.
    ومنه قوله [تعالى] : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ) (9) أي : واذكر إذ قال ربّك. وإن شئت قدرت : وابتداء خلقكم إذ قال ربك.
    __________________
    (1) القائل : سيبويه.
    (2) أبو الخطاب : هو الأخفش الأكبر عبد الحميد بن عبد المجيد. كانت وفاته سنة 177 ه‍ ـ 793 م.
    بغية الوعاة (ص 296).
    (3) الكتاب لسيبويه (1 : 128) وشرح المفصل لابن يعيش (1 : 126).
    (4) فاتحة الكتاب : 1.
    (5) ما بين المربعين بياض بالأصل.
    (6) فاتنة الصورة الثانية : «بدأت».
    (7) يريد ما كان على وزن «فاعل».
    (Cool البقرة : 30.

    وكذلك قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) (1) أي : واذكر إذ قلنا للملائكة. وجميع «إذ» فى التنزيل أكثره / على هذا.
    ومن حذف الجملة قوله تعالى : (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ) (2) أي: فضرب فانفجرت.
    نظيره فى «الأعراف» و «الشعراء» : فضرب (فَانْبَجَسَتْ) (3) ؛ فضرب (فَانْفَلَقَ) (4).
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ). (5) أي : فمن اضطر فأكل ، وهو فى صلة «من» و «غير» حال من قوله (اضْطُرَّ) ، أو من الضمير فى «أكل». وفيه كلام يأتيك فى حذف المفعول.
    ومثله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ). (6) أي : فأفطر فعدة من أيام ، موضعين جميعا (7).
    ومثله : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ). (Cool أي : فيفطرون ففدية.
    ومثله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ) (9) أي : حلق ففدية.
    فهذه أفعال حذفت من الصّلة.
    __________________
    (1) البقرة : 34.
    (2) البقرة : 60.
    (3) الأعراف : 160.
    (4) الشعراء : 63.
    (5) الأنعام : 145.
    (6) البقرة : 184.
    (7) يريد هذه الآية الكريمة والتي بعدها : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).
    (Cool البقرة : 184.
    (9) البقرة : 196.

    ومثله : (بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) (1) أي : تتّبع ملة إبراهيم حنيفا.
    والكسائىّ يقول : نكون أهل ملة إبراهيم حنيفا.
    ومثله : (صِبْغَةَ اللهِ) (2) أي : الزموا صبغة الله.
    فأما قوله [تعالى] : (ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا) (3).
    فالتقدير : إذا حلفتم وحنثتم. فحذف «حنثتم» [و] لا بد من إضماره ؛ لأن الكفّارة بالحنث تجب لا بذكر اسم الله.
    وهذه من طرائف العربية ؛ لأن «حنثتم» معطوف على «حلفتم» ؛ و «حلفتم» مجرور بالإضافة ، فكأنه قال : وقت حلفكم وحنثكم ، والمتعارف حذف المضاف دون المضاف إليه.
    وقد جاء ذلك أيضا فى التنزيل ، وله باب فى هذا الكتاب.
    ومن ذلك إضمار «القول» فى قوله [تعالى] : (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا) (4) فى الموضعين فى سورة البقرة.
    وفى قوله تعالى : (وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا) (5). أي قلنا لهم : خذوا.
    ومثله : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا) (6) أي : يقولان : ربنا.
    __________________
    (1) البقرة : 135.
    (2) البقرة : 138.
    (3) المائدة : 89.
    (4) البقرة : 63 و 93.
    (5) الأعراف : 171.
    (6) البقرة : 127.

    ومن ذلك قوله تعالى : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا) (1). أي : يقولون : ربنا. عن الأخفش ؛ لأنه يبتدئ بقوله: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً) (2) ويسند إليه «يقولون» المضمر.
    مثله : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ) (3) أي فقلنا له : خذها بقوّة.
    ومنه قوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) (4) أي : يقولون : سلام عليكم.
    / ومنه قوله تعالى فى قول الخليل : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ) (5).
    قال : التقدير : من يقال لهم : أيّهم ؛ فحذف «القول» ، كقولهم :
    وكانت عقيل خامرى أمّ عامر (6)
    فيحمله على الحكاية دون «لننزعنّ» ، [على] تعليق العلم عند الكوفيين. [و] يجوز أن يكون تقديره : لننزعن كل شيعة.
    __________________
    (1) آل عمران : 191.
    (2) الأعراف : 145.
    (3) الرعد : 23.
    (4) مريم : 69.
    (5) خامرى : استترى. وأم عامر : الضبع. وهذا القول استحماق لها ، فهي ـ كما زعموا ـ من أحمق الدواب ، وإذا أرادوا صيدها رموا في حجرها بحجر فتحسبه شيئا تصيده فتخرج ، فتصاد عند ذلك ، والبيت للأخطل والرواية فيه :
    على حين أن كانت عقيل وشائظا
    وكانت كلاب خامرى أم عامر

    (الكتاب 1 : 259).

    وكذلك يجوز عندهم : لننزعنّهم متشايعين ننظر أيّهم أشدّ (1).
    وسيبويه يجعله مبنيّا على الضم.
    ومن إضمار القول قوله تعالى : (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ). (2) أي يقال لهم : هذا فوج مقتحم معكم.
    ومنه قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ) (3) يقولون : ما نعبدهم «فيقولون» خبر المبتدأ.
    ومنهم من جعل «يقولون» فى موضع الحال ، وجعل الخبر قوله : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (4).
    ومنه قوله تعالى : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) (5) أي : «يقولون» Sadإِنَّما نُطْعِمُكُمْ) إذ الآيتان داخلتان فى «القول» فلا وقف على قوله : (وَلا شُكُوراً) (6).
    ومنه قوله تعالى : (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ) (7).
    __________________
    (1) في الكلام اضطراب مرده إلى نقص. ومجمل ما في الآية من أقوال : رفع «أيهم» على الحكاية. والمعنى ثم لننزعن من كل شيعة الذين يقال لهم أشد.
    قال ابن النحاس : ورأيت أبا إسحاق الزجاج يختار هذا القول ويستحسنه.
    (2) ص : 58 ، 59.
    (3) الزمر : 3.
    (4) الإنسان : 9.
    (5) في الأصل بعد قوله «ولا شكورا» جاءت العبارة : «يا رازي مالك وكتاب الله!». وظاهر أن هذه العبارة : من زيادات قارئ في الحاشية ، فالتبست على الناسخ فزادها في المتن. فالرازي متأخر الوفاة عن الزجاج. هذا إلى أن الرازي عند تفسير هذه الآية ـ التفسير الكبير ج 8 : ص 295 ـ لم يعرض لشيء من هذا.
    (6) سبأ : 15.

    ومن إضمار «القول» قوله [تعالى] : (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (1) ، أي : قل للإنسان الطاغي : واقترب تر العجب.
    ومثله : (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) (2) ، تقديره : قل لهم : قد جاءكم ، فأضمر «قل». يدل عليه قوله [تعالى] : (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) (3).
    * * *
    ومن إضمار الجملة قوله تعالى : (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ ، أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ ، قالَ : أَلَمْ نُرَبِّكَ) (4) أي : فأتياه وقالا له : أرسل معنا بنى إسرائيل. [فقال ألم نربّك] (5).
    ومن ذلك قوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ* رِجالٌ) (6) فى قراءة ابن عامر (7) مرتّبا للمفعول (Cool ، كأنه قيل : من يسبّح؟ فقال : يسبّحه رجال.
    __________________
    (1) العلق : 19.
    (2) الأنعام : 104.
    (3) هود : 86.
    (4) الشعراء : 18.
    (5) في الأصل : «فقال فمن ربكما» وما بين القوسين المربعين زيادة يستقيم بها الكلام.
    (6) النور : 36 ، 37.
    (7) هو عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة اليحصبي ، أبو عمران المقرئ الدمشقي. كانت وفاته سنة 118 ه‍ (تهذيب التهذيب 5 : 274).
    (Cool «يسبح» بكسر الباء المشددة والياء ، قراءة الجمهور ، والفاعل «رجال» ، وبفتح الباء المشددة ، قراءة ابن عامر وغيره ؛ و «رجال» فاعل بفعل محذوف. وقرأ ابن وثاب وأبو حيوة «تسبح» بكسر الباء المشددة. وقرأ أبو جعفر «تسبح» بفتح الباء المشددة. ووجهها أن تسند إلى أوقات الغدو والآصال ، على زيادة الباء ، وتجعل الأوقات مسبحة. (انظر الكشاف 3 : 242 ـ والبحر المحيط لأبي حيان ـ 6 : 454 و 458).

    ومن ذلك قوله تعالى : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ) (1) إلى قوله : (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) (2) أي واللائي لم يحضن فعدّتهن ثلاثة أشهر ، فحذف المبتدأ والخبر.
    ومن ذلك قوله تعالى : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) (3) والتقدير : وأمة غير قائمة (4).
    ومنه قوله تعالى : (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) (5) أي : وهم لا يؤمنون به [كله] ، فحذف «وهم لا يؤمنون [به كله]» (6).
    ومنه قوله تعالى : (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (7) / أي : وسبيل المؤمنين ، فحذف.
    __________________
    (1) الطلاق : 4. وهي متصلة : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ).
    (2) آل عمران : 113.
    (3) في الأصل : «والتقدير : ومنهم أمة غير قائمة». والتصويب من البحر المحيط (3 : 33) وفيه : «قال الفراء : أمة ، مرتفعة بسواء ، أي ليس مستويا من أهل الكتاب أمة قائمة ، موصوفة بما ذكر ، وأمة كافرة ، فحذفت هذه الجملة المعادلة ، ودل عليها القسم الأول : كقوله :
    عصيت إليها القلب إني لأمره
    سميع فما أدرى أرشد طلابها

    التقدير : «أم غى».
    (4) آل عمران : 119 وأولها : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ).
    (5) التكملة من البحر. وفيه : «يدل عليها ـ أي على الحذف ـ إثبات المقابل في : تحبونهم ولا يحبونكم».
    (6) وقيل : خص سبيل المجرمين ، لأنه يلزم من استبانتها استبانة سبيل المؤمنين ، وعليه فلا حذف (البحر 4 : 141). وعلى الحذف ، فليس المحذوف هنا جملة ، كما يشعر به سياق المؤلف.
    (7) الأنعام : 109.

    وقيل فى قوله تعالى : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) (Cool إن التقدير : وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون ، فحذف ؛ كقوله تعالى : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ) (1). والتقدير : إن أردن أو لم يردن.
    ومنه قوله تعالى : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) (2) أي : ويغشى النهار الليل ، فحذف.
    ومنه قوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) (3) أي : وسرابيل تقيكم البرد ، فحذف.
    وقال تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا) (4) أي : يقولون : ربنا.
    وقال [تعالى] : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ) (5) أي : بعثناهم (6) ليسوءوا.
    وقال [تعالى] : (فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ) (7) أي : فآمنوا وأتوا خيرا لكم (Cool.
    وقال الكسائي (9) : يكن الإيمان خيرا لكم (10).
    __________________
    (1) النور : 33.
    (2) الأعراف : 53 ـ الرعد : 3.
    (3) النحل : 81.
    (4) السجدة : 12.
    (5) الإسراء : 7.
    (6) وهو جواب «إذا» يدل عليه جواب «إذا» الأولى في قوله تعالى قبل : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ). (البحر 6 : 10).
    (7) النساء : 170.
    (Cool هذا مذهب الخليل وسيبويه. (البحر 3 : 400).
    (9) وهو قول أبي عبيدة أيضا. (البحر 3 : 400).
    (10) وثم مذهب ثالث للفراء ، والتقدير : إيمانا خيرا لكم. يجعل «خيرا» نعتا لمصدر محذوف يدل عليه الفعل الذي قبله. (البحر 3 : 400).

    وقال تعالى : (وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ) (1) أي : وأتوا خيرا لأنفسكم (2). وأنشدوا :
    فواعديه سرحتى مالك
    أو الرّبا بينهما أسهلا (3)

    أي : ائتى مكانا أسهل.
    ومن إضمار الجملة قوله تعالى : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) (4) أي : فضربوه ببعضها فحيى ، وأخبر بقاتليه (5) ثمّ خرّ ميتا.
    يدل على صحة الإضمار قوله : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) (6) ، ف «قست» : معطوف على «خرّ» (7).
    ومن إضمار الجملة قوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (Cool.
    أي : فأكل غير باغ فلا إثم عليه.
    ونظيره فى المائدة : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (9). أي : فأكل غير متجانف.
    __________________
    (1) التغابن : 16.
    (2) وزادوا مذهبين ، الرابع : إن «خيرا» حال. والخامس : على أنها مفعول «وأنفقوا». (البحر 8 : 280).
    (3) البيت لعمر بن أبي ربيعة. وسرحتا مالك : موضع بعينه. ويروى : «ذو النقا» مكان «أو الربا» (الكتاب لسيبويه 1 : 143 ـ والبحر 1 : 199).
    (4) البقرة : 73.
    (5) الأصل : «بقاتله» ، وانظر «مفاتيح الغيب للرازي» (1 : 395).
    (6) البقرة : 74.
    (7) جمهور المفسرين على أن في الكلام حذفا ، يدل عليه ما بعده وما قبله ، والتقدير : فضربوه فحيى. دل على «ضربوه» قوله تعالى : اضربوه ببعضها. ودل على «فحيى» قوله تعالى : (كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) ولم يقولوا إن فعل القسوة معطوف على هذا الفعل المضمر.
    (Cool البقرة : 173.
    (9) المائدة : 3.

    نظيره فى سورة النحل : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (1). أي : فأكل.
    وكذا فى الأنعام : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (2) أي : فأكل.
    وفى الآي كلام تراه فى حذف المفعول.
    ومن إضمار الجملة قوله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ) (3) والتقدير: فليمت غيظا (4).
    نظيره : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) (5). ولم يقل : فافعل.
    وعلى هذا إضمار جواب «لو» فى التنزيل ، كلها جمل حذفت.
    / قال الله تعالى : (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) (6). أي : لعلموا أن القوة.
    ومنه قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) (7) ولم يقل : لكان هذا القرآن.
    __________________
    (1) النحل : 115.
    (2) الأنعام : 145.
    (3) البقرة : 97.
    (4) وقال التوحيدي : «التقدير فعداوته لا وجه لها ، أو ما أشبه هذا التقدير». (البحر 1 : 320).
    (5) الأنعام : 35.
    (6) البقرة : 165.
    (7) الرعد : 31.

    فأما قوله تعالى : (لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) (1) فالتقدير عند الأخفش : ما ألهاكم التكاثر ، فأضمر لجرى ذكره فى أول السورة.
    وعند غيره : لو تعلمون علم اليقين لعلمتم أنكم ستردون الجحيم فى الآخرة. دلّ على هذا الخلاف (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) (2).
    فأما قوله تعالى : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (3) فالمعنى : كلا لا ينفعكم التكاثر ، فحذف.
    وقوله : (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ) (4). أي : كلا لا تؤمنون.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) (5). ثم قال : [تعالى] : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) (6) وأضمر «فتبتم». أي : تبتم فتاب عليكم.
    ومنه قوله تعالى ، فى حذف الجملة : (وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ) (7). أي : ويعقوب قال.
    وقال عثمان (Cool : فى قوله تعالى : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) (9) يجوز أن يرتفع «شىء» [ب «عفى» ، أو] (10) بفعل محذوف يدل عليه قوله
    __________________
    (1) التكاثر : 5.
    (2) التكاثر : 6.
    (3) التكاثر : 3.
    (4) التكاثر : 5.
    (5) البقرة : 54.
    (6) البقرة : 132.
    (7) عثمان : هو أبو الفتح عثمان بن جني المتوفي سنة 392 ه‍ ـ 1002 م ـ ومن كتبه : المحتسب في إعراب شواذ القراءات ، والمنصف والتصريف الملوكي.
    (Cool البقرة : 178.
    (9) بمثل هذه الزيادة يستقيم الكلام. فقد ساق المؤلف رأيين ولم يذكر إلا واحدا. وهذا المذهب الذي فإنه ذكره ، هو جواز إسناد «عفى» لمرفوعه «شيء» إسنادا حقيقيا ، لأنه إذ ذاك مفعول به صريح ، أو إسنادا مجازيا إذا كان لا يتعدى. (البحر 2 : 12 ـ 13).

    «عفى» ؛ لأن معناه : ترك له شىء من أخيه ، أي من حق أخيه ، ثم حذف المضاف وقدّم الظّرف الذي هو صفة للنكرة عليها ، فانتصب على الحال فى الموضعين منها.
    وهذه الآية تجاذبها باب الجملة ، وباب الإضافة ، وباب حذف حرف الجر (1) ، وباب الحال ، وستراها هناك إن شاء الله وحده.
    ومن ذلك قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ... أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) (2) تقديره : صوموا أياما معدودات ، فحذف «صوموا» لأن قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) يدل عليه. ولا ينتصب ب «الصيام» ؛ لأن «الصيام» مصدر فلا يفصل بينه وبين أيام بالكاف المنصوبة ب «كتب» (3) ؛ لأن التقدير : كتب عليكم الصيام كتابة مثل كتابته على الذين من قبلكم.
    ومثل هذه الآية قوله تعالى : (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) (4). والتقدير : وأحسنوا بالوالدين إحسانا ؛ فأضمر «وأحسنوا» (5) ؛ لأن المصدر يدل عليه. والدليل عليه / قوله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (6).
    ومنه قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً) (7). أي : فصلّوا رجالا.
    ومن إضمار الجملة قوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) (Cool. والتقدير : لتستيقن ولنجعلك آية للناس.
    نظيره قبله : (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) (9). تقديره : واشكروا ولأتم.
    __________________
    (1) يريد : باب إضمار الجمل ، وباب حذف المضاف.
    (2) البقرة : 183 و 184. والنقط إشارة إلى موضع حذف في الآيتين.
    (3) يريد قوله تعالى : (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ).
    (4) البقرة : 83.
    (5) في الأصل : «فأحسنوا».
    (6) البقرة : 83.
    (7) البقرة : 239.
    (Cool البقرة : 259.
    (9) البقرة : 150.

    وقيل : هو معطوف على قوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) (1) ، (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) (2).
    وأما قوله تعالى : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) (3) فهو معطوف على المعنى ؛ لأن قبله (قَدْ جِئْتُكُمْ ... * وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ) (4) أي جئتكم لأصدّق التوراة والإنجيل ، ولأحل لكم ، ولتكملوا العدة (5).
    نظيره فى أحد القولين فى سورة مريم عليها‌السلام : (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) (6). والتقدير : قال : كذلك قال ربك ، ويكون «علىّ هيّن» لأخلقه من غير أب ، ولنجعله آية للناس.
    وقيل : هو معطوف على قوله تعالى : (لِأَهَبَ لَكِ) (7).
    وقيل : الواو فى الآي كلها مقحمة.
    ومثله : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) (Cool. والتقدير : ليستقيم أمره ولنعلّمه.
    مثله : (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) (9). أي : لتسلموا من (10) أذاهم ، وشذاهم(11) (وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) (12).
    ومثله : (فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) (13) أي : فبإذن الله ليظهر الحق.
    __________________
    (1) البقرة : 150.
    (2) آل عمران : 50.
    (3) آل عمران : 49 ، 50 والنقط إشارة إلى محذوف من الآيتين.
    (4) كذا جاءت هذه العبارة «ولتكملوا العدة» في الأصل ، وهي ليست من سرد الآية الكريمة.
    (5) مريم : 20.
    (6) مريم : 19.
    (7) يوسف : 21.
    (Cool الفتح : 20.
    (9) في الأصل «عن».
    (10) الشذا : الشر.
    (11) الفتح : 20.
    (12) الحشر : 5.

    قال أبو على (1) فى قوله تعالى : (بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) (2) فى سورة الأحقاف فى قراءة الكوفيين «إحسانا» منصوب بمضمر يدل عليه ما قبله ، وهو قوله (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) (3) كأنه لما قال : (أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (4) قال : وقلنا لهم أحسنوا بالوالدين إحسانا.
    كما قال : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) (5) ، فالجار يتعلق بالفعل المضمر ، ولا يجوز أن يتعلق بالمصدر ، لأن ما يتعلّق بالمصدر لا يتقدّم عليه.
    و «أحسن» (6) يوصل بالباء كما يوصل بإلى ، يدلّك على ذلك قوله تعالى : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) (7) فعدّاه بالباء كما تعدّى بإلى فى قوله تعالى : (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) (Cool. والتقدير أنه لما قال : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) وكان هذا الكلام قولا ، صار كأنه : وقلنا : أحسن أيها / الإنسان بالوالدين إحسانا.
    ووجه من قرأ فى الأحقاف : (بوالديه حسنا) أن يكون أراد بالحسن الإحسان ، فحذف المصدر ورده إلى الأصل ، كما قال الشاعر :
    فإن يبرأ فلم أنفث عليه
    وإن يهلك فذلك كان قدرى

    أي : تقديرى.
    __________________
    (1) هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي إمام العربية ، وكانت وفاته سنة 5377 ـ 987 م.
    (2) الأحقاف : 15. وقد جاءت في الأصل (وبالوالدين إحسانا) وهو تبديل اضطرب فيه الناسخ فبدل وأسقط.
    (3) كذا في الأصل ، وفي الكلام حذف ، فالإشارة هنا إلى آية أخرى من سورة البقرة هي قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً).
    (4) البقرة : 63. وهي على إضمار القول ، أي : وقلنا لكم خذوا ما آتيناكم. (البحر 1 : 243).
    (5) يوسف : 100.
    (6) القصص : 77.

    ويجوز أن يكون وضع الاسم موضع المصدر كما قال :
    وبعد عطائك المائة الرّتاعا (1)
    والباء فى هذين الوجهين متعلقة بالفعل المضمر ، كما تعلّقت به فى قول الكوفيين فى قراءتهم (إحسانا).
    ومن إضمار الجملة قراءة ابن كثير فى قوله تعالى : (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) (2) بالاستفهام (3) ، على تقدير : بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، تعترفون أو تقرون؟ فأضمر ، لأن قوله : (وَلا تُؤْمِنُوا) (4) يدل عليه.
    كما قال : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) (5) والتقدير : الآن آمنت ، فأضمر «آمنت» لجرى ذكره فى قوله (آمَنْتُ) (6).
    ومن ذلك قوله تعالى : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) (7). والتقدير : ولو شهدتم على أنفسكم ، فحذف الفعل.
    __________________
    (1) عجز بيت للقطامي ، صدره :
    أكفرا بعد رد الموت عني
    والرقاع : الماشية ترقع في المرعى.
    (2) آل عمران : 73.
    (3) قال أبو حيان : «على الاستفهام الذي معناه الإنكار عليهم والتقرير والتوبيخ. والاستفهام الذي معناه الإنكار هو مثبت من حيث المعنى ، أي : المخافة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قلتم ذلك وفعلتموه؟» (البحر 2 : 494 ـ 496).
    (4) بدء الآية 73 من سورة آل عمران. قال تعالى : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى ...).
    (5) يونس : 91.
    (6) يونس : 90.
    (7) النساء : 135.

    فأما قوله تعالى : (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) (1). أي : ولو كان المشهود عليه ذا قربى.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) ـ إلى قوله ـ (يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) (2) فحذف جواب «لمّا». أي كفروا. ودل عليه قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) (3) ولا يكون «لمّا» الثانية بجوابها جواب «لمّا» الأولى ؛ لأنا لا نعلم «لمّا» فى موضع ، لما أجيب بالفاء ، كذا ذكره الفارسي (4). فإذن نجىء بقول عمرو بن معد يكرب :
    فلمّا رأيت الخيل زورا (5) كأنّها
    جداول زرع خلّيت فاسبطرّت

    فجاشت إلىّ النّفس [أوّل مرّة
    فردّت على مكروهها فاستقرّت] (6)

    فأجاب «لمّا» بقوله «فجاشت».
    فأما قوله تعالى : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) (7) فإن الجواب محذوف أيضا.
    وقيل : بل الواو مقحمة.
    وعلى هذا الخلاف قوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (Cool.
    __________________
    (1) الأنعام : 152.
    (2) البقرة : 89.
    (3) هو أبو علي الفارسي ، وقد تقدم التعريف به (ص 22).
    (4) زورا : أي مائلة من وقع الطعن فيها جمع أزور.
    (5) ما بين القوسين المربعين زيادة عن شرح ديوان الحماسة (1 : 157).
    (6) الصافات : 103.
    (7) الانشقاق : 1.

    قيل : جوابه محذوف ، أي : قامت القيامة.
    وقيل : بل الواو فى (وَأَذِنَتْ) (1) مقحمة ، والجواب «أذنت».
    وقيل : بل الجواب قوله : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ) (2).
    وقيل : بل الفاء مضمرة ، أي : ف (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ) (3).
    ونظير هذا قوله تعالى : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) (4)
    إلى قوله : (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ) (5).
    ومثله : (وَلْنَحْمِلْ) (6). أي : اتبعوا سبيلنا [ولنحمل].
    ومثله : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا) (7) إلى قوله (وَأَوْحَيْنا) (Cool الواو مقحمة.
    وقيل : بل الجواب مضمر.
    فأما قوله تعالى : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) (9) ، فقيل : الجواب : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) (10). أي : إذا وقعت الواقعة لم يكن التكذيب بها.
    وقيل : بل الجواب قوله : (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) (11). أي : فهى خافضة رافعة.
    قال أبو علىّ : وإذا جاز (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) (12) على تقدير : فيقال لهم : أكفرتم بعد إيمانكم؟ فحذف الفاء مع القول ، وحذف الفاء وحده أجوز.
    __________________
    (1) الانشقاق : 7. وفي الأصل : «فى وأقتت» يريد قوله تعالى (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) سورة المرسلات: 11.
    (2) الانشقاق : 6.
    (3) الأنبياء : 96.
    (4) الأنبياء : 97.
    (5) العنكبوت : 12.
    (6) يوسف : 15.
    (7) الواقعة : 1.
    (Cool الواقعة : 2.
    (9) الواقعة : 3.
    (10) آل عمران : 106.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2892
    نقاط : 4517
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اعراب القرأن ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اعراب القرأن ج1   اعراب القرأن ج1 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 7:23 am

    ومن ذلك الآية الواردة فى صلاة الخوف ، وهو قوله عزّ من قائل : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) (1). اختصر وأوجز وأطنب وأسهب ، وأتى بالبلاغة والفصاحة بحيث لا يفوتها كلام ، ولا يبلغ كنهها بشر ، فتحقق قوله (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (2).
    فاعرف أيها الناظر كيفية صلاة الخوف ، ثم انظر فى الآية يلح لك إيماؤنا إلى ما أومأنا إليه.
    قال أبو حنيفة : إذا اشتد الخوف جعل الإمام الناس طائفتين ؛ طائفة فى وجه العدو ، وطائفة خلفه ؛ فصلى بهذه الطائفة ركعة وسجدتين ، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية مضت هذه الطائفة إلى وجه العدو ، وجاءت تلك الطائفة. فصلّى بهم ركعة وسجدتين وتشهّد وسلّم ، ولم يسلّم القوم وذهبوا إلى وجه العدو ، وجاءت طائفة أخرى فصلّوا وحدانا ركعة وسجدتين بغير قراءة وتشهّد ، ومضوا إلى وجه العدو ، وجاءت طائفة أخرى فصلوا ركعة وسجدتين بقراءة وتشهد وسلّموا.
    فإذا عرفت هذا فقوله تعالى : (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) (3) فمعناه : فلتصل طائفة منهم لم يصلّوا معك ، أي : فلتقم طائفة بركعة ، فحذف.
    __________________
    (1) النساء : 102.
    (2) الإسراء : 88.
    (3) النساء : 102.

    ثم قال : (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) أي : الذين انصرفوا إلى تجاه العدو ولم يصلّوا معك ، وليأخذوا أسلحتهم. ثم قال : (فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) (1) يعنى الطائفة التي صلّت تقوم بإزاء العدو حين فرغت من ركعة عقيب السجدة ، لأن الفاء للتعقيب. فلا يجوز : إذا سجدت الثانية أن تقف لتتم الركعة الأولى ، فتضم إليها الركعة الثانية ، لأن الفاء يبطل معناها إذ ذاك ، فوجب أن يكونوا من وراء عقيب السجدة بإزاء العدو ، ولا تقف للركعة الباقية ، ولتأت طائفة أخرى لم يصلّوا فليصلّوا معك ركعة ، فحذف المفعول. ولم يقل : فلتنصرف الأولى وتؤدّى الركعة بغير قراءة وتسلم. فحذف هذه الجملة ، وحذف المفعول من قوله (فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) (2) ، وحذف الجار والمجرور من قوله (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) (3) وأضمر فى قوله (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) (4) غير الطائفة المأمورين بالقيام معه. فلا ينصرف الضمير من قوله (وَلْيَأْخُذُوا) (5) إلى الظاهر قبله ؛ وإنما التقدير : وليأخذ باقيهم أسلحتهم ؛ فحذف المضاف فاتصل المنفصل.
    ونظير حذف الباقي قوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) (6) ، أي : ليتفقّه باقيهم.
    ولما أضمر غير المقدّم ذكرهم رجع إلى ذكرهم فى قوله (فَإِذا سَجَدُوا) (7) فخالف بين الضميرين اللذين أحدهما بعد صاحبه. فلا يمكنك إنكاره بقولك : لم خالفت بينهما؟ ولم تجعل قوله (وَلْيَأْخُذُوا) راجعا إلى الطائفة التي أمرت
    __________________
    (1) النساء : 102.
    (2) التوبة : 122.
    (3) النساء : 102.

    بالقيام معه حتى تأخذ السلاح معه فى الصلاة ؛ لأن اختلاف الضميرين قد جاء فى التنزيل.
    قال عز من قائل : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) (1) فالهاء الأولى لصاحبه ، والثانية له صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    وقال : (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (2) فالهاء فى «به» لله ؛ والمتقدمان للشيطان. وقال : (وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ) (3) فالضمير فى «بلغوا» لمشركى مكة ؛ والذي فى «آتيناهم» للمتقدمين من المشركين.
    وقال : (الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) (4) ، أي : أملى لهم الله ، فالذكر فى «أملى». غير الذكر فى «سوّل».
    وقال تعالى : (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ) (5) فالهاء الأخيرة لله ، والمتقدمان للنبى صلى الله عليه وعلى آله.
    فكذا هاهنا (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) (6) لمن لم يقم معه ، ويكون الضمير فى (فَإِذا سَجَدُوا) (7) لمن معه.
    فتحقق قولنا إنه اختصر وأوجز.
    __________________
    (1) التوبة : 40.
    (2) النحل : 100.
    (3) سبأ : 45.
    (4) محمد : 25.
    (5) الفتح : 9.
    (6) النساء : 102.
    (7) النساء : 102.

    فأما قولنا أطنب وأسهب ، فقوله عزّ من قائل : (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا) (1) ولو قال : ولتأت طائفة أخرى (2) لم يصلوا فليصلوا معك ، كان حسنا أيضا ، لكنها وصفت بقوله (أُخْرى) (3) إطنابا فى الكلام ، كما قال : (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) (4) وقال : (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) (5) وقال : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) (6).
    وقال : (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) (7) فيمن رفع ، لأن المعنى : لهم عذاب أليم من عذاب ؛ لأن الرّجز : العذاب ، بدلالة قوله : (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) (Cool وقوله تعالى : (لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ) (9) وقال : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ) (10) وفى موضوع آخر : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ) (11).
    قال أبو على : ومن قال : لهم عذاب من رجز أليم ، فرفع «أليما» كان المعنى : لهم عذاب أليم من عذاب. وليست فائدته كذلك.
    فالقول فى ذلك أمران :
    أحدهما أن الصفة قد تجىء على وجه التأكيد ، كما أن الحال قد تجىء كذلك فى قوله تعالى : (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) (12).
    __________________
    (1) النساء : 102.
    (2) كذا في الأصل ، والأولى حذف كلمة «الأخرى» ليصح الاستشهاد.
    (3) النساء : 102.
    (4) النحل : 51.
    (5) النجم : 20.
    (6) الحاقة : 13.
    (7) سبأ : 5.
    (Cool البقرة : 59.
    (9) الأعراف : 134.
    (10) الأعراف : 135.
    (11) الزخرف : 50.
    (12) البقرة : 91.

    وفى قوله : (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) (1) وكذا الصفة فيما تلونا ، وفى بعض المصاحف : (وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ) (2).
    والآخر أن الرّجز : النّجاسة ، فيحمل على البدل للمقاربة. ومعنى النجاسة فيه قوله : (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) (3) فكأن المعنى : عذاب من تجرّع رجزا ومن شربه ، فتكون «من» تبييتا للعذاب : ممّا هو؟ ومن أي شىء؟
    وقال الشافعي فى صلاة الخوف : يفتتح الإمام الصلاة بالجميع ، ثم تذهب طائفة إلى وجه العدو ، ويصلّى بطائفة ركعة وسجدتين بمقام ويقف حتى تصلى هذه الطائفة ركعة أخرى ويسلّموا.
    ثم تذهب هذه الطائفة وتقف بإزاء العدو ، وتأتى الطائفة التي لم تصل شيئا ، فيصلى الإمام بهم الركعة الثانية ، ثم يقومون ويقضون الركعة الأخيرة.
    والدليل / على ما قلنا قول الله تعالى : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ) (4).
    الآية.
    فالله تبارك وتعالى أثبت طائفة لم يؤدّوا شيئا من الصلاة مع الإمام ، وعنده (5) لا يتصور هذا هاهنا ، لأن الطائفة الثانية افتتحوا الصلاة مع الإمام فقد أدوا جزءا من الصلاة حال الافتتاح ، ولأنه قال : (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) (6) وهذا يدل على خلاف قوله ؛ لأن لطائفة الثانية قد صلّت عنده.
    __________________
    (1) المعارج : 16. وقبلها : «كلا إنها لظى».
    (2) سورة ص : 23. وانظر : كتاب المصاحف للسجستاني طبعة بريل (ص 81).
    (3) إبراهيم : 16 ، 17 كذا في الأصل.
    (4) وعنده ، أي : وعند الشافعي.
    (6) النساء : 102.

    وقال : (فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) (1) والفاء للتعقيب ، فهذا يدل على أن الطائفة الأولى تنصرف عقيب السجود ، وعنده : تصلى ركعة ثم تنصرف. ولأن ما يقوله الشافعي يؤدى إلى سبق المؤتم الإمام بالفراغ بالصلاة ، وإلى أن يقف الإمام ينتظر فراغ المؤتم من الصلاة ، وهذا لا يجوز فى غير حال الخوف ، فكذلك فيها كسائر الأعمال.
    وإنما قلنا : إنّ الطائفة الأولى تقضى ركعة بغير قراءة ، لأنها أدركت الصلاة فهى فى حكم من هو خلف الإمام ؛ وأما الثانية فلم تدرك أول الصلاة ، والمسبوق فيها يقضى كالمنفرد فى صلاته.
    ومن ذلك قوله (2) : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) (3) أي : لو لا أن رأى برهان ربه لواقعها ، أو لهمّ بها.
    وقال : (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ) (4) أي : لو لا أن يحتجّوا لو أصابتهم مصيبة ، بأن (5) يقولوا : لو لا أرسلت رسولا فاتبعنا لما أرسلنا الرّسل (6).
    وقيل : عاجلناهم بالعقوبة.
    وقيل : لكان فيما تقدّم من الرّسل المبعوثين قبلهم حجّة عليهم.
    __________________
    (1) النساء : 102.
    (2) أي من حذف الجملة.
    (3) يوسف : 24.
    (4) القصص : 47.
    (5) في الأصل «فإن يقولوا».
    (6) أي إنما أرسلنا الرسل إزالة لهذا العذر. عن أبي حيان (7 : 123). وقد استطرد فقال : وتقدير الجواب : «ما أرسلنا إليهم الرسل ، هو قول الزجاج».

    ومن حذف الفعل : قوله تعالى : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (1) أي : إذا كورت الشمس.
    و (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) (2) أي : إن استجارك أحد.
    و (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) (3) [أي : إن هلك امرؤ] (4).
    و (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ) (5). [أي : إن خافت امرأة] (6).
    و (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) (7) ـ إلى قوله ـ (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) (Cool.
    أي : انفطرت السماء ، وانتثرت الكواكب ، وفجرت البحار ، وبعثرت القبور.
    وقال : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (9) أي : إذا انشقت السماء.
    واما قوله : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) (10) فالتقدير : أحلف وأقسم ، فحذف الفعل مع الفاعل ، وفى الأول حذف الفعل ، فحسب.
    ومن ذلك قوله تعالى : (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) (11). أي : كيف لا يقاتلونكم ، فحذف الجملة. فأما قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا) (12).
    __________________
    (1) التكوير : 1.
    (2) التوبة : 7.
    (3) النساء : 176.
    (4) تكملة يفقدها الأصل.
    (5) النساء : 128.
    (6) تكملة يفقدها الأصل.
    (7) الانفطار : 1 ـ 4.
    (Cool الانفطار : 4.
    (9) الانشقاق : 1.
    (10) البروج : 1.
    (11) التوبة : 8.
    (12) النساء : 41.

    أي : كيف أنتم إذا جئنا! فحذف المبتدأ ، بخلاف قوله ؛ (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ) (1) لأنه كالأول ، أي : كيف تكون حالهم! أي : وكيف يصنعون!
    ومن إضمار الجملة : قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها) (2) : كذا وكذا ، صدقوا وعدهم وطابت نفوسهم. والكوفىّ (3) يحمله على زيادة الواو.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) (4) والتقدير : وما لم تسألوه ، فحذف هذه الجملة ، وهى فى موضع الجر ، أعنى الموصولة بالعطف على «ما» الأولى. وقد حذف فى الحقيقة اسما معطوفا على المضاف إليه ، وكأنه قال : من كل مسئولكم وغير مسئولكم ، ف «ما» يكون موصولا أو موصوفا ، وأن يكون موصوفا أحب إلينا ، لأن «كلّا» يقتضى النكرة ؛ نظيره : (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) (5) أي : هذا شىء لدى عتيد ؛ ومن كل شىء سألتموه.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) (6) أي فقل لهم : إنى أخاف. ويجوز فى (تَوَلَّوْا) تقديران :
    المضىّ ، والاستقبال ، لقوله (يُمَتِّعْكُمْ) (7).
    __________________
    (1) آل عمران : 25.
    (2) الزمر : 73.
    (3) في البحر (7 : 443) : «الكوفيون».
    (4) إبراهيم : 34.
    (5) ق : 23.
    (6) هود : 3.

    ومن ذلك قوله تعالى : (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ) (1) أي : عزموا على سجنه فسجنوه ، ودخل معه السجن فتيان.
    ومن ذلك قوله : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) (2). قيل : الواو مقحمة. وقيل : التقدير : هذا لإبلاغ الناس ولينذروا به.
    وقال أبو على : اللام تتعلق بفعل محذوف ، كأنه قال : وأنزل لينذروا ويعلموا التوحيد من الدلالات التي فيه ؛ كما قال الله تعالى : (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ ... لِتُنْذِرَ) (3). وقال : (أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ ... لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً) (4).
    ومنه قوله تعالى : (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) (5) أي : أرسلنا بأن أرسل معنا ، فحذف.
    ومنه قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) (6) والتقدير : أعزّنا ولا تذلّنا.
    وقال : (لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) (7) أي : لو أنهم كانوا يهتدون ما رأوا العذاب.
    ومنه قوله تعالى : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ) (Cool لما قال الله تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) (9) قال المشركون : نحن لا نشهد لك بذلك. فقيل : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ). لا بد من ذا الحذف ، لأن «لكن» استدراك بعد النفي.
    __________________
    (1) يوسف : 36.
    (2) إبراهيم : 52.
    (3) الأعراف : 2.
    (4) الكهف : 1 ، 2.
    (5) الشعراء : 17.
    (6) آل عمران : 26.
    (7) القصص : 64.
    (Cool النساء : 166.
    (9) النساء : 163.

    ومنه قوله تعالى : (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) (1). أراد : فبعث الله غرابا يبحث التراب على غراب ميت ليواريه ، أي ليريه كيف يوارى سوأة أخيه.
    ومن ذلك ما وقع فى قصة شعيب : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) (2). لم يذكر للاستفهام جوابا ، والمعنى : أخبرونى إن كنت على بيّنة من ربى ورزقنى النبوة وجعلنى رسولا إليكم وأنتم تدفعوننى ، فماذا حالكم مع ربكم؟ فحذف «ماذا حالكم»
    __________________
    (1) المائدة : 31.
    (2) هود : 88.

    الثاني
    باب ما جاء من حذف المضاف في التنزيل
    وليس من هذه الأبواب فى التنزيل أكثر من هذا.
    وقد ذكر سيبويه حذف المضاف فى «الكتاب» فى مواضع (1) ، فمن ذلك قوله حكاية عن العرب : اجتمعت اليمامة ، أي أهل اليمامة ؛ وقوله : «صدنا قنوين» (2) ، أي وحش قنوين (3).
    فما جاء فى التنزيل : قوله تعالى (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (4) والتقدير : مالك أحكام يوم الدين. وقدّره الفارسىّ تقدير حذف المفعول ، أي : مالك يوم الدّين الأحكام ؛ فتكون «الأحكام» المفعول ، فلا يكون على قوله من هذا الباب.
    ومن ذلك قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ) (5) أي : فى صحته وتحقيقه.
    __________________
    (1) الكتاب (1 : 26 و 109 ؛ 2 : 25).
    (2) قنوان : جبلان تلقاء المحاجر لبني مرة. (ياقوت).
    (3) وزاد سيبويه : «أو بقنوين» فلا يكون من هذا الباب.
    (4) الفاتحة : 4.
    (5) البقرة : 1 ، آل عمران : 9 و 25 ، النساء : 86 ، الأنعام : 12 ، الجاثية : 25 ، يونس : 37.

    ومنه قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ) (1) أي : على مواضع سمعهم ، فحذف ؛ لأنه استغنى عن جمعه ، لإضافته إلى الجمع ؛ لأن سيبويه قال :
    وأمّا جلدها فصليب (2)
    أكثره فى الشعر. وتبعه الفارسىّ فحمل (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) (3) على حذف المضاف ، أي ذى صدق ؛ وحمل (لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ) (4) على حذف المضاف.
    وخفيت الخافية عليهم فى قوله تعالى : (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) (5) فأضاف المفرد ، وليس هناك مضاف محذوف.
    ومنه قوله تعالى : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ) (6) أي : فى عقوبة طغيانهم.
    ومنه قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) (7) أي : كأصحاب صيّب من السماء ؛ دليله قوله : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ) (Cool ف «يجعلون» فى موضع الجر وصف للأصحاب ؛ «من الصّواعق» أي : من شدتها وأجلها ؛ وقوله تعالى : (فِيهِ ظُلُماتٌ) (9) لأنه لا يخلو من أن يعود إلى «الصيّب» أو إلى «السماء» ؛ (10) فلا يعود إلى «الصيّب» لأن الصيّب لا ظلمات فيه.
    __________________
    (1) البقرة : 7.
    (2) جزء من بيت لعلقمة بن عبدة ، والبيت بتمامه :
    بها جيف الحسرى فأما عظامها
    فبيض وأما جلدها فصليب

    والشاهد فيه وضع «الجلد» مكان «الجلود». قال سيبويه : «وليس بمستنكر في كلامهم أن يكون اللفظ واحدا والمعنى جميع ، حتى قال بعضهم في الشعر من ذلك ما لا يستعمل في الكلام» ، ثم ساق بيت علقمة. (الكتاب 1 : 107).
    (3) القمر : 55.
    (4) سبأ : 15.
    (5) إبراهيم : 43.
    (6) البقرة : 15.
    (Cool البقرة : 19.
    (9) في الأصل : «السحاب» ، ولم يرد له ذكر في الآية ولا في التقدير.

    [ويدل على هذا الحذف] قوله تعالى : (وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) (1) فهما معطوفان على «الظلمات» ولا يجوز أن يكون الرعد والبرق مما ينزل ؛ وأنهما فى السماء ، لاصطكاك بعض أجرامها ببعضها. روى عن الحسن أنّ ذلك من ملك ، فقد يجوز أن يكون الملك فى السحاب ، ويكون من هذا قراءة من قرأ : سحاب ظلمات ، بالإضافة ، لاستقلال السحاب وارتفاعه فى وقت كون هذه الظلمات. وقدّره مرة أخرى ، أي سحاب وفيه الظلمات ؛ فكذلك فيه ظلمات ، أي فى وقت نزوله ظلمات.
    ومنه قوله تعالى : (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) (2) أي : ذا فراش.
    (وَالسَّماءَ بِناءً) (3) أي : ذا بناء ، (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) (4) أي بإنزاله (وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) (5) أي بإنزاله : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) (6) ، أي : لانتفاعكم ، ثم (اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) (7) أي : إلى خلق السماء.
    وقوله تعالى : (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) (Cool أي من تحت أشجارها. وقدّره أبو على : من تحت مجالسها.
    ومنه قوله تعالى : (إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (9) أي ذا غيب السموات.
    وقيل : غيب ، بمعنى غائب ؛ لأن «ذا غيب» صاحب غيب ، وهو يكون غائبا.
    __________________
    (1) البقرة : 19.
    (2) البقرة : 22.
    (3) البقرة : 36.
    (4) البقرة : 29.
    (5) البقرة : 25.
    (6) البقرة : 33.

    ومنه قوله تعالى : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) (1) أي : ذا ثمن ، لأن الثمن لا يشترى ، وإنما يشترى شىء ذو ثمن.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) (2) أي : عقاب يوم ، لا بد من هذا الإضمار ، لأنه مفعول «اتقوا» ، فحذف وأقيم «اليوم» مقامه. فاليوم مفعول به وليس بظرف ، إذ ليس المعنى : ائتوا فى يوم القيامة ، لأن يوم القيامة ليس بيوم التكليف.
    ومن حذف المضاف قوله تعالى : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (3) أي : انقضاء أربعين ليلة.
    قال أبو على : ليس يخلو تعلّق «الأربعين» ب «الوعد» من أن يكون على أنه ظرف أو مفعول ثان ، فلا يجوز أن يكون ظرفا لأن «الوعد» ليس فيها كلها فيكون جواب «كم» ، ولا فى بعضها فيكون كما يكون جوابا ل «متى» ، لأن جواب «كم» يكون عن الكل ، لأنك إذا قلت : كم رجلا لقيت؟ فالجواب : عشرين ، فأجاب عن الكل.
    وجواب «متى» جواب البعض. لأنك إذا / قلت : متى رأيت؟ يقال فى جوابه : يوم الجمعة ، وهو بعض الأيام التي يدل عليه «متى» ، فإذا لم يكن ظرفا كان انتصابه بوقوعه موقع المفعول الثاني ، والتقدير : واعدنا موسى انقضاء أربعين ليلة ، أو تتمة أربعين ليلة ، فحذف المضاف ، كما تقول : اليوم خمسة عشر من الشهر ، أي تمامه.
    __________________
    (1) البقرة : 41.
    (2) البقرة : 47 ، 123.
    (3) البقرة : 51.

    ونظيره فى الأعراف : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) (1) أي : انقضاء ثلاثين. (وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (2) والميقات هو الأربعون ، وإنما هو ميقات ووعد ، لما روى أن القديم سبحانه وتعالى وعده أن يكلّمه على الطّور.
    فأما انتصاب «الأربعين» فى قوله : (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) فذلك كقولك : تم القوم عشرين رجلا. والمعنى : تم القوم معدودين هذا العدد. وتم الميقات معدودا هذا العدد. فيكون «عشرين» حالا ، كما أن معدودين كذلك.
    ونظيره قوله تعالى : (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) (3) أي إتيان جانب الطور الأيمن ، فحذف المضاف الذي هو مفعول ثان وقام مقامه «جانب». وليس «جانب» ظرفا لأنه مخصوص ، كقوله :
    فواعديه سرحتى مالك (4)
    أي إتيان سرحتى مالك.
    ومن ذلك قوله تعالى : (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) (5) أو صورته ، لأنهم لم يعبدوا العجل حقيقة من بعده ، أي من بعد خروجه.
    وكذلك (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ) فى رأس التّسعين ، فإنه لم يكن فيه حياة كما يكون فى العجل حقيقة ، بل كان صورة مموّهة وصنعوه صورة العجل.
    __________________
    (1) الأعراف : 142.
    (2) طه : 80.
    (3) صدر بيت لعمر بن أبي ربيعة. أو تمامه :
    أو الربا بينهما أسهلا
    وانظر الحاشية (4 ص 10) من هذا الكتاب.
    (4) البقرة : 51.

    وقيل : من بعد إنجائنا إيّاكم.
    نظيره : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي) (1) أي : من بعد وفاتي (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ) (2) أي عن عبادتكم العجل.
    ومثله : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) (3) أي ذوى هزو.
    ومنه قوله : (وَكُلا مِنْها رَغَداً) (4) أي : من نعيمها.
    نظيره : (فَكُلُوا) (5) (مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ) (6) أي : من نعيمها.
    ومثله فى الأعراف (7).
    ومن ذلك قوله : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ) (Cool.
    أي حبّ عبادة العجل ، فحذف «حب» أولا ، فصار : وأشربوا فى قلوبهم عبادة العجل ، ثم حذف «العبادة».
    ومثله : (مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) (9) أي من أثر تراب حافر فرس الرّسول.
    وقال الكلبىّ (10) : لما ذرّى العجل / فى اليمّ وشربوا منه الماء ظهرت علامة الذّهب على بدن محبّى العجل ، فذلك قوله : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) (11).
    __________________
    (1) البقرة : 133.
    (2) البقرة : 52.
    (3) البقرة : 67.
    (4) البقرة : 35.
    (5) في الأصل. «وكاوا» بتبديل من الناسخ.
    (6) البقرة : 58.
    (7) يريد الاية 161 من سورة الأعراف (... وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ).
    (Cool البقرة : 93.
    (9) طه : 96.
    (10) الكلبي ، هو أبو النضر محمد بن السائب بن بشر ، نسابة مفسر إخباري. كانت وفاته سنة ست وأربعين ومائة. (تهذيب التهذيب 9 : 178 ـ وفيات الأعيان 2 : 301).
    (11) البقرة : 93.

    (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) (1) أي : ذا أمن. وإن شئت «أمنا» كان بمعنى : آمن.
    ومن ذلك قوله تعالى : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ) (2) أي : لها جزاء ما كسبت (وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) (3) أي : جزاء ما كسبتم.
    ومنه قوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خالِدِينَ فِيها) (4) أي فى عقوبة اللعنة ، وهى النار.
    (كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ) (5) أي : جزاء أعمالهم.
    قوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) (6) أي : مثل داعى الذين كفروا (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) (7) لا بد من هذا الإضمار ليكون الداعي بمنزلة الراعي.
    وقيل : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) (Cool : مثل وعظ الذين كفروا ، فحذف المضاف. قال سيبويه : وهذا من أفصح الكلام إيجازا واختصارا ؛ ولأنّ الله تعالى أراد تشبيه شيئين بشيئين: الداعي والكفار ، بالراعي والغنم ؛ فاختصر. وذكر المشبه فى الغنم بالظرف الأول ؛ فدل ما أبقى على ما ألقى. وهذا معنى كلامه.
    ومثله : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) (9) أي أكل الميتة ، فحذف.
    __________________
    (1) البقرة : 125.
    (2) البقرة : 134.
    (3) آل عمران : 87 ، 88. وبدء الآية الأولى : (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ).
    (4) البقرة : 167.
    (5) البقرة : 171.
    (6) إبراهيم : 18.
    (7) البقرة : 173.

    قوله تعالى : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ) (1) [أي : ولكن ذا البر] (2).
    وإن شئت : ولكن البرّ برّ من آمن.
    وإن شئت : «كان البر» بمعنى البار ، فلا يكون من هذا الباب. ولا وجه أن يكون التقدير : ولكن البر بر من آمن ، ليكون ابتداء الكلام على الحقيقة ؛ لأنه إذا حذف منه «ذا» ، أو جعل بمعنى البار ، فعلى الوجهين يكون مغيّرا عن أصله.
    (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) (3) أي : من جناية أخيه ، وتقديره : من جنايته على أخيه. والعفو : التيسير (4) دون الصّفح ، كالذى فى قوله. وآخره عفو لله ، أي يسّر له حيث قبلت الصلاة فى آخره قبولها فى أوله ، لم تضيّق على المصلّى.
    وقال فى موضع آخر : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) (5) الآية. هذا فى قبول الدية فى العمد ، أي من يسر له من أخيه القاتل فاتباع بالمعروف ، أي ليتّبعه ولىّ المقتول بالمعروف ، فيتجمّل في المطالبة ، وليؤدّ المطالب ذلك منه إلى ولىّ المقتول بإحسان فلا يمطله ولا يبخسه ، فقوله تعالى : (وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) (6) مرتفع بالابتداء ، وخبره «له» ، هى مضمرة / فى تقدير الفاعل أن يؤدى إليه أخوه ، والجار فى «بإحسان»
    __________________
    (1) البقرة : 177.
    (2) التكملة من تفسير أبي حيان (2 : 3) وفيه بعد هذا : «قاله الزجاج».
    (3) البقرة : 178.
    (4) في الأصل : «وللعفو اليسير». والصواب ما أثبتناه ، بدليل ما بعده.
    (5) البقرة : 178.

    متعلق بمضمر فى موضع حال. والتقدير : متلبسا بإحسان ، أي محسنا. ولا يتعلق بالمصدر نفسه ، لأنه قد تعلق به «إلى» ، والضمير فى «إليه» ، راجع إلى (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ)(1).
    ومن ذلك قوله : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (2) أي : إلى كرامته.
    ومنه قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (3) أي : فى استيفاء القصاص ، أو فى شرع القصاص.
    ومن ذلك قوله تعالى : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) (4) أي : انتهاك حرمة الشهر الحرام.
    (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) (5) أي : ذات قصاص.
    ومن ذلك قوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) (6) أي : أشهر الحج أشهر وإن شئت : الحج حجّ أشهر.
    وإن شئت كان : الحجّ نفس الأشهر ، مجازا واتساعا ، لكونه فيها.
    __________________
    (1) وقيل : اتباع ، على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي فالحكم أو الواجب ، أو فالأمر اتباع. وجاز أيضا رفعه بإضمار فعل تقديره : فليكن اتباع. وجوزوا أيضا أن يكون مبتدأ محذوف الخبر ، وتقديره : فعلى الولي اتباع القاتل بالدية. وقدروه أيضا متأخرا ، تقديره : فاتباع بالمعروف عليه. وأداء ، لكونه معطوفا على «اتباع» فيكون فيه من الإعراب ما قدروا في «فاتباع» ويكون «بإحسان» متعلقا بقوله «وأداء». وجوزوا أن يكون «وأداء» مبتدأ ، و «بإحسان» هو الخبر (تفسير أبي حيان 2 : 13 ـ 14).
    (2) البقرة : 156.
    (3) البقرة : 179.
    (4) البقرة : 194.
    (6) البقرة : 197.

    ومن ذلك قوله : (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) (1) أي فى استعمالهما. ووقع فى «الحجة» (2) : فى استحلالهما ، وهو فاسد ، لأن استحلالهما كفر ، واستعمالهما إثم.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) (3) أي : ليس من أهل ديني.
    ومن ذلك قوله : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) (4) أي : فروج نسائكم.
    ومثله قوله تعالى : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) (5) أي : تضييع بني عمّى ، فحذف المضاف. والمعنى : على تضييعهم الدين ، ونبذهم إياه ، واطراحهم له ، فسأل ربه وليّا يرث نبوّته.
    ومنه قوله تعالى : (قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ) (6) أي : ملاقون ثواب الله ، كقوله تعالى : (مُلاقُوا رَبِّهِمْ) (7).
    وقوله تعالى : (أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) (Cool أي : ثوابه. وهذا قول نفاة الرؤية. ومن أثبت الرؤية لم يقدّر محذوفا.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) (9) أي : فلتحدث شهادة رجل وامرأتين أن تضل إحداهما.
    __________________
    (1) البقرة : 219.
    (2) هو كتاب : الحجة في القراءات لأبي علي الحسن بن أحمد الفارسي ، المتوفي سنة 377 ه‍.
    (3) البقرة : 249.
    (4) البقرة : 223.
    (5) مريم : 5.
    (6) البقرة : 249.
    (7) البقرة : 46.
    (Cool البقرة : 223.
    (9) البقرة : 282.

    وقال أبو علىّ : لا يتعلق «أن» بقوله : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ... أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) (1) لم يسغ ، ولكن يتعلق «أن» بفعل مضمر دلّ عليه هذا الكلام ، وذلك أن قوله : (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) (2) يدل على قولك : واستشهدوا رجلا وامرأتين ، فتعلّق «أن» إنما هو بهذا الفعل المدلول / عليه من حيث [ما] ذكرناه.
    قال أبو الحسن (3) فى قوله : (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) (4) التقدير : فليكن رجل وامرأتان. وهذا قول حسن ، وذلك أنه لما كان قوله (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) (5) لا بد أن يتعلق بفعل ، وليس فى قوله : (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) (6) فعل ظاهر ، جعل المضمر فعلا يرتفع به النكرة ويتعلق به المصدر ، وكان هذا أولى من تقدير إضمار المبتدأ الذي هو : ممن شهد به رجل وامرأتان ، لأن المصدر الذي هو : أن تضل إحداهما ، لا يجوز أن يتعلّق به ، لفصل الخبر بين الفعل والمصدر.
    فإن قلت : من أي الضّربين تكون «كان» المضمرة فى قوله (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) (7) هل يحتمل أن تكون الناصبة للخبر ، أو تكون التامة؟
    فالقول فى ذلك أن كل واحد منهما يجوز أن يقدّر إضماره ، فإذا أضمرت الذي يقتضى الخبر كان تقديره إضمار المخبر : فليكن ممن يشهدون رجل وامرأتان.
    __________________
    (1) البقرة : 282.
    (2) أبو الحسن ، هو علي بن سليمان بن الفضل النحوي الأخفش الأصغر. توفي 315 ه‍ (بغية الوعاة ص 238).
    (3) البقرة : 282.

    وإنما جاز إضمار هذه ، وإن كان قد قال : لا يجوز : عبد الله المقتول ، وأنت تريد : كن عبد الله المقتول ، لأن ذكرها قد تقدم ، فتكون هذه إذا أضمرتها لتقدّم الذكر بمنزلة المظهرة ؛ ألا ترى أنه لا يجوز العطف على عاملين؟
    ولما تقدم ذكر «كل» فى قوله :
    أكلّ امرى تحسبين امرأ
    ونار توقّد فى اللّيل (1) نارا

    كان «كل» بمنزلة ما قد ذكر فى قوله : ونار توقد بالليل ...
    وكذلك جاز إضمار «كان» المنتصبة للخبر كما أضمر بعد «إن» فى قوله : إن خنجرا فخنجر ، لما كان الحرف يقتضيها.
    ويجوز أن تضمر التامة التي بمعنى الحدوث والوقوع ؛ لأنك إذا أضمرتها أضمرت شيئا ، وإذا أضمرت الأخرى احتجت أن تضمر شيئين ، وكلما قل الإضمار كان أسهل ، فأيهما أضمرت فلا بد من تقدير المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. المعنى : فليحدث شهادة رجل وامرأتين ، أو يقع ، أو نحو ذلك. ألا ترى أنه ليس المعنى : فليحدث رجل وامرأتان ، ولكن لتحدث شهادتهما ، أو تقع ، أو تكن شهادة رجل وامرأتين ممن (2) يشهدون.
    ويجوز أن يتعلق قوله (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) بشىء ثالث ، وهو أن تضمر / خبر المبتدأ ، ويكون العامل فى «أن». وموضع إضماره فيمن فتح الهمزة من (أَنْ تَضِلَّ) قبل أن ، وفيمن كسر «إن» بعد انقضاء الشرط بجوابه. يعنى أن من كسر «إن» يجعل الجملة الشرطية وصفا لقوله (امْرَأَتانِ) والصفة قبل الخبر.
    __________________
    (1) في الأصل : «في الحرب» وما أثبتنا عن سيبويه (الكتاب 1 : 33). يريد : وكل نار. والبيت لأبي داود.
    (2) في الأصل : «مما».

    فقد جاز فى (أَنْ تَضِلَّ) أن تتعلّق بأحد ثلاثة أشياء :
    أحدها : المضمر الذي دل عليه قوله : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ) (1).
    والثاني : الفعل الذي هو : فليشهد رجل وامرأتان.
    والثالث : الفعل ، الذي هو خبر المبتدأ.
    فإن قيل : فإن الشهادة لم توقع للضلال الذي هو النسيان ، إنما وقعت للذكر والحفظ.
    فالقول فى ذلك أن سيبويه قد قال : أمر بالإشهاد لأن تذكّر إحداهما الأخرى ، ومن أجل أن تذكّر إحداهما الأخرى. وذكر الضلال لأنه سبب للإذكار ، كما تقول : أعددته أن تميل الحائط فأدعمه. وهو لا يطلب بذاك ميلان الحائط ، ولكنه أخبره بعلة الدّعم وسببه.
    ومن حذف المضاف قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) (2). أي : فنعم شيئا إبداؤها ، فحذف المضاف ، وهو إبداء ، فاتصل الضمير فصار «ها هى» لأن «ها» يتصل بالاسم. فإذا انفصل قيل : هى.
    ومن ذلك قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) (3). أي : إنّ أكله.
    ومثله : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) (4). أي : وقت دوامى فيهم.
    ومثله : (أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) (5) أي : بوقت لبثكم.
    __________________
    (1) البقرة : 282.
    (2) البقرة : 271.
    (3) النساء : 2.
    (4) المائدة : 117.
    (5) الكهف : 19.

    وقال : (يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها) (1) أي : فى عملها وتأهبها. ويجوز أن تعود «الهاء» إلى «ما» حملا على المعنى.
    ومثله : (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ) (2) أي : من قبل تلاوته.
    ومن حذف المضاف قوله تعالى : (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) (3) أي : جزاء قولهم (4) ، لقوله (5) : (وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ) (6) والوصف القول ، فحذف المضاف كقوله تعالى : (فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) (7) أي : فى دخولها استمتاع لكم. ألا ترى أنه قيل : أراد به البنادق (Cool.
    ومثله : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (9). أي: ليس عليكم جناح العمل وإثمه دون الخطأ.
    ومثله : (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) (10) تقديره تقدير حذف المضاف ، أي : من عقوبة ما يعملون ، أو جزاء ما يعملون. ألا ترى أن الأنبياء تعتزل عن المعاقبين / فى المحلّ إذا عوقبوا ؛ على هذا (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) (11) وقوله تعالى : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) (12) ونحو ذلك. ويجوز أن يكون التقدير : من مشاهدة ما يعملون.
    __________________
    (1) الأنعام : 31.
    (2) يونس : 16.
    (3) الأنعام : 139.
    (4) في الكشاف (2 : 72) : «وصفهم».
    (5) في الأصل : «كقوله».
    (6) الأنعام : 138.
    (7) النور : 29.
    (Cool كذا في الأصل. ولعل توجيه العبارة : «أو الفنادق». أي البيوت المستثناة من الاستئذان. قال الزمخشري (3 : 228) : «استثنى من البيوت التي يجب الاستئذان على داخلها. ما ليس بمسكون منها ، وذلك نحو الفنادق ، وهي الخانات والربط وحوانيت البياعين».
    (9) الأحزاب : 5.
    (10) الشعراء : 169.
    (11) الدخان : 21.
    (12) هود : 81.

    ومثله : (إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) (1) أي : أمور هذه الحياة الدنيا ، وإنما تقضى بوقت هذه الحياة الدنيا ؛ فعلى الأول مفعول ، وعلى الثاني ظرف.
    وكقوله تعالى : (بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) (2) أي : بهزّ جذع النخلة. وقيل : الباء زيادة. وقيل : وهزى إليك رطبا بجذع النّخلة.
    وكقوله تعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ) (3) أي : مواضع الصلاة. ألا ترى أنه إنما يعبر موضع الصلاة ، وموضع الصلاة هو المسجد ؛ لأن سائر المواضع عبوره قد وقع الاتفاق على إباحته.
    ومن ذلك قوله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) (4) أي : من توهين دينكم.
    ومثله قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ) (5) أي : فى مواضع سكناهم ، فحذف المضاف ، والمسكن : السّكنى.
    [و] قال : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) (6) أي : فى مواضع قعود صدق ، فلا يكون من باب قوله :
    فى حلقكم عظم وقد شجينا (7)
    وأمّا جلدها فصليب (Cool
    لأن ذلك فى الشعر.
    __________________
    (1) طه : 72.
    (2) مريم : 25.
    (3) النساء : 43.
    (4) المائدة : 3.
    (5) سبأ : 15.
    (6) القمر : 55.
    (7) عجز بيت للمسيب بن زيد مناة الغنوي ، وصدره :
    لا تنكر القتل وقد سبينا
    والشاهد فيه وضع الحلق موضع الحلوق.
    (Cool جزء من بيت لعلقمة بن عبدة ، والبيت كاملا :
    بها جيف الحسري فأما عظامها
    فبيض وأما جلدها فصليب

    والشاهد فيه وضع الجلد موضع الجلود ، لأنه اسم جنس ينوب واحده عن جميعه ، فأفرد ضرورة لذلك. (الكتاب لسيبويه 1 : 107).

    كذا ذكره سيبويه وأبو علىّ ، وقد وجدنا خلاف ذلك فى التنزيل.
    وقال : (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) (1). وقال : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) (2).
    ومن ذلك قوله تعالى : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ) (3) أي : بعذابكم ، أي : لا وزن لعذابكم عنده لو لا دعاؤكم (4) الآلهة الذين أشركتموها فى عبادته. والمفعول الذي هو مفعول المصدر محذوف ، وكل واحد من الفاعل والمفعول قد يحذف مع المصدر.
    ويجوز أن يكون قوله تعالى : (لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) (5) الآلهة ، أي : عبادتكم إيّاها.
    وعلى هذا قوله تعالى : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) (6) أي : لم يكن يعذّبكم بعذابه لو لا دعاؤكم الآلهة ، ولكن إذا عبدتم داعين إليها ، كما يرغب الموحدون مجتهدين فى دعاء الله وعبادته ، عذّبكم. ويقوّى أن الدعاء يراد به دعاء الآلهة ، الذي هو العبادة لها والرغبة إليها فى دعائها ، قوله : (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) لأنهم إذا دعوا الآلهة فقد كذبوا الموحدين فى توحيدهم وكذّبوا الرسل (فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً). أما فاعل (يَكُونُ) للعذاب المحذوف لذى قد حذف / وأقيم المضاف إليه مقامه ، أي : سوف يكون العذاب لازما لكم. و (لِزاماً) مصدر ، فإما أن يكون بمعنى لازم ، أو يكون : ذا لزام.
    __________________
    (1) إبراهيم : 43.
    (2) الأعراف : 157.
    (3) الفرقان : 77.
    (4) الزمر : 3.

    ومثله : (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) (1) أي : حين كبرهم ؛ لأنهم إذا كبروا زالت ولايتهم عنهم.
    ومثله : (لَحَبِطَ عَنْهُمْ) (2) أي : عن ثواب أعمالهم ، فلهذا عدّاه ب «عن».
    ومثله : (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ) (3) أي : هل يسمعون دعاءكم.
    ومثله : (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) (4) أي : من أجل ما يعلمون ، وهو الطاعة ، كقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (5).
    وقال الله تعالى : (يُسارِعُونَ فِيهِمْ) (6) أي : فى معونتهم.
    وقال الله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (7) أي : من إحدى القريتين : مكة والطائف ، أي : أبى مسعود الثقفي ، [أ] و : الوليد بن المغيرة. هكذا قالوه. وأنكره الأسود ، وقال : هذه الآية نزلت فى الأخنس بن شريق الثّقفي ، وكان من أهل الطائف ، وكان ينزل مكة ، وهو حليف لبنى زهرة ، وهو أحد المنافقين. مطاع ، فلما كان ثقيفيّا من أهل الطائف ثم نزل مكة ، جاز أن يقال : على رجل من القريتين. وهذا ظاهر.
    __________________
    (1) النساء : 6.
    (2) الأنعام : 88.
    (3) الشعراء : 73.
    (4) المعارج : 39.
    (5) الذاريات : 56.
    (6) المائدة : 52.
    (7) الزخرف : 31.

    ومثله : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) (1) المعنى : من مال عباده نصيبا ، لأن الجزء هو النّصيب ؛ كقوله تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ) (2).
    ومثله : (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) (3) أي : وليأخذ باقيهم.
    كقوله تعالى : (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) (4) أي ليتفقّه باقيهم. وقال : (لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) (5) أي : من شرب رجز ؛ كقوله تعالى : (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ)(6).
    وقال الله تعالى : (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) (7) أي : فى محلّ عليين ، وهم الملائكة.
    ومثله : (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا) (Cool أي : مسّ حاجة من فقد ما أوتوا.
    ومثله : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) (9) أي : من ترك ذكر الله.
    ومثله : (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) (10).
    __________________
    (1) الزخرف : 15.
    (2) النحل : 56.
    (3) النساء : 102.
    (4) التوبة : 122.
    (5) سبأ : 5.
    (6) إبراهيم : 16.
    (7) المطففين : 18.
    (Cool الحشر : 9.
    (9) الزمر : 22.
    (10) ص : 32.

    ومثله : (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) (1) أي من بعد إضلال (2) الله إياه ، يطبعه على قلبه ، جزاء بأعمالهم الخبيثة.
    ومثله (اسْتَحَقَّا إِثْماً) (3) أي عقوبة إثم.
    ومثله : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) (4) تقدير هذا الكلام : إنى أريد الكفّ عن قتلى / كراهة أن تبوء بإثم قتلى وإثم فعلك ، الّذى من لا بد من هذا التقدير ، فموضع «أن تبوء» نصب ، لأنه قام مقام «كراهة» الذي كان مفعولا له ، وليس مفعول «أريد».
    ومثله : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) (5) أي : كراهة أن تضلّوا ، ولئلا تضلوا. عن الكوفي. وعن النّحاس : أن موضع (أَنْ تَضِلُّوا) نصب بوقوع الفعل عليه ، أي يبين الله لكم الضلالة.
    ومثله : (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) (6) أي كراهة أن تميد بكم.
    ومثله : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) (7) أي : كراهة أن يؤتى.
    __________________
    (1) الجاثية : 23.
    (2) في الأصل : «عضو». ولا يستقيم بها الكلام. (الكشاف 4 : 291).
    (3) المائدة : 107.
    (4) المائدة : 29.
    (5) النساء : 176.
    (6) النحل : 15.
    (7) آل عمران : 73.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2892
    نقاط : 4517
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اعراب القرأن ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اعراب القرأن ج1   اعراب القرأن ج1 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 7:25 am

    وفيه قول آخر ستراه فى حذف الجار.
    ومثله : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) (1) أي : أسباب الموت ، فحذف المضاف ، يدل عليه : (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ) أي : رأيتم أسبابه ، لأن من رأى الموت لم ير شيئا.
    ومثله : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) (2) أي : شكر رزقكم ، فحذف المضاف.
    ومثله : (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) (3) أي : من فى طلب النار ، أو قرب النار.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) (4).
    قال محمد بن كعب : كانوا ثمانية ، والثامن راعى كلبهم.
    فيكون التقدير : وثامنهم صاحب كلبهم.
    والجمهور على خلافه ، وأنهم كانوا سبعة وثامنهم كلبهم.
    ومثله من حذف المضاف ، قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) (5) أي : عند جزاء عمله.
    __________________
    (1) آل عمران : 143.
    (2) الواقعة : 82.
    (3) النمل : 8.
    (4) الكهف : 22.
    (5) النور : 39.

    قال أبو على فى الآية : معنى (لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) (1) لم يجده وجودا ، فصار قوله «شيئا» موضوعا موضع المصدر ؛ ألا ترى أن التقدير ، لم يدركه ، فهو من وجدان الضالة التي هى رؤيتها وإدراكها.
    وأما قوله تعالى : (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) فإن أبا إسحاق فسّر الوجود هاهنا بما فى الحديث ، من قول القائل : ذرونى فى الريح لعلّى أضل الله ، أي : وجده فلم يضلّ عنه. ويجوز قد أحاط الله بعلمه عنده. ومعنى «عنده» يشبه أن يكون : عند جزاء عمله ، فيكون محيطا لم ينتفع بشىء منه.
    وأما قوله تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ) (2) ، فمعناه : أو كذى ظلمات ، ويدل على حذفه قوله تعالى : / (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) (3). والضمير الذي أضيف إليه (يده) يعود إلى المضاف المحذوف. ومعنى : «ذى ظلمات» : أنه فى ظلمات. ومعنى (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) (4) ظلمة البحر ، وظلمة الموج الذي فوق الموج ، وظلمة الليل.
    وقوله تعالى : (فَنادى فِي الظُّلُماتِ) (5) ظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت. ويجوز أن يكون الالتقام كان فى ليل ، فهذه ظلمات.
    وقوله تعالى : (خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) (6).
    قيل : من ظلمة بطن الأم ، والرحم ، والمشيمة ، عن ابن عباس.
    __________________
    (1) النور : 39.
    (2) النور : 40.
    (3) الأنبياء : 87.
    (4) الزمر : 6.

    وقيل : ظلمة صلب الأب ، ثم بطن الأمّ ، ثم الرّحم.
    فمن قرأ : (سَحابٌ ظُلُماتٌ) (1) بالرفع ، أي : هذه ظلمات.
    ومن جر (ظلمات) ونوّن (سحابا) كان بدلا من ظلمات الأولى ، ومن ذلك قوله تعالى : (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً) (2) ، والمعنى على الصوت ، لأن التّغيّظ لا يسمع.
    ومثله : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) (3) كقوله تعالى : (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) (4) أي : جزاء أعمالهم ، كقوله تعالى : (عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) (5) أي : جزاء ما كسبوا.
    ومثله : (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) (6) تقديره : انما مثل متاع الحياة الدنيا كمثل ماء. يدلك على ذلك قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ) (7).
    وقال : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى) (Cool أي : كمثل الأعمى ، وكمثل السميع ، هل يستويان مثلا ، أي ذوى مثل.
    وقال الله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً) (9) أي : مثل رجل ، (مَثَلاً قَرْيَةً) (10) ، أي : مثلا مثل قرية. و (مَثَلاً رَجُلَيْنِ) (11) أي مثلا مثل رجلين.
    __________________
    (1) النور : 40.
    (2) الفرقان : 12.
    (3) الفرقان : 23.
    (4) محمد : 1 و 8.
    (5) البقرة : 264.
    (6) محمد : 36.
    (7) الجمعة : 5.
    (Cool هود : 24.
    (9) الزمر : 29.
    (10) النحل : 112.
    (11) النحل : 76.

    وقال الله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) (1) أي : مثلا مثل أصحاب القرية.
    وقال مرة أخرى : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ) (2) أي : مثل زينة الحياة الدنيا كمثل زينة الماء ، وزينة الماء نضارة ما ينبته.
    وقال : (قادِرُونَ عَلَيْها) (3) أي : على قطف ثمارها.
    وقوله تعالى : (فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ) (4) أي : فى ملكه. أي ضرب الله مثل عبد مشرك بين شركاء متشاكسين.
    ومثله قوله تعالى : (إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا) (5) أي : شحم الحوايا.
    وقال أبو على فى الآية : الذي حرم عليهم الشّحوم ، والثّروب (6).
    [قال] (7) الكلبي : وكأنه ما خلص فلم يخالط العصب وغيره. فأما «الحوايا» ، فيجوز أن يكون له موضعان : أحدهما رفع ، والآخر نصب.
    فالرفع أن / تعطفها على (حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) كأنه : إلا ما حملته ظهورهما ، أو حملته الحوايا.
    __________________
    (1) يس : 13.
    (2) يونس : 24.
    (3) الزمر : 29.
    (4) الأنعام : 146.
    (5) الثروب : شحوم رقيقة تغشى الكرش والأمعاء.
    (6) تكملة يقتضيها السياق.

    والآخر : أن يريد : إلا ما حملت ظهورهما ، أو شحم الحوايا ، فيحذف الشحم ويقيم الحوايا مقامه.
    والمعنى فى الوجهين التحليل ؛ ألا ترى أن ما حملت الظهور محلّل. وكذلك إذا جعلت موضع «الحوايا» نصبا بالعطف على «إلّا ما حملت» كان أيضا محللا ، (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) (1) ، أي : الإلية. والحوايا : المباعر وبنات اللبن.
    ومثله : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) (2). والتقدير فيه حذف المضاف ، كأنه : سواء منكم اسرار من أسرّ وجهر من جهر ، كما قال الله تعالى : (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) (3).
    وأما الجار فى قوله تعالى : (سَواءٌ مِنْكُمْ) (4) ، فيجوز أن يكون وصفا لسواء ، تقديره : سرّ من أسرّ وجهر من جهر سواء ثابت منكم.
    ويجوز أن يكون متعلقا «بسواء» ، أي : يستوى فيكم. مثل : مررت بزيد.
    ويجوز ألا يكون : جهر من جهر منكم ، وسرّ من أسرّ منكم ، سواء. هكذا قال أبو على [علىّ] (5) الموصول ؛ إلا أن تجعله من باب قوله :
    __________________
    (1) الأنعام : 146.
    (2) الرعد : 10.
    (3) الأنعام : 3.
    (4) الرعد : 10.
    (5) تكملة يقتضيها السياق.

    (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) (1) (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (2) و (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (3)
    ومثله : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ) (4) تقديره : إن المتقين فى ظلال وشرب عيون ، أي : شرب ماء عيون ، وأكل فواكه. يدل على ذلك قوله تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً) (5). وقوله : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً) (6) أي : يشربون من كأس ماء عين ، فحذف «الماء» كما حذف فى الأولى ، فحذف الماء للعلم بأن الماء من العين ، ماؤها لا نفسها.
    ومثله : (لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ) (7) أي : على دعواهم بأنها آلهتهم ، كقوله تعالى : (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ) (Cool أي : دعوى ذنب.
    ومن حذف المضاف قوله تعالى : (وَازْدَادُوا تِسْعاً) (9) أي : لبث تسع. ف «تسعا» منصوب ؛ لأنه مفعول به ، والمضاف معه مقدر.
    ومثله : (جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ) (10) أي : لجزاء يوم لا ريب فيه.
    ومثله : (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) (11) فحذف.
    __________________
    (1) يوسف : 20.
    (2) الأنبياء : 51.
    (3) الأعراف : 20 ـ قال أبو حيان في البحر (5 : 291) : «خرج تعلق الجار إما «بأعني» مضمرة ، أو بمحذوف يدل عليه «من الزاهدين». أي : وكانوا زاهدين فيه من الزاهدين أو بالزاهدين ، لأنه يتسامح في الجار والظرف ، فيجوز فيهما ما لا يجوز في غيرهما».
    (4) المرسلات : 41 ، 42.
    (5) المرسلات : 42 ، 43.
    (6) الإنسان : 5 ، 6.
    (7) الكهف : 15.
    (Cool الشعراء : 14.
    (9) الكهف : 25.
    (10) آل عمران : 9.
    (11) آل عمران : 28.

    ومثله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) (1) أي : عذاب نفسه.
    ومثله : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (2) أي : تحبون دين الله فاتبعوا دينى يحبب الله فعلكم.
    قال أبو علّى (3) : / فى قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) (4) أي: من ترك ذكر الله. ألا ترى أن القلوب إنما تقسو من ترك الذكر لا من الذكر ؛ كما قال الله تعالى : (تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) (5) و (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) (6).
    وقد يمكن أن تكون الآية على ظاهرها ، فتكون القسوة تحدث عن ذكر الله ، وذلك ممن يستكبر ولا ينقاد ولا يخضع ولا يعترف. وقريب من هذا قوله تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) (7) وهؤلاء الذين تشمئزّ قلوبهم عن ذكر الله يجوز أن تقسو من ذكره ، فيكون المعنى بالآية هؤلاء.
    ومن حذف المضاف قوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً) (Cool أي : قتلا ذا خطأ ، فحذف الموصوف والمضاف جميعا.
    ومن هذا الباب قوله تعالى : (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ) (9) أي : جزاؤه واقع ، أي : جزاء الكسب ، فحذف المضاف فاتصل ضمير المنفصل.
    __________________
    (1) آل عمران : 28 ، 30.
    (2) آل عمران : 31.
    (3) انظر الحاشية (رقم 1 ص 22).
    (4) الزمر : 22.
    (5) الزمر : 23.
    (6) الرعد : 28.
    (7) الزمر : 45.
    (Cool النساء : 92.
    (9) الشورى : 22.

    ومثله : (إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) (1) أي : ملاق جزاءه.
    ومثله : (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (2) أي : إلى جزائه وثوابه وجنّته.
    ومثله : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) (3) أي : بقراءة صلاتك ، ألا ترى أن الصلاة لا يخافت بها وإنّما يخافت بالقراءة.
    ومثله : (قَرَّبا قُرْباناً) (4) أي : قرّب كل واحد منهما. فحذف المضاف. كقوله تعالى : (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) (5) أي : فاجلدوا كلّ واحد منهم.
    وقال الله تعالى : (إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) (6) أي : إلى إهلاك قوم مجرمين.
    وقال : (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) (7) أي : جزاء مكرهم.
    ومثله : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) (Cool أي : على كفرهم. [ومثله] (9) : (وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (10) أي : بتوليته.
    وقال : (ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) (11) أي : بمعاناة ملكنا وإصلاحه.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا) (12) أي : كراهة أن تقولوا. وقال الفّراء : لئلّا تقولوا.
    __________________
    (1) الانشقاق : 6.
    (2) الأنعام : 36.
    (3) الإسراء : 110.
    (4) المائدة : 27.
    (5) النور : 4.
    (6) الحجر : 58.
    (7) إبراهيم : 46.
    (Cool النحل : 127.
    (9) تكملة يقتضيها السياق.
    (10) النحل : 100.
    (11) طه : 87.
    (12) الأنعام : 155 و 156.

    وكذلك : (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ) (1) تقديره : أو : كراهة أن تقولوا.
    ومثله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ) (2) إلى قوله ـ (أَنْ تَقُولُوا) (3) / أي : أشهدهم على أنفسهم كراهة أن يقولوا ، فيمن قرأ بالياء. فأما من قرأ بالتاء ، فالتقدير : وقال لهم (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (4) فقال الله تعالى : شهدنا كراهة أن تقولوا. وقيل : (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (5) فقال الله للملائكة : اشهدوا. وقالت الملائكة : شهدنا كراهة أن تقولوا.
    ومن حذف المضاف قوله تعالى : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) (6) تقديره : ساء المثل مثلا مثل القوم الذين كذبوا ، فحذف «المثل» المخصوص بالذم فارتفع «القوم» لقيامه مقامه.
    ومثله : (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) (7) أي : بئس مثل القوم مثل الذين كذبوا ، فحذف المضاف ، فيكون «الذين» على هذا فى موضع الرفع لقيامه مقام المضاف إليه.
    ويجوز أن يكون «الذين» فى موضع الجر وصفا للقوم ، والمخصوص بالذّم مضمر ، والتقدير : بئس مثل القوم المكذبين بآيات الله مثلهم.
    فأما قوله تعالى : (نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا) (Cool أي : أجر الذين صبروا ، فحذف المضاف. فيجوز أن يكون التقدير : فنعم أجر العاملين
    __________________
    (1) الأنعام : 157.
    (2) الأعراف : 172.
    (3) الأعراف : 177.
    (4) الجمعة : 5.
    (5) العنكبوت : 58 ، 59.

    أجر الذين صبروا ، فحذف المضاف. ويكون «الذين» فى موضع الرفع لقيامه مقام الآخر. ويجوز أن يكون «الذين» فى موضع الجر ؛ والتقدير : فنعم أجر العاملين الصابرين أجرهم ، فحذف المخصوص بالمدح.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) (1) أي : سالت مياه أودية. وكذلك قوله تعالى (بِقَدَرِها) يعنى بقدر مياهها. ألا ترى أن المعنى ليس على أنها سالت بقدر أنفسها ؛ لأن أنفسها على حال واحدة ، وإنما تكون كثرة المياه وقلتها ، وشدة جريها ولينه ؛ على قدر قلة المياه المنزلة وكثرتها.
    ومن حذف المضاف قوله تعالى : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) (2) بالتّاء ونصب الباء (3). والمعنى : هل تستطيع سؤال ربك؟ فحذف المضاف. وذكروا الاستطاعة فى سؤالهم لأنهم شكّوا فى استطاعته ، ولكنهم ذكروه على وجه الاجتماع عليه منهم ، كأنهم قالوا : إنك تستطيع فما يمنعك؟ مثل ذلك قولك لصاحبك : أتستطيع أن تذهب عنّى / فإنى مشغول؟ أي : اذهب لأنك غير عاجز عن ذلك.
    وأما «أن» فى قوله : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ) فهو من صلة المصدر المحذوف ، ولا يستقيم الكلام إلا بتقدير ذلك. ألا ترى أنه لا يصلح : هل تستطيع أن يفعل غيرك؟ وإن الاستفهام لا يقع عنه ، كما لا يصح فى الإخبار : أنت تستطيع أن يفعل زيد. «وأن» فى قوله (أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا) (4) متعلق بالمصدر المحذوف على أنه مفعول به.
    __________________
    (1) الرعد : 17.
    (2) المائدة : 112.
    (3) بالتاء أي بالتاء الأولى في «تستطيع». ونصب الباء ، أي باء «ربك». وهذه قراءة علي ومعاذ وابن عباس وعائشة وابن جبير. (البحر المحيط 4 : 54).
    (4) المائدة : 112.

    فإن قلت : هل يصح هذا على قول سيبويه ، وقد قال : إن بعض الاسم لا يضمر فى قوله : إلّا الفرقدان (1). فإن ذلك لا يصح (2) ، لأنه كما ذهب إليه فى قوله :
    ونار توقّد باللّيل نارا (3)
    ومثل حذف المضاف قوله تعالى : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (4) أي ذو عمل ، فحذف المضاف.
    ومثله قوله تعالى : (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (5) أي : على كل قلب كل متكبر ، وذلك فيمن قرأ مضافا ، أعنى «قلبا» ، إذ لا يصح أن يقال : يطبع على جملة كل قلب من المتكبر. إنما المعنى : أنه يطبع على القلوب إذا كانت قلبا قلبا. وقد ظهر هذا المضاف فى قراءة ابن مسعود : (على قلب كلّ متكبّر).
    ومثله : (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ) (6) أي : بإذهابه وإغراقه
    __________________
    (1) جزء من بيت لعمرو بن معدي يكرب ، ويروى لسوّار بن المضرب :
    وكل أخ مفارقة أخوه
    لعمر أبيك إلا الفرقدان

    (2) قال سيبويه : «وإذا قال : ما أتاني أحد إلا زيد. لا يجوز رفع «زيد» على إلا أن يكون ، لأنك لا تضمر الاسم الذي هذا من تمامه ، لأن «أن يكون» اسما. (سيبويه ج 1 ص 371).
    (3) عجز بيت لأبي داود ، صدره :
    أكل امرئ تحسبين امرأ
    والتقدير : وكل نار ، فحذف. (سيبويه 1 : 33). وانظر الحاشية (رقم 1 من صفحة 49) من هذا الجزء.
    (4) هود : 46.
    (5) غافر : 35.
    (6) الإسراء : 86.

    ومن حذف المضاف قوله تعالى : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) (1) تقديره : وما علّمناه صناعة الشّعر ، لأنهم نسبوه عليه‌السلام إلى ذلك فى قوله تعالى : (افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ) (2).
    وقوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) (3) فنفى ذلك. وليس المراد بهذا الكلام أنه لا يقيم بيتا ؛ لأنّ ذلك تكرر عليه مع صحة العقل والسّمع بعد ألا يحفظه. ألا ترى أنّ الصّغار منا ومن يقرب من الأطفال قد يحفظون ذلك ويؤدّونه. والبيت الواحد يكون شعرا إلا أنّ قائله لا يكون شاعرا ، كما أنّ من بنى مفحصا (4) ودرجة ومعلفا ونحو ذلك مما يقلّ [يقال له] بناء. إلا أن فاعله لا يقال له بنّاء ؛ كما أن من أصلح قميصا لا يكون خيّاطا ، وإن كان ذلك الإصلاح خياطة.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ) (5) أي : ثدىّ المراضع.
    قال أبو علىّ : فى الآية يجوز أن يكون جمع المصدر ، كأنه جمع مرضعا مراضع. ويجوز أن يكون المراضع جمع / مرضع ، على أنه صفة للمرأة ، مثل مطفل ومطافل. فيكون التقدير: «ثدىّ المراضع». وعلى الوجه الأول : وحرّمنا عليه الإرضاعات.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (6) أي : أهل القرية. كما قال : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) (7) أي : أهل ناديه.
    __________________
    (1) يس : 69.
    (2) الأنبياء : 5.
    (3) الطور : 30.
    (4) المفحص : حيث تفرخ القطاة.
    (5) القصص : 12.
    (6) يوسف : 82.
    (7) العلق : 17.

    ومن ذلك قوله تعالى : (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) (1) والتقدير: على موطئ عقبيه فنكص عليهما ، فلم يسلك الصّراط السّوى فحاد وزاغ عنه وزال ، فإنما ذلك عليه ، لن يضرّ الله بذلك شيئا.
    ومثله : (انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) (2) أي : على مواطئ أعقابكم. ومن ذلك قوله تعالى : (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) (3) أي : من شرّ ذى الوسواس ، فحذف المضاف.
    قال أبو علىّ فى الآية : فاعل «يوسوس» من قوله (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) : الجنّة.
    وذلك أن أبا الحسن يقول : إن قوله (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) متعلّق «بالوسواس» ، كأنه : من شر الوسواس ، من الجنة والناس. وإذا كان كذلك ففاعل «يوسوس» هو «الجنّة» ولا يمتنع ذلك ، وإن كان لفظ «الجنّة» مؤنّثا ؛ لأن معنى الجن والجنّة واحد. والعائد على هذا إلى الموصول ، الهاء المحذوفة ، أي : الذي يوسوسه ، فحذف.
    فإن قلت : إنّ فى هذا إضمارا قبل الذكر ، كما أن : ضرب غلامه زيد ، كذلك. وإن شئت كان مثل ما حكاه من قوله : إذا كان غدا فائتنى. والحال قد دلّت عليه.
    وإن شئت قدّرت فى «الوسواس» فيكون العائد إلى الموصول ذكر الفاعل فى «يوسوس» : ولا تضمر الهاء كما أضمرت فى الوجه الآخر.
    __________________
    (1) آل عمران : 144.
    (2) آل عمران : 144.
    (3) الناس : 4.

    ومن حذف المضاف قوله تعالى : (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) فى «البقرة» (1) أي : جزاء ما كسبت ؛ وفى «آل عمران» (2) فى موضعين ؛ وفى سورة «النحل» (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) (3) أي : جزاء ما عملت.
    وفى «حم* عسق» (4) و «الجاثية» (5) ، وفى جميع التنزيل.
    ومنه قوله تعالى : (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ) (6) أي ذوو درجات ، عند الجمهور. وقدّره البخاري : لهم درجات ، على نزع الخافض.
    ومن حذف المضاف قوله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) (7).
    قال أبو علىّ : هذا يكون على ضربين : أحدهما : تقلّب وجهك نحو السماء ؛ وهذا يفعله المهتم المتفكر ، فالسماء هذه التي تظل الأرض ، ويكون السماء ما ارتفع وكان خلاف السفل ، أي : تقلّب وجهك فى الهواء. ولا يكون «فى السماء» متعلقا ب «نرى» لأنه سبحانه وتعالى يرى فى السماء وغيرها ، فلا وجه لتخصيص السماء.
    هذه لفظة ذكرها سيبويه فى الأبنية مع كينونته فى باب : سيّد ، وميّت ، مما مقحمة يقلب فيه الواو (Cool.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) (9) المعنى : من قبل مجيئها ، أي : (أُوتِينَا الْعِلْمَ) بالعرش أنه عرشها ، (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) هذا من قول سليمان ، ولذلك قد عطف على هذا من قوله : (قالَ هذا مِنْ فَضْلِ
    __________________
    (1) البقرة : 281.
    (2) آيتا آل عمران تختلفان. فالآية 161 تتفق وآية البقرة. ولكن الآية 25 : (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ).
    (3) النحل : 111.
    (4) كذا في الأصل. وليست من بين آيات هذه السورة «اي سورة الشورى» آية مما يشير إليه المؤلف وثمة آيتان ترجعان إلى ما يشير إليه المؤلف وهما (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) الآية : 30 (بِما كَسَبُوا) الآية 34 والآية التي توائم المساق هي آية الزمر (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) الآية : 70.
    (5) نص الآية في الجاثية (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) رقم 22.
    (6) آل عمران : 163.
    (7) البقرة : 144.
    (Cool كذا وردت هذه العبارة مقحمة في السياق.
    (9) النمل : 42.

    رَبِّي) وأوتينا العلم من قبلها ، أي : كنّا مؤمنين بأنّ الله يقدر من نقل العرش على ثقله ، فى المدة التي ذكرها أنه ينقله فيها ، لأن ذلك بإقدار الله إيّاه على هذا ، من هذا الذي هو معجز له.
    ومن حذف المضاف قوله تعالى : (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ) (1) [أي] : (2) إذا حضر أحدكم أسباب الموت حين الوصية شهادة اثنين.
    ومن ذلك قوله : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) (3) أي. من أحدكم. لأنه لم يأت الجن رسل. قاله ابن جريج.
    وقال الضّحّاك : بل أتتهم الرّسل كما أتت الإنس.
    وقال غيرهما : الرسل التي أتتهم هم النّفر المذكورون فى قوله تعالى : (فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) (4).
    ومن ذلك قوله تعالى : (نَسِيا حُوتَهُما) (5) أي : نسى أحدهما ، وهو يوشع ، لأن الزاد كان فى يده.
    وقال الله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ) (6) أي : فى إحداهما.
    __________________
    (1) المائدة : 106.
    (2) تكملة يقتضيها السياق.
    (3) الأنعام : 130.
    (4) الأحقاف : 29.
    (5) الكهف : 61.
    (6) الشورى : 29.

    وقال : (عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (1) أي : من إحدى القريتين ، وقد تقدّم.
    وقال : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) (2) أي : من أحدهما ، وهو الملح دون العذب.
    ومثله : (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) (3) أي : فى إحداهن.
    وقال الله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ) (4) أي على أحدهما ، وهو الزوج ؛ لأنه آخذ ما أعطى.
    قال : ويراد الزوج دون المرأة ، وإن كانا قد ذكرا جميعا ، كما قال الله تعالى : / (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (5) وموضع طرح تعجل الإثم للمتعجل ، فجعل للمتأخّر الذي لم يقصّر مثل ما جعل على المقصّر.
    قال : وقد تحتمل هذه وجها آخر ، وهو أن يريد : لا يقولن واحد منهما لصاحبه : أنت مقصّر ؛ فيكون المعنى : لا يؤثمن أحدهما صاحبه.
    ومثله : (مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ* مِنْ فِرْعَوْنَ) (6) أي : من عذاب فرعون.
    ومن حذف المضاف قوله تعالى : (لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) (7) أي : لقاء رحمتنا.
    __________________
    (1) الزخرف : 31.
    (2) الرحمن : 22.
    (3) نوح : 16.
    (4) البقرة : 229.
    (5) البقرة : 203.
    (6) الدخان : 30 ، 31.
    (7) الفرقان : 21.

    ومثله : (قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) (1) أي : من ثوابها ، لإنكارهم وكفرهم بها ، فى نحو قوله تعالى : (لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) (2) (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) (3).
    فأما قوله تعالى : (كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) (4) أي : من بعث أصحاب القبور ، يدل على ذلك قوله : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) (5). أو يكون : من مجازاة أهل القبور ، أي : لا يثابون ولا يعاقبون ، ويكون (كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ) الموتى من الآخرة ، فأضمر «من الآخرة» لجرى ذكره. ويكون قوله (مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) متعلقا ب (الْكُفَّارُ) دون (يَئِسَ) محذوف ، لجرى ذكره.
    ومن ذلك قوله تعالى : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) (6) أي : حج الكعبة ، ليكون فى المعنى (قِياماً لِلنَّاسِ) (7).
    ومنه قوله تعالى : (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) (Cool أي : على ذوى خيانة منهم (إِلَّا قَلِيلاً) (9). والاستثناء من المضاف المحذوف.
    ومن حذف المضاف قوله : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) (10) أي : إلا نجوى من أمر.
    قال أبو علىّ : قد تكون موضع «من» نصبا إذا استثنيته من المنتجين ، كما جاء (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) (11) أي. هم منتجون. وقد يكون جزاء ، أي : لا خير
    __________________
    (1) الممتحنة : 13.
    (2) سبأ : 3.
    (3) الجاثية : 24.
    (4) الممتحنة : 13.
    (5) التغابن : 7.
    (6) المائدة : 97.
    (7) المائدة : 13.
    (Cool النساء : 114.
    (9) الإسراء : 47.

    فى كثير من نجواهم إلا فى انتجاء من أمر بصدقة. ويكون هذا على قياس قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى) (1). فهذا لا يكون من المنتجين ، ولكن على الانتجاء. وإنما قال أبو علّى : قد يكون نصبا على أصل الباب كقراءة ابن عامر (2) : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) (3) وقوله تعالى : (إِلَّا امْرَأَتَكَ) (4) إذا استثنيته من «أحد» ونصبته.
    وأما قوله تعالى : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ) (5) فالأظهر فيه أن تكون (ثلاثة) / وصفا لنجوى. والنّجوى هاهنا مثله فى قوله تعالى : (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) (6) ولا يكون جرّا بإضافة النجوى إليه ، كقوله تعالى : (لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) (7).
    ومنه قوله تعالى : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ) (Cool أي : لمسنا غيب السماء ورمناه.
    ومنه قوله تعالى : (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) (9) أي : إلى قول الملأ الأعلى ، وإلى كلام الملأ الأعلى. كقوله تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها) (10) أي : ذوات أسماء.
    __________________
    (1) المجادلة : 8.
    (2) هو عبد الله بن عامر بن يزيد اليحصبي المقرئ. ولد سنة 21 من الهجرة. وكانت وفاته سنة 120 ه‍ (التهذيب 5 : 274).
    (3) النساء : 66.
    (4) هود : 81 والآية : (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ).
    (5) المجادلة : 7.
    (6) الإسراء : 47.
    (7) الزخرف : 80.
    (Cool الجن : 8.
    (9) الصافات : 8.
    (10) النجم : 23 ، سبأ : 3.

    ومن ذلك قوله تعالى : (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) (1) ، أي : عذاب الجحيم ، لأن الوعيد برؤية العذاب لا برؤيتها ، لأن المؤمنين أيضا يرونها ، قال الله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (2).
    ومن ذلك قوله تعالى : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) (3) أي : على مصالح النساء.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) (4) أي : فلا جزاء ظلم إلا على ظالم.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها) (5) أي : عن اعتقادها ، ومثله : (لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا) (6) أي : لن نؤثر اتباعك.
    ومن حذف المضاف قوله تعالى : (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) (7) أي : دين الله ، أو جند الله ، أو نبىّ الله.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) (Cool التقدير : ولا تحسبن بخل الذين كفروا خيرا لهم ، فيمن قرأ بالتاء ، فيكون المضاف محذوفا مفعولا ، وهو تكرار لطول الكلام. و «خيرا» المفعول الثاني.
    __________________
    (1) التكاثر : 6.
    (2) مريم : 71.
    (3) النساء : 34.
    (4) البقرة : 193.
    (5) طه : 16.
    (6) طه : 72.
    (7) آل عمران : 176 ، 177.
    (Cool آل عمران : 180.

    ومن قرأ بالياء ، فقد كفانا سيبويه حيث قال : ومن ذلك قوله عزوجل : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) البخل (هُوَ خَيْراً لَهُمْ) ولم يذكر «البخل» اجتزاء لعلم المخاطب بأنه البخل ، لذكره (يَبْخَلُونَ).
    ومن ذلك قول العرب : من كذب كان شرّا له. يريدون : كان الكذب شرّا له. إلا أنه استغنى بأن المخاطب علم أنه الكذب ، لقوله : كذب ، فى أول حديثه ، فصارت «هو» هاهنا وأخواتها بمنزلة ما إذا كانت لغوا فى أنها لا تغير ما بعدها عن حاله ، قبل أن تذكر.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) (1) المعنى : لقبل عدتهن. لأن العدة الحيض ، والمرأة لا تطلق فى حيضها.
    ألا ترى أن ابن عمر (2) لما طلّق فى الحيض ، أمره بأن يراجعها ثم يطلّقها. فإذا كانت العدة الحيض / ، وكان النهى قد حصل وثبت عن الطلاق فى الحيض ، لم يجز أن يكون المراد إيقاع الطلاق فى العدة ، وإذا لم يجز ذلك ثبت أنه لقبل عدتهن ، إذ ذلك هو الظرف ، وهو المأمور بإيقاع الطلاق [فيه] (3)
    ومن ذلك قوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) (4) المعنى : خذ من مال كل واحد منهم. كقوله تعالى : (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) (5) المعنى : فاجلدوا كل واحد.
    ألا ترى أنه لا تفرق الثمانون على الجماعة ، إنما يضرب كلّ واحد ثمانين.
    __________________
    (1) الطلاق : 1.
    (2) في الأصل : «أن أبو عمر» تحريف. والتصويب من الجامع لأحكام القرآن (18 : 151). وكان عبد الله بن عمر قد طلق امرأته وهي حائض ، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : ليراجعها ثم ليمسكها حتى تحيض حيضة مستقبلة سوى حيضتها التي طلقها فيها ، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا من حيضها قبل أن يمسها».
    (3) تكملة يقتضيها السياق.
    (4) التوبة : 103.
    (5) النور : 4.

    وإذا كان كذلك دلّ أنّ ما دون النّصاب بين الشّريكين لا يحتسب فيه شىء بظاهر قوله : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ) (1).
    ومن حذف المضاف قوله تعالى : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) (2) هو على حذف المضاف ، كأنه قال : تيمموا استعمال صعيد. ولا يكون على الظاهر وغير حذف المضاف ، لخلوّ اللفظ من الفائدة على هذا.
    ألا ترى أن قوله (فَامْسَحُوا) (3) يغنى عن ذلك. وهذا الحذف ينبغى أن يكون على تأويل أبى حنيفة ، لأن أبا يوسف روى عنه فيما حكى الشيخ أنه قال : أمر الله فى آية التيمم شيئين : تيمم ، ومسح.
    وفى قول زفر : لا يلزم أن يقدّر هذا المضاف ، لأنّ المراد كان عنده المسح ، ولا ينبغى أن يكون المراد : تيمموا الصعيد : اقصدوه. لأن من الفقهاء من لم يذهب إليه ؛ لأن زفر كان المعنى عنده : امسحوا ؛ لأن زفر يقول : يصح التيمم بغير النيّة ؛ وأبو حنيفة يقول : لا يصح إلا بالنية ؛ لأن التيمم قصد ، والقصد هو النية. وزفر يقيسه على الوضوء ، فيصير فى الآية تكرار ، لأنه لا يقدّر المضاف ولا يجعل التيمم النية.
    ومن حذف المضاف قوله تعالى : (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) (4) أي من تأسيس أول يوم ، لا بد من ذا ، لأن «من» لا تدخل على «أوّل».
    ومن ذلك قوله تعالى : (تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) (5) يجوز أن يكون الجار والمجرور صفة للمصدر المحذوف ، كأنه : تدور أعينهم دورا
    __________________
    (1) التوبة : 103.
    (2) النساء : 43.
    (3) التوبة : 108.
    (4) الأحزاب : 19.

    كدور الذي يغشى عليه ، أي : كدور عين الذي يغشى عليه من الموت ، أي : من حذر الموت ، أو : من خوف الموت ، أو : من مقارفة الموت.
    ويجوز / أن يكون حالا من المضاف إليه «الأعين» ، أي : تدور أعينهم مشبهين الذي يغشى عليه ، لأن الذي يغشى عليه تدور عينه ، فيكون الكاف على هذا حالا ، وعلى القول الأول وصفا للمحذوف منه ، وفى كلا الأمرين فيه ذكر من هو له.
    ومن حذف المضاف قوله تعالى : (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ) (1) أي : فى ملك ما ملكناكم تخافونهم ، أي : تخافون تسويتهم فى الملك ، لأن سياقة الكلام عليه ، ولا يكون المعنى على : تخافون مكايدتهم أو بأسهم ، لأن ذلك غير مأمون منهم. فالمعنى : تخافون تسويتهم إياكم ، فتقدير المصدر الإضافة إلى الفاعل ، فقوله (كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) (2) أي : كخيفتكم المساواة بينكم. فهو من باب (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (3) ، لأن التسوية بين الأحرار قائمة واقعة ، أي : تخافون المماليك كما تخافون الأحرار. والمراد بأنفسكم : الأحرار.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (4) ، أي ذا ثيابك فطهر ، فحذف المضاف ، فهذا كقوله تعالى (إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ) (5) أي برأك مما رميت به.
    ومن ذلك قوله تعالى (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ) (6) أي صيد ما علّمتم.
    ومنه قوله تعالى (طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً) (7) أي ذا يبس.
    __________________
    (1) الروم : 28.
    (2) الروم : 28.
    (3) البقرة : 194.
    (4) المدثر : 4.
    (5) آل عمران : 42.
    (6) المائدة : 4.
    (7) طه : 77.

    ومن ذلك قوله تعالى : (سُبُلَ السَّلامِ) (1) أي : سبل دار السلام ، يعنى : سبل دار الله. ويجوز أن يكون «السلام» السلامة ، أي : دار السلامة.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ) (2) أي : على مرآة أعين الناس.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ) (3) أي : لا تعرضوا عن أمره وتلقّوه بالطاعة والقبول ، كما قال عزوجل : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) (4).
    ومن ذلك قوله تعالى : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ) (5) أي : أن إخراجكم إذا متّم. لا بد من حذف المضاف ، لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة ، كقولهم : الليلة الهلال.
    ومن ذلك قوله تعالى : (ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) (6) أي : على ألسن رسلك.
    وقال : (ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ) (7) أي : بردّها ، لأنهم إذا سألوا عما يسوؤهم «إذا أظهر لهم فأخبروا به» ردوها ، ومن رد على الأنبياء كفر ، فالتقدير فيه : بردها / وتركهم قبولها.
    __________________
    (1) المائدة : 16.
    (2) الأنبياء : 61.
    (3) الأنفال : 20.
    (4) النور : 63.
    (5) المؤمنون : 35.
    (6) آل عمران : 194.
    (7) المائدة : 102.

    وقال الله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) (1) أي : كراهة أن يكونا ملكين.
    ومن ذلك قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً) (2) أي : من بعد إمرار قوة ، و «قوة» واحد فى معنى الجمع. و «أنكاثا» ، حال مؤكدة ، لأن فى النقض دلالة على النكث.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ) (3) والجن قد تبينوا أنهم لا يعلمون الغيب ، فهو على حذف المضاف ، أي بتبين أمر الجن ، فصار بمنزلة : اجتمعت اليمامة. وحمل «أن» على موضع المحذوف ، ف «أن» بدل من أمر الجن.
    ومن ذلك قوله تعالى ، فى قصة شعيب : (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ) (4) أي : فعل الإصلاح ، لأن الاستطاعة من شرط الفعل دون الإرادة.
    ومن ذلك قوله تعالى : (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) (5) أي : دخول جنات عدن (وَمَنْ صَلَحَ) (6) أي : دخول من صلح.
    فإن قلت : فهل يكون (وَمَنْ صَلَحَ) (7) على : زيدا ضربته وعمرا ، فتحمله على المضمر دون «ضربته» ، فإن ذلك لا يجوز.
    ألا ترى أن «يدخلونها» صفة وليس بخبر ، لأن «جنات عدن» نكرة وليس كزيد. قاله أبو علىّ.
    __________________
    (1) الأعراف : 20.
    (2) النحل : 92.
    (3) سبأ : 14.
    (4) هود : 88.
    (5) الرعد : 22 ، 23.

    وعندى فيه نظر ، لأنّ كون قوله «يدخلونها» صفة لجنات لا يمنع عطف «ومن صلح» على الضمير الذي فيه.
    ومن ذلك قوله تعالى : (قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ) (1) أي : أخذ من وجد فى رحله ، فحذف المضاف.
    ومنه قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ) (2) أي : أمر الله.
    ومنه قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ) (3) أي : أمم النبيين.
    وقال : (كَمَثَلِ رِيحٍ) (4) ، أي : كمثل إنفاق زرع ذى ريح ، فحذف ، أي : فإنفاق بعض هذا الزرع لا يجدى عليه شيئا ، كذلك إنفاق هؤلاء لا يجدى عليهم نفعا ولا يرد عنهم ضيرا. ووصف الزرع بأنه ذو ريح ، فى وقتها كان ، كما أن من قرأ فى قوله تعالى : (سَحابٌ ظُلُماتٌ) (5) أضاف السحاب إلى الظلمات ، لأنه فى وقتها نشأت ، وعلى هذا ينبغى أن يحمل ، ليكون مثل النفقة. ولا تكون النفقة كالريح ولا كمثل الريح ، فانما هو كلام فيه اتساع لمعرفة المخاطبين بالمعنى ، كقولهم : ما رأيت كاليوم رجلا.
    وقدره أبو علىّ / مرة أخرى : كمثل إهلاك ريح ، أو فساد ريح.
    وإن جعلت «ما» بمنزلة «الذي» كان التقدير مثل إفساد ما ينفقون ، وإتلاف ما ينفقون ، كمثل إتلاف ريح ، تقدّر إضافة المصدر إلى المفعول فى الأول ، وفى الثاني إلى الفاعل.
    __________________
    (1) يوسف : 75.
    (2) البقرة : 210.
    (3) آل عمران : 81.
    (4) آل عمران : 117.
    (5) النور : 40.

    وقال فى قوله تعالى : (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ) (1) اللفظ على «تسؤهم» للحسنة ، والتقدير على حذف المضاف ، أي : تسؤهم إصابتك الحسنة ، نقدّر المصدر مضافا إلى المفعول به.
    وكذلك (يَفْرَحُوا بِها) (2) أي : بإصابتكم السيئة.
    ومن ذلك قوله تعالى : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ) (3) أي كإبطال الذي ينفق ، أو كإهلاك الذي ينفق.
    ومن ذلك قوله تعالى : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها) (4) أي : لن ينال ثواب الله (وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى) (5) ، أي : ينال ثواب التّقوى
    ومن ذلك قوله تعالى : (لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) (6) أي : قتال نفسك ، أو : جهاد نفسك. وفى الأخرى : (وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً) (7) ألا ترى أن الإنسان لا يكلّف العين (Cool ، وإنما يكلّف معنى فيه ، كقول الأعشى :
    إلّا كخارجة المكلّف نفسه
    وابني قبيصة أن أغيب ويشهدا (9)

    والتقدير فيه ؛ شرة نفسه. المعنى : والمتكلّف شرة نفسه ، فحذف المضاف إليه (10) ، كما حذف فى الآية.
    ومن ذلك قوله تعالى : (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (11) أي : من قتالهم فى شىء ، نسختها سورة التّوبة. عن الكلبي.
    __________________
    (1) آل عمران : 120.
    (2) البقرة : 264.
    (3) الحج : 37.
    (4) النساء : 84.
    (5) الفرقان : 52.
    (6) أي : ذات المسيء.
    (7) الديوان (ص 153) طبعة أورية.
    (Cool كذا في الأصل ، والمحذوف هنا المضاف لا المضاف إليه.
    (9) الأنعام : 159.

    وقيل : لست عن مخالطتهم فى شىء. نهى نبيّه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عن مقاربتهم ، وامره بمساعدتهم. عن قتادة.
    قال أبو علىّ : (لست منهم) ، كقوله : فإنّي لست منك ، للمبارأة.
    وحمل الجار «فى شىء» على أنه حال من الضمير فى «منهم» على الوجوه كلها.
    ومن ذلك قوله تعالى : (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي) (1) أي : دخول جنات ، فحذف المضاف.
    وقال : (جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) (2) أي : دخول جنات ، كما أن قوله : (فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) (3) كذلك ، لأن جهنم والجنة عين ، فلا يكون حدثا.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ) (4) أي : خلاف خروج رسول الله. والخلاف والخلف واحد ، وهو ظرف.
    وقيل : هو مصدر فى موضع الحال ، أي : فرح المخلّفون / بمقعدهم مخالفين رسول الله ، والمقعد المصدر لا غير لتعلّق «خلاف» به ، والمكان لا يتعلق به شىء. وإن كان «خلاف» مصدرا فهو مضاف إلى المفعول به.
    __________________
    (1) الحديد : 12.
    (2) البينة : 8.
    (3) النساء : 93.
    (4) التوبة : 81.

    و «المقعد» ، و «المثوى» فى قوله تعالى : (النَّارُ مَثْواكُمْ) (1) [و «مغار» فى قول حميد بن ثور] (2) :
    مغار ابن هماّم على حىّ خثعما (3)
    مصادر كلها ، لما يتعلق به ما بعدها ، فالمقعد : القعود. والمثوى : الثواء. والمغار : الإغارة.
    و «الملقى» ، فى قول ذى الرّمة :
    فظل بملقى واجف جرع المعا
    أي : فظل بالإلقاء.
    و «المجرّ» ، فى قول النابغة :
    كأن مجرّ الراسيات ذيولها
    [فالملقى و] (4) المجرّ مصدران.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَقُودُهَا النَّاسُ) (5) لا يكون إلا على الاتساع ، أي : وقودها يلهب الناس.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (6). «ما» ، بمنزلة الذي. ويجوز أن تجعلها مصدرا ، أي : الكتمان. ويريد مع هذا بالكتمان : المكتوم ، أي : ذا الكتمان ، فحذف المضاف ، ويخرج على معنى الحكاية ،
    __________________
    (1) الأنعام : 128.
    (2) التكملة من الكتاب لسيبويه (1 : 120).
    (3) عجز بيت صدره :
    وما هي إلا في إزار وعلقة
    (4) التكملة من الكتاب لسيبويه (1 : 120).
    (5) التحريم : 6.
    (6) البقرة : 72.

    كقوله : (باسِطٌ ذِراعَيْهِ) (1). وإنما قال : (ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (2) لمن علم القاتل وكتم أمره ، دون القاتل ، لأنه يجعد ولا يكتم.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) (3).
    وقال أبو عبيدة (4) : أي : وقودا. وهذا يصح على حذف المضاف والمضاف إليه كله ، أي وكفى بسعير جهنم سعيرا ، لأن السعير هو الاستعار ، و «جهنم» اسم مكان ، فلا يكون ذو الحال الحال إلا على هذا التقدير ، وتكون الحال مؤكّدة كقوله :
    كفى بالنّأي من أسماء كاف
    وقال أبو الحسن فى «سعير» : أي مسعورة. واستدل على ذلك بقوله تعالى : (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ) (5).
    وإن أراد أبو عبيدة بالوقود الحطب ، كان أيضا على حذف المضاف ، أي : وكفى بوقود جهنم وقودا ، والحال أيضا مؤكدة.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً* دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً) (6) انتصب «أجرا» لأن «فضّل» يدل على «أجر» ولا ينتصب بفضّل ، لاستيفائه المجاهدين أولا ، والثاني (7) «على القاعدين». و «درجات» ، أي : أجر درجات ، فحذف ، وهو بدل. أو يكون : «بدرجات» ، فهو ظرف. و «مغفرة» ، أي : وجزاهم / مغفرة ، أو يكون : وغفر مغفرة.
    __________________
    (1) الكهف : 18.
    (2) البقرة : 72.
    (3) النساء : 55.
    (4) ابو عبيدة معمر بن المثنى. وكانت وفاته سنة 209 ه‍.
    (5) التكوير : 12.
    (6) النساء : 95 و 96.
    (7) والثاني ، بمعنى المفعول الثاني للفعل «فضل».

    ومن ذلك قوله تعالى : (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ) (1) أي : اصطياد صيد البر ، لأن الاسم غير محرم. وإن حملت الصيد على المصدر ، والتقدير : صيد وحش البر ، لأن البرّ لا يصاد ، فالصيد هنا مثله فى قوله : (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ) (2) على الوجه الأول.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ) (3) يحتمل أمرين : أحدهما : رسلا قصصنا أخبارهم عليك ورسلا لم نقصص عليك ، أي : لم نقص أخبارهم عليك.
    وقد يكون على : رسلا قصصنا أسماءهم عليك ، ورسلا لم نقصص أسماءهم.
    ففى كلا القولين يكون على تأويل حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.
    ومن ذلك قوله عزوجل : (وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) (4).
    ومن ذلك قوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) (5). والتقدير : أو مثل من كان ميتا ، ليطابق قوله (كَمَنْ مَثَلُهُ) (6) فحذف المضاف. وإن شئت كان التقدير : كمن مثله. فهو كقولهم : أنا أكرم مثلك ، أي أكرمك. وقال عزوجل : (كَمَنْ هُوَ أَعْمى)(7).
    __________________
    (1) المائدة : 996.
    (2) المائدة : 95.
    (3) النساء : 164.
    (4) الأنعام : 52 ويلاحظ أن تعقيب المؤلف على الآية لم يذكر.
    (5) الأنعام : 122.
    (6) الرعد : 19.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2892
    نقاط : 4517
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اعراب القرأن ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اعراب القرأن ج1   اعراب القرأن ج1 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 7:26 am

    ومن ذلك قوله تعالى : (قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) (1) ، أي : من استمتاع الإنس، أي : من استمتاعكم بالإنس ، فحذف بعد ما أضاف إلى المفعول مع الجار ، والمجرور مضمرّ لقوله : (اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) (2).
    ومن ذلك قوله تعالى : (لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا) (3) أي : هدم بنيانهم ، أو حرق بنيانهم.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) (4) أي : كتب ثواب قطعه ، فحذف المضاف ، فصار : كتب لهم قطعه ؛ ثم حذف أيضا «القطع» فارتفع الضمير.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) (5) أي «جزاء فضله ، لأنّ الفضل قد أوتيه.
    ومن ذلك قوله تعالى : (بِدَمٍ كَذِبٍ) (6) أي : ذى كذب ؛ وقيل : بدم مكذوب فيه.
    ومن ذلك قوله تعالى : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) (7) أي : عنب خمر ، فحذف.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) (Cool أي : على معصية ربه ، فحذف المضاف. قال أبو علّى : أي : ساقطا. مثل قوله : جعل قضاء حاجتى بظهر ، أي: نبذه وراء ظهره ، ولم يلتفت إليه.
    __________________
    (1) الأنعام : 128.
    (2) التوبة : 110.
    (3) التوبة : 121.
    (4) هود : 3.
    (5) يوسف : 18.
    (6) يوسف : 36.
    (7) الفرقان : 55.

    وقوله تعالى : / (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً) (1) أي : عقاب يوم.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ) (2) أي : إنّ دخولها ، لقوله : (لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها) (3).
    ومن ذلك قوله تعالى : (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) (4) أي ذا العهد [كان] مسئولا عنه ، وذا الأمانة ، فحذف.
    وقوله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (5) أي : كل أفعال أولئك ، أي : إن ذا العهد كان مسئولا عنه ، أي عن كل الأفعال.
    وقيل : أي : يكون الإنسان هو المسئول عن السمع والبصر والفؤاد ، تسأل عن الإنسان لتكون شهودا عليه وله ، بما فعل من طاعة وارتكب من معصية (6).
    وقيل : يعود إلى «البصر» (7).
    وقيل : يعود إلى «كل».
    ومن ذلك قوله تعالى : (لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ) (Cool أي : لن تخرق عمقها ، أي : لن تبلغ طول ذا ولا خرق ذا وأنت ضعيف عاجز.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) (9) أي : تزيدهم تلاوته خشوعا ، أو سماعهم له.
    __________________
    (1) المزمل : 17.
    (2) المائدة : 26.
    (3) المائدة : 24.
    (4) الإسراء : 34.
    (5) الإسراء : 36.
    (6) وزاد القرطبي (10 : 260) عبارة موضحة : «فالإنسان راع على جوارحه ، فكأنه قال : كل هذه كان الإنسان عنه مسؤولا».
    (7) الأصل : «إلى العصر».
    (Cool الإسراء : 37.
    (9) الإسراء : 109.

    ومن ذلك قوله تعالى : (كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً) (1) أي : دخول جنات الفردوس ، ف «نزلا» ، حال من الضمير المجرور فيمن جعلها جمع نازل. ومن جعله كقوله : (هذا نُزُلُهُمْ) (2) كان خبرا ، والتقدير : كانت لهم ثمر الجنات ، فحذف المضاف.
    ومن ذلك قوله تعالى : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (3) أي : كما بدأ خلقكم تعودون. أي : يعود خلقكم عودا كبدئه. والخلق : اسم الحدث ، لا الذي يراد به المخلوق.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) (4) أي : كان الانفاق ذا قوام بين ذلك.
    وإن شئت علّقت الظرف بما دلّ عليه القوام ، كأنه : [قال] (5) : مستقيما بين الإسراف والإقتار ، فلا تجعله متقدما على المصدر وما يجرى مجراه ، لأن ذلك لا يستقيم.
    وإن شئت علّقته [به] (6) فكان على هذا النّحو.
    وإن شئت علّقته بمحذوف جعلته الخبر ، كأنه قال : بين الإسراف أو التبذير والإقتار ، فأفرد ذلك كما أفرد فى قوله : (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) (7) وكلا «ذلك» وجه حسن.
    ومن ذلك قوله تعالى : (حَسِبَتْهُ لُجَّةً) (Cool أي : حسبت صحن الصّرح من القوارير ماء ذا لجة.
    __________________
    (1) الكهف : 107.
    (2) الواقعة : 56.
    (3) الأعراف : 29.
    (4) الفرقان : 67.
    (5) زيادة يقتضيها السياق.
    (6) البقرة : 68.
    (7) النمل : 44.

    وقال تعالى : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) (1) بمعنى : أدرك ولحق ؛ فالمعنى : أنهم لم يدركوا علم الآخرة ، أي : لم يعلموا حدوثها وكونها. ودل على ذلك / : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) (2) أي : من عملها. ف «فى» بمعنى الباء ، أي : لم يدركوا علمها ، ولم ينظروا فى حقيقتها فيدركوها ، أي إدراك علمهم بحدوثها ، بل هم فى شك من حدوثها ، بل هم عن علمها عمون.
    ومن ذلك قوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ) (3) أي : صاحب سقاية الحاج.
    وقال عزّ من قائل : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) (4) أي : من أهل قرية (هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) (5) أي : أخرجك أهلها.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ) (6) أي : تمليك مغانم ، ويراد به المفعول ، لأن الحرث لا يؤخذ (7).
    ومن ذلك : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا) (Cool [أي : تأويل الرؤيا] ؛ لأن «الرؤيا» إنما هى مخايل ترى فى المنام وليس بحديث فيحتمل الصدق والكذب. والتأويل : حديث ، فيحتمل الصدق والكذب ، و «صدق». فعل يتعدى إلى مفعولين.
    ومن ذلك قوله تعالى : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ) (9) أي : من رهبة الله. والمعنى : يرهبونكم أشد مما ترهبون الله.
    __________________
    (1) النمل : 66.
    (2) التوبة : 19.
    (3) محمد : 13.
    (4) الفتح : 20.
    (5) كلما وردت هذه العبارة ، وهي ليست متصلة بالآية السابقة بل بآية أخرى تتصل بالحرث.
    (6) الفتح : 27.
    (7) الحشر : 13.

    وهذا مثل قوله تعالى فى صفتهم : (وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) (1). وقال عزّ من قائل: (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) (2) فوصفوا فى ذلك بالجبن والفرق. والتقدير : رهبتهم لكم تزيد على رهبة الله. فالمصدر المقدر حذفه فى تقدير الإضافة إلى المفعول به.
    ومن ذلك قوله تعالى : (قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) (3) أي : من صفاء فضة. ويكون قوله «من فضة» صفة للقوارير ، كما أن «قدّروها» صفة.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ) (4) أي : اقتحام العقبة. ثم قال : (فَكُّ رَقَبَةٍ) (5) أي : اقتحامها فكّ رقبة.
    (ثُمَّ كانَ) (6) أي : إن كان ، أي : ثم كونه من الذين ، فحذف «أن» كقوله :
    «أحضر الوغى (7)».
    ومن ذلك قوله تعالى : (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ) (Cool أي : من كل ذى أمر.
    ومن ذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ) (9) أي : من خشية عقاب ربهم. والخشية : خوف فيه تعظيم للمخشىّ منه ، بخلاف الإشفاق ، فكأنه قال : هم حذرون المعاصي من أجل خشية عقاب الله.
    __________________
    (1) التوبة : 56.
    (2) المنافقون : 4.
    (3) الدهر (الإنسان) : 16.
    (4) البلد : 12.
    (5) البلد : 13.
    (6) البلد : 17.
    (7) جزء من بيت لطرفة بن العبد في معلقته ، وهو بتمامة :
    ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغي
    وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي

    (Cool القدر : 4 و 5.
    (9) المؤمنون : 57.

    الثالث
    باب ما جاء في التنزيل معطوفا بالواو والفاء
    وثم من غير ترتيب الثاني على الأول
    / فمن ذلك قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (1) ألا ترى أن الاستعانة على العبادة قبل العبادة.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ) (2).
    وقال عزّ من قائل فى سورة الأعراف : (وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) (3) والقصة قصة واحدة ، ولم يبال بتقديم الدخول وتأخيره عن قول الحطّة.
    ومثله : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) (4) لأن العفو ألّا يكون فى القلب من ذنب المذنب أثر ، والصفح أن يبقى له أثر ما ، ولكن لا تقع به المؤاخذة.
    ومن ذلك قوله تعالى : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) (5) والسجود قبل الركوع ، ولم يبال بتقديم ذكره لمّا كان بالواو ، فوجب أن يجوز تقديم غسل اليد والرجل على غسل الوجه فى قوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (6).
    __________________
    (1) الفاتحة : 4.
    (2) البقرة : 58.
    (3) الأعراف : 161.
    (4) البقرة : 109.
    (5) آل عمران : 43.
    (6) المائدة : 6.

    ومن ذلك قوله تعالى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ) (1) والرفع قبل التّوفّى.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) (2) إلى قوله : (وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً) (3) فأخّر لوطا عن إسماعيل وعيسى.
    نظيره فى النساء : (وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ) (4) وعيسى بعد جماعتهم.
    ومن ذلك قوله تعالى : (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) (5) فى الأعراف ، وفى طه : (بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (70)) (6). وفى الشعراء (7) أيضا ، فبدأ أولا بموسى ثم قدّم هارون فى الأخريين.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً) (Cool وإمطار الحجارة قبل جعل الأسافل أعالي. فقدّم وأخّر الإمطار. نظيره في سورة الحجر(9).
    وقال تعالى : (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) (10) والنذر قبل العذاب.
    وفسر قوله تعالى : (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) (11) أي : وانتفخت لظهور نباتها ، فيكون من هذا الباب ؛ وفسروها بأضعف نباتها ، فلا يكون من هذا الباب.
    __________________
    (1) آل عمران : 55.
    (2) الأنعام : 84.
    (3) الأنعام : 86.
    (4) النساء : 163.
    (5) الأعراف : 122.
    (6) طه : 70.
    (7) الشعراء : 48 (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ). ويظهر من ذلك أن تقديم هارون في سورة طه وحدها.
    (Cool هود : 82.
    (9) يريد قول الله تعالى : (فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) الحجر : 74.
    (10) القمر : 16.
    (11) الحج : 5.

    وأما قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) (1) فلا يخلو «أهلكناها» من أن يكون خبرا أو صفة ؛ فالذى يقوّى الخبر قوله تعالى / : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) (2). وقوله تعالى : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ) (3). فكما أن «كم» فى هذه المواضع محمولة على «أهلكنا» كذلك إذا شغل عنها الفعل بالضمير ترتفع بالابتداء ، مثل زيدا ضربت ، وزيد ضربته. ومن قال : زيدا ضربته ، كان قوله تعالى :
    (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) «كم» فى موضع النصب.
    فإن قلت : فما وجه دخول الفاء فى قوله (فَجاءَها بَأْسُنا) والبأس لا يأتى المهلكين ، إنما يجيئهم البأس قبل الإهلاك ، ومن مجىء البأس يكون الإهلاك ، فإنه يكون المعنى فى قوله (أَهْلَكْناها) قربت من الهلاك ولم تهلك بعد ، ولكن لقربها من الهلاك ودنوها وقع عليها لفظ الماضي ، لمقاربتها له وإحانته إياها. ونظير هذا قولهم : قد قامت الصلاة ، إذا كان المقيم مفردا ، وإن لم تقع التحريمة بها ، للقرب من التحريمة بها. ومنه قول رؤبة :
    يا حكم الوارث عن عبد الملك
    أوديت إن لم تحب حبو المعتنك (4)

    فأوقع لفظ الماضي على الهلاك لمقاربته منه ، ومراده الآتي. ألا ترى أنك لا تقول : أتيتك إن قمت ؛ وإنما تقول : آتيك إن قمت. فمن حيث كان معناه الآتي ، قال : إن لم تحب ، ومن حيث قارب ذاك أوقع عليه لفظ
    __________________
    (1) الأعراف : 3.
    (2) القصص : 58.
    (3) الإسراء : 17.
    (4) اعتنك البعير : حبا في العانك فلم يقدر على السير. والعانك : الرمل إذا تعقد وارتفع. يقول : هلكت إن لم تحمل حمالتي بجهد.

    الماضي ، وكأن المعنى : كم من قرية قاربت الهلاك فجاءها البأس ليلا أو نهارا فأهلكناها ، خبر على هذا. وقوله (فَجاءَها) معطوف. فإن جعلت (أَهْلَكْناها) صفة للقرية ولم تجعله خبرا ، ف «كم» فى المعنى هى القرية. فإذا وصفت القرية فكأنك قد وصفت «ك» إذ كان «كم» فى المعنى هو القرية. ويدلك على ذلك قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) (1) فعاد الذكر على «كم» على المعنى ، إذ كانت الملائكة فى المعنى. وعلى هذا قال : (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) (2) فيعاد مرّة الذكر على لفظ القرية ، ومرة على معناها ، فيكون دخول الفاء فى قوله : (فَجاءَها بَأْسُنا) (3) على حد : كل رجل جاءنى فله درهم ؛ فيكون المعنى : كم من قرية جاءها الهلاك فقاربت البأس ، فكان سبب الإهلاك / مجىء البأس ، لأن الإهلاك إنما يكون عما يستحق له الإهلاك ، فكأنها استحقت الإهلاك فجاءها البأس ، فصار نزول البأس استحقاق ذلك. فإذا سلكت فيه هذا المسلك لم يجز فى موضع (كَمْ) النصب (4) لأن من قال : زيدا ضربته ، لا يقول : أزيدا أنت رجل تضربه ؛ إذا جعلت تضربه صفة للرجل. وكذلك (أَهْلَكْناها) إذا جعلتها صفة ولم تجعلها خبرا. ويكون قوله (فَجاءَها) فى موضع الخبر ، كما أن قوله فله درهم ، من قولك : كل رجل يأتينى فله درهم ، فى موضع الخبر.
    ويجوز أيضا أن تكون الفاء عاطفة جملة على جملة ، على تقدير : جاءها البأس قبل الإهلاك ؛ لأن المعنى يدل على أن البأس مجئ الإهلاك ، فصار (فَجاءَها بَأْسُنا) كالتبيين للإهلاك لهم ، والتعريف لوقته.
    __________________
    (1) النجم : 26.
    (2) الأعراف : 4.
    (3) في الأصل «لأن إن». وفيها زيادة من الناسخ.

    قال أبو سعيد (1) : دخول الفاء فى هذا الموضع ونحوه يجرى مجرى الفاء فى جواب الشرط ، وجواب الشرط قد يكون متأخرا فى الكلام ومتقدما فى المعنى ، كقول القائل : من يظهر منه الفعل المحكم فهو عالم به ؛ ومن يقتصد فى نفقته فهو عاقل. ومعلوم أن العلم بالفعل المحكم قبل ظهوره ، وعقل المقتصد قبل الاقتصاد [ممتنع] (2). وإنّما يقدر فى ذلك : من يظهر منه الفعل فيحكم أنه عالم به.
    وكذلك لو جعلناه (3) جزاء فقلنا : زيد إن ظهر منه الفعل المحكم فهو عالم ، فهو محكوم له بالعلم بعد ظهور ذلك.
    وكذلك قوله تعالى : (فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً) (4) لما أهلكها الله حكم بأن البأس جاءها بياتا أو بالنهار. ونحو هذا فى القرآن والكلام كثير. قال الله تعالى : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ) (5) والخطاب لليهود بعد قتل أسلافهم الأنبياء ، على معنى : لم ترضون بذلك؟
    وقال عز من قائل : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) (6) إلى قوله (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) (7) الآية. ومعلوم أنه لا يشترط فى الآخرة شروط الثواب والعقاب. وفى هذا جوابان ، أحدهما : أن معنى (فَمَنْ يَعْمَلْ) أي : فمن يظهر ذلك اليوم فى صحيفته خير أو شر يرى مكافأته.
    __________________
    (1) هو أبو سعيد الحسن بن عبد الله النحوي. ولد سنة 284 ه‍. وكانت وفاته سنة 368 ه‍. (وفيات الأعيان ـ نزهة الألباء).
    (2) تكملة يقتضيها السياق.
    (3) في الأصل : «لو جعلته».
    (4) الأعراف : 4.
    (5) البقرة : 91.
    (6) الزلزلة : 1.
    (7) الزلزلة : 17.

    والآخر : / أن المعنى : فمن يعمل فى الدنيا. ويكون كون الفاء بعد ذكر ما ذكر فى الآخرة على معنى : أن ما يكونه الله فى الآخرة من الشدائد التي ذكرها توجب أنه من عمل فى الدنيا خيرا أو شرّا يره ، كما يقول القائل : الآخرة دار المجازاة فمن يعمل خيرا يره. ولم يرد خيرا مستأنفا دون ما عمله العاملون.
    وقد يكون ذلك أيضا على مذهب الإرادة ، فيكون التقدير : وكم من قرية أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا كما قال الله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) (1) والقيام بعد غسل الوجه. والمعنى : إذا أردتم القيام إلى الصلاة.
    قال الفرّاء : ربما أتى ما بعد الفاء سابقا إذا كان فى الكلام دليل السّبق. فإذا عدم الدليل لم يجز. وذكر قول الله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) (2) فذكر عن قوم قالوا : البأس قبل الإهلاك ، كما تأولوا فى «ثمّ» مثل هذا فى قوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) (3) [أي] ثم خلقكم منها. وقيل : معناها : خلقكم من نفس وحدها ثمّ جعل الزوج منها بعد التوحيد ، فأفادت واحدة هذا المعنى.
    قال : والأجود فى قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) (4) أن يريد : ولقد خلقنا أصلكم الذي هو آدم ، كما قال : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً) (5) ، معناه : خلق أصلكم ، الذي هو آدم ، من طين.
    __________________
    (1) المائدة : 7.
    (2) الأعراف : 4.
    (3) الزمر : 6.
    (4) الأعراف : 10.
    (5) الأنعام : 2.

    وقال الفرّاء فى قوله تعالى : (فَجاءَها بَأْسُنا) (1) إذا كان الشيئان يقعان فى حال واحدة نسقت بأيهما شئت على الآخر بالفاء كقولك : أعطيتنى فأحسنت ، وأحسنت فأعطيتنى ؛ لا فرق بين الكلامين ؛ لأن الإحسان والإعطاء وقتهما واحد.
    قال أبو سعيد (2) : وهذا مشبه الذي بدأت به فى تفسيره ، إلا أنه متى جعلنا أحدهما شرطا جاز أن يجعل الآخر جوابا ، فتدخل الفاء حيث جاز أن تكون جوابا ، كقولك : إن أعطيتنى أحسنت ، وإن أحسنت أعطيت ، وإن يعط فإنه محسن ، وإن يحسن فإنه معط.
    وقال غير الفراء فى قوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) (3) / : معناه / ثم كان قد استوى على العرش قبل أن يخلق السموات والأرض.
    وهذا يشبه الجواب الذي حكاه الفرّاء فى قوله : (فَجاءَها بَأْسُنا) (4).
    وقالوا فيها جوابا آخر ، على جعل «ثمّ» للتقديم ، تقديره : هو الّذى خلق السّموات والأرض ، أي أخبركم بخلقهما ، ثم استوى ، ثم أخبركم بالاستواء.
    ومثله : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ) (5) أي : فأخبرهم بالإلقاء ، ثم أخبرهم بالتّولّى.
    __________________
    (1) الأعراف : 4.
    (2) انظر الحاشية (2 ص 99) من هذا الجزء.
    (3) الحديد : 4.
    (4) النمل : 28.

    ومثله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) (1) وقد قال قبله : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) (2) وقال : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (3) ثم يكون «ثم استوى» على الإخبار ، ويكون الدّحو بعد (4) ، وخلق الأرض قبل خلق السماء ، وقيل فى قوله تعالى : (ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ) (5) فليس التولي الانصراف ، وإنما معناه ، تنحّ عنهم بعد إلقاء الكتاب إليهم بحيث يكونون عنك بمرأى ومسمع ، فانظر ماذا يردّون من جواب الكتاب.
    وقيل فى قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (6) أي : مع ذلك. كما قال : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) (7) أي : مع ذلك. وعكسه قوله تعالى : (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ) (Cool أي : بعد العسر.
    وأما قوله تعالى : (لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (9) أي : ثم دام وثبت على الاهتداء. وهذا كقوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (10).
    والمعنى فى ذلك : الدوام على الإيمان والعمل الصالح ، لأن الإيمان الذي يحظر النفس والمال قد تقدم فيما ذكر فى قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ
    __________________
    (1) فصلت : 11.
    (2) فصلت : 9.
    (3) النازعات : 30.
    (4) في الأصل : «ويكون أن يكون الدحو».
    (5) النمل : 28.
    (6) القلم : 13.
    (7) الانشراح : 6.
    (Cool طه : 82.
    (9) المائدة : 93.

    آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فقال بعد : (إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا)(1).
    ومما يبين أن المعنى فيه ما ذكرت قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) (2) وفى الأخرى (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (3) والمعنى : اتبعوا التوحيد ثم داموا عليه وأقاموا. فاستقام / مثل أقام ، كاستجاب وأجاب.
    وقال أبو الحسن (4) فى قوله تعالى : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) (5) : إن «ثمّ» زيادة. والمعنى على ما قال : لأن المعنى : حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت تاب عليهم ليتوبوا. فجواب الجزاء ، إن لم تقدّر «ثمّ» زيادة ، غير مذكور.
    فإن قال قائل : إن «ثمّ» زيادة فى قوله : (ثُمَّ اهْتَدى) (6) كما قال أبو الحسن (7) فى الآية الأخرى ، فإنه يكون قوله (اهْتَدى) بعد تقدير زيادة «ثمّ» على تقديرين :
    أحدهما : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) (Cool إنسانا مهتديا ، ويكون حالا. ولم يقع بعد ، فإنه كقوله : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) (9).
    ويجوز أن يكون على إضمار «قد» على تقدير : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) (10) أي : قد كنتم.
    وقال أبو على فى قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) (11) على ما تقدم من حذف المضاف. وعلى قولهم : هزمناكم ، أي : هزمنا إيّاكم ، كقوله : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَاللهِ) (12) أي : فلم قتلتم.
    __________________
    (1) المائدة : 93.
    (2) فصلت : 30.
    (3) الأحقاف : 13.
    (4 ، 7) هو أبو الحسن علي بن سليمان. وانظر الحاشية (2 ص 48).
    (5) التوبة : 118.
    (6) طه : 82.
    (7) المائدة : 95.
    (Cool البقرة : 28.
    (9) الأعراف : 1.
    (10) البقرة : 91.

    وأما قوله تعالى : (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) (1) بعد قوله (قُلْ تَعالَوْا) (2) فالتقدير : ثم قل : آتينا موسى الكتاب.
    وكذلك قوله : (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). (3)
    هو على ترتيب الخبر ، أي : أخبركم أولا بخلقه من تراب ، ثم أخبركم بقوله «كن».
    وأما قوله : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (4) وبعده (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) (5) فهو مثل الأول فى ترتيب الخبر.
    وأما قوله تعالى : (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) (6) أي : اثبتوا على التوبة ودوموا عليه.
    قال عثمان (7) فى بعض كلامه فى قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) (Cool : «الواو» وإن كان لا يوجب الترتيب ، فإن لتقديم المقدّم حظّا وفضلا على المؤخّر.
    ألا ترى كيف قال : (أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) فقدّم المؤخّر فى موضع تعداد النّعم ، فكان أولى.
    وقال أبو علىّ أيضا فى موضع آخر فى قوله تعالى (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) (9) ثمّ ، زائدة ؛ وقد يجوز أن يكون جواب «إذا» محذوفا ، و «ثمّ تاب عليهم»
    __________________
    (1) الأنعام : 154.
    (2) الأنعام : 151.
    (3) آل عمران : 59.
    (4) البلد : 11.
    (5) البلد : 17.
    (6) هود : 3.
    (7) هو : أبو الفتح عثمان بن جني.
    (Cool الفتح : 24.
    (9) التوبة : 118.

    معطوف على جملة الكلام ، أي : حتى إذا / ضاقت عليهم الأرض تنصّلوا وتندّموا ، ثم تاب عليهم. و «إذا» بعد «حتى» للجزاء ، وهى بمعنى : متى ، أي : متى ضاقت عليهم الأرض.
    وأما قوله تعالى : (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (1) فإن «ثم» للعطف على تراخ ، وقد عطفت فى الآية «النحر» الذي هو بآخرة ، أو «الطواف» الذي هو الخاتمة ، على الانتفاع بما يقام فى المناسك فى الدين ، أو بمنافع البدن والهدايا فى الدنيا ، على القولين ، وكذلك «إلى» التي هى غاية الفرائض ، إما لنحر الهدايا ، وإما للطواف الذي هو غاية إقامة جمع الواجبات.
    وقيل معناه : إن أجرها على رب البيت العتيق.
    وأما قوله تعالى : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (2) فقد قيل هذا على الإخبار أيضا ، أي : ثم أخبركم بالسؤال عن النعيم ، لأن السؤال قبل رؤية الجحيم.
    وقيل : بل المعنى يقال لكم : أين نعيمكم فى النار وأين نمتعكم به؟ وشاهد هذه الآي البيت المعروف ، وهو قوله :
    قل للّذى ساد ثمّ ساد أبوه
    ثمّ ساد من بعد ذلك جدّه (3)

    ومعلوم أن سيادة الجد قبل سيادة أبيه ، وسيادة أبيه قبل سيادته أولا ، ثم أخبركم بسيادة أبيه ثانيا ، ثم أخبركم بسيادة جده ثالثا.
    __________________
    (1) الحج : 33.
    (2) التكاثر : 8.
    (3) الرواية في المغني (ج 1 : 105) :
    إن من ساد ثم ساد أبوه
    ثم قد ساد قبل ذلك جده



    الرابع
    هذا باب ما جاء في التنزيل وقد حذف منه حرف الجر
    فمن ذلك قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (1). التقدير : اهدنا إلى الصراط ، فحذف «إلى» ، دليله قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (2) ، وقوله تعالى : (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً) (3) ؛ لأن العرب تقول : هديته إلى الطريق ؛ فإذا قال : هديته الطريق ، فقد حذف «إلى».
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ) (4) أي : بأن لهم ، فحذف الباء وانتصب «أن» على مذهب سيبويه ، وبقي الجر عند الخليل والكسائي. وحجاجهم مذكور فى الخلاف.
    وعلى هذا جميع ما جاء فى التنزيل من قوله : (يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً) (5) فى / بنى إسرائيل والكهف ، دليله ظهوره فى قوله تعالى : (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ) (6). وقوله : (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ) (7) ، وقوله : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ) (Cool ، وقوله : (بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ) (9) ، وقوله : (يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى)(10) ، وقوله : (لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ) (11).
    ومن ذلك قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها)(12) أي : لا يستحيى من ضرب المثل ، فحذف «من». ويكثر
    __________________
    (1) الفاتحة : 5.
    (2) الشورى : 52.
    (3) النساء : 175.
    (4) البقرة : 25.
    (5) الإسراء ـ بني إسرائيل : 9 ، الكهف : 2.
    (6) النساء : 138.
    (7) التوبة : 21.
    (Cool هود : 71.
    (9) الحجر : 55.
    (10) آل عمران : 39.
    (11) مريم : 97.
    (12) البقرة : 26.

    حذف المثل لجر من أن (1) ويقلّ مع المصدر ؛ يحسن «أن يصرب» والتقدير : من أن يضرب ، ولا يحسن حذف : من ضرب. وأما قوله «بعوضة» فقيل : التقدير : أن يضرب مثلا ببعوضة ، و «ما» صلة زائدة ، فحذف الباء.
    وقيل : أن يضرب مثلا ما بين بعوضة فما فوقها ـ عن الفراء ـ فحذف «بين».
    وقيل : «ما» ، نكرة فى تقدير : شىء ، و «بعوضة» بدل منه.
    وقال أبو علىّ ، فى معنى الآية : لا يجوز فى القياس أن يريد أصغر منها.
    وقد حكى عن الكلبي أنه يريد : دونها.
    وقال ابن عبّاس «فما فوقها» الذباب فوق البعوضة ، وهو الحسن.
    قال أبو علىّ : وإنما يجوز هذا فى الصفة ، هذا صغير وفوق الصغير ، وقليل وفوق القليل ، أي جاوز القليل.
    فأما هذه نملة وفوق النملة ، وحمار وفوق الحمار ؛ يريد أصغر من النملة ومن الحمار ، فلا يجوز ذلك ؛ لأن «هذا» اسم ليس فيه معنى الصفة التي جاز فيها ذلك.
    الفرّاء : «فما فوقها» ، يريد : أكبر منها ، وهو العنكبوت والذباب. ولو جعلت فى مثله من الكلام «فما فوقها» تريد أصغر منها ، لجاز ، ولست
    __________________
    (1) هكذا الأصل. ولعل صواب العبارة : «ويكثر حذف من مع الفعل».

    أستحسنه ، لأن البعوضة غاية فى الصغر ، فأحبّ إلىّ أن أجعل «فما فوقها» أكبر منها.
    ألا ترى أنك تقول : تعطى من الزكاة الخمسون فما دونها ، والدرهم فما فوقه ، ويضيق الكلام أن تقول : فوقه فيهما ، أو دونه فيهما. وموضع حسنها فى الكلام أن يقول القائل : إن فلانا لشريف. فيقول السامع : وفوق ذلك ؛ يريد المدح. أو يقول : إنه لبخيل. فيقول : وفوق ذلك. يريد بكليهما معنى أكبر. فإذا عرّفت الرجل فقلت : دون ذاك ؛ فكأنك تحطّه عن غاية الشرف ، أو غاية البخل.
    / ومن ذلك قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) (1) أي : بأن تذبحوا ، لأن «أمر» فعل يتعدى إلى مفعولين ، الثاني منهما بالباء ؛ دليله (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ)(2).
    ومثله : (أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ) (3) أي : من أن أكون.
    ومثله : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) (4) أي : فى أن يؤمنوا لكم.
    ومن ذلك قوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ) (5) أي : بغيا لأن ينزّل الله ، فإن «ينزّل الله» متعلق ب «بغيا» بواسطة حرف الجر. و «بغيا» مفعول له ، و «أن يكفروا» رفع مخصوص بالذم. و «ما اشتروا» ، «ما» يجوز أن يكون نصبا على تقدير : بئس شيئا ؛ ويجوز أن يكون رفعا على تقدير : بئس الذي اشتروا به.
    __________________
    (1) البقرة : 67.
    (2) البقرة : 44.
    (3) البقرة : 67.
    (4) البقرة : 75.
    (5) البقرة : 90.

    ومن ذلك قوله تعالى : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) (1) أي : فى نفسه ، فحذف «فى».
    وقال قوم : سفه ، بمعنى سفّه.
    وقال قوم : هو تمييز. والمعرفة لا تكون تمييزا.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) (2).
    قال عثمان (3) : يمكن أن يكون تقديره : فمن عفى له من أخيه عن شىء ، فلما حذف حرف الجر ارتفع «شىء» لوقوعه موقع الفاعل ؛ كما أنك لو قلت : سير بزيد ، ثم حذفت الباء ، قلت : سير زيد.
    ومثل حذف «عن» فى التنزيل قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) (4) والتقدير : فقد ضل عن سواء السبيل.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ) (5) أي : بأن طهرا بيتي.
    ومنه قوله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) (6) أي : فى أن يطوف ؛ وكذلك : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) (7) أي : فى أن تبتغوا.
    __________________
    (1) البقرة : 130.
    (2) البقرة : 178.
    (3) هو عثمان بن جني النحوي ، وقد مر التعريف به.
    (4) البقرة : 108.
    (5) البقرة : 125.
    (6) البقرة : 158.
    (7) البقرة : 198.

    ومثله قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا) (1) أي : فى أن تبرّوا.
    وقال أبو إسحاق : بل «أن تبروا» مبتدأ ، والخبر محذوف. أي : البرّ والتقوى أولى.
    ومنه قوله تعالى : (أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) (2) أي لأولادكم.
    ومنه قوله تعالى : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) (3) أي : على عقدة النكاح ، لقوله(4) :
    / عزمت على إقامة ذى صباح
    ليوم (5) ما يسوّد من يسود.

    ومثله قوله تعالى : (وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ) (6) التقدير : ما لنا فى ألا نقاتل ، فحذف «فى».
    وقال الأخفش : إن «أن» زائدة ، أي ما لنا غير مقاتلين ؛ لأن قوله «لا نقاتل» فى موضع الحال.
    وعن بعض الكوفيين : إنما دخلت «أن» لأن معناه : ما يمنعنا ، فلذلك دخلت «أن» ، لأن الكلام : مالك تفعل كذا وكذا.
    قال أبو علىّ : والقول هو الأول.
    __________________
    (1) البقرة : 224.
    (2) البقرة : 233.
    (3) البقرة : 235.
    (4) البيت لرجل من خثعم. (الكتاب 1 : 116).
    (5) رواية الكتاب : «لشيء». وفي هامشه : «لأمر». والشاهد فيه جرذي صباح بالإضافة توسعا ومجازا ، والوجه فيه أن يستعمل ظرفا لقلة تمكنه.
    (6) البقرة : 246.

    وجه قول أبى الحسن إن «أن» لغو كإذن ، يكون لغوا ، كما تكون هى ، وكما تكون عوامل الأسماء لغوا ، ولا يمنعها كونها لغوا من العمل فى معمولها ، كما لم تمتنع عوامل الأسماء ، كقوله تعالى : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ) (1).
    فإن قال قائل : فهلّا أجاز فى «لن» أيضا كما أجاز فى «أن» كذلك ، فإن هذا لا يلزمه ، لأن «أن» أشد تصرفا من «لن» وهى لذلك أحمل للتوسع وأجلد به.
    ألا ترى أنها تدخل على الماضي والمستقبل ، وتدخل على أمثلة الأمر ، كقولك : كتبت إليه بأن قم ، وليس شىء من هذا فى «لن».
    ألا ترى أنها تلزم المستقبل ولا تتجاوز عن ذلك ، إلا أن الوجه فيها مع ذلك ألّا تكون ك «إذن» لأن «إذن» إذا وقع بعدها فعل الحال ألغيت ولم تعمل فيه ، و «أن» قد عملت هنا ، فلو كانت مثل «إذن» لوجب ألا تعمل فيما بعدها من الفعل ، كما لم تعمل «إذن» إذا كان الفعل الذي بعده فعل الحال ، ألا ترى أن الاسم فى «مالك قائما» ينتصب على الحال ، فكذلك الفعل بعد «إذن» هنا فعل حال ، فلو كانت «أن» ك «إذن» لوجب ألا تعمل فى فعل الحال كما لم تعمل «إذن» فيه ، فى نحو قولك : إذا حدّثت بحديث : إذن أظنك كاذبا. وأيضا فلا يجوز أن تكون «أن» مثل «إذن» فى أن تلغى كما تلغى «إذن».
    ألا ترى أن فيها من الاتساع أكثر مما فى «أن» ، تقول : أنا أقوم إذن ؛ فلا توليه فعلا. وتقول : إذن والله أقوم ، فتفصل بينه وبين الفعل.
    __________________
    (1) الحاقة : 47.

    والإلغاء سائغ فيه. فإذا كان له من التصرف ما ليس «لأن» ، لم / ينكر أن يجوز فيه الإلغاء ، فلا يجوز فى «أن» لكون تصرفها أقل من تصرف «إذن».
    وجوّز أبو الحسن أن يكون المعنى : وما لنا فى ألّا نقاتل. وهذا أوضح ، ويكون «أن» مع حرف الجر فى موضع النصب على الحال ، كقوله تعالى : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) (1) ونحو ذلك ، ثم حذف الحرف فسدّ «أن» وصلتها ذلك المسدّ. والحال فى الأصل هو الجالب للحرف المقدّر ، إلا أنه ترك إظهاره لدلالة المنصوب عنه عليه.
    ومثل هذه الآية فى التنزيل : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا) (2) أي : ما لكم فى ألّا تأكلوا
    ومن إضمار حرف الجر قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) (3) أي : لأن آتاه الله الملك.
    ومنه قوله تعالى : (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) (4) أي : إلّا على إغماض فيه ، و «على» مع المجرور فى موضع الحال ، أي : إلّا مغمضين فيه.
    ومن حذف حرف الجر قوله تعالى : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) (5).
    __________________
    (1) المدثر : 49.
    (2) الأنعام : 119.
    (3) البقرة : 258.
    (4) البقرة : 267.
    (5) آل عمران : 73.

    الذي عليه البصريّون حذف المضاف على تقدير : كراهة أن يؤتى.
    قال أبو علىّ : فى الآية «أن» لا يخلو من أن يكون منتصبا بأنه مفعول به ، أو مفعول له ؛ فلا يجوز أن ينتصب بأنه مفعول به ؛ وذلك أن الفعل قد تعدّى باللام إلى قوله: (لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) (1) كما تعدى بها فى قوله : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) (2) فإذا انتصب هذا بأنه مفعول به لم ينتصب به مفعول آخر ، فإذا لم ينتصب بأنه مفعول به انتصب بالوجه [الآخر] (3) ، والتقدير : لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم : كراهة ذكر أن يؤتى أحد ، وذكر أن يحاجّوكم. والدليل على انتصابه بهذا الوجه : قوله فى الآية الأخرى (إِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ) (4) وكما أن قوله (لِيُحَاجُّوكُمْ) فى هذه الآية مفعول له ، وقد دخلت اللام عليه ؛ وكذلك قوله (أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) منتصب بالعطف على ما هو مفعول له.
    / وهذه الآية عندنا على غير ما قاله الشيخ رحمه‌الله ، والتقدير : ولا تؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، أو يحاجوكم عند ربكم ، إلا من تبع دينكم ، فالباء مضمر ، و «أن يؤتى» مفعول «لا تؤمنوا» واللام زيادة ، ومن تبع دينكم استثناء من «أحد» على التقدير الذي ذكرنا.
    ويجوز أن يكون قوله (لمن تبع دينكم) ، «من» صلة «تؤمنوا» وإنما لا يتعدى الفعل بحرفين إذا كانا متفقين ، وأما إذا كانا مختلفين فالتعدّى بهما جائز. وقد استقصينا هذه المسألة فى غير كتاب من كتبنا.
    __________________
    (1) آل عمران : 73.
    (2) يوسف : 17.
    (3) تكملة يقتضيها السياق.
    (4) البقرة : 76.

    ومن ذلك قوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) (1) أي من قومه ، فحذف «من».
    ومنه قوله تعالى : (فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً) (2) أي : بظلم وزور ، فحذف الباء. وإن زعمت على أنه ليس على حذف الباء ، وإنما هو من باب (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) (3) لم يمكنك تقدير «زور» على لفظه ، وإنما تقدّره : ظالمين مزورين ، فتعدل أيضا عما تلزمنيه. فقد ثبت أنه على تقدير : فقد جاءوا بظلم وزور.
    ومنه قوله تعالى : (وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا) (4) أي : من أن يقولوا ، أي : يضيق صدرك من مقالتهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ) (5).
    ومن ذلك قوله تعالى : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ* أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) (6) أي : لأن كان ذا مال ، فحذف اللام. وفيما يتعلق به هذا اللام اختلاف واضطراب : فى قول أبى علىّ ، مرّة : هو متعلق بمحذوف ولم يعلقه بقوله (إِذا تُتْلى) (7) ولا بقوله [«قال» الذي هو جواب «إذا»] (Cool قال : لأن ما بعد «إذا» لا يعمل فيما قبله.
    وقال مرة : بقوله «عتلّ» وهذا كلامه على تفرقة.
    قال فى التذكرة (9) : ومن لم يدخل همزة (10) الاستفهام كان «أن» متعلقا ب «عتل» وذلك كأنه القليل الانقياد ، وأنشد أبو زيد :
    وعتل داويته من العتل
    من قول ما قيل وقيل لم يقل

    __________________
    (1) الأعراف : 155.
    (2) الفرقان : 4.
    (3) العاديات : 1.
    (4) هود : 12.
    (5) القلم : 13 ، 14.
    (6) القلم : 15.
    (7) كتاب كبير في علوم العربية.
    (Cool في المخطوطة بياض بقدر كلمتين إشارة إلى كلام ساقط ، والتكملة من الكشاف (4 : 588).
    (9) في المخطوطة : «مرة». ولعل الصواب ما أثبتناه.

    فإن قلت : كيف جاز تعلّقه بقوله «عتل» وهو موصوف؟ وما يعمل عمل الفعل ، إذا وصف لم يعمل عمله ، ألا ترى أنه لم يستجز ولم يستحسن : مررت / بضارب ظريف زيدا؟ وقد وصف «عتل» ب «زنيم».
    فالقول : إن ذلك إنما لم يستحسن لخروجه بالصفة إلى شبه الاسم ، وبعده من شبه الفعل ، وقد يعمل ما يبعد من شبه الأسماء ، نحو : مررت برجل خير منه أبوه ؛ وإن كان غير ذلك أحسن. والإعمال فى الآية له مزيّة ، وإن كان قد وصف ، وذلك أن حرف الجرّ كأنه ثابت فى اللفظ ، لطول الكلام ب «أن» ، ولأنّ «أن». قد صارت كالبدل منه ؛ ومن ثم قال الخليل فى هذا النحو : إنه فى موضع جر ، وإذا كان كذلك فقد يعمل بتوسط الحرف. وقد ينتصب «أن» من وجه آخر غير ما ذكرنا ، وذلك أن قوله : (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (1) يدل على الإنكار والاستكبار وترك الانقياد ، فأعمل هذا المعنى ، الذي دل عليه هذا الكلام ، فى «أن» وكان التقدير ، استكبر وكفر ، لأن كان ذا مال وبنين.
    فأما من أدخل الهمزة فقال : أأن كان ذا مال وبنين. فقد يكون فى موضع النصب أيضا من وجهين :
    أحدهما : أن ما تقدم مما دلّ عليه من قوله «عتل» صار بمنزلة الملفوظ به بعد الاستفهام ، فكأنه : ألأن كان ذا مال وبنين يعتل أو يكفر أو يستكبر ، ونحو ذلك.
    __________________
    (1) القلم : 15.

    كما أن ما تقدم من ذكر قوله : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ)(1) صار كالمذكور بعد قوله : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) (2) ، ويكون (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا) كلاما مستأنفا.
    [ثانيهما (3)] : ويجوز أيضا مع الاستفهام أن يعمل فى «أن» ما دل عليه قوله : (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ).
    كما جاز أن يعمل إذا لم يدخل الاستفهام ؛ ومثل ذلك قوله تعالى : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) (4).
    ومن حذف الجر قوله : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ) (5) أي : من أن تكون.
    وكذلك : (إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ) (6) أي : من سؤالك.
    فأما قوله فى التنزيل : (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) (7) إن حملت «السماء» / على التي هى تظل الأرض ، أو على السحاب ، كان من هذا الباب ، وكان التقدير : يرسل من السماء عليكم مدرارا. فيكون «مدرارا» مفعولا به. وإن حملت «السماء» على المطر ، كان مفعولا به ، ويكون انتصاب «مدرارا» على الحال.
    ويقوّى الوجه الأول (فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) (Cool ، (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ) (9) ، (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) (10) وغير ذلك من الآي.
    __________________
    (1) يونس : 90.
    (2) يونس : 91.
    (3) تكملة يقتضيها السياق.
    (4) الفرقان : 22.
    (5) هود : 46.
    (6) هود : 47.
    (7) هود : 52.
    (Cool الحجر : 22.
    (9) النور : 43.
    (10) البقرة : 22.

    ومن ذلك قوله تعالى : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) (1) والتقدير : يخوفكم بأوليائه. فحذف المفعول والباء.
    وقيل : الأولياء : المنافقون ، لأن الشيطان يخوف المنافقين.
    وأما قوله تعالى : (فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) (2) فقيل : التقدير : لا يضل عن ربى ، أي : الكتاب لا يضل عن ربى ولا ينساه ربى ، فحذفت «عن».
    وقيل التقدير : لا يضل ربى عنه ، فحذف الجار مع المجرور ، والجملة فى موضع جر صفة للكتاب.
    ومن ذلك قوله تعالى : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (3) أي : على صراطك.
    وقال : (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) (4) أي : على كل مرصد.
    قال أبو إسحاق : قال أبو عبيدة : المعنى كل طريق.
    وقال أبو الحسن : «على» محذوفة. المعنى : على كل مرصد. وأنشد :
    نغالى الّلحم للأضياف نيئا (5)
    أي : باللحم ، فحذف الباء ، وكذلك حذف «على».
    قال أبو إسحاق : (كُلَّ مَرْصَدٍ) ظرف ، كقولك : ذهبت مذهبا ، وذهبت طريقا ، وذهبت كلّ طريق ، فلست تحتاج إلى أن تقول فى هذا الأمر بقوله فى الظروف ، نحو : خلف وقدام.
    __________________
    (1) آل عمران : 175.
    (2) طه : 52.
    (3) الأعراف : 16.
    (4) التوبة : 5.
    (5) عجز البيت كما في اللسان «غلا» : «ونرخصه إذا نضج القديد».

    قال أبو علىّ : القول فى هذا عندى كما قال ، وليس يحتاج فى هذا إلى تقدير «على» إذا كان «المرصد» اسما للمكان. كما أنك إذا قلت : ذهبت مذهبا ، ودخلت مدخلا ، فجعلت «المدخل» و «المذهب» اسمين للمكان لم نحتج إلى «على» ولا إلى تقدير حرف جر. إلا أن أبا الحسن ذهب إلى أن «المرصد» اسم للطريق ، كما فسّره أبو عبيدة. وإذا كان اسما للطريق كان مخصوصا ، وإذا كان مخصوصا وجب ألّا يصل / الفعل الذي لا يتعدى إليه إلا بحرف جر ، نحو : ذهبت إلى زيد ، ودخلت به ، وخرجت به ، وقعدت على الطريق ؛ إلا أن يجىء فى شىء من ذلك اتساع ، فيكون الحرف معه محذوفا ، كما حكاه سيبويه من قولهم : ذهبت الشام ، ودخلت البيت (1). فالأسماء المخصوصة إذا تعدّت إليها الأفعال التي لا تتعدّى فإنما هو على الاتساع. والحكم فى تعدّيها إليها ، والأصل أن يكون بالحرف.
    وقد غلط أبو إسحاق فى قوله : (كُلَّ مَرْصَدٍ) (2) حيث جعله ظرفا كالطريق ، كقولك : ذهبت مذهبا ، وذهبت طريقا ، وذهبت كل مذهب ، فى أن جعل «الطريق» ظرفا كالمذهب ، وليس «الطريق» بظرف.
    __________________
    (1) الكتاب (1 : 16).
    (2) التوبة : 6.

    ألا ترى أنه مكان مخصوص ، كما أن البيت والمسجد مخصوصان. وقد نص سيبويه على اختصاصه ، والنص يدل على أنه ليس كالمذهب. ألا ترى أنه حمل قول ساعدة (1) :
    لدن بهزّ الكفّ يعسل متنه
    فيه كما عسل الطّريق الثّعلب (2)

    على أنه قد حذف معه الحرف اتساعا ، كما حذف عنده من : ذهبت الشام.
    وقد قال أبو إسحاق فى هذا المعنى خلاف ما قاله هذا. ألا ترى أنه قال فى قوله تعالى : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (3) أي : على صراطك.
    قال : ولا اختلاف بين النحويين أن «على» محذوفة.
    ومن حذف الجار قوله تعالى : (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) (4) أي : فى أن يجاهدوا ، فحذف «فى».
    وقال : (وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) (5) أي : لأن دعوا ، فحذف اللام.
    وأما قوله : (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) (6) فقد قالوا : التقدير : ثم يسره للسبيل ، وإنها كناية الولد المخلوق من النطفة فى قوله (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ) (7) ثم يسره للسبيل ، فحذف اللام وقدّم المفعول ، لأن «يسر» يتعدى
    __________________
    (1) هو ساعدة بن جؤية. وانظر الكتاب لسيبويه (1 : 16).
    (2) يعسل : يضطرب. وعسل الطريق : أي عسل في الطريق ، فحذف وأوصل.
    (3) الأعراف : 16.
    (4) التوبة : 44.
    (5) مريم : 90 ، 91.
    (6) عبس : 20.
    (7) عبس : 18 ، 19.

    الى مفعولين ، أحدهما باللام ؛ قال : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) (1) ، / (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) (2) ، (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) (3).
    ولو قالوا إن التقدير : ثم السبيل يسره له ، فحذف الجار والمجرور ، لكان أحسن. كقوله تعالى : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) (4) فينصب إذ ذاك «السبيل» بمضمر فسره «يسره».
    ومن ذلك قوله تعالى : (سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) (5) أي : إلى سيرتها ، أو : كسيرتها.
    ومن حذف حرف الجر قوله تعالى : (نُودِيَ يا مُوسى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) (6) فيمن فتح ؛ والتقدير : بأنى أنا ربك ، لأنك تقول : ناديت زيدا بكذا.
    ومثله : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ) (7) فيمن فتح الهمزة ، أي : نادته بأن الله.
    فأما من كسر الهمزتين فى الموضعين فبإضمار القول ، وما قام مقام فاعل «نودى» ضمير موسى ، أي : نودى هو يا موسى. ويجوز أن يقوم المصدر مقام الفاعل ، ولا يجوز أن يقوم «يا موسى» مقام الفاعل ، لأنه جملة.
    هذا كلامه فى «الحجة» (Cool. وقد جرى فيه على أصلهم حيث خالفوا سيبويه فى قوله : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) (9) ، من أن
    __________________
    (1) الأعلى : 8.
    (2) الليل : 7.
    (3) الليل : 10.
    (4) طه : 25 و 26.
    (5) طه : 21.
    (6) طه : 11 ، 12.
    (7) آل عمران : 39.
    (Cool هو كتاب الحجة في القراءات لأبي علي الحسن بن أحمد الفارسي المتوفي سنة 377 ه‍.
    (9) يوسف : 35.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2892
    نقاط : 4517
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اعراب القرأن ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اعراب القرأن ج1   اعراب القرأن ج1 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 7:28 am

    الفاعل هو المصدر دون ليسجننه). بخلاف مذهبه ـ أعنى سيبويه ـ حيث جعل (لَيَسْجُنُنَّهُ) الفاعل وإن كان جملة. فإذا كان كذلك كان فى قوله : (يا مُوسى) بمنزلة (لَيَسْجُنُنَّهُ) عند سيبويه ، هذا سهو.
    ومثله : (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) (1) فى قراءة حمزة ، بفتح الألف والتشديد والألف والنون على تقدير : ولأنا اخترناك فاستمع لما يوحى ؛ أي : استمع لما يوحى لأنا اخترناك ، فاللام الأولى بمعنى إلى ، لو لا ذلك لم يجز ، لأنه لا يتعدّى فعل واحد بحر فى جر متفقين ، وإن اختلفوا فى المختلفين.
    وزعم الفارسىّ أن قوله (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) محمول على (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) (2) فسبحان الله ـ إن من قرأ (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) بالفتح يقرأ (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) ـ وهو ابن كثير. وأبو عمرو ـ فكيف نحمل عليه! إنما ذلك على قوله (فَاسْتَمِعْ) أو على المعنى ، لأنه لما قال (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) (3) / كأنه قال : اخلع نعليك لأنك بالوادي المقدس طوى. ولو قال ذلك صريحا لصلح (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) على تقدير : ولأنا اخترناك : أي : اخلع نعليك لهذا ولهذا.
    ومثله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) (4) أي : لأن جاءه الأعمى ، فحذف اللام.
    ومثله : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) (5) أي : وفجرنا من الأرض عيونا. أو يكون كقوله (جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً) (6) [أي] (7) بظلم. والتقدير : وفجرنا الأرض بعيون.
    __________________
    (1) طه : 13 والقراءة المشهورة : (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ).
    (2) طه : 12.
    (3) عبس : 1 ، 2.
    (4) القمر : 12.
    (5) الفرقان : 4.
    (6) تكملة يقتضيها السياق.

    ومن ذلك قوله تعالى : (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً) (1) أي : بيوم ، فحذف الحرف ، وأوصل للفعل ، وليس بظرف ، لأن الكفر لا يكون يومئذ لارتفاع الشّبه لما يشاهد. وقيل : التقدير ، كيف تتقون عقاب يوم؟
    ومن ذلك قوله تعالى : (تَبْغُونَها عِوَجاً) (2) حكم تعدّيه إلى أحد المفعولين أن يكون بحرف الجر ، نحو : بغيت لك خيرا ، ثم يحذف الجار.
    وحكى فى قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً) (3) أي : دينا غير الإسلام ف ، «غير» على هذا وصف للنكرة فتقدّم عليها ، فانتصب على الحال ؛ نحو : فيها قائما رجل.
    ومن ذلك قوله تعالى : (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) (4) أي : على من فى النار.
    كما قال : (وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ) (5). وقال : (إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) (6).
    فكأنه قال : باركت على من فى النار من دخل فيها. ولكن على معنى : من قرب منها ومن داناها ، فحذف المضاف.
    فإن قلت : ف «من حولها» بقربها ، فما معنى التكرير؟
    قيل : لا يدل «حول كذا» على التقريب ، لأنك تقول : هو يطوف حول البيت ، ويكون متراخيا عنه.
    __________________
    (1) المزمل : 17.
    (2) آل عمران : 99.
    (3) آل عمران : 85.
    (4) النمل : 8.
    (5) الصافات : 113.
    (6) الأنبياء : 71.

    وأبين من هذا قوله تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ) (1) والأعراب لا يكونون فى الأكثر إلا متراخين عن البلدان.
    فالمعنى : أن بورك من فى قرب النار أو طلب النار ومن فى بعدها ، ومن حولها : الملائكة وغيرهم. والقريب منها موسى ، لأنه أراد أن يحمل نارا إلى أهله ليصطلوا بها.
    ومثله قوله تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) (2) أي : قربه ولم يتوغّل فيه.
    ومن ذلك : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً) (3) فمن فتح أراد : لأن كنتم.
    والمعنى : أفنضرب عنكم ذكر الانتقام / منكم والعقوبة لكم لأن كنتم قوما مسرفين.
    وهذا يقرب من قوله : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (4) وانتصاب «صفحا» على المصدر ، من باب : (صُنْعَ اللهِ) (5) ، و (كِتابَ اللهِ) (6) ، و (وَعَدَ اللهُ)(7).
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ) (Cool أي : على أمركم.
    ومن هذا الباب قوله : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (9) والتقدير : يسبحون بالليل. كقوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) (10).
    __________________
    (1) التوبة : 101.
    (2) القصص : 23.
    (3) الزخرف : 5.
    (4) القيامة : 36.
    (5) النمل : 88.
    (6) النساء : 24.
    (7) النساء : 122 ، يونس : 4.
    (Cool يونس : 71.
    (9) الأنبياء : 20.
    (10) النور : 36.

    فأما قوله : (وَالنَّهارَ) فقيل : هو منصوب بقوله (لا يَفْتُرُونَ) والأحسن أن يكون عطفا على «اللّيل».
    ومثله : (وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) (1) فإنه يجوز أن يحمل على «عن» تقديره : معكوفا عن أن يبلغ محله. فلما كانت «أن» الموصولة بالفعل قد طال الكلام بها جاز إضمار الجار.
    ويجوز النصب فى موضع «أن» على هذا ، والعامل فيه على ضريين : أحدهما أن يكون التقدير : والهدى معكوفا كراهة أن يبلغ ، أو لئلا يبلغ محله ؛ على تقدير الكوفيين.
    فإن قلت : فإن «معكوفا» يقتضى حرف جر على تقدير «على» ـ ولا يكون متعديا بنفسه ، والتنزيل يشهد بصحة ذا ؛ قال عز من قائل : (يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) (2). و (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) (3).
    قيل : هو محمول على المعنى ، كأنه قال : والهدى محبوسا كراهة أن يبلغ ، كالرّفث حيث حمل على الإفضاء فى قوله : (الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ). (4) وجاز ذا لأن المسلمين أحصروا إذ ذاك ، ويكون «معكوفا» فى بابه ، كمدرهم (5) ، حيث لم يقل درهم ، ومفؤود ، للجبان ، و «بماء معين» (6) ، ولم يقل : عين ، وكذلك لم يقل : عكف.
    __________________
    (1) الفتح : 25.
    (2) الأعراف : 138.
    (3) الحج : 25.
    (4) البقرة : 187.
    (5) مدرهم : كثير الدراهم.
    (6) الملك : 30.

    وإن حملته على (وَصَدُّوكُمْ) كان فيه إضمار «عن» كالأول ، أو يكون من باب (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) (1) أو يكون من باب : بمن تمرر أمرر ؛ ولم يحتج إلى : امر ربه ؛ لجرى الأول. فكذا لم يحتج إلى «عن» لذكره (عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).
    ومن ذلك قوله تعالى : (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ) (2) أي : لأن تكون. فموضع «أن» نصب ، مفعول له وقدّره الزجاج : بأن يكون ، فحذف الباء.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) (3). أي : فى مكانه.
    وكذلك / قوله تعالى (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا) (4) أي : فى أن تبتغوا. لقوله : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) (5) فحذف «فى».
    وقال : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) (6) يجوز أن يكون : وترغبون فى أن تنكحوهن لجمالهن (7) ؛ ويجوز أن يكون : وترغبون عن نكاحهن لدمامتهن.
    وأما قوله تعالى : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ) (Cool فقد قيل : التقدير : يستضعفون فى مشارق الأرض ، أي. جعلنا الذين يستضعفون فى مشارق الأرض ومغاربها ملوك الشام ومصر.
    __________________
    (1) الأعراف : 155.
    (2) النحل : 92.
    (3) الأعراف : 143.
    (4) البقرة : 198.
    (5) الأحزاب : 5.
    (6) النساء : 127.
    (7) في الأصل «لمالها».
    (Cool الأعراف : 137.

    وأنكر الطّبرى (1) هذا القول ، واعتل بأنهم ما كانوا يستضعفون إلا فى أرض مصر من جهة القبط.
    وغلط الطّبرى ، لأنه ظن أنهم لا يكونون مستضعفين إلا بعد أن يقتل أبناؤهم وتستحيا نساؤهم ، ويلزموا أن يضربوا لبنا صلبا بلا تبن ، وليس كذلك ، لأنهم لمّا تفردوا بدين إبراهيم ، ولم يكن يدين به فى ذلك الوقت أحد ، إلا وكانوا مدفوعين عندهم غير مقبولين ، ومقهورين غير مالكين.
    ألا ترى أنّ قوما منهم صاروا بعد «بختنصر» إلى أرض فارس ، وكانوا أذلّ من بها ، لمفارقتهم لهم فى أديانهم. والشأن فى أنه أنكر هذا القول ، ولم يذكر هو شيئا يعبأ به ، لأنه قال : أورثهم مشارق الشام ؛ وذلك مما يلى الشرق منها ، ومغاربها التي باركنا فيها.
    وقيل : التقدير : أورثنا مشارق هذه الأرض التي أغرقنا مالكيها وسالكيها.
    فإذا نصبت «مشارق» بأورثنا ، كان قوله «التي» جرّا ، صفة ل «الأرض» المجرورة ، وإذا نصبت «مشارق» ب «يستضعفون» ، كان «التي» نصبا ، صفة موصوف محذوف منصوب ب «أورثنا» أي : أورثناهم الأرض التي باركنا فيها.
    __________________
    (1) هو أبو جعفر محمد بن جرير يزيد الطبري ، المؤرخ المفسر. وكانت وفاته سنة 310 ه‍.

    ومثله قوله تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) (1) ففى موضع (أَنِ) قولان :
    أحدهما : أن يكون بتقدير الباء ، أي : أرسلناه بأن اعبدوا الله ؛ فانتصب بالنّزع.
    والثاني : أن تكون (أَنِ) بمعنى «أي» المفسّرة.
    وأما قوله فى التنزيل : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) (2) و (لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) (3) (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ / فِي الْآخِرَةِ) (4) فبعضهم يحمله على إضمار «من». أي : من أن لهم النار (5) ، فيحمل «لا جرم» على معنى : لا بد. وهذا لا يصح ، لأن «جرم» يقتضى مرفوعا ، لأنه فعل ماض عندنا.
    وذهب الفرّاء (6) إلى أن «جرم» معمول «لا» وهو اسم ، وهو جار مجرى القسم.
    وقيل : إن «أن» منصوبة الموضع ، مفعول «جرم».
    وقال بعض الكوفيين : جرم : أصله الفعل الماضي ، فحول عن طريق الفعل ، ومنع التصرف ، فلم يكن له مستقبل ولا دائم ولا مصدر ، وجعل مع «لا» قسما ، وتركت «الميم» على فتحها الذي كان عليها فى المضي ، كما نقلوا
    __________________
    (1) النحل : 36.
    (2) النحل : 62.
    (3) غافر (المؤمن) : 43.
    (4) هود : 22 ، والنحل : 109 وقد كتبت الآية في الأصل «لا جرم أن لهم في الآخرة».
    (5) كأن في الكلام استكفاء ، لعدوله عن التقدير في الآيتين الأخريين.
    (6) هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور ، أبو زكريا ، إمام الكوفيين. وله كتاب المعاني في التفسير ، والجمع والتثنية في القرآن ، وغيرهما. توفي سنة 207 ه‍.

    «حاشى» ـ وهو فعل ماض ، مستقبله : يحاشى ، ودائمه : محاش ، ومصدره : محاشاة ـ من باب الانفعال إلى باب الأدوات ، لمّا أزالوه عن التصرّف.
    والصحيح أنه فعل ماض ، وتجعل «لا» داخلة عليه ، وهو مذهب سيبويه.
    ومن أصحابه من يجعلها جوابا لما قبله. ومثله : يقول الرجل كان كذا وكذا ، وفعلوا كذا ، فيقول : لا جرم أنهم سيندمون.
    وبيّن غير الخليل (1) وقال : إنه ردّ على أهل الكفر فيما قدّروه ، من اندفاع عقوبة الكفر ومضرّته عنهم يوم القيامة.
    وقد ذكر حجاج هؤلاء فى «المختلف» (2).
    ومن ذلك قوله تعالى : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) (3) أي ، كدعاء بعضكم على بعض. فالمصدر فى قوله (دُعاءَ الرَّسُولِ) مضاف إلى الفاعل ، أي : كدعاء الرسول عليكم.
    وقيل : لا تجعلوا دعاءه إياكم إلى الحرب كدعاء بعضكم بعضا إليها ، فيكون أيضا مضافا إلى الفاعل.
    __________________
    (1) هو ابو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي ، اللغوي الأديب ، وكانت وفاته سنة 170 ه‍.
    (2) لعله : «مختلف الرواية» لعلاء الدين محمد بن عبد الحميد ، المعروف بالعلاء السمرقندي المتوفي سنة 552 ه‍. ذكر فيه مختلف الرواية ، وذكر لخلاف كل واحد من الأئمة بابا.
    (3) النور : 63.

    وقيل : لا تجعلوا دعاءكم الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ، أي : لا تدعوه ب «يا محمد» ، وادعوه ب «يا نبيّ الله» ، كقوله تعالى : (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) (1) فيكون المصدر مضافا إلى المفعول.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) (2) أي : يسير فى منازل ، سائرا فيها.
    ومن ذلك قوله تعالى : (لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) (3) قيل : التقدير : بعلم اليقين لترونّ ، فحذف الجار.
    وقيل : بل هو نصب على المصدر.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ) (4) أي : بخير ، فحذف الباء.
    ويجوز أن يكون التقدير : فمن تطوع تطوعا خيرا ، فحذف / الموصوف.
    ومن ذلك قوله تعالى : (آتِنا غَداءَنا) (5).
    قال أبو على : (آتِنا) ليس من الإعطاء ، إنما هو من ، أتى الغداء وآتيته ، كجاء وأجأته ، ومنه قوله تعالى : (تُؤْتِي أُكُلَها) (6) أي : تجىء.
    و (آتِنا غَداءَنا) يتعدّى إلى غدائنا بإرادة الجار ، لا بد من ذلك ؛ لأن الهمزة لا تزيده إلا مفعولا واحدا ؛ بخلاف (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) (7)
    __________________
    (1) الحجرات : 2.
    (2) يس : 39.
    (3) التكاثر : 5.
    (4) البقرة : 184.
    (5) الكهف : 62.
    (6) إبراهيم : 25.
    (7) إبراهيم : 34.

    (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ) (1) لأنه من الإعطاء ؛ إذ هو متعد إلى ضمير الموصول ، وإلى الكاف والميم. وقد عددت لك هذه الآي.
    وقد قال سيبويه فى الباب المترجم عنه : «فهذا باب ما ينتصب من الأسماء ليست بصفة ولا مصادر ، لأنه حال يقع فيه الأمر ، فينتصب لأنه مفعول فيه» (2).
    قال : وزعم الخليل أن قولهم : ربحت الدرهم درهما ، محال ؛ حتى يقولوا : فى الدرهم ، أو للدرهم. كذلك وجدنا العرب تقول.
    (3) ومن زعم أنه يريد معنى الباء واللام ويسقطها ، قيل له : أيجوز أن تقول له : مررت أخاك ، وهو يريد بأخيك؟ فإن قال : لا يقال ؛ فإن هذا لا يقال أيضا.
    __________________
    (1) الحشر : 7.
    (2) الكتاب (1 : 195).
    (3) النقل من هنا فيه بعض تصرف.

    الخامس
    باب ما جاء في التنزيل وقد زيدت فيه «لا» و «ما»
    وفي بعض ذلك اختلاف ، وفي بعض ذا اتفاق
    وقد ذكر سيبويه (1) زيادة «لا» (2) فى قوله : «أما العبيد فذو عبيد» : «وأما قول الناس للرجل : أما أن يكون عالما فهو عالم ؛ وأما أن يعلم شيئا فهو عالم. وقد يجوز أن تقول : أما أن لا يكون يعلم فهو يعلم ؛ وأنت تريد : أن يكون كما جاءت : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) (3) فى معنى : «لأن يعلم أهل الكتاب ، فهذا يشبه أن يكون بمنزلة المصدر» فى كلام طويل.
    فمن ذلك قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (4) ف «لا» فى قوله : (وَلَا الضَّالِّينَ) زيادة. وجاءت زيادتها لمجىء (غَيْرِ) قبل الكلام ، وفيه معنى النفي.
    ألا ترى أن التقدير : لا مغضوبا عليهم ولا الضالين ، وكما جاء : (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) (5) فكّرر «لا» وهى زيادة ، وكذلك هذا.
    __________________
    (1) الكتاب (1 : 194 ـ 195).
    (2) يريد : عند قوله : أي عند الكلام على وجوه الأعراب في هذه العبارة : «أما العبيد ... إلخ».
    (3) الحديد : 29.
    (4) الفاتحة : 7.
    (5) فاطر : 22.

    ومن ذلك قوله تعالى : (قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) (1).
    والتقدير : ما منعك أن تسجد ، ف «لا» زائدة.
    وقيل : فى قوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) (2) إن «لا» زائدة (3).
    والمعنى : وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون ، فيمن فتح «أن». ولما كان فتح «أن» يؤدى إلى زيادة «لا» عدل الخليل إلى أنّ «أن» من قوله «أنّها» بمعنى : لعلها. قال : والمعنى : وما يشعركم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون ؛ لأن فى حملها على بابها عذرا لهم فى ترك الإيمان حيث لم ينزل الآية ، وذلك لأنه إذا قال : وما يشعركم أن الآيات إذا جاءت لا يؤمنون ، فالمعنى : لو جاءت آمنوا. فلما كان كذلك حملها على «لعل». وقيل : بل إن «أن» على بابها. والتقدير : وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون ، فيكون من باب حذف الجمل.
    وقال قوم : بل فى الآية تقديم وتأخير ، والتقدير : إنما الآيات عند الله ولا ينزلها ، لأنها إذا جاءت لا يؤمنون.
    فهذه ثلاثة أقوال.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (4) قالوا : «لا» زائدة. والتقدير : وحرام على قرية أهلكناها رجوعها إلى الدنيا ،
    __________________
    (1) الأعراف : 12.
    (2) الأنعام : 109.
    (3) يضعف الرازي في كتابه «مفاتيح الغيب» (3 : 130) هذا الرأي نقلا عن الزجاج.
    (4) الأنبياء : 95.

    ف «لا» زائدة وقال أبو علىّ : إن قوله : (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (1) داخل فى المصدر ، الذي هو حرام ؛ وخبر «حرام» مضمر. والتقدير : وحرام على قرية أهلكناها بأنهم لا يرجعون ، موجود ، أو كائن ، أو مقضى. أي حرام عليهم بالاستئصال وجودهم فى الدنيا أو رجوعهم إليها.
    وأما قوله تعالى : (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (2) لا يخلو «لا» من أن يكون لتأكيد النفي ، كالتى فى قولك : ما قائم زيد ولا عمرو. فيفيد أن كل واحد منتف على حياله. أو يكون «لا» نفيا مستأنفا. فالدلالة على الوجه الأول أنك لو حملته على الوجه الثاني لم يجز حتى تكرّرها ، كما تقول : لا زيد عندك ولا عمرو. فلما لم تكرر علمت أنها على الوجه الأول. ولا يكون مثل :
    حياتك لا نفع وموتك فاجع (3)
    لأن ذلك يقع فى الشعر.
    فأما قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ) (4) فقيل : «لا» زائدة. وقيل : «لا» ردّ لكلامهم : (لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ). فقال : لا. أي : ليس الأمر كما تظنون.
    __________________
    (1) أنبياء : 95.
    (2) البقرة : 38.
    (3) عجز بيت لرجل من بني سلول ، وصدره :
    وأنت امرؤ منا خلقت لغيرنا
    (4) القيامة : 1.

    ومن ذلك / قوله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) (1) قالوا : التقدير : ليعلم أهل الكتاب ؛ ولا ، زائدة. أجمعوا على هذا ، غير ابن بحر (2) فإنه زعم أن الأولى ألا يكون فى كلام الله شذوذ وما يستغنى عنه. والذي يوجبه اللفظ على ظاهره أن يكون الضمير فى (يَقْدِرُونَ) (3) للنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله والمؤمنين. والمعنى : لئلا يعلم اليهود والنصارى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والمؤمنين لا يقدرون على ذلك ، وإذا لم يعلموا أنهم لا يقدرون فقد علموا أنهم يقدرون عليه. أي إن آمنتم كما أمرتم آتاكم الله من فضله فعلم أهل الكتاب ذلك ولم يعلموا خلافه. والعلم فى هذا ومثله يوضع موضع وقوع الفعل ؛ لأنه إنما يعلم الأشياء واقعة بعد وقوعها.
    قال أبو سعيد السيرافي (4) : إن لم تجعل «لا» زائدة جاز ؛ لأن قوله : (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) (5) أي : يفعل بكم هذه الأشياء ليتبين جهل أهل الكتاب وأنهم لا يعلمون ما يؤتيكم الله من فضله ، لا يقدرون على تغييره وإزالته عنكم. فعلى هذا لا يحتاج إلى زيادة «لا».
    __________________
    (1) الحديد : 29.
    (2) هو أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المولود سنة 163 ه‍ ـ 780 م ـ المتوفى سنة 255 ه‍ ـ 869 م ـ ومن كتبه «مسائل القرآن» ولعله هو الذي منه النقل هنا.
    (3) هو أبو سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي النحوي. كان مولده سنة 284 ه‍ ـ 897 م ـ ووفاته سنة 368 ه‍ ـ 979 م.
    (4) الحديد : 28 ، 29.

    قلت :
    وحمل ابن بحر زيادة «لا» على الشذوذ جهل منه بقواعد العربية. وليس كل من يعرف شيئا من الكلام يجوز له التكلم على قواعد العربية. وليس كون «لا» زائدة فى فحوى خطاب العرب مما يكون طعنا من الملحدة على كلام الله ، لأن كلام الله منزّل على لسانهم. فما كان متعارفا فى لسانهم لا يمكن الطعن به على كتاب الله ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
    وكيف يكون زيادة «لا» شاذة ، وقد جاء ذلك عنهم وشاع ، كقول الهذلي (1) :
    أفعنك لا برق كأن وميضه
    غاب تسنّمه ضرام مثقب

    أي ، أفمن ناحيتك أيتها المرأة هذا البرق الذي يشبه ضوؤه ضوء غاب.
    / وأنشد أبو عبيدة للأحوص (2) :
    وتلحيننى فى اللهو ألّا أحبّه
    ولّلهو داع دائب غير غافل

    أي : فى اللهو أن أحبه ؛ و «لا» زائدة :
    ومنه ما أنشده سيبويه لجرير :
    ما بال جهلك بعد الحلم والدين
    وقد علاك مشيب حين لا حين (3)

    لا «فيه» زائدة ؛ إذا قلت : علاك مشيب حين حين ، فقد أثبت حينا علاه فيه المشيب. فلو جعلت «لا» غير زائدة لوجب أن تكون نافية
    __________________
    (1) هو : ساعدة الهذل. (اللسان 20 : 354).
    (2) بغية الوعاة (1 : 195).
    (3) الديوان (ص 586) والكتاب لسيبويه (1 : 358).

    على حدها فى قولهم : جئت بلا مال ، وأبت بلا غنيمة. فنفيت ما أثبت من حيث كان النفي ب «لا» عامّا منتظما لجميع الجنس. فلما لم يستقم حمله على الجنس لتدافع العارض فى ذلك حكمت بزيادتهما ، فصار التقدير : حين حين. وهو من باب : حلقة فضة ، وخاتم حديد ؛ لأن الحين يقع على الزمان القليل كالساعة ونحوها ؛ وعلى الطويل كقوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) (1) وعلى ما هو أقصر من ذلك كقوله تعالى : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ) (2). فصار : حين حين ، كقوله :
    ولو لا يوم يوم ما أردنا
    ومنه قول الشماّخ :
    أعايش ما لأهلك لا أراهم
    يضيعون الهجان مع المضيع (3)

    وروى التّوّزىّ عن أبى عبيدة أن «لا» زائدة.
    ومنه قول المرّار ، بيت الكتاب (4) ـ :
    ولا ينطق الفحشاء من كان منهم
    إذا جلسوا (5) منّا ولا من سوائنا

    __________________
    (1) الدهر : 1.
    (2) إبراهيم : 25.
    (3) الديوان (ص 56). وفيه : «ما لقومك» مكان «ما لأهلك». وعائش : ترخيم : عائشة ، وهي امرأة الشماخ.
    قال ابن فارس : «وأما قول أبي عبيدة في شعر الشماخ أن «لا» زائدة فقط ، لأنه ظن أنه أنكر فساد المال وليس الأمر كما ظن. وذلك أن الشماخ احتج على امرأته بصنيع أهلها أنهم لا يضيعون المال ، وذلك أنها قالت له : لم تشدد على نفسك في العيش حتى تلزم الإبل وتعذب فيها فهو عليك. فرد عليها فقال : ما لي أرى أهلك يتعهدون أموالهم ولا يضيعونها بل يصلحونها وأنت تأمرينني بإضاعة المال!».
    (4) الكتاب (1 : 203).
    (5) في الكتاب : «إذا قعدوا».

    وأما قوله تعالى : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) (1) فإن موضع قوله (فِي الْأَرْضِ) يحتمل ضربين :
    أحدهما : أن يكون مفعولا فيه ظرفا.
    والآخر : أن يكون وصفا.
    فإن جعلته ظرفا احتمل أن يكون ظرفا ل «أصاب» واحتمل أن يكون ل «مصيبة». ولا ذكر فيه على شىء من هذين التأويلين. كما أن قولك : زيد ، من : مررت بزيد. كذلك يؤكد ذلك. ويحسنه دخول «لا» فى قوله : (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ). فصار ذلك مثل : ما ضربت من رجل ولا امرأة.
    والضرب الآخر أن يكون صفة للنكرة ، ويكون متعلّقا بمحذوف.
    / وفيه ذكر يعود إلى الموصوف. وقوله : (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) صفة معطوفة على صفة ، لأنه صفة منفىّ ، فيكون كالبدل فى قوله :
    فى ليلة لا ترى بها أحدا
    يحكى علينا إلّا كواكبها (2)

    من الضمير فى «يحكى» لمّا جرى على المنفىّ.
    وزيادة الحروف فى التنزيل كثير ، فأقرب من ذلك إلى ما نحن فيه قوله : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) (3) وقوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ) (4)
    __________________
    (1) الحديد : 22.
    (2) البيت لعدي بن زيد ، والشاهد فيه : رفع الكواكب على البدل من الضمير الفاعل في يحكي. لأنه في المعنى منفى ، ولو نصب على البدل من أحد لكان أحسن. (الكتاب 1 : 361).
    (3) آل عمران : 159.
    (4) النساء : 154.

    وقوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) (1) وكقوله : (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ) (2) أي : عن قليل وكقوله : (جُنْدٌ ما هُنالِكَ) (3) أي : جند هنالك.
    وقيل فى قوله تعالى : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) (4) «ما» صلة.
    وكذلك قوله : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ) (5) أي : مثل أنكم.
    وقيل فى قوله : (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ) (6) فكقوله :
    * فهى ترثى بأبى وابنيما (7)
    وکقولهم افعله آثرا ما.
    فهذه حروف جاءت للتأكيد عند سيبويه.
    وعند قوم ، هو اسم ولا خلاف فى زيادتها. فمن قال : هو اسم ، قال : قد جاء من الأسماء مثله مزيدا ، كقولهم : كان زيد هو العاقل.
    قال الله تعالى : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ) (Cool «فهو» فصل. وقال (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً) (9) وقال : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (10) وقال : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ) (11).
    وسأعد لك الفصل فيما بعد.
    __________________
    (1) المائدة : 13.
    (2) المؤمنون : 40.
    (3) ص : 11.
    (4) الذاريات : 17.
    (5) الذاريات : 23.
    (6) الانفطار : 8.
    (7) البيت لرؤبة. و «ما» فيه فصل ، وإنما حكى ندبتها. (الكتاب 1 : 322). ويروى : (فهي تنادي بأبي وابنما).
    (Cool الأنفال : 32.
    (9) المزمل : 20.
    (10) البقرة : 129.
    (11) الكهف : 39.

    والصحيح قول سيبويه ، إذ لا معنى لها سوى التوكيد ، ولا تكاد الأسماء تزاد. فأمّا «هو» فإنما جىء به ليفصل الخبر عن الوصف ، فهو لمعنى.
    فثبت أن «ما» حرف زيدت كزيادة «من» فى النفي ، وزيادة الباء فى : ألقى بيده وساعده لك.
    [و] زيادة «أن» و «إن» فى قوله تعالى : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) (1) وقوله :
    فما إن طبّنا جبن ولكن
    منايانا ودولة آخرينا (2)

    وأما قوله تعالى : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) (3) فإن الكسائي يقول : إنّ «إن» زائدة ، والتقدير : فى الذي مكناكم فيه.
    والفرّاء يقول : فى الذي نمكنكم فيه. وإياه اختار أبو علىّ ، وزعم أنه من جهة المعنى واللفظ أقرب.
    فأما المعنى ، فلأن قوله : (فِيما / إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) فى المعنى فى قوله : (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) (4).
    وكما أن «لم» نفى بلا إشكال ، وكذلك «إن» ، ويبين ذلك قوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) (5) فهذا كله يدل على أن تمكين من تقدمهم يزيد على تمكينهم ، فهذا بمنزلة (ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ).
    __________________
    (1) يوسف : 96.
    (2) البيت لفروة بن مسيك. وطبنا ، أي : عادتنا. (الكتاب 1 : 475. المغني 1 : 23).
    (3) الأحقاف : 26.
    (4) الأنعام : 6.
    (5) الروم : 9.

    وأما اللفظ فلأن «ما» موصولة ، و «أن» لا يزاد بعد «ما» الموصولة وإنما يزاد بعد النفي فى نحو : «ما إن طبّنا جبن».
    والذي جاء من ذلك فى الشعر فيما أنشده سيبويه وأبو زيد من قوله :
    ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته (1)
    إنما هو لتشبيه اللفظ.
    فثبت بهذا كله وتحقق أن من تكلم فى الجوهر والعرض والجزء الذي يتجزأ (2) أو لا يتجزأ لا يعرف معنى قوله : «حين لا حين» لأن ذاك عقلى وهذا سماعى ، وبين ما يكون مبنيّا على السماع ، وبين ما يكون مبنيّا على العقل تفاوت وبون.
    ولو لا أنى خفت أن تقول بعدي ما لا يحل لك فى هذا الكتاب ؛ لسقت جميع ما اختلفوا فى زيادته فى التنزيل فى هذا الباب ، لكنى ذكرتها فى مواضع ليكون أحفظ عندك.
    __________________
    (1) عجزه :
    على السن خيرا لا يزال يزيد
    (المغني 1 : 23 ـ الكتاب 2 : 306).
    (2) في الأصل : «لا يتجزأ».

    السادس
    هذا باب ما جاء في التنزيل من الأسماء التي سميت بها الأفعال
    وهى أبواب ذكرها سيبويه ، نحو : صه ، ومه ، ورويد ، والنّجاء ، وإياك ، وعليك ، وهاك ، وهلم. كما تراه فى الكتاب (1). فهذه كلها أسماء سميت بها الأفعال.
    وقد أبطلنا قول من قال : هى قسم رابع ، فى غير كتاب من كتبنا.
    فما جاء فى التنزيل من ذلك قولهم فى الدعاء بعد الفاتحة (آمين).
    وفيه لغتان : أمين ، وآمين ، بالقصر والمد ؛ وكلاهما اسم ل «استجب» ؛ كما أن «صه» اسم. ل «اسكت» و «مه» كذلك. وفى «آمين» ضمير المخاطب.
    وروى عن الأخفش أنه اسم أعجمى ، مثل : هابيل وقابيل ؛ فإن سميت به رجلا لم ينصرف.
    قال أبو علىّ «فى التذكرة» : لو قال قائل إنه ليس / بأعجمى ، لأنه لا يخلو لو كان أعجميا من أن يكون اسم جنس ، أو منقولا من معرفة ، وليس باسم جنس ولا منقولا من معرفة. فإذا لم يخل من هذين الوجهين فى العجمة ، وليس واحدا منهما ، ثبت أنه ليس بأعجمى ، فهو وجه.
    __________________
    (1) انظر الكتاب لسيبويه (1 : 122 ـ 127).

    فإن قلت : إنه وزن جاء فى الأعجمية.
    قيل : لا ينكر ، وإن كان جاء فى الأعجمى : مثل ، هابيل ، أن يجىء هذا عربيّا ، ويكون إفراده فى الأبنية العربية مثل : درّىّ ، ومرنّق ، ونحو ذلك من الأبنية التي تجىء مفردة ، نحو : انقحل ، وما أشبه. فبعضهم لا يصرفه لتوهم العجمة ، وبعضهم يصرفه ويجعله مثل: قيراط ، وفيروز.
    قال أبو علىّ فى موضع آخر : اختلف فى «آمين» فقال قائلون :
    إنه اسم من الأسماء التي سمى بها الفعل ، نحو : صه ، ومه ، وإيه ، ورويد ، وما أشبه ذلك. وقال قائلون : هو اسم من أسماء الله.
    فما يدل على أنه اسم سمى به الفعل : ما روى حجّاج (1) عن ابن جريح (2) عن عكرمة (3) قال : أمّن هارون على دعاء موسى عليه‌السلام ، فقال الله : (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما) (4).
    وكما أن قول موسى : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) (5) جملة مستقلة وكلام تام ، كذلك قول هارون (آمِّينَ) جملة مستقلة وكلام تام. ولولا أنه كذلك لم يكن هارون داعيا ، لأن من تكلّم باسم مفرد أو كلمة مفردة لم يكن داعيا ،
    __________________
    (1) هو حجاج بن محمد المصيصي ـ بكسر الميم وتشديد الصاد المهملة ، وقيل بفتح الميم وخفة الصاد ـ وكانت وفاته سنة 206 ه‍ (تهذيب التهذيب 2 : 205).
    (2) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح. وكانت وفاته سنة 150 ه‍ (تهذيب التهذيب 6 : 402).
    (3) هو عكرمة بن خالد بن العاص بن هشام. وعنه يروى ابن جريج (تهذيب التهذيب 7 : 258).
    (4) يونس : 89.
    (5) يونس : 88.

    كما لا يكون آمرا ، ألا ترى أن الدعاء لفظه كلفظ الأمر ، فيقول القائل : اللهم اغفر لي فى الأمر لى ، كقوله لصاحبه : اذهب بي. إلا أنه استعظم فى الدعاء أن يقال إنه أمر.
    كما أن قولهم : صه ، بمنزلة : اسكت ؛ ومه ، بمنزلة : اكفف. كذلك فى الدعاء : آمين ، بمنزلة : استجب. وفيه ضمير مرفوع بأنه فاعل. كما أن فى سائر هذه الأسماء التي سمى بها الفعل أسماء مضمرة مرتفعة.
    ويدل على ذلك ما رواه عبد الوهاب (1) عن إسماعيل بن مسلم قال : كان الحسن إذا سئل عن «آمين» قال : تفسيرها : اللهم استجب.
    عبد الوهاب ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن فى «آمين» : ليكن ذلك.
    ومن حيث كان دعاء كما ذكرنا ، أخفى فى قول أبى حنيفة وأصحابه فى الصلاة ولم يجهر به ، لأن المسنون فى الدعاء الإخفاء ، بدلالة قول الله تعالى : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) (2). ولما روى من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله أنه قال لقوم رافعى أصواتهم بالدعاء : إنكم لا تنادون أصمّ ولا غائبا ، وإن الذي تنادونه أقرب إليكم من رءوس مطيكم.
    ومما يدل على أن هذه الأسماء المسمى بها الفعل فيها ضمير فاعل ، كما أن فى قولنا «اضرب» وما أشبهه ـ من أمثلة الأمر ـ ضمير فاعل ، أنك لما عطفت عليه المضمر المرفوع أكّدته ، كما أنك لما عطفت على الضمير
    __________________
    (1) هو عبد الوهاب بن عطاء الخفاف أبو نصر العجلي. وكانت وفاته سنة 204 ه‍. (تهذيب التهذيب 6 : 450).
    (2) الأعراف : 55.

    المرفوع فى مثال الأمر أكّدته. وذلك نحو قوله تعالى : (مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) (1) لما عطف (الشركاء) على (مَكانَكُمْ) ، وكان قوله : (مَكانَكُمْ) بمنزلة قولك : اثبتوا ، واسما لهذا الفعل ، أكد بأنتم ؛ كما أنه لما عطف على المضمر المرفوع فى مثال الأمر أكد فى قوله تعالى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا) (2) ، و (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) (3). فإذا ثبت احتمال هذه الأسماء المسمى بها الفعل الضمير ، كما احتملته أمثلة الأمر ، ثبت أنها جمل. وإذا كانت جملا لم تصحّ أن تكون من أسماء الله سبحانه ، وأن القائل بذلك مخطئ ، لادعائه ما لا دليل عليه. وقد قامت الدلالة على فساده.
    ألا ترى أن أسماء الله ليس فيها ما هو جملة ، وأنها كلها مفردة ، وهى على ضربين :
    أحدهما ما كان صفة ، نحو : عالم ، وقادر ، وخالق ، ورازق.
    والآخر ما كان مصدرا ، نحو : الإله ، والسلام ، والعدل. فإذا لم تخل من هذين الضربين ، ولم يكن «آمين» من واحد من هذين ، ولا اسما غير وصف ولا مصدرا ، كقولنا «شىء» ثبت أنه ليس منها.
    فأمّا ما روى عن جرير بن عبد الحميد ، عن منصور بن [المعتمر عن] (4) هلال بن يساف ، عن مجاهد أنه قال : آمين اسم من أسماء الله تعالى. فعندنا هذا الاسم لما تضمن الضمير المرفوع الذي وصفنا ، / وذلك الضمير
    __________________
    (1) يونس : 28.
    (2) المائدة : 24.
    (3) البقرة : 35.
    (4) تكملة يستقيم بها السند. وانظر التهذيب في أسماء : جرير ، ومنصور ، وهلال (3 : 75 و 10 : 312 و 11 : 86).

    مصروف إلى الله سبحانه ، قال : إنه اسم الله على هذا التقدير ، ولم يرد أن الكلمة اسم من أسماء الله دون الضمير ، كعالم ، ورازق.
    فإذا احتمل هذا الذي وصفت لم يكن فيما روى عنه حجة لمن قال : إن جملة الكلمة اسم.
    ومما يدل على أنه ليس باسم من أسماء الله تعالى ، وأنه من أسماء الأفعال على ما ذكرت ، أنه مبنى ، كما أن هذه الأسماء الموضوعة للأمر مبنية. وليس فى أسماء الله تعالى اسم مبنى. على هذا الحد. فلما كان هذا الاسم مبنيّا كصه ، وإيه ، ونحوهما. دلّ ذلك على أنه بمنزلتهما ، وليس من أسماء القديم سبحانه ، إذ ليس فى أسمائه اسم مبنى على هذا الحد.
    فإن قال قائل : فقد حكى سيبويه وعامة البصريين فى : لاه أبوك. أنهم يريدون لله أبوك. وهذا الاسم مبنى. لأنه لا يخلو من أن يكون على قول من قال : [لاه] لأفعلن. فأضمر حرف الجر واختص به.
    أو على قول من قال :
    ألا ربّ من قلبى ـ له الله ـ ناصح
    لأنه ليس بمنون ، فأوصل الفعل لما حذف الجار ، وأعمله ، فبين أنه ليس على إضمار حرف الجر ، إذ هو مفتوح فى اللفظ (1).
    __________________
    (1) تكررت هذه العبارة في الأصل مرة أخرى بهذا النص : «وليس أيضا على قول من قال : ألا رب من قلبي له الله ناصح ، لأنه ليس بمنون» وهي كما ترى زيادة من الناسخ.

    وليس فى نحو : إبراهيم ، وعمر. فيكون مفتوحا فى موضع الجر ، أو منصوبا بلا تنوين ، نحو : رأيت عمر ، لتعرّى الاسم مما يمنع الصرف.
    فإذا لم يكن على شىء من هذه الأنحاء ، التي ينبغى أن يكون المعرب عليها. ثبت أنه مبنى ، وإذا كان مبنيا لم يمتنع أن يكون «آمين» اسما مثله وإن كان مبنيا.
    قيل له : إنما بنى هذا الاسم الذي حكاه سيبويه لتضمنه معنى الحرف «ال» للتعريف.
    ألا ترى أنه زعم أنهم أرادوا : لله أبوك ، فلماّ لم يذكر لام المعرفة وتضمن الاسم معناها بنى كما بنى آمين ، لما تضمن معنى الألف واللام ، وكما بنى خمسة عشر «لما تضمن معنى حرف العطف ، وكم ، وكيف ، وأين» لما تضمنت [معنى الاستفهام] أغنت عن حروف الاستفهام. والاسم إذا تضمن معنى الحرف بنى. / فأما «آمين» لم يتضمن معنى الحرف على هذا الحد ، ولا على نحو «كيف» وكم ، وإنما بنى كما بنى «صه» و «مه» و «نزال» و «حذار» ، ونحو ذلك من الأسماء التي تستعمل فى الأمر للخطاب.
    وحكى قطرب : له أبوك ، بإسكان الهاء. وهذا صحيح فى القياس مستقيم ، وذلك أنه لما وجب البناء وحرك الآخر منه بالفتح لالتقاء الساكنين ، ثم حذف منه حرف اللّين الواقع موقع اللام ، كما حذف فى نحو : يد ودم ، وبقي على حرفين ، زال التقاء الساكنين ، فبنى على السكون ، لزوال ما كان يوجب التحريك من التقاء الساكنين.
    فإن قال : فهلّا بنى على الحركة وإن كان على حرفين ، لأنه قد جرى متمكّنا فى غير هذا الموضع ، كما بنى «عل» عند سيبويه على الحركة ، فى قولهم :

    من عل. وإن كان على حرفين ، تجريه غير متمكن مجراه متمكّنا ، قبل حال البناء.
    قيل : لم يشبه هذا «عل» ، لأن «عل» ونحوه مما يلحقه الإعراب فى التمكن على اللفظ الذي هو عليه. و «له» من قولهم : له أبوك ، لحقه الحذف من شىء لم يتمكن قط فى كلامهم. فإذا كان كذلك لم يلزم أن يكون مثل «عل» لمفارقته ل «عل» فى أنه لم يجر الاسم المحذوف هذا عنه متمكّنا ؛ فلما كان كذلك صار بمنزلة حذفهم «مذ» فى «منذ» فى أن المحذوف مبنى كما أن المحذوف منه كذلك ، وفى أن المحذوف أسكن لزوال ما كان له حرك بالحذف ، وهو التقاء الساكنين.
    فأما قوله تعالى : (مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) (1) فالقول أنه مبنىّ غير معرب من حيث صار اسما للفعل ، كما كان «صه» و «هلم» ونحوهما مبنية.
    فإن قلت : إن «مكانكم» منصوب والنصب فيه ظاهر.
    قيل : ليست هذه الفتحة بنصب ، وذلك أن انتصابه لا يخلو من أن يكون بعامل عمل فيه بعد أن جعل اسما للفعل ، أو أن يكون بعد التسمية به فى الانتصاب على ما كان عليه قبل ذلك ، فلا يجوز أن يكون انتصابه / الآن ، وقد سمى به الفعل على ما كان قبل ، ألا ترى أن تقديره معمولا لذلك العامل ، واتصاله به لا يصح كما يصح اتصاله به فى هذه المواضع التي لا تكون أسماء للفعل ؛ وذلك قولك : زيد مكانك ، والذي مكانك زيد ؛ فهذا سد مسد الفعل الذي عمل فيه ، وأغنى من حيث كان تقدير العامل الذي تعلّق به هذا الظرف فى الأصل غير ممتنع ، نحو : زيد استقر مكانك ،
    __________________
    (1) يونس : 28.

    أو مستقر ؛ والذي استقر مكانك. وقدّرت هذا العامل فى الموضع الذي سميت الفعل به لم يتعلق به ، على حد تعلق الظرف فى المعمولات بعواملها.
    ألا ترى أنك إن علّقته بها على أنه ظرف بطل أن يكون جملة وزال عنه معنى الأمر ، فإذا كان كذلك لم يتصل به بعد أن صار اسما للفعل كما كان يتصل به قبل. وإذا لم يتصل به لم يكن معمولا له ، ولم يجز أن يكون ، وهو اسم للفعل ، معربا بالإعراب الذي كان يعرب به قبل. ولا يجوز أيضا أن يكون انتصابه بعامل عمل فيه بعد أن جعل اسما للفعل ، وذلك أنه بمنزلة الأمر ، وهو نفسه العامل ، كما أن أمثال الأمر نفس العامل ، وكما أنه لا عمل لشىء فى أمثلة الأمر ، كذلك ما أقيم مقامه.
    فإن قلت : إن الأفعال المضارعة عاملة فى فاعليها ، ولم يمنعها ذلك من أن تكون معمولة لعوامل أخر ؛ فكذلك ما تنكّر ، ألا يمنع كون «مكانك» ونحوه عاملا فى الفاعل المضمر فيه أن يكون هو نفسه أيضا معمولا لغيره ، كما لم يمنع المضارع أن يكون معمولا لغيره وإن كان عاملا فى فاعله.
    قيل : إن المضارع لما أشبه الأسماء ووقع موقعها فى بعض المواضع تعرّف (1) ، للمشابهة التي بينه وبين الاسم ، على ما ذكر فى مواضع ذلك. وهذه الأسماء إذا سمى بها الفعل تخرج بذلك عن أن تقع مواقع الأسماء ، فوجب بناؤها لوقوعها موقع ما لا يكون إلا مبنيا ، كما بنى قولهم : «فدى لك» / فى قوله :
    مهلا فداء لك يا فضاله
    أجرّه الرّمح ولا تهاله (2)

    __________________
    (1) في الأصل : «الذي يعرف».
    (2) أي أطعنه به فاجعله يمشي به وهو يجره. وقد ساق ابن منظور البيت (فدى) شاهدا على أن «فداء» إذا كسرت فاؤه مد. وإذا فتحت قصر.

    لمّا وقع موقع الأمر ، وكما بنى المضارع ـ فى قول أبى عثمان ـ لما وقع موقع فعل الأمر.
    كذلك بنى «دونك» و «حذرك» ونحوه ، لوقوعه موقع فعل الأمر ؛ ألا ترى أنهم بنوا «رويد» فى هذا الباب مع أنه مصغر. فما عداه من هذه الأسماء أجدر بالبناء.
    وإذا كان كذلك لم يجز أن يتعرب «مكانك» بإعراب بعد ما سمى به الفعل ، فإذا لم يجز أن يتعرب بما كان متعربا قبل أن سمى به الفعل ، ولم يجز أن يعرب بشىء بعد ما سمى به ثبت أنه غير معرب. وهذا مذهب أبى الحسن الأخفش. وإذا لم يكن معربا كان مبنيّا ، ولم يجز أن يكون فى موضع رفع ولا نصب ولا جر ، لأن ما يعمل فى الأسماء لا يعمل فيه الآن عامل.
    فأما ما يعمل فى الفعل فلا يعمل فيه أيضا ، لأنه ليس بفعل ؛ فإذا كان كذلك ثبت أنها غير معربة.
    فأما تحرّك بعض هذه الأسماء بحركة قد يجوز أن تكون للإعراب ، نحو : مكانك ، وحذرك ، وفرطك ؛ فإن ذلك لا يدل على أنها معربة.
    ألا ترى أن الحركات قد تتفق صورها وتختلف معانيها ، كقولك : «يا منص» ، فى ترخيم رجل اسمه «منصور» على قول من قال : «يا حار» «ويا حار».
    وكذلك من قال : درع «دلاص» ، و «أدرع» دلاص لا تكون الكسرة التي فى الجمع الكسرة التي فى الواحد ، لأن التي فى الواحد مثل التي فى «كناز» و «ضناك» والتي فى الجمع مثل التي فى «شراف» و «ظراف».

    وكذلك قوله تعالى : (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (1) فضمة الفاء مثل ضمة «قفل» و «برد». وقوله تعالى : (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) (2) ضمة الفاء فيه للجمع على حد «أسد» و «أسد» و «وثن» و «وثن».
    وكذلك لا ينكر أن تتفق الحركات فى «مكانك» ويختلف معناها ، لما ذكرنا من الدلالة على ذلك ؛ فتكون ، إذا كان ذلك ظرفا أو مصدرا ، حركة إعراب ، وإذا كان اسما / للفعل حركة بناء ونحوه.
    ألا ترى اتفاق حركة الإعراب وحركة البناء فى : «يا ابن أمّ» ، و «لا رجل عندك» فكذلك اتفاقهما فى «مكانك».
    وفى «آمين» لغتان : قصر ومدّ ؛ فالمقصور عربىّ ، لكثرة «فعيل» فى العربي.
    والممدود مختلف فيه وقد حكينا عن الأخفش أنه أعجمى ، لما لم ير هذا المثال فى العربي.
    وهذا [لا] (3) يصح ؛ لأن الأعجمى لا يخلو من قسمين :
    أحدهما : نحو : اللّجام.
    والآخر : نحو : إبراهيم ، وإسماعيل.
    وهذا ليس واحدا منهما ، فإذن هو عربى.
    __________________
    (1) يس : 41.
    (2) البقرة : 164.
    (3) تكملة يفقدها الأصل.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2892
    نقاط : 4517
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اعراب القرأن ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اعراب القرأن ج1   اعراب القرأن ج1 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 7:30 am

    والمدّ فيها لإشباع الفتح ، كإشباع «منتزاح» (1) ، و «لا ترضّاها» (2) ، و «أنظور» (3) ، و «الصّياريف» (4) ، وغير ذلك.
    [و] كما لا يجوز لأحد أن يقول إن هذه الكلمات أعجميات لخروجها عن كلامهم ، فكذلك لا يقال فى «آمين».
    وإذا كان هذا للإشباع فيها ، فكذلك فى «آمين».
    وقال محمد بن يزيد (5) : «آمين» مثل «عاصين».
    وأراد به أن الميم خفيفة كالصاد ، ولم يرد به أنه جمع ، لأنه إن كان اسما من أسماء الله فالجمع فيه كفر ، وإن كان اسما للفعل فإنه نائب عن الجملة ، فلا يجوز جمعه.
    وأما قول الأخفش : إنك إذا سميت ب «آمين» رجلا لم تصرفه.
    فإن قال [قائل] : فأحد السببين المانعين من الصرف التعريف ، فما السبب الثاني المنضم إلى التعريف ، وليس «آمين» بمنزلة «هابيل» فى أنه اسم جرى معرفة فى كلام العجم فيمنعه الصرف ، كما يمنع «إبراهيم» ونحوه؟
    __________________
    (1) من بيت لابن هرمة يرثى ابنه ، والبيت هو :
    فأنت من الغوائل حين ترمى
    ومن ذم الرجال بمنتزاح

    أي : منتزح ، فأشبع فتحة الزاي فتولدت الألف.
    (2) يزيد قول الشاعر :
    إذا العجوز غضبت فطلق
    ولا ترضاها ولا تملق

    واعمد لأخرى ذات دل مونق
    لينة المس كمس الخرنق

    (3) يزيد قول الشاعر :
    الله يعلم أنا في تلفتنا
    يوم الفراق إلى إخواننا صور

    وأتني حيثما يثنى أوى بصري
    من حيثما سلكوا أوتو فأنظور

    (4) من بيت الفرزدق ، والبيت هو :
    تنفى يداها الحصى في كل هاجرة
    ففي الدنانير تنقاد الصياريف

    (5) هو محمد بن يزيد المبرد.

    قيل : يجوز أن تقول : إنه مالم يكن اسم جنس ك «شاهين» أشبه [الأسماء] المختصة. فامتنع من الصرف كما امتنعت عنده «عريط» (1).
    وهذا الشبه فيما لا ينصرف معمل. ألا ترى أنهم شبهوا «عثمان» فى التعريف «بسكران».
    ومن كان «آمين» عنده عربيّا فالقياس أن يصرفه إذا سمى به رجلا ، على قول بنى تميم ، ولا يمنعه خروجه عن أبنية كلامهم من الانصراف ، لأنه يصير بمنزلة عربىّ لا ثانى له من دونه ، نحو «انقحل» (2).
    وعلى قياس قول / أهل الحجاز ينبغى أن يحكى ، ألا ترى أنهم لو سموا رجلا بفعال ، نحو : حذام ، وقطام ، لحكوه ولم يعربوه. فهذا هو القول فى «آمين».
    ومن ذلك قوله تعالى فى قول الكسائي (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) (3) والتقدير عنده : عليكم كتاب الله.
    كقوله تعالى (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) (4) أي : احفظوها.
    هذا عندنا لا يصح ، لأن معمول «عليك» لا يتقدم عليه ، وإنما «كتاب الله» نصب مصدر مؤكّد ما تقدّم (5). وسأعدّ لك من أخواته معه ما يفهم به صحته. فإن قلت: فقد جاء ذلك فى قولها :
    يا أيها الماتح دلوى دونكا
    إنّى رأيت النّاس يحمدونكا

    __________________
    (1) العريط : العقرب.
    (2) الإنقحل : الكبير الهرم. قال ابن جني : ينبغي أن تكون الهمزة في «انقحل» للإلحاق بما اقترن بها من النون ؛ من باب جردحل. ثم قال : ولم يحك سيبويه من هذا الوزن إلا إنقحلا وحده.
    (3) النساء : 24.
    (4) المائدة : 105.
    (5) قال الزمخشري (1 : 497) : مصدر مؤكد ، أي كتب الله عليكم كتابا وفرضه فرضا.

    قال : التقدير : دونك دلوى ، وهذا عندنا مبتدأ وخبر. ليس كما قالوا.
    فأما وقف من وقف على قوله تعالى : (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ) (1) ثم يبتدئ فيقرأ (عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) فليس بالمتّجه ، لأن سيبويه قال : إن هذا يكون فى الخطاب دون الغائب ، فلا يجوز حمله على الإغراء. وهذا لفظ سيبويه. قال : حدّثنى من سمعه : أن بعضهم قال : عليه رجلا ليسنى. هذا قليل ، شّبهوه بالفعل. يعنى أنه أمر غائبا ، فقال : عليه.
    وأما ما روى عن النبي «عليه‌السلام» أنه قال : «من استطاع منكم الباءة فليتزوّج وإلّا فعليه بالصوم فإنّه له وجاء».
    وإنما أمر الغائب بهذا الحرف على شذوذه ، لأنه قد جرى للمأمور ذكر ، فصار بالذكر الذي جرى له كالحاضر ، فأشبه أمر الحاضر.
    وإنما قوله (عَلَيْهِ) خبر (لا) أي : لا إثم عليه فى التطوف بينهما ، والطواف ليس بفرض.
    وأما قوله تعالى : (هَيْتَ لَكَ) (2) فقد قالوا : معناه : هلمّ لك.
    قال رجل لعلىّ بن أبى طالب صلوات الله وسلامه عليه :
    أبلغ أمير المؤمنين أخا العراق إذا أتيتا
    أنّ العراق وأهله
    عنق (3) إليك فهيت هيتا

    __________________
    (1) البقرة : 158.
    (2) يوسف : 23.
    (3) عنق أي : أقبلوا إليك بجماعتهم. يقال : جاء القوم عنقا ، أي فرقا. والرواية في اللسان «هيت» : «سلم».

    أي : هلم إلينا ، وقد كسر قوم الهاء ، وهو لغة فى ذا المعنى ، ورفعت فى ذا المعنى(1).
    / قال : وقراءة أهل المدينة : «هيت لك» فى ذا المعنى ، الهاء مكسورة والتاء مفتوحة. والمعروف : هيت وهيت بضم التاء وفتحها. وحكى الكسر أيضا. وهو اسم للفعل. و «لك» على هذا للتبيين ـ بمنزلة «لك» فى قولهم : هلّم لك. ومثل تبيينهم : «رويدك» بالكاف فى «رويدك».
    وتبيينهم «هاء وهاء» بقولهم : «هاك ، وهاك». و «لك «فى «هلمّ لك» ـ متعلق بهذا الاسم الذي سمى به الفعل. ولا يجوز أن يتعلق بمضمر ، لأنك لو علّقته بمضمر لصار وصفا.
    وهذه الأسماء التي سميت الأفعال بها لا توصف ، لأنها بمنزلة مثال الأمر ، وكما لا يوصف مثال الأمر كذلك لا توصف هذه الأسماء.
    ومن ذلك «هلمّ» فى قوله : (هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) (2) ، وفى قوله : (هَلُمَّ إِلَيْنا)(3).
    وهى «ها» ضمّت إلى «لمّ» فجعلا كالشىء الواحد. وفيه لغتان :
    إحداهما ـ وهو قول أهل الحجاز ، ولغة التنزيل ـ أن يكون فى جميع الأحوال للواحد والواحدة والاثنين والاثنتين والجماعة من الرجال والنساء على لفظ واحد ، لا تظهر فيه علامة تثنية ولا جمع ، كقولهم : «هلمّ إلينا» فيكون بمنزلة : رويد ، وصه ، ومه ، ونحو ذلك ، نحو الأسماء التي سميت بها الأفعال ، وتستعمل للواحد والجمع ، والتأنيث والتذكير على صورة واحدة.
    __________________
    (1) مدلول العبارة : رفع الهاء : وما سمع هذا.
    (2) الأنعام : 150.
    (3) الأحزاب : 18.

    والأخرى : أن تكون بمنزلة «ردّ» فى ظهور علامات الفاعلين ، على حسب ما تظهر فى «ردّ» وسائر ما أشبهها من الأفعال. وهى فى اللغة الأولى وفى اللغة الثانية ، إذا كانت للمخاطب ، مبنية مع الحرف الذي بعدها على الفتح. كما أن «هل تفعلنّ» مبنى مع الحروف على الفتح. وإن اختلف موقع الحرفين فى الكلمتين ، فلم يمنع الاختلاف من البناء على الفتح. ولخفّة «ها» المنبهة ، لكون الأمر موضعا للاستعطاف ، كما لحقت «يا» (أَلَّا يَسْجُدُوا) (1) و «ها» (ها أَنْتُمْ) (2) فحذف لكثرة استعمال الألف من «ها» ك «لا أدرى ، «ولم أبل». ولأن الألف حذفت لما كانت اللام فى نية السكون ، وكأنه. هلمم. والساكن معتبر بدليل : جيل ، ومول ، فلم يعلّوا اعتبارا بسكون الياء والواو فى «موئل» ، «وجيأل». وحسّن حذف الألف جعلها مع «لم» كخمسة عشر ، بدلالة اشتقاقهم الفعل منه. فيما حكى الأصمعى : إذا قيل لك. هلمّ. فقال : ما أهلمّ ، فاشتقاقهم الفعل نظير «أهريق» زيادة لا معنى له. ويكون اشتقاق : هلّل ، وحوقل ، وهو أحسن ، لأنهم لم يغيروه فى التثنية والجمع.
    وقال الفراّء : إن : أصله : هل أمّ. و «أمّ «، من «قصدت».
    والدليل على فساد هذا القول : أن «هل» لا يخلو من أحد أمرين :
    إما أن يكون بمعنى : قد ، وهذا يدخل فى الخبر.
    وإما أن يكون بمعنى الاستفهام ، وليس لواحد من الحرفين تعلّق بالأمر.
    __________________
    (1) النمل : 25.
    (2) محمد : 38. آل عمران : 119.

    وإن قلت : هو خبر بمعنى الأمر ؛ فإن ذلك لا يدخل عليه «هل» لأن من قال : «رحم الله» لا يقول : هل رحم الله ، والفتح فيه كالفتح فى «ليقومنّ» وليس لالتقاء الساكنين ، كالفتح فى «ردّ» لأن «ردّ» يجوز فيه الأوجه الثلاثة ، و «هلمّ» لا يجوز فيه إلا الفتح ، على لغة أهل الحجاز.
    ومن ذلك «أفّ» فى قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) (1) وقوله : (أُفٍّ لَكُمْ)(2).
    وفى قوله : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) (3).
    وفيه لغات : والمقروء منها الكسر بلا تنوين ، والكسر بتنوين ، عن نافع وحفص ، والفتح بلا تنوين ، ويجوز فى العربية الضم بلا تنوين ، والضم بتنوين.
    وفى لغة سابعة ، أفّى ، مثل : أمليت ، وأمللت (4).
    ومعنى كله : نتنا وذفرا. وقد سمى الفعل به فبنى. وهذا فى البناء على الفتح ، كقولهم : سرعان ذا إهالة (5) ، لما صار اسما ل «يسرع» ، وكذلك «أف» ، لمّا كان اسما لما يكره أو يضجر منه ، ونحو ذلك. فمن نوّن نكره ، ومن لم ينون كان عنده معرفة ؛ مثل : صه ، وصه ، ومه ، ومه ، إلا أن «أف» فى الخبر ، و «صه» فى الأمر.
    __________________
    (1) الإسراء : 23.
    (2) الأنبياء : 67.
    (3) الأحقاف : 17.
    (4) جمعها الشاعر في بيت فقال :
    فأف ثلث ونون إن أردت وقل
    أفي وأفي وأف وأفة تصب

    (5) الإهالة : الودك والشحم. وهذا مثل ، أصله : أن رجلا كان يحمق اشترى شاة عجفاء يسيل رغامها هزالا وسوء حال وفطن أنه ودك فقال : سرعان ذا إهالة.

    فإن قلت : ما موضع «أفّ» فى هذه الآي بعد «القول» ، هل يكون موضعه نصبا كما ينتصب المفرد بعده ، أو كما تكون الجمل؟ وكذلك لو قلت : «أفّ» (1) وإذا لم يكن مع «أف» «لك» ، كان ضعيفا ، ألا ترى أنك لو قلت : «ويل» لم يستقم حتى توصل به «لك» فيكون فى موضع الجر.
    ومن الأسماء / التي سميت بها الأفعال قوله تعالى : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) (2) وفيها لغات :
    إحداها : هاك ، للرجل ، وهاك ، للمرأة. والكاف للخطاب. يدل على ذلك أن معنى : هاك زيدا ، أي : خذ زيدا «فزيدا» ، هو منصوب بهذا الفعل ، ولا يتعدى إلى مفعولين.
    ويدلك على أن الكاف فى «هاك» و «هاك» حرف لا اسم إيقاعهم موقعها ما لا يكون اسما على وجه ؛ وذلك قولك : «هاؤم». وعلى هذا قوله تعالى : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) (3). وعلى هذا قالوا للاثنين : هاؤما ، وللنساء. هاؤنّ ؛ كما يقال : هاك ، وهاكما ، وهاكم ، وهاكنّ.
    وفيها لغة ثالثة ، وهى أن تترك الهمزة مفتوحة على كل حال وتلحقها كافا مفتوحة للمذكّر ، ومكسورة للمؤنث ، فتقول : هاءك ، وهاءكما ، وهاءكم ، وهاءك ، وهاءكما ، وهاءكنّ.
    وفيها لغة رابعة : وهى قولك للرجل : هأ ، بوزن : هع. وللمرأة : هانىء ، بوزن : هاعى ، وللاثنين : هاءا ، بوزن : هاعا ، وللمذكرين : هاءوا ، بوزن : هاعوا.
    __________________
    (1) أحقاف : 17.
    (2) كذا في الأصل. والسياق يملي أن للكلام بقية لم تذكر.

    وللنساء : هأن ، بوزن : هعن (1). فهذه اللغة تتصرف تصرف «خف» و «خافى» و «خافا» و «خافوا» و «خفن» ، وهى لغة ، مع ما ذكرناه ، قليلة.
    فأما قول على بن أبى طالب صلوات الله وسلامه عليه :
    أفاطم هائى السيف غير ذميم
    فلست برعديد ولا بلئيم

    لعمرى لقد قاتلت فى جنب أحمد
    وطاعة ربّ بالعباد رحيم

    وسيفى بكفّى كالشّهاب أهزّه
    أجذّ به من حالق وصميم

    ومازلت حتّى فضّ ربّى جموعهم
    وأشفيت منهم صدر كلّ حطيم

    والوجه أن يكون على قول من كسر الهمزة للمؤنث ، لأن القرآن بهذه اللغة نزل ، وهو أفصح اللغات.
    ويجوز أن يكون على قول من قال : هائى ، بوزن خافى. فحذف الياء لالتقاء الساكنين.
    وفيه لغة خامسة ، وهو أن يقال للواحد والواحدة والتثنية والجمع على صورة واحدة. والذي ينبغى أن يحمل هذا عليه أن يجعل بمنزلة «صه» و «مه» و «رويد» و «إيه».
    وأما «رويدا» من قوله عزوجل : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) / (2) فإن «رويدا» فى الآية ليست بمبنية. اسما ل «ارفق» ، نحو : رويد عليّا ، ولكنه صفة مصدر مضمر ، أي : أمهلهم إمهالا رويدا ، ويجوز أن يكون حالا.
    __________________
    (1) في الأصل : «عهن» بتقديم العين على الهاء.
    (2) الطارق : 17.

    وفى كلا الوجهين تصغير «إرواد» تصغير الترخيم ، أو تصغير «رود» (1).
    فأما قوله تعالى : (قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) (2) فالتقدير : ارجعوا ارجعوا و «وراءكم» لا موضع له لأنه تكرير. ألا ترى قولهم : وراءك أوسع لك (3).
    وأما قوله تعالى : (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) (4) «فهيهات» مبنية على الفتح. وهو اسم ل «بعد». والفاعل مضمر فيه. والتقدير : هيهات إخراجكم ؛ لأنه تقدم أنكم تخرجون. ولا يصح قول من قال : إن التقدير : البعد لما توعدون ، أو البعيد لما توعدون ، لأن هذا التقدير لا يوجب لها البناء على الفتح ، وإنما يوجب بناءه كونه فى موضع «بعد» ، كسرعان ، فى موضع سرع ، وقد ذكرته فى «المختلف».
    وأما قولهم : «إيها» وقوله عليه‌السلام : «إيها أصيل (5) ، دع القلوب تقر» (6). فإيها ، مبنى على الفتح ، وهو بالتنوين ، اسم «لكفّ» ، وهو نكرة.
    __________________
    (1) في الأصل : «مرود».
    (2) الحديد : 13.
    (3) ساق ابن منظور هذا القول وقال : «تنصب بالفعل المقدر ، وهو : تأخر».
    (4) المؤمنون : 36.
    (5) هو أصيل الخزاعي وكان قدم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة فقال له صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كيف تركت مكة؟ فوصفها له أصيل (النهاية لابن الأثير ، إيه).
    (6) أي كف واسكت.

    السابع
    هذا باب ما جاء في التنزيل من أسماء الفاعلين
    مضافة إلى ما بعدها ، بمعنى الحال أو الاستقبال
    فمن ذلك قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (1). الإضافة فيه إضافة غير تحقيقيّة ، وهو فى تقدير الانفصال ، والتقدير : مالك أحكام يوم الدين ؛ وإذا كان كذلك لم يكن صفة لما قبله ، ولكن يكون بدلا.
    فإن قلت : إنه أريد به الماضي فأضيف ؛ فجاز أن يكون وصفا لما قبله ، والمعنى معنى المستقبل ، كما قال : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ) (2).
    فالوجه الأول أحسن ؛ لأنه ليس فى لفظه ما يدل على الماضي ، والشيء إنما يحمل فى المعنى على ما يخالف فى اللفظ ، نحو «نادى» ، يقال لفظه لفظ الماضي والمعنى المستقبل ، وهذا التقدير لا يصح فى (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (3) إذ لا يقال : لفظه لفظ الماضي ومعناه المستقبل.
    ومن ذلك قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) (4) لو لا ذلك لم يجز خبرا على «كل» لأنه لا يكون المبتدأ نكرة والخبر معرفة.
    نظيره فى الأنبياء : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ) (5).
    __________________
    (1) الفاتحة : 3.
    (2) الأعراف : 44.
    (3) آل عمران : 18.
    (4) الأنبياء : 35.

    ومن ذلك قوله تعالى : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) (1) أي : بالغا الكعبة ، إضافة فى تقدير الانفصال ، أي هديا مقدرا به بلوغ الكعبة ، ليس أن البلوغ ثابت فى وقت كونه هديا ؛ فإنما الحال هنا كالحال فى قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) (2) أي : مقدرين الخلود فيها.
    ومثله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ ثانِيَ عِطْفِهِ) (3) أي : ثانيا عطفه ، والإضافة فى تقدير الانفصال ، لو لا ذلك لم ينتصب على الحال.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) (4) أي سابق النهار. والتقدير به التنوين.
    ومن ذلك قوله تعالى : (إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ) (5) أي : لذائقون العذاب الأليم ، فالنّية به ثبات النون ؛ لأنه بمعنى الاستقبال.
    ومن ذلك قوله تعالى : (هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ) (6) هو فى تقدير التنوين ، دليله قراءة من نوّن ونصب «ضرّه» و «رحمته».
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) (7) أي : مستقبلا أوديتهم.
    __________________
    (1) المائدة : 95.
    (2) هود : 109.
    (3) الحج : 8 ، 9.
    (4) يس : 40.
    (5) الصافات : 38.
    (6) الزمر : 38.
    (7) الأحقاف : 24.

    ومثله ما بعده : (عارِضٌ مُمْطِرُنا) (1) أي : عارض ممطر إيّانا ، لو لا ذلك لم يجز وصفا على النكرة.
    ومن ذلك قوله : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) (2) ، دليله قراءة «يزيد» «منذر من يخشاها» بالتنوين.
    فهذه الأسماء كلها إذا أضيفت خالفت إضافتها إضافة الماضي ، نحو قوله تعالى : (فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) (3) لأن الإضافة فى نحو ذلك صحيحة ، وتوصف به المعرفة ؛ ألا ترى أن «فالق» صفة لقوله (ذلِكُمُ اللهُ) (4) وإنما صحت إضافته لأنه لا يعمل فيما بعده ، فلا يشبه الفعل ، وإذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال عمل فيما بعده ، لأنه يشبه «يفعل» بدليل أن «يفعل» أعرب.
    فأما قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) (5).
    وقوله تعالى : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ) (6).
    وقوله تعالى : (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ) (7).
    وقوله تعالى : (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ) (Cool.
    __________________
    (1) الأحقاف : 24.
    (2) النازعات : 45.
    (3) الأنعام : 96.
    (4) الأنعام : 95.
    (5) البقرة : 223.
    (6) الأعراف : 134.
    (7) النحل : 7.
    (Cool العنكبوت : 33.

    وقوله تعالى : (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ) (1).
    وقوله تعالى : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ) (2).
    فالهاء والكاف عند سيبويه فى موضع الجر بالإضافة ، لكفّ «النّون» ، كما أن الظاهر فى قوله : (سابِقُ النَّهارِ) (3) وقوله : (لَذائِقُوا الْعَذابِ) (4) جر ، وإن كانت الإضافة فى تقدير الانفصال.
    وعند الأخفش : الكاف والهاء فى موضع النصب ، بدليل قوله : (وَأَهْلَكَ) (5) فنصب المعطوف ، فدل على نصب المعطوف عليه.
    وسيبويه يحمل قوله : (وَأَهْلَكَ) (6) على إضمار فعل ، كما يحمل : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً) (7) على إضمار فعل.
    وكذلك : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) (Cool.
    فسيبويه يعتبر المضمر بالظاهر.
    وكما جاز : (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (9) بجرّ «المسجد» وإضافة «حاضرى» إليه ، فكذا هذا.
    __________________
    (1) غافر : 56.
    (2) الحج : 67.
    (3) يس : 40.
    (4) الصافات : 38.
    (5) العنكبوت : 33.
    (6) الأنعام : 96.
    (7) الكهف : 52.
    (Cool البقرة : 196.

    والأخفش يدّعى أن النون لا يمكن إظهارها هنا ، لا يجوز (مُنَجُّوكَ) (1) ، ولا : (بالِغِيهِ) (2) ، ولا : (بالِغُوهُ) (3).
    فافترق الحال بين الظاهر والمضمر.
    واما قوله : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (4) ليس بوصف لله ، لأنه نكرة ، والإضافة في تقدير الانفصال. بدليل تعلّق الظرف به في «أحوج ساعة» (5).
    و (أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ) (6) ، وقد جاء :
    ملك أضلع البرّية ما يو
    جد فيها لما لديه كفاء (7)

    فإن «أحسن» مرتفع ب «هو» ، لأنه موضع بناء.
    وإن شئت كان بدلا ؛ لأن إضافة «أفعل» فى تقدير «من». فإذا ثبت : زيد أفضل القوم ؛ والتقدير : أفضل من القوم ؛ فإضافته غير محضة ، لا يتعرّف بها ، فوجب أن يكون «أحسن» بدلا لا وصفا.
    ومن ذلك قوله : (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) (Cool بالكسر ، اسم الفاعل ، ليكون معرفة فيشاكل المعطوف عليه ، ومن فتح (9) ، فهو مصدر ، أي ، ذا ختم.
    __________________
    (1) العنكبوت : 33.
    (2) النحل : 7.
    (3) الأعراف : 135.
    (4) المؤمنون : 14.
    (5) جزء من بيت لأوس بن حجر ، وهو بتمامه :
    فإنا رأينا العرض أحوج ساعة
    إلى الصون من ريط يمان مسهم

    ويروي (فإنا وجدنا).
    (6) النحل : 125.
    (7) البيت من معلقة للحارث بن حلزة.
    (Cool الأحزاب : 40.
    (9) الذي في كتب اللغة ان «الخاتم» بالفتح والكسر اسم فاعل.

    الثامن
    هذا باب ما جاء في التنزيل من إجراء
    «غير» في الظاهر على المعرفة
    فمن ذلك قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) (1). قال قوم : إنما انجرّ «غير» لأنه بدل من «الذين» وهو معرفة ، ولا كلام فى هذا.
    وقال قوم : بل هو صفة ل «الذين».
    فقيل لهم : إن «غيرا» أبدا نكرة ، فكيف تجرى وصفا على المعرفة؟ /. وإنما قالوا ذلك لأنك إذا قلت : مررت برجل غيرك ، فكلّ الناس غير المخاطب.
    وقال أبو إسحاق فى ذلك : إن «غيرا» جرى وصفا ل «الذين» هنا ، لأن معنى: الذين أنعمت عليهم : كل من أنعم الله عليه منذ زمن آدم إلى قيام الساعة. وليسوا مقصودا قصدهم.
    وقال أبو بكر بن دريد : «غير» إذا أضيف إلى اسم يضاد «الموصوف» وليس له
    __________________
    (1) الفاتحة : 6.

    ضدّ سواه ، يتعرف «غير» بالإضافة ، كقولك : مررت بالمسلم غير الكافر ، وعليك بالحركة غير السكون ، لا يضاد المنعم عليهم إلا المغضوب عليهم ، فتعرف «غير».
    وقال أبو علىّ : يشكل هذا بقوله : (أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ)(1).
    ومثل (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ) قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) (2). فمن رفع «غيرا» جعله تابعا ل «القاعدين» على الوجهين.
    وكذا قوله : (أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) (3) ، فيمن جر «غيرا».
    __________________
    (1) فاطر : 37.
    (2) النساء : 95.
    (3) النور : 31.

    التاسع
    هذا باب ما جاء في التنزيل من كاف الخطاب
    المتصلة بالكلمة ولا موضع لها من الإعراب
    فمن ذلك (1) الكاف المتصلة بقوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (2) فالكاف هنا للخطاب.
    ومن ادعى فيه أنه جرّ بالإضافة فقد أحال ، لأن «إيّا» اسم مضمر ، والمضمر أعرف المعارف ، فلا يجوز إضافته بتّة.
    فإن قال : إن «ايا» اسم ظاهر.
    قلنا : لم نر اسما ظاهرا ألزم إعرابا واحدا إلا فى الظروف ، نحو : «الآن» ، و «إذ» ـ فى أغلب الأحوال ـ و «أين» ، و «إيّا» ليس بظرف.
    فإن قال : فقد قالت العرب : إذا بلغ الرجل الستين فإيّاه والشّواب (3) ، فهذا نادر لا اعتبار به ، ولا يجوز بناء القواعد عليه.
    وإذا كان كذلك كان «إياكما» و «إياكم» و «إياك» و «إياى» من قوله : (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (4) ، و «إياه» الياء والهاء أيضا حرفان ، وقد جرّدتا عن الاسمية وصارتا حرفين.
    __________________
    (1) في الأصل : «فمن ذلك قوله الكاف» و «قوله» هنا زيادة لا معنى لها.
    (2) الفاتحة : 4.
    (3) الشواب : جمع شابة.
    (4) النحل : 51.

    ومن ذلك الكاف فى «ذلك» من قوله : (ذلِكَ الْكِتابُ) (1) و «ذانك» من قوله : (فَذانِكَ بُرْهانانِ) (2) وما أشبهه. الكاف للخطاب لثبات النون فى «ذانك». ولو كان جرّا / بالإضافة حذفت النون كما تحذف من قولهم : هذان غلاماك ، لأن «ذا» اسم مبهم ، وهو أعرف من المضاف ، فلا يجوز إضافته بتة.
    ولأنك تقول : عندى ذلك الرجل نفسه. ولا يجوز أن تقول : ذاك نفسك ، بالجر ، ولو كان الكاف جرا لجاز ، فثبت : ذلك نفسه ، وذاك نفسه ، يفسد كون الكاف مجرورا.
    ومن ذلك الكاف فى قوله تعالى : (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ) (3) فالكاف هنا للخطاب ، ولا محلّ له من الإعراب ؛ لأن العرب تقول : أرأيتك زيدا ما صنع؟
    ولو كان «الكاف» المفعول الأول لكان «زيدا» المفعول الثاني ، و «زيدا» غير الكاف ، لأن «زيدا» غائب وهو غير المخاطب ، ولأنه لا فرق [بينه و] (4) بين قول القائل : أرأيتك زيدا ما صنع؟
    ألا ترى قوله : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ) (5).
    وقوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ) (6).
    فالكاف والميم ثبوتهما لا يزيد معنى يختلّ بسقوطهما ، فعلى هذا فقس
    __________________
    (1) البقرة : 2.
    (2) القصص : 32.
    (3) الإسراء : 62.
    (4) زيادة يقتضيها السياق.
    (5) الأنعام : 40.
    (6) الأنعام : 46.

    جميع «الكاف» المتصل ب «إياك» ، و «ذلك» ، و «ذاك» ، و «ذانك» ، و «أرأيتك» ، و «أرأيتكم».
    وهذا قوله : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) (1).
    وقوله : (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) (2).
    وقوله : (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ) (3).
    «الكاف» فى هذه المواضع للخطاب ولا محلّ لها من الإعراب.
    وهكذا «الكاف» فى : «أولئك» ، و «أولئكم» ، فى جميع التنزيل للخطاب ، وليس لها محل من الإعراب ، لاستحالة معنى الإضافة فيه.
    __________________
    (1) يوسف : 32.
    (2) الأعراف : 22.
    (3) الأعراف : 43.

    العاشر
    هذا باب ما جاء في التنزيل من المبتدأ
    ويكون الاسم على إضمار المبتدأ ، وقد أخبر عنه بخبرين
    وقد ذكر سيبويه ذلك فى «الكتاب» حيث يقول فى باب ما يجوز فيه الرفع مما ينتصب فى المعرفة (1) :
    وذلك قولك : هذا عبد الله منطلق.
    حدّثنا بذلك يونس وأبو الخطاب عمّن يوثق به من العرب.
    وزعم الخليل أن رفعه يكون على وجهين :
    فوجه أنك حيث قلت : هذا عبد الله منطلق ، أضمرت «هذا» أو «هو» ، فكأنك قلت : هذا عبد الله هو منطلق.
    والوجه الآخر : أن تجعلهما / جميعا خبرا ل «هذا» ، كقولك : هذا حلو حامض. لا تريد أن تنقص الحلاوة ، ولكن تزعم أنه قد جمع الطعمين. قال الله تعالى : (كَلَّا إِنَّها لَظى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوى) (2) وزعم أنها فى قراءة ابن مسعود : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) (3)
    __________________
    (1) انظر الكتاب لسيبويه (ج 1 ص 258).
    (2) المعارج : 15 ، 16.
    (3) هود : 72 والقراءة المشهورة : (وهذا بعلى شيخا) بالنصب.

    وقال الشاعر (1) :
    من يك (2) ذا بتّ فهذا بتّى
    مقيّظ مصيّف مشتّى (3)

    البتّ : الكساء.
    انتهت الحكاية عن سيبويه.
    فمن ذلك قوله تعالى : (الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (4) ف «ذلك» مبتدأ ؛ و «الكتاب» عطف بيان ، أي جمع أنه لا شك فيه ، وأنه هدى.
    وكان أبو علىّ يقول : إنك إذا قلت : هذا حلو حامض ، فالعائد إلى المبتدأ ضمير من مجموعهما. ألا ترى أنهم فسروه بقولهم : هذا مزّ.
    وكان عثمان يقول : قد قال هذا. وعندى أن الضمير يعود إليه من كل واحد منهما.
    وبينهما كلام طويل ذكرته فى «الاختلاف».
    ومن ذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (5) ف «الذين كفروا» اسم «إن» بمنزلة المبتدأ. و «سواء عليهم» ابتداء. وقوله «أأنذرتهم أم لم تنذرهم» استفهام بمعنى الخبر فى موضع الرفع : خبر «سواء». والتقدير : سواء عليهم الإنذار وترك الإنذار. والجملة خبر «الذين». وقوله (لا يُؤْمِنُونَ) جملة أخرى خبر بعد خبر ، أي : إن الذين كفروا فيما مضى يستوى عليهم الإنذار وترك الإنذار ، لا يؤمنون فى المستقبل.
    __________________
    (1) في الكتاب : «الراجز».
    (2) في اللسان (مادة بت) : «من كان».
    (3) زاد في اللسان : «تخذته من نعجات ست».
    (4) البقرة : 1 و 2.
    (5) البقرة : 6.

    وهذا يراد به قوم خاص كأبي جهل وأصحابه ، ممن لم ينفعهم الإيمان ، وليس على العموم.
    فإن قلت : فإن قوله : (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) إذا كان خبرا ل «سواء» فليس في هذه الجملة ما يعود إلى المبتدأ الذي هو «سواء» ، فكيف صح وقوعه خبرا عنه؟
    فالجواب : أن هذه جملة فى تقدير المفرد ، على تقدير : سواء عليهم الإنذار وترك الإنذار. ولو صرح بهذا لم يكن ليحتاج فيه إلى الضمير ، فكذا إذا وقع موقعه جملة.
    وقدّر قوم أن «الإنذار» ، مبتدأ ، وترك الإنذار عطف عليه ، و «سواء» خبر.
    والأول أوجه ، ولكنه على / هذا المخبر عنه مقدر ، وليس فى اللفظ. وعلى الأول المخبر عنه فى اللفظ.
    ومثله : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) (1). والتقدير : سواء عليكم الدّعاء والصّموت.
    ويجوز أن يكون «هدى» خبر مبتدأ مضمر ، أي : هو هدى. لأن سيبويه جوز فى المسألة المتقدمة هذا.
    ومن إضمار المبتدأ قوله : (وَقُولُوا حِطَّةٌ) (2) والتقدير : قولوا : مسألتنا حطة ؛ أو إرادتنا حطة. فحذف المبتدأ.
    وأما قوله تعالى : (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ) (3) فحمله أبو إسحاق مرة على حذف المبتدأ ، أي : لا هى فارض ولا بكر. وحمله مرة
    __________________
    (1) الأعراف : 193.
    (2) البقرة : 58 ، والأعراف : 161.
    (3) البقرة : 68.

    اخرى على أن «فارض» صفة لبقرة ، كما حكاه سيبويه : مررت برجل لا فارس ولا شجاع.
    وفى التنزيل : (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) (1) ، فجر «مقطوعة» صفة ل «فاكهة».
    ومن هذا الباب قوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا) (2) ف (أَنْ يَكْفُرُوا) مخصوص بالذم. والمخصوص بالمدح والذم فى باب «بئس» و «نعم» فيه قولان :
    أحدهما : أنه مبتدأ و «بئس» خبر ، على تقدير : بئس كفرهم ، بئسما اشتروا به أنفسهم.
    والقول الثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر ، لأنه كأنه لما قيل : بئسما اشتروا به أنفسهم ، قيل : ما ذلك؟ قيل : أن يكفروا.
    والقول الثاني : (3) أي : هو أن يكفروا ، أي : هو كفرهم.
    وعلى هذا فقس جميع ما جاء من هذا الباب من قوله تعالى : (فَنِعِمَّا هِيَ) (4). وقوله : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) وغير ذلك.
    ومن ذلك قوله تعالى ـ فى قراءة أبى حاتم ـ (لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ) (5). ألا ترى أنه يقف على «ذلول» ثم يبتدئ فيقرأ «تثير الأرض» على : فهى تثير الأرض.
    وقال قوم : هذا غلط ، لأنه لو قال [وتسقى الحرث لجاز ، ولكنه] (6) قال : (وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) (7) وأنت لا تقول : يقوم زيد ولا يقعد ، وإنما تقول : يقوم زيد لا يقعد.
    __________________
    (1) الواقعة : 32 ـ 33.
    (2) البقرة : 90.
    (3) هكذا في الأصل. ولعله تفسير للقول الثاني السابق.
    (4) البقرة : 271.
    (5) البقرة : 71.
    (6) زيادة يقتضيها السياق.
    (7) البقرة : 90.

    وقد ذكرنا فى غير موضع من كتبنا : أن الواو واو الحال ، أي : تثير الأرض غير ساقيه. / والأحسن أن يكون «تثير» داخلا فى النفي.
    ومن حذف المبتدأ قوله تعالى : (مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها) (1) أي هى مسلّمة. وإن شئت كان قوله : «لا ذلول» أي : لا هي ذلول مسلمة ، خبر بعد خبر.
    ومن حذف المبتدأ قوله تعالى : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (2) أي : فالواجب عدة.
    وكذلك : (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (3) أي : فالواجب ما استيسر من الهدى.
    وأما قوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (4) من رفع «رفثا» و «لا فسوقا» ونصب «لا جدال فى الحج» (5) فإن خبر المرفوعين مضمر ، على قول الأخفش ، لأنه يزعم أن رفعهما بالابتداء ، ويجعل الناصب «جدال» نفس «لا» ولا يجعل «لا» مع «جدال» مبتدأ ، كما هو مذهب سيبويه ، وإنما يجعل «لا» بمنزلة «أن» ، فلا يجوز أن يشترك المنصوب المرفوع فى الخبر ، وعلى هذا مذهب سيبويه خبر الجميع قوله (فِي الْحَجِّ) لأن الجميع مبتدأ.
    وعلى هذا الخلاف قوله :
    فلا لغو ولا تأثيم فيها
    وما فاهوا به أبدا مقيم (6)

    __________________
    (1) البقرة : 71.
    (2) البقرة : 184 ، 185.
    (3) البقرة : 196.
    (4) البقرة : 197.
    (5) في الأصل : «وأما قوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) من رفع رفثا ولا فسوقا ونصب ولا جدال في الحج. من رفع رفثا ولا فسوقا ونصب جدالا فإن جدالا ... إلخ».
    (6) البيت لأمية بن أبي الصلت. والرواية في اللسان (أتم). «لهم مقيم».

    ومن ذلك قوله تعالى : (لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللهَ) (1) أي : هذا الشرع ، وهذا المذكور لمن اتقى ، أي : كائن لمن اتقى.
    ومن ذلك قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) (2) أي : فالواجب إمساك بمعروف.
    ومنه : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) (3) أي : فالواجب نصف ما فرضتم.
    ومنه قوله تعالى : (وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ) (4) أي : فالواجب وصية لأزواجهم.
    فأما قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ) (5) فإن أبا إسحاق وأبا العباس حملا قوله «يتربصن» على أنه خبر ابتداء محذوف ، مضاف إلى ضمير «الذين» ، على تقدير : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا أزواجهم يتربصن. والجملة خبر «الذين». والعائد إلى «الذين» من الجملة المضاف إليه «الأزواج».
    وقد جاء المبتدأ المضاف محذوفا فى قوله تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتاعٌ قَلِيلٌ) (6) أي. تقلّبهم متاع قليل ، فحذف المبتدأ. فى مواضع.
    وقال الأخفش : / التقدير فى الآية : يتربصن بعدهم ، فحذف «بعدهم» العائد إلى «الذين» وإن كان متصلا بالظرف ؛ لأنه قد جاء مثل ذلك كقوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) (7). التقدير : وكأن لم يلبثوا قبله. لا بد من إضمار «قبله». وسترى ذلك فى مواضع إن شاء الله.
    __________________
    (1) البقرة : 203.
    (2) البقرة : 229.
    (3) البقرة : 237.
    (4) البقرة : 240.
    (5) البقرة : 234.
    (6) آل عمران : 196 و 197.
    (7) يونس : 45.

    وقال الكسائي : إن قوله «يتربصن» جرى خبرا عن الاسم الذي تقدم فى صلة الموصول ، لأن الغرض من الكلام : أن يتربصن هن. وأنشد الفرّاء :
    لعلّى إن مالت بي الرّيح ميلة
    على ابن أبى الذّبّان أن يتندمّا

    فأخبر عن ابن أبى الذّبان ، الذي تعلّق بقوله : «إن مالت بي الريح» فقال : أن يتندما.
    ولا حجة له فى البيت ، لأنه قد عاد من جملة الكلام إلى ياء المتكلم ضمير ، وهو قوله «إن مالت بي الريح» فبطل حجته بالبيت. وصح قول أبى الحسن وقول أبى العباس ، ومن ذلك قوله تعالى : (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) (1).
    قال سيبويه : قال الله عزوجل : (فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ) (2) فارتفع لأنه لم يخبر عن الملكين أنهما قالا : فلا تكفر فيتعلموا ؛ لنجعل قولهما «لا تكفر» سببا للتعلّم ، ولكنه قال «فيتعلّمون» أي فهم يتعلمون (3).
    ومثله : (كُنْ فَيَكُونُ) (4) كأنه قال : إنما أمرنا ذاك فيكون ، أي : فهو يكون.
    قال أبو على : تقدير قولك : لا تقرب الأسد فيأكلك ، هاهنا غير سائغ.
    ألا ترى أن كفر من نهى عن أن يكفر فى الآية ليس سببا لتعلّم من يتعلم ما يفّرق به بين المرء وزوجه ؛ وذلك أن الضمير الذي فى قوله (فَيَتَعَلَّمُونَ) لا يخلو من أحد أمرين :
    __________________
    (1) البقرة : 102.
    (2) في الأصل : «فيتعلمون».
    (3) النحل : 40.

    إما أن يكون راجعا إلى «الناس» من قوله (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ) (1) ، أو إلى (أَحَدٍ) (2).
    فإن كان راجعا إلى «الناس» فلا تعلق له بقوله (فَلا تَكْفُرْ) ، لأنه لا معنى لقوله (فَيَتَعَلَّمُونَ) إذا كان فعل الغير أن يحمل على (فَلا تَكْفُرْ) ، لفساده فى المعنى.
    وإن كان راجعا إلى (أَحَدٍ) لم يكن (فَيَتَعَلَّمُونَ) أيضا جوابا لقوله (فَلا تَكْفُرْ) ، لأن التقدير : لا يكن كفر فتعلم. / والمعنى : إن يكن كفر يكن تعلم ، وهذا غير صحيح ، ألا ترى أنه يجوز أن يكفر ولا يتعلم ، فليس الأول سببا للثانى ، فإذا لم يجز ذلك لم يخل من أحد أمرين :
    إما أن تجعل الفعل معطوفا بالفاء على فعل قبله ؛ وإما أن نجعله خبرا لمبتدأ محذوف.
    والفعل الذي قبله لا يخلو من أن يكون (كَفَرُوا) أو (يُعَلِّمُونَ) أو (يُعَلِّمانِ) ، أو فعلا مقدرا محذوفا من اللفظ ، وهو «يأبون». فإن عطفت على «كفروا» جاز ، ويكون موضعه رفعا كموضع «كفروا».
    وإن عطفت على (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ) فيتعلّمون ، جاز. و (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ) يجوز أن يكون منصوبا على الحال من الواو فى (كَفَرُوا). ويجوز أن يكون بدلا عن (كَفَرُوا) ، لأن تعليم السحر كفر.
    __________________
    (1) البقرة : 102.

    فأما ما اعترض به أبو إسحاق على المعطوف على (يُعَلِّمُونَ) من أنه خطأ ، لأن قوله (مِنْهُما) دليل هاهنا على التعلم من الملكين خاصة ، فهو ساقط غير لازم من جهتين : إحداهما ، أن التعلم إن كان من الملكين خاصة لا يمنع أن يكون قوله (فَيَتَعَلَّمُونَ) عطفا على (كَفَرُوا) وعلى (يَتَعَلَّمُونَ) ، وإن كان متعلقا ب (مِنْهُما) فكأن الضمير فى (مِنْهُما) راجع إلى الملكين.
    فإن قلت : كيف يجوز هذا؟ وهل يسوغ أن يقدر هذا التقدير (ولكن الشّياطين كفروا يعلّمون النّاس السّحر فيتعلّمون منهما). فتضمر الملكين قبل ذكرهما؟.
    قيل له : أما المضمر فعلى ما ذكرته صحيح.
    فأما الإضمار قبل الذكر فساقط هنا ، ليس يلزم على تقديره فى قول سيبويه إضمار قبل الذّكر. ألا ترى أن (مِنْهُما) إذا كان ضميرا عائدا إلى الملكين ، فإن إضمارهما بعد تقدم ذكرهما ، وذلك شائع. ونظيره قوله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) (1) فإن قال: إن المعطوف على قول سيبويه بعيد من المعطوف عليه ، وعلى قول غيره قريب ، ومهما احتملت الآية من غير تأويل كان أولى.
    قيل له : إن بعد المعطوف عن المعطوف عليه وتراخيه عنه لا يمنع من عطفه عليه وإتباعه إياه.
    __________________
    (1) البقرة : 124.

    ألا ترى أن الناس / حملوا قوله تعالى : (وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) (1) فيمن جرّ على (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) (2) وعلم «قيله» ، وليس بعده من المعطوف عليه وتراخيه عنه بأقل من هذا ، وهذا كثير.
    والجهة الأخرى ، وهى أن الضمير لهاروت وماروت. والتقدير : (ولكنّ الشّياطين هاروت وماروت كفروا يعلّمون النّاس السّحر فيتعلمّون منهما). فلا يعود إلى الملكين ، إنما يعود إلى هاروت وماروت ، وجاز (يُعَلِّمُونَ) حملا على المعنى.
    ويجوز عطف (يَتَعَلَّمُونَ) على (ما يُعَلِّمانِ) ، فيكون التقدير : وما يعلّمان من أحد فيتعلّمون منهما ، فيكون الضمير الذي فى (يَتَعَلَّمُونَ) على هذا التأويل «لأحد».
    إلا أنه جمع لمّا حمل على المعنى ، كقوله تعالى : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ)(3). وارتفاعه لا يمنع عطفك إياه على هذا الفعل الذي ذكرناه ، لأن هذا الفعل ، وإن كان منفيا فى اللفظ ، فهو موجب فى المعنى. ألا ترى أن معناه : يعلّمان كلّ أحد إذا قالا له : (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ).
    ويجوز أن يكون معطوفا على مضمر دل عليه الكلام ، وهو : يأبون فيتعلمون. إلا أن قوله (فَلا تَكْفُرْ) نهى عن الكفر ، فدل (فَيَتَعَلَّمُونَ) على إبائهم.
    __________________
    (1) الزخرف : 88.
    (2) الزخرف : 85.
    (3) الحاقة : 47.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2892
    نقاط : 4517
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اعراب القرأن ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اعراب القرأن ج1   اعراب القرأن ج1 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 7:31 am

    فأما كونه خبرا المبتدأ المحذوف ، فعلى أن تقدّره : فهم يتعلمون منهما ، فهذا ما احتملته هذه الآية.
    ومن إضمار المبتدأ قوله تعالى : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) (1) فأضمر المبتدأ وأخبر عنه بثلاثة أخبار.
    وكان عباس بن الفضل يقف على (صُمٌّ) ثم على (بُكْمٌ) ثم على (عُمْيٌ) فيصير لكل اسم مبتدأ ، والأول أوجه.
    ودل قوله فى الأخرى : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ) (2) على أن الواو هنا مقدرة أيضا ؛ وأنه فى قولهم : هذا حلو حامض ، مقدّر أيضا. والجارّ فى قوله (فِي الظُّلُماتِ) متعلّق بمحذوف. والتقدير : صمّ وبكم ثابتون فى الظلمات.
    ومن هذا الباب قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (3). إذا وقفت على (هُوَ) كان (الْحَيُّ) خبر مبتدأ مضمر. ولا يجوز أن يكون (الْحَيُّ) وصفا ل «هو» لأن المضمر لا يوصف. ويجوز أن يكون خبرا لقوله (اللهُ).
    ويجوز أن يرتفع (الْحَيُّ) / بالابتداء و (الْقَيُّومُ) خبره.
    ويجوز أن يكون (الْحَيُّ) مبتدأ و (الْقَيُّومُ) صفة ، و (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ) (4) جملة خبر المبتدأ. ويكون قوله (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (5) الظرف ، وما ارتفع به خبر آخر ، فلا تقف على قوله (وَلا نَوْمٌ) (6).
    __________________
    (1) البقرة : 18 ، 171.
    (2) الأنعام : 39.
    (3) البقرة : 255.

    ومن ذلك قوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) (1). هذا خبر مبتدأ مضمر ، والتقدير فيه : وجوب صدقة البر (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا).
    وقيل اللام بدل من اللام فى قوله تعالى : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) (2). (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا) (3).
    وهذا لا يصح ، لأن «الفقراء» مصرف الصدقة ، والمنفقون هم المزكّون ، فإنما لأنفسهم ثواب الصدقة التي أدّوها إلى الفقراء.
    وإن قال : إن المراد بالعموم الخصوص ، يعنى بالأنفس : بعض المزكين الذين لهم أقرباء فقراء ، فهو وجه ضعيف.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) (4) أي : فالواجب إمساك بمعروف.
    ومنه قوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) (5) أي : فالواجب تحرير رقبة.
    وقوله بعده : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) (6) أي : فالواجب.
    وكذلك (فَدِيَةٌ) أي : فالواجب دية.
    وكذلك فى سورة المجادلة : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) (7) أي : فالواجب تحرير رقبة.
    __________________
    (1) البقرة : 273.
    (2) البقرة : 272.
    (3) البقرة : 273.
    (4) البقرة : 229.
    (5) النساء : 92.
    (6) المجادلة : 3.

    فأما قوله تعالى : (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا) (1) ف «ذلك» مبتدأ ، و (جَزاؤُهُمْ) خبر «ذلك» ، و (جَهَنَّمُ) خبر ثان.
    ويجوز أن يكون : «ذلك» خبر مبتدأ مضمر ، أي ذلك جزاؤهم ثابتا بما كفروا.
    ومثله قراءة ابن مسعود (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) (2) فى الأوجه المتقدمة.
    فأما المخصوص بالذم والمدح فإنه على أحد الوجهين ، نحو قولهم : نعم الرجل زيد.
    وقال قوم : زيد خبر ، مبتدأ مضمر ؛ لأنه لما قال : نعم الرجل ؛ كأنه قيل : من هو؟ فقيل : زيد ، أي : هو زيد.
    فعلى هذا يكون قوله : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ جَنَّاتُ عَدْنٍ) (3) أي : هى جنات عدن.
    ومن قال (جَنَّاتُ عَدْنٍ) مبتدأ ، ويكون قوله (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) خبرا عنه ، كان المقدّر فى نحو قوله تعالى (نِعْمَ الْعَبْدُ) (4) (وَبِئْسَ الْمِهادُ) (5) (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (6) (وَبِئْسَ / مَثْوَى الظَّالِمِينَ) (7) و (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (Cool.
    وفى الزمر والمؤمن : (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (9) وقوله تعالى : (نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) (10) و (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) (11).
    __________________
    (1) الكهف : 106.
    (2) هود : 72.
    (3) النحل : 30 و 31.
    (4) ص : 30 ، 44.
    (5) آل عمران : 12 ، 197.
    (6) البقرة : 126 ، آل عمران : 162.
    (7) آل عمران : 151.
    (Cool النحل : 29.
    (9) الزمر : 72 ، المؤمن : 76.
    (10) الكهف : 31.
    (11) الكهف : 50.

    فهذه الأشياء كلها على الوجه الأول ، حذف الخبر والمبتدأ جميعا. وعلى القول الثاني ، حذف المبتدأ وحده.
    فأما قوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) (1).
    فقيل : إن الذين ظلموا) خبر مبتدأ مضمر ، كأنه قال : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى).
    قيل : من هم؟ فقال : الذين ظلموا ، أي : هم الذين ظلموا. وقيل : بل (الَّذِينَ ظَلَمُوا) مبتدأ.
    وقوله تعالى : (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (2) فى موضع الجر ، وقيل : هو بدل من الواو فى (وَأَسَرُّوا).
    كقوله : (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) (3). وقوله تعالى : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) (4) فيمن قرأ بالألف.
    وقيل : إن «كثيرا منهم» مبتدأ ، وخبره : عموا وصموا ، أي : كثير منهم عموا وصموا.
    ومما لا يتجه إلا على إضمار المبتدأ :
    قوله : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (5)
    __________________
    (1) الأنبياء : 3.
    (2) المائدة : 71.
    (3) الإسراء : 23.
    (4) يونس : 61.

    فالجار يتعلّق بمحذوف خبر ابتداء مضمر ، وهو هو ، أي : هو ثابت فى كتاب مبين ، و (إِلَّا) بمعنى «لكن».
    ولا يجوز أن يكون (إِلَّا فِي كِتابٍ) استثناء متصلا بقوله (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ)(1) لأنه يؤدى إلى أن يكون : يعزب / عن ربك مثقال ذرة إذا كان فى كتاب مبين ، فثبت أن الجار خبر ابتداء مضمر.
    وكذلك فى سورة سبأ (2). فكذلك قوله تعالى : (وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ) (3) أي : لكن هو فى كتاب.
    ومن هذا الباب قوله تعالى : (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) (4). فمن رفع (مَتاعَ) كان خبر مبتدأ مضمر محذوف ، أي : ذلك متاع الحياة الدنيا.
    قال أبو على فى قوله : (عَلى أَنْفُسِكُمْ) يحتمل تأويلين :
    أحدهما :
    أن يكون متعلقا بالمصدر ، لأن فعله يتعدى بهذا الحرف. يدلك على ذلك قوله تعالى: (بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) (5) و (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) (6) / فإذا جعلت الجار من صلة المصدر كان الخبر (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا).
    والمعنى : بغى بعضكم على بعض متاع الحياة الدنيا ، وليس مما يقرّب إلى الله تعالى من الطاعات (7).
    __________________
    (1) يونس : 61.
    (2) سبأ : 3 والآية (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).
    (3) الأنعام : 59.
    (4) يونس : 23.
    (5) ص : 22.
    (6) الحج : 60.
    (7) هذا هو التأويل الثاني.

    أن يجعل (عَلى) متعلقا بمحذوف فى موضع الخبر ، ولا تجعله من صلة المصدر ؛ فإذا جعلته كذلك كان خبرا للمصدر. وفيه ذكر يعود إلى المصدر ، كما أنك إذا قلت : الصلاة فى المسجد ، كان كذلك.
    والمعنى فيه : أن المصدر مضاف إلى الفاعل ، ومفعول المصدر محذوف.
    المعنى : إنما بغى بعضكم على بعض عائد على أنفسكم. ف «على» هذا يتعلق بالمحذوف دون المصدر المبتدأ. وهذا فى المعنى كقوله تعالى : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) (1) و (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) (2).
    وفى قوله : (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) إبانة عن هذا المعنى ، ألا ترى أن المبغىّ عليه إذا نصره الله لم ينفذ فيه بغى الباغي عليه ولا كيده ، فإذا لم ينفذ فيه صار كالعائد على الباغي. فإذا رفعت (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) على هذا التأويل كان خبر مبتدأ محذوف ، كأنك قلت : ذلك متاع الحياة الدنيا ، أو هو متاع الحياة الدنيا. ومن نصب (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) احتمل النصب فيه وجهين :
    أحدهما : أن تجعل (عَلى) من صلة المصدر ، فيكون الناصب «للمتاع» هو المصدر الذي هو «البغي» ويكون خبر المبتدأ محذوفا. وحسن حذفه لطول الكلام ، ولأن (بَغْيُكُمْ) يدل على «تبغون» فيحسن الحذف لذلك. وهذا الخبر المقدّر لو أظهرته لكان يكون مذموما أو منهيّا عنه.
    __________________
    (1) فاطر : 43.
    (2) الفتح : 10.

    والآخر : أن تجعل (عَلى) من قوله (عَلى أَنْفُسِكُمْ) خبر المبتدأ. فإذا حملته على هذا ، احتمل نصب (مَتاعَ) وجهين :
    أحدهما : تتمتعون متاعا ، فيدل انتصاب المصدر عليه.
    والآخر : أن تضمر (تبغون) لأن ما يجرى مجرى ذكره قد تقدم ، كأنه لو أظهر لكان : تبغون متاع الحياة الدنيا ، فيكون مفعولا به.
    وأما قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ طاعَةٌ) (1) وقوله : (قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ)(2). وقوله (طاعَةٌ / وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) (3).
    فالمبتدأ مضمر فى جميع ذلك ، والتقدير : ويقولون أمرك طاعة ، وقل لا تقسموا أمرنا طاعة.
    وكذلك : (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) (4) أي : أمرنا طاعة.
    فحذف المبتدأ ، كقوله (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) (5) أي : فشأنى صبر جميل.
    وقدّره قوم على أن الخبر مضمر ، أي : طاعة وقول معروف أمثل من غيرهما.
    وقال أبو إسحاق : بل قوله : (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) (6) تقديره : ويقول الذين آمنوا : لو لا أنزلت سورة ذات طاعة ، فحذف المضاف.
    وأما قوله تعالى : (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ) (7) والتقدير : هى النار.
    __________________
    (1) النساء : 81.
    (2) النور : 53.
    (3) محمد : 21.
    (4) يوسف : 18 ، 83.
    (5) الحج : 72.

    ويجوز أن يكون مبتدأ ، و «وعدها الله» خبره.
    ومن ذلك قوله تعالى : (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ) (1) أي : ذلك بلاغ ، فحذف المبتدأ وأبقى الخبر. وقال : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها) (2) أي : هذه سورة أنزلناها. وقال : (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) (3) أي : هذا كتاب أنزل إليك.
    وقال الفراء : تقديره : (المص كِتابٌ) ، أي : بعض حروف كتاب أنزل إليك ، فحذف الاسمين المضاف أحدهما إلى صاحبه.
    وأنكره الزّجاج وقال : حذف المبتدأ أحسن. وقال : (الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ) (4) أي : هذا كتاب أنزلناه. وقال (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (5) أي : هذا تنزيل الكتاب ، والجار خبر بعد خبر. ويجوز أن يكون : هو من الله.
    وعلى هذا (حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ) (6) و (حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (7) و (الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ) (Cool أي : هذا تنزيل الكتاب ، ومثله : (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) (9) أي : هذا تنزيل العزيز.
    ومثله : (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (10).
    __________________
    (1) الأحقاف : 35.
    (2) النور : 1.
    (3) الأعراف : 2.
    (4) إبراهيم : 1.
    (5) الزمر : 1.
    (6) الجاثية : 1 ، 2 وغافر : 1 ، 2.
    (7) فصلت : 1 ، 2.
    (Cool السجدة : 1 ، 2.
    (9) يس : 5.
    (10) الواقعة : 80.

    ومما جاء وقد حذف منه المبتدأ :
    قوله تعالى : (قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ) (1) موضع (الَّذِينَ) رفع بأنه خبر مبتدأ ، ولا يكون رفعا بأنه وصف ل «هؤلاء». ألا ترى أنك لو جعلته صفة لكان (أَغْوَيْناهُمْ) الخبر. فإذا جعلته الخبر لم يستقم ، لأنك لا تفيد به إلا ما استفيد من المبتدأ ، فصار بمنزلة قولك : الذاهبة جاريته صاحبها ؛ ونحو ذلك.
    فإن قلت / : فهلا جعلت (أَغْوَيْنا) الخبر ، وجعلت (الَّذِينَ) صفة المبتدأ ، واستجزت أن يكون الخبر ، لاتصال (كَما) به ، وجواز «الكاف» أن يكون وما اتصل به فى موضع الخبر ، كما يكون فى موضع الحال. فإذا كان كذلك صار فيه فائدة لم تكن فى قوله (أَغْوَيْنا) الذي فى الصلة.
    قيل : لا يستقيم ذلك ؛ لأن الجزء الذي هو خبر ينبغى أن يكون مفيدا بنفسه ، فإذا افتقر إلى اتصال ما هو فضلة به لم يفد إلا كذلك ، لم يجز.
    ألا ترى أنك لا تجيز : زيدا ضرب ، إذا كان الضمير الذي فيه لزيد ، لأن المفعول الذي هو فضلة يصير محتاجا إليه وغير مستغنى عنه. فإذا لم يجز ذلك فى الفاعل لم يجز فى خبر المبتدأ أيضا ، لأن خبر المبتدأ كالفاعل عند سيبويه. فقوله (أَغْوَيْنا) جملة مستأنفة ، واستغنت عن حرف العطف لتضمنها الذكر مما تقدم.
    __________________
    (1) القصص : 63.

    ولا يجوز على «حلو حامض» فتجعل (الَّذِينَ أَغْوَيْنا) و (أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) خبرين ، ولم يجز أن تجعله كالمفرد ، ألا ترى أنك لم تستفد من قولك «هذا حلو حامض» واحدا من الخبرين.
    ونظير ما منعنا منه فى الخبر منع سيبويه منه فى الصفة فى قوله :
    إذا كان يوم ذو كواكب أشهبا (1)
    قال عثمان : الفضلة قد تصير معتمد الكلام دون الخبر والصلة ، فى نحو : قامت هند فى داره. ولو لا الفضلة فسد الكلام ، وكذا : الذي قمت إليه قمت فى داره. فينبغى أن يصير (الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ) (2) خبرا ؛ ف «أغوينا» بالفضلة معتمد الكلام.
    وفى التنزيل : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ) (3) لو لا الفضلة. أعنى (عَلَيْهِ). لم يجز للجملة أن تجرى على (إِنَّ).
    ومن حذف المبتدأ قوله تعالى : (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ) أي : هذا ذكر رحمة ربك ، فحذف المبتدأ.
    وقوله تعالى : (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ) (4) قرئ بالرفع والنصب.
    فالرفع على أن قوله (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) كلام ، والمبتدأ المضمر ما دل عليه هذا الكلام ، أي : هذا الكلام (قَوْلَ الْحَقِّ).
    __________________
    (1) البيت لمقاس العائذي ، واسمه مسهر بن النعمان ، وصدره :
    فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي
    وقد ورد عجزه في اللسان (مادة شهب) والكتاب (1 : 21) هكذا : «إذا كان يوم ذو كواكب أشهب» برفع «أشهب».
    (2) القصص : 63.
    (3) آل عمران : 5.
    (4) مريم : 34.

    ويجوز أن تضمر «هو» وتجعله كناية عن «عيسى» فيكون الرافع (قَوْلَ الْحَقِّ) ، أي : هو قول الحق ؛ لأنه قد قيل فيه : روح الله ، وكلمته ، والكلمة قول.
    ومن ذلك قوله تعالى : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ) (1) يجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر ، أي : هو رب السموات والأرض.
    ويجوز أن يكون بدلا من اسم «كان» فى قوله : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (2).
    ويجوز على قول الأخفش أن يكون مبتدأ وخبره (فَاعْبُدْهُ) لأنه يجيز إدخال الفاء فى خبر المبتدأ.
    وسيبويه لا يجيز ذلك فى قوله :
    وقائلة خولان فانكح فتاتهم
    وأكرومة الحيّين خلو كما هيا (3)

    أي : هذه خولان. ولم يجز أن يكون «فانكح» مسندا إلى «خولان» لأنه لا يرى «الفاء» فى خبر المبتدأ إلا فى الموصول والنكرة الموصوفة ، وقد قلنا ما يقتضيه قول أبى الحسن :
    يا ربّ ، موسى أظلمى وأظلمه (4)
    فاصبب عليه ملكا لا يرحمه

    من أن التقدير : يا رب ، اظّلمنا فاصبب على أينا أظلم.
    __________________
    (1) مريم : 65.
    (2) مريم : 64 و 65.
    (3) (الكتاب : 70).
    (4) اللسان (ظلم) : «يقول العربي لصاحبه أظلمني وأظلمك افعل الله به ، أي الأظلم منا».

    ومن ذلك قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) (1) أي : الذي ينفقون العفو ، فيمن رفع ، ومن نصب نصبه بفعل مضمر.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) (2) أي : لا تقولوا : هو ثالث ثلاثة ، أي : لا تقولوا : الله ثالث ثلاثة ، لأنه حكى عنهم فى قوله : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) (3) فنهاهم عن قول ما حكى عنهم. فالمبتدأ مضمر والمضاف محذوف ، لأنهم لم ينتهوا عن قول «ثلاثة» التي تنقص عن أربعة.
    ومثله : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ) (4) قد ثبت أن أن (عِلِّيِّينَ) موضع ، بقوله (لَفِي عِلِّيِّينَ).
    وبما فى الحديث من قوله عليه‌السلام : إنّ أهل الجنّة ليتراءون أهل علّيّين ، كما ترون الكوكب الّذى فى أفق السّماء.
    فالمعنى : إن كتاب الأبرار فى هذا الموضع.
    وقال : (وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (19) كِتابٌ مَرْقُومٌ) (5).
    فالمعنى : عليون موضع كتاب مرقوم ، فحذف المبتدأ والمضاف. وهذا الموضع يشهده المقرّبون من الملائكة.
    وقال : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ) (6) فا «لسجين» فعيل من «السجن» كأنه موضع متأخر. / فالقول فى (كِتابٌ مَرْقُومٌ) كالقول فيما تقدم ذكره.
    __________________
    (1) البقرة : 219.
    (2) النساء : 171.
    (3) المائدة : 73.
    (4) المطففين : 18 ـ 19.
    (5) المطففين : 19 ـ 20.
    (6) المطففين : 7 و 8.

    قال ابن بحر : ظاهر التلاوة ، قد فسر «السجين» فقال : (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ) فأخبر أن «للسجين» كتاب مرقوم.
    وكأن المعنى : إن الذي كتبه الله على الفجّار ـ أي أوجبه عليهم من الجزاء ـ هو فى هذا الكتاب المسمى سجّينا. ويكون لفظ تسميته من السجن والشدة ، واشتمال الصخرة(1) ، على معنيين :
    أحدهما : أن مصير أصحابه إلى ضيق وشدة وسفال.
    والآخر : أن يكون ما كتب عليهم لا يتبدل ولا ينمحى ، كالنقش فى الحجر ، فإنه لا يزال باقيا كبقاء النّقش فى الحجر.
    وقال فى قوله تعالى (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) : ظاهر التلاوة يدل على أن (عِلِّيِّينَ) اسم للكتاب ، وإن كان على بناء الجمع ؛ أي الذي أوجبه الله للابرار لفى كتابه المسمّى : عليين ، وهو كتاب مرقوم يشهده الملائكة المقرّبون.
    وذكر بعضهم أن «عليين» : الملائكة. فإن كان فى حديث صحيح فإن وجهه أن يكون قوله (كِتابٌ مَرْقُومٌ) خبر «إنّ» مؤخّرا ؛ وتقديره : إن كتاب الأبرار كتاب مرقوم فى عليين ، أي : فى محل الملائكة.
    فعلى هذا يكون قد حذف المضاف ، وتكون اللام داخلة على الفضلة ، كقولهم : إنّ زيدا لطعامك آكل. وكان هذا لا يصح ؛ لأن الاختيار إدخال اللام على الخبر دون الفضلة.
    __________________
    (1) يشير إلى ما جاء على ألسنة المفسرين من أن «سجين» صخرة تحت الأرض السابعة.

    وشىء آخر ، وهو أنهم قالوا : إن كل ما جاء فى التنزيل من قوله «وما أدراك» فإنه فسّره كقوله :
    (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (10) نارٌ حامِيَةٌ). (1) (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) (2) (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ) (3) وهاهنا إذا جعلت «كتابا مرقوما» خبر «إن» لم يكن ل «سجين» ولا ل «عليين» تفسير.
    وهذا نظير قولهم على هذا القول : إنّ زيدا فافهم ما أقول رجل صدق ، فيكون اعتراضا بين اسم «إن» وخبره.
    وهناك شىء آخر ، وهو أنك إذا قلت : إن التقدير : إن كتاب الأبرار كتاب مرقوم فى علّيين ، وجب أن تعلّق الجارّ بمضمر يكون خبرا ثانيا ، على تقدير : كائن فى علّيين ثابت فيه. ولا تعلّقه ب «مرقوم» / لأنك قدّمته على الموصوف ب «مرقوم» ، وما تعمل فيه الصفة لا يتقدم على الموصوف ، لأنه يوجب تقديم الصفة على الموصوف ، لأن العامل يقع حيث يقع المعمول ، ولا يجوز أن تعلّقه بمحذوف يكون صفة ل «كتاب» لما ذكرنا من أن الصفة لا تتقدم على الموصوف. فإن جعلته خبر «إن» ـ أعنى «فى عليين» ، وجعلت «كتابا مرقوما» خبرا أيضا ـ ، لم يجز ، لأنه لا فائدة فيه أكثر مما فى الاسم وقد قالوا : إنّ الذّاهبة جاريته صاحبها ، لا يجوز. فثبت أن القول قول أبى على ، وهو ما قدمناه.
    __________________
    (1) القارعة : 10 ، 11.
    (2) الهمزة : 5 و 6.
    (3) البلد : 12 ، 13.

    ومن ذلك قوله تعالى : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) (1) أي : دأبهم كدأب آل فرعون ، فحذف المبتدأ ، وقيل : بل الكاف فى موضع النصب ، أي : يتوقدون فى النار توقدا مثل توقد آل فرعون ، وكدأب آل فرعون.
    ومنه قوله تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ) (2) أي : الأمر ذلك.
    وكذا : (ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ) (3) أي : الأمر ذلك.
    فأما قوله تعالى : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) (4) «فذلك» مبتدأ و «الباء» خبره. ولا يجوز أن يكون التقدير : الأمر ذلك ، لأنه يبقى «الباء» لا تعلّق له بشىء.
    وأما قوله تعالى : (وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) (5) فالتقدير : هو سحر مستمر ، أو : هى سحر مستمر.
    ومثله : (هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ) (6) (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ) (7) أي : الأمر هذا.
    وأما قوله (هذا فَلْيَذُوقُوهُ) (Cool اعتراض. وقوله (حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) (9) خبر. و «الغساق» ، هو الحميم. كما تقول : زيد ظريف وكاتب ، فتجعل «الكاتب» صفة للظريف ، فتخبر عنه بهما.
    ولو كان «الحميم» غير «الغساق» لوجب تثنية المبتدأ. الذي هو «هذا».
    __________________
    (1) آل عمران : 10 ـ وقبلها : (أُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ).
    (2) الحج : 30 و 32.
    (3) الحج : 60.
    (4) آل عمران : 182 ـ الأنفال : 52.
    (5) القمر : 2.
    (6) ص : 49.
    (7) ص : 55.
    (Cool ص : 57.
    (9) ص : 57.

    وقال أبو إسحاق : «حميم» رفع من جهتين :
    إحداهما على معنى : هذا حميم وغساق فليذوقوه.
    ويجوز أن يكون «هذا» على معنى التفسير ، أي : هذا فليذوقوه. ثم قال بعد : هو حميم وغساق.
    ويجوز أن يكون «هذا» فى موضع نصب على هذا التفسير. ويجوز أن يكون فى موضع رفع.
    فإذا كان فى موضع نصب ، فعلى : فليذوقوه هذا فليذوقوه. كما قال : (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) (1). ومثله : هذا زيد فاضربه.
    ومن رفع فبالابتداء ، ويجعل الأمر فى موضع خبر الابتداء ، / مثل : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) (2).
    قال أبو على : اعلم أنه لا يجوز أن يكون «هذا» فى موضع رفع بالابتداء ، ويكون الأمر فى موضع خبره ، لمكان الفاء ؛ ألا ترى أن الفاء قد دخل فى الأمر ، فإذا كان كذلك لم يكن فى موضع خبره ، ولو جاز هذا لجاز : زيد فمنطلق ، على أن يكون «منطلق» خبر الابتداء.
    فأما تشبيهه له بالسارق والسارقة فلا يشبه قوله (هذا فَلْيَذُوقُوهُ) قوله (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) ، لأن فى «السارق والسارقة» معنى الجزاء فى الصلة ،
    __________________
    (1) البقرة : 41.
    (2) المائدة : 38.

    وهو مثل قوله (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) (1). ثم قال : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (2) وليس فى هذا الاسم معنى الشرط والجزاء ، ويجوز دخول الفاء فيما وقع موقع خبره ، ألا ترى أن سيبويه حمل قول من قال : (3)
    وقائلة خولان فانكح فتاتهم (4)
    على أن «خولان» من جملة أخرى ، فقال : كأنه قال : هذه خولان ، أو : هؤلاء خولان ؛ فيكون عطف جملة على جملة ، ولا يكون مثل : زيد فمنطلق.
    وأما قوله تعالى : (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) (5) فالتقدير : ولهم آخر ، أي : عذاب آخر من شكله أزواج ، أي : ثابت من شكله ، أي : من شكل العذاب أنواع. فيرتفع «أزواج» بالظرف ، لكون الظرف وصفا ل «آخر» فيرفع ما بعده بالاتفاق.
    وجوز أن يكون «وآخر» ـ فيمن أفرد ـ مبتدأ ، والظرف مع ما ارتفع به خبر. والعائد إلى المبتدأ الهاء المضاف إليه فى «من شكله» ، كما تقول : زيد ما فى داره عمرو.
    ويجوز عندى أن يكون «وآخر» معطوفا على «غسّاق» أي : وحميم وغساق. وآخر من شكل الغساق أزواج ، ويكون «من شكله» وصفا.
    ومن قال : «وآخر» على الجميع فهو مبتدأ ، و «أزواج» خبره ، و «من شكله» وصف ، أي من شكل الحميم.
    __________________
    (1) النساء : 38.
    (2) البقرة : 274.
    (3) في الأصل : هذه خولان.
    (4) انظر (ص 190) من هذا الجزء.
    (5) ص : 58.

    وأما قوله (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ) (1) التقدير : الأمر ذلك ، والأمر أن للكافرين عذاب النار.
    قال أبو على : إن شئت جعلت قوله «فذوقوه» اعتراضا بين الابتداء والخبر ، فأضمرت الخبر ، وإن شئت أضمرت الخبر بعدها ولم تجعل «فذوقوه» اعتراضا ، كما جعلت فى الوجه الأول ، وعطفته على الوجهين جميعا / على خبر الابتداء ، المعنى أن الأمر هذا وهذا.
    ومما يدل على الوجه الأول ، قوله تعالى (هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ).
    وإن شئت جعلت «ذلكم» ابتداء ، وجعلت الخبر «ذوقوه». على أن تجعل الفاء زائدة ، فإذا جعلته كذلك احتمل أن يكون رفعا على قول من قال : زيد اضربه ، ونصبا على قول من قال : زيدا اضربه.
    ومثله قوله تعالى : (قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) (2).
    وقوله : (قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) (3).
    وقوله : (قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ) (4).
    التقدير فى كلهن : الأمر كذلك ، فحذف المبتدأ.
    __________________
    (1) الأنفال : 14.
    (2) آل عمران : 40.
    (3) آل عمران : 47.
    (4) مريم : 21.

    ومن ذلك قوله : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) (1) التقدير : أي : هو عالم الغيب والشهادة.
    فيجوز أن يرتفع «عالم» بفعل دل عليه «ينفخ» أي : ينفخ فيه عالم الغيب ، كقوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) (2) فهو من باب قوله :
    ليبك يزيد ضارع لخصومة (3)
    ألا ترى أنه حمل «ضارع» على إضمار فعل دل عليه «ليبك». فزعم أن هذا الكلام يدل على أن له باكيا ، فصار كأنه قال : ليبك ضارع به.
    ومثله قراءة بعضهم : (زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) (4) على أن يكون «زيّن» مرتّبا للمفعول ، وارتفع «قتل» به مضافا إلى «أولادهم» ويكون «شركاؤهم» محمولا على فعل آخر ، لأن التقدير كأنه قال : زيّنه شركاؤهم. وهذه القراءة مرويّة عن السّلمى ، والحسن ، ويحيى بن الحارث الذّمارى ، عن أهل الشام.
    وقال سيبويه : فى هذا القول.
    أبو علي : وأظننى مربى من كلام غلامه أنه حمل رفع «شركائهم على المصدر ، أي : أن قتل أولادهم شركاؤهم.
    ويحكى ذلك أيضا عن قطرب.
    وهذا وإن كان محمولا على العامل الأقرب ، فإنما الإخبار فى الآية عن تزيين الشركاء قتل أولاد المشركين. وقراءة السّلمى إنما يكون «الشركاء» قاتلين أولادهم بتشبيبهم وتربيتهم. والكلام فى هذا طويل. والله أعلم.
    __________________
    (1) الأنعام : 73.
    (2) النور : 36.
    (3) عجزه :
    هو مختبط مما تطيح الطوائح والبيت للحارس بن نهيك.
    (الكتاب 1 : 145).
    (4) الأنعام : 137.

    ومن ذلك قوله تعالى : (قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) (1) فيمن نصب. تقديره. موعدكم فى يوم الزينة ، وموعدكم فى حشر الناس.
    فقوله : «أن يحشر» فى موضع الرفع خبر مبتدأ / محذوف دل عليه قوله «موعدكم» الأول. ومن رفع كان التقدير : موعدكم موعد يوم الزينة ، فحذف المضاف ، يدل على ذلك قوله : وأن يحشر ، أي : موعد حشر الناس ، أو : وقت حشر الناس ، فحذف.
    وأما قوله تعالى (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) (2) فإن جعلت فى «لهم» ضمير يعود إلى «ما» كان فى رفع آلهة وجهان :
    أحدهما : إضمار «هى» ، أي : هى آلهة.
    والآخر : إبدالها من الضمير فى الظرف.
    وزعم ابن عيسى أنه يجوز أن تكون «ما» كافة ، فيستأنف الكلام بعدها ، ويجوز فى «ما» أن تكون موصولة «بلهم» كأنه قيل : اجعل لنا إلها كالذى لهم ، فيجوز الجر على هذا الوجه فى «آلهة» ، كأنه قيل : اجعل لنا إلها كآلهة لهم.
    ويجوز على هذا الوجه النصب فى «آلهة» على الحال ، ففيه ثلاثة أوجه : الرفع ، والنصب ، والجر ، ولا يجوز على الكافة إلا الرفع.
    ومن هذا الباب قوله تعالى : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) (3) أي : هذا الحق من ربك.
    وقوله تعالى : (فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) (4) أي : قال : فأنا الحق وأقول الحق. ومن نصبهما قال : فأقول الحق حقا. ومن رفعهما جميعا
    __________________
    (1) طه : 59.
    (2) الأعراف : 138.
    (3) هود : 17.
    (4) ص : 84 و 85.

    قال : فأنا الحق ، وقولى لأملأن جهنم الحقّ ، فيصير «قولى» فى صلة الحق ، ويرتفع «الحق» باليمين ، وكأنه قال : والحق يمينى ، ويكون «الحق» الأول خبر مبتدأ محذوف ، على التقدير الذي ذكرنا.
    ويجوز أن يكون مبتدأ والتقدير : فالحق منى. ويجوز أن يكون فيمن نصب «الحق» أن يكون حالا ل «أملأن» جواب قوله «فالحق» ، ويكون قوله «والحق أقول» اعتراضا بين القسم وجوابه ، وجاز ذلك لأنه يوضح الأول ، ويكون التقدير : فبالحق لأملأن ، كما تقول : الله لأفعلن.
    وأما قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ) (1)
    فلا يخلو ارتفاع قوله (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) من أن يكون بالعطف على الخبر الذي هو «كبير» ، كأنه قال : قتال فيه كبير وصد وكفر ، أي : القتال قد جمع أنه كبير وأنه صدّ وكفر.
    أو يكون مرتفعا بالابتداء ، وخبره مضمر محذوف ، لدلالة «كبير» المتقدم عليه ، كأنه قال : والصدّ / كبير ، كقولك : زيد منطلق وعمرو.
    أو يكون مرتفعا بالابتداء والخبر مظهر ، فيكون «الصد» ابتداء وما بعده من قوله (وَكُفْرٌ بِهِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ) (2) ، مرتفع بالعطف على المبتدأ ، والخبر قوله (أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ)(3). فلا يجوز الوجهان الأولان ، وهما جميعا أجازهما الفرّاء.
    __________________
    (1) البقرة : 217.
    (2) البقرة : 217.

    أما الوجه الأول فلأن المعنى يصير : قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به. والقتال وإن كان كبيرا فيمكن أن يكون صدا ، لأنه ينفر الناس عنه ، فلا يجوز أن يكون كفرا ، لأن أحدا من المسلمين لم يقل ذلك ، ولم يذهب إليه. فلا يجوز أن يكون خبر المبتدأ شيئا لا يكون المبتدأ ، ويمنع من ذلك أيضا بعد (وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ) (1) ومحال أن يكون إخراج أهله منه أكبر من الكفر ، لأنه لا شىء أعظم منه.
    ويمتنع الوجه الثاني أيضا ، لأن التقدير فيه يكون : قتال فيه كبير ، وكبير الصد عن سبيل الله والكفر به ، وكذلك مثّله الفراء وقدّره ، فإذا صار كذلك ، فكأن المعنى : وإخراج أهل المسجد الحرام أكبر عند الله من الكفر ، فيكون بعض خلال الكفر أعظم منه كله ، وإذا كان كذلك امتنع الأول ، وإذا امتنع مذان ثبت الوجه الثالث ، وهو أن يكون قوله (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ابتداء و «كفر به وإخراج أهله» معطوفان عليه ، و «أكبر» خبر. فيكون المعنى : وصد عن سبيل الله ، أي : منعهم لكم أيها المسلمون عن سبيل الله وعن المسجد الحرام وإخراجكم منه وأنتم ولاته ، والذين هم أحق به منهم ، وكفر بالله أكبر من قتال فى الشهر الحرام.
    وأما قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ)(2). قرئ : (وَالْأَنْصارِ) بالرفع : على أن يجعل «الأنصار» ابتداء ، ولا تجعلهم من السابقين الذين هم المهاجرون. دليل هذه القراءة قوله
    __________________
    (1) البقرة : 217.
    (2) التوبة : 100.

    (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) (1) والذين جاءوا من بعدهم الأنصار. و «الذين» فى موضع جر ، لأنه معطوف / على قوله (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ) (2) ، ففى الآية دلالة من وجهين على أن المهاجرين هم السابقون : فى قوله (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) (3) وقوله / : (الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) (4).
    وعلى هذا ما روى عن خالد بن الوليد أنه قال لعماّر : إن كنت أقدم منى سابقة فليس لك أن تنازعنى. فالسابقون على هذا هم المهاجرون من دون الأنصار. ويقوّى ذلك ما روى من قوله عليه‌السلام : لو لا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار.
    ووجه الجر فى (الْأَنْصارِ) أن يجعل (الْأَنْصارِ) مع المهاجرين السابقين. والمعنى: أن كلا القبيلين سبقوا غيرهم ممن تأخر عن الإيمان إلى الإيمان.
    ويقوّى هذه القراءة أن فى بعض الحروف : «من المهاجرين ومن الأنصار». حكاه أبو الحسن.
    وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ) يجوز أن يكون مبتدأ ويكون الخبر (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ).
    ويجوز أن يكون : (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ) عطفا على الصّنفين المتقدمين.
    وإذا رفعت (الْأَنْصارِ) بالابتداء يكون التقدير : هؤلاء فى الجنة. فأضمر الخبر.
    __________________
    (1) الحشر : 10.
    (2) الحشر : 8.

    ويجوز أن يكون : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) أي : وفيما يتلى عليكم والسابقون الأولون ، أو : منهم.
    وأما قوله تعالى : (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) (1) الجارّ يتعلق بمحذوف خبر ثان ل «أنّ» ولا يتعلق ب «بادون» إلا أن تعنى أنهم خرجوا إلى البدو وفيهم.
    ويجوز أن يكون حالا من الضمير فى (بادُونَ).
    ويجوز فى (يَسْئَلُونَ) أن يكون صفة للنكرة ، وأن يكون حالا مما فى (بادُونَ) حكاية لحال ، أو من باب : «صائدا به غدا» من قولك : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا. وقوله (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) (2).
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) (3) ، التقدير : بل هم عباد مكرمون ، فأضمر المبتدأ.
    فأما ما ذهب إليه أبو إسحاق فى قوله تعالى : (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) (4) من أنه يجوز أن يرتفع (جَنَّاتٌ) بإضمار مبتدأ على تقدير : ذلك جنات تجرى من تحتها الأنهار ، فحذف المبتدأ ، فباطل أن يبقى قوله (خالِدِينَ فِيها) لا ناصب له ولا عامل يعمل فيه ، وإنما يرتفع (جَنَّاتٌ) بالظرف ، على قول الأخفش / فيكون (خالِدِينَ) حالا من المجرور باللام.
    __________________
    (1) الأحزاب : 20.
    (2) المائدة : 95.
    (3) الأنبياء : 26.
    (4) آل عمران : 15.

    وإن رفعته بالابتداء وجعلت فى الظرف ضميرا كان الحال عنه.
    ومن ذلك قوله تعالى : (مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ) (1).
    قال أبو على : يبيّن أن الخبر محذوف فى نحو قوله :
    (مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ) ظهوره فى قوله :
    لا شىء فى ريدها إلّا نعامتها
    منها هزيم ومنها قائم باقى (2)

    وكذلك : «منها قسىّ وزائف» (3).
    لا يكون إلا على إضمار «منها» لأن «القسي» غير الزائف.
    كما أن «الهزيم» غير «القائم». فكذلك ، الحصيد «غير ، القائم» والتقدير : ومنها حصيد.
    ومن ذلك قوله ـ فى قول أبى إسحاق ـ : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) (4) أي : إنهما ساحران ، فحذف المبتدأ. وإنما أضمره عنده وعند عالمه لأنه يرى أن «إنّ» بمعنى نعم ، و «هذان» مبتدأ. فلو حمل على الظاهر لدخل اللام على الخبر فأضمر المبتدأ.
    فقال أبو على : ليس هذا بصحيح ؛ لان الإضمار ضد التأكيد ، واللام للتأكيد. فإنما تلا هذا على لغة من قال :
    إنّ أباها وأبا أباها
    قد بلغا فى المجد غايتاها

    __________________
    (1) هود : 100.
    (2) الريد : حرف من حروف الجبل. والنعامة : ما نصب من خشب يستظل به. والهزيم : المتكسر. والبيت من قصيدة تأبّط شرا.
    (3) جزء من بيت لمزرد. والبيت بتمامه :
    ما زودوني غير سحق عمامة
    وخمس مئى منها قسي وزائف

    القسي : الدرهم الرديء.
    (4) طه : 63.

    ومن ذلك قوله تعالى : (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) (1) قال أبو على : «هذا» خبر مبتدأ وليس بصفة ل «مثل» ، بدلالة قوله : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ) (2) فى الأخرى.
    ومن ذلك قوله تعالى : (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) (3) أي : هى عوان ، ويكون (بَيْنَ ذلِكَ) بدلا من (عَوانٌ) كحامض بعد حلو.
    ومن ذلك قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً) (4) فقوله : (مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) أي : هو ابن مريم ، خبر ابتداء مضمر.
    قال أبو على : بنبغي أن يكون (عِيسَى) بدلا من (الْمَسِيحُ) من المبدل الذي هو هو ، ولا يكون إلا كذلك. ألا ترى أن المسيح اسم ، وأن الاسم مبتدأ ، فيجب أن يكون خبره. إذا كان مفردا. شيئا هو هو فى المعنى ، ولا يجوز أن يكون (عِيسَى) خبرا أيضا من حيث كان الاسمان له ، لأنه لو كان كذلك لكان أسماه على المعنى أو أسماه على الكلمة. وإذا كان على ما ذكرنا لم يجز أن يكون (ابْنُ مَرْيَمَ) وصفا لعيسى فى هذا الموضع ، وإن كان يجوز أن يكون وصفا له فى غير / هذا الموضع ، وإنما كان كذلك لأن «عيسى» هنا عبارة عن غير شخص. ألا ترى أنه خبر عن الاسم ، والاسم لا يكون الشخص ، فوجب من هذا أن يكون (ابْنُ مَرْيَمَ) فى هذه الآية خبر مبتدأ محذوف. أو مبتدأ محذوف الخبر ، أي هو ابن مريم ، أو ابن مريم هذا المذكور.
    __________________
    (1) البقرة : 26.
    (2) المدثر : 31.
    (3) البقرة : 68.
    (4) آل عمران : 45.

    ومن ذلك قوله تعالى : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ) (1) أي : منها مقام إبراهيم.
    وأما قوله تعالى : (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ) (2) «إذا» للمفاجأة و «فريق» مبتدأ ، و «إذا» خبره ، و «يخشون» خبر ثان. أو حال من الضمير في «إذا» عند سيبويه ، وعند الأخفش من «فريق». أي : فبالحضرة فريق.
    وأما قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ) (3) ف «من» استفهام مرفوع بالابتداء ، وخبره «يضل» ، ويجوز فيه النصب بفعل مضمر (4) ، ولمجىء الجار فى موضع آخر.
    ومثله : (أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى) (5) و (أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى) (6) من هو؟ ومن يكون؟
    ومن ذلك قوله تعالى : (أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) (7) فمن فتح الواو كان الخبر مضمرا ، أي : مبعوثون. أو يكون محمولا على موضع «أن» ، أو على الضمير فى «مبعوثون».
    ومنه قوله تعالى : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) (Cool أي : عن اليمين قعيد ، وعن الشمال قعيد.
    ومن ذلك قوله : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (9) فيمن قصر ، عن ابن كثير والحسن.
    وتقديره : لأنا أقسم. فاللام لام المبتدأ والمبتدأ محذوف. هذا هو الصحيح.
    __________________
    (1) آل عمران : 97.
    (2) النساء : 77.
    (3) الأنعام : 117.
    (4) القصص : 85.
    (5) الأصل : «مضمر كالقوانس».
    (6) القصص : 37.
    (7) الواقعة : 48.
    (Cool ق : 17.
    (9) القيامة : 1.

    واضطرب كلامه فقال مرة : اللام لام القسم ، وإن لم يدخل النون واحتج بأن النون ينفرد عن اللام ، واللام ينفرد عن النون ، كقوله (1).
    وقال مرة : إنها ردّ (2). ثم رجع عن هذا ، وتذكر قول الخليل فى قوله : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها. وَالْقَمَرِ) (3) من أن القمر لا يدخل على القسم ، فقال : اللام زيادة ، مثلها فى قراءة ابن جبير (إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ) (4) بالفتح ، وقوله :
    ولكنّنى من حبّها لكميد (5)
    وبيت آخر فى ديوان ابن الأعرابى.
    ومن ذلك قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ) (6).
    فقوله (طَوَّافُونَ) خبر مبتدأ مضمر ، أي : أنتم طوافون. وقوله (بَعْضُكُمْ) / بدل من الضمير فى قوله (طَوَّافُونَ) أي : أنتم يطوف بعضكم على بعض. هذا أيضا من طرائف العربية ، لأن الضمير فى قوله (طَوَّافُونَ) يعود إلى «أنتم» وأبدل منه قوله (بَعْضُكُمْ). وقد مررت بك المسكين ، ممتنع. ولكن يكون من باب قوله : «وما ألفيتنى حلمى (7)» «وأوعدنى رجلى»
    وزعم الفراء أن التقدير : هم طوّافون ، وأنت لا تقول : هم يطوف بعضكم على بعض. ولو قلت : إن المبدل منه فى تقدير الثبات. «كحاجبيه معين» فربما يمكن أن يقال ذلك.
    __________________
    (1) كذا في الأصل. وظاهر أن للكلام بقية.
    (2) أي رد لكلامهم حيث أنكروا البعث.
    (3) الشمس : 1 و 2.
    (4) الفرقان : 20.
    (5) المحفوظ : ولكنني من حبها لعميد.
    (6) النور : 58.
    (7) من رجز. هو : أوعدني بالسجن والأداهم رجلي ورجله شثنة المناسم. أي : أوعدني بالسجن وأوعد رجلي بالأداهم.

    وحمل قوم قوله : (بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ) على الابتداء والخبر ، أي بعضكم من بعض ، وجعل (عَلى) بمنزلة «من».
    وقال قوم : يدخل بعضكم على بعض ، فأضمر «يدخل» لأن ذكر الطواف يدل عليه.
    وأما قوله تعالى : (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) (1) فقد قال أبو على فى نصب الأول: إنه لم يحك شيئا تكلموا به فيحكى كما تحكى الجمل. ولكن هو معنى ما تكلمت به الرسل ، كما أن [المؤذن] (2) إذا قال : لا إله إلا الله. قلت : حقا ، وقلت : إخلاصا ، أعملت القول فى المصدرين ، لأنك ذكرت معنى ما قال ولم تحك نفس الكلام الذي هو جملة تحكى ، فلذلك نصب (سَلاماً) فى قوله : (قالُوا سَلاماً) ، لما كان معنى ما قيل ولم يكن نفس المقول بعينه.
    وقوله : (قالَ سَلامٌ) أي : أمرى سلام ، كقوله : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) (3) (وَقُلْ سَلامٌ) أي : أمرى سلام ، فحذف المبتدأ ، وقدر مرة حذف الخبر ، أي : سلام عليكم ، كما حذف من قوله (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) (4) يبين ذلك قوله تعالى : (وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) (5).
    وأكثر ما يستعمل (سَلامٌ) بغير ألف ولام ، وذلك أنه فى موضع الدعاء. فهو مثل قولهم : خير بين يديك ؛ لما كان المعنى المنصوب استجيز فيه الابتداء بالنكرة.
    ومن ذلك قوله تعالى : (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) (6)
    __________________
    (1) هود : 69.
    (2) بمثل هذه الكلمة يستقيم الكلام.
    (3) الزخرف : 79.
    (4) يوسف : 18 ، 83.
    (5) القصص : 55.
    (6) مريم : 47.

    وقال : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ) (1).
    وقال : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) (2). (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) (3) (وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) (4).
    وقد جاءت بالألف واللام ، قال الله تعالى حكاية عن عيسى عليه‌السلام : (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ) (5) فمن ألحق / الألف واللام حمله على العهد ، ومن لم يلحقه حمله على غير المعهود.
    قال سيبويه : وزعم أبو الخطاب أن قولك للرجل «سلاما» وأنت تريد : تسلما منك ، كما تقول : براءة منك ، تريد : لا ألتبس بشىء من أمرك. وزعم أن أبا ربيعة كان يقول : إذا لقيت فلانا فقل له سلاما. فزعم أنه سأله ، وفسر له معنى ، براءة منك. وزعم أن هذه الآية (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) (6) بمنزلة ذلك ؛ لأن الآية فيما زعموا مكية ، ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلّموا على المشركين ، ولكنه على قولك ، براءة منكم ، أو تسلما لا خير بيننا وبينكم ولا شر. انتهت الحكاية عن سيبويه (7).
    وفى كتاب أبى على هذا غلط ، وإيضاح هذا ووجهه (Cool أنه لم يؤمر المسلمون يومئذ بقتال المشركين ، إنما كان شأنهم المتاركة ، ولكنه على قوله براءة.
    ومما يقرب من هذا الباب قول عديّ :
    أنت فانظر لأيّ ذاك تصير (9)
    __________________
    (1) الرعد : 23 و 24.
    (2) الصافات : 79.
    (3) الصافات : 109.
    (4) النمل : 59.
    (5) مريم : 33.
    (6) الفرقان : 63.
    (7) الكتاب (1 : 463).
    (Cool الأصل : «ووجوهه».
    (9) البيت مطلع قصيدة لعدي بن زيد العبادي الشاعر ، وهو :
    أرواح مودع أم بكور
    لك فاعمد لأي حال تصير



    ذكر فيه وجوها ، منها حمله على حذف الخبر ، أي : أنت الهالك ؛ ولم يحمله على حذف المبتدأ ، على تقدير : هذا أنت ، لأنك لا تشير إلى المخاطب ، إلى نفسه ، ولا تحتاج إلى ذلك ، فإنما تشير إلى غيره. ألا ترى أنك لو أشرت إلى شخصه فقلت : هذا أنت ، لم يستقم.
    وقال فى حد الإضمار : وزعم الخليل أن «ها» هاهنا التي مع «ذا» إذا قلت : هذا ، وإنما أرادوا أن يقولوا : هذا أنت ، ولكنهم جعلوا أنت بين «ها» و «ذا» وأرادوا أن يقولوا : أنا هذا ، وهذا أنا. فقدّموها وصارت : أنت وأنا بينهما.
    وزعم أبو الخطاب أن العرب الموثوق بهم يقولون : أنا هذا ، وهذا أنا. وبمثلها قال الخليل هذا البيت :
    انا اقتسمنا المال نصفين بيننا
    فقلت لها هذا لها وهذا ليا (1)

    كأنه أراد أن يقول : وهذا ليا ، فصير «الواو» بين «ها» و «ذا» ، زعم أن مثل ذلك : أي ها الله ذا ، إنما هو هذا. وقد يكون «ها» فى : ها أنت ذا ، غير مقدمة ، وإنما تكون بمنزلتها [للتنبيه] (2) فى «هذا». يدلك على ذلك قوله تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) (3) / فلو كانت «ها» هاهنا هى التي تكون أولا إذا قلت «هؤلاء» لم تعد «ها» هاهنا بعد «أنتم».
    حدثنا يونس تصديقا لقول أبى الخطاب أن العرب تقول : هذا أنت تقول كذا وكذا ، ولم ترد بقولك : هذا أنت ، أن تعرفه نفسه ؛ كأنك تريد أن تعلمه أنه ليس غيره. هذا محال. ولكنه أراد أن ينبههه كأنه قال : الحاضر عندنا أنت ، والحاضر القائل كذا وكذا أنت وإن شئت لم تقدم «ها» فى هذا
    __________________
    (1) البيت للبيد وهو كما في الكتاب لسيبويه (1 : 379) :
    ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا
    فقلت لهم هذا لهاها وذاليا

    (2) تكملة من الكتاب.
    (3) آل عمران : 66.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2892
    نقاط : 4517
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اعراب القرأن ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اعراب القرأن ج1   اعراب القرأن ج1 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 7:32 am

    الباب. قال الله تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) (1) قال أبو سعيد : ها أنا ذا ، وها نحن أولاء ، وها هو ذاك ، وها أنت ذا ، وها أنتم هؤلاء ، وها أنتن أولاء ؛ «فها» للتنبيه ، والأسماء بعدها مبتدآت ، والخبر أسماء الإشارة ؛ ذا ، وذاك. وإن شئت جعلت الضمير المقدم هو الخبر ، والإشارة هى الاسم. وأما «ها» فيجوز أن يكون مع «ذا» وفصل بينهما «بأنت» ، المراد ب «هذا» أن تكون مع «ذا» والتقدير : أنا هذا ، ويجوز أن يكون التنبيه للضمير ، لأنهما مشتركان فى الإبهام. فأما من قدّرها مع «ذا» وإن فصل بينهما ، فإنه يحتج بقول زهير :
    تعلّمن ها لعمر الله ذا قسما
    فاقدر (2) بذرعك وانظر أين تنسلك

    [و] : فقلت لهم هذا لهاها وذاليا (3)
    والتقدير : هذا لها وذا لى ، فصير الواو بين «ها» و «ذا».
    ويحتج أيضا بقولهم : لا ها الله ذا ، واسم «الله» ظاهر لا يدخل عليه هاء التنبيه ، كما لا يدخل على «زيد» ونحوه. وإنما معناه : لا والله هذا. وإن من يقدّر أن «ها» داخلة على «أنت» غير منوى دخولها على «ذا» فإنه يحتج بقوله : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ)(4) فأتى ب «ها» فأدخلها على «أنتم» ثم أعادها فى «الأولاء». فلو كانت [«ها»] (5) (أولاء) بمعنى الأولى منويّا بها التأخير ، لكانت «ها» الأولى والثانية جميعا لأولاء. وهذا بعيد. وهذه حجة سيبويه. ومعنى قوله : وقد يكون «ها» فى «ها أنت ذا» غير متقدمة ، أي موضعها ل «أنت» ، غير متقدمة من «ذا» إلى «أنت».
    __________________
    (1) البقرة : 85.
    (2) في الكتاب (ج 2 : 145 ، 150) : «فاقصد».
    (3) تقدم البيت في حواشي الصفحة السابقة.
    (4) آل عمران : 66.
    (5) تكملة يقتضيها السياق.

    قال أبو سعيد : «وإنما يقول القائل : ها أنا ذا ، إذا طلب رجل لم يدر أحاضر هو أم غائب ، فقال : المطلوب : ها أنا ذا. / أي : الحاضر عندك أنا. وإنما يقع جوابا. لقول القائل (1) : أين من يقوم بالأمر؟ فيقول له الآخر. ها أنا ذا ، [أو : ها] (2) أنت ذا. أي أنا فى الموضع الذي التمست [فيه من التمست] (3) ، أو أنت فى ذلك الموضع».
    وأكثر ما يأتى فى كلام العرب هذا بتقديم «ها» و [الفصل بينها و] (4) بين «ذا» بالضمير المنفصل. والذي حكاه أبو الخطاب عن العرب من قوله : «هذا أنا» و «أنا هذا». هو فى معنى : أنا ذا. ولو ابتدأ إنسان على غير الوجه الذي ذكرناه فقال : هذا أنت ، وهذا أنا ، يريد أن يعرفه نفسه ، كان محالا ؛ لأنه إذا أشار له إلى نفسه بالإخبار عنه ب «أنا» و «بأنت» لا فائدة فيه ، لأنك إنما تريد أن تعلمه أنه ليس خبره. ولو قلت : «ما زيد غير زيد» ، و «ليس زيد غير زيد» ، كان لغوا لا فائدة فيه. أو قلت : هذا أنت ، والإشارة إلى غير المخاطب ، كان معناه : هذا مثلك ، كما تقول : زيد عمرو ، على معنى : زيد مثل عمرو.
    والذي حكاه يونس عن العرب «هذا أنت» ، تقول : «أنت تفعل كذا وكذا». هو مثل قوله (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) (5) لأن قولهم : هذا أنت ، كقولك : أنت هذا ، أحدهما مبتدأ والآخر خبره ، أيهما شئت جعلته المبتدأ والآخر الخبر ، وقوله : تفعل كذا وكذا فى موضع الحال عند البصريين ، كأنك قلت : هذا زيد فاعلا كذا. والعامل فيه معنى التنبيه. وعند الكوفيين أن المنصوب فى هذا بمنزلة الخبر ، لأن المعنى عندهم : زيد فاعل كذا. ثم
    __________________
    (1) مكان هذه العبارة في الأصل. «لقول القائل» : «ويقول» ، وما أثبتنا من هامش الكتاب (15 : 379).
    (2) التكملة من هامش الكتاب.
    (3) تكملة يقتضيها السياق.
    (4) البقرة : 85.

    أدخلوا «هذا» للوقت الحاضر ، كما يدخلون «كان» لما مضى. فإذا ادخلوا «هذا» وهو اسم ، ارتفع به «زيد» وارتفع «هذان» به على ما لو اختير حكم المبتدأ والخبر والذي بعده. فارتفاع «زيد» «بهذا». ويسمى أهل الكوفة هذا : التقريب. ومنزلة «ها» عند منزلة «كان» لأن «كان» دخلت على : زيد قائم به فانتصب به. ولا يجوز إسقاط المنصوب ، لأن الفائدة به ، معقودة والقصد إليه.
    ويجوز عند الكوفيين : هذا زيد القائم ، كما يجوز كان زيد القائم. ولا يجوز عند البصريين : هذا زيد القائم ، لأن مجراه عندهم مجرى الحال ، بخلاف خبر كان ، إذ ليس هو بحال.
    وأما قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) (1) ففيه ثلاثة أقوال :
    أحدها مذهب أصحابنا ، وهو أن «أنتم» و «هؤلاء» مبتدأ وخبر. و (تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) فى موضع الحال ، تقديره : قاتلين أنفسكم.
    وعلى مذهب الكوفيين «تقتلون» خبر التقريب ، على ما ذكرناه من مذهبهم.
    وقال ثعلب : «هؤلاء» فى معنى «الّذين» و «تقتلون» فى صلتها.
    كأنه قال : ثم أنتم الذين تقتلون أنفسكم ، كما قال ابن مفرّع :
    عدس ما لعبّاد عليك إمارة
    أمنت (2) وهذا تحملين طليق

    __________________
    (1) البقرة : 85.
    (2) اللسان (8 : 7) : «نجوت».

    وكان ينبغى على ما قدره ثعلب أن يقرأ : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) ، على تقدير : أنتم الذين تقتلون أنفسكم.
    ويجوز عند البصريين : ثم أنتم الذين أنفسكم ، فى الضرورة ، وليس بالمختار. وأنشدوا فيه لمهلهل :
    وإنّ الّذى قتّلت بكر بالقنا
    ويركب [منها] (1) غير ذات سنام

    والوجه : وإن الذي قتل.
    والآخر :
    يا أيّها الذّكر الّذي قد سؤتنى
    وفضحتنى وطردت أمّ عياليا

    والوجه : يا أيها الذي قد ساءنى.
    والآخر :
    يا مرو يا بن واقع يا أنتا
    أنت الّذي طلّقت عام جعتا (2)

    حتّى إذا اصطبحت واغتبقتا
    أقبلت مرتادا لما تركنا

    والوجه : الذي طلق عام جاع ، لأن الضمير فى «طلق» يعود إلى «الذي» وهو غائب ، فوجب أن يكون ضمير غائب.
    ومثله : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) (3) و (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ) (4) فيها الوجوه التي ذكرنا.
    __________________
    (1) تكملة يستقيم بها البيت.
    (2) الرجز لسالم بن عبادة في مرة بن واقع الفزاري.
    (3) آل عمران : 66.
    (4) آل عمران : 119.

    إذا زعمتم أن قوله : (تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) (1) فى موضع الحال ، والحال فضلة فى الكلام / فهل يجوز أن يقول : «ثم أنتم هؤلاء»؟.
    قيل له : إذا كان المقصد الإخبار ، فما أوجب حكم اللفظ فيه أن يكون حالا وجب أن يجرى لفظه على الحال ، وتصير الحال لازمة عما أوجبه المعنى ، كما أن الصفة فى بعض المواضع لازمة ، كقولك : مررت بمن صالح ، ويا أيها الرجل : فصالح والرجل ، لازمتان لا يجوز إسقاطهما من الكلام ، وإن أصل الصفة أن تكون مستغنى عنها.
    وأيضا فإنا رأينا الحال مع المصادر لا يستغنى عنها فى مثل قولك :
    شربك السّويق ملتوتا ، ونحوه.
    وأما قوله : «هذا لها وذاليا». بمعنى : «وهذا ليا» فإنما جاز تقديم «ها» على الواو لأن «ها» تنبيه ، والتنبيه قد يدخل على الواو إذا عطفت بها جملة على جملة ، كقولك : «ألا إنّ زيدا خارج ، ألا إنّ عمرا مقيم» ونحو هذا ، فاعرفه.
    وأما القول فى الهاء التي فى (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) (2) فقد روى بالمد والقصر. فوجه (ها أَنْتُمْ) أنه قد أبدل من الهمزة الهاء ، أراد «أنتم» فأبدل من الهمزة الهاء. ولا يمتنع أن تبدل من الهمزة الهاء ، كما لم يمتنع إبدال الواو والتاء والباء فى القسم ، وإن كان على حرف واحد ؛ ولا يحمل على حرف الألف من «ها» هنا فى «هلم» فإنه جاز ، لأن اللام فى تقدير السكون ، لأن الحركة نقلت إليها من غيرها فحذفت الألف لالتقاء الساكنين. وهذا الاستفهام
    __________________
    (1) البقرة : 85.
    (2) آل عمران : 66.

    بمعنى التقرير. وأمّا (ها أَنْتُمْ) فإنها للتنبيه ، ولحقت الجملة كما لحقت «يا» فى ذا البيت :
    يا قاتل الله صبيانا تجئ بهم
    أمّ [الضبيغس من زند] (1) لها وارى

    ويجوز أن تكون فى (ها أَنْتُمْ) بدلا من همزة الاستفهام ، كما كان بدلا منها فى قول من قال (ها أَنْتُمْ) ، وتكون الألف التي تدخل بين الهمزة لتفصل بينهما ، لأن الهاء بمنزلة الهمزة فى حمراء ؛ فى حكم الألف ، بدلالة ترك الصّرف.
    ومما أضمر فيه المبتدأ قولهم من مسائل الكتاب : لا سواء / والتقدير : «هذان لا سواء» فحذفوا المبتدأ وصارت «لا» كافة عوضا منها ، و «سواء» خبر المبتدأ ، وكما صارت «لا» هنا عوضا عن المبتدأ صارت كذلك عوضا عنه فى قولك : «أزيد عندك أم لا»؟
    قال : التقدير «أم هو لا» فلم يظهر ، لأن «لا» قد صار عوضا عنه كما صار عوضا فى «سية» قوله : لا سواء. والمعنى : لا هما سواء ، ولا هذان سواء. فلم يكرر «لا» لم يستقبح ذلك ، كما استقبحوا «لا زيد عندك» حتى يقال : «ولا عمرو» ، لأنه كما أنه لو أظهر المبتدأ لم يلزم تكرير «لا» كذلك لم يلزم تكريره فيما هو بدل منه. وأما خبر المبتدأ المضمر ، فاستغنى عن إظهاره كما استغنى عن إظهار الخبر ، نحو «زيد عندك وعمرو». وحسّن هذا الكلام أنّ «لا» قد حذفت بعدها الجمل فى نحو قول ذى الرّمة :
    خليلىّ هل من حيلة تعلمانها
    __________________
    (1) ويروى : «أم الهنينين». (اللسان 20 : 384).

    تقديره : هل من حيلة تعلمانها ، أو لا حيلة لكم؟
    واعلم أن «أم» لا تخلو من أن تكون الكائنة مع الهمزة بمنزلة «أي» أو المنقطعة ، فلو كانت التي بمعنى «أي» مع الألف لوجب أن يكون بعدها اسم أو فعل ، كقولك : أزيد قام أم عمرو؟. و : أقام زيد أم عمرو قعد؟. ولو كانت المنقطعة لوجب أن يكون بعدها جملة ، كقولك : عندك زيد أم عمرو؟. فلم يجىء واحد من الضربين.

    الحادي عشر
    هذا باب ما جاء في التنزيل من الإشمام والرّوم
    والإشمام يكون فى الرفع دون الجر ، والرّوم يكون فى الرفع والجر جميعا. وذكر ذلك سيبويه فى كتابه (1) حيث قال :
    فأما الذين أشمّوا فأرادوا أن يفرقوا بين ما يلزمه التحريك فى الوصل ، وبين ما يلزمه الإسكان على كل حال.
    [وأما الذين لم يشموا فقد علموا أنهم لا يقفون أبدا إلا عند حرف ساكن ، فلما سكن فى الوقف جعلوه بمنزلة ما يسكن على كل حال لأنه وافقه فى هذا الموضوع] (2).
    وأما الذين راموا الحركة فإنهم دعاهم إلى ذلك الحرص على أن يخرجوها من حال ما لزمه إسكان على كل حال [وأن يعلموا أن حالها عندهم ليس كحال ما سكن على كل حال] (3) وذاك أراد الذين أشموا ، إلا أن هذا (4) أشد توكيدا.
    قال : وأما ما كان فى موضع نصب أو جر ، فإنك تروم فيه الحركة وتضاعف ، وتفعل به ما تفعل بالمجزوم على كل حال ، وهو أكثر فى كلامهم. فأما الإشمام / فليس إليه سبيل ، وإنما كان ذا فى الرفع (5) ، لأن الضمة من
    __________________
    (1) الكتاب (2 : 282 ـ 283).
    (2) التكملة من الكتاب.
    (3) عبارة الكتاب : «إلا أن هؤلاء».
    (4) الأصل : «وأما ما كان في الرفع» وما أثبتنا من الكتاب.

    الواو ، فأنت تقدّر أن تضع لسانك فى أن موضع من الحروف شئت ، ثم تضم شفتيك ، لأن ضمك شفيتك كتحريكك بعض جسدك ، وإشمامك فى الرفع للرّؤية وليس بصوت للأذن. ألا ترى أنك لو قلت. «هذا معن» فأشممت ، كان (1) عند الأعمى بمنزلتها إذا لم تشمم ، فأنت [قد] (2) تقدر على أن تضع لسانك موضع الحرف قبل تزجية الصوت ، ثم تضم شفتيك ، ولا تقدر على [أن تفعل] (3) ذلك ، ثم تحرك موضع الألف والياء ، فالنصب والجر لا يوافقان الرفع فى الإشمام انتهت الحكاية عن سيبويه.
    فأما القراء فإنهم يطلقون على الرّوم فى المجرور اسم الإشمام.
    والحقيقة ما ذكرت لك عن سيبويه.
    وأكثر ما يجىء الإشمام والرّوم فى إدغام أبى عمرو ، فإذن أدغم المضموم أو المكسور فيما بعده.
    وقد وقع الإجماع على إشمام حرف مضموم مدغم فيما بعده ، وهو قوله (قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ) (4).
    والقراء مجمعون على إشمام الضمة فى النون الأولى من (تَأْمَنَّا) ، ويختلفوا فيه إلا فى رواية شذّت عن نافع.
    قال أبو على : وجه الإشمام أن الحرف المدغم بمنزلة الحرف الموقوف عليه من حيث جمعهما السكون ، فمن حيث أشموا الحرف الموقوف عليه إذا كان مرفوعا فى الإدراج ، أشموا النون المدغمة فى (تَأْمَنَّا).
    __________________
    (1) الكتاب : «كانت».
    (2) زيادة عن الكتاب.
    (3) يوسف : 11.

    وقد يجوز ذلك فى وجه آخر فى العربية وهو أن تبين ولا تدغم ، ولكنك تخفى الحركة ، وإخفاؤها هو ألا تشبعها (1) بالتمطيط ، ولكنك تختلسها اختلاسا. وجاز الإدغام والبيان جميعا ، لأن الحرفين (2) ليسا يلزمانه ، فلما لم يلزما صارا بمنزلة «اقتتلوا» فى جواز البيان فيه والإدغام جميعا.
    فما جاء فيه الإشمام عن أبى عمرو فى سورة البقرة ينقسم إلى قسمين : مضموم ، ومرفوع.
    فالحروف المضمومة ثمانية :
    قوله تعالى :
    (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) (3) (حَيْثُ شِئْتُما) (4) (حَيْثُ شِئْتُمْ) (5) (نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (6) (وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) (7) (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) (Cool (حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) (9).
    والحروف المرفوعة خمسة :
    قوله تعالى : (وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا) (10). (شَهْرُ رَمَضانَ) (11). / (يَشْفَعُ عِنْدَهُ)(12). (الْأَنْهارُ لَهُ) (13). (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (14).
    __________________
    (1) الأصل : «يشبعها».
    (2) الأصل : «لأن الحرف».
    (3) البقرة : 30.
    (4) البقرة : 35.
    (5) البقرة : 58.
    (6) البقرة : 133 ، 136.
    (7) البقرة : 138.
    (Cool البقرة : 139.
    (9) البقرة : 191.
    (10) البقرة : 127.
    (11) البقرة : 185.
    (12) البقرة : 255.
    (13) البقرة : 266.
    (14) البقرة : 126.

    وأما المجرور الذي فيه الرّوم :
    قوله تعالى : (فِيهِ هُدىً) (1) (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) (2) (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) (3) (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) (4) (بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ) (5) (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ) (6) (آياتِ اللهِ هُزُواً) (7) (النِّكاحِ حَتَّى) (Cool.
    فأما قوله تعالى : (يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) (9) فقد اختلف القرّاء فيه : فذهب ذاهبون إلى أنه إدغام ، وذهب آخرون إلى أنه إخفاء.
    ومما جاء فى سورة آل عمران فيه روم المكسور وهو حرف واحد ، وهو قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً) (10)
    والمجرور تسعه أحرف : (وَالْحَرْثِ ذلِكَ) (11) (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ) (12) (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) (13) (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ) (14) (الْقِيامَةِ ثُمَّ) (15) (الْغُرُورِ لَتُبْلَوُنَّ) (16) (وَالنَّهارِ لَآياتٍ) (17) (النَّارِ رَبَّنا) (18) (الْأَبْرارِ رَبَّنا) (19).
    فأما قوله تعالى : (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ) (20) ففى كتاب أبى عمرو عن مجاهد قال : اليزيدي (وَيَعْلَمُ ما) رفع ، وإذا أدغم لم يشم الميم المدغمة للضم. وقال عباس : يشم.
    __________________
    (1) البقرة : 2.
    (2) البقرة : 52.
    (3) البقرة : 64.
    (4) البقرة : 74.
    (5) البقرة : 92.
    (6) البقرة : 120.
    (7) البقرة : 230.
    (Cool البقرة : 235.
    (9) البقرة : 113.
    (10) آل عمران : 85.
    (11) آل عمران : 14.
    (12) آل عمران : 55.
    (13) آل عمران : 89.
    (14) آل عمران : 107.
    (15) آل عمران : 161.
    (16) آل عمران : 185 ، 186.
    (17) آل عمران : 190.
    (18) آل عمران : 191 ، 192.
    (19) آل عمران : 193 ، 194.
    (20) آل عمران : 29.

    قلت : ولعل عباسا إنما يشم ليعلم أنه ليس كقوله تعالى : (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا) (1) فيمن نصب. كما رواه نعيم بن ميسرة ، عن أبى عمرو : (وَيَعْلَمُ ما) بالنصب على الصرف. ومن لم يشم أجراه على الأصل.
    والرفع هو الوجه ، لأنه ليس جوابا للشرط ؛ إذ علم ما فى السموات غير متعلق بالإخفاء والإبداء ، فأما ما يعلمه الله فعلى المجازاة.
    وكذا (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ) إنما هو على الوعيد والجزاء.
    وأين هؤلاء من هذا الفرق والتخريج.
    ومما جاء فى سورة النساء يشم إشمام الضم فستة أحرف :
    (حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) (2) (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) (3) (وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) (4) (الْمَلائِكَةُ ظالِمِي) (5) (يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا) (6).
    والمجرور :
    (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ) (7) (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ) (Cool (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ) (9) (وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ) (10).
    __________________
    (1) الشورى : 35.
    (2) البقرة : 191 والنساء : 91.
    (3) النساء : 92.
    (4) النساء : 92.
    (5) النساء : 97.
    (6) النساء : 134.
    (7) النساء : 102.
    (Cool النساء : 57.
    (9) النساء : 122.
    (10) النساء : 61.

    ومما جاء فى سورة «المائدة» من ذلك أحد عشر حرفا يشم إشمام الضم :
    (تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ) (1) (يُبَيِّنُ لَكُمْ) (2) (يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ) (3) (يُعَذِّبُ مَنْ) (4) / (وَيَغْفِرُ لِمَنْ) (5) (يُنْفِقُ كَيْفَ) (6) (ثالِثُ ثَلاثَةٍ) (7) (كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ) (Cool (وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ) (9) (أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) (10) (قالَ اللهُ هذا) (11).
    الحروف المكسورة :
    (بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ) (12) (مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ) (13) (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) (14) (فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (15) (الصَّيْدِ تَنالُهُ) (16) (الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما) (17) (الْآياتِ ثُمَّ) (18) (الصَّالِحاتِ جُناحٌ) (19) (الصَّالِحاتِ ثُمَّ) (20) فهذه تسعة.
    ومما جاء فى سورة «الأنعام» أربعة أحرف تشم إشمام الضم :
    (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ) (21) (الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ) (22) (اللَّيْلُ رَأى) (23) (حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (24).
    __________________
    (1) المائدة : 13.
    (2) المائدة : 15.
    (3) المائدة : 19.
    (4) المائدة : 40.
    (5) المائدة : 40.
    (6) المائدة : 64.
    (7) المائدة : 73.
    (Cool المائدة : 75.
    (9) المائدة : 76.
    (10) المائدة : 89.
    (11) المائدة : 119.
    (12) المائدة : 32.
    (13) المائدة : 39.
    (14) المائدة : 43.
    (15) المائدة : 56.
    (16) المائدة : 94.
    (17) المائدة : 106.
    (18) المائدة : 76.
    (19) المائدة : 93.
    (20) المائدة : 93.
    (21) الأنعام : 151.
    (22) الأنعام : 61.
    (23) الأنعام : 76.
    (24) الأنعام : 124.

    والمكسور :
    (الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي) (1) (الْآياتِ ثُمَّ) (2).
    والمجرور حرف واحد :
    (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) (3).
    [ومما جاء فى سورة] (4) «الأعراف»
    الحروف المضمومة :
    (حَيْثُ شِئْتُما) (5) (حَيْثُ شِئْتُمْ) (6) (نَحْنُ لَكَ) (7) (يَنْزِعُ عَنْهُما) (Cool (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ) (9) (السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) (10) (وَيَضَعُ عَنْهُمْ) (11) (سَيُغْفَرُ لَنا) (12).
    والمكسور :
    (السَّيِّئاتِ ثُمَّ) (13) (مِنَ الرِّزْقِ قُلْ) (14) (عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) (15) (مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) (16).
    __________________
    (1) الأنعام : 143.
    (2) الأنعام : 46.
    (3) الأنعام : 71.
    (4) ما بين القوسين المستطيلين زيادة اقتضاها السياق.
    (5) الأعراف : 19.
    (6) الأعراف : 161.
    (7) الأعراف : 132.
    (Cool الأعراف : 27.
    (9) الأعراف : 100.
    (10) الأعراف : 120.
    (11) الأعراف : 157.
    (12) الأعراف : 169.
    (13) الأعراف : 153.
    (14) الأعراف : 32.
    (15) الأعراف : 77.
    (16) الأعراف : 200.

    [ومما جاء فى سورة] (1) «الأنفال» :
    المضموم :
    (الْأَنْفالُ لِلَّهِ) (2)
    والمكسور :
    (الشَّوْكَةِ تَكُونُ) (3) و (الْفِئَتانِ نَكَصَ) (4).
    (ومما جاء فى سورة) (5) «التوبة» :
    المضمومة :
    (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ) (6) (نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) (7) (زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً) (Cool (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) (9).
    والمكسورة :
    (وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ) (10) (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) (11) (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) (12) (فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) (13).
    [ومما جاء فى سورة] (14) «يونس» :
    المضمومة :
    (وَما نَحْنُ لَكُما) (15) (نَطْبَعُ عَلى) (16) (الْغَرَقُ قالَ) (17).
    __________________
    (1) تكملة اقتضاها سياق الكلام.
    (2) الأنفال : 1.
    (3) الأنفال : 7.
    (4) الأنفال : 48.
    (6) التوبة : 52.
    (7) التوبة : 101.
    (Cool التوبة : 124.
    (9) التوبة : 61.
    (10) التوبة : 72.
    (11) التوبة : 27.
    (12) التوبة : 40.
    (13) التوبة : 49.
    (15) يونس : 78.
    (16) يونس : 74.
    (17) يونس : 90.

    والمكسورة :
    (بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ) (1) (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ) (2) وهما مجروران. (السَّيِّئاتِ جَزاءُ)(3).
    [ومما جاء فى سورة] (4) «هود» :
    المضمومة :
    (وَما نَحْنُ لَكَ) (5) (أَطْهَرُ لَكُمْ) (6) (لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) (7).
    المكسورة :
    (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) (Cool (الْآخِرَةِ ذلِكَ) (9) (فَفِي النَّارِ لَهُمْ) (10).
    [ومما جاء فى سورة] (11) «يوسف» :
    المضمومة :
    (نَحْنُ نَقُصُّ) (12) (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ) (13).
    المكسورة :
    (إِنَّكِ كُنْتِ) (14) (وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي) (15).
    __________________
    (1) يونس : 11.
    (2) يونس : 21.
    (3) يونس : 27.
    (4) تكملة اقتضاها السياق.
    (5) هود : 53.
    (6) هود : 78.
    (7) هود : 101.
    (Cool هود : 66.
    (9) هود : 103.
    (10) هود : 106.
    (11) يوسف : 3.
    (12) يوسف : 98.
    (13) يوسف : 29.
    (14) يوسف : 101.

    وأما قوله : (يَخْلُ لَكُمْ) (1) فإنّى قرأته بالإظهار ، وقرأت (يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ) (2) بالإدغام ، مع استوائهما فى أنهما منقوصان.
    والفرق بينهما أن (يَبْتَغِ) كلمة طويلة فاحتملت الإدغام ، و (يَخْلُ) كلمة على ثلاثة أحرف وقد سقطت منها الواو ، فلو أدغمت الواو لبقى بينهما حرفان ، فكان ذلك مودّيا إلى الإجحاف بها.
    [ومما جاء فى سورة] (3) «الرعد» :
    المضمومة :
    (الْكُفَّارُ لِمَنْ) (4).
    المكسورة :
    (الثَّمَراتِ جَعَلَ) (5) / (بِالنَّهارِ (10) لَهُ مُعَقِّباتٌ) (6) (الْمِحالِ لَهُ) (7) (الصَّالِحاتِ طُوبى) (Cool.
    [ومما جاء فى سورة] (9) «إبراهيم» ، صلوات الله عليه.
    المضمومة :
    قوله : (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللهُ) (10).
    __________________
    (1) يوسف : 9.
    (2) آل عمران : 85.
    (3) تكملة اقتضاها السياق.
    (4) الرعد : 42.
    (5) الرعد : 3.
    (6) الرعد : 10 ، 11.
    (7) الرعد : 13 ، 14.
    (Cool الرعد : 29.
    (9) إبراهيم : 50 ، 51.
    (10) إبراهيم : 50.

    المكسورة :
    (فِي الْأَصْفادِ (49) سَرابِيلُهُمْ) (1) وهو مجرور.
    والثاني : قوله : (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ) (2).
    [ومما جاء فى سورة] (3) «الحجر» :
    المضمومة :
    (نَحْنُ نَزَّلْنَا) (4) (إِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي) (5) (حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) (6).
    [ومما جاء فى سورة] (7) «النحل» :
    [ال] (Cool مضمومة :
    (الْمَلائِكَةُ ظالِمِي) (9) (الْأَنْهارُ لَهُمْ) (10) (الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) (11) (أَمْرُ رَبِّكَ) (12) (أَكْبَرُ لَوْ كانُوا) (13) (يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ) (14).
    المكسورة :
    (وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ) (15) (وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ) (16) (إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ) (17) (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) (18) (الْبَناتِ سُبْحانَهُ) (19).
    __________________
    (1) إبراهيم : 49 ، 50.
    (2) إبراهيم : 23.
    (3) تكملة اقتضاها السياق.
    (4) الحجر : 9.
    (5) الحجر : 23.
    (6) الحجر : 65.
    (7) النحل : 28.
    (Cool النحل : 31.
    (9) النحل : 32.
    (10) النحل : 33.
    (11) النحل : 41.
    (12) النحل : 84.
    (13) النحل : 72.
    (14) النحل : 90.
    (15) النحل : 95.
    (16) النحل : 119.
    (17) النحل : 57.

    [ومما جاء فى سورة] (1) «بنو إسرائيل» (2) :
    المضمومة :
    قوله : (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ) (3).
    المكسورة :
    (فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا) (4) (وَضِعْفَ الْمَماتِ) (5) ثم (مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (6) [ومما جاء فى سورة] (7) الكهف.
    المضمومة :
    (نَحْنُ نَقُصُّ) (Cool (تُرِيدُ زِينَةَ) (9) (أَبْرَحُ حَتَّى) (10) (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ)(11).
    المكسورة :
    (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) (12).
    [ومما جاء فى سورة] (13) «مريم» :
    المضمومة :
    (نَحْنُ نَرِثُ) (14) (أَخاهُ هارُونَ) (15) (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ) (16) (الرَّأْسُ
    __________________
    (1) تكملة اقتضاها السياق.
    (2) بنو إسرائيل هي سورة الإسراء.
    (3) الإسراء : 31.
    (4) الإسراء : 66.
    (5) الإسراء : 75.
    (6) الإسراء : 85.
    (Cool الكهف : 13.
    (9) الكهف : 28.
    (10) الكهف : 60.
    (11) الكهف : 94.
    (12) الكهف : 50.
    (14) مريم : 40.
    (15) مريم : 53.
    (16) مريم : 2.

    شَيْباً) (1) (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ) (2) (وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) (3) (سَيَجْعَلُ لَهُمُ) (4).
    المكسورة :
    (النَّخْلَةِ تُساقِطْ) (5) (فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) (6) (بِأَمْرِ رَبِّكَ) (الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ) (7).
    [ومما جاء فى سورة] (Cool «طه» :
    المضمومة :
    (نَحْنُ نَرْزُقُكَ) (9) (كَيْدُ ساحِرٍ) (10) (السَّحَرَةُ سُجَّداً) (11)
    المكسورة :
    (وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ) (12)
    [ومما جاء فى سورة] (13) «الأنبياء» :
    المضمومة :
    (يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) (14)
    المكسورة :
    (ذِكْرِ رَبِّهِمْ) (15).
    __________________
    (1) مريم : 4.
    (2) مريم : 47.
    (3) مريم : 73.
    (4) مريم : 96.
    (5) مريم : 25.
    (6) مريم : 29.
    (7) مريم : 96.
    (Cool زيادة اقتضاها السياق.
    (9) طه : 132.
    (10) طه : 69.
    (11) طه : 70.
    (12) طه : 130.
    (14) الأنبياء : 60.
    (15) الأنبياء : 42.

    [ومما جاء فى سورة] (1) «الحج» :
    المضمومة :
    (يُدافِعُ عَنِ) (2).
    المكسورة :
    (السَّاعَةِ شَيْءٌ) (3) (لِلنَّاسِ سَواءً) (4) (بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ) (5) (الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ) (6) فى موضعين.
    [ومما جاء فى سورة] (7) «المؤمنون» :
    المضمومة :
    (وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ) (Cool (وَأَخاهُ هارُونَ) (9) (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ) (10) المكسورة :
    (يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) (11).
    [ومما جاء فى سورة] (12) «النور» :
    المضمومة :
    (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً) (13) (يَكادُ زَيْتُها) (14) (وَالْأَبْصارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ) (15) (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ) (16).
    __________________
    (1) تكملة اقتضاها السياق.
    (2) الحج : 38.
    (3) الحج : 1.
    (4) الحج : 25.
    (5) الحج : 78.
    (6) الحج : 14 ، 23.
    (7) المؤمنون : 38.
    (Cool المؤمنون : 45.
    (9) المؤمنون : 47.
    (10) المؤمنون : 16.
    (11) النور : 15.
    (12) النور : 35.
    (13) النور : 37 ، 38.
    (14) النور : 43.

    المكسورة (1) :
    (الْمُحْصَناتِ ثُمَّ) (2) (بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) (3) فى موضعين (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) (4) (عِنْدَ اللهِ هُمُ) (5) (وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ) (6).
    [ومما جاء فى سورة] (7) «الفرقان» :
    المضمومة :
    (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (Cool (إِلهَهُ هَواهُ) (9) (أَخاهُ هارُونَ) (10)
    والمكسورة :
    (بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) (11).
    [ومما جاء فى سورة] (12) «الشعراء» :
    المضمومة :
    (السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) (13) (أَنُؤْمِنُ لَكَ) (14) (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ) (15) [المكسورة] (16)
    (مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ) (17) (مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ) (18).
    [ومما جاء فى سورة] (19) «النمل» :
    المكسورة :
    (بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا) (20) (مِنْ فَضْلِ رَبِّي) (21) (عَرْشُكِ قالَتْ) (22).
    __________________
    (1) تكملة اقتضاها السياق. (2) النور : 4. (3) النور : 4 ، 13.
    (4) النور : 47.
    (5) النور : 13.
    (6) النور : 58.
    (7) تكملة اقتضاها السياق.
    (Cool الفرقان : 23.
    (9) الفرقان : 43.
    (10) الفرقان : 35.
    (11) الفرقان : 11.
    (12) الشعراء : 46.
    (13) الشعراء : 111.
    (14) الشعراء : 192.
    (15) الشعراء : 85.
    (16) الشعراء : 93.
    (17) النمل : 4.
    (18) النمل : 40.
    (19) النمل : 42.

    [ومما جاء فى سورة] (1) «القصص» :
    المضمومة :
    (وَنَجْعَلُ لَكُما) (2) (الْقَوْلُ رَبَّنا) (3) (وَيَقْدِرُ لَوْ لا) (4).
    والمكسورة :
    (النَّارِ لَعَلَّكُمْ) (5) (مِنْ عِنْدِ اللهِ) (هُوَ أَهْدى) (6).
    [ومما جاء فى سورة] (7) «العنكبوت» :
    المضمومة :
    (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (Cool (لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) (9) (وَيَقْدِرُ لَهُ) (10).
    المكسورة : (ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ) (11).
    [ومما جاء فى سورة] (12) «الروم» :
    المكسورة :
    (آثارِ رَحْمَتِ اللهِ) (13) (مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ) (14)
    ليس فى «لقمان» شىء.
    __________________
    (1) تكملة اقتضاها السياق.
    (2) القصص : 35.
    (3) القصص : 63.
    (4) القصص : 82.
    (5) القصص : 29.
    (6) القصص : 49.
    (7) العنكبوت : 46.
    (Cool العنكبوت : 60.
    (9) العنكبوت : 62.
    (10) العنكبوت : 57.
    (11) الروم : 50.
    (12) الروم : 54.

    [ومما جاء فى سورة] (1) «السجدة» :
    المكسورة :
    (الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ) (2).
    [ومما جاء فى سورة] (3) «الأحزاب» :
    المضمومة :
    (مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ) (4) (أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ) (5).
    المكسورة : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ) (6).
    [ومما جاء فى سورة] (7) «سبأ» :
    المضمومة :
    (وَيَقْدِرُ لَهُ) (Cool.
    [ومما جاء فى سورة] (9) «الملائكة» (10) :
    المضمومة :
    (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) (11).
    __________________
    (1) تكملة اقتضاها سياق الكلام.
    (2) السجدة : 21.
    (4) الأحزاب : 15.
    (5) الأحزاب : 53.
    (6) الأحزاب : 49.
    (7) سبأ : 39.
    (Cool هي سورة فاطر.
    (9) فاطر : 10.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2892
    نقاط : 4517
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اعراب القرأن ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اعراب القرأن ج1   اعراب القرأن ج1 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 7:34 am

    [ومما جاء فى سورة] (1) «يس» :
    المضمومة :
    (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ) (2) (نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) (3)
    [ومما جاء فى سورة] (4) «الصافات» :
    المكسورة :
    (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً) (5).
    المضمومة :
    (قَوْلُ رَبِّنا) (6).
    [ومما جاء فى سورة] (7) «ص» :
    المضمومة :
    (خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) (Cool (الْقَهَّارُ رَبُّ) (9)
    المكسورة :
    (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) (10).
    __________________
    (1) تكملة اقتضاها السياق.
    (2) يس : 12.
    (3) يس : 76.
    (4) الصافات : 1 ، 2.
    (5) الصافات : 31.
    (6) ص : 9.
    (7) ص : 65 ، 66.
    (Cool ص : 32.

    [ومما جاء فى سورة] (1) «الزمر»
    المضمومة :
    (أَكْبَرُ لَوْ) (2) (الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) (3).
    المكسورة :
    (فِي النَّارِ لكِنِ) (4) (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى) (5) (بِنُورِ رَبِّها) (6) (إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً) (7)
    [ومما جاء فى سورة] (Cool «المؤمن» :
    المضمومة :
    (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ) (9) (الْبَصِيرُ (56) لَخَلْقُ) (10).
    المكسورة :
    (ذِي الطَّوْلِ لا) (11) (الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ) (12) (الْغَفَّارِ (42) لا) (13) (لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ) (14) (الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ) (15).
    __________________
    (1) تكملة اقتضاها السياق.
    (2) الزمر : 26.
    (3) الزمر : 44.
    (4) الزمر : 19 ، 20.
    (5) الزمر : 60.
    (6) الزمر : 69.
    (7) الزمر : 73.
    (Cool المؤمن : 13.
    (9) المؤمن : 56 ، 57.
    (10) المؤمن : 3.
    (11) المؤمن : 15.
    (12) المؤمن : 42 ، 43.
    (13) المؤمن : 49.
    (14) المؤمن : 64.

    [ومما جاء فى سورة] (1) «حم السجدة» :
    المضمومة :
    (النَّارُ لَهُمْ) (2) (وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا) (3) (ما يُقالُ لَكَ) (4).
    المكسورة :
    (مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) (5) (بِالذِّكْرِ لَمَّا) (6) (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ) (7)
    [ومما جاء فى سورة] (Cool «حم عسق» :
    المضمومة :
    (الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقالِيدُ) (9).
    المكسورة : (وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) (10).
    [ومما جاء فى سورة] (11) «الزخرف» :
    المكسورة :
    (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ) (12).
    ليس فى «الدخان» شىء.
    __________________
    (1) تكملة اقتضاها السياق.
    (2) فصلت : 28.
    (3) فصلت : 37.
    (4) فصلت : 43.
    (5) فصلت : 36.
    (6) فصلت : 41.
    (7) فصلت : 50.
    (Cool الشورى : 11 ، 12.
    (9) الشورى : 21.
    (10) الزخرف : 36.

    [ومما جاء فى سورة] (1) «الجاثية» :
    المضمومة :
    (بَصائِرُ لِلنَّاسِ) (2) (إِلهَهُ هَواهُ) (3).
    المكسورة :
    (اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً) (4) (الصَّالِحاتِ سَواءً) (5).
    [ومما جاء فى سورة] (6) «الأحقاف» :
    المكسورة :
    (اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ) (7) (بِأَمْرِ رَبِّها) (Cool.
    [ومما جاء فى سورة] (9) محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وآله :
    المضمومة :
    (الْقِتالُ رَأَيْتَ) (10).
    المكسورة :
    (الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي) (11).
    __________________
    (1) تكملة اقتضاها السياق.
    (2) الجاثية : 20.
    (3) الجاثية : 23.
    (4) الجاثية : 35.
    (5) الجاثية : 21.
    (6) الجاثية : 35.
    (7) الأحقاف : 25.
    (Cool محمد : 20.
    (9) محمد : 12.

    [ومما جاء فى سورة] (1) «الفتح» :
    المضمومة :
    (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) (2).
    المكسورة :
    (الْكُفَّارِ رُحَماءُ) (3) (السُّجُودِ ذلِكَ) (4) (وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ) (5)
    [ومما جاء فى سورة] (6) «الحجرات» :
    المكسورة :
    ([الْأَمْرِ] (7) لَعَنِتُّمْ) (Cool.
    [ومما جاء فى سورة] (9) «ق» :
    المضمومة :
    (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) (10) (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ) (11).
    [ومما جاء فى سورة] (12) «الذاريات» :
    المضمومة :
    (حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) (13).
    __________________
    (1) تكملة اقتضاها السياق.
    (2) الفتح : 14.
    (3) الفتح : 29.
    (4) الفتح : 29.
    (5) ق : 5.
    (6) الحجرات : 7.
    (7) ق : 29.
    (Cool ق : 43.
    (9) الذاريات : 24.

    المكسورة : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) (1) (عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) (2).
    [ومما جاء فى سورة] (3) «الطور» :
    المضمومة : (خَزائِنُ رَبِّكَ) (4).
    ليس فى النجم شىء ، ولا فى القمر.
    [ومما جاء فى سورة] (5) «الرحمن» :
    المكسورة : (فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ) (6).
    [ومما جاء فى سورة] (7) «الواقعة» :
    المضمومة : (وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) (Cool
    [ومما جاء فى سورة] (9) «المجادلة» :
    المضمومة : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) (10).
    المكسورة : (أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ) (11).
    [ومما جاء فى سورة] (12) «الحشر» :
    المضمومة : (الْمُصَوِّرُ لَهُ) (13).
    [ومما جاء فى سورة] (14) «الممتحنة» :
    المضمومة : (الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا) (15).
    المكسورة : (الْكُفَّارِ لا هُنَّ) (16).
    __________________
    (1) الذاريات : 1.
    (2) الذاريات : 44.
    (3) تكملة اقتضاها السياق.
    (4) الطور : 37.
    (5) الرحمن : 66.
    (6) الواقعة : 94.
    (7) المجادلة : 3.
    (Cool المجادلة : 22.
    (9) الحشر : 24.
    (10) الممتحنة : 4 ، 5.
    (11) الممتحنة : 10.

    [ومما جاء فى سورة] (1) «الجمعة» :
    المضمومة : (مِنْ قَبْلُ لَفِي) (2).
    ليس فى «المنافقين» و «التغابن» شىء.
    [ومما جاء فى سورة] (3) «الطلاق» :
    المضموم : (حَيْثُ سَكَنْتُمْ) (4).
    المكسورة : (عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها) (5).
    [ومما جاء فى سورة] (6) «التحريم» :
    [المضمومة] (7) : (لِمَ تُحَرِّمُ ما) (Cool.
    [ومما جاء فى سورة] (9) «الملك» :
    المضمومة : (تَكادُ تَمَيَّزُ) (10).
    [ومما جاء فى سورة] (11) «القلم» :
    المضمومة : (أَكْبَرُ لَوْ كانُوا) (12).
    [ومما جاء فى سورة] (13) «الحاقة» :
    المضمومة : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (14).
    [ومما جاء فى سورة] (15) «نوح» عليه‌السلام :
    المضمومة : (لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ) (16).
    __________________
    (1) تكملة اقتضاها السياق.
    (2) الجمعة : 2.
    (4) الطلاق : 6.
    (5) الطلاق : 8.
    (Cool التحريم : 1.
    (9) الملك : 8.
    (10) القلم : 33.
    (11) الحاقة : 40.
    (12) نوح : 4.

    [ومما جاء فى سورة] (1) «الجن» :
    المضمومة : (وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) (2). (يَجْعَلُ لَهُ) (3)
    المكسورة : (عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ) (4).
    [ومما جاء فى سورة] (5) «المزمل» :
    المكسورة : (عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً) (6).
    [ومما جاء فى سورة] (7) «المدثر» :
    المضمومة : (سَقَرُ لا) (Cool (تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ) (9).
    [ومما جاء فى سورة] (10) «الإنسان» :
    المضمومة : (نَحْنُ نَزَّلْنا) (11).
    المكسورة : (الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ) (12).
    [ومما جاء فى سورة] (13) «والمرسلات» :
    المضمومة : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ) (14).
    المكسورة : (ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) (15).
    __________________
    (1) تكملة اقتضاها السياق.
    (2) الجن : 12.
    (3) الجن : 25.
    (4) الجن : 17.
    (6) المزمل : 20.
    (Cool المدثر : 27 ، 28.
    (9) المدثر : 28 ، 29.
    (11) الإنسان : 23.
    (12) الإنسان : 1.
    (14) المرسلات : 36.
    (15) المرسلات : 30.

    [ومما جاء فى سورة] (1) «النازعات» :
    المضمومة : (الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا) (2).
    المكسورة : [و] (وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً) (3).
    [ومما جاء فى سورة] (4) «التكوير» :
    المضمومة : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (5).
    [ومما جاء فى سورة] (6) «التطفيف» :
    المكسورة : (الْفُجَّارَ لَفِي) (7) (الْأَبْرارَ لَفِي) (Cool.
    [ومما جاء فى سورة] (9) «البروج» :
    المكسورة : (وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ) (10).
    [ومما جاء فى سورة] (11) «القدر» :
    [المضمومة] (12) : (لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (13).
    [المكسورة] (14) : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ) (15) تشم إشمام الكسر ، (مَطْلَعِ الْفَجْرِ).
    [ومما جاء فى سورة] (16) «لم يكن» :
    [المكسورة] (17) : (الْبَرِيَّةِ جَزاؤُهُمْ) (18).
    __________________
    (1) تكملة اقتضاها السياق.
    (2) النازعات : 6 ، 7.
    (3) النازعات : 3 ، 4.
    (4) التكوير : 18.
    (5) المطففين : 7.
    (6) المطففين : 18.
    (7) البروج : 10.
    (Cool القدر : 2.
    (9) القدر : 1.
    (10) البينة : 7 ، 8.

    (ومما جاء فى سورة) (1) «العاديات» :
    (المكسورة) (2) (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) (3) (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) (4) (لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (5).
    [ومما جاء فى سورة الهمزة] (6) :
    (تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) (7).
    فهذا ما جاء فى الإدغام من الإشمام ، وجميع ما أدغمه أبو عمرو. ومما ذكرنا نشير إلى إعراب الحروف المدغمة فى الخفض والرفع إلا الباء فى الميم ، والميم فى الميم ، والفاء فى الفاء ، والفاء فى الميم ، والميم فى الباء ، والباء فى الباء ، والباء فى الميم ، فإنه كان لا يشير إلى الإعراب إلا فى رواية مدين والمعدّل ، فإنه كان يشير إلى إعرابهن ، كقوله تعالى : (يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) (Cool و (يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) (9) و (يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) (10) و (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ)(11) و (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ) (12) [و] (الصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا) (13) ولا يشم هذا وأمثاله فى ظاهر الرواية.
    قال سيبويه : زعموا أن أبا عمرو قرأ (يا صالِحُ ائْتِنا) (14) جعل الهمزة ياء ، ثم لم يقلبها واوا. ولم يقولوا هذا فى الحرف الذي ليس منفصلا. وهذه لغة ضعيفة ، لأن قياس هذا أن يقول : يا غلام وجل.
    قال أبو على : القول فى ذلك أن الفاء من «أتى» همزة ، فإذا أمرت منه أدخلت همزة الوصل على الهمزة التي هى فاء ، فاجتمعت همزتان ، فقلبت الثانية بحسب الحركة التي على الأولى ، فصار حينئذ «إيت». وهذه الهمزة إذا
    __________________
    (1) زيادة اقتضاها السياق.
    (2) العاديات : 1.
    (3) العاديات : 2.
    (4) العاديات : 8.
    (5) الهمزة : 7.
    (6) الماعون : 1.
    (7) المائدة : 99.
    (Cool البقرة : 113.
    (9) العنكبوت : 21.
    (10) المطففين : 24.
    (11) قريش : 2 ، 3.
    (12) الأعراف : 77.

    اتصل الفعل الذي هى فيه بكلام قبله سقطت ، فلك فى التي هى فاء ضربان : إن شئت تركتها مبدلة ، وإن شئت خففتها.
    أما وجه التخفيف ، فإنك إنما خففت لاجتماع الهمزتين ، فلما زالت العلة التي لها أبدلت ، عادت مخفّفة.
    هذا وجهه ، وهو قياس. إلا أن الوجه الآخر أشبه على مذهب العربية وطرقها ، ألا ترى أنا نجد الأفعال يلزم بعضها اعتلال فى موضع العلة ، فإذا زالت تلك العلة أجرى السائر فى الاعتلال ، وإن خلا من العلة ، جرى ما فيه العلة ، وذلك نحو : يعد ، ويقوم ، ويقول ، وما أشبهه. وكذلك ينبغى أن تترك الهمزة التي هى فاء فى الأمر من «أتى» مخفّفة.
    فهذا حجة أبى عمرو ، وعلى هذا تحمل قراءته «يومنون» مخففة ، لم يحقق الهمزة من «يؤمنون» بعد أن تكلم بأنها مخففة ، كقولك : جؤنة ، ثم جون. ولكنه خفّف الهمزة فى «آمن» لاجتماع الهمزتين ، وكذلك فى «أؤمن» ثم انتظم المضارع ما فى الماضي اللازم فيه القلب ، لاجتماع الهمزتين ، ما خلا همزة «أفعل» الزائدة ، فصارت حرف المضارعة المضموم الألف المنقلبة عن الهمزة التي هى فاء ساكنة ، فقلبها واوا ، فخفف «يومنون» على هذا اتباعا لبعض الفعل بعضا ، لا على التخفيف فى «جؤنة» وإن كانت اللفظتان متفقتين أيضا ، فعلى هذا أيضا لم يحقق الهمزة فى : يا صالح إيتنا (1) ، ولم تقلب الياء الهمزة التي هى فاء واوا ، وإن كانت ساكنة مضموما ما قبلها ، وشبّهها «بقيل». قال سيبويه : وهذه لغة رديئة يلزم من / قالها أن يقول : يا غلام اوجل.
    __________________
    (1) في الأصل : «في صاديا صالح آيتنا».

    يريد أنه كما لم يقلب الياء الساكنة المضموم ما قبلها واوا ، كذلك يلزمه ألا يقلب الواو الساكنة المكسور ما قبلها ياء.
    وهذا الذي ألزمه إياه فى قراءته (يا صالِحُ ائْتِنا) من قوله : يا غلام اوجل ، لا يقوله أحد.
    قال : وأخبرنى أبو بكر محمد بن السرى ، قال : أخبرنا أبو العباس ، أن أبا عثمان قال : لا يلزم أبا عمرو ما ألزمه سيبويه من قوله : يا غلام اوجل ، وذلك أنه قاس قوله (يا صالح يتنا) على شىء موجود مثله ، وهو قولهم : قيل ، وسيق ، وليس فى الكلام متصلة ومنفصلة ، مثل : يا غلام وجل لا مخففة الحركة ولا مشممتها ، فلا يلزمه : يا غلام وجل ، وقد ثبت قوله : (يا صالح يتنا) قياسا على ما ذكرنا.
    قال أبو على : فالقراءة بتخفيف الهمز وإبداله فى قوله (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي)(1) و (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) (2) وما أشبه ذلك ، مثال (يا صالح يتنا) وما أشبه ذلك.
    هذا أقوى عندى فى العربية لما ذكر.
    ومما جاء فيه الإشمام :
    (قِيلَ) (3) و (وَغِيضَ) (4) و (سِيءَ) (5) و (وَسِيقَ) (6) و (وَحِيلَ)(7) و (وَجِيءَ) (Cool جاء فى هذه الأوائل إشمام الضم ، ليعلم أن أصله كله «فعل».
    __________________
    (1) التوبة : 49.
    (2) البقرة : 283.
    (3) النحل : 24.
    (4) هود : 44.
    (5) هود : 77.
    (6) الزمر : 71 ، 73.
    (7) سبأ : 54.
    (Cool الفجر : 23.

    ألا ترى أنهم قالوا : أما كيد زيد يفعل ، وما زيل يفعل ، وهم يريدون «فعل». فإذا حّركوا الفاء هذه التحريكة أمن بها التباس الفعل المبنى للفاعل بالفعل المبنى للمفعول ، وانفصل بها ، فدلت عليه ، وكان أشد إبانة للمعنى المراد.
    ومن الحجة فى ذلك : أنهم قد أشموا نحو «ردّ» و «عدّ» وما أشبه ذلك من التضعيف المبنى على «فعل» ، مع أن الضمة الخالصة تلحق فاءه ، فإذا كانوا قد تركوا الضمة الصحيحة إلى هذه فى المواضع التي تصح فيها (1) الضمة ، فإلزامها حيث تلزم الكسرة فيها (2) فى أكثر اللغات أجدر.
    ودل استعمالهم هذه الحركة فى «ردّ» ونحوه من التضعيف على تمكنها فى «قيل» و «بيع» وكونها أمارة للفعل المبنى للمفعول به ، ولو لا ذلك لم تنزل الضمة المحضة إليها فى نحو قولهم «ردّ» ونحوه ، / من الحجة فى ذلك أنهم قد قالوا : أنت تغزين ، فألزموا الزاى إشمام الضمة و «زين» من «تغزين» بمنزله «قيل» فكما ألزم الإشمام هنا كذلك يلزم ذلك فى «قيل».
    ألا ترى أن من قال «بيع» و «قيل» قال : «اختير» و «انقيد» ، فأشم ما بعد الخاء والنون لمّا كان بمنزلة : «قيل» ، «بيع» ، وكما ألزم بالإشمام نحو «لا تغزين» ، لينفصل من باب «ترمين» كذلك ألزم «قيل» و «بيع» الإشمام فى الضمة لينفصل من الفعل المبنى للفاعل فى «كيد» و «زيل» وليكون أدل على فعل.
    فإن قلت : فهلا ألزم القاف فى «قيل» ونحوه إشمام الضمة كما ألزم «تغزين»؟
    __________________
    (1) في الأصل : «فيه» في الموضعين.

    فالقول إن هذه الحركة لما لم تكن ضمة خالصة ولا كسرة محضة ضعفت فى الابتداء بخروجها عما عليه الحركات اللاحقة أوائل الكلمة المبتدأ بها.
    ألا ترى أن أبا عمرو لم يشم فى الاستئناف فى «يا صالح يتنا» وقد قدمنا أن أبا عمرو فى الإدغام يشم المرفوع والمضموم ، وأبو على يفرق بينهما ، فزعم أن أبا عمرو لا يشم ، يقول : إيذن لى ، كما يشم «يا صالح يتنا» والصحيح ما قدمنا.
    ومما يدل على أن هذه التحريكة قد صارت أمارة لبناء الفعل للمفعول به ، وأنها ممّا يختص به الفعل ، أنك لو سميت رجلا بمثل «قيل» و «بيع» شيئا وخلعت منه الضمير الذي كان فيه لأخلصت الكسرة فقلت : قيل ، وبيع.
    فدل هذا من مذهب سيبويه على أن هذه الحركة أشبه عنده بالفعل ، وأشد لزوما من الأمثلة التي تختص بالفعل ، ولا يكون فى الاسم ، نحو : ضرب ، وضورب ، وضرّب.
    ألا ترى أنك لو سميت بشىء من ذلك مجردا من الضمير لم تغيره عن بنائه إلى ما يختص الاسم ، وقد رأى تغيير هذه الحركة وإخلاسها كسرة.
    ومما يقوّى قول من قال «قيل» أن هذه الضمة المنحوّ بها نحو الكسرة قد جاءت فى نحو قولهم : «شربت من المنقر» ، وهو بئر ضيقة ، و «هذا ابن مذعور» ، و «ابن بور» ، فأمالوا هذه الضمات نحو الكسرة لتكون أشد مشاكلة / لما بعدها وأشبه به ، وهو كسر الراء.

    وإذا أخذوا بهذا التشاكل «اللفظ» ، حيث لا تميز معنى من معنى آخر ، فأن يلزموا ذلك حيث يزيل اللبس ويخاصّ معنى من معنى ، أجدر وأولى.
    قال الرّازى : وإذا ريم إدغام المتحرك سكن ، غير أن القراءة يسمون الضم والكسر عند الإدغام إبانة عن الأصل ، إذا اختلف حركتا المدغم فيه ، أو حركة المدغم وما قبله ، أو سكن ، وكان الساكن جامدا ، فإن كان ذائبا فأنت مخيّر فيه بين إشمام الحركة وإتمام المد ، أو الجمع بين قليل من المد وقليل من الإشمام ، إلا إذا كانت الذائبة واوا قبلها ضمة ، وكان المدغم مرفوعا ، أو كانت ياء قبلها كسرة وكان المدغم مجرورا ، فإنك تمده لا غير ولا إشمام للنصب. ومنهم من يفرق فى ذلك بين حركات البناء والإعراب ، فيشم للإعراب فقط ، والإشمام للباء والميم الفاء فى إدغامها.
    وكان الدّورىّ لا يشم بتة ، ولعل ذلك كان منه لضرر كان به ، لأن الإشمام مرئى غير مسموع ، وهو قول النّحاة.
    ومن ترك الإشمام لزمه تفخيم (الْأَبْرارِ (193) رَبَّنا) (1) ونحوه حال الإدغام.
    وإشمام الكسر يسمى روما وإشمام الضم دون الرّوم.
    قال الفراء : كان أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف يقفون بروم الحركة على المرفوع والمجرور ونحو (نَسْتَعِينُ) (2) و (مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) (3) و (يَشاءُ) (4)
    __________________
    (1) آل عمران : 193 ، 194.
    (2) الفاتحة : 4.
    (3) فصلت : 32.
    (4) الكهف : 24.

    ونحو ذلك ، إلا أن يكون هاء منقلبة عن تاء التأنيث ، نحو (رَحْمَةٌ) (1) فإنهم لا يرومون فى ذلك ، [و] الباقون يقفون على السكون.
    ومن هذا الباب ما رواه أبو بكر عن عاصم فى قوله تعالى (بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) (2) بإشمام الدال الضمة وكسر النون والهاء.
    قال أبو على : هذا ليعلم أن الأصل كان فى الكلمة الضمة ، ومثل ذلك قولهم : «أنت تغزين» ، وقولهم : «قيل» ، أشممت الكسرة فيها الضمة لتدل على أن الأصل فيها التحريك بالضم.
    فإن كان إشمام «عاصم» ليس فى حركة خرجت إلى اللفظ ، وإنما هو تهيئة العضو لإخراج الضمة.
    / ولو كانت مثل الحركة فى «تغزين» لم يلتق ساكنان ، ولم يكسر النون لاجتماعهما ، ولكن يجتمعان فى أن أصل الحرف التحريك بالضم ، وإن اختلفا فى أن الحركة فى «تغزين» قد خرجت إلى اللفظ ولم تخرج فى قوله «لدن».
    وأما وصله الهاء بباء فى الوصل فحسن ، ألا ترى أنه لو قال : ببابه ، وبعبده ، فلم يوصل الهاء بباء لم يحسن ، ولكان ذلك مما يجوز فى الشعر.
    وكذلك أبو بكر عن عاصم فى قوله (مِنْ لَدُنَّا) (3) يشم الدال شيئا من الضم ، واختلف عن يحيى والله أعلم.
    __________________
    (1) الكهف : 10.
    (2) الكهف : 2.
    (3) الكهف : 65.

    الثاني عشر
    هذا باب ما جاء في التنزيل ويكون الجار والمجرور
    في موضع الحال محتملا ضميرا من صاحب الحال
    وذلك معروف فى كلامهم ، حكى عن العرب «خرج زيد بسلاحه» أي : متسلحا.
    فمن ذلك قوله تعالى ، فى أحد التأويلين : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (1) قال أبو على : أي يؤمنون إذا غابوا عنكم ، ولم يكونوا كالمنافقين الذين يقولون : (إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (2)
    وقد قال : (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) (3)
    / وقال : (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) (4) وقال أبو ذؤيب :
    أخالد ما راعيت من ذى قرابة
    فتحفظنى بالغيب أو بعض ما تبدى

    فالجار مع المجرور فى موضع الحال ، أي : يحفظني غائبا.
    ويخشون ربهم غائبين من مراءاة الناس ، لا يريدون بإيمانهم التصنع والتقرب رجاء المنالة ، ولكن يخلصون إيمانهم لله.
    __________________
    (1) البقرة : 3.
    (2) البقرة : 14.
    (3) الأنبياء : 49.
    (4) ق : 33.

    قال : ويجوز فيها وجه آخر : وهو أن هذه الآية إجمال ما فصل ، فى قوله :
    (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) (1)
    والموصوفون فيها خلاف من وصف فى قوله :
    (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) (2) وكفرهم بالملائكة ادعاؤهم بنات الله فيها ، كما ادعوا فى قوله : (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ) (3) وقوله : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (4) وكفرهم بالكتاب إنكار له فى قوله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) (5) وكفرهم بإرسال الرسل إنكارهم إرسالهم ، نحو قوله : (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ) (6) وقوله : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) (7)
    وكفرهم بالآخرة ، قوله : (لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي) (Cool وكل هذه الأمور غيب قد أنكروه ودفعوه ، فلم يؤمنوا به ولم يستدلوا على صحته. فقال تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (9) أي : بهذه الأشياء التي كفروا بها ، هؤلاء الذين ذكر كفرهم بها عنهم ، وخصهم بالإيقان بالآخرة فى قوله : (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (10) وإن كان الإيمان قد شملها ، لما كان من كفر المشركين بها وجحدهم إياها ، فى نحو ما حكى عنهم فى قوله تعالى : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا) (11).
    __________________
    (1) البقرة : 285.
    (2) النساء : 136.
    (3) الزخرف : 16.
    (4) الزخرف : 19.
    (5) الأنعام : 91.
    (6) المؤمنون : 34.
    (7) الفرقان : 41.
    (Cool سبأ : 3.
    (9) البقرة : 3.
    (10) البقرة : 4.
    (11) الجاثية : 24.

    ومن ذلك قوله تعالى : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) (1) أي : حامدين لك.
    نظيره : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) (2) أي حامدين (3) له.
    نظيره : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) (4) أي : حامدين له ، ومن ذلك قوله : (آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) (5) أي : مجدين مجتهدين.
    نظيره بعده فى الأعراف : (أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) (6) أي بجد واجتهاد.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) (7) أي : محسنا ، أي له أن يؤدى إليه محسنا لا مماطلا.
    ومن ذلك قوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (Cool أي : مؤتمرة بأمر الله ، فالباء فى موضع الحال.
    ومن ذلك قوله تعالى : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً) (9) ف «الكتاب» مفعول به ، وقوله «بالحق» فى موضع نصب على الحال ، وهو متعلق بمحذوف. و «مصدقا» حال من الضمير الذي فى قوله «بالحق» والعامل فيه المعنى ، ولا يجوز أن تجعله بدلا ، لأن الاسم لا يبدل من الاسم ، هكذا ذكروه ، وفيه إشارة إلى أن الظرف لا يتعلق بالاسم ، ويكون بدلا من الاسم قبله.
    __________________
    (1) البقرة : 30.
    (2) الإسراء : 52.
    (3) في الأصل : «أي حامدون».
    (4) الإسراء : 44.
    (5) البقرة : 63.
    (6) الأعراف : 171.
    (7) البقرة : 178.
    (Cool البقرة : 234.
    (9) آل عمران : 3.

    وأعجب من ذا جعله «مصدقا» حالا من نفس الحق ، بعد أن قال فى قوله (وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها) (1) أنه يجوز أن يكون عطفا على الضمير فى «حق».
    وقال غيره وهو قد رضى به فى قوله : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (2) إن نصب «مثل» راجع إلى الضمير فى «لحقّ». فلم لا تجعل قوله «مصدقا» حالا من الضمير فى قوله «بالحق»؟
    ومثله : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ) (3) حال من الضمير فى «أنزلناه».
    وأما قوله : (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) (4) فيحتمل الجار فيه ضميرين : أحدهما «أن يكون التقدير» نزل بالحق ؛ كما تقول : نزلت بزيد.
    ويجوز أن يكون حالا من الضمير الذي فى «نزل».
    ومثله : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (5) فمن رفع «الأمين» يكون الجار مثل الذي فى : مررت بزيد ؛ ويكون حالا ، كما تقول : نزل زيد بعدته ، وخرج بسلاحه.
    وفى التنزيل : (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) (6) أي : دخلوا كافرين وخرجوا كافرين.
    ومثله : (مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ) (7).
    __________________
    (1) الجاثية : 32.
    (2) الذاريات : 23.
    (3) الإسراء : 105.
    (4) الشعراء : 193.
    (5) المائدة : 61.
    (6) الأنعام : 114.

    ألا ترى أن «أنزلت» يتعدى إلى مفعول واحد ، فإذا بنيته للمفعول لم يبق له متعدّى إلى مفعول به.
    وقوله «من ربك» على حد : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (1). و «بالحق» حال من «الذكر» الذي فى «منزل».
    ومما جاء الجار فيه حالا كما جاء فى الآي الأخر : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) (2). المعنى : أنزله وفيه علمه. كما أن «خرج بعدته» تقديره : خرج وعليه عدته. والعلم : المعلوم. أي : أنزله وفيه / معلومه.
    ومثل ذلك قوله تعالى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) (3).
    فالمعنى ـ والله أعلم ـ : يوم تشقق السماء وعليها الغمام.
    فالجار متعلق بمحذوف فى موضع الحال كما تقول : خرج زيد بثيابه.
    ومنه قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) (4) الجار فى موضع الحال ، أي : ثابتا منه آيات محكمات. و «آيات» يرتفع بالظرف هنا على المذهبين.
    ومنه قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً) (5) أي : ثابتا فيه هدى ونور. يدل عليه انتصاب قوله «ومصدقا» ويرتفع «هدى» بالظرف فى المذهبين.
    __________________
    (1) البقرة : 89.
    (2) النساء : 166.
    (3) الفرقان : 25.
    (4) آل عمران : 7.
    (5) المائدة : 46.

    ومن هذا الباب قوله : (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ)(1)
    قوله (فِي النَّارِ) لا يخلو من أن يكون متعلقا ب «يوقدون» أو بمحذوف ؛ فلا يجوز أن يكون تعلقه ب «يوقدون» من حيث لا يستقيم «أوقدت عليه فى النار» إلا أن الموقد عليه إنما يكون فى النار. فيصير (فِي النَّارِ) على هذا غير مفيد ، وكذلك (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) (2).
    وكما أنه لو قيل هنا : أوقد لى يا هامان على الطين فى النار ، لم يستقم. كذلك الآية الأخرى.
    وإذا كان كذلك ثبت أن تعلق «فى النار» من قوله : (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ) (3) إنما هو المحذوف ، والظرف الذي هو «فى النار» فى موضع حال. وذو الحال الهاء التي فى «عليه» أي ومما يوقدون عليه ثابتا فى النار ، أو كائنا فى النار. ففى قوله «فى النار» ضمير مرفوع يعود إلى الهاء التي هى اسم ذى الحال.
    ومن ذلك قوله تعالى : (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) (4) الجار فى قوله (فِي بُطُونِهِمْ) حال من المذكور ، وكان وصفا له كقوله :
    لميّة موحشا طلل (5)
    __________________
    (1) الرعد : 17.
    (2) القصص : 38.
    (3) الرعد : 17.
    (4) النساء : 10.
    (5) البيت لكثير ، وعجزه : (يلوح كأنه خلل).

    ولا يتعلق ب «يأكلون» لأن الأكل لا يكون فى بطنه. والمعنى : إنما يأكلون مثل النار فى بطونهم ، لأنه يؤدى إلى حصول النار فى بطونهم. أو يجعله نارا على الاتساع ، لما يصير إليه من ذلك فى العاقبة.
    ومن هذا الباب قوله : / (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ).
    فالباء فى قوله (بِحَبْلٍ) (1) متعلق بمحذوف فى موضع الحال. والتقدير : ضربت عليهم الذلة فى جميع أحوالهم أينما ثقفوا إلا متمسكين بحبل الله. فحذف اسم الفاعل وانتقل الضمير إلى الظرف.
    وقال أبو على : الاستثناء من «الذلة» المعنى : يذلون إلا أن يكون معهم حبل من الله ، وهو ما يكونون به ذمة. ولا يكون متعلقا بقوله «ثقفوا» ألا ترى أنه لا يصح : أينما ثقفوا إلا بحبل من الله ؛ لأنه إذا كان معهم حبل من الله لم يثقفوا.
    ومن هذا الباب قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) (2) الكاف فى موضع الحال ، أي مشابهة أحوالهم أحوال من [لم] (3) يلبثوا. وفيه غير هذا ، ذكرناه فى باب آخر.
    ومن ذلك قوله تعالى : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) (4) أي : بجد واجتهاد ، أي : خذ الكتاب مجدّا. ومثله. خذها بقوة. أي : بجدّ ، أي : مجدّا.
    __________________
    (1) آل عمران : 112.
    (2) يونس : 45.
    (3) تكملة يقتضيها السياق.
    (4) مريم : 12.

    ومثله قوله تعالى : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) (1) أي : هزى إليك رطبا جنيا متمسكة بجذع النخلة. فعلى هذا لا تكون الباء زائدة ، بل يكون مفعول «هزى» فيمن أعمل الأول رطبا ، وأضمر فى «تساقط» ومن أعمل الثاني أضمر فى «هزى».
    ومثله : (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) (2) أي : فانبذ إليهم مستوين. كما أن قوله : (فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ) (3) أي : آذنتكم مستوين. فالحال من الفاعل والمفعول جميعا.
    كقوله : متى ما تلقنى فردين (4)
    وقوله : وإن تلقنى برزين
    ولأبى علىّ فى هذا كلام طويل ذكر فيه أن الحال كالصفة ، من حيث لا يجوز تعريض الصفة لعاملين مختلفين. وكذا يقبح فى الحال ما يقبح فى الصفة من تعريضها لعمل عاملين مختلفين فيهما ، كما قبح ذلك فى الصفة.
    وقد حمل سيبويه شيئا منها على المعنى ، نحو ما أجازه من قولهم : هذا رجل مع رجل قائمين. حيث جعل ما عملت فيه «مع» داخلا فى معنى الإشارة ، فأجاز نصب «قائمين» على الحال ، كما أجاز نصبهما فى : هذا رجل ورجل قائمين.
    __________________
    (1) مريم : 25.
    (2) الأنفال : 58.
    (3) الأنبياء : 109.
    (4) البيت بتمامه :
    متى ما تلقني فردين ترجف
    روانف أليتيك وتستطارا



    فأما قوله : متى ما تلقنى فردين (1)
    وتعلّقت [من] ليلى صغيرين (2)
    و : «إن تلقنى برزين» لا يعتد به.
    ولا أعلم لسيبويه فى ذلك نصاّ ، ولا يجوز أن نقول : إنه / لا يجوز على قياس قوله ، لأن السائل الذي منع ذلك فيها عاملان ، وليس فى هذا إلا عامل واحد.
    فإذا كان هناك عامل واحد ، وذو الحال واحد من جهة تعريضه لعاملين ، لا يصح لأنه ليس هناك عاملان.
    فان قلت : فهلا فسد حمله على الحال ؛ لأن الحال تقتضى أن يكون فيها ذكر من ذى الحال ، وذو الحال مفردان وحالهما مثناة ، فلا يرجع إذن إليهما من حاليهما ذكر ، وإذا لم يرجع فسد أن يكون حالا لهما ، فاحمله على فعل مضمر.
    قلنا : لا يفسد أن يكون ذلك حالا لأنا نحمله على المعنى ، ألا تراهم قالوا : مررت برجلين قائم وقاعد. فرددت الذكر إليهما على المعنى ، فكما رددت إلى المثنى المفردين ، للحمل على المعنى ، كذلك ترد إلى المفردين من المثنى للحمل على المعنى.
    __________________
    (1) البيت :
    متى ما تلقني فردين ترجف
    روانف أليتيك وتستطارا

    (2) البيت :
    تعلقت من ليلى صغيرين ليتنا
    إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر إليهم.



    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2892
    نقاط : 4517
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اعراب القرأن ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اعراب القرأن ج1   اعراب القرأن ج1 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 7:36 am

    ومن ذلك قوله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ) (1). أي : فصّلناه عالمين.
    وقال عزوجل : (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ) (2) والتقدير : علمها ثابت فى كتاب ثابت عند ربى ، ف (عِنْدَ رَبِّي) كان صفة للمجرور. فلما تقدم انتصب على الحال.
    ومن ذلك قوله تعالى : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) (3). أي : مضطجعين ، ففى الظرف ضمير لوقوعه موقع مضطجعين وقائمين.
    ومثله : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً) (4) أي : دعانا مضطجعا.
    لا بد من ذا التقدير فى الموضعين ليصح العطف عليه.
    وأبو إسحاق حمل اللام وما بعده على المس دون الدعاء ، وإذا مس الإنسان مضطجعا أو قائما أو قاعدا الضّر دعانا. وحمله على الدعاء أولى من حمله على المس لكثرة الآي فى ذلك.
    من قوله : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) (5).
    وقوله : (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) (6) وغيرهما.
    __________________
    (1) الأعراف : 52.
    (2) آل عمران : 191.
    (3) الروم : 33.
    (4) يونس : 12.
    (5) طه : 52

    فأما قوله : (وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ) (1) فقد يكون من هذا الباب ، أي : لم يخرج منفردا عن مدين.
    ويجوز أن يكون كقوله : (أَسْرى بِعَبْدِهِ) (2) فتعدّيه بالباء.
    وأما قوله فى (أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ / عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) (3) أي : لزمت حب الخير معرضا عن ذكر ربّى.
    والجارّ فى موضع الحال. و «أحببت» بمعنى : لزمت الأرض ، من قولهم : أحبّ البعير : إذا برك.
    ومن قال : «أحببت» بمعنى : آثرت ، كان «عن» بمعنى «على» ، أي : آثرت حب الخير على ذكر ربى.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) (4) فيما يتعلق به الجار وما ينتصب عنه «نزلا» أوجه :
    يجوز أن يكون «نزلا» جمع نازل ، مثل : شارف وشرف.
    قال الأعشى :
    أو تنزلون فإنّا معشر نزل (5)
    فإذا حملته على ذلك أمكن أن يكون حالا من شيئين :
    أحدهما : الضمير المرفوع فى «تدّعون».
    __________________
    (1) القصص : 29.
    (2) الإسراء : 1.
    (3) ص : 32.
    (4) فصلت : 31 و 32.
    (5) صدره : قالوا الركوب فقلنا تلك عادتنا
    .

    والآخر : أن يكون من الضمير المجرور فى قوله «لكم».
    والآخر : أن يكون «النزل» كالتى فى قوله : (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) (1) فإذا حملته على هذا كان حالا للموصول والعامل فيها «لكم».
    فأما قوله : (مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) (2) فمتعلق بمحذوف ، وهو صفة للحال ، كقوله :
    جاءنى زيد رجلا صالحا.
    ولا يجوز أن يكون «من» متعلقا ب «تدّعون» إذا جعلت «نزلا» حالا من «ما» لأنك لا تفصل بين الصلة والموصول بأجنبىّ.
    ألا ترى أن الحال إذا كانت من الموصول كانت بمنزلة الصفة له ، ولا يجوز أن يعترض بها بين الصلة والموصول ، كما لا يجوز ذلك فى الصفة.
    ولو جعلت «نزلا» جمع نازل ، حالا من الضمير المرفوع لجاز أن يكون «من غفور رحيم» متعلقا ب «تدّعون» ولم تكن لتفصل بها ؛ لأن الحال والجار جميعا فى الصلة.
    ولو جعلت الحال ـ أعنى : نزلا ـ من «كم» فى «ولكم» والجار متعلق ب «تدّعون» لم يجز أيضا ؛ للفصل بأجنبى بين الصلة والموصول.
    ولا يجوز أن يكون متعلقا ب «لكم» على أن يكون ظرفا ، لأنه تعلق به ظرف آخر وهو «فيها».
    __________________
    (1) الواقعة : 93 و 94.
    (2) فصلت : 32.

    ويجوز أن يكون «من» والمجرور به فى موضع حال من الضمير المجرور فى «لكم».
    وفى هذا نظر ، لأنك لو قدرت «لكم» ثابتين «من غفور رحيم» لم يكن له معنى ، فإذا حملته على ذلك جعلت «نزلا» حالا من الضمير المرفوع فى «تدعون» أو من «ما».
    ولا يجوز أن يكون حالا من الضمير المجرور فى «لكم» لأنه لا يكون منه / حالان ، كما لا يكون له ظرفان.
    فإن جعلت «من» صفة لنزل جاز أن يكون «نزلا» حالا من الضمير المجرور في «لكم».
    فأما قوله تعالى : (كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً) (1).
    فإن جعلت «نزلا» ، من قوله (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ) (2) فعلى حذف المضاف ، كأنه : كانت لهم كل جنات الفردوس نزلا ، لأن الجنات مكان. وإن جعلته جمع نازل ، كانت حالا من الضمير المجرور فى «لهم».
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) (3).
    فإن : «قبلك» ينتصب على ثلاثة أضرب :
    أحدها : أن يكون ظرفا لمعنى الفعل فى اللام الجارة.
    __________________
    (1) الكهف : 107.
    (2) الواقعة : 93.
    (3) المعارج : 36 و 37.

    والآخر : أن يكون ظرفا «لمهطعين».
    والثالث : أن يكون الظرف فى موضع الحال ، وكون الظرف فى موضع الحال كثير فاش.
    ومثله : (يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) (1) أي ركبانا. كقوله تعالى فى الأخرى : (فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) (2) فيكون فيه ذكر فيمكن أن يكون «مهطعين» (3) حالا من ذلك الضمير.
    وأما قوله (عِزِينَ) (4) فيجوز أن ينتصب من ثلاثة أضرب :
    أحدها أن يكون صفة للحال الذي هو «مهطعين».
    ويجوز أن ينتصب عن «مهطعين» وفيه ضمير يعود إلى ما فى «مهطعين».
    ويجوز أن ينتصب عما فى قوله : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) (5).
    ذلك أن الظرف يجوز أن يكون صفة ل «مهطعين» لأنه نكرة ، وإذا كان كذلك تضمن ضميرا ، وإذا تضمن الضمير أمكن أن ينتصب «عزين» عن ذلك.
    ويجوز فى قوله : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ) (6) أن يكون متعلقا ب «مهطعين».
    ويجوز أن يتعلق ب «عزين» على حد قولك : أخذته عن زيد.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ) (7) أي : أتبعهم عقوبته. مستعدا جامعا لجنوده.
    __________________
    (1) الحج : 27.
    (2) المعارج : 36.
    (3) طه : 78.
    (4) البقرة
    (5) المعارج : 37.

    ومن ذلك قول الفراء : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ) (1) أي : مسافرا ؛ لأن «مسافرا» حال عند الفراء ، وخبر «كان» على قولنا.
    وقال : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ) (2).
    ومثله : (يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) (3) ـ أي : ركبانا ـ ففى الظرف ضمير ، كما فى قوله (فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) (4) أي : مضطجعين.
    ومن ذلك قوله : (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ) (5) أي : يكلمهم صبيّا وكهلا.
    وكذلك قوله : (وَمِنَ الصَّالِحِينَ) (6) أي : صالحا.
    كما أن ما قبله (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (7) حال ، أي : مقربا.
    / ومن ذلك قوله : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ) (Cool فقوله «بالليل» جنس (9) فى موضع الحال ، أي : مصبحين ومظلمين ، وفيه ذكر.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) (10) أي : متزيّنا.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) (11).
    الجار يتعلق بمحذوف فى موضع النصب على الحال من الضمير فى قوله (وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) (12).
    __________________
    (1) البقرة : 184.
    (2) المائدة : 6.
    (3) الحج : 27.
    (4) النساء : 103.
    (5) آل عمران : 46.
    (6) آل عمران : 46.
    (7) آل عمران : 45.
    (Cool الصافات : 137 و 138.
    (9) هكذا في الأصل. ولعلها : «خبر».
    (10) القصص : 79.
    (11) النور : 36.
    (12) النور : 34.

    أي : خلوا من قبلكم ثابتين فى بيوت أذن الله ، وما بينهما من الكلام تسديد لهم وبيان أحوالهم.
    وإن قدّرت مبتدأ على معنى : أولئك فى بيوت أذن الله أن ترفع ، جاز ، وجاد.
    وقال : والمراد بهم الأنبياء ، صلوات الله عليهم ، والمؤمنون معهم.
    وقيل : بل هو متعلق بمحذوف صفة «مصباح» فى قوله : (فِيها مِصْباحٌ) (1) أي : المصباح ثابت فى بيوت.
    وقيل : بل هو صفة ل «مشكاة» ، أي كمشكاة ثابتة فى بيوت.
    وقيل : هو من صلة «توقد» أي توقد فى بيوت أذن الله.
    وقيل : إن البيوت لا تكون مسجدا واحدا ، ولا يستعمل مصباح واحد إلا فى مسجد واحد ، فالمشكاة إذا كانت كوة غير نافذة فمصباحها لا يضىء عدة مساجد.
    وقيل : بل هو من صلة «يسبّح» فيمن جعل «رجالا» فاعلين.
    ومن رتب المفعول للمفعول فإنه يمكن أن يكون كقولهم : فى الدار زيد.
    فيكون «رجال» مبتدأ والظرف خبرا (2). وهكذا فى تفسير الدّمياطى.
    فتسقط خصومة الفارسي من أن رجالا يرتفع ب مضمر ، كقوله :
    ضارع لخصومة* ليبك يزيد
    __________________
    (1) النور : 35.
    (2) تكملة يستقيم بها الكلام.

    ولعل الحارثي لم يحتج بهذه الآية لهذا المعنى ، واحتج بقراءة الذّمارى : (قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) (1) ، وقد رجّحنا قول قطرب على ذلك.
    ومن ذلك (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) (2) أي : من دين الله ، فيكون «فى شىء» حالا من الضمير فى «من الله».
    ومعنى «ليس من الله» البراءة وخلاف الموالاة ، ألا تر
    ى إلى قوله : عرين من عرينة ليس منّى
    برئت إلى عرينة

    من عرين (3) وقد يكون [منه] قوله : (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (4).
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) (5).
    وقوله : (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) (6) أي : تمشون ولكم هذا النور. فيجوز أن يكون ذلك علما للمؤمنين وفصلا لهم ممن خالفهم ورغب عن دينهم.
    ومن ذلك قوله : (قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ) (7).
    قال أبو على : (فِي أُمَمٍ) متعلق ب «ادخلوا» ولا يجوز أن يتعلق «بخلت» نفسه ، لتعلق حرف الجر به. و «فى النّار» يجوز أن يكون صفة ل «أمم».
    __________________
    (1) الأنعام : 137.
    (2) آل عمران : 28.
    (3) عرين : هو ابن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. وقيل : هو ثعلبة بن يربوع. وعرينة : بطن من بجيلة. والبيت لجرير.
    (4) الأنعام : 159.
    (5) الأنعام : 122.
    (6) الحديد : 28.
    (7) الأعراف : 38.

    ويجوز أن يكون حالا من الضمير الذي فى الظرف ، الذي هو (مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ)(1).
    ويجوز أن يكون حالا من الذكر الذي فى «خلت» ومتى جعلت الشيء حالا لم يجز أن تكون عنه حال أخرى.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ)(2).
    قيل : الباء زيادة. ومعنى «منعنا» : اقتضى منّا ألا نفعل. وكل ما أوجب ألا يفعل شىء فهو مانع منه ، وإن لم تزل القدرة عليه ، وموضع «أن نرسل» نصب ، لأنه مفعول «منع».
    وقيل : الباء فى «بالآيات» باء الحال ، أي : نرسل رسولنا ومعه الآيات.
    ومن ذلك قوله : (يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ) (3).
    قال أبو على : لا تكون الباء زائدة ، لأن الفاكهة لا تدعى ، فتكون على وجهين.
    إما أن تكون حالا من الداعين ، أي : يدعون مقدّرين فيها الملابسة بكل فاكهة ، فيكون كقولهم : خرج بناقته ، وركب بسلاحه.
    وإما أن تكون صفة للمصدر المحذوف ، كأنه : يدعون فيها دعاء بكل فاكهة ، أي: قد التبس الدعاء بكل فاكهة.
    __________________
    (1) الأعراف : 38.
    (2) الإسراء : 59.
    (3) الدخان : 55.

    ومن ذلك قوله تعالى : (إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً) (1).
    قال أبو علىّ : هو حال مؤكدة منتصبة عن معنى الفعل الذي دلت عليه الجملة.
    ولو جعلت قوله «إليكم» متعلّقا بمحذوف وجعلته حالا مؤكدة كقوله «ومصدقا» فيمن جعل إليكم غير متعلق بالرسول ولكن بالمحذوف ، أمكن أن يكون «مصدقا» حالا من الضمير فى «إليكم» فكان العامل فى الحال ما فى معنى الفعل من «إليكم».
    ومن ذلك قوله : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ) (2).
    قيل : الباء للحال. / والمعنى : فسبح حامدا ، أو : فسبّح تسبيحك حامدا. لتكون الحال مضامّة للفعل.
    وقيل : الباء للسبب ، أي : سبّحه بأن تحمده. والمعنى : احمده لتكون مسبحا له.
    وأما قوله تعالى : (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) (3).
    أي : عن قوله ، فتصير معه محاذرا ما جاءك من الحق.
    وقال : (أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) (4).
    __________________
    (1) الصف : 6.
    (2) النصر : 3.
    (3) المائدة : 48.
    (4) قريش : 4.

    وأما قوله : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ) ـ إلى قوله ـ (يَسِيرٌ) (1).
    فقد قال أبو على : يجوز أن يكون «فى» ظرفا ل «أصاب» ول «مصيبة» أيضا. يؤكد ذلك ويحسّنه دخول «لا» فى قوله : (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) فصار بمنزلة : ما مررت برجل ولا امرأة. ويجوز أن يكون صفة للنكرة.
    وقوله : (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) (2) صفة أخرى لها. فيحتمل على ذلك أن يكون موضعه جرّا على لفظ «مصيبة» رفعا على الموضع.
    وجاز دخول «لا» هنا وإن لم يكن الكلام على هذا التأويل نفيا ؛ لأنه لما كان معطوفا على ما هو منفى فى المعنى ، حمل عليه ، كقوله :
    يحكى علينا إلّا كواكبها (3)
    وكذلك قوله : (فِي الْأَرْضِ) (4) لما كان صفة لمنفى حمل الأمر على معناه. وإن شئت قلت إن «لا» زائدة. والأول أبين ، لأن الحمل على معنى [لا] (5) قد كثر. قالوا : إن أحدا لا يقول ذاك إلا زيد.
    __________________
    (1) الحديد : 22.
    (2) عجز بيت لعدي بن زيد العبادي أو صدره : فى ليلة لا ترى بها أحدا
    (3) تكملة يقتضيها السياق.

    وقوله : (إِلَّا فِي كِتابٍ) (1) منصوب الموضع على الحال. ولا يجوز أن يكون صفة ، لأن «إلا» لا تدخل بين الموصوف والصفة كدخولها بين الحال وذى الحال ، نحو : ما جاء زيد إلا قائما. وذلك لأن الصفة مع الموصوف كالجزء الواحد ، وما بعد «إلا» جار مجرى ما بعد حرف النفي فى انقطاعه من الأول ، والحال بمنزلة الخبر ، وليس الخبر مع المخبر عنه كالشىء الواحد. فأما العامل فى الحال إذا كان «فى الأرض» ظرفا. فشيئان : أحدهما «أصاب» وذو الحال نكرة. والآخر : أن يجعل حالا مما فى «مصيبة» من الذكر.
    وحسنت الحال من النكرة لتعلق الظرف به ، ك «منك» فى «خير منك» لأنه قد خصصه.
    وأما من جعل (فِي الْأَرْضِ) وصفا فيجوز أن يكون هو العامل فى الحال ، وذو الحال الذكر الذي فيه.
    / ويجوز أن يكون ذو الحال الذكر الذي فى قوله : (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) (2) والعامل فيها الظرف.
    ولا يجوز أن تكون الحال منهما جميعا ، لأنه لا يعمل فى معمول واحد عاملان.
    __________________
    (1) الحديد : 22.

    فأما قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) (1) فمتعلّق «فى» بقوله : «فى كتاب» ويكون ذو الحال (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ).
    وفى قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) ذكر من الفاعل الظاهر. ولا شىء فى قوله : (فِي كِتابٍ) لارتفاع الظاهر به فى القولين.
    والمعنى : ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا مكتوبا ، بتيسير ذلك على الله من قبل أن نبرأها.
    ويجوز فى قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) أن يتعلق بما دل عليه ما تقدم قبل (إِلَّا) ، فيكون المعنى : ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم من قبل أن نبرأها إلا فى كتاب ، تيسير ذلك على الله.
    ونظير هذا المعنى قوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) (2).
    ومثله قول الأعشى :
    ولا قائلا إلّا هو المتعتّبا (3)
    ولا يمتنع هذا الوجه من أجل الفصل الذي وقع بين الفاعل وما ارتفع به بذلك ، لأنه مما يلابسه ، فلا يتنزّل منزلة الأجنبى منه. ومع ذلك فالظرف أحمل للفصل من غيره. انتهت الحكاية عن أبى على ، وفيه غير سهو :
    __________________
    (1) الحديد : 22.
    (2) النحل : 43.
    (3) صدره : وليس بجيرا إن أتى الحق خائفا

    أما تشبيهه «إلا» بحرف النفي ، ومنع ما بعد «إلا» متعلقا بما قبلها كحرف النفي ، فليس كذلك. ألا ترى قوله : (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) (1) فجر «مقطوعة» حملا على ما قبل «إلا». وقال : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ) (2). وقال: (إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ) (3).
    ومسألة الكتاب : مررت برجلين لا شجاع ولا جبان.
    وأما قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) (4) أنه متعلق بمحذوف حال ، وصاحب الحال (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (5) فهو فاسد ، كسرت «إن» أو فتحت. أما الكسر فلأن ما بعد «إنّ» لا يتقدم عليه ، لأن «إنّ» تقطع ما بعدها مما قبلها. وقد ذكرنا هذا فى هذا الكتاب.
    وأما فتح «أنّ» فإنه لم يقرأ به ، وهو فى تقدير المصدر ، / وما فى حيّز المصدر لا يتقدم عليه.
    وقد وقعت هذه المسألة فى عدة نسخ من «التذكرة» ، وليس فيه هذا الفصل الأخير.
    وإنما وقع فى تهذيب عثمان ، وهو يتكلم على مثل هذه الأشياء ، ولم يتكلم هنا بشىء ، فلا أدرى كيف سها عنه مع وضوحه؟.
    __________________
    (1) الواقعة : 32 ، 33.
    (2) البقرة : 68.
    (3) البقرة : 71.
    (4) الحديد : 22.

    الثالث عشر
    هذا باب ما جاء في التنزيل دالا على جواز
    تقديم خبر المبتدأ
    وإنما ذكرنا هذا الباب لأن أبا على خيل إلى عضد الدولة أنه استنبط من الشعر ما يدل على جواز ذلك فقال :
    ومما يدل على جواز تقديم خبر المبتدأ على المبتدأ قول الشماخ :
    كلا يومى طوالة وصل أروى
    ظنون آن مطرّح الظّنون (1)

    قال : ف «وصل أروى» مبتدأ ، و «ظنون» خبره. و «كلا» ظرف لظنون. والتقدير فيه : كلا يومى مشهد طوالة ، كأنها رباب بها فى اليومين ، كقول جرير :
    كلا يومى أمامة يوم صدّ
    وإن لم تأتها إلّا لماما

    المعنى : كلا يومى زيارة أمامة يوم صد. أي : إن زرناها لماما أو دراكا صدّت عنا كلا يومى زيارتها.
    ولو كان أبو الحسن حاضرا لم يستدل بقول الشماخ ، وإنما يتبرك بقوله عزّ من قائل : (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (2) ألا ترى أن «هم» مبتدأ و «يوقنون» فى موضع خبره ، والجار ، من صلة (يُوقِنُونَ) وقدّمه على المبتدأ.
    ومثله : (وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) (3) أي : هم خالدون فى النار.
    __________________
    (1) طوالة : اسم بئر.
    (2) البقرة : 4.
    (3) التوبة : 17.

    وأما قوله تعالى (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) (1) فليس من هذا الباب ، لأن «هم» مبتدأ. و «كافرون» خبره. والجار من صلة الخبر.
    وكذلك فى هود ويوسف قوله : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) (2) «هم» مبتدأ :
    و «كافرون» الخبر ، والجار من صلة الخبر ، فكرر «هم» تأكيدا.
    وسأعدّه فى جملة المكررات.
    ومثله قوله : (وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ) (3).
    «ما فرطتم» فى موضع ابتداء ، ولا يكون مرتفعا بالظرف ، لأن «قبل» لما بنى خرج من أن يكون خبرا.
    ألا ترى أنه / قال : لا يبنى عليه شىء ولا يبنى على شىء.
    فإذا لم يجز أن يكون مستقرا علمت أن قوله : «فى يوسف» وأن قوله : «من قبل» معمول هذا الظرف. الذي هو : «فى يوسف» وإن تقدم عليه ، لأن الظرف يتقدم على ما يعمل فيه ، وإن كان العامل معنى قوله : أكلّ يوم لك ثوب؟ والتقدير : لك ثوب كل يوم.
    والتقدير : وتفريطكم فى يوسف من قبل ، فوقع الفصل بين حرف العطف والمبتدأ بالظرف.
    وإذا كان كذلك فالفصل فيه لا يقبح فى الرفع والنصب كما قبح فى الجر.
    ويجوز ألا يكون ذلك فصلا ولكن الحرف يعطف جملة على ما قبل.
    __________________
    (1) الأعراف : 45.
    (2) هود : 19 ، ويوسف : 37.
    (3) يوسف : 80.

    وكما استدل أبو الحسن بجواز تقديم الخبر على المبتدأ بالبيت ، استدل بجواز تقديم خبر كان على كان بقوله : (قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) (1). والتقدير : أكنتم تستهزئون بالله.
    وقد جاء تقديم خبر «كان» ، على «كان» ، فى قوله :
    (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (2).
    وقوله : (هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) (3).
    ف «أينما» فى الآيتين خبر «كان».
    وكذلك فى قصة عيسى : (وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ) (4).
    فأما قوله : (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) (5) ف «ما» موصولة بمعنى : الذي ، والفعل بعده صلة له والعائد إليه محذوف ، أي: كنتم تدعونه أو تدعونهم ، لقوله «ضلّوا». والموصول مرفوع بالابتداء ، «وأين» خبر مقدم عليه.
    بخلاف ما فى الآيتين المتقدمتين ، لأنها صلة زائدة ؛ والتقدير : أين كنتم؟ وأين كانوا؟
    __________________
    (1) التوبة : 65.
    (2) الحديد : 4.
    (3) المجادلة : 7.
    (4) مريم : 31.
    (5) الأعراف : 37.

    وكما استدل بهذين فيما ذكرنا استدل بتقديم خبر «ليس» على «ليس» بقوله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) (1).
    فقال : التقدير : ألا ليس العذاب مصروفا عنهم يوم يأتيهم.
    ف «يوم» ، منصوب بمصروف ، وقدمه على «ليس» فدل على جواز : قائما ليس زيد.
    فزعم عثمان أن الآية تحتمل وجهين غير ما قاله.
    أحدهما : أن «يوما» ظرف ، والظرف يعمل فيه الوهم ، فيجوز تقديم الظرف الذي عمل فيه خبر ليس على ليس ، ولا يدل على / جواز «قائما ليس زيد»
    والوجه الثاني : أن «يوما» منصوب بمعنى «ألا» لأن معنى «ألا» تنبيه.
    قال سيبويه : «ألا» تنبيه ، تقول : ألا إنه ذاهب. و «ألا» حرف واحد ، وليست «لا» التي للنفى دخل عليها الهمزة.
    ألا ترى وقوع «إنّ» بعدها فى قوله : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) (2) (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ) (3) (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) (4) ، (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ) (5).
    ولو كانت تلك لم تخل من أن يقع بعدها اسم أو فعل ، نحو : ألا رجل ، وألا امرأة ، وألا يقوم زيد ، ففى وقوع «إن» بعدها دليل على ما ذكرنا.
    __________________
    (1) هود : 8.
    (2) هود : 5.
    (3) البقرة : 13.
    (4) البقرة : 12.
    (5) الصافات : 151.

    فإن قلت : إذا كان حرف تنبيه فكيف جاز أن يدخل على التنبيه فى مثل قوله : ألا يا أسلمي (1) ، و (أَلَّا يَسْجُدُوا) (2).
    فإنما جاز ذلك : لأن «يا» لما استعمل استعمال الجمل سد مسدها فى النداء ، جاز دخول هذا الحرف عليه كما جاز دخولها على الجمل.
    ويدلك على أنها ليست للنفى قوله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) (3) ولو كان نفيا لم يدخل على «ليس» ، إذ تقلب المعنى إلى الإيجاب ، وليس الأمر كذلك ، لأن معنى النفي «بلا» قائم صحيح فى «ليس» هذا ، فهذا يدلك على أنها ليست «لا» التي للنفى.
    ويدلك على ذلك أيضا أن «لا» النافية لم تدخل على «ليس» فى موضع ، فحملها على النافية هنا لا يصح ، لأنه لم يوجد له نظير ، ف «ألا» بمعنى : انتبه.
    وقد عمل فى (يَوْمَ يَأْتِيهِمْ) ، فلا يدل على جواز : قائما ليس زيد. وإنما يدل عليه : (أَيْنَ ما كانُوا) (4) (أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (5) لأن «ليس» من أخوات «كان».
    __________________
    (1) البيت بتمامه :
    ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى
    ولا زال منهلا بجر عائك القطر

    (2) النمل : 25.
    (3) هود : 8.
    (4) المجادلة : 7.
    (5) الحديد : 4.

    وقد جاء «ألا» فى التنزيل يراد ب «لا» فيه معنى النفي فى موضعين فى ابتداء الكلام :
    أحدهما : قوله (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) (1).
    والموضع الآخر : (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) (2).
    وما ذكرناه من أن قوله : (ما فَرَّطْتُمْ) (3) مبتدأ ، و (فِي يُوسُفَ) (4) خبره.
    لأنه لا يجوز أن يكون (مِنْ قَبْلُ) (5) خبرا ؛ لما نقلناه عن سيبويه ، يقودك إليه فى قول الشاعر :
    وما صحب زهر فى السّنين الّتى مضت
    وما بعد لا يدعون إلّا الأشائما

    ألا ترى أن شارحكم زعم أن «ما» موصولة و «بعد» صلته ، ولم يكن له حسّ ولا علم بقول صاحب الكتاب من أن «قبل» و «بعد» فى حالتى البناء لا يخبر عنهما ولا بهما ، ولا توصل بهما الموصولات.
    ف «ما» فى البيت زيادة غير موصولة كقوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) (6)
    فأمّا تقدم خبر «كان» على اسمها فقد شاع عنهم ، وجاء فى التنزيل فى مواضع منها : قوله (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) (7) فيمن نصب «البر» وقوله : (وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا) (Cool وهى قراءة أهل الأمصار أعنى قولهم (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) (9) فيمن نصب.
    __________________
    (1) الملك : 14.
    (2) المطففين : 4.
    (3) يوسف : 80.
    (4) النساء : 155.
    (5) المائدة : 13.
    (6) البقرة : 177.
    (7) آل عمران : 147.
    (Cool الأنعام : 23.

    وقوله : (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) (1).
    وقوله (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ) (2). فإن «يعلمه» اسم «يكن» و «آية» خبر مقدم على الاسم ، وهى قراءة الناس سوى ابن عامر ، فإنه قرأ «أو لم تكن» بالتاء ، «وآية» رفعا.
    فحمله الفارسي على إضمار القصة ، وأن «يعلمه» مبتدأ و «آية» ، خبره والجملة خبر (تكن) ، كقوله : (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ) (3).
    إلا أن التقدير : أو لم تكن القصة ، وقوله (تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ) (4) فعل وفاعل فى موضع الجر.
    ومثل قوله : (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) (5) قوله : (ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا) (6).
    ومثل قوله : (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (7) قوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (Cool. فهو مبتدأ. و «فى شأن» خبره. أي : هو كائن فى شأن كل يوم. ف «كل يوم» ظرف لقوله «فى شأن» ف «فى شأن» ضمير انتقل إليه من اسم الفاعل ، وليس فى «كل يوم» ضمير لتعلقه بالظرف دون المضمر.
    __________________
    (1) النور : 51.
    (2) الشعراء : 197.
    (3) غافر : 50.
    (4) الأعراف : 82.
    (5) الجاثية : 25.
    (6) البقرة : 4.
    (7) الرحمن : 29.

    وهذا على قول من وقف على قوله «كلّ يوم» ، فهو منصوب ب «يسأله».
    وقوله «هو فى شأن» مبتدأ وخبر. ومثل الأول ما حكاه سيبويه من قولهم : أكلّ يوم لك ثوب.
    وأمّا جعل «أن» بصلته اسم «كان» ، وليس فى الآي التي تلوناها ، فإنما كان لأن «أن» وصلتها أولى وأحسن لشبهها بالمضمر فى أنها لا يوصف [بها] (1) المضمر ، وكأنه اجتمع مضمر ومظهر.
    والأولى إذا اجتمع مضمر ومظهر أن يكون المضمر الاسم من حيث كان أذهب فى / الاختصاص من المظهر ، فكذلك إذا اجتمع مع مظهر غيره كان أن يكون اسم كان المضمر والمظهر الخبر أولى.
    فلهذا المعنى قال قوم : إذا قلت : فى الدار إنك قائم ، ونحو قوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) (2) (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) (3) (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) (4). إنما رفع بالظرف لأنه يشبه المضمر. و «غدا الرحيل» ، هو «أن» مع الفعل ، فيشبه المضمر.
    ويلزم على تشبيه «أن» بالمضمر أن تكون «أن» الناصبة للفعل مرتفعة فى قوله بالظرف لاجتماعها مع «أن» فيما ذكرنا.
    __________________
    (1) تكملة يقتضيها السياق.
    (2) فصلت : 39.
    (3) الروم : 25.
    (4) الروم : 20.

    وليس الأمر فى «أن» كذلك لارتفاعها بالابتداء ، وإن لم يجز تقديمه فى قوله : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) (1) و (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) (2).
    ولا يستقيم أن يفصل بينهما ب «أن» يقال : إنّ «أن» الخفيفة قد ابتدئت والثقيلة لم تبتدأ.
    لأنه يقال له : ارفعه بالابتداء ، وإن لم يجز تقديمه ، كما رفعت «زيدا» ونحوه بالابتداء ، وإن لم يجز أن يبتدأ بها فى أول الكلام.
    وأما قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) (3) ، فمذهب سيبويه أن فى «كاد» ضمير القصة والحديث ، وفسر بالجملة من الفعل والفاعل.
    وجاز ذلك فيها وإن لم تكن مثل «كان» وبابها من الأفعال المجردة من الدلالة على الحدث ، لمشابهتها لها فى لزوم الخبر إياها.
    ألا ترى أنها لا تخلو من الخبر ، كما أن تلك الأفعال كذلك.
    وقد أجاز أبو الحسن فى قوله : (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) (4) أن يكون فى «كاد» ضمير ممن تقدم ، ويرفع (قُلُوبُ فَرِيقٍ) (5) «تزيغ».
    قال : وإن شئت رفعتها ، يعنى «القلوب» ب «كاد» وجعلت «تزيغ» حالا.
    __________________
    (1) البقرة : 184.
    (2) النور : 60.
    (3) التوبة : 117.

    فأما احتماله الضمير مما جرى ، فوجهه : أنه لما تقدم قوله : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) (1). وكانوا قبيلا ، ومن عاندهم من الكفار والمنافقين قبيلا ، أضمر فى كاد ، قبيلا.
    فأما كون «يزيغ» حالا فيدل على صحته قول العجّاج :
    إذا سمعت صوتها الخرّارا
    أصمّ يهوى وقعها الصّوارا

    ألا ترى أنه قد تقدم «يهوى» على «وقعها» فى موضع هاويا ، وهذا يدل على جواز تقديم الحال من المضمر.
    ومن تقديم خبر «كان» قوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (2) فالظرف حشو و «أحد» اسم «كان» ، و «كفوا» خبره ، وأجاز أن يكون «له» وصفا للنكرة ، فلما تقدم انتصب على الحال.
    وحمله الكوفي على إضمار المجهول فى «يكن» ، وفى «يكن» ضمير القصة ، و «كفوا» حال.
    وهذا إنما جاز عندهم للحاق النفي الكلام ، وإلا كان كفرا ، لأنك إذا قلت : لم يكن الأمر له كفوا أحد ، كان إيجابا ، تعالى الله عن ذلك وتقدّس.
    __________________
    (1) التوبة : 117.
    (2) الإخلاص : 4.

    فهو كقولهم : ليس الطيب إلا المسك ، على إضمار فى «ليس» وإدخال «إلا» بين المبتدأ والخبر ، لأنه يؤول إلى النفي.
    والعامل فى الظرف إذا كان حالا هو «يكن». وعلى قول البغداديين فى «كفوا» المنتصب على الحال «له» ، و «له» متعلق بمحذوف فى الأصل ، و «أحد» مرتفع به على قولهم.
    وكانّ «له» إنما قدمت وإن لم يكن مستقرا ، لأن فيه تبيينا وتخصيصا ل «كفو». فلهذا قدّم ، وحسن التقديم وإن لم يكن مستقرا.
    فهذا كله فى تقديم ما فى حيزّ المبتدأ.
    فأما الظرف إذا كان خبرا ل «كان» فتقديمه على اسم «كان» كثير ، كقوله : (وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) (1) وقوله : (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ) (2). وقوله : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) (3) وكقوله : (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ) (4).
    فأما قوله : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (5) فقيل : «نصر» يرتفع ب «كان» ، و «حقا» خبر مقدم. وقيل : بل اسم «كان» مضمر ، والتقدير : كان الانتقام حقّا ، فتقف على هذا ، وتبتدئ (عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (6).
    __________________
    (1) القصص : 37.
    (2) يونس : 78.
    (3) آل عمران : 13.
    (4) الكهف : 43.
    (5) الروم : 47.

    ومن هذا الباب قوله تعالى : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (1) ف «هم» مبتدأ ، و «يستغفرون» الخبر ، والجار فى صلة «يستغفرون» ، وقدمه على المبتدأ كما قدم (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (2).
    ومثله : (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) (3). ف «أنتم» مبتدأ ، و «مدهنون» خبره ، والجار من صلة «مدهنون».
    وأما قوله (قَلِيلاً) (4) فستراه فى باب آخر إن شاء الله.
    __________________
    (1) الذاريات : 17 ، 18.
    (2) البقرة : 4.
    (3) الواقعة : 81.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2892
    نقاط : 4517
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اعراب القرأن ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اعراب القرأن ج1   اعراب القرأن ج1 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 7:38 am

    الرابع عشر
    هذا باب ما جاء في التنزيل وقد حذف الموصوف
    وأقيمت صفته مقامه
    / وهو جائز حسن فى العربية يعد من جملة الفصاحة والبلاغة. وقد ذكره سيبويه فى غير موضع من كتابه.
    فمن ذلك قوله : (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (1) والتقدير : وبالدار الآخرة هم يوقنون.
    ومن ذلك قوله : (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (2) أي : فى الدار الآخرة.
    كما أن قوله : (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا) (3) أي : فى الدار الدنيا.
    دليله قوله : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ) (4).
    وما جاء فى التنزيل من قوله : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) (5) فهو على تقدير : ولدار السّاعة الآخرة ، فتكون «الآخرة» صفة للساعة المضمرة.
    وعليه قراءة ابن عامر فى قوله : (لَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) فى الأنعام (6).
    __________________
    (1) البقرة : 4.
    (2) البقرة : 130.
    (3) البقرة : 130.
    (4) الأنعام : 32.
    (5) النحل : 30.
    (6) الأنعام : 32.

    وليست «الدار» مضافة إلى الآخرة ؛ لأن الشيء لا يضاف إلى صفته كما لا يضاف إلى نفسه.
    وعلى هذا : مسجد الجامع ، أي الوقت الجامع ؛ وصلاة الأولى ، أي : صلاة الساعة الأولى ؛ و (دِينُ الْقَيِّمَةِ) (1) ، أي : دين الملة القيمة ؛ وكذلك (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) (2) أي : حب الزرع الحصيد ؛ و (حَقُّ الْيَقِينِ) (3) أي : حق العلم اليقين. فمن قال بخلاف ذا فقد أخطأ.
    ومن ذلك قوله تعالى : (آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ) (4) أي : آمنوا إيمانا مثل إيمان الناس ، (قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) (5) أي أنؤمن إيمانا كإيمان السفهاء. فحذف الموصوف وأقيمت الكاف التي هى صفته بمقامه. وعلى هذا جميع ما جاء فى التنزيل من قوله: «كما».
    ومثله : «كذلك» فى نحو قوله : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) (6) أي قولا مثل ذلك قال الذين لا يعلمون. ويكون (مِثْلَ قَوْلِهِمْ) بدلا من الأول وتفسيرا.
    ومثله : (كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) (7) ، و : (كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) (Cool.
    ومثله : (كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ) (9) أي : فعلا مثل ذلك ، وقولا مثل ذلك.
    __________________
    (1) البينة : 5.
    (2) ق : 9.
    (3) الواقعة : 95.
    (4) البقرة : 13.
    (5) البقرة : 113.
    (6) آل عمران : 40.
    (7) آل عمران : 47.
    (Cool مريم : 9.

    وأما قوله : (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ) (1) إن (2) شئت كان وصفا لمصدر قوله : (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) (3) على تقدير : إتماما مثل إرسالنا الرسول. وإن شئت كان من صلة قوله : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (4) أي : ذكرا مثل إرسالنا الرسول.
    وأما قوله : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ) (5) فإن شئت كان صفة لمصدر خبر مبتدأ تقدم / ذكره ، على تقدير : (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) (6) أي : الأنفال ثابتة لله ثبوتا كثبوت إخراج ربك إياك من بيتك.
    وإن شئت : فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم إصلاحا مثل إخراجك من بيتك.
    وأما قوله تعالى : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (7) أي : تعودون عودا مثل بدئنا إياكم ، كقوله : (بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ) (Cool.
    وعلى هذا قياس كاف التشبيه فى التنزيل ، وهذا نوع آخر من حذف الموصوف.
    ومن ذلك (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) (9) فريق ـ (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ) (10) فحذف الموصوف وجعل (يَوَدُّ) وصفا له.
    __________________
    (1) البقرة : 151.
    (2) الأصل : «وإن».
    (3) البقرة : 150.
    (4) البقرة : 152.
    (5) الأنفال : 5.
    (6) الأنفال : 1.
    (7) الأعراف : 29.
    (Cool الأنبياء : 104.
    (9) البقرة : 96.

    وقدّره آخرون : ولتجدنهم ومن الذين أشركوا ، أي : ولتجدنهم وطائفة من الذين أشركوا أحرص الناس ؛ فهو وصف لموصوف منصوب معطوف على مفعول (لَتَجِدَنَّهُمْ).
    وقدره الفرّاء : من يود. و «من» إن كان موصولا فلا يجوز إضماره ، وإن كان موصوفا جاز إضماره ، كقول حسّان :
    فمن يهجو رسول الله منكم
    ويمدحه وينصره سواء

    أي : من يمدحه ومن ينصره. ويكون «من» موصوفا. ومن لم يقف على «حياة» ، فإنما أدخل «من» على قوله : (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) (1) حملا على المعنى. إذ المعنى : ولتجدنهم أحرص من الناس ومن الذين أشركوا.
    ومن ذلك قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ) (2) قال أبو على : ومنالذين هادوا فريق يحرف الكلم ، فحذف الموصوف ، كما قال : (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) (3) أي : ومن آياته آية يريكم البرق دليله قوله : (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) (4) أي : سماعون من أجل الكذب. أي : يسمعون ليكذبوا عليك ويحرفوا ما سمعوا. فقوله «يحرفون» صفة لقوله «سماعون» وليس بحال من الضمير الذي فى «يأتوك».
    ألا ترى أنهم إذا لم يأتوا لم يسمعوا فيحرفوا ، وإنما التحريف ممن يشهد ويسمع ثم يحرف.
    __________________
    (1) البقرة : 96.
    (2) النساء : 46.
    (3) الروم : 24.
    (4) المائدة : 41.

    وإذا كان كذلك فالمحرفون من اليهود بعضهم ، وإذا كانوا بعضهم لا جميعهم كان حمل قوله : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا) فريق (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ) أشبه من حمله على ما أجبنا نحن به أحد شيوخنا ، لأنه لهذه الآية أوفق.
    * يعنى بذلك حين سأله أحد شيوخه عن تعلق (مِنَ) فى قوله : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا) (1) فأجابه بأنه يتعلق ب «نصير» من قوله (وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) (2). كقوله (فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا) (3) فإن قلت : فلم لا نجعل قوله (يُحَرِّفُونَ) (4) حالا منها فى (لَمْ يَأْتُوكَ) (5) على حد (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) (6) أي مقدرا البلوغ فيه ، فإن الذي قدمناه أظهر إن شاء الله (7).
    ومن حذف الموصوف ، قوله : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) (Cool أي : قوما حصرت صدورهم ، فحذف الموصوف وقدر «قوم» فيه. أي : قد حصرت صدورهم ، ليكون نصبا على الحال. وقال قوم : هو على الدعاء.
    ومن حذف الموصوف قوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (9) أي : عشر حسنات أمثالها. فحذف الموصوف. وفيه وجهان آخران نخبرك عنهما فى بابيهما إن شاء الله.
    ومن حذف الموصوف قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) (10) أي : شىء من نبأ المرسلين. لا بد من هذا التقدير ، لأنك لو لم تقدر هذا
    __________________
    (1) النساء : 46.
    (2) النساء : 45.
    (3) المؤمن : 29.
    (4) المائدة : 41.
    (5) المائدة : 95.
    (6) يبدو أن هذه العبارة التي بين النجمتين من تعليق قارئ.
    (7) النساء : 90.
    (Cool الأنعام : 160.
    (9) الأنعام : 34.

    لوجب عليك تقدير زيادة «من» فى الواجب ، وليس (1) مذهب صاحب الكتاب.
    ومثله قراءة من قرأ : (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ) (2) بالجر. تقديره : وشىء من نحاس. فحذف الموصوف ، إذ لا يجوز جر «نحاس» على النار ، لأن النحاس لا يكون منه شواظ.
    ومن حذف الموصوف قوله : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (3) أي: ما أنتم بمعجزين من فى الأرض. «فمن» موصوف ، وقد حذفه.
    ومن حذف الموصوف : (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) (4) أي (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (5) ... وَدانِيَةً) أي : وجنة دانية ، فحذف الموصوف.
    ومثله (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) (6) أي ما منّا أحد إلا ثابت له مقام ، فالظرف صفة ل «أحد» المضمر. ولا بد من تقديره ليعود الهاء إليه ، وهذا يدل على قول الفقهاء حيث قالوا فيمن قال لعبده : إن كان فى هذا [البيت] إلا رجل فأنت حر. فإذا كان فيه رجل والصبى فإنه يحنث ؛ لأن التقدير : إن كان فى / هذا البيت أحد إلا رجل والصبى من جملة الأحد ، إلا أن يعنى أحدا من الرجال ، فيدّين إذ ذلك.
    والذي يقوله النحويون فى قولهم «ما جاءنى إلا زيد» : «زيد» فاعل ل «جاء» و «أحد» غير مقدر ، وإن كان المعنى عليه ؛ لأن تقدير «أحد» يجوّز نصب زيد ، ولم يرد عن العرب نصبه فى شىء من كلامهم بتة.
    __________________
    (1) في الأصل : «فليس».
    (2) الرحمن : 35.
    (3) العنكبوت : 22.
    (4) الإنسان : 14.
    (5) الإنسان : 12.
    (6) الصافات : 164.

    وحذف «أحد» جاء فى التنزيل ، وإن لم يكن موصوفا ، كقوله (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) (1) والتقدير : وإن من أهل الكتاب أحد.
    كذا : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (2) أي : إن منكم أحد.
    وإن جعلت الظرفين فى الآيتين وصفا ل «أحد» على تقدير : وإن أحد ثابت من أهل الكتاب ، وإن أحد منكم إلا واردها ، كان وجها.
    وإن طلبت شاهدا على حذف «أحد» من أشعارهم ، فقد أنشد سيبويه :
    لو قلت ما فى قومها لم تيثم
    يفضلها فى حسب وميسم (3)

    أي : ما فى قومها أحد يفضلها.
    ولفظ سيبويه فى ذلك : وسمعنا بعض العرب الموثوق به يقول : ما منهم مات حتى رأيته فى حال كذا وكذا. وإنما أراد : ما منهم أحد مات ، ومثل ذلك (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) (4) ومثل ذلك فى الشعر للنابغة (5) :
    كأنّك من جمال بنى أقيش
    يقعقع خلف رجليه بشنّ (6)

    أي : كأنك جمل من جمال بنى أقيش.
    __________________
    (1) النساء : 159.
    (2) مريم : 71.
    (3) البيت للنابغة ، والشاهد فيه : حذف الاسم والتقدير : أو قلت ما في قومها أحد يفضلها لم تكذب فنأثم. والميسم : الجمال. وكسر تاء تأثم على لغة من يكسر تاء تفعل فانقلبت التاء ياء (الكتاب 1 : 375).
    (4) النساء : 159.
    (5) الشاهد فيه : حذف الاسم لدلالة حذف التبعيض عليه ، والتقدير كأنك جميل من هذا الجمال. وبنو أقيش حي من اليمن في إبلهم نفار ، ويقعقع يصوت والقعقعة صوت الجلد البالي ، وهو الفتن.

    ومن ذلك قوله تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) (1) والتقدير : وقوم أخذنا ميثاقهم ، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه. وقيل : إن التقدير : وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم ، ففصل بين الواو والفعل. وقيل : هو محمول على قوله : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (2) (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا) (3) ، فحمل على المعنى.
    ومن ذلك قوله : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) (4) أي : قوم مردوا (وَآخَرُونَ) (5) (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا) (6). والمعنى : ومنهم آخرون ، ومنهم الذين اتخذوا.
    ومن ذلك قوله : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) (7) أي : كبرت كلمة تخرج ، فحذف وأقام الجملة مقامه.
    قال أبو علىّ / : يحتمل ضربين :
    أحدهما : أن يكون فى «كبرت» ضمير مما جرى من اتخاذ الولد ، وأنث على المعنى ، لأن ذلك «كلمة» فعلى هذا لا يكون بمنزلة «نعم» ، لأن فاعل «نعم» لا يكون معهودا. وتكون «كلمة» على هذا منتصبة على الحال. كما أن «مقتا» فى قوله (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا) (Cool حال.
    __________________
    (1) المائدة : 14.
    (2) المائدة : 12.
    (3) المائدة : 14.
    (4) التوبة : 101.
    (5) التوبة : 102 ، 106.
    (6) التوبة : 107.
    (7) الكهف : 5.
    (Cool الصف : 3.

    ويجوز أن تجعله بمنزلة «نعم» وتضمر فيها شائعا كما تضمر فى : نعم رجلا. فإذا جعلته كذلك احتمل قوله : (تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) (1) أمرين ، ولكن لا بد منها لتبيين الضمير.
    والآخر : أن يكون صفة للمخصوص بالذم وقد حذف ، والتقدير : كبرت الكلمة كلمة تخرج من أفواههم ، فحذف المخصوص بالذم ، لأنه إذا جاز أن يحذف بأسره فى نحو : نعم العبد ، كان أن يحذف وتبقى صفتها أجود. وإن جعلت قوله (تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) (2) صلة ل «كلمة» المذكورة ، كان المخصوص بالذم مرادا ، ويكون ذلك قولهم (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) (3) فحذف ولم يذكر لجرى ذكرها ، كما لم يذكر «أيّوب» فى قوله (نِعْمَ الْعَبْدُ)(4) لجرى ذكره.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (5) أي : قولا ذا حسن ، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه بعد حذف المضاف. ومن قرأ (حسنا) فالتقدير : قولا حسنا.
    قال أبو على : وحسن ذلك فى حسن ، لأنه ضارع الصفة التي تقوم مقام الأسماء ، نحو : الأبرق ، والأبطح ، والأبتر (6). ثم يقولون : هذا حسن ، ومررت بحسن ، ولا يكادون يذكرون معه الموصوف.
    __________________
    (1) الكهف : 5.
    (2) الكهف : 4.
    (3) ص : 44.
    (4) البقرة : 83.
    (5) في الأصل : «عبد الأبتر».

    ومثل ذلك فى حذف الموصوف قوله : (قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً) (1) أي متاعا قليلا ، يدلّك على ذلك قوله : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) (2).
    وقوله : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ* مَتاعٌ قَلِيلٌ) (3) يحسّن هذا ، وإن كان قد جرى على الموصوف فى قوله : (إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) (4). وكذلك يحسن فى قوله : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (5).
    أما قوله : (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ) (6) فينبغى أن يكون اسما ، لأنه قد عودل به ما لا يكون إلا اسما ، وهو السوء.
    وأما قوله : (وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) (7) فيمكن أن يكون : / أمرا ذا حسن ، ويمكن أن يكون : الحسن ، مثل الحلو.
    ومن ذلك قوله : (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) (Cool أي : إيمانا قليلا يؤمنون. ف «قليلا» صفة إيمان ، وقد انتصب ب «يؤمنون» أعنى : إيمانا.
    وكذلك قوله : (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) (9) أي : تذكرا قليلا تذكرون. و (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (10) أي : شكرا قليلا تشكرون.
    __________________
    (1) البقرة : 126.
    (2) النساء : 77.
    (3) آل عمران : 196 ، 197.
    (4) الشعراء : 54.
    (5) البقرة : 83.
    (6) النمل : 11.
    (7) الكهف : 86.
    (Cool البقرة : 88.
    (9) الأعراف : 3.
    (10) الأعراف : 10.

    ومعنى (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) (1) أي : الإيمان لهم ، لأن القلة يراد به النفي.
    قال سيبويه : قلّ رجل يقول ذاك إلا زيد. والمعنى : ما رجل يقول ذاك إلا زيد. فزيد لا يجوز فيه إلا الرفع لأنه منفى ؛ وكذلك : قلّما سرت حتى أدخلها ، بالنصب. كما تقول : ما سرت حتى أدخلها.
    وأما قوله : (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (2). فقد قال أبو على : قلة إيمانهم قولهم : الله ربّنا ، والجنّة والنّار حقّ. وليس هذا بمدح إيمانهم ، إذ ليس القدر مما يستحق به الجنة ، ولا يكون التقدير إلا جماعة قليلا لقوله : (لَعَنَهُمُ اللهُ) (3). فعمّهم باللعن. وإنما التقدير: إيمانا قليلا.
    وأما قوله : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) (4) أي : قليلا فى العدد من الليل لم يهجعوا ، عن الضحّاك ، وهو ضعيف. لأنه قدّم الجار على المنفي.
    وقيل : كانوا قليلا هجوعهم ، و «ما» مصدرية ، فتكون بدلا من الضمير فى «كانوا» ، أي : يرتفع بالظرف. و (قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ) (5) خبره ، لأنه حدث والجملة فى موضع خبر «كان».
    قال الشيخ : هذا سهو منه ، لأنه إذا ارتفع بالظرف لم يرتفع بالابتداء ، وإذا لم يرتفع بالابتداء لم يكن «قليلا» خبرا ، لا سيما و «قليلا» منصوب ، فكيف يكون خبر «ما» ، إنما نصبه لأنه خبر «كان».
    __________________
    (1) البقرة : 88.
    (2) النساء : 155.
    (3) النساء : 52.
    (4) الذاريات : 17.

    ولا يمتنع أن يكون «قليلا» خبرا عن «ما» وصلته ، وإن لم يجز أن يكون خبرا عن المبدل منه ؛ لأن المقصود الآن هو البدل.
    ولا يجوز أن يرتفع «ما» ب «قليل» ، وهو موصول بالظرف ؛ لأن «القليل» لما وصلت به من قوله (مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) (1) قد دل على أنه ليس بصفة الهجوع ، إنما القلّة لّليل.
    وإن علقت «من الليل» «بكانوا» أو ب «قليل» «ما» نفى لم يجز ، ألا ترى أن «قليلا» على هذا الخبر للضمير الذي فى «كانوا» / ولا يكون من «الليل» فلا يتعلق أيضا ب «كانوا» على حد قولك : «كانوا من اللّيل».
    ولم يرض أبو على أن يكون (مِنَ اللَّيْلِ) مثل قوله : (مِنَ الزَّاهِدِينَ) (2) (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (3).
    قال أبو على : فى الآي التي تقدم ذكرها فصل (4) نقلته لك ، وهو أنه قال فى قوله (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) (5) ، أي : فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا ، كما تقول : ضربته يسيرا وهينا.
    وقال : (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ) (6) أي : المكرات السيئات.
    ويجوز أن يكون (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) أي : لا يؤمنون إلا نفرا قليلا ، كقوله : (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) (7). فهذا قلة فى العدد ، ويكون حالا. ولا يراد به القلة التي هى الوضع ، والتي هى خلاف الكثرة فى قوله :
    وأنت كثير يا ابن مروان طيّب
    __________________
    (1) الذاريات : 17.
    (2) يوسف : 20.
    (3) الأنبياء : 56.
    (4) في الأصل : «فصلا».
    (5) البقرة : 88.
    (6) فاطر : 10.
    (7) هود : 40.

    وما روى من قوله : المرء كثير بأخيه ، لأن ذلك لا يوصف به المؤمنون. وعكسه : (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) (1).
    فأما قوله : (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً) (2) فيكون العدد من الذل ؛ لأنهم لكفرهم لا يكثرون عند البأس ، فهم خلاف الأنصار الذين قال فيهم : إنكم لتكثرون عند الفزع ، وتقلّون عند الطّمع.
    وقوله تعالى : (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) (3) ليس هو من قلة العدد ، كأنه : عن زمان قليل يندمون. و «عمّا» متعلق بمحذوف يدل عليه (لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) (4).
    ومن حذف الموصوف قوله : (نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) (5) أي : نعم شيئا يعظكم به موعظته ، فحذف المخصوص بالمدح ، وكلاهما حسن.
    ومنه قوله : (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ) (6) ، أي : فرقة خائنة. وقيل : على خيانة. وقيل : الهاء للمبالغة.
    فأما قوله : (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) (7) أي : بالصيحة الطاغية. فحذف الموصوف.
    __________________
    (1) الإسراء : 89.
    (2) الأحزاب : 18.
    (3) المؤمنون : 40.
    (4) النساء : 58.
    (5) المائدة : 13.
    (6) الحاقة : 5.

    وقيل : بفعل النفس الطاغية. فحذف المضاف والموصوف ، وهو عاقر الناقة.
    وقيل : بل الطاغية للطغيان ؛ أي : أهلكوا بطغيانهم كالكاذبة. وقال : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) (1). وقيل : بالذنوب الطاغية ، أي : المطغية.
    ولما قال : (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ) (2) فذكر العذاب ، اقتضى ذلك الوجه الأول ، كى يكون المعطوف كالمعطوف عليه.
    / واعلم أن فاعلة التي بمنزلة «العافية» و «العاقبة» أريتك فى هذه الآي الثلاث «الخائنة» و «الكاذبة» و «الطاغية». وفى آيتين «الخالصة» فى قوله :
    (ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ) (3) أي : ذات خلوص.
    وقال : (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ) (4) ، أي : بإخلاصهم أو بالخلوص لهم ، (ذِكْرَى الدَّارِ). فهذه خمسة مواضع حضرتنا الآن.
    ومثله «الكافة» فهو كالعافية والعاقبة ، ونحوه. ويدل عليه قوله : (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) (5) فأوقع على الجماعة. وقال : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً) (6).
    __________________
    (1) الشمس : 11.
    (2) الحاقة : 6.
    (3) الأنعام : 139.
    (4) ص : 46.
    (5) البقرة : 208.
    (6) سبأ : 28.

    ومثله «الفاحشة» فى قوله : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) (1) وقوله : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ) (2). هى فاعلة بمعنى المصدر ، عن أبى على وعن غيره ، بل هى صفة موصوف محذوف ، أي : فعلوا خصلة فاحشة ، وأن يأتين بخصلة فاحشة.
    ومثله (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) (3) قيل : «لغوا» مثل العافية. وقيل : كلمة لاغية. وقيل : قائل لغو.
    ومثله قوله تعالى : (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) (4) (أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) (5) أو ناخره ، نردّ فى الحافرة. ف «إذا» فى موضع نصب بهذا الفعل. و «الحافرة» مصدر كالعاقبة ، والعافية ، و (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) (6) كأنه أراد نردّ إلى الطريق الذي حفرناه بسلوكنا.
    ومن حذف الموصوف جميع ما جاء فى التنزيل من قوله : (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (7) والتقدير : وعملوا الخصال الصالحات.
    كما أن السيئات فى قوله : (وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا) (Cool و (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (9) أي : الخصال السيئات.
    __________________
    (1) آل عمران : 135.
    (2) النساء : 19.
    (3) الغاشية : 11.
    (4) النازعات : 10 و 11.
    (5) الواقعة : 2.
    (6) البينة : 7.
    (7) آل عمران : 193.
    (Cool النساء : 31.

    ومن ذلك قوله : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ) (1) فحذف للدلالة عليه نحو قوله (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) (2). وقال : (مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) (3) فحذف الموصوف. وقال : (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) (4). أي : فريق دون ذلك.
    وعلى قياس قول أبى الحسن يكون «دون» فى موضع الرفع ، ولكنه جرى منصوبا فى كلامهم. وعلى محمل قراءة من قرأ (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) (5) على أنه ظرف ووقع موقع الفاعل.
    وكذا قوله : (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) (6) فيمن قرأه مرتبا للمفعول / بجعله قائما مقام الفاعل ، لأنه جرى منصوبا.
    ويجوز (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) على : ما بينكم ، فحذف الموصوف دون الموصول.
    ومنه قوله : (وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً) (7) أي : عملا صالحا ، لقوله قبله : (وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) (Cool وقال : (يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) (9) أي : الأعمال السيئات الأعمال الحسنات ، فلم أعده لك.
    __________________
    (1) الأعراف : 205.
    (2) الروم : 24.
    (3) الأعراف : 168.
    (4) الجن : 11.
    (5) الأنعام : 94.
    (6) الممتحنة : 3.
    (7) الفرقان : 71.
    (Cool الفرقان : 70.

    وصاحب الكتاب يقول : «لو» بمنزلة «إن» فى هذا الموضع تبنى عليها الأفعال ، فلو قلت : ألا ماء ولو باردا ، لم يحسن إلا النصب ؛ لأن «باردا» صفة. ولو قلت : ائتنى ببارد ، كان قبيحا. ولو قلت : ائتنى بتمر ، كان حسنا. ألا ترى كيف قبح أن تضع الصفة موضع الاسم.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) (1) أي : فريق كافر به ، فحذف «الفريق».
    ومن ذلك قوله تعالى : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ) (2) أي : النساء الخبيثات للرجال الخبيثين. وقيل : الكلمات الخبيثات للرجال الخبيثين ، وكذا التقدير فيما بعدها.
    ومن ذلك قوله : (عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ) (3) أي : عن قولهم كلاما ذا الإثم.
    قال أبو على : ويكون من باب : ضرب الأمير ، ونسج اليمن ، وتقديره : عن قولهم كلاما مأثوما فيه.
    ومن ذلك قوله تعالى : (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ) (4). فقد قيل : هو صفة مصدر محذوف ، وقيل : منتصب بفعل مضمر.
    __________________
    (1) البقرة : 41.
    (2) النور : 26.
    (3) المائدة : 63.
    (4) المائدة : 77.

    وعندى أنه على الاستثناء المنقطع ، وليس على : تغلو غلوّا غير الحق ؛ لأن «غلوا» نكرة ، وإن كان لا يتعرف فى غير هذا الموضع بالإضافة ، فقد تعرف هنا ، إذ ليس إلا الحق أو الباطل.
    ومن ذلك قوله تعالى : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ) (1) يجوز أن يكون «من» زيادة على قياس قول أبى الحسن. ويجوز أن يكون على حذف الموصوف ، أي : وأوزارا من أوزار الذين يضلونهم. ويؤكد هذا قوله : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) (2) ، فكما أن «مع» صفة فكذلك الجار هاهنا.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً) (3) أي : ما تتخذون ، فحذف «ما» وهو موصوف.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) (4) أي : ارحمهما رحمة مثل رحمة تربيتهما / إياى صغيرا ؛ فحذف ذا الكلام.
    ومعنى رحمة التربية : الرحمة التي كانت عنها التربية ، مثل ضرب التلف. ويجوز أن يكون المعنى : على ما ربّيانى صغيرا.
    __________________
    (1) النحل : 25.
    (2) العنكبوت : 13.
    (3) النحل : 67.
    (4) الإسراء : 24.

    وكذلك تأوّل أبو الحسن قوله : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) (1). أي : على ما أمرت ، فكذلك ارحمهما على ذلك. ونحو منه فى أول السورة : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ) (2). التقدير : دعاء مثل دعائه الخير.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) (3) أي : زمانا غير بعيد من الزمان ، فيكون فاعل «مكث» «سليمان».
    وقيل الفاعل : «الهدهد» ؛ أي : بمكان غير بعيد.
    ومن ذلك قوله : (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) (4) أي : وحبّ الزرع الحصيد. و (حَبْلِ الْوَرِيدِ) (5) أي : حبل عرق الوريد. و (دِينُ الْقَيِّمَةِ) (6) و (حَقُّ الْيَقِينِ) (7) كل هذا على حذف المضاف الموصوف.
    ومن ذلك قوله تعالى : (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ) (Cool يحتمل موضع «الّذين من قبلهم» وجهين :
    الأول : أن يكون رفعا بالعطف على «قوم تبّع» ، تقديره : أهم خير أم هذا؟ ، فإذا جعلته على هذا أمكن فى صلة «الذين» أن تكون «أهلكناهم» ، ويكون «من قبلهم» متعلقا به.
    ويجوز أن يكون صلة «الذين من قبلهم» ، فيكون على هذا فى الظرف عائد إلى الموصول.
    __________________
    (1) هود : 112.
    (2) الإسراء : 11.
    (3) النمل : 22.
    (4) ق : 9.
    (5) ق : 16.
    (6) البينة : 5.
    (7) الواقعة : 95.
    (Cool الدخان : 37.

    فإذا كان كذلك كان «أهلكناهم» على أحد أمرين :
    إما أن يكون يريد فيه حرف العطف ، وقد يكون فى موضع الحال ؛ أو يقدر حذف موصوف كأنه : قوما أهلكناهم. وهذان على قول أبى الحسن.
    والمعنى : أفلا تعتبرون أنا إذا قدرنا على إهلاك هؤلاء واستئصالهم قدرنا على إهلاك هؤلاء المشركين.
    ويجوز أن يكون «الذين» مبتدأ ، و «أهلكناهم» الخبر ، أي : الذين من قبل هؤلاء أهلكناهم ، فلم لا تعتبرون.
    و [الثاني] (1) يجوز أن يجعل «الذين» جرا بالعطف على «تبّع» ، أي قوم تبع والمهلكين من قبلهم.
    ومن ذلك ما قاله الفرّاء فى قوله : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ) (2) أي : ما ثم ، فحذف.
    قال أبو على : قول الكسائي وإجازته : نعم الرجل يقوم ، وأنه منع فى النصب : نعم رجلا يقوم.
    فأما منعه فى النصب فبيّن ، وذلك أن «يقوم» يصير صفة / للنكرة ، فيخلو الكلام من مقصود بالذم أو المدح مخصوص به ، وإذا خلا منه لم يجز. ولو زاد فى الكلام مقصود بالمدح جازت المسألة. وأما : نعم الرجل يقوم ، فإنه أجازه
    __________________
    (1) تكملة يقتضيها السياق.
    (2) الإنسان : 20.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2892
    نقاط : 4517
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اعراب القرأن ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اعراب القرأن ج1   اعراب القرأن ج1 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 7:40 am

    على أنه أقام الصفة مقام الموصوف ، كأنه : نعم الرجل رجل يقوم ، فحذف «رجلا» المقصود بالمدح أو الذم.
    قال أبو بكر : هذا عندى لا يجوز ، لأن إقامة الصفة مقام الموصوف ، إذا كانت الصفة فعلا ، غير مستحسن.
    قال : فإذا كان كذلك وجب ألا يجوز إذا لم يكن اسما ، إذ الاسم الموافق للمحذوف فى أنه مثله اسم ، لذلك ، غير مستحسن فيه ، فإن (1) هذا الذي ذكره حسن.
    فإن قيل : قد جاء (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) (2) ، (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) (3).
    [وقول الشاعر] (4) :
    وما منهما قد مات حتّى رأيته
    [وقوله] (5)
    وما الدّهر إلّا تارتان فمنهما
    أموت وأخرى أبتغى العيش أكدح (6)

    والتقدير : تارة منهما أموت وتارة منهما أكدح ، ونحو هذا. فحذف الموصوف فى هذه الأشياء.
    قيل : إنما جاز الحذف فى قوله : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) (7) لأنه مبتدأ غير موصوف ، إنما هو محذوف من قوله : وإنّ من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به. فهذا خبر محذوف على هذا التقدير ، والمبتدأ حذفه سائغ.
    __________________
    (1) في الأصل : «فأو».
    (2) الصافات : 164.
    (3) النساء : 159.
    (4) البيت لابن مقبل (الكتاب 1 : 376).
    (5) تكملة يقتضيها السياق.

    وكذلك : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (1) (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ) (2). أي : ما منا أحد إلا له مقام معلوم.
    ويستدل متأوّل هذا على أن قوله أرجح بقوله تعالى : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) (3) ألا ترى أن «منكم» ليس صفة ل «أحد» ، فإذا كان كذلك لم يكن فيه دلالة.
    وما جاء من نحو ذا فى الشعر ، لا يحمل الكلام عليه ، لأنه حال سعة ، وليس حال ضرورة.
    فإن قيل : «منكم» متعلقة بحاجزين ، ولا يصح أن يعلق «منكم» فى قوله : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (4) (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) (5) بما بعد «إلّا» ولا يصح أن يكون خبرا عن «أحد» لأن «واردها» خبر عنه. و «له مقام معلوم» خبر عنه ، ولا يكونان خبرين ، كقولهم : هذا حلو حامض ، لأن «إلا» لا يفصل بينهما لأنهما بمنزلة اسم واحد / فى المعنى. وأيضا فإن المعنى يمنع من ذلك ، لأنه ليس يريد : إنه لا أحد منهم.
    فهذا يمنع من أن يكون «منكم» خبرا ، ويمنع أن يكون «واردها» صفة ل «أحد». وكذلك «له مقام معلوم». ويمنع من ذلك أن «إلا» لا مدخل لها بين الاسم وصفة.
    __________________
    (1) مريم : 71.
    (2) الصافات : 164.
    (3) الحاقة : 47.

    فأما : ما جاءنى أحد إلا ظريف ، فإنه على إقامة الصفة مقام الموصوف ، كأنه : إلا رجل ظريف. أو على البدل من الأول ، فكذلك (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) (1). وهذا يمنع فيه من تعلق «من» بقوله «ليؤمننّ» أعنى اللام من «إلا». وإذا كان كذلك فلا وجه ل «من» إلا الحمل على الصفة.
    قيل : هى متعلقة بفعل مضمر يدل عليه قوله : (لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) (2) و (وارِدُها) (3) ، و (لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) (4) ومعناها البيان ل «أحد».
    فإن قياس قول الكسائي فى : «نعم الرجل يقوم» ، أن يجوز فى المنصوب : نعم رجلا يقوم يذهب. على أن يكون «يذهب» صفة محذوف ، كأنه : نعم رجلا يقوم رجل يذهب. كما كان التقدير فى حذف الموصوف ، فمرة أجازوه مستحسنا ، ومرة منعوه ولم يستحسنوا.
    وكثرة ذلك فى التنزيل لا محيص عنه ، على ما عددته لك.
    __________________
    (1) النساء : 159.
    (2) الصافات : 164.
    (3) مريم : 71.

    الخامس عشر
    هذا باب ما جاء في التنزيل من حذف الجار والمجرور
    وقد جاء ذلك فى خبر المبتدأ ، وصفة الموصوف ، وصلة الموصول ، وفى الفعل جميعا.
    فأما فى الفعل ، فكقوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ). (1) والتقدير : إن الذين كفروا بالله ، وهو شائع فى التنزيل ، أعنى حذفها من «كفروا». قال : (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ) (2). (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ) (3). (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) (4).
    والتقدير فى كله : كفروا بالله ، وكفروا بربهم.
    كما أن قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) (5) ، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا) (6) ، وقوله (لا يُؤْمِنُونَ) (7) ؛ التقدير فى كله : بالله.
    __________________
    (1) البقرة : 6.
    (2) البقرة : 26.
    (3) النور : 39.
    (4) البقرة : 171.
    (5) الحج : 17 والبقرة 62.
    (6) البقرة : 218.
    (7) البقرة : 6.

    فأما قوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) (1) فالباء من صلة التكذيب عندنا ، وقد حذف صلة كفروا لدلالة الثاني عليه ، وهو متعلق بالفعل الأول عند الكوفيين / دون الثاني.
    نظيره (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) (2). وهذا باب من إعمال الفعلين ، سنأتى عليه هناك إن شاء الله.
    ومما جاء وقد حذف منه العائد إلى المبتدأ من خبره قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) (3) إلى آخر الآية. ف «من آمن» مبتدأ وخبره (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) (4) والجملة خبر «الذين» ، والتقدير : من آمن منهم بالله.
    وقال : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ) (5) والتقدير : يتربصن بعدهم.
    وقال قوم : إن قوله (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ) (6) مبتدأ ، والخبر مضمر. أي : فيما يتلى عليكم الذين يتوفون منكم.
    ومثله : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) (7) ، و (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) (Cool.
    وقوله : (مَثَلُ الْجَنَّةِ) (9). وقوله : (شَهْرُ رَمَضانَ) (10).
    __________________
    (1) الروم : 16.
    (2) النساء : 176.
    (3) البقرة : 62.
    (4) البقرة : 234.
    (5) المائدة : 38.
    (6) النور : 2.
    (7) الرعد : 35 ، محمد : 15.
    (Cool البقرة : 185.

    هذا كله على إضمار الخبر ، أي : فيما يتلى عليكم. كما أضمر الخبر فى قوله : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) (1). والتقدير : واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر ، فأضمر المبتدأ والخبر.
    وإضمار الخبر على أنواع ، فنوع منها هذا الذي ذكرناه ، ونوع آخر يضمر الخبر لتقدم ذكره ، كقوله : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) (2). والتقدير : والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه.
    وقوله : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) (3) أي : ورسوله برىء من المشركين. وإذا جاز حذف الخبر بأسره ، فحذف الضمير أولى.
    ومن حذف الضمير فى حذف المبتدأ ، قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (4) أي فإن حزب الله هم الغالبون معه ، لأن «من» موصولة مبتدأة ، وتمت بصلتها عند قوله «آمنوا» و «إن» مع اسمه وخبره خبر «من» والعائد مضمر.
    ومثله : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) (5) أي المصلحين منهم.
    __________________
    (1) الطلاق : 4.
    (2) التوبة : 62.
    (3) التوبة : 3.
    (4) المائدة : 56.
    (5) الأعراف : 170.

    وقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (1) أي : أجر من أحسن منهم.
    وقال : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (2) أي / منه.
    ومثله : (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ) (3) أي للأوابين منكم ، فحذف.
    ومما جاء من العائد المحذوف فى الوصف إلى الموصوف قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ) (4) أي : لا تجزى فيه. وكذلك (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) (5) أي : فيه. (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) (6) أي : فيه. (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (7) أي : فيه.
    كل هذه جمل جرت وصفا على «يوم» المنتصب بأنه مفعول به ، وقد حذف منه «فيه».
    وفى هذه المسألة اختلاف : ذهب سيبويه إلى أن «فيه» محذوف من الكلام ، قال فى قولهم : أمّا العبيد فذو عبيد. المعنى : أما العبيد فأنت منهم ذو عبيد.
    كما قال : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) (Cool أي : فيه.
    وقال أبو الحسن فى ذلك : اتقوا يوما لا تجزى فيه.
    __________________
    (1) الكهف : 29.
    (2) الشورى : 43.
    (3) الإسراء : 25.
    (4) البقرة : 48.

    قال : وقال قوم : لا يجوز إضمار فيه ، ألا ترى أن [من يقول] (1) ذلك لا يقول : هذا رجل قصدت ، وأنت تريد : إليه. ولا : رأيت رجلا ، وأنت تريد : فيه.
    فالفرق بينهما : أن أسماء الزمان يكون فيها ما ليس فى غيرها.
    وإن شئت حملته على المفعول فى السعة ، كأنك تقول : قلت : واتقوا يوما لا تجزيه ، ثم ألغيت الهاء ، كما تقول : رأيت رجلا أحب ، نريد : أحبه.
    قال أبو علىّ : حذف الظرف فى الأسماء مراد ، وإن كان محذوف اللفظ فيها ، فمن أجل ذلك تمتنع الإضافة إليها ، والحديث عنها ، وأن تجعلها مفعولا بها فى حال ما هى ظروف ، لأن ما يقدر من الحرف المراد يمنع ذلك ويحجر عنه.
    ويدلك على إرادة الحرف فى كل ذا ؛ إظهارك إياه فى جميع ذلك ، إذا كنيت عنها عن «خلف» ونحوه فى قولك : قمت خلفك ، وخلفك قمت فيه ، كما تقول : السوق قمت فيها.
    وكما أعلمتك من إرادة الحرف معها إذا كانت ظروفا كثيرا ما ترى سيبويه إذا علم أنها مفعولة على الاتساع يذكرها مضافة ، ليبدى بذلك أن الظرفية زائلة عنها.
    والجائز عندى من هذه الأقاويل التي قيلت فى الآية : قول من قال. إن «اليوم» جعل مفعولا على الاتساع ، ثم حذفت الهاء من الصفة كما تحذف من الصلة ، لأن حذفها منها فى الكثرة / والقياس كحذفها منها.
    __________________
    (1) تكملة يقتضيها السياق.

    أما القياس فإن الصفة تخصص الموصوف ، كما أن الصلة تخصص الموصول ، ولا تعمل فى الموصوف ، ولا تتسلط عليه ، كما لا تعمل الصلة فى الموصول ، ومرتبتها أن تكون بعد الموصوف ، كما أن مرتبة الصلة كذلك.
    وقد تلزم الصفة فى أماكن كما تلزم الصلة ، وذلك إذا لم يعرف الموصوف. إلا بها. ولا تعمل فيما قبل الموصوف كما لا تعمل الصلة فيما قبل الموصول. وتتضمن ذكرا من موصوفها كما تتضمنه الصلة من موصولها. وشدة مشابهة الصفة الصلة على ما تراه.
    وقد كثر مجىء الصلة محذوفا منها العائد إذا كان مفعولا فى التنزيل ، وجميع التنزيل والنظم ، حتى إن الحذف فى التنزيل أكثر من الإثبات فيها ، والصفة كالصلة فيما ذكرت لك من جهات الشبه ، فإذا كان كذلك حسن الحذف منها حسنه من الصلة.
    فإن قيل : ما تنكر أن يكون المحذوف من الآية فيه دون الهاء على التأويل الذي ذكرته ، وأن حذف الجار والمجرور فى هذا ونحوه كحذفهما فى قولهم : السّمن منوان بدرهم. وما شبّه سيبويه به ونحوه؟
    قيل له : ليس يسوغ حذفهما ، ولا يحسن حسنه من خبر المبتدأ كحذفهما من الخبر ، لأن خبر المبتدأ قد يحذف بأسره حتى لا يترك منه شىء فيما كثر تعداده ، فإذا حسن حذف الخبر وجاز كان حذف بعضه أسوغ وأجود. وإبقاء البعض فى باب الدلالة على المحذوف وإرادته أقوى

    من حذف الكل ، وليس كذلك الصفة ، ألا ترى أن الصفة لا تحذف كما يحذف الخبر ، فيسوغ حذف هذا البعض منها كما حسن حذف كلها ، فلا يجوز تقدم حذف الجار والمجرور هنا من حيث جاز حذفهما فى الخبر لما ذكرنا.
    قال : وليس حذف «فيه» فى الآية كحذف «الهاء» من قوله : ويوم نسر (1) ؛ لأن «فيه» جار ومجرور. ولا يجوز فى الصلة : الذي مررت زيد : تريد : مررت به ، / وكذا لا يجوز حذف «فيه» بخلاف قوله : يوم نسر (2) ؛ لأنه يحسن : الذي ضربت زيد.
    وهذا الذي قاله عندى غيره قد جاء فى التنزيل : قال الله تعالى : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) (3) أي خاضوا فيه.
    وقال : (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ) (4) أي : يبشر الله به عباده.
    قال : (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا) (5) أي : لما لبثوا فيه.
    على أنه حكى عن يونس أن «الذي» فى الآيتين بمنزلة المصدر ، والتقدير خضتم كخوضهم. (والذي يبشر) بمنزلة التبشير.
    __________________
    (1) هذا آخر جزء من عجز بيت للنمر بن تولب ، والبيت هو :
    فيوم علينا ويوم لنا
    ويوم نساء ويوم نسر

    (2) الكتاب لسيبويه (1 : 44).
    (3) التوبة : 69.
    (4) الشورى : 23.
    (5) الكهف : 12.

    رجع إلى كلام أبى على
    قال أبو على : فإن قلت : أو ـ كلام سيبويه فى هذا مثل قول من قال : إن الحذف (1) وجب فيه من حيث وجب فى المظهر فى البعد من الصواب؟
    فالجواب : أن قول سيبويه أقرب إلى الصواب وأبعد من الخطأ ، وذلك أنه لم يذكر أن الحذف (2) فى هذا أوجب من حيث يحذف فى المظهر. لكنه شبهه بما يحذف للدلالة عليه كخبر المبتدأ ونحو ذلك ، وكأنه عنده حذف حذفا لذلك ، لا من حيث حذف فى المظهر.
    وقد قدمنا الفصل بين هذا وبين خبر المبتدأ ، فإن الحذف فيه أسوغ من الحذف فى هذا لأنه صفة. وليس الوصف من المواضع التي يسوغ فيها الحذف ، وليس قول سيبويه فى حذف (فيه) كقول من قال : إن الحذف مع المضمر يجوز ، كالحذف مع المظهر فى : سرت اليوم.
    فأمّا ما احتج به أبو الحسن على من منع جواز إضمار «فيه» فى الآية عند قولهم لا يجوز هذا ، كما لا يجوز : هذا رجل قصدت ، وأنت تريد : قصدت إليه. ولا : رأيت رجلا أرغب ، وأنت تريد : فيه. فالفرق بينهما أن أسماء الزمان يكون فيها ما لا يكون فى غيرها. فالذى فى أسماء الزمان مما لا يكون فى غيرها ـ ما جاز فيها من إضافتها إلى الفعل ، وتعدى الفعل إلى كل ضرب منها مختصها ومبهمها.
    __________________
    (1) في الأصل : «الحرف».

    وأما إضافة الفعل. فليس شىء يوجب حذف هذا ، وإن أراد أن قوة دلالة الفعل عليها يسوغ الحذف فيها ، فهو كأنه شبيه بما ذهب إليه سيبويه أنه حذف حذفا. وليس فى قوة / دلالة الفعل على أسماء الزمان ما يوجب الحذف من الصفة كما قدمنا ، إلا أن هذا القول أقرب إلى الصواب من غيره كما ذكرت لك (1).
    ومن هذا الباب قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) (2).
    قال أبو على فى قوله : (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) (3) ثلاثة أوجه :
    أحدها : أن يكون صفة لليوم.
    والآخر : أن يكون صفة للمصدر المحذوف.
    والثالث : أن يكون حالا من الضمير فى «نحشرهم».
    فإذا جعلته صفة لليوم احتمل ضربين من التأويل :
    أحدهما : أن يكون التقدير : كأن لم يلبثوا قبله إلا ساعة ، فحذفت الكلمة لدلالة المعنى عليها.
    ومثل ذلك فى حذف [الظرف] (4) لهذا النحو ، منه قوله تعالى : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (5) أي أمسكوهن قبله.
    __________________
    (1) في هامش الأصل هنا : «بلغ مقابلة».
    (2) يونس : 45.
    (4) تكملة يقتضيها السياق.
    (5) الطلاق : 2.

    وكذلك قوله : (فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ) (1) ، أي ، قبل الأربعة الأشهر.
    [الثاني] (2) ويجوز أن يكون المعنى : كأن لم يلبثوا قبله ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، ثم حذفت الهاء من الصفة ، كقولك : الناس رجلان رجل أكرمت ورجل أهنت.
    وإن جعلته صفة للمصدر كان على هذا التقدير الذي وصفنا ، وتمثيله : ويوم نحشرهم حشرا كأن لم يلبثوا قبله ، فحذف.
    وإن جعلته حالا من الضمير المنصوب لم يحتج إلى حذف شىء من اللفظ ، لأن الذكر من الحال قد عاد إلى ذى الحال.
    والمعنى : نحشرهم مشابهة أحوالهم أحوال من لم يلبث إلا ساعة ، لأن التقدير : كأن لم يلبثوا ، فلما خفف أضمر الاسم كقوله :
    كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم (3)
    فأما قوله (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) (4) فإنه يصلح أن يكون منصوبا ب «يتعارفون» فى هذا اليوم ، فيكون ظرفا له ، أو مفعولا به على السعة.
    ويجوز أن يعمل فيه فعلا مضمرا دل عليه (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) (5) أي : يستقلون المدة يوم نحشرهم ، فيكون (يَتَعارَفُونَ) (6) صفة ل «يوم» أيضا ، كما أن (لَمْ يَلْبَثُوا) صفة. والتقدير : يتعارفون فيه بينهم ، فحذف «فيه».
    __________________
    (1) البقرة : 226.
    (2) تكملة يقتضيها السياق.
    (3) البيت لابن صريم اليشكري ، وصدره : ويوما توافينا بوجه مقسم (الكتاب 1 : 281 و 481)
    (4) يونس : 45.

    ولا يجوز أن يعمل (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) (1) فى (يَوْمَ) لأن الصفة لا تعمل فى الموصوف. وكذلك الحال لا تعمل فيما قبل صاحبها / وكذا صفة المصدر لا يعمل فيما قبل المصدر ، وفى الآية كلام طويل.
    ومن ذلك قوله تعالى : (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (2) أي : إن ربى فى تدبيركم على صراط مستقيم. فالجار الثاني خبر «إن» والمحذوف متعلق بالخبر معمول له. ذكره الرّمانى.
    وقيل : إن ربى على طريق الآخرة ، فيصيرّكم إليها لفصل القضاء.
    وقيل : إن ربى على الحق ، دون آلهتكم والعبادة له دونهم.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ) (3) أي : إن أحصرتم بمرض وغيره.
    وقوله : (فَإِذا أَمِنْتُمْ) (4) أي : من العدو ، فالأول عام والثاني خاص.
    ومن ذلك قوله : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (5) (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (6) والتقدير فى كله «بالجنة».
    __________________
    (1) يونس : 45.
    (2) هود : 56.
    (3) البقرة : 196.
    (4) الصف : 13.
    (5) الحج : 37.

    أبو عبيد : يبشّرك ، ويبشرك ، ويبشرك ، واحد ، أبو الحسن : فى «يبشّر» ثلاث لغات :
    بشر ، وأبشر إبشارا ، وبشّر ، يبشر ، وبشر يبشر بشرا وبشورا ، بكسر الشين. يقال: أتاك أمر بشرت به. وأبشرت به ، فى معنى بشرت ، ومنه : (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ) (1) وأنشدوا :
    وإذا رأيت الباهشين إلى العلا
    غبرا أكفّهم بقاع ممحل (2)

    فأعنهم وابشر بما بشروا به
    فإذا هم نزلوا بضنك فانزل

    قال أبو زيد : وبشّرنى القوم بالخير تبشيرا. والاسم : البشرى.
    ومما حذف فيه الجار والمجرور قوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) (3).
    التقدير : فله أن له نار جهنم ، ويقوّى رفعه بالظرف فتح «أنّ» ويكسر هو فى الابتداء ، واستغنى عن الظرف بجريه فى الصلة ، كما استغنى عن الفعل بعد «لو» فى : [لو] (4) أنه ذهب لكان خبرا له.
    ومن حذف الجار والمجرور قوله تعالى : (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) (5) أي واسمع به.
    وقال : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) (6) أي وأبصر بهم.
    __________________
    (1) فصلت : 30.
    (2) الشعر لعبد القيس بن خفاف.
    (3) التوبة : 63.
    (4) تكملة يقتضيها السياق.
    (5) الكهف : 26.
    (6) مريم : 38.

    قال أبو على : لا يكون من باب حذف المفعول ، لأن «بهم» فاعل ، نحو قولهم : ما جاءنى من رجل. والفاعل لا يحذف.
    وإن قدّرت حذف الباء لكان : أبصروا. لكنه جرى «أبصر» مجرى الاسم به ، لدلالة : ما أميلح زيدا ، وما أقوله!
    ويجرى مجرى نعم ، وبئس ، أو يصير ، كقوله :
    ونار ، توقّد باللّيل نارا (1)
    حيث حذف «كلا» لجرى ذكره فى قوله :
    أكلّ امرئ تحسبين امرا
    ولأنك لم تجمع الضمير فى «ما أفعل» فى موضع ، فحمل عليه.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) (2) بعد قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) (3).
    روى عن ابن عباس أنه قال : المعنى : وكثير من الناس فى الجنة. وهذا حسن ، كأنه جعله استئناف كلام ، لأن ما تقدم من قوله : (يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) ، قد دخل تحته كثير الناس وقليلهم. فلم يحمله على التكرير ، وأضمر الخبر لدلالة ما يجىء بعد عليه.
    __________________
    (1) هذا عجز بيت ، صدره ذكر بعد. وهو لأبي داود. (الكتاب 1 : 33).
    (2) الحج : 18.

    لأن قوله (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) (1) يدل على أن من تقدمهم لهم حالة أخرى.
    ونظيره : (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) (2) وقوله تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) (3). وإن حملت قوله : (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) (4) على أنه معطوف على (يَسْجُدُ) (5) ويرتفع بذلك ، كان تكريرا ، كقوله : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (6).
    ومن حذف الجار والمجرور قوله تعالى : (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) (7) أي : ما أمره به. فحذفت الباء ، فصار : ما أمره هو. فحذف الأول دون الثاني. ومثله (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) (Cool وإن شئت كان على ما تؤمر به ، ثم تؤمره ، ثم تؤمر.
    قال أبو عثمان : الضميران عندى فى الآيتين مختلفان ، وذلك أن الضمير المحذوف فى: (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) (9) هو عائد إلى الموصول. والضمير المحذوف من قوله سبحانه : (أَمَرَهُ) ليس ضمير الموصول إنما هو ضمير الرجل المذكور.
    __________________
    (1) الحج : 18.
    (2) الشورى : 7.
    (3) الروم : 14.
    (4) الحج : 18.
    (5) العلق : 1.
    (6) عبس : 23.
    (7) الحجر : 94.
    (Cool الفرقان : 41.

    ولعمرى إن حذف الضمير من الصلة ، وإن كان عائدا على غير الموصول جائز كقراءة من قرأ : (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ) (1) فيمن فتح الياء.
    ومن ذلك قوله تعالى : (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) (2) فقوله : (مُفَتَّحَةً) صفة لجنات ، والأبواب مرتفعة بها. وليس فيه ضمير يعود إلى الموصوف.
    فيجوز أن يكون التقدير : مفتحة لهم الأبواب منها. فحذف «منها» للدلالة عليه.
    ويجوز أن يكون «الأبواب» / بدلا من الضمير فى «مفتحة» لأن التقدير : مفتحة هى ، كما (3) تقول : فتحت الجنان ، أي : أبوابها.
    وقال الكوفيون : التقدير ، مفتحة أبوابها ، فقامت الألف مقام الضمير.
    قال أبو إسحاق : إلا أنه على تقدير العربية : الأبواب منها أجود من أن تجعل الألف واللام بدلا من الهاء والألف ، لأن معنى الألف واللام ليس من معنى الهاء والألف فى شىء ، لأن الهاء والألف أسماء ، والألف واللام دخلتا للتعريف ، ولا يبدل حرف جاء لمعنى من اسم ، ولا ينوب عنه ، هذا محال.
    قال أبو على : اعلم أنه لا تخلو الألف واللام فى قوله «الأبواب» من أن يكون للتعريف كما تعرّف : الرجل والفرس ، ونحو ذلك.
    __________________
    (1) الأنعام : 16.
    (2) ص : 50.
    (3) في (ص 216) من هذا الكتاب ما يخالف هذا القول ، فراجعه.

    أو يكون بدلا من الهاء التي هى ضمير التأنيث التي كان يضاف «أبواب» إليها ليتعرف بها. كما أن الألف واللام فى الوجه فى قولك : حسن الوجه ، بدل منها.
    فلو كان مثل التي فى «حسن الوجه» لوجب أن يكون فى «مفتحة» ضمير «جنات».
    كما أن فى «حسن الوجه» من : مررت برجل حسن الوجه ، ضمير رجل. بدليل : مررت بامرأة حسنة الوجه.
    ولو كان فى «مفتحة» ضمير «جنات» كما أن فى «حسن» ضمير «رجل» ، وقد نون «مفتحة» لوجب أن ينتصب الأول ، ولا يرتفع ، لكون الضمير فى «مفتحة» للجنان ، فإذا صار فيه ضمير لم يرتفع به اسم آخر ، لامتناع ارتفاع الفاعلين بفعل واحد ، غير وجه الإشراك ، فكما لم ينتصب قوله «الأبواب» كما ينتصب : مررت برجل حسن الوجه ، أنه ليس فيه ضمير الأول ، وإذا لم يكن فيه ضمير الأول فلا بد من أن يكون الثاني مرتفعا لم يكن مثل «الوجه» ، لأن «الوجه» فى قولك : مررت برجل حسن الوجه ، لا يرتفع ب «حسن».
    وإذا لم يكن مثل «حسن الوجه» لم يكن الألف واللام فيه بدلا من الضمير ، ثبت أنه للتعريف المحض ، على حد التعريف فى : رجل وفرس.
    وإذا كان للتعريف لم يكن بدلا من الضمير ، وإذا لم يكن بدلا من الضمير الذي كان يضاف «أبواب» إليه ، لم يعد على الموصوف مما جرى صفة عليه ذكر ، لارتفاع «الأبواب» به فى اللفظ بالظاهر ، فإذا كان كذلك فلا بد / من ضمير فى شىء يتعلق بالصفة يرجع إلى الموصوف.

    وذلك الراجع لا يخلو من أن يكون منها أو فيها ، فحذف ذلك ، وحسن الحذف للدلالة عليه لطول الكلام.
    وعلى هذا الحد حذف فى قوله : (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) (1) أي : المأوى لهم وعلى هذا التقدير فى هذه الآية أوضح ، لأنه لا ضمير فيه عائد على موصوف ، فيشكل بباب : حسن الوجه.
    فتقدير من قدر : مفتّحة أبوابها ، إن كان المراد إفهام المعنى ، فإنه لا بد من شىء يقدر فى الكلام يرجع إلى الموصوف فمستقيم.
    وإن كان أراد أن الألف واللام فى (الْأَبْوابُ) كالألف واللام فى «الوجه» ، فليس مثله.
    لأن الألف واللام إذا صارت بدلا من الضمير الذي يضاف إليه الاسم المتعلق بالصفة التي هى نحو : حسن وشديد ، انتصب الاسم الذي هو فاعل الصفة ، إذا نوّنت الصفة لكون ضمير الذي يجرى عليه فيه. ألا تراهم قالوا :
    الحزن بابا والعقور كلبا (2)
    و : الشعر الرّقابا (3)
    فترك نصب «الأبواب» هنا دلالة على أن الألف واللام لم يرد بها أن تكون بدلا من علامة الضمير كالتى فى : حسن الوجه.
    وإذا لم يجز هذا فلا بد من تقدير الراجع إلى الموصوف الذي جرى (مُفَتَّحَةً) صفة عليه ، وهو : منها أو نحوها ، فمن هاهنا كان هذا التقدير أجود.
    __________________
    (1) النازعات : 39.
    (2) البيت لرؤبة ، يصف رجلا بغلظ الحجاب ومنع الضيف فجعل بابه حزنا وثيقا ، لا يستطيع فتحه ، وكلبه عقورا لمن حل بفنائه طالبا لمعروفه.
    (3) جزء من بيت للحارث بن ظالم وتمام البيت (الكتاب 1 : 103) :
    فما قومي بثعلبة بن سعد
    ولا بفزارة الشعر الرقابا

    ينتفي من بني سعد ويصف فزارة بالغمم ، وهو كثرة الشعر على القفا.

    ويجوز أن تكون (الْأَبْوابُ) بدلا من الضمير الذي فى (مُفَتَّحَةً) على ما تقدم ، وقوله : لام التعريف لا يكون بدلا من الهاء ، فللقائل أن يقول قد قالوا : مررت برجل حسن وجهه ، ثم قالوا : مررت بالرجل الحسن الوجه ، فقد قام اللام مقام الضمير. وقد قالوا ، غلام زيد ، فقام الاسم مقام التنوين. هذا كلامه فى «الإغفال» (1).
    وقال فى موضع آخر : ولم يستحسنوا : مررت برجل حسن الوجه ، ولا بامرأة حسن الوجه ـ وأنت تريد منه لما ذكرت من أن الصفة يحتاج فيها إلى ذكر يعود منها إلى الموصوف.
    ولو استحسنوا هذا الحذف من الصفة كما استحسنوه من الصلة لما قالوا مررت بامرأة حسنة الوجه.
    وأما قوله : (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) (2) / فليست على : مفتحة لهم الأبواب منها ، ولا أن الألف واللام سدّ مسدّ الضمير العائد من الصفة.
    ولكن (الْأَبْوابُ) بدل من الضمير الذي فى (مُفَتَّحَةً) لأنك لا تقول : فتحت الجنان ، إذا فتحت أبوابها.
    وفى التنزيل : (وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً) (3) فصار ذلك بمنزلة «ضرب زيد رأسه».
    __________________
    (1) هو كتاب : الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني ، لأبى علي الفارسي.
    (2) ص : 50.
    (3) النبأ : 19.

    وقال مرة أخرى : يكون من باب «سلب زيد ثوبه».
    ألا ترى أن (الْأَبْوابُ) تشتمل على الجنة ، كما اشتمل «الأخدود» على النار و «الشهر» على القتال.
    فإن قلت : فهل يجوز أن يكون المعنى : مفتحة لهم الأبواب منها ، فحذف «منها»؟
    قيل : هذا لا يستقيم ، كما جاز : السّمن منوان بدرهم ، وأنت تريد : منه ، فتحذف ، لأن خبر المبتدأ قد يحذف بأسره.
    وإذا جاز أن يحذف جميعه جاز أن يحذف بعضه ، وليس الصفة كذلك ، لأنه موضع تخصيص وتلخيص.
    ولا يجوز أن يراد الصفة وتحذف ، كما يراد الخبر ويحذف ، ولو جاز ذا لجاز : مررت بهند حسن الوجه ، يريد : منها.
    واعلم أن البدل من الشيء ليس يلزم أن يكون حكمه حكم المبدل منه ، وليس يريد أهل العربية بقولهم فى نحو هذا أن معنى البدل معنى المبدل منه.
    ألا تراهم يقولون : التنوين بدل من الألف واللام ومن الإضافة ، والتنوين إذا ثبت فى النكرات دلّت على الإشاعة والتنكير ، والألف واللام والإضافة ، وإذا دخلا شيئا (1) دلا على خلاف ذلك.
    وإنما يريدون بالبدل : أنه لا يجتمع مع ما هو بدل منه فى اللفظ
    __________________
    (1) كذا في الأصل.

    ألا ترى أن الهاء فى «زنادقة» عوض من الياء ، فى «زناديق» لمعاقبتهما ، وتنافى اجتماعهما ، ولم يلزم أن يكون ثبات الهاء لمنع الصرف ، كما يمتنع الصرف فى الاسم إذا ثبتت الياء.
    ويقولون : الميم فى «فم» بدل من الواو التي هى عين. ولم يلزم أن يمتنع تعاقب الحركات عليها بعد حذف اللام كما يمتنع تعاقبها على الواو.
    ويقولون : الألف فى «يمان» بدل من إحدى الياءين ، ولو نسبت إلى «قريش» (1) لحذفت ، وأثبت ياءين أخريين ، ولو أضفت إلى «يمان» لم تحذف الألف.
    ويقولون : التاء فى «أخت» بدل من الواو ، ولم يجب ألّا تدل على / التأنيث كما لو ثبتت الواو لم تدل على التأنيث ، وهذا يكثر إذا جمع ، فليس يريدون أن معنى البدل معنى المبدل منه قد يكون فى البدل معان لا تكون فى المبدل منه ، ويكون فى البدل معان لا تكون فى المبدل ، وإنما مرادهم بالبدل أنه لا يجتمع فى اللفظ مع ما هو بدل منه لا غير.
    وعلى هذا قياس قول سيبويه فى «نون التثنية» أنه بدل من الحركة والتنوين.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) (2) أي : قادرين على حيازة ثمار ذلك ، ويكون قادرين من باب : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) (3).
    __________________
    (1) الأصل : «قرشي».
    (2) القلم : 25.
    (3) المائدة : 95.

    وإن قدّرت «قادرين» : مقدرين عند أنفسهم رفع غلتهم وتحصيلها. وعلى هذا قراءة من قرأ : (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) (1)
    وقال فى موضع آخر : قادرين عليها ، أي : على جناها وثمارها عند أنفسهم ، فحذف الجار لتقدم ذكره فى الكلام ، كما حذفه عند الخليل من قوله :
    إنّ الكريم وأبيك يعتمل
    إن لم يجد يوما على من يتّكل (2)

    والمعنى عنده : على من يتكل عليه ، وكذلك الآية ، وهو وجه.
    ويبين أن «على» مرادة [بدليل] قوله فى [الآية] الأخرى : (وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) (3) أي : على ما أخرجت من ثمر وجنى.
    وقوله : (خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) (4) أي : قدّره على الاستواء ، فحذف الجار والمجرور ، لقوله (ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) (5) ، وقدره على هذه الصورة التي هو عليها.
    وقيل : أخرجه على التقدير.
    وقيل : جعله على مقدار تقتضيه الحكمة.
    وقيل : قدّره أحوالا : نطفة تارة ، وعلقة أخرى ، ثم مضغة ، إلى أن أتت عليه أحواله وهو فى رحم أمه.
    وقيل : وقوع التقدير هنا بين الخلق وتيسير السبيل.
    وتيسير السبيل ، يحتمل أن يكون بمعنى الإقدار ، لأن فعّل وأفعل أختان.
    __________________
    (1) المرسلات : 23.
    (2) الكتاب (1 : 443).
    (3) يونس : 24.
    (4) عبس : 19.
    (5) الكهف : 37.

    أي : خلقه من النطفة ثم قدّره ، أي : جعله قادرا على الطاعة والعصيان ، ثم سهل عليه السبيل ، بأن بيّنه لّه ، ودله عليه.
    ومن ذلك قوله تعالى : (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) (1) أي : كلما نضجت جلودهم منها ؛ فحذف الجار والمجرور من الصفة إلى الموصوف.
    ومثله : (جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) (2).
    قال أبو على : هذا الكلام صفة «للجنتين» المقدّم ذكرهما ، فإذا كان كذلك فالراجع فيه مقدّر محذوف.
    التقدير : قيل لهم : كلوا من رزق ربكم منهما ، والقول مراد فيه محذوف ، وهذا مما يدل على أن الحذف من الصفة كالحذف من الصلة.
    وفى الكتاب : يقول : إنه فى الصلة أكثر ، ألا ترى أنه قال : وإنما شبّهوه ـ يعنى حذف الهاء من الخبر ـ بقولهم : الذي رأيت فلان ، حيث لم يذكر الهاء.
    وهو فى هذا أحسن ، لأن «رأيت» تمام الاسم وبه يتم ، وليس بخبر ، ولا صفة ، فكرهوا طوله حيث كان بمنزلة اسم واحد ، كما كرهوا طول «اشهيباب» فقالوا : «اشهباب (3)» وهو فى الوصف أمثل منه فى الخبر.
    __________________
    (1) النساء : 56.
    (2) سبأ : 15.
    (3) الاشهباب والاشهيباب : البياض الذي غلب على السواد.

    وهو على ذلك ضعيف ، يعنى حذف الهاء ليس كحسنه فى الهاء التي فى الصلة ، لأنه فى موضع ما هو من الاسم وما يجرى عليه ، وليس منقطع منه خبرا منفيا ولا مبتدأ ، فضارع ما يكون تمام الاسم ، وإن لم يكن تماما له ولا منه فى النداء ، وذلك قولك : هذا رجل ضربته ، والناس رجلان رجل أهنته ورجل أكرمته.
    قلت : حذف الهاء فى الصلة مستحسن جدّا ، وهو فى التنزيل كثير كقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) (1) أي : هداهم الله.
    وقال : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) (2) أي : يدعونهم.
    وقال : (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ) (3) أي : اتخذوهم من دون الله ، وما أشبه ذلك.
    وفى الخبر قبيح جدا ، لم يأت إلا فى موضع واحد ، وذلك فى قراءة ابن عامر : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) (4) أي : وعده الله الحسنى.
    وحذفها من الصفة منزلة بين المنزلتين ، وفى الكتاب كما نقلته لك. وقد قدّمنا مجيئه فى آي شتى ، فوجب أن يكون حذفها من الصفة كحذفها من الصلة.
    فمن هاهنا تردّد كلامه فى قوله : (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) (5) فحمله مرّة على حذف «منها» ومرة على البدل.
    __________________
    (1) الأنعام : 90.
    (2) الرعد : 14.
    (3) الأحقاف : 28.
    (4) الحديد : 10 ، والنساء : 95.
    (5) ص : 50.

    وقد نقلت لك ما ذكر فى الكتاب.
    ومن ذلك قوله تعالى : / (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (1) يصاحبه حتى يهجم به على الجنة.
    ومن ذلك قوله تعالى : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) (2) أي : سنفرغ لكم مما وعدناكم أنا فاعلوه بكم من ثواب أو عقاب ، هذا قول أبى حاتم.
    قال أبو عثمان : فرغت إلى الشيء والشيء : عمدت له ..
    قال الشاعر :
    فرغت إلى العبد المقيّد فى الحجل (3)
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) (4) أي : إن توليتم عن كتابى ودينى.
    ومن ذلك قوله : (فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ) (5) أي : آتاهم ما تمنّوا.
    ومما حذف فيه الجار والمجرور : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (6) أي إن أحصرتم بمرض.
    ومنه قوله : (فَإِذا أَمِنْتُمْ) (7) أي : أمنتم من العدوّ ، فحذف ، ففى الثاني اتفاق ، وفى الأول خلاف.
    __________________
    (1) الشورى : 52.
    (2) الرحمن : 31.
    (3) عجز بيت لجرير ، وصدره :
    ولما اتقى الفين العراقي باسته
    (4) محمد : 22.
    (5) التوبة : 76.
    (6) البقرة : 196.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2892
    نقاط : 4517
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اعراب القرأن ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اعراب القرأن ج1   اعراب القرأن ج1 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 7:42 am

    ويقدر الشافعي : بأن أحصرتم بعدوّ ، فينشأ من هذا التقدير ، أن المريض له أن يتحلل بالدم.
    لأن التقدير عندنا : فإن أحصرتم بمرض ، وعنده لا يتحلل ، لأن التقدير عنده : فإن أحصرتم بعدو. وإنما يقدر هذا التقدير ، لأن الآية نزلت فى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه عام الحديبية ، وكان الإحصار بالعدو.
    ونحن نقول : إن الإحصار بالمرض دون العدو ، يقال : أحصره المرض ، وحصره العدو.
    ولهذا جعل محمد بن الحسن الإحصار بالمرض أصلا فى كتابه. والحصر بالعدو بناء عليه. والحصر بالعدو على تفسير اللغة دون بيان الحكم.
    فإن قيل : الفرّاء يخالف فى ذلك.
    قلنا : ما خالفهم فى حقيقة اللغة ، ولكن حمل الآية على المنع ، لأنها نزلت فى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (1) ، وكان ممنوعا بالعدو ، لا بالمرض.
    وهذا التأويل حجة ، كأن الله تعالى قال : فإن منعتم ، فتكون مطلقة سببا للتحلل بالهدى من غير اعتبار أسباب المنع.
    فإن قيل : كيف يستقيم الحمل على المرض ، والآية نزلت فى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه ، وكان المنع بالعدو؟
    __________________
    (1) تكملة يقتضيها السياق.

    قلنا : إن النصوص إذا وردت لأسباب لم تعلّق بها ، إلا أن يكون السبب منقولا معها ، كقول الراوي : منها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسجد. فأما إذا وردت / مطلقة عن الأسباب ، فيعمل بظاهرها ، ولا تحمل على السبب ، فبقى الإشكال فى أنهم كيف عرفوا التحلل؟
    فنقول : إن كان تأويل الإحصار المنع مطلقا من غير اعتبار سبب ، وإنما عرّفوا الإحلال بنصّ مطلق غير مقيد ، فإن كان التأويل هو المنع بالمرض فعرفوا الإحلال بمدلول النص ؛ فإن النص لما أباح الإحلال ، بمنع من جهة المرض ، فالمنع من جهة العدو أولى بالإباحة ، لأن منع العدو أشد ، فإنه حقيقى لا يدفع له إذا كانت القوة لهم ، ومنع المرض مما يزول بالدابة والمحمل ونحوه.
    وكذلك إباحة الإحلال لضرب من الارتفاق يحصل به ، وهذا الارتفاق فى العدو أكثر ، لأن جميع ما يستفيده المريض يستفيده الممنوع بالعدو وزيادة ، وهى النجاة من شرهم بالرجوع ، والمريض لا يستفيد هذا ؛ والبيان من جهة الشرع مرة يكون بالنص ومرة بدلالته.
    فإن قيل : فإذا حملناه على المرض فإن الله تعالى قال : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (1) ، ولا تبتدر الأوهام إلى العدو.
    __________________
    (1) البقرة : 196.

    قلنا : لا كذلك ، فإن الإحصار فى اللغة ليس بعبارة عن المرض فحسب ، بل عن منع يكون بالمرض ، فيكون المنع علة ، والمرض سببا ، ويصير كأن الله تعالى قال : فإن منعتم بمرض فما استيسر. فدل على المنع بالعدو من طريق الأولى ، لأن المنع موجود نصا فى الحالين ، وبالعدو أشد ، والارتفاق بالإحلال فيه أكثر ، فجرى مجرى الشتم من التأفيف فى تحريمه.
    فإن قيل : إن الله تعالى نسق به : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ) (1) ، ولو كان أحصرتم عبارة عن المرض ، لم يستقم نسق المرض به ثانيا ، لأنه تكرار ، لأن المعطوف أبدا يكون غير المعطوف عليه.
    قلنا : قد ذكرنا أن الإحصار ليس بالمرض بعينه ، لكن منع بسبب المرض ، فيستفاد به التحلّل بالدم ، ولا يباح به الحلق ، إذا لم يتأذّ به رأسه ، وبمرض يتأذّى به رأسه يباح الحلق ، أو بنفس الأذى ، وإن لم يمنعه عن الذهاب فلا يباح به التحلل ، فكانا / غيرين ، وتكون العبارة عنهما على أن عطف الخاص جائز على العام ، كعطف جبريل وميكائيل وغير ذلك.
    فإن قيل : كيف يستقيم هذا والله يقول فى آخر الآية : (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) (2) يعنى : زال عنكم السبب المانع ، ولو كان السبب
    __________________
    (1) البقرة : 196.

    المانع مرضا ، لكان من حق الكلام : فإذا شفيتم ؛ فلما قال : (أَمِنْتُمْ) علم أن المانع كان خوف العدو.
    قلنا : يقال فى اللغة : أمن الرجل ، إذا شفى ، وإنما يعنى به : إذا زال عنه خوف عدو أو سبع.
    قلنا : روى فى التفسير ، فإذا أمنتم من الوجع ، ويقال : مرض مخوف ، ومرض يؤمن معه ، فلا كلام على هذا. على أنه نبّه فى الأول على المرض ، فدخل تحته العدو على طريق الأولى. ثم عاد إلى الطرف الآخر فى آخر الآية ، وهذه سنة معتادة فى التنزيل ، إذا اجتمع شيئان يذكر طرفا من كل واحد من الشيئين.
    ألا ترى أنه ذكر الركعتين مع الإمام فى صلاة الخوف عن طائفتين ، وذكر مثل العدو فى قوله : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) (1) مثل الداعي فى الطرف الآخر فى قوله : (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) (2) فكذا هاهنا ذكر المرض أولا ، فدخل تحته العدو ، ثم ذكر الأمن من العدو ، فلم يكّر على الأول بالنقض والإبطال.
    ومن ذلك قوله تعالى : (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) (3). أي : يهديهم إلى طريق الجنة. وقال : (فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ) (4). أي : لا يهدى إلى طريق الجنة.
    __________________
    (1) البقرة : 171.
    (2) محمد : 5.
    (3) النحل : 37.

    وقال : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) (1) ، أي : من يهد الله إلى الحق.
    وأما قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) (2). فإنه يكون مثل قوله : (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) (3) بدلالة اتصال الحال به ، وهو قوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (4).
    ويكون الظرف على هذا متعلقا ب «يهديهم» ، أعنى : بإيمانهم ، ويجوز أن يكون يهديهم فى دينهم ، كقوله : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) (5).
    فأما قوله : (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً) (6). فقوله : (صِراطاً مُسْتَقِيماً) (7) على فعل دل عليه «يهديهم» ، كأنه : يعرفهم صراطا مستقيما ، ويدلهم عليه.
    وإن شئت قلت : إن معنى يهديهم إليه : يهديهم إلى صراطه. / فيكون انتصاب «صراط» كقوله : مررت بزيد رجلا صالحا.
    ومن ذلك قوله تعالى : (يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ) (Cool أي : تفادوهم بالمال. وكذلك من قرأ : تفدوهم ، أي : تفدوهم بالمال.
    __________________
    (1) الكهف : 17.
    (2) يونس : 9.
    (3) محمد : 5.
    (4) محمد : 17.
    (5) النساء : 175.
    (6) البقرة : 85.

    ومن ذلك ما قال الفرّاء فى قوله تعالى : (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) (1) إن التقدير : وهى لهم خالصة ، فحذف «لهم» ، غير جائز ، لأن الظرف يشبه الفعل ، وليس بفعل محض ، فلا يعمل وهذا مضمرا ، كما لا تعمل «ليت» مضمرا ، ولهذا امتنع :
    [إذ هم قريش] وإذ ما مثلهم بشر
    من إعمال الظرف فى مثل هذا.
    وقد قال فى قوله : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) (2) إلى قوله : (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ) (3) إن العامل فى الحال ما فى اللام من قوله : (وَلِمَنْ) (4) ولا كلام فى هذا. ثم قال : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) (5) إلى قوله «متّكئين» ، والتقدير : ولهم من دونهما جنتان ، فأعمل الظرف مضمرا فى «متكئين».
    ومن ذلك قوله تعالى : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) (6) أي : نسارع لهم به ، فحذف «به» ، ولا بد من تقديره ليعود إلى اسم «إن» عائد من خبره.
    __________________
    (1) الأعراف : 32.
    (2) الرحمن : 46.
    (3) الرحمن : 54.
    (4) الرحمن : 46.
    (5) الرحمن : 62.
    (6) المؤمنون : 55 ، 56.

    ومن ذلك قوله تعالى : (لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) (1) أي : لا ثبات لكم فى القتال ، بالفتح ، أو لا ثبات (2) لكم فى المكان ، بالضم ، ويكون الإقامة ، وبالفتح المنزل. فإن حملت (لا مُقامَ لَكُمْ) على القتال ، يكون : فارجعوا إلى طلب الأمان ؛ عن الكلبي. وقيل : لا مقام لكم على دين محمد عليه‌السلام ، فارجعوا إلى دين مشركى قريش ؛ عن الحسن.
    وقيل لا مقام لكم فى مكانكم ، فارجعوا إلى مساكنكم.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (3) «ما» بمعنى الذي ، والعائد من الخبر إليه محذوف ، أي : أجورهن له.
    ويجوز أن يكون «ما» بمعنى «من» ، ويكون «به» على اللفظ ، و «آتوهنّ» على المعنى ، ولا يكون مصدرا بعود الضمير إليه.
    ومن ذلك قوله : (باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ) (4) أي : باسطوا أيديهم بالعذاب ، فحذف لقوله : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) (5).
    وفى الكتاب : بسط عليه مرتين ، يريد : بسط عليها العذاب مرتين. فليس إضمار العذاب هنا على حد إضماره فى الآية. لكنه على أحد أمرين :
    __________________
    (1) الأحزاب : 13.
    (2) في الأصل : «الإثبات».
    (3) النساء : 24.
    (4) الأنعام : 93.

    إما أن يكون / جرى ذكر العذاب فأضمر لجرى ذكره ، وإما أن يكون دلالة حال كقوله : إذا كان غدا فائتنى.
    ومن ذلك قوله تعالى : (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) (1). أي : للأوابين منكم ، أو لأن الأوابين هم الصالحون. كقوله : (أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (2) بعد قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا) (3).
    ومنه قوله : (لا عِوَجَ لَهُ) (4) ، أي : لا عوج له منهم.
    ومن ذلك قوله : (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) (5) أي : لنحمل خطاياكم عنكم.
    ومنه قوله : (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (6) ، أي : فى الدعاء.
    ومن ذلك قوله : (سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ) (7) أي : ومعارج من فضة ، وأبوابا من فضة ، وسررا من فضة و «زخرفا» محمول على موضع قوله : «من فضة».
    ومنه قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) (Cool أي : يشترون الضلالة بالهدى.
    وقال : (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) (9) أي : مسئولا عنه.
    __________________
    (1) الإسراء : 25.
    (2) الكهف : 30.
    (3) طه : 108.
    (4) العنكبوت : 12.
    (5) الكهف : 28.
    (6) الزخرف : 33.
    (7) النساء : 44.
    (Cool الإسراء : 34.

    وقال : (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ) (1) أي : لا عوج لهم عنه.
    وقوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ) (2) أي : ليعلم أن العزة لمن هى.
    وقال الله تعالى : (ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) (3) أي : عن الدنيا ، لأنهم قالوا : (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) (4).
    وقال : (قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) (5) أي : لذكر الله.
    وقوله : (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (6) أي : لهم ، على قول أبى الحسن.
    وقال : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) (7) أي : قالوا لهم.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ) (Cool أي : صدها عبادة غير الله عن عبادة الله ، فحذف الجار والمجرور ، وهو المفعول ، و «ما» فاعلة.
    وقيل : صدها «سليمان» عما كانت تعبد ، فحذف «عن».
    وقيل : التقدير : صدها الله عما كانت تعبد بتوفيقها.
    __________________
    (1) طه : 108.
    (2) فاطر : 10.
    (3) إبراهيم : 44.
    (4) الجاثية : 24.
    (5) النحل : 22.
    (6) البقرة : 192.
    (7) النساء : 97.
    (Cool النمل : 43.

    وقيل : الواو فى قوله «وصدها» واو الحال ، والتقدير : تهتدى أم تكون على ضلالتها ، وقد صدها ما كانت تعبد من دون الله.
    ومثله قوله : (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) (1) أي : للأوابين منكم.
    وقيل : بل الأوابون هم الصالحون ، فوضع الظاهر موضع المضمر ، كقوله : (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ) (2). على قول الأخفش ، أي : مصدق له / فوضع الظاهر موضع المضمر ، كقوله : (مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ) فحذف الجار والمجرور. كقوله : (نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) (3) أي : نسارع لهم به.
    ومن ذلك قوله : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً) (4) عن الأمة (فَآوى) أي : فآواك إلى أبى بكر. وقيل : إلى خديجة. وقيل : إلى أبى طالب. وقيل : بل آواه إلى كنف ظله ، وربّاه بلطف رعايته. ويقال : فآواك إلى بساط القربة ، بحيث انفردت بمقامك فلم يشاركك فيه أحد.
    (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) عن الاستثناء حين سئلت ، فلم تقل إن شاء الله [فهدى) أي] (5) : فهداك لذلك ، ويقال : فى محبتنا ، فهديناك بنور القربة إلينا. ويقال : ضالا عن محبتى فعرّفتك أنى أحبك. ويقال : جاهلا بمحلّ شرفك ، فعرّفتك قدرك. ويقال : مستترا فى أهل مكة لم يعرفك أحد ، فهداهم إليك ، حتى عرفوك.
    __________________
    (1) الإسراء : 25.
    (2) آل عمران : 81.
    (3) المؤمنون : 56.
    (4) الضحى : 6.
    (5) تكملة يقتضيها السياق.

    (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (Cool) أي : أغناك عن الإرادة والطلب ، بأن أرضاك بالفقر. ويقال : أغناك عن السؤال ، فيما أعطاك ابتداء بلا سؤال منك. ويقال : أغناك بالنبوة والكتاب.
    ومن ذلك حكاية عن إبليس اللعين : (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) (1). قال قوم منهم الفراء : إنى كفرت بالله ، وجعل «ما» فى مذهب ما يؤدى عن الاسم ، ويعنى من قوله : «من قبل» فى وقت آدم حين أبى السجود واستكبر.
    وقال قوم التقدير : إنى كفرت اليوم بما كنتم تعبدونه لى فى الدنيا ، فحذفوا الظرف دون الجار.
    وقال أبو على : تقدير «من قبل» أن يكون متعلقا ب «كفرت». المعنى : إنى كفرت من قبل بما أشركتمونى.
    ألا ترى أن كفره قبل كفرهم ، وإشراكهم إياه فيه بعد ذلك.
    فإذا كان كذلك علمت أن «من قبل» لا يصح أن يكون من صلة «أشركتمون».
    وإذا لم يصح ذلك فيه ، ثبت أنه من صلة «كفرت».
    فأما «ما» فيحتمل وجهين :
    يجوز أن يكون المصدر ، فإذا كان إيّاه لم يحتج إلى عائد ، وكان التقدير : بإشراككم إياى فيه.
    __________________
    (1) إبراهيم : 22.

    وإن جعلتها موصولة ، كان التقدير : بإشراككم إياى فيه ، فحذف «فيه». على قياس ما قاله فى قوله : (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) (1) وأوصل 7 ليه الفعل / ثم حذف الضمير.
    والمعنى ، إنى كفرت من قبل بما أشركتمونى فيه من بعد ، ويقدر «أشركتمون» جعلتمونى شريكا فى كفركم.
    ومما حذف منه الجار والمجرور : قول العرب «الحملان حمل ودرهم».
    فالحملان يرفع بالابتداء. و «حمل» ابتداء ثان. و «درهم» فى موضع الجر. والمعنى الحملان حمل منهما بدرهم. فقولك «منهما» مقدر فى الكلام ، وبتقديره يستقيم ، ولو قلت : حمل ودرهم رخيص. ويكون ب «درهم» يتعلق ب «رخيص» ـ جاز.
    ومما حذف منه الجار والمجرور قوله : (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) (2). أي : على إيمانهم أجرا ، أي : ما دعوا إليه من الإيمان.
    والإيمان المقدر المحذوف على ضربين :
    أحدهما أن يكون إيمان من آمن ، ويجوز أن يكون إيمانا نسب إلى من يؤمن.
    وجاز ذلك فيه للالتباس الذي لهم به فى دعائهم إليه ، كما قال : (وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) (3). والتقدير : الذي شرع لهم ودعوا إليه.
    __________________
    (1) البقرة : 48.
    (2) الشعراء : 109.
    (3) الأنعام : 137.

    ومن ذلك قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً) (1) أي : نورا فى القيامة. (فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (2) أي : فى الخلق.
    ومنه قوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) (3). أي : دليلا على الظل ، إذ لولاه لم تعرف ، وبضدها تتبين الأشياء ، عن ابن سحبر [ة] ، وقيل : تاليا على الظل حتى يأتى عليه كله. عن قتادة.
    وقيل : دليلا على قدرة الله ، (ثُمَّ قَبَضْناهُ) (4) يعنى : الظل ، أي : بطلوع الشمس ، وقيل : بغروبها ، (يَسِيراً) (5) أي : سريعا ، وقيل : هو فعيل بمعنى مفعولة. أي : جعلنا الشمس مدلولة على الظل ، أي : دللناها عليه حتى أذهبته وحكت له (6).
    وأما قوله : (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) (7). فقيل : هو من هذا الباب. والذين آمنوا هم الفاعلون. والتقدير : ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات لربهم ، كالآية الأخرى : (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ) (Cool وقيل : بل الذين آمنوا نصب مفعول به على تقدير : ويستجيب الله للذين آمنوا ، فحذف اللام.
    وأما قوله : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ
    __________________
    (1) النور : 40.
    (2) الفرقان : 45.
    (3) الفرقان : 46.
    (4) كذا.
    (5) الشورى : 26.
    (6) الشورى : 38.

    مِنَّا) (1). أي : نجيّناهم من الإهلاك (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) (2) فحذف الجار / والمجرور. ولا يكون (وَنَجَّيْناهُمْ) مكررا. لمكان الواو.
    ومن ذلك قوله تعالى : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) (3) أي : الدنيا من المدينة. (وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) (4) أي : من المدينة.
    وقال : (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) (5) أي فى أدنى الأرض منهم.
    وعند الكوفيين : قام اللّام مقام الضمير ، كقوله : (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) (6).
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها) (7). أي : أمرنا مترفيها بالطاعة ، ففسقوا فيها ، فحذف «بالطاعة».
    وفسّره قوم فقالوا : أمرنا ، أي كثّرنا ، قالوا : ويقال : أمرت القوم وآمرت وأمّرت ، إذا كثّرتهم.
    وفى الحديث : خير المال سكّة مأبورة ، أو مهرة مأمورة ؛ أي : كثيرة النتاج ، «فمأمورة» من «أمرت».
    وزعم أبو عبيدة عن يونس عن أبى عمرو أنه قال : لا يقال أمرت ، أي كثرت ؛ وإنما فسر «أمر» ، أي : أمرناهم بالطاعة.
    __________________
    (1) هود : 58 ـ 65.
    (2) الأنفال : 42.
    (3) الروم : 3.
    (4) النازعات : 41.
    (5) الإسراء : 16.

    وزعم ثعلب : أمر القوم ، إذا كثروا ؛ أمر علينا فلان ، إذا ولى. وكأنه اقتدى بأبى عمرو ، ولم ير «أمرت» أي : كثرت ، صحيحا ولم ير حجه فى قوله : مهرة مأمورة ؛ لأنه يكون من باب قوله : (حِجاباً مَسْتُوراً) (1). أي : ذا ستر ؛ ويكون بمعنى : ساتر ؛ فكذا «مأمورة» أي : ذات كثرة ؛ أو بمعنى أمر.
    وزعم أبو عليّ : أن أمر وأمرته ، من باب رجع ورجعته ، ووقف ووقفته.
    ومن ذلك قوله تعالى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (2)
    قال أبو على : يجوز أن يكون «ما» بمعنى «الذي» ولا يكون «استمتعتم» فى موضع جزم بالجزاء ، وقد عاد الذكر فى «به» إليه ، ويكون العائد إليه من الخبر محذوفا ، كأنه : فآتوهن أجورهن له : أي : لما استمتعتم به.
    ولا يجوز أن تكون «ما» مصدرا لعود الذكر إليها من قوله ؛ ولا يستقيم فى المعنى أيضا ، لأن الأجور المهور فلا تؤتاه المرأة إلا مرة.
    ولا يجوز أيضا أن تكون «ما» كالتى فى قوله :
    فما تك يا ابن عبد الله فينا
    __________________
    (1) الإسراء : 45.
    (2) النساء : 24.

    هذا المعنى أيضا ويجوز (1).
    أن تكون «ما» بمنزلة «من» ، فإذا كان كذلك لم يلزم أن يضمر شيئا يعود على المبتدأ ؛ لأن قوله : / «فآتوهنّ» يرجع إلى «ما» على المعنى ، لأن التقدير ب «ما» يجوز أن يكون جمعا ، قد قال هذا (2).
    فقال فى قوله : (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ) (3) فكلاهما فى موضع رفع فيمن قال : زيد ضربته ، ومن قال : زيدا ضربته ، وزيدا مررت به ؛ كان عنده فى موضع نصب.
    وكلام سيبويه فى هذا : ويرفع الجواب حين يذهب الجزم قولهم : أيهم يأتك تضرب ، إذا جزمت ؛ لأنك جئت «بتضرب» مجزوما بعد أن عمل فى أيهم ، ولا سبيل له عليه ، وكذلك هذا حيث جئت بجوابه مجزوما بعد أن عمل فيه الابتداء.
    قلت : الصحيح ما ذكر فى قوله : (مَهْما تَأْتِنا بِهِ) (4) ومنعه فى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ) (5) من أن يكون شرطا ، محتجا بما يعود إليه من «به» شبهة وقعت له من قول سيبويه : أيهم يأتك تضرب ، إذا جزمت «تضرب» على الجواب لم يعمل فى «أيهم».
    __________________
    (1) في الأصل : «ويجوز أن تكون».
    (2) يشير إلى أن هذا من كلام أبي علي الفارسي.
    (3) الأعراف : 132.
    (4) النساء : 24.

    فأما : أيهم تضرب يأتك ؛ فإنك تنصبه «بتضرب» ولو أدخلت الهاء فقلت : أيهم تضربه يأتك ، جاز رفعه ، وإن كان الاختيار النصب.
    ومثل الآية قول المتنخّل الهذلي :
    إذا سدته سدت مطواعة
    ومهما وكلت إليه كفاه (1)

    فالهاء فى «كفاه» عائدة إلى «مهما» ، كما يعود إلى «ما» ولا يكون بمثل هذا العائد فى : أين ومتى ، لا تقل : أين تكن أكن فيه ، ولا : متى تأتنى آتك فيه ، لأن «أين» و «متى» لا يبتدآن ، فهما منصوبان على الظرف فلا يشتغل الفعل عنهما ، و «ما» قد تكون مبتدأة.
    ثم اعلم بعد : أنى لا أختار فى «ما» من قوله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ) (2) أن يكون بمعنى «الذي» ، لأنه يحتاج إلى ما يعود إليه من الخبر ، على حد ما قال من قوله : (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) له ؛ إذ لا يكاد يفيد معنى. ولكن ما يكون شرطا ؛ إما منصوبا بفعل مضمر يفسره : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ) (3) ، أو يكون مبتدأ ، وما بعده خبره.
    ولا أختار أن يكون بمعنى «من» لقلة ذلك ، وكلام الله لا يحمل على القليل.
    ووجدت فى موضع آخر قال : لا يجوز أن تكون «ما» مصدرا على حدّ قوله : (بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (4) أي : بتكذيبهم ؛ لأن الذكر قد عاد
    __________________
    (1) اللسان (طوع).
    (2) النساء : 24.
    (3) البقرة : 10.

    إليه / من الصلة فى قوله (1) به ، فإذا كان كذلك كان بمعنى الذي ، ودخلت الفاء على حد دخولها فى قوله : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) (2) ، وقوله : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) (3).
    وإذا حملته على هذا وجب أن يعود مما بعد الفاء ذكر يعود إلى المبتدأ : فآتوهن أجورهن له أو من أجله ، أي : من أجل ما استمتعتم به ؛ لا يكون إلا كذلك.
    فإن قلت : لا يجوز أن تكون «ما» للجزاء ، فإنه يجوز أن يكون له ، ويكون موضع «استمتعتم» جزما والفعل ، وما بعد «ما» فى موضع الجزم ، ويكون اسما للوقت وقد قال :
    فما تك يا ابن عبد الله فينا
    وموضع «ما» رفع لاشتغال الفعل بالجار.
    ومن قال : زيدا مررت به ، كانت عنده فى موضع نصب ، ورجوع الذكر من الشرط لا يمنع أن يكون الاسم الذي قبله للمجازاة.
    __________________
    (1) في الأصل : «قوله في به».
    (2) النحل : 53.
    (3) البقرة : 274.

    ألا ترى أنك لو قلت : ما يحملك تركبه ؛ لم يمتنع أن يكون جزاء. وكذلك لو قلت : ما يحملك ينفعك. وقد جاءت «ما» فى مواضع للجزاء يراد به الزمان. وكذلك فى الآية : إن استمتعتم وقتا منهن به.
    وينبغى فى قياس قول أبى الحسن أن يكون فى الشرط ذكر يعود إلى ما يعود من الخبر على الجمل.
    على هذا حمل هذا النحو فى مسائل الكثير ، وهذا حكوا عنه فى الكتاب.

    السادس عشر
    هذا باب ما جاء في التنزيل وقد حذف منه همزة الاستفهام هذا باب ما جاء فى التنزيل وقد حذف منه همزة الاستفهام وحذف الهمزة فى الكلام حسن جائز ، إذا كان هناك ما يدل عليه.
    فمن ذلك قوله تعالى فى قراءة الزهري : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) (1) والتقدير : أسواء عليهم الإنذار وترك الإنذار ، فحذف الهمزة.
    ومثله قراءة ابن أبى عبلة فى قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) (2) بالرفع على معنى : أقتال فيه؟
    وقيل فى قوله تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) (3) فحذف الهمزة وقال الأخفش فى قوله تعالى : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ) (4) التقدير : أو تلك نعمة؟ فحذف الهمزة.
    ومثله : (قالَ هذا رَبِّي) (5). أي أهذا ربى؟ فحذف الهمزة ، فكذلك فى أختيها.
    / وقيل فى قوله تعالى : (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) (6) : أتلقون إليهم بالمودة؟ فحذف الهمزة.
    __________________
    (1) البقرة : 6.
    (2) البقرة : 217.
    (3) الأنبياء : 87.
    (4) الشعراء : 22.
    (5) الأنعام : 76 و 77 و 78.
    (6) الممتحنة : 1.

    وقيل فى قوله تعالى : (أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) (1). تقديره : أإنّكم؟ لأنه فى الظاهر يؤدى إلى الكذب. وقيل : أراد سرقتم يوسف من أبيه ؛ لا أنهم سرقوا الصاع.
    وهذا سهو ، لأن إخوة يوسف لم يسرقوا يوسف ، وإنما خانوا أباهم فيه وظلموه.
    وقيل : قالوه على غلبة الظن ، ولم يتعمدوا الكذب ، ويوسف لا علم له ، فيكون التقدير : إنكم لسارقون فى غلبة ظنوننا.
    وقال ميمون بن مهران : ربما كان الكذب أفضل من الصدق فى بعض المواطن ، وهو إذا دعا إلى صلاح لإفساد وجلب منفعة.
    __________________
    (1) يوسف : 70.

    السابع عشر
    هذا باب ما جاء في التنزيل من اجتماع الهمزتين
    وذلك يكون على وجوه فى الكلام ، وينبغى أن نعلمك أصلا قبل ذلك ، فإن اجتماعهما يبتنى على ذلك الأصل ، وهو : أن تعرف أن الهمزة المتحركة وقبلها ألف متحرك تكون على تسعة أوجه (1) :
    أحدها : أن تكون مفتوحة مضموما ما قبلها ، نحو : «جؤن».
    والثاني : أن تكون مفتوحه مكسورا ما قبلها ، نحو : مئر : بوزن «معر» ، وهذه ليس فيها إلا أن تقلب واوا فى حال الضم ، وياء فى حال الكسر ، نحو «جون» و «مير» بواو وياء خالصين ، ولا يجوز فيهما بين بين. وذلك أن الهمزة المفتوحة ، إذا جعلتها بين بين قرّبتها من الألف ، والألف لا تقع بعد الضمة والكسرة بوجه ما ، وهو مما تشهد الضرورة به ، فكذلك لا يقع ما بعدهما ما يقارب الألف ، كما أن الألف لما لم يمكن الابتداء به لم يكن جعل الهمزتين بين بين فى الابتداء ، وإذا امتنع كونها بين بين ، فليس إلا القلب.
    والضرب الثالث : أن تكون الهمزة مفتوحة مفتوحا ما قبلها ، فهذه تخفيفها أن تجعل بين بين ، نحو : «سال» و «قرا زيد» وذلك أن الألف من شأنها أن تقع بعد الفتحة ، وكذلك يقع المقرّب منها بعدها ، وقد عرّفتك أن هذا التخفيف مما ينكشف سره بالمشافهة.
    __________________
    (1) الأصل : «سبعة» وقد ساقها المؤلف تسعة.

    والضرب الرابع : أن تكون الهمزة مكسورة مفتوحا ما قبلها / نحو : «سم». فهذه تجعل بين بين ، فأنت لأجل أنها مكسورة تقرّبها بالتخفيف من الياء الساكنة ، والياء الساكنة تسلم بعد الفتحة ، فما ظنك بالمقارب لها.
    والضرب الخامس : أن تكون الهمزة مضمومة مفتوحا ما قبلها نحو : «لؤم» ، فهذه أيضا تجعل بين بين ، لأجل أنك تقرّبها من الواو الساكنة ، والواو الساكنة تقرّ بعد الفتحة ، فكذلك ما يقاربها.
    والضرب السادس : أن تكون الهمزة مضمومة قبلها ضمة نحو : «هذا عبد أختك» و «شقّ أبلم».
    فهذه أحرى بأن تجعل بين بين ، لأجل أنك تقرّبها من الواو الساكنة ، وشأنها أن تقع بعد الضمة ، فكذا ما يقرب منها.
    والضرب السابع : أن تكون الهمزة مكسورة مكسورا ما قبلها ، نحو : «من عند إبلك». تجعلها بين بين ، لأجل أنك تقرّبها من الياء الساكنة ، وحقّها أن تقع بعد الكسرة ، وكذلك القريب منها.
    والضرب الثامن : أن تكون الهمزة مضمومة مكسورا ما قبلها ، نحو : «هذا قارئ يافتى» مثل «قارع يافتى».
    وهذا فيه خلاف ، فمذهب الخليل وصاحب الكتاب جعلها بين بين ، ومذهب أبى الحسن القلب إلى الياء.
    والتاسع : أن تكون مكسورة قبلها ضمة ، نحو : «سئل» وهذه مثل الثامن فى القلب ، إلا أن أبا الحسن يقلبه واوا للضمة قبلها ، كما يقلبها ياء للكسرة قبلها فى قارئ.

    فأما ما حكاه محمد بن السرى فى كتابه فى القراءات عن أبى الحسن من أنه قال : من زعم أن الهمزة المضمومة لا تمنع الكسرة إذا خففت دخل عليه أن يقول : «هذا قارئ» و «هؤلاء قارئون» و «يستهزئون».
    قال ، يعنى أبا الحسن ، وليس هذا من كلام من خفّف من العرب ، إنما يقولون يستهزئون فخطأ فى النقل ، ألا تراه يلزم الخليل وسيبويه أن يقولا هذا فى المتصل؟
    قالا ذلك فى المنفصل ، نحو : «من عند أخيك» ، ونسمعهما يقولان (1) : إنه قول العرب ، هذا مما لا يظنّ.
    وأبو الحسن قد فصل بين المتصل والمنفصل فى : ... (2) وغلام ، نحو : إبلك ، فقلب المتصل واوا والمنفصل ياء.
    هذا الذي / حكاه عنه غلط فى النقل ، وإنما دخل عليه أن يقول : «هذا قارو» بالواو ، كما حكيناه.
    فكذلك رواه أبو عبد الله اليزيدي عنه ، ثم حكاه عن أبى الحسن من قولهم : إنما يقولون يستهزيون على ماذا يحمله ، على التحقيق أم على فصلها بين بين؟.
    فإن حمله على التحقيق لم يجز ، على [أن] (3) الكلام ليس فيه ، إنما الكلام على التخفيف أم على جعلها بين بين.
    فإن حمله على أنه جعلها بين بين ، فقد أثبت إذن ما أنكره ، وما لم يقله أحد من أهل التخفيف عنه ، وهذا خطأ عليه فاحش فى النقل.
    __________________
    (1) تكملة يقتضيها السياق.
    (2) بياض بالأصل.

    وأما ما ذكره محمد بن يزيد فى هذه المسألة فى كتابه المترجم بالشرح من قوله : والأخفش لا يقول إلا كما يقول النحويون : «هذا عند ئبلك». ولكن يخالف فى «يستهزئون».
    فهذا الإطلاق يوهم أنه لا يفصل بين المتصل والمنفصل ، وقد فصل أبو الحسن بين «أكمؤك» و «عند نحو بك» (1).
    فينبغى إذا كان كذلك ألا نرسل الحكاية عنه ، حتى يعتد ويفصل بين المتصل والمنفصل كما فصل هو.
    وأما الهمزة المفتوحة التي بعدها همزة مضمومة من كلمة واحدة ، فقد جاء فى التنزيل فى أربعة مواضع :
    فى آل عمران : (أَأُنَبِّئُكُمْ) (2).
    وفى ص : (أَأُنْزِلَ) (3).
    وفى القمر : (أَأُلْقِيَ) (4).
    والرابع فى الزخرف : (أَشَهِدُوا) (5).
    والهمزة المفتوحة التي بعدها مكسورة من كلمة :
    أولها فى الأنعام : (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ) (6).
    والثانية فى النمل : (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ) (7).
    والثالثة فى الشعراء : (أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً) (Cool.
    والرابعة فى التوبة : (أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) (9).
    __________________
    (1) كذا في الأصل وانظر : الكتاب (2 : 163 ـ 171).
    (2) آل عمران : 45.
    (3) ص : 8.
    (4) القمر : 25.
    (5) الزخرف : 19.
    (6) الأنعام : 19.
    (7) النمل : 55.
    (Cool الشعراء : 41.
    (9) التوبة : 12.

    والخامسة فى يوسف : (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) (1).
    والسادسة فى مريم : (أَإِذا ما مِتُّ) (2).
    والسابعة فى الشعراء : (أَإِنَّ لَنا) (3).
    والثامنة والتاسعة فى القصص : (أَئِمَّةً) (4) فيهما.
    والعاشرة فى السجدة : (أَئِمَّةً) (5).
    والحادي عشر فى يس : (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) (6).
    والثاني عشر فى الصافات : (أَإِنَّا لَتارِكُوا) (7).
    والثالث عشر فيها : (أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) (Cool.
    والرابع عشر فيها : (أَإِفْكاً آلِهَةً) (9).
    والخامس عشر فى السجدة : (أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ) (10).
    والسادس عشر : فى الواقعة : (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) (11).
    والسابع عشر فى النمل : (أَإِنَّكُمْ) (12).
    والثامن عشر فى ق (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا) (13).
    __________________
    (1) يوسف : 90.
    (2) مريم : 66.
    (3) الشعراء : 41.
    (4) القصص : 5 و 41.
    (5) السجدة : 24.
    (6) يس : 19.
    (7) الصافات : 36.
    (Cool الصافات : 52.
    (9) الصافات : 86.
    (10) فصلت : 9.
    (11) الواقعة : 66.
    (12) النمل : 55.
    (13) ق : 3.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2892
    نقاط : 4517
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اعراب القرأن ج1 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اعراب القرأن ج1   اعراب القرأن ج1 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 7:43 am

    والتاسع عشر فى الأنبياء : (أَئِمَّةً) (1).
    وخمسة فى النمل : (أَإِلهٌ) (2).
    / فذلك أربعة وعشرون.
    فهذه همزتان اجتمعتا مفتوح بعدها مكسور ، وفى مدها وتليين الثانية اختلاف ؛ إلا التي فى الشعراء ، فإنه لم يقرأ هناك على الخبر أحد ، كما قرأ فى الأعراف ، وقد يرد غير ذلك مع استفهام بعده :
    فأولها فى سورة الرعد : (أَإِذا ـ أَإِنَّا) (3).
    وفى بنى إسرائيل : اثنان (4).
    وفى المؤمنين : واحد (5).
    وفى السجدة : واحد (6).
    وفى النمل : (أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ) (7).
    وفى العنكبوت : (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ... أَإِنَّكُمْ) (Cool.
    وفى الصافات : موضعان (9).
    وفى الواقعة (10) : وفى سورة النازعات (11).
    فهذه أحد عشر موضعا واثنتان وعشرون كلمة.
    وأما المفتوحتان : ففى إحدى وثلاثين موضعا أولها :
    فى البقرة : (أَأَنْذَرْتَهُمْ) (12).
    وفيها : (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ) (13).
    وقوله : (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) وقد تكرر في الآية 49 والآية 98.
    __________________
    (1) الأنبياء : 73.
    (2) النمل : 60 ـ 64.
    (3) الرعد : 5.
    (4) هما قوله تعالى : (إِذا كُنَّا عِظاماً)
    (5) في المؤمنين اثنان لا واحدا وهما (أَإِذا مِتْنا) (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ).
    (6) في السجدة اثنان لا واحدا وهما (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ).
    (7) النمل : 67.
    (Cool العنكبوت : 28 و 29.
    (9) في الصافات خمسة مواضع ، الأول والثاني (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) الثالث والرابع (إِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) الخامس (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ).
    (10) هما (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ).
    (11) هما (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ) و (أَإِذا كُنَّا عِظاماً).
    (12) البقرة : 6.
    (13) البقرة : 140.

    والثالثة فى آل عمران : (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ) (1) فى قراءة ابن كثير.
    والرابعة فيها : (أَأَسْلَمْتُمْ) (2).
    والخامسة فيها : (أَأَقْرَرْتُمْ) (3).
    السادسة فى المائدة : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) (4).
    السابعة ، والثامنة ، والتاسعة : (آمَنْتُمْ) (5) فى الأعراف وطه والشعراء.
    والعاشرة فى هود : (أَأَلِدُ) (6).
    الحادي عشر فى يوسف : (أَأَرْبابٌ) (7).
    الثاني عشر فى سبحان : (أَأَسْجُدُ) (Cool.
    الثالث عشر فى الأنبياء : (أَأَنْتَ فَعَلْتَ) (9).
    الرابع عشر فى الفرقان : (أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي) (10).
    والخامس عشر فى النمل (أَأَشْكُرُ) (11).
    السادس عشر فى يس : (أَأَنْذَرْتَهُمْ) (12).
    السابع عشر فيها : (أَأَتَّخِذُ) (13).
    __________________
    (1) آل عمران : 73.
    (2) آل عمران : 20.
    (3) آل عمران : 81.
    (4) المائدة : 116.
    (5) الأعراف : 23 ـ وطه : 71 ـ الشعراء : 49.
    (6) هود : 72.
    (7) يوسف : 39.
    (Cool الإسراء : 61.
    (9) الأنبياء : 62.
    (10) الفرقان : 17.
    (11) النمل : 40.
    (12) يس : 10.
    (13) يس : 23.

    الثامن عشر فى السجدة : (ءَ أَعْجَمِيٌّ) (1).
    التاسع عشر فى الزخرف : (أَآلِهَتُنا) (2).
    العشرون فى الأحقاف : (أَذْهَبْتُمْ) (3).
    الحادي والعشرون والثاني والثالث والرابع والعشرون فى الواقعة : (أَأَنْتُمْ) (4).
    الخامس والعشرون فى المجادلة : (أَأَشْفَقْتُمْ) (5).
    السادس والعشرون فى الملك : (أَأَمِنْتُمْ) (6).
    السابع والعشرون فى القلم : (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) (7).
    الثامن والعشرون فى النازعات : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ) (Cool.
    التاسع والعشرون : (ألهكم) (9).
    الثلاثون : (آلذَّكَرَيْنِ) (10).
    الحادي والثلاثون : (آزَرَ) (11).
    وفى كل ذلك اختلاف بين القراء السبعة ؛ إلا فى قوله : (آلذَّكَرَيْنِ) (12) (آزَرَ) (13).
    __________________
    (1) فصلت : 44.
    (2) الزخرف : 58.
    (3) الأحقاف : 20 في قراءة.
    (4) الواقعة : 59 و 64 و 69 و 72.
    (5) المجادلة : 13.
    (6) الملك : 16.
    (7) القلم : 14 في قراءة : (أأن كان).
    (Cool النازعات : 27.
    (9) التكاثر : 1 في قراءة : (أألهكم).
    (10) الأنعام : 143 ، 144.
    (11) الأنعام : 74.

    فإن السبعة اجتمعت على مد (آلذَّكَرَيْنِ) فى الموضعين و (آزَرَ) على / وزن أفعل.
    وأما قوله : (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) (1).
    وقوله : (اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ) (2).
    وقوله : (آلْآنَ) (3).
    فإنهم أجمعوا على مدّ هذه الأحرف ، ولم يحذفوا المد ، كى لا يشتبه الخبر بالاستفهام لو قيل : الآن ، والله أعلم.
    وأما التقاؤهما من الكلمتين ، مما جاء فى التنزيل على ثلاثة أضرب ، فهما متفقتان على الفتح ، وهى فى تسعة وعشرين موضعا :
    أولها فى النساء : (السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) (4).
    وفيها : (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) (5) وهكذا فى المائدة.
    وفى الأنعام : (جاءَ أَحَدَكُمُ) (6).
    وفى الأعراف : (جاءَ أَجَلُهُمْ) (7).
    وفى هود : (جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) (Cool اثنان. (جاءَ أَمْرُنا) (9) خمسة.
    __________________
    (1) يونس : 59.
    (2) يونس : 91.
    (3) يونس : 91.
    (4) النساء : 5.
    (5) النساء : 43 ـ المائدة : 6.
    (6) الأنعام : 61.
    (7) الأعراف : 34.
    (Cool هود : 76 و 101.
    (9) هود : 40 و 58 و 66 و 82 و 94.

    وفى الحجر : (جاءَ آلَ لُوطٍ) (1) وفيها : (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) (2).
    وفى النحل : (جاءَ أَجَلُهُمْ) (3).
    وفى الحج : (السَّماءَ أَنْ تَقَعَ) (4).
    وفى المؤمنين : (جاءَ أَمْرُنا) (5) وفيها : (جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) (6).
    وفى الفرقان : (مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ) (7).
    وفى الأحزاب : (إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) (Cool.
    وفى الملائكة : (جاءَ أَجَلُهُمْ) (9).
    وفى المؤمن : (جاءَ أَمْرُ اللهِ) (10). وفى الحديد مثله (11).
    وفى المنافقين : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) (12).
    وفى اقتربت الساعة : (جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ) (13).
    وفى سورة محمد «عليه‌السلام» : (جاءَ أَشْراطُها) (14).
    وفى عبس : (شاءَ أَنْشَرَهُ) (15).
    __________________
    (1) الحجر : 61.
    (2) الحجر : 67.
    (3) النحل : 61.
    (4) الحج : 65.
    (5) المؤمنون : 27.
    (6) المؤمنون : 99.
    (7) الفرقان : 57.
    (Cool الأحزاب : 24.
    (9) فاطر : 45.
    (10) غافر : 78.
    (11) قوله تعالى : (حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) الحديد : 14.
    (12) المنافقون : 1.
    (13) القمر : 41.
    (14) محمد : 18.
    (15) عبس : 22.

    الضرب الثاني : همزتان مكسورتان من كلمتين ، وهى فى ثلاثة عشر موضعا ،
    أولها فى البقرة : (هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ) (1).
    وفيها على قول الزيات والأعمش : (مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ) (2).
    وفى النساء : (مِنَ النِّساءِ إِلَّا) (3) موضعان.
    وفى يوسف : (بِالسُّوءِ إِلَّا) (4).
    وفى الأحزاب : (النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) (5). وفيها : (أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ) (6).
    وفيها : (لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ) (7). (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا) (Cool على قول نافع عن قالون ، وأبى حاتم عن ابن كثير.
    وفى النور : (الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ) (9).
    وفى الشعراء : (مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ) (10).
    وفى سبأ : (السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ) (11). وفيها : (أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ) (12).
    __________________
    (1) البقرة : 31.
    (2) البقرة : 282.
    (3) النساء : 21 و 24.
    (4) يوسف : 53.
    (5) الأحزاب : 32.
    (6) الأحزاب : 55.
    (7) الأحزاب : 50.
    (Cool الأحزاب : 53.
    (9) النور : 33.
    (10) الشعراء : 187.
    (11) سبأ : 9.
    (12) سبأ : 40.

    وفى الزخرف : (فِي السَّماءِ إِلهٌ) (1).
    وفى هود : (وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ) (2).
    وفى ص : (هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً) (3).
    وفى بنى إسرائيل : (هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ) (4).
    وفى السجدة : (مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) (5).
    وأما المضمومتان من كلمتين ففى موضع واحد : (أَوْلِياءُ أُولئِكَ) (6).
    فهذا فى المتفقين.
    وأما المختلفان ، ففى التنزيل على خمسة أضرب ، مضمومة دخلت على مفتوحة مثل: (السُّفَهاءُ أَلا) (7).
    و [الثاني] * : ضدها / مفتوحة على مضمومة نحو : (جاءَ أُمَّةً) (Cool ولا ثانى له.
    الثالث : مكسورة دخلت على مفتوحة مثل : (وِعاءِ أَخِيهِ) (9).
    [الرابع] (10) : ضدها : (شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ) (11).
    __________________
    (1) الزخرف : 84.
    (2) هود : 71.
    (3) ص : 15.
    (4) الإسراء : 102.
    (5) السجدة : 5.
    (6) الأحقاف : 32.
    (7) البقرة : 13.
    (Cool المؤمنون : 44.
    (9) يوسف : 76.
    (10) تكملة يقتضيها السياق.
    (11) البقرة : 133.

    الخامس : مضمومة دخلت على مكسورة مثل : (نَشؤُا إِنَّكَ) (1) ولا ضد لها.
    والضرب الأول : (السُّفَهاءُ أَلا) (2) (النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها) (3) (يَشاءُ أَلَمْ تَرَ) (4) (سُوءُ أَعْمالِهِمْ) (5) (وَالْبَغْضاءُ أَبَداً) (6) (لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ) (7) (تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا) (Cool (الْمَلَأُ أَفْتُونِي) (9) (الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ) (10). وأيضا : (الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ) (11) (جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ) (12).
    الضرب الثاني : (جاءَ أُمَّةً) (13) لا ثاني له.
    الثالث : (مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ) (14) (وِعاءِ أَخِيهِ) (15) موضعان (السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا) (16) (هؤُلاءِ آلِهَةً) (17) (مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) (18) (السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ) (19) (السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ) (20) (السَّماءِ أَوِ ائْتِنا) (21) (أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ)(22) (بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ) (23).
    __________________
    (1) هود : 87.
    (2) البقرة : 13.
    (3) الأحزاب : 50 ـ ولعله يريد : (النبيء أن) بالهمزة ، إذ لا شاهد في هذه القراءة.
    (4) إبراهيم : 27 و 28.
    (5) التوبة : 37.
    (6) الممتحنة : 4.
    (7) الأعراف : 100.
    (Cool الأعراف : 155.
    (9) النمل : 32.
    (10) النمل : 38.
    (11) يوسف : 43.
    (12) فصلت : 28.
    (13) المؤمنون : 44.
    (14) البقرة : 282.
    (15) يوسف : 76.
    (16) الفرقان : 40.
    (17) الأنبياء : 99.
    (18) الأعراف : 50.
    (19) الملك : 16.
    (20) الملك : 17.
    (21) الأنفال : 32.
    (22) الأحزاب : 55.
    (23) الأعراف : 28.

    والضرب الرابع :
    (شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ) (1) (وَالْبَغْضاءَ إِلى) (2) موضعان ، (شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ) (3) (شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ) (4) (وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ) (5) (إِنْ شاءَ [إِنَ]) (6) (اللهَ) (7). (أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا) (Cool (الدُّعاءَ إِذا) (9) ثلاثة مواضع (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ) (10) (عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) (11) وفى الأنبياء مثله (12) (نَبَأَ إِبْراهِيمَ) (13) (حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) (14).
    الضرب الخامس :
    (يَشاءُ إِلى صِراطٍ) (15) (يَشاءُ إِذا قَضى) (16) (الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا)(17) (نَشؤُا إِنَّكَ) (18) (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ) (19) (السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) (20) (يا زَكَرِيَّا إِنَّا) (21) (نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) (22) (لِما يَشاءُ إِنَّهُ) (23) (الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ) (24) (النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ) (25) (مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ) (26) فى يونس. وفى النور : (مَنْ يَشاءُ إِلى) (27) موضعان (28)
    __________________
    (1) البقرة : 133. (2) المائدة : 14 و 64.
    (3) الأنعام : 144.
    (4) يونس : 66.
    (5) يوسف : 24. (6) تكملة يقتضيها السياق.
    (7) التوبة : 28. (Cool الكهف : 102.
    (9) النمل : 80 والأنبياء : 45. (10) يوسف : 58.
    (11) مريم : 2.
    (12) الأنبياء : 89.
    (13) الشعراء : 19.
    (14) الحجرات : 9.
    (15) البقرة : 142.
    (16) آل عمران : 47.
    (17) البقرة : 282.
    (18) هود : 87.
    (19) الأعراف : 188.
    (20) فاطر : 43.
    (21) مريم : 7 ـ يريد : (يا زكرياء إنا) إذ لا شاهد في هذا الرسم.
    (22) الحج : 5.
    (23) يوسف : 100.
    (24) النمل : 29.
    (25) الأحزاب : 45 ـ يريد : (النبيء إنا أرسلناك).
    (26) يونس : 25.
    (27) النور : 46.
    (28) وردت الآية في الموضع الآخر من سورة النور (ما يَشاءُ إِنَّ) آية 45.

    وفى الملائكة : (الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ) (1) (الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) (2).
    (النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ) (3) (النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) (4).
    فى حم عسق : (لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً) (5).
    وفيها : (ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ) (6).
    فذلك اثنان وستون موضعا.
    هذه الهمزات المختلفة ، روت القراء عن أبى عمرو تليين الثانية ، وتحقيق الأولى. وروى سيبويه عنه تليين الأولى ، وتحقيق الثانية نحو : يا زكريا زكريا وأما الهمزتان إذا التقتا وكانت كل واحدة منهما من كلمة ، فإن أهل التخفيف يخففون إحداهما ، ويستثقلون تحقيقهما لما ذكرت لك ، كما استثقل أهل / الحجاز تخفيف الواحدة ، فليس فى كلامهم أن تلتقى همزتان فتحققا ومن كلامهم تخفيف الأولى ، وتحقيق الثانية ، سمعنا ذلك من العرب.
    وحدثنى هارون القارئ ، أنه سمع العرب يقولون ، وهو قوله : (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها)(7) و (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ) (Cool وهو قول أبى عمرو ، وأنشد الشاعر :
    كلّ غرّاء إذا ما برزت
    ترهب العين عليها والحسد (9)

    انتهى كلامه.
    وكان المقصود من إدخال هذا الباب الإشارة بهذا الخلاف بين سيبويه والقراء فى روايتهم عن أبى عمرو ، وكل حسن جائز فصيح.
    __________________
    (1) فاطر : 28.
    (2) فاطر : 15.
    (3) الممتحنة : 12.
    (4) الطلاق : 1.
    (5) الشورى : 49.
    (6) الشورى : 27.
    (7) محمد : 18.
    (Cool مريم : 8.
    (9) الكتاب (1 : 167).

    الثامن عشر
    هذا باب ما جاء في التنزيل من لفظ
    من وما والّذي وكلّ وأحد ، وغير ذلك
    كنى عنه مرة على التوحيد وأخرى على الجمع ، وكلاهما حسن فصيح ذكره سيبويه وغيره.
    فمن ذلك قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) (1). فكنى عن «من» بالمفرد حيث قال «يقول» ثم قال : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (2) ، فحمل على المعنى وجمع.
    وقال : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) (3) ، فأفرد الكناية فى «أسلم» و «له» و «هو». ثم قال : (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (4) فجمع.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) (5) ، فأفرده ثم جمع.
    __________________
    (1) البقرة : 8.
    (2) البقرة : 8.
    (3) البقرة : 112.
    (4) البقرة : 112.
    (5) الأنعام : 25.

    وقال فى موضع آخر : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) (1). وقال. (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) (2) فذكر «يقنت» ثم قال : (وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها) (3) فأنّث حملا على المعنى ، والقياس فى هذا أن يكنى عن لفظ ، ثم يحمل على المعنى ويثنّى ويجمع ويؤنث.
    فأما إذا كنيت عنه بالجمع ، ثم تكنى عنه بالمفرد ، فإنهم قالوا : هذا لا يحسن ، وقد جاء التنزيل بخلاف ذلك.
    قال : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) (4). فجمع «خالدين» بعد إفراد اللفظ. ثم قال : (قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) (5) ، فأفرد.
    قال عثمان ، فى قول الفرزدق من أبيات الكتاب :
    / ورثت أبى أخلاقه عاجل القرى
    وضرب عراقيب المتألي شبوبها

    «عاجل القرى» بدل من «أخلاقه» جوهر عن حدث ، لأن أخلاقه بدل من أبى ـ فهو كمعين بعد جاء حينه.
    ولا يلزم عوده إلى الأول ، لأنه قد جاء : (قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) (6) ويجوز أن يكون عاجلا كالعافية. ويوضحه ما بعده من المصدر.
    __________________
    (1) يونس : 42.
    (2) الأحزاب : 31.
    (3) الأحزاب : 31.
    (4) الطلاق : 11.

    قال : فرق بين معيّن وعاجل فى العود إلى الأوّل بأنه بيان ، وليس فى العود إلى «من» بيان الأول.
    وهو كلام ساقط بعد الجهل بقوله : (قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) (1).
    وجوّز فى «أخلاقه» أن يكون مفعولا ثانيا ، ويجوز حذف «من» أي : من أبى.
    وإذا ثبت وصحّ أنه يجوز ويحسن العود إلى الإفراد بعد الجمع ، كان قوله : (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) (2) ـ تذكيرا بعد التأنيث ، لأنه أنث خالصة حملا لها على معنى التأنيث ثم عاد إلى اللفظ.
    وإذا كان كذلك فقول الشّماخ :
    أمن دمنتين عرّس الرّكب فيهما
    بعقل الرّجامى قد عفا طللاهما

    أقام على ربعيهما جارتا صفا
    كميتا الأعالى جونتا مصطلاهما

    لا يبطل به حجة من احتج على إجازة سيبويه : «مررت برجل حسن وجهه» ، قد احتجّ بهذا البيت على جواز المسألة. وقال : «جونتا مصطلاهما» كحسنى وجههما. فقال قائلون : إن قوله : «مصطلاهما» بعودهما إلى الأعالى ، لأن الأعالى بمعنى الأعليين.
    __________________
    (1) الطلاق : 11.
    (2) الأنعام : 139.

    قيل لهم : التثنية بعد الجمع محال لا يحسن.
    فقالوا : قد جاء الإفراد بعد الجمع ، والتذكير بعد التأنيث ، وإنما يبطل احتجاجهم بأنه لا يقال كميتا الأعالى جونتا مصطلى الأعالى. وإنما يقال مصطلى الأسافل.
    وهذا حديث قد كتبناه فى مواضع ليس من بابة هذا الكتاب.
    ومن ذلك قوله تعالى : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) (1) فكنى عنه بالمفرد. ثم قال : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) (2) ـ فكنى عنه بالجمع.
    ومثله : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) (3). ثم قال : (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)(4).
    وقال : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) (5). ثم قال : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) (6).
    ويجوز أن يكون التقدير فى قوله : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ) (7) ـ أي ، وفيما يتلى عليكم فحذف الخبر.
    ومثله : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) (Cool أي تماما على المحسنين ـ عن مجاهد ، كأنه قيل : تماما على المحسنين الذي هو أحدهم.
    __________________
    (1) البقرة : 17.
    (2) البقرة : 17.
    (3) الزمر : 33.
    (4) الزمر : 33.
    (5) الأحقاف : 17.
    (6) الأحقاف : 18.
    (7) الأنعام : 154.

    وقيل : تماما على إحسانه ـ أي إحسان موسى بطاعته فيكون مصدرا كقوله : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) (1) أي كخوضهم.
    وعلى الأول جنس كقوله : (بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) (2) وقوله : (أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا) (3).
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ) (4).
    قال أبو على : القول فيما يعود من الصلة إلى الموصول ، أنه لا يخلو من أن يكون «ما» يقدرها محذوفة ، أو يكون الواو فلا يجوز أن تكون الهاء لأن الكفار يعرفون ما يتخذونه آلهة.
    فإذا لم يجز ذلك علمت أن الراجع إلى الموصول ، الواو فى «يعلمون».
    وإنما عاد عليه على لفظ الجمع كما قال : (وَلا يَسْتَطِيعُونَ) (5) ـ فحمل على المعنى ، والضمير فى «يجعلون» للكفار ، والذي فى «يعلمون» ، يعود إلى «ما». كما قال : (وَما يَشْعُرُونَ) (6)
    فهذا كقوله :
    (ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ) (7). فالضمير فى «لا يستطيعون».
    __________________
    (1) التوبة : 69.
    (2) الزمر : 35.
    (3) فصلت : 29.
    (4) النحل : 56.
    (5) النحل : 72.
    (6) النحل : 21.
    (7) النحل : 73.

    وقال فى موضع آخر : التقدير : ويجعلون لما لا يعلمونه إلها فحذف المفعولين.
    ومن ذلك قوله : (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا) (1) يحتمل قوله : تلقف ـ أمرين :
    يجوز أن يكون فى «تلقف» ضمير قوله : «ما فى يمينك» وأنث على المعنى ، لأنه فى المعنى : عصا.
    ويؤكد ذلك قوله : (فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) (2)
    وكذلك يكون الضمير فى قوله : (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ) (3) ويجوز أن تكون «تلقف» للمخاطب وجعله هو المتلقف ، وإن كان المتلقف فى الحقيقة العصا ـ لأنه بإلقائه كان ، فأسند التلقف إليه ، وإن كان للعصا فى الحقيقة ، كما قال : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (4).
    ومما حمل على المعنى : قوله (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما) (5). فالضمير فى يتعلمون يعود إلى «أحد».
    وقال : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) (6) ، و «بين» لا تضاف إلى المفرد ، قال فى ثلاثة مواضع هذا اللفظ.
    __________________
    (1) طه : 69.
    (2) الشعراء : 45.
    (3) طه : 69.
    (4) الأنفال : 17.
    (5) البقرة : 102.
    (6) البقرة : 136.

    وقال : (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ) (1) فجمع الضمير فى «يحاجوكم» حملا على المعنى.
    وقال : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) (2). فهذا على الحجازية : «أحد» اسمها ، و «حاجزين» خبر له.
    ولم يبطل الفصل هنا عمل «ما» ـ لأن الفصل بالظرف كلا فصل.
    وعلى التميمية : «حاجزين» نعت ل «أحد» على المعنى. و «منكم» خبره.
    ومن الحمل مرة على اللفظ وأخرى على المعنى. قوله : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) (3).
    وقال : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ) (4) ـ ولم يقل : آتوه. ولا آتوا الرحمن. كما قال : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) (5) ـ (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (6). وقال : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (7).
    __________________
    (1) آل عمران : 73.
    (2) الحاقة : 47.
    (3) مريم : 93.
    (4) مريم : 95.
    (5) النمل : 87.
    (6) يس : 40.
    (7) القصص : 88.

    التاسع عشر
    باب ما جاء في التنزيل من ازدواج الكلام
    والمطابقة والمشاكلة وغير ذلك
    وهو باب واسع :
    مرة يشاكل اللفظ باللفظ ، والمعنى بالمعنى ، وباللفظ دون المعنى ، وبالمعنى دون اللفظ.
    فما جاء من ذلك :
    قراءة من قرأ : (وما يخادعون إلّا أنفسهم) بالألف طابق به قوله : (يُخادِعُونَ اللهَ)(1). وأراد أن يكون اللفظ المثبت هو المعنى.
    ومثله : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (2) (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (3) والثاني جزاء الاستهزاء.
    ومثله : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) (4) والثاني جزاء وليس بعدوان.
    __________________
    (1) البقرة : 9.
    (2) البقرة : 14.
    (3) البقرة : 15.
    (4) البقرة : 194.

    وهذه (1) الميم مخفاة ، غير مدغمة فى الباء بتة ، وليست بمظهرة كإظهارها فى قولهم : شاة زنماء وأنملة.
    لأن إدغامها هناك يتوهم / معه أنه من المضاعف بخلاف قولهم : امّحى وادّخل. لأن المثال : انفعل. وليس فى الكلام إفعل.
    ومن المشاكلة أيضا : قوله : (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) (2) فنصبوا «رهبانية» فى الاختيار وسعة الكلام ، بفعل مضمر ، ليطابق الفعل المصدر به الكلام.
    ومثله لو وقع ابتداء اختير فيه الرفع دون النصب ، نحو : زيد ضربته.
    ومثل الآية : (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ) (3).
    فجاء «والظالمين» منصوبا بفعل مضمر ، ليطابق «يدخل».
    على تقدير : يدخل من يشاء فى رحمته ، ويعذب الظالمين.
    ومثله : (وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) (4). فنصبوا «كلّا» بمضمر. لأنه قد تقدم : (فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) (5).
    __________________
    (1) في الأصل : «وهذا الميم».
    (2) الحديد : 27.
    (3) الإنسان : 31.
    (4) الفرقان : 39.
    (5) الفرقان : 36.

    ومثله : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) (1) أي جازاهم.
    وقوله : (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) (2).
    ومثله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (3).
    فهذا كله طباق على المعنى.
    وروعى فى «ما يخادعون» ـ طباق اللفظ والمعنى.
    ومن ذلك قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (4) أبدلوا من السين صادا لتوافق الطاء فى الإطباق لأن السين مهموسة والطاء مجهورة.
    ولهذا أبدلها من أبدلها ، لتوافق الطاء فى الجهر.
    ومثله : قوله : (أَنْبَأَهُمْ) (5) (فَانْبَجَسَتْ) (6) (وَإِنْ يَكُ) (7) أبدلوا من النون ميما ، لأن الميم يوافق الباء فى المخرج ، وتوافق النون فى الغنة.
    فلما لم يستتب إدغام النون فى الباء لبعدها منها وأرادوا تقريب الصوت أبدلوها ميما.
    __________________
    (1) آل عمران : 54.
    (2) التوبة : 79.
    (3) الشورى : 40.
    (4) فاتحة الكتاب : 5.
    (5) البقرة : 33.
    (6) الأعراف : 160.
    (7) غافر : 28.

    وقد جاء : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ) (1) بالرفع والنصب.
    فمن نصب نظر إلى قوله : (نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) (2).
    ومن رفع نظر إلى قوله : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ) (3) (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ) (4).
    فأما قوله تعالى : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ. وَالسَّماءَ رَفَعَها) (5) فإن الاختيار كان النصب وإن كان الصدر قوله (6) : «والنّجم والشّجر» ، لأن قوله «يسجدان» فعل وفاعل.
    وكان سيبويه يقول : إن قلت «زيد ضربته وعمرا كلّمته» ـ إن الاختيار فى عمرو النصب ـ لأنه معطوف على قولك : ضربته.
    فثار ثاثر الزيادي وقال : إنا لو قلنا «زيد وعمرو كلمته» لم يصح هذا.
    لأن قولك «عمرو كلمته» ليس فيه ضمير يعود إلى «زيد» ، فلا يصلح العطف على ما هو خبره.
    __________________
    (1) يس : 39.
    (2) يس : 37.
    (3) يس : 33.
    (4) يس : 37.
    (5) الرحمن : 6 ، 7.
    (6) في الأصل : «وقوله».

    فقال أبو سعيد : إن هذا الكلام من سيبويه ، محمول على إضمار الهاء ، والتقدير : زيد ضربته وعمرو كلمته فى داره ، أو عنده ، وأنت لو قلت : «زيد عمرو كلمته فى داره» صح وجاد.
    وليس الأمر كما قال الزيادي ، ولا كما قال السيرافي ، لأن المعطوف لا يعتبر فيه وضعه موضع المعطوف عليه.
    فسيبويه أضمر الفعل ، ليشاكل «ضربته» ويشاكل «يسجدان».
    والإعراب : ما لم يظهر فى موضع الجملة ، لم يعتد به.
    وباب المطابقة باب حسن جدا على ما حكى سيبويه : «حجر ضبّ خرب».
    / فتركوا الرفع فى خرب ، وجرّوه حرصا على المطابقة.
    ومنه قراءة الحسن : (الحمد لله) (1) بضم اللام تبعا للدال ، وعكسه كسر الدال ، تبعا للام عن الحمصي.
    وعليه قراءة أبى جعفر : (للملائكة اسجدوا) (2) بضم التاء تبعا للجيم.
    __________________
    (1) فاتحة الكتاب : 1.
    (2) البقرة : 34.

    وعليه ما رواه أبو حاتم فى اختياره : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) (1) بكسر الحاء تبعا للقاف.
    وعليه ما رواه عن يعقوب هو أو غيره : (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) (2) بكسر العين تبعا لأنفسكم.
    وعليه ما قرأ به أبو جعفر : (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) (3).
    ومثله : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) (4) ولهذا المعنى اختص قوله فى سورة النحل: (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (5) بإدخال اللام.
    وجاء فى الأخريين : «فبئس» لمجاورة قوله : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) (6)
    فأما قوله تعالى :
    (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ) (7).
    __________________
    (1) المائدة : 45.
    (2) يونس : 23.
    (3) القمر : 3.
    (4) المائدة : 6.
    (5) النحل : 29.
    (6) النحل : 30.
    (7) البقرة : 159.

    فإن «أولئك» فى موضع الرفع بالابتداء ، فى قياس ما اختاره سيبويه ، فى قولهم : «إنّى زيد لقيت» و «إنّى أخوك رأيته». لأن الموضع لا يختص بالفعل «فأولئك» ابتداء «ويلعنهم الله» خبره ، والجملة خبر إن ، ويجوز النصب ، وليس باختيار.
    وهذا بخلاف قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (1) لأنه جاء منصوبا ، دون أن يكون مرفوعا ، لأنه لو رفع ، لاحتمل أن يكون الخبر «بقدر» ويكون (خَلَقْناهُ) حرّا صفة للنكرة ، واحتمل أن يكون «خلقناه» خبرا ، والغرض تعميم «كلّ شىء» بالخلق. والتقدير : إنا خلقنا كل شىء.
    فعلى هذا قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ) (2).
    وكذلك : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) (3).
    «أولئك» مبتدأ ، و «سوف يؤتيهم» خبره والجملة خبر «الّذين».
    وكذلك قوله : (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا) (4)
    __________________
    (1) القمر : 49.
    (2) البقرة : 160.
    (3) النساء : 152.
    (4) النساء : 18.

    الاختيار فى «أولئك» الرفع دون النصب بمضمر دل عليه «أعتدنا لهم» ، لأنه ابتداء وخبر.
    والجملة خبر قوله : «ولا الّذين» إذا رفعت الذين بالابتداء.
    فأما قوله : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ) (1).
    فالاختيار النصب فى «الموتى» / بإضمار فعل على تقدير ويبعث الموتى ليكون معطوفا على «يستجيب». فإذن الوصل أحسن من الوقف ، أعنى على «يسمعون».
    وأما قوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) (2) فالاختيار الرفع ، لأن الموضع موضع اسم ، لأن «أمّا» وإن كان يعنى الشرط ، حيث أقيم مقام مهما ، فإن الشرط محذوف وما بعد الفاء مقدم على الفاء من المبتدأ ، فالموضع موضع اسم ، وقرأها الحسن والأعمش «وأمّا ثمود» بالنصب بفعل مضمر ، مقدر بعده مفسر ب «هديناهم» على تقدير : وأما ثمود فهدينا.
    فحذف فهدينا لاستغنائه بهديناهم ، ولا يكون (وأما هديناهم) لأن (أمّا) اسم لا يدخل الفعل.
    وتقول : «إذا زيد ضربته أهنته» الاختيار الرفع عنده : خلافا للمبرد : «إن زيدا ضربته فائتنى» الاختيار النصب ـ لأن الشرط يصح فى الفعل.
    __________________
    (1) الأنعام : 36.
    (2) فصلت : 17.

    وكذلك : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ) (1). و (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) (2). (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (3). محمول على إضمار فعل.
    وكذلك فى : «كنت أخاك» ، و «زيدا اشتريت له ثوبا». الاختيار النصب ـ لأن كنت يتصرف تصرف الفعل.
    وكذلك «لست أخاك وزيدا أعينك عليه» لأنه من أخوات كان.
    وكذلك «هذا ضارب زيد وعمرا تمربّه». الاختيار النصب ـ لأن ضاربا بمعنى يضرب.
    وكذلك «ضربت زيدا وعمرا أنا ضاربه».
    فأما قولهم «لقيت زيدا وأما عمرو فقد مررت به ـ فالاختيار الرفع».
    وكذلك «لقيت زيدا وعمرو مررت به» ، و «لقيت زيدا فإذا عبد الله يضربه عمرو».
    وأما : «حتّى نعله ألقاها» (4).
    __________________
    (1) النساء : 128.
    (2) النساء : 176.
    (3) التوبة : 6.
    (4) جزء من بيت لابن مروان النحوي ، والبيت كاملا.
    ألقى الصحيفة كي يخفف رحله
    والزاد حتى نعله ألقاها



    فالرفع على الابتداء ، لأن «حتى» من حروف الابتداء ، والنصب بالعطف ، والجر بنفس «حتى».
    وكذلك «قد ضربت زيدا وسوف أضرب عمرا» ـ ولم يجز التقدم فى : «قد زيدا ضربت» ، ولا «سوف عمرا أضرب» ، «هلا زيدا أتيته» ، الاختيار النصب.
    لأنه تخصيص بمنزلة الاستفهام فى «أزيدا ضربته» و «هذا زيد يذهب» أقبح من «أزيد قام» لأن الألف أمّ الباب.
    و «هل زيد منطلق» أحسن من «هل زيد يذهب» لأن الفعل ينبغى أن يلى هل ، و «أزيد ضربته» أحسن من «إن زيد ضربته» لأن الشرط لا يحسن معه التأويل كما يحسن مع الهمزة «أأنت عبد الله ضربته» بالحمل على الابتداء يختار الرفع فى الحمل على الابتداء ، لأن الهمزة تعتمد على معنى الهمزة ، وأبو الحسن يحمله على الفعل ، فيختار النصب.
    وفى التنزيل : (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) (1).
    «أزيد أخوه تضربه» بالحمل على الابتداء ، ولم يجز النصب بإجماع ، لأنه ليس لزيد فى الفعل نصب ، ولو كان يضربه كان فيه الخلاف.
    «أزيدا أخاه تضربه» فى الحمل على الفعل ، لأن الفعل الواقع على أخيه ، واقع على سببه.
    __________________
    (1) الزمر : 19.

    وقيل : لا تقول فى زيدا إلا بالرفع ـ لئلا تتعسف بالحمل على تفسير التفسير.
    «زيد لم يضربه إلا هو» بالحمل على المرفوع ، دون المنصوب ، لأن فى حمله على المنصوب ، يجىء «زيد اضرب» ، فتصير الفضلة لا بد منها.
    «إذا عبد الله تلقاه فأكرمه» بالنصب ، وليس مثل «نظرت فإذا زيد يضربه عمرو» لأن إذا التي للمفاجأة بالاسم أولى.
    «جئت فإذا زيد ضربه عمرو» و «جئت إذا زيد ضربه عمرو».
    بخلاف : «إذا زيد يضربه عمرو».
    لأن «إذ» يطلب الماضي خاصة ، فإذا وقع المضارع صار بمنزلة الاسم ، فى أنها لا تطلبه.
    «زيدا اضربه» بالنصب ، لأن الهمزة بالفعل أولى.
    «زيدا ليقطع الله يده» بالنصب ، لأنه دعاء ، وهو بمنزلة الأمر.
    «ما زيدا ضربته ولا عمرا كلمته» لأنه بالفعل أولى ، مالم يعمل فى الاسم.
    قال أبو الحسن : وتقول : «أزيدا كان أبوه منطلق» منطلق فى موضع النصب ، خبر كان وهو بسبب من زيد.
    وهكذا «زيد عسى أبوه أن يقوم» لأن «أن يقوم» فى موضع النصب.

    وكذا فى «كاد» و «عسى» تقول :
    «أزيد عسى أن يقوم أخواه» و «أزيد كاد أن يقوم أخواه» فى الشعر ، فترفع لأن سببه فى موضع رفع.
    وكذلك «أخواك عسى أن يقوما» كأنك قلت : عسى قيامهما.
    ولو قلت : «عسى أخواك أن يقوما» كانت فى موضع نصب.
    وكذلك : زيدا ليس أخوه منطلق ـ يختار النصب فى «ليس» ضمير الحديث.
    وتقول : «أخويك زيد وعمرو عسى أن يضرباهما» فتضمر فى «عسى» ويكون «أن يضرباهما» فى موضع نصب ، وتحمل / «أخويك» عليه.
    ويجوز : «أخواك زيد وعمرو عسى أن يضرباهما» على أن تجعل أن تضرباهما فى موضع رفع ، ولا تضمر فى «عسى». وترفع «أخواك» لأن سببهما فى موضع رفع ، فيكون «زيد وعمرو» أحدهما معطوفا على الآخر ، وهما فى موضع الابتداء بالثاني.
    و «عسى أن تضرباهما» فى موضع الجر ، والضمير الذي فى «يضرباهما» يعود إلى المبتدأين فهذا تقدير.

    والتقدير الآخر : على أن ترفع الأول والثاني بالفعل ؛ لأن سببهما رفع ، وهو الضرب ، إذ الضرب متصل بضميرهما ، وضمير زيد وعمرو والضرب مرفوع بالفعل ، فترفع الأول والثاني بالفعل ، كأنك قلت : «أيرجى أخواك رجاء زيد وعمرو أن يضرباهما».
    فهذا التقدير الثاني ، على قياس إعمال الفعل ، إذا عمل فى السبب أن يعمل فى الأول.
    ومن المطابقة : قوله تعالى فى سورة هود : (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) (1).
    فأدخل التاء فى الفعل مع الفصل لمجاورة قوله : (كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) (2). ومثله : (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) (3) ، بالتاء مع الفصل ، لمجاورة قوله : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ)(4).
    وقال : (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ) (5) ، بالتاء كقوله : (أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا) (6) وإن كان ذلك للخطاب.
    __________________
    (1) هود : 94.
    (2) هود : 94.
    (3) إبراهيم : 50.
    (4) إبراهيم : 48.
    (5) يونس : 78.
    (6) يونس : 78.

    وقال : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ) (1) ، فترك النون فى سورة النحل ، لأن سياق الآية : (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (2) بخلاف ما فى سورة النحل ، حيث جاءت بالنون.
    ومن المطابقة :
    قراءة حفص عن عاصم : (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ) (3) (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ) (4) بضم الميم مع كسرها فى سائر التنزيل ، ليطابق ضم القاف فى «قتلتم».
    وعلى هذا قراءة أبى عمرو : (قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ) (5) بالتشديد مع تخفيفه فى سائر التنزيل ، ليطابق قوله : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) (6).
    كما أن ابن كثير خص الموضعين بالتشديد فى قوله تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ)(7).
    وقوله : (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا) (Cool لمجاورة قوله : (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) (9)
    __________________
    (1) النحل : 127.
    (2) النحل : 120.
    (3) آل عمران : 157.
    (4) آل عمران : 158.
    (5) الأنعام : 37.
    (6) الأنعام : 37.
    (7) الإسراء : 82.
    (Cool الإسراء : 93.
    (9) الإسراء : 106.

    وخص يعقوب بالتشديد قوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ) (1). لقوله : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ) (2).
    وأظهر أبو عمرو الباء عند الميم فى جميع التنزيل ، نحو قوله : (وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ) (3).
    وأدغمها / فى قوله : (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) (4). فى خمسة مواضع :
    فى البقرة وآل عمران وفى المائدة فى موضعين وفى سورة العنكبوت.
    لموافقة : (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ) (5) وهو يدغم الراء فى اللام والميم فى الميم.
    ومن ذلك قوله تعالى : (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) (6) ، جاء منصوبا ، لأن قبله (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) (7) ـ فنصب لما ذكرنا بفعل مضمر ، ليكون مطابقا وموافقا.
    وكذا (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ) (Cool جاء منصوبا لهذا المعنى.
    وأما قوله تعالى : (أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) (9).
    __________________
    (1) النحل : 101.
    (2) النحل : 102.
    (3) النساء : 81.
    (4) العنكبوت : 21.
    (5) العنكبوت : 21.
    (6) الإسراء : 12.
    (7) الإسراء : 12.
    (Cool الإسراء : 13.
    (9) النور : 41.

    ففاعل «علم» الضمير على «كل» ولا يجىء على مذهب سيبويه.
    وما جاء عليه التنزيل من هذا النحو ، أن يكون فاعل «علم الله» ، ولو كان كذلك لوجب أن ينصب «كل».
    ألا ترى أنك تقول «يقوم زيد وزيدا أضرب غلامه» فتنصب «زيدا» لأن الذي من سببه منصوب.
    وكذلك قوله : «كلّ قد علم» ولو كان فاعل «علم» اسم الله دون الضمير العائد إلى «كل» لنصب.
    وكذلك قوله : (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (1) ففاعل «يرفع» الضمير العائد إلى «العمل الصّالح» ، و «العمل الصّالح» مبتدأ.
    ولو كان فاعل «يرفعه» اسم الله أو «الكلم» على رفع الكلم العمل لوجب نصب العمل ، لأنه معطوف على «يصعد».
    وكأن المعنى (2) : والعمل الصالح يرفع الكلم الطّيّب ، فى رفعه الكلم ، أنه لا يحبط بالعمل السيّء ، ولا يرتفع إليه ، ويخلص من غير إحباط يقع عليه ، من أجل عمل سيىء. وذكّر الضمير فى يرفعه ، لأنه للكلم ، كشجرة وشجر.
    __________________
    (1) فاطر : 10.
    (2) في الأصل : «وكان والمعنى».

    ومن المطابقة :
    قراءة حفص (1) فى سورة الكهف : (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) (2) بضم الهاء من «أنسانيه».
    لما رأى أن الهاء المتصل ب «أذكره» وهو فى صلة «أن» الذي صار بدلا من الهاء ، وفق بين الحركتين فى الهاء.
    ولهذا المعنى هرب فى قوله : (وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً) (3) عن الكسرة فأشبعها ، كيلا يلزمه أن يتبع الهاء الميم.
    ومن المطابقة والمجاورة :
    قراءة ابن عامر ، فى جميع التنزيل (يا أبت) بفتح التاء تبعا للباء.
    وعلى هذا حكاية سيبويه / فى : «يا طلحة لما رخّموا» ثم ردوا التاء ، فتحوها تبعا للحاء.
    ومثل ذلك ما رواه أبو بشر عن ابن عامر : (ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً) (4) بفتح اللام تبعا للعين.
    وعن أبى حنيفة : (طَعامٌ تُرْزَقانِهِ) (5) ، بضم النون تبعا للهاء.
    وعن الحلواني عن ابى عامر : (أَتَعِدانِنِي) (6) ، بفتح النون تبعا للألف ، وطلبا للمطابقة.
    __________________
    (1) في الأصل : «قراءة حفصة».
    (2) الكهف : 63.
    (3) الفرقان : 69.
    (4) الزمر : 21.
    (5) يوسف : 37.
    (6) الأحقاف : 17.

    وعن أبن أبى عبلة : (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) (1) ـ بفتح التاء تبعا لفتحة النون.
    وعن الأئمة السبعة فتح الميم من قوله : (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا) (2) غير نافع وابن عامر ـ وهم يعدّون النصب فى مثل ـ هذا شاذّا نحو : إن تقعد أقعد وأكرم. يختارون الجزم والرفع ، دون النصب فى وأكرم ، ومع هذا أطبقوا خمستهم على فتح الميم تبعا للام. وعلى هذا أطبقوا خمستهم على فتح الميم تبعا للام.
    وأما قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (3) بنصب الميم. فيجوز أن يكون من هذا الباب فتح الميم إجماعا.
    ولم يكن فتح العين فى قوله :
    (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ) (4) إجماعا ، وإنما هى قراءة ابن أبى عبلة.
    وقال النحويون فى الآيتين : إن نصبهما على الصرف ، فلم كان أحدهما إجماعا ، والآخر شاذا؟ ـ وإن كانت التبعية عندك هى العلة ، فقد وجدت التبعية أيضا فى النون من قوله : «ونمنعكم».
    __________________
    (1) التغابن : 15.
    (2) الشورى : 35.
    (3) آل عمران : 142.
    (4) النساء : 141.

    فالجواب :
    أن المستحسن من هذا إنما هو الجزم ، والنصب على الصرف ليس بمستحسن ، فجاء: (وَنَمْنَعْكُمْ) مجزوما على ما هو المختار.
    وإنما عدلوا إلى الفتح فى : (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) لأن إسكان الميم هنا محال ، لما يتأتى من التقاء الساكنين ، وكان الجزم ممتنعا ، فلا بد من التحريك ، والتحريك هنا الكسر ، كما هى قراءة بعضهم : (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ).
    والأئمة عدلوا عن الكسر إلى الفتح ، لأنها أخف مع انفتاح ما قبله.
    وليس فى قوله : (وَنَمْنَعْكُمْ) ـ التقاء الساكنين فيجب التحريك.
    وعن شعيب عن أبى بكر عن عاصم : (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) (1) بفتح النون ، لتساوى (الْمُكْرَمِينَ) (2) من بعده ، و (تُرْجَعُونَ) (3) من قبله.
    ولأن قوله (عون) بالكسر بعد الضم يصير كقولهم «زيدون».
    فكما وجب فتح النون بعد الواو هنا وجب فتحه أيضا هاهنا.
    ومن المطابقة :
    / حذف الجار والمجرور فى سورة الأعراف : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ)(4)
    __________________
    (1) يس : 25.
    (2) يس : 27.
    (3) يس : 22.
    (4) الأعراف : 101.

    ولم يقل : كذبوا به ، لما كان سياق الآية : (وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ) (1)
    ولما قال : (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ) (2) ـ فى سورة يونس فأثبت الهاء ـ قال فى سياقها : (بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) (3).
    ومن المطابقة :
    قوله تعالى : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) (4) نصبه بإضمار فعل ـ لأن قبله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) (5) وكان أن تضمر وخلقنا الجان ـ أحسن وأجود.
    وإذا لم تعرف أنت حيث تستبدل بأن النصب هو المختار فى قوله : «قام زيد وعمرا كلمته».
    إلا قوله :
    أصبحت لا أنقل السّلاح ولا
    أملك رأس البعير إن نفرا

    والذّئب أخشاه إن هممت به
    وحدي وأخشى الرّياح والمطرا

    ولا تطلب هذه الآي التي عددتها لك ، فما ذنبى من المطابقة.
    __________________
    (1) الأعراف : 96.
    (2) يونس : 73.
    (3) يونس : 74.
    (4) الحجر : 27.
    (5) الحجر : 26.

    وقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (1)
    ومن ذلك قوله : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) (2) ولم يقل : من أعبد لأن قبله : (ما تَعْبُدُونَ) (3) يعنى الأصنام ـ فجاء على الازدواج والمطابقة.
    * * *
    إلى هنا ينتهي
    القسم الأول من اعراب القرآن
    من تجزئة المحقق ،
    ويليه القسم الثاني وأوله :
    الباب المتم العشرين
    __________________
    (1) الشورى : 40.
    (2) الكافرون : 3 ، 5.
    (3) الكافرون : 2.

    فهرست القسم الأوّل
    من
    إعراب القرآن
    مقدمة المؤلف 3 ـ 9
    الباب الأول : ما ورد في التنزيل من إضمار الجمل 11 ـ 40
    الباب الثاني : ما جاء في التنزيل من حذف المضاف 41 ـ 94
    الباب الثالث : ما جاء في التنزيل معطوفا «بالواو والفاء وثم» من غير ترتيب الثاني على الأول 95 ـ 105
    الباب الرابع : ما جاء في التنزيل وقد حذف منه حرف الجر 106 ـ 130
    الباب الخامس : ما جاء في التنزيل وقد زيدت فيه «لا» و «ما» وفي بعض ذلك إختلاف وفي بعض ذا اتفاق 131 ـ 140
    الباب السادس : ما جاء في التنزيل من الأسماء التي سميت بها الأفعال 141 ـ 159
    الباب السابع : ما جاء في التنزيل من أسماء الفاعلين مضافة إلى ما بعدها بمعنى الحال أو الاستقبال 160 ـ 164
    الباب الثامن : ما جاء في التنزيل من إجراء «غير» في الظاهر على المعرفة 165 ـ 166
    الباب التاسع : ما جاء في التنزيل من كاف الخطاب المتصلة بالكلمة ولا موضع لها من الاعراب 167 ـ 169
    الباب العاشر : ما جاء في التنزيل من المبتدأ ويكون الاسم على إضمار المبتدأ وقد أخبر عنه بخبرين 170 ـ 217
    الباب الحادي عشر : ما جاء في التنزيل من الإشمام والّروم 218 ـ 250

    الباب الثاني عشر : ما جاء في التنزيل ويكون الجار والمجرور في موضع الحال محتملا ضميرا من صاحب الحالة 251 ـ 373
    الباب الثالث عشر : ما جاء في التنزيل دالا على جواز تقديم خبر المبتدأ 374 ـ 385
    الباب الرابع عشر : ما جاء في التنزيل وقد حذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه 286 ـ 308
    الباب الخامس عشر : ما جاء في التنزيل من حذف الجار والمجرور 309 ـ 351
    الباب السادس عشر : ما جاء في التنزيل وقد حذف منه همزة الاستفهام 352 ـ 353
    الباب السابع عشر : ما جاء في التنزيل من اجتماع الهمزتين 354 ـ 368
    الباب الثامن عشر : ما جاء في التنزيل من لفظ «من» و «ما» و «الذي» و «كل» و «أحد» وغير ذلك 369 ـ 375
    الباب التاسع عشر : ما جاء في التنزيل من ازدواج الكلام والمطابقة والمشاكلة وغير ذلك
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    اعراب القرأن ج1
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » متشابهات القرأن
    » من متشابه القرأن ومختلفه ج2
    » الميزان في تفسير القرأن ج2
    » الميزان في تفسير القرأن ج3
    » اهل البيت عليهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرأن

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 37-منتدى كتب القرأن الكريم-
    انتقل الى: